إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث الأول

نظرية الأمن الإسرائيلي وطبيعة الأرض في مسرح العمليات

يقول أنتوني كوردسمان وإبراهام واجنر في كتابهما "دروس الحرب الحديثة ـ الصدمات العربية الإسرائيلية 1973 ـ 1989":

"لقد تأثر القتال بنوعين من طبيعة الأرض، الأول هو قناة السويس والصحراء الموجودة على جانبيها والثاني هو مرتفعات الجولان".

أولاً: طبيعة الأرض "بالمسرح السينائي"

إن شبه جزيرة سيناء منطقة صحراوية، تبلغ مساحتها 60 ألف كيلو متر مربع، وتتميز بالمناطق القفراء والوديان، وكثبان الرمال في الشمال والأرض الجبلية في الجنوب، ولقد عملت سيناء كمعبر بري للمهاجرين وجيوش الغزاة عبر التاريخ. وهي محاطة بالبحر من ثلاثة اتجاهات (البحر المتوسط ـ خليج السويس ـ خليج إيلات).

 وعلى طول ساحل البحر المتوسط تتكون سيناء من 134 ميلا من أرض مسطحة جرداء ومستنقعات منتشرة مع وجود بعض الواحات والجبال. والجزء الغربي منها تحده قناة السويس التاريخية وخليج السويس بطول 311 ميلا. وفي الشرق يصل طول سيناء إلى 155 ميلا متضمنة خليج العقبة والحدود مع إسرائيل. والطرق الرئيسية تربط القنطرة والعريش في الشمال والإسماعيلية وأبو عجيلة في المنتصف. وفي الغرب تربط الطرق القسيمة والكونتلا ورأس النقب، مع العريش والحسنة ونخل.

والجزء الأدنى من سيناء يختلف في طبوغرافيته من أرض جبلية وعرة إلى كثبان رملية كثيفة، التي تخلق صعوبة للعمليات العسكرية بسبب المشاكل الإرادية وإعاقة الحركة والنقص العام في الغطاء الطبيعي لاستخدامه في الإخفاء. ولا يوجد سوى طريق واحد بين السويس ورأس سدر والطور وشرم الشيخ الذي يمكنه تسهيل النقل الثقيل.

وتمتد الصحراء شرق القناة في شكل متموج في مسافة حوالي خمسة أميال لتصل إلى خط من التلال الرملية، ومن هناك تمتد حتى منطقة المرتفعات الجبلية والتلال والتي يمر من خلالها عدد من الممرات مثل ممر مثلا وممر الجدي في الجنوب. أما المنطقة الشمالية من القنطرة وحتى بورسعيد فهي منطقة سبخات ملحية ويمر بها عدد من الطرق العرضية الموازية للقناة، مثل طريق يحمل اسم كودي "ليكسكون"، وموازي له وشرقه بحوالي خمسة أميال طريق المدفعية وتتميز سيناء بشبكة الطرق الطولية والعرضية والتي تحقق أعمال المناورة بنجاح.

بسبب طبيعة الأرض الوعرة، كان للحرب في سيناء تاريخ طويل للاستيلاء على الطرق الإستراتيجية والممرات والهيئات العالية المشرفة على هذه الطرق. ومع ذلك فإن الظروف السائدة هي الطبيعة الصحراوية للبيئة والتي تجعل إدارة عمليات عسكرية يعني الصراع مع تأثير الحرارة وتأثير الطبيعة على التأمين الإداري وضرورة وجود أرتال من فناطيس المياه ووسائل التبريد. هذا إلى جانب أن الحرارة المرتفعة تفرض قيوداً كبيرة على الأفراد العسكريين سواء من ناحية الأداء البدني أو من ناحية الضغط النفسي.

إن العمليات العسكرية الحديثة تؤكد على أهمية الوحدات المدرعة والميكانيكية وقوة النيران، ويرجع هذا إلى المزايا الميكانيكية والعسكرية المرتبطة بالأرض المفتوحة، حيث لا توجد بوجه عام أي نباتات مثل الأشجار والشجيرات التي تعوق التحرك أو تخفي الأنشطة العسكرية. فببساطة يصعب الاختفاء في الصحراء المفتوحة.

أما في الجنوب فالجبال شديدة الانحدار ووعرة بدرجة تحد من حركة المدرعات في محاور محددة من الطرق في كثير من المناطق الإستراتيجية.

