إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر المصرية




المقدم جلال هريدي
الفريق أول صدقي محمود
الفريق عبدالمنعم رياض
الفريق عبدالمحسن مرتجي
الفريق عزت سليمان
شمس بدران
سامي شرف
شعراوي جمعة
عبدالحكيم عامر

أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الخطة الإسرائيلية للضفة الغربية
الخطة الإسرائيلية للقدس
الضربات الجوية الإسرائيلية
الضربة الجوية الإسرائيلية
القتال داخل القدس
توزيع المجهود الجوي الإسرائيلي
توزيع القوات السورية
توزيع قوات الطوارئ الدولية
تسلسل الضربات الرئيسية الإسرائيلية
تسلسل الضربة الجوية الأولى
خطة الدفاع الرئيسية لسيناء
خطة استخدام الطيران الإسرائيلي
سيناء بعد انسحاب الطوارئ

هجوم اللواء الجولاني
مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجمات الإسرائيلية على الأردن
الهجوم الإسرائيلي
الخطة الإسرائيلية
الخطة الإسرائيلية للهجوم
توزيع القوات الأردنية
توزيع القوات المصرية
خطة الهجوم على الجولان



حرب عام 1967

المبحث العاشر

الحرب على الجبهة المصرية "قرار الانسحاب"

أولاً: قرار الانسحاب (يوم 6 يونيه 1967)

خيمت أحداث 5، 6 يونيه 1967، بظلالها على فكـر القيادات العسكرية، وشكلت صدمة عنيفة لم تمكن هذه القيادات من رؤية بصيص ضوء في ظلام دامس صنعته تلك الأحداث وقد لخص الفريق أول محمد فوزي في كتابه حرب الثلاث سنوات لحظات اتخاذ قرار الانسحاب أسبابه، وتطوراته وردود فعله، ونظرا لموقعه كرئيس أركان حرب القوات المسلحة في تلك المرحلة فإننا ننقل أجزاء منها كشهادة للتاريخ ونذكر منها الأتي:

ظهرت أول نية للمشير بانسحاب القوات من سيناء عندما صدرت إشارة لاسلكية من القيادة العليا إلى قائد منطقة شرم الشيخ في الساعة 5.50 صباح يوم 6/6/1967 يطلب فيها وضع خطة كاملة لانسحاب قواته من شرم الشيخ إلى غرب القناة. وقد طلبني المشير بعد ظهر يوم 6/6/1967، قائلا لي: "عاوزك تحط لي خطة سريعة لانسحاب القوات من سيناء إلى غرب قناة السويس، ثم أضاف أمامك 20 دقيقة فقط".

فوجئت بهذا الطلب، إذ أنه أول أمر يصدر إلي شخصيا من المشير، الذي كانت حالته النفسية والعصبية منهارة، بالإضافة إلى أن الموقف لم يكن يسمح بالمناقشة أو الجدل، أو معرفة دوافع التفكير في مثل هذا الأمر. فقد كانت القوات البرية في سيناء عدا قوات الفرقة 7 مشاة متماسكة حتى هذا الوقت، ولم يكن هناك ما يستدعي إطلاقا التفكير في انسحابها.

أسرعت إلى غرفة العمليات حيث استدعيت الفريق "أنور القاضي" رئيس الهيئة، واللواء "تهامي" مساعد رئيس الهيئة وجلسنا فترة قصيرة نفكر في أسلوب وطريقة انسحاب القوات، بعد أن أعطيت طلب المشير إلى كليهما. وانتهى تقدير الموقف إلى وضع خطوط عامة جدا، وإطار واسع لتحقيق الفكرة، ودوّنها اللواء "تهامي" في ورقة، وكان هذا الإطار يحدد خطوط انسحاب القوات وتوقيت التمركز على هذه الخطوط.

توجهنا نحن الثلاثة إلى المشير، وكان منتظرا واقفا خلف مكتبه. واضعا إحدى ساقيه على كرسي المكتب، ومرتكزا بذقنه على ساقه الموضوعة فوق الكرسي.

بادرت المشير بقولي: "على قدر الإمكان، وقدر الوقت، وضعنا خطوطا عامة لتحقيق فكرة سيادتك، ونرجو الإذن بأن يقرأها اللواء "تهامي"، وبدأ اللواء "تهامـي" في القراءة بقوله: ترتد القوات إلى خط كذا يوم كذا ثم إلى خط كذا يوم كذا وأن يتم ارتداد القوات بالتبادل على هذه الخطوط لحين وصولها إلى الخط الأخير غرب قناة السويس بعد أربعة أيام من يوم البدء في الانسحاب - أي أن يتم الانسحاب في أربعة أيام وثلاث ليالي".

عندما سمع المشير الجملة الأخيرة الخاصة بتحديد مدة الانسحاب، رفع صوته قليلا موجها الحديث لي: "أربعة أيام وثلاث ليال يا فوزي، (أنا أعطيت أمر الانسحاب خلاص). ثم دخل إلى غرفة نومه التي تقع خلف المكتب مباشرة بطريقة هستيرية، بعد أن كان وجهه قد ازداد احمـرارا أثناء توجيه الحديث، بينما انصرفنا نحن الثلاثة مندهشين من حالة المشير. بعد ذلك وصـلت الأخبار من سيناء عن طريق الإسماعيلية "قيادة القناة" أن المشير قد أصدر أمره إلى قائد قوات العريش بانسحاب قواته بأسلحتها الشخصية فقط إلى غرب القناة في ليلة واحدة. والغريب أنه لا يمكن وصول هذه المعلومات عن قرار الانسحاب بعد ظهر يوم 6/6/1967، أي حوالي الساعة الخامسة مساء، إلا إذا كان الأمر قد صدر فعلا قبل الظهر من المشير، إلى قائد ما، لم نكن نستطيع حتى تلك اللحظة الاستدلال عليه.

وقد قام هذا القائد بتنفيذ الأمر بالنسبة لشخصه، وفرقته فقط، دون أن يخطر قيادته العليا والقوات التي تجاوره، وهذا عمل من الأعمال التي تحرم عسكريا في جميع القوانين العسكرية إذا أنه يمس أمن وسلامة بقية القوات مسا مباشرا.

الغريب أن الفريق أول "مرتجي" قائد الجبهة قد عرف بأمر الانسحاب، من القوات المنسحبة نفسها، وقرر أن مدير الشـرطة العسكرية توجه إلى قيادته، وأخبره بالأمر مدللا على ذلك بأنه الوحيد الموجود في الموقع بعد انسحاب القوات فعلا، أي لم يتم إخطاره لا من القيادة العليا ولا من الجيش الميداني، كما قرر أنه سأل الضابط عن مصدر الأمر فرد عليه الضابط بأنه أمر المشير شخصيا. وهنا أعود لنتذكر أن كلمة "أمر المشير" لها فعل السحر والطاعة، ولقد نفذ الفريق أول "مرتجي" بالفعل هذا الأمر وعاد بقيادته إلى الإسماعيلية.

كما قرر لي عند مقابلته في الإسماعيلية يوم 7/6/1967، أن المواصلات الداخلية بين قيادته وبين قيادة الجيش، وبين قيادته وبين التشكيلات والمحاور كانت مقطوعة من ليلة 5/6/1967، غير أن الفريق أول "مرتجي" قرر فيما بعد أنه اتصل بالمشير شخصيا وكلمة يوم 5/6/1967 مرتين بخصوص موقف القوات البرية.

أما قائد الجيش الميداني، الفريق "صلاح محسن" فكان على اتصال بالفريق "أنور القاضي"، والمشير شخصيا طوال النهار يوم 5/6/1967 مرة مباشرة وبقية المرات عـن طـريق اللواء "نصر الديب" في العريش، وقد عرض على الفريق "أنور القاضي" فكرته الابتدائية عن ارتداد القوات إلى النطاق الثاني، ولكنه طلب التصديق من المشـير قبل أي تنفيذ.