وفي الوقت الذي توفر فيه الأرض المفتوحة القدرة على الحركة والمناورة للمدرعات، فإنها تسهل التعرض للقوة الجوية. وهذا يخلق بعدا آخر لحروب الصحراء، فالصراع بين الدبابات أصبح معقدا بسبب قدرة الطائرة على الضرب بسرعة وبتكرارية وفاعلية ضد الوحدات المدرعة على مسافات بعيدة من القواعد، فالمساحات الشاسعة والسماء الصحوة، ميزة كبيرة للقوات الجوية التي لا تتعرض لطبيعة الأرض الوعرة تحتها، إلا إذا وفرت هذه الأرض الإخفاء والوقاية ضد الأسلحة جو ـ أرض.

وهناك عنصر آخر في طبيعة الأرض في سيناء بسبب طبيعة الأرض، وهي تعرض الدفاعات الثابتة لتكتيكات المناورة والحصار. فالعزل عن المياه والأغذية يجعل هذه المواقع غير قادرة على البقاء أو الاحتفاظ بفاعليتها القتالية إلا لفترة محدودة للغاية. ولسوء الحظ بالنسبة للإسرائيليين اضطروا إلى إنشاء هذه المواقع الثابتة بسبب طبيعة سيناء، وفتوحاتهم في حرب يونيه 1967، ومع ذلك فلقد لعبت هذه النقط القوية دورا هاما في المراحل الأولى من حرب 1973، ولقد عرفت في مجموعها بخط بارليف.

الموانع ونظام الدفاع[1]

يبلغ طول قناة السويس 175 كم، وعرضها يراوح بين 180، 200 م، وعمق مياهها يراوح بين 16، 18 م، ومستوى سطح الماء ينخفض عن الشواطئ بمقدار مترين، وللقناة شواطئ شديدة الانحدار مكساة بألواح من المسلح، الذي يمنع المركبات المائية من نزول أو صعود شواطئها دون أعمال هندسية مسبقة، والتيار بالقناة سريع وقوي ويصل إلى 18 م/ دقيقة في الشمال، ويصل إلى 90 م/ دقيقة في الجنوب، ويتغير المد بها بحوالي 60 سم في الشمال، ويزداد إلى مترين عند السويس في الجنوب ويتغير اتجاه التيار كل ستة ساعات مع تغير المد. كل هذه العوامل أثرت على خطة عبور المصريين وخاصة ما يتعلق بالمشاكل الفنية لإنشاء المعديات وإنشاء الكباري.

لقد أنفق الإسرائيليون حوالي 268 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية أطلق عليها خط بارليف بهدف الدفاع عن الشاطئ الشرقي للقناة. ولقد امتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالا إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30ـ35 كم شرقاً.

وغطت هذه الدفاعات مسطحا قدره حوالي 5000 كم2 واحتوت على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات، وتكونت المنطقة المحصنة من عدة خطوط مزودة بمناطق إدارية وتجمعات قوات مدرعة ومواقع مدفعية، وصواريخ هوك مضادة للطائرات، ومدفعية مضادة للطائرات، وخطوط أنابيب مياه، وشبكة طرق طولها 750 كم. وتمركزت مناطق تجمع المدرعات على مسافات من 5 – 30 كم شرق القناة. كما جهز 240 موقع للمدفعية بعيدة ومتوسطة المدى، كان من بينها 30 موقع محتل فعلاً. وكانت هذه الدفاعات ترتكز شمالا على البحر المتوسط. وفي الشرق جبال وسط سيناء وفي الجنوب جبال عجمة وخليج السويس.

إن القناة تُعد عائقاً مائياً أمام الآلاف من الرجال، والذي يتطلب الأمر لعبوره جهودا إدارية ضخمة وتخطيط جيد وصعوبات عديدة عند نقطة العبور، وخسائر بشرية نتيجة الحوادث والنيران المعادية. إنها عميقة وواسعة بدرجة يستحيل عبورها بدون وسائل عبور خاصة، ولسوء حظ الإسرائيليين فإن القوات المصرية لم تعبر في المكان وفي الوقت الذي خططته إسرائيل[2].