ولأهمية الاتصالات في ذلك اليوم 6/6/1967 الذي أصدر فيه المشير أمر الانسحاب إلى غرب قناة السويس، وفي ليلة واحدة فسنوردها كما رواها القادة كالآتي:

1. الساعة 11.30 صباحا تم اتصال بين "المشير" وبين الفريق أول "مرتجي" تكلم فيه الأخير عن اقتراحاته بالنسبة لانتقال القوات إلى خط الدفاع الثاني وموقف الفرقة الرابعة، كاحتياطي عام"

2. الساعة 3.30 بعد الظهر تم اتصال تليفوني بين الفرق "صلاح محسن"، والفريق أول "مرتجي"، أخطره فيه أن المشير يطلب قيام الفرقة الرابعة المدرعة بهجوم مضاد لفك حصار القسيمة,

3. الساعة 4 مساء، صدر أمر المشير الشفوي بالانسحاب إلى غرب القناة لمن؟ لا أحد يعلم,

4. الساعة 30ر4 مساء كلفني المشير بوضع اقتراح أو مشروعا لانسحاب القوات.

ثانياً: إشاعات حول خبر الانسحاب

لعدم وجود قرار مكتوب ومنظم لأمر الانسحاب، تطوع ضباط كثيرون خاصة من أفراد الشرطة العسكرية والاستخبارات الحربية، بزيادة تفصيلات وإضافات على الأمر نفسه، فزاد الغموض أكثر. وحدثت بلبلة في التنفيذ، وأصبحت حالة انهيار القوات ماديا ومعنويا هي السائدة وانقلب الانسحاب غير المنظم إلى فوضى وهلاك.

لقد انتشر خبر الانسحاب بأي طريقة، وبأي شكل، وبسرعة انتقل الأمر من مصادر غير مسؤولة أو متأكدة من القرار أو توقيته، فتعارضت أماكن تمركز المنسحبين، وطرق انسحابهم مرة إلى غرب القناة، ومرة إلى وسط الدلتا من دون تحديد مكان معين، مرة إلى هايكستب، ومرة أخرى إلى دهشور.

كانت كل هذه الأوامر صادرة من ضباط، وضابط صف الشرطة العسكرية التي كانت تُلقن من ضباط وأفراد مكاتب الاستخبارات الحربية، وأهمها مكتب الاستخبارات في العريش الذي انضم إلى مكتب مخابرات الإسماعيلية.

ووصل الحال إلـى أن أصبـح عـريف الشرطة العسكرية الواقف على مخرج المعبر رقم 6 بالإسماعيلية، المصدر الرئيسي للمعلومات عن عمليات انسحاب القوات من سيناء، أي التي عبرت قناة السويس ومنها تم انتقال الوحدات الإدارية للفرقة الرابعة المدرعة من سيناء إلى معسكر المطار شرق القاهرة مباشرة مساء يوم 6/6/1967 بقيادة نقيب اسمه ضرغام.

ثالثاً: هل كانت هناك ضرورة للانسحاب؟ ومن هو صاحب هذا القرار الخطير؟

كان موقف القوات المسلحة المصرية في سيناء حتى نهاية يوم 5 يونيه1967 يعتبر مقبولاً من الوجهة الإستراتيجية – ولا يدعو إلى اليأس برغم خروج قواتنا الجوية من الحرب –لأن القتال كان دائراً على النطاق الأول فقط، ولم يحقق العدو نجاحاً إلا في اتجاه المحور الساحلي فقط، أما باقي أوضاع القوات في النطاقات الدفاعية فكان ثابتا، ومعظمها لم يتعرض لأي هجوم برى00 علماً بأن وصول القوات المعـادية إلى العريش، لا يعنى انهيار الجبهة، ولا يعنى عدم القدرة على استخدام باقي القوات البرية في سيناء بعد مرور يوم واحد من أيام القتال للدفاع عن النطاقات الدفاعية الأخرى.