حاول الإسرائيليون تطوير نظام صُمّم لتحويل القناة إلى خندق مشتعل، من خلال وضع خزانات تحت الأرض، ووضع أنابيب لضخ البترول الذي يتم نثره على سطح القناة، عند ذلك يتم إشعال هذا البترول ليكون حاجزا من اللهب عند النقطة الحصينة. ومع ذلك وجد خلاف ملموس حول هذا التطوير عندما بدأت الحرب، فبعض المصادر الإسرائيلية تزعم أن النظام كان لا يعول عليه وتم هجره، وآخرون يصرون على أن النظام تم تشغيله وأن نقطة أو نقطتين كانتا تعملان، وزعم المصريون أنهم نفذوا عمليات ضفادع بشرية ضد هذا النظام وسدوا الأنابيب وعطلوها عن العمل.

كانت العقبة الدفاعية الأولى هي الجانب الخرساني للقناة (الشواطئ المكساة) التي صممت لتغطية الشاطئ الرملي، وهي ترتفع ثلاثة أقدام فوق سطح الماء في المد العالي وستة أقدام في حالة المد المنخفض. ويحدّ هذا الحاجز من الدخول إلى والخروج من القناة للوسائل البرمائية الخفيفة التي يمكن رفعها ميكانيكيا أو بالأفراد فوق الجانب الآخر، وعملياً فقد تطلبت استخدام الكباري العسكرية المتحركة المصممة لعبور الأنهار. وطبقاً لما قاله الجنرال ديان كانت القناة في حد ذاتها، واحدة من أحسن الخنادق المضادة للدبابات المتاحة وفوق الجوانب المقواة للقناة، أنشأ الإسرائيليون ساتراً ترابياً ضخماً امتد على طول مواجهة الضفة الشرقية للقناة بدءاً من جنوب القنطرة. وكان ارتفاع هذا الساتر يراوح بين 10 م، 25 م، واستخدم كوسيلة لإخفاء التحركات الإسرائيلية، وصُمّم ليمنع العبور بالمركبات البرمائية بفضل ميله الحاد.

يُعد هذا الساتر أول ساتر من ثلاث، وكان يشمل مواقع لإطلاق نيران المدفعية والمدرعات كل مائة متر، واحتوى على 22 موقعاً حصيناً بها 31 نقطة قوية، حولها 15 دائرة من الأسلاك الشائكة تفصلها حقول ألغام، وأجهزة إنذار مبكر، وشراك خداعية. وكانت النقط القوية ذات تصميم هندسي معقد، وتتكون من عدة طوابق بُنيَت بحيث تصل إلى قمة الساتر، وشملت المنشآت، في كل نقطة قوية، معدات طبية خط أول ومجموعة طبية وحمامات ومركز للكتابة والطباعة وصالة سينما وصالة ألعاب وتسلية. وكل دور من أدوار النقطة القوية كان يتكون من عدة ملاجئ خرسانية محصنة بقضبان سكك حديد وألواح من الصلب، ويفصلها عن الملاجئ الأخرى طبقات من القضبان الحديد مقواة بالخرسانة المسلحة والرمل وسلال حجارة سمكها من مترين إلى ثلاثة أمتار. وكانت كل دشمة خرسانية مجهزة ضد نيران المدفعية والدبابات، ولها عدة فتحات للرمي منها حيث تسمح بقطاع نيران كبير، وكانت الدشم تتصل بعضها البعض بخنادق مواصلات عميقة مكساة بألواح من الصلب وشكاير الرمل، وكان لهذه النقطة الحصينة القدرة على تحمل انفجار قنبلة زنة ألف رطل وبها احتياطي من كافة الاحتياجات؛ يمكنها الصمود أمام أي هجوم رئيسي. (اُنظر شكل جبهة قناة السويس)

واعتمد النظام الدفاعي، برمته، على نظام التعبئة، وكان يوجد به عدد محدود من الأفراد المدافعين في النقاط الحصينة من لواء القدس اللذين يؤدون مدة الاحتياط[3].

وفي مؤخرة الخط كان يوجد نظام من حقول الألغام مركزة حول النقط القوية، ولكنه لم يكن نظاما شاملا. وكان من المحتمل أن تكون هذه المناطق مغطاة بمصاطب للدبابات على الجسور الرئيسية وعلى خط الجسور الثاني. وكان الخط الثاني من الجسور مصمماً للدفاع ضد الهجمات التي تنجح في اختراق الجسور الأولى، وعلى طول المحاور الرئيسية كان يوجد خط ثالث من السواتر لتوفير غطاء إضافي ونيران جانبية للمناطق ذات الأهمية التكتيكية.

وخلف هذه الخطوط الدفاعية كانت توجد الاحتياطيات خفيفة الحركة في العمق، ومعظمها وحدات مدرعة. ولتسهيل خفة حركتها أنشئت شبكة طرق كثيفة لسرعة تحريك القوات. وكان الطريق العرضي رقم (1) الذي سمي لكسيكون Lexicon يقع على مسافة حوالي 1000 م من القناة، حيث صمم للربط بين النقط القوية لخط بارليف. وسمي الطريق العرضي رقم (2) طريق المدفعية، وكان مُخصصا لتحركات المدفعية العرضية، ويتمركز شرق هذا الطريق ستة مراكز قيادة وسيطرة، من أجل السيطرة على الخط الأمامي للنقط القوية من خط بارليف.

وكانت هذه المراكز مرتبطة بمراكز قيادة المناطق في الطاسة ورمانة وبير جفجاقة وأم خشيب.

كانت الطاسة تقع عند تقاطع الطريق الرئيسي بئر سبع ـ الإسماعيلية، والطريق العرضي، وكانت تضم مركز قيادة تحت الأرض ووحدات دعم على مستوى الفرقة، وممر للطائرات ومستودع رئيسي للأسلحة والمعدات والذخائر ومعدات المهندسين.

وعلى مسافة 50 كم شرق الطاسة، كانت تقع بئر جفجافه، والتي أطلق عليها الإسرائيليون اسم "ريفيديم" Refidim، وكانت تضم منشأة إدارية ضخمة "منطقة شئون إدارية"، ومطار كبير ومركز قيادة محصن تحت الأرض ومستودع إمداد رئيسي.

كان مركز القيادة الجنوبي يقع في أم خشيب شمال ممر الجدي، ويشرف على وادي غرب سيناء، وكان بالموقع مجمع كبير لوسائل المراقبة الإلكترونية ومعدات مراقبة بصرية ممتازة.

وعلى الضفة الغربية للقناة وفي مواجهة الإسرائيليين، كانت تتمركز القوات المصرية، يحميها ويخفيها نظام جيد من الهيئات الترابية الصناعية، وكان العنصر الرئيسي ساتر ترابي ضخم من الرمال ارتفاعه حوالي 20 م وعمقه حوالي 15 م وطوله 120 م، يمتد حتى منطقة الشط في الجنوب. وعلى مواجهة الساتر، تم إنشاء مصاطب عريضة أو أبراج لتوفير مواقع لنيران الدبابات والأسلحة المضادة للدبابات ضد النقط القوية الإسرائيلية، لقد رفع المصريون الشاطئ على الضفة الغربية إلى ارتفاع 130 قدماً، حيث وفرت القدرة في الإشراف على الساتر الإسرائيلي والنقط الحصينة ومصاطب الدبابات التي تحميها، كما أدى هذا الارتفاع إلى إمكانية مراقبة الخط الثاني من الدفاعات على طول طريق المدفعية الذي كان يبعد خمسة أميال. وكان رد الفعل الإسرائيلي الذي بادر به الجنرال "شمول جونين" قائد الجبهة الجنوبية، هو إنشاء هيئات ترابية لإخفاء الأنشطة على الخط الدفاعي الثاني، هذا إلى جانب تطوير خطط لإنشاء أبراج مراقبة، ولكنها لم تستكمل قبل أن تبدأ الحرب.

وعلى الساتر الترابي أو "المصاطب" المصرية تم تمركز وحدات من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، ومدافع مضادة للدبابات في النقط المختلفة على طول الساتر، كما تم إنشاء طرق ترابية ممهدة إلى أعلى الساتر وإلى كل برج. وعلى بعد حوالي 15 – 25 كم خلف هذا النظام كان يوجد حزام من التحصينات، التي شملت أسلحة ومعدات الدعم والتأمين الإداري، وشملت مرابض المدفعية ومواقع صواريخ سام كذلك.

لقد وضعت الإستراتيجية المصرية للهجوم المفاجئ.. الإسرائيليين في موقف دفاعي غير مريح لم يتعودوا عليه.