وللأسف الشديد فإن القيادة العامة في القاهرة لم تقدر الموقف بأسلوب سليم بعد تدمير الطيران المصري والموازنة بين أعمال قتال القوات في العراء، أو من خلال مواقع حصينة وقبول الحصار لحين صدور قرار سياسي بإيقاف النيران.. فكان قرار القيادة أولا بشن الهجمات والضربات المضادة حتى تصبح فريسة للطيران المعادى.. ثم قرار "الانتحار" الذي أطلق عليه "الانسحاب".

وقد استعرضنا في شهادة الفريق أول "محمد فوزي" عن ظروف إصدار القرار وملابساته.. وحتى ندقق.. من هو صاحب القرار؟ وهل المشير هو الذي اتخذ القرار منفرداً بصفته الشخصية كقائد عام؟ علماً بأن مثل هذا القرار لابـد أن تكون له الصفة السياسية أولاً… وهل هي فكرة الرئيس "عبدالناصر"؟… أم أن كليهما اتفقا على اتخاذ مثل هذا القرار؟.

يذكر الفريق أول "محمد فوزي": دار حديث تليفوني بين المشيـر "عـامر" والـرئيس "عبدالناصر" يطلب فيه الأول الرأي عن إمكانية الصمود في المضايق بدلاَ من الانسحاب، إلى غرب القناة، فلم يتلقى رداً من الرئيس سوى جملة واحدة كما علمت فيما بعد وهى (يعني كنت أخذت رأيي في الانسحاب الأول00 وجاي دلوقت تسألني رأيي عن المضايق). "ويضيف00 خلال ليلة 6/7 يونيه كان المشير يصارع انهياراً نفسيا تتيحه الموقف. فقد قضى طول الليل في غرفة نومه التي تقع خلف مكتبه ببدروم القيادة000 ولعل صدمة تحطيم القوات الجوية كانت العامل الأساسي في هذا الانهيار اليائس000 كان الكل تخيم عليهم حالة من الوجوم واليأس والانهيـار، وقـد قام "شمس بدران" بدور الحارس على غرفة المشير طوال الليل، حيث كان يدخل ويخرج ليتلـقى مكالمات تليفونية انحصرت في مكالمة مع الرئيس "عبدالناصر" وأخرى مع السفارة السوفيتية، وثالثة مع وزارة الخارجية.. انتهت بمناقشة ولغط كثير برز على لسان "شمس بدران" في صورة استدعائه للفريق "أنور القاضي" حيث سأله عن إمكانية وصول أمر إلى قيادة الجيش الميداني، وقيادة الفرقة الرابعة للتمسك بالمضايق… "والمفهوم هنا أن الرئيس "عبدالناصر" لم يكن راضيا عن قرار الانسحاب".

يذكر الفريق أول عبدالمحسن مرتجى، "سألت المشير "عامر" في زيارة له بعد الحرب مباشرة عن مدى معرفة رئيس الجمهورية بهذا القرار وهل وافق عليه أم أن المشير عامر هو صاحب القرار ولم يطلع عليه القائد الأعلى ولم يأخذ موافقته.. فمثل هذا القرار الاستراتيجي له نتائج سياسية خطيرة – ومن الضروري أن تشترك السياسة مع الإستراتيجية في اتخاذه.. وكان رد المشير أنه اتفق مع الرئيس "عبدالناصر" عليه. وأنه أخذ رأيه ولا يمكنه أن يتخذ هذا القرار بدون علمه".

يذكر المشير الجمسي في مذكراته: أنه كعـضـو في لجنة التاريخ بعد الحرب كان يستمع إلى شهادة العميد "عبدالستار أمين" مدير مكتب المشير "أن المشير "عامر" اتصل بالرئيس "عبدالناصر" يوم 6 يونيه، وأخطره بقرار الانسحاب بقوله: (سقطـت العريش، بقي في أبو عجيله ما يعادل كتيبة.. دمرت مدفعية أم قطف .. موقع القسيمة يجرى حصاره ـ ولم يبقي إلا ثغرة تعادل نصف كيلومترا اتجاه الكونتلا سليم قررت الانسحاب بالقوات المسلحة إلى غرب القناة ـ يجب أن نتخلى عن المسؤولية - وعلينا أن نخلي السبيل إلى جيل آخر يتحمل المسؤولية).