أولاً:   لم يسمح الإسرائيليون منذ حرب 1948 لأعدائهم العرب بأن يأخذوا المبادرة، فكانوا يهاجمون باستمرار، وتنفذ في العادة طبقا لخطة جيدة وضربات جوية ساحقة.

ثانياً:  اعتمدت الفكرة الدفاعية، على الأقل في المرحلة الأولى، على نظام من التحصينات على كلا الجبهتين، كانت ثابتة ومن الممكن تطويقها وعزلها، ولسوء الحظ بالنسبة للإسرائيليين، فإن المشكلة كانت في تذبذب الأسس الإستراتيجية للقادة في الميدان، أي القيادة الجنوبية، ورئاسة الأركان لجيش الدفاع الإسرائيلي. وكانت النتيجة تغير فكرة الحاجز الدفاعي بمضي القوت من فكرة خط تعطيل ابتدائي، إلى دفاعات تعمل كمراكز مراقبة إلى خط قوي من التحصينات.

وفي كلتا الحالتين، استمرت الفكرة في التركيز على أهمية الاحتياطي المدرع المتحرك، الذي يهاجم الغزاة في المرحلة الأولى من الهجوم، ومع ذلك اختلف الجنرالات بارليف وشارون وجونين، حول دور النقط القوية في مواجهة الهجوم.

وطبقا لما ذكره الجنرال الإسرائيلي السابق "هيرتزوج"، كانت التحصينات فاشلة، لضعف قوتها البشرية، عندما بدأ المصريون الهجوم.

وعلى مر السنين تم التوصل إلى حل وسط، بين تصميم نقط قوية تصمد في وجه هجوم مصري عبر القناة، والعمل كنقاط مراقبة وإنذار، وبالنسبة للغرض الأول كانت ضعيفة ومتناثرة، وبالنسبة للغرض الثاني كان عدد الأفراد بها أكثر من اللازم، ولا يوجد أدنى شك في أن المصريين كانوا سينجحون في العبور، حتى بفرض تطبيق الفكرة الرئيسية لخط بارليف (بما في ذلك الخطة الإسرائيلية الكاملة بتحريك القوات إلى خط الجبهة)، وتنفيذها في الوقت المناسب من خلال زيادة حجم القوات الإسرائيلية بالخط الأمامي في حالة الطوارئ، وهو أمر كان سيصعب من مهمة هجوم القوات المصرية، وكان من الممكن أن يتكبدوا خسائر جسيمة جدا، بل وكان من المحتمل أن يفشل هجومهم[4]. "أوضاع القوات الإسرائيلية في سيناء سعت 1400 يوم 6 أكتوبر 1973. (اُنظر شكل أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر)

ثانياً: طبيعة الأرض "في منطقة الجولان"

مرتفعات الجولان هضبة ترتفع من 600 قدم فوق وادي اليرموك في الجنوب إلى 9000 قدم وهي قمة جبل هيرمون في الشمال، وهي مجموعة من التلال البركانية تشبه الحائط، وتستطيع أن تحد من مرور المركبات، حتى الحديثة منها من جبل هرمون إلى طريق دمشق ـ القنيطرة والعديد من التلال البركانية توفر ميزة ممتازة ونقط مراقبة جيدة وفي الجنوب تعتبر المنطقة أكثر سهولة للتحركات.

لقد وضع خط يحد امتداد الحدود بعد حرب الستة أيام من وصلة الرافد في اتجاه القنيطرة، ومن تلك النقطة شمالا إلى جبل هيرمون، وتقع مجموعة أخرى من التلال في اتجاه الجنوب الغربي، وعند النظر في اتجاه الشمال الشرقي نجد أن الهضبة تنحدر في اتجاه الغرب إلى أن تنحدر بحدة من ارتفاع 2000 قدم إلى وادي حوله وبحر الجليل، والمنطقة جنوب شرق القنيطرة هضبة مسطحة تنحدر لأسفل في اتجاه الشرق إلى أن تصل إلى تلال على طول طريق "مسكين ـ دمشق".

وهناك خمسة طرق تتجه من مرتفعات الجولان إلى إسرائيل:

1. الطريق من كوبتزران إلى مسلة وجبل هيرمون.