يذكر السيد "عبداللطيف البغدادي" في مذكراته عن خـواطره يوم 6 يونيه: "عدنا في المساء إلى مكتب "عبدالحكيم عامر"، وسألته عن موقف المعركة ففاجأني بقوله (قررنا الانسحاب العام إلى غرب القناة) (إن الطائرات تصطاد مدرعاتنا في الصحراء المكشوفة ولابد أن تنسحب إلى مناطق زراعية تختفي بها) ولما سألته عن رأى "جمال عبدالناصر" في هذا الانسحاب.. فقال، هو الذي اتخذ القرار لينقذ أولادنا".

ويذكر السيد "محمود رياض" وزير الخارجية وقتها في مذكراته "عندما حضر بوتفليقة وزير خارجية الجزائر، وأصطحبته لمقابلة الرئيس "عبدالناصر" أبلغه أن رأى الجزائر عدم قبول وقف إطلاق النار - عندئذ طلب جمال "عبدالناصر" خريطة لسيناء وبدأ يوضح عليها للوزير المعالم الرئيسية الموجودة على الخريطة.. ثم أشار إلى خط المضايق، وذكر أن القوات المصرية سوف تنسحب إلى هذا الخط وتتمسك به حتى يمكن إيقاف التقدم الإسرائيلي… لقد صدق شعوري فيما بعد، لأني تبينت أنه في الوقت الذي كان "جمال عبدالناصر" يتحدث فيه عن الصمود عند خط المضايق، كان "عبدالحكيم عامر" قـد أصدر أوامره فعلاً مساء يوم 6 يونيه بالانسحاب الشامل لقواتنا إلى غرب القناة".

يذكر المشير "محمد عبدالغني الجمسي" والذي كان يعمل في قيادة جبهة سيناء في هذه المرحلة "لا أتصور أن المشير عامر كان من السذاجة السياسية والعسكرية بحيث يتخذ هذا القرار منفرداً، ولا أتصور أن الرئيس "عبدالناصر" كان من السذاجة السياسية والعسكرية بحيث يسمح للقائد العام بأن يتخذ هذا القرار بدون علمه وموافقته والرأي عندي أن قرار الانسحاب العام من سيناء كان قراراً خاطئا، كما أن طريقة تنفيذه كانت سيئة وتتعارض مع العلم العسكري فالموقف السياسي كان يتطلب استمرار القتال في سيناء أطول وقت ممكن، ولم يكن هناك سبب سياسي يستدعى إخلاء سيناء كما أن الموقف الاستراتيجي يوم 6 يونيه لم يكن يستدعى الانسحاب العام إلى غرب القناة.

لقد أصدر الفريق "صلاح محسن" قائد الجيش الميداني أوامره للواء "صدقي الغول" قائد الفرقة الرابعة المدرعة بأن تتمسك بخط المضايق حتى الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 7 يونيه كي تنسحب باقي قوات الجيش إلى غرب القناة تحت سترها.

وكان لابد أن يشمل قرار الانسحاب على التشبث بخط المضايق بكل القوات تحت قيادة قائد الجيش وليس معنى عدم تجهيز خط المضايق قبل أو أثناء الاستعداد للحرب هو التخلي عنه أو عدم صلاحيته للدفاع.. فالمعروف عسكريا أن هناك "دفاعا عاجلاً يتم قيه القتال حتى يتحول إلى "دفاع ثابت" والطبيعة الطبوغرافية لمنطقة المضايق تسمح بذلك".

واعتقد أن حقيقة القرار وضرورته أصبحت أمام تقدير القارئ ويبقى أن نذكر شيئاً واحداً وهو أن قرار الانسحاب المبكر هو الذي أدى إلى اندحار القوات المصرية، ولم تكن معارك سيناء مع العدو هي السبب على وجه الإطلاق… والدليل على ذلك فقرة من مذكرات "موشى ديان" يصف فيها احتلال شرم الشيخ، التي كانت من البداية هي مفتاح الأزمة وتصعيد الأحداث إلى درجة الحرب.. حيث يقول: "عند نهاية اليوم الثاني للحرب، أخذت القوات المصرية في المواقع المتقدمة - والتي لم تكن قد تعرضت للحصار - في الارتداد، فقد صدرت الأوامر إليها من القاهرة بالانسحاب.

وعندما علمنا أن قوات شرم الشيخ بدأت تترك مواقعها سارعنا بتقديم ميعاد احتلالها، وأرسلت وحدة مظلات إليها دون انتظار لاستيلاء القوات البرية على الطريق البرى.

رابعاً: مأساة الفرقة الرابعة المدرعة

عندما تمركزت الفرقة في سيناء كانت تعمل "احتياط الجبهة".. أي أن دفعها للعمليات يكون متأخراً عن توقيت عمل الأنساق الأولى والثانية ولكن هذه الفرقة كانت من البداية ضحية الأوامر العشوائية فقد اصدر إليها المشيـر أوامره باستعادة العريش بعد سقوطها فجر يوم 6 يونيه ولم ينفذ الأمر وعند صدور الأوامر بالانسحاب إلى قائد الجيش الميداني "الفريق صلاح محسن" - أصدر أوامره إلى قائد الفرقة الرابعة بالتمسك بخط المضايق حتى الساعة الثانية عشرة يوم السابع من يونيه لستر انسحاب القوات بينما صدرت أوامر أخرى للفرقة بالانسحاب حيث كانت أول من عبر القناة غرباً.. نظراً لقربها، وإمكانيات السير على مختلف أنواع الأراضي بالجنازير وبوصولها إلى غرب القناة تشتت في عدة أماكن حتى أن المجموعات الإدارية للفرقة تمركزت شرق القاهرة. وعندما تعدلت قرارات القيادة العامة، صدرت الأوامر إلى الفرقة بالعودة مرة أخرى إلى سيناء والتمسك بخط المضايق حيث عبرت الفرقة فعلاً بعد مناقشات ومداولات وتأخير في الوقت وكان ذهاباً بلا عودة، ولم يكن ذلك نتيجة لمعارك، ولكن لأمر جديد بالانسحاب نتيجة لوصول العدو إلى المضايق وتعرضها لقصف جوي عنيف وعندما وصلت الدبابات وجدت الجسور على القناة قد نسفت حيث تركت معظم دبابات الفرقة سليمة.

خامساً: إيقاف إطلاق النيران

منذ السادس من يونيه كانت المشاورات في مجلس الأمن تجرى لاستصدار قرار لوقف النيران، وكانت الولايات المتحدة تعارض أن يشمل القرار "انسحاب القوات المتحاربة إلى حدود 4 يونيه "ويروي محمود رياض" في مذكراته عن قرار مصر بقبول وقف إطلاق النار فيقول: "في الساعة التاسعة مساء يوم 8 يونيه، طلبني الرئيس "عبدالناصر" تليفونيا في مكالمة لن أنساها مطلقاً، وبدأ يحدثني بنبرة مؤلمة ومفجعة في صوته، كانت في حد ذاتها كافية لتصوير الموقف كله، فقد أخطرني بأن الانهيار في القوات المسلحة كان كاملاً وفوق أي تصور، وأنه لم يعد في إمكاننا مواصلة القتال، وأنه يجب أن تخطر "القوني" لإبلاغ مجلس الأمن بموافقتنا على وقف العمليات العسكرية.

وعندما أبلغت القوني العاشرة ليلاً بالموقف، أدركت من نبرة صوته أن ما سمعه كان أعنف صدمة يتلقاها في حياته لقد كنت طوال الأيام القليلة الماضية أنقل إليه البيانات التي تصلني من القيادة عن الموقف العسكري، والتي اتسمت جميعها بعدم مطابقتها للواقع وبالتالي فقد كان القوني يرفض تصديق المعلومات التي تصله من السفراء الأجانب في نيويورك عن انهيار الجبهة.

وفى أعقاب مداولات مجلس الأمن تم إصدار قرار وقف النيران لينفذ اعتباراً من الساعة 3.20 فجر التاسع من يونيه 67 (بتوقيت الشرق الأوسط).

سادساً: القوات المسلحة المصرية بلا قيادة

يروى الفريق أول "محمد فوزي" في كتـابة حرب الثلاث سنوات صورة القيادة العامة بعد يومين من الحرب:

"عندما عدت إلى مقر القيادة العامة بالقاهرة مساء يوم 7/6/1967 لم أجد المشير في نفس حالته العصبية التي تركته بها في الصباح ولو أنه كان منفعلاً وهو يتكلم عن الاتحاد السوفيتي ويقول أنه سيتدخل بثقله في الميدان ووعدوا بدعم جوى عاجل لقواتنا الجوية واستطرد المشير موجها الكلام إلى "بس خلى بالك من القوات المسلحة سامع يا فوزي، خلى بالك من القوات المسلحة - كررها مرتين، وإذا كنت عاوز حاجة إبقى اتصل "بشمس"".

انصرف المشير من القيادة العامة بعد هذا القول، وكانت هذه آخر جملة ينطق بها المشير في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والتي لم يدخلها بعد ذلك.

لم أدرك في ذلك الوقت معنى كلمات المشير ولم أعلم إلى إين أتجه بعد ذلك. وبانصراف المشير من مقر القيادة العامة أصبحت القوات المسلحة بلا قيادة.

وعلمت بعد ذلك أن المشير توجه إلى شقة خاصة باللواء "عصام خليل" بالزمالك وقضى فيها ليلة 8/6/1968.

وبقى "شمس بدران" في القيادة، على مكتب المشير، ونام في غرفة نومه في تلك الليلة، وقد قابلت شمس بدران فأخبرني أن مصر قبلت وقف إطلاق النيران قائلاً "الروس حيساعدونا، وأنت ستمسك القوات المسلحة، والمشير قدم استقالته، وأنا كمان سأقدم استقالتي إلى الرئيس "عبدالناصر". إن الواجب يحتم على جميع القادة أن يقدموا استقالاتهم أيضا، وأنا قلت كده للفريق "صدقي محمود"، لإعطاء الفرصة للرئيس للعمل بحرية بالنسبة للقوات المسلحة". في تلك اللحظة أدركت معنى كلمة "المشير مساء أمس " خلى بالك من القوات المسلحة".

أخطرت القادة الآتية أسماؤهم بعد، بما ذكره لي "شمس بدران" وهم: "فريق أول سليمان عزت"، فريق أول "صدقي محمود"، فريق أول "أحمد حليم إمام"، فريق أول "هلال عبدالله هلال"، فريق أول "عبدالمحسن كامل مرتجى"، فريق أول "جمال عفيفي"، فريق "أنور القاضي". بدأت ترد إلى استقالاتهم في اليوم التالي فجمعتها وسلمتها إلى سامي شرف، مدير مكتب الرئيس للمعلومات في الساعة 10مساءً يوم 10/6/1967.

ومع مساء نفس اليوم 8/6/1967 علم القادة أن المشير موجود بمنزله بالحلمية، فذهب إليه عدد كبير منهم وعلى رأسهم الفريق أول "علي علي عامر"، والفريق أول "صدقي محمود"، والفريق أول "سليمان عزت" ومعظم القادة من رتب الفريق أول والفريق واللواء وبعض الضباط من الرتب الأخرى بالإضافة إلى "شمس بدران". وجميعهم كانوا من الضباط المقربين.

وصلت إلى هذا الجمع متأخراً، وعـرفـت أن الكـل ينتظر مقابلة المشير، الذي اختلى "بشمس بدران" ثم خرجا معاً من باب المنزل الخلفي، دون أن يعلم أحد من القادة بذلك، إلا بعد انصرافهما بفترة طويلة فغادروا المنزل من دون أن تتاح لهم فرصة رؤية ومقابلة المشير".

وهكذا كانت الحالة التي تسود أرجاء القيادة العامة، بينما كانت الإذاعة المصرية تذيع على الشعب أنباء الانتصارات الكاذبة - ولهذا كانت الصدمة قاسية، لحظة مصارحة الرئيس للجماهير في خطابه مساء يوم 9 يونيه 1967، والذي تنحى فيه عن الرئاسة باعتباره الرجل الأول المسؤول عما حدث وعن هذه النهاية التي لم تكن في الحسبان.

سابعاً: تطورات ما بعد الهزيمة

انتهت حرب يونيه 1967، بهزيمة عسكرية صعبة للقوات المسلحة أدت إلى تخلي القيادة العسكرية عن مسئوليتها بمجرد توقف القتال يوم 8 يونيه 67، حين ترك المشير "عبدالحكيم عامر" مقر القيادة العامة لآخر مرة.

ففي ليلة 8/9 يونيه قدم المشير "عامر" استقالته للرئيس "عبدالناصر" كما قدمها وزير الحربية "شمس بدران". الذي طلب من كل كبار القادة تقديم استقالاتهم "لإعطاء الفرصة للرئيس للعمل بحرية بالنسبة للقوات المسلحة". وقد تضمنت هذه الاستقالات مناصب: قائد القوات الجوية وقائد القوات البرية، ومساعد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة.

وبعد 24 ساعة، مساء يوم 9 يونيه، فاجأ الرئيس "عبدالناصر" الشعب المصري والأمة العربية بإعلان تنحيته عن رئاسة الجمهورية … معلناً مسئوليته عن كل ما حدث، وتحمله لهذه المسئولية … كما أعلن القرار إسناد المسئولية بموجب الدستور إلى السيد "زكريا محيي الدين". وقد سرد "عبدالناصر" في خطاب التنحي أبعاد المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية .. واعترف بأن حجم الهزيمة لم يكن متوقعاً، ثم ناشد جميع المصريين بأن يعمل كل فرد في موقعه".

أحدث هذا القرار دوياً هائلاً، وردود فعل ضخمة على مستوى الشعب المصري والقوات المسلحة، امتدت لمستوى الشعوب العربية كلها التي كانت ترى في "عبدالناصر" زعيماً قومياً يمثل أملها القومي في نهوض الأمة العربية وصحوتها. فقد رفض الشعب المصري بكل فئاته هذا التنحي، وخرج في مظاهرات عارمة يومي 9، 10 يونيه. كذلك رفضت الشعوب العربية هذا القرار .. كما أعلن مجلس الأمة المصري رفضه لهذا القرار، بينما أعلن "زكريا محيي الدين" رفضه ترشيح الرئيس له.

وأمام هذه الضغوط تراجع "عبدالناصر" عن قرار التنحي وأصدر بياناً يوم 10 يونيه 1967 أعلن فيه هذا التراجع، وأنه سوف يبقى حتى ينتهي من إزالة آثار العدوان.

ثامناً: خسائر الطرفين

1. القوات المصرية

 

أ. الخسائر بالنسب

 

  (1) الأفراد

في القوات الجوية والدفاع الجوي 4 % من القوة للطيارين.

 

في القوات البحرية صفر % من القوة.

 

في القوات البرية 17 % من القوة.

 

 

  (2) المعدات

في القوات الجوية والدفاع الجوي 85 %.

 

في القوات البحرية 85 %.

 

في القوات البرية 85 %.

 

 

ب. الخسائر بالعدد

 

   (1) الأفراد

الرقم الإجمالي هو 13.600 فرد عاد منهم، 3799 فرداً أسيراً، (481 ضابطاً، 3280 جندياً، 38 مدنياً) وبالتالي يصبح القتلى (9800 فرد).

 

 

   (2) المعدات

حوالي 800 دبابة وقانص.

       دبابات

حوالي 450 مدفع.

       مدافع

حوالي 10000 مركبة أنواع.

       مركبات

2. القوات الإسرائيلية (عن مصادر إسرائيلية)

بلغت 275 قتيلاً، 800 جريح، 3 طيارين وقعوا في الأسر.

الأفراد

61 دبابة.

الدبابات

12 طائرة

الطائرات