2. طريق القنيطرة ـ نافاخ ـ بنات يعقوب.

3. طريق القنيطرة ـ خوشينايا ـ أريك برايد.

4. الطريق من جونين إلى وست "Gam La Rise".

5. طريق العال من بحر الجليل.

ويعبر الجولان طريقان من الشمال إلى الجنوب، الأول ويمر بطول خط وقف إطلاق النيران عام 1967، عرف باسم "الخط الأرجواني" Purple Line ، ويمتد من رافد إلى مسعدة. والثاني طريق يُعرف باسم "خط التابلاين" Tap Line أو خط أنابيب النفط، لأنه يسير بحذا خط أنابيب النفط الذي كان يخرج من المملكة العربية السعودية. كما يوجد عدد من الطرق الثانوية الأخرى ولكنها لا تتحمل المرور الثقيل.

طبيعة الدفاعات على هضبة الجولان

لما كانت مرتفعات الجولان تمثل جبهة طبيعية، بالمقارنة بخط بارليف، فإنها تمثل منطقة أصغر، يمكن فيها استخدام العوائق، رغم أنها لا تحتوي على قناة سويس، التي تمثل أكبر خندق مضاد للدبابات في العالم.

لقد استغل الإسرائيليون الفترة ما بين 1967 و1973 لجعل دفاعاتهم غير قابلة للاختراق بقدر المستطاع، إذ كانوا قلقين من احتمالات هجوم سوري عبر المرتفعات، وشمل هذا العمل إنشاء سلسلة من الموانع والتحصينات بكل المنطقة، ولكن مع التركيز على الحافة الشرقية للهضبة.

ثالثاً: نظرية الأمن الإسرائيلية

تقوم نظرية الأمن الإسرائيلية منذ الأعوام الأولى لدولة إسرائيل على الأسس التالية:

1. جيش نظامي صغير وجيش احتياطي كبير هو جيش الشعب "كل الشعب جيش".

2. سلاح جوي نظامي كبير، يجب أن يقوم بمهمتين ترتبطان بساحة القتال البرية:

الأولى: حماية سماء الدولة بهدف ضمان تعبئة وحدات الاحتياط وحركتها نحو الجبهات المختلفة دون مضايقة من جانب الأسلحة الجوية العربية.

الثانية: تعتبر المساعدة بالنيران للوحدات النظامية المستعدة للصد والتعطيل ابتداءً من الساعة الأولى من القتال، وكذلك لوحدات الاحتياط التي تنضم إلى وحدات الصد والتعطيل. وبذا يصبح السلاح الجوي، مصدراً لقوة نيران القوات البرية، في المعركة الدفاعية، وعلى وجه الخصوص قبل وصول وحدات المدفعية إلى ساحة القتال. وهذه المهمة لم توضع موضع الاختبار حتى عام 1973، والسبب في ذلك بسيطا، فخلال الـ 24 عاما الأولى من نهاية حرب التحرير لم يُعتد على دولة إسرائيل ولم تُهاجم بغرض احتلال أراضيها، ولم تخض حربا دفاعية تضطر فيها إلى تعبئة الاحتياط.

3. سلاح استخبارات نظامي، مهمته تقديم وتوفير الإنذار حول إمكانيات هجوم العدو، وذلك وفقا للحقائق على الطبيعة وليس وفقا لتقدير وتقييم نوايا العدو.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإنه ابتداء من الأيام الأولى للدولة، كانت النظرية العسكرية تقضي بأنه طالما لا يوجد لدولة إسرائيل عمق جغرافي، وطالما أن احتلال إسرائيل يعني إنهاء وجودها كدولة، فإنه يجب أن يكون هناك دفاع صلب وقوي على حدود الدولة، ونقل الحرب إلى أراضي العدو في أسرع وقت ممكن.

والواقع لقد كانت حرب عيد الغفران هي المرة الأولى منذ عام 1949، التي هوجمت فيها إسرائيل على أيدي دولة عربية. وفي هذه الحرب، لم يقم السلاح الجوي بالمهمة الثانية المخصصة له، على ضوء نظرية الأمن، وهي المساعدة في صد هجوم العدو، وتقديم قوة نيران للقوات البرية في الحرب الدفاعية.

ومن المهم أن نعلم أن السلاح الجوي أبلغ بكل صراحة قبل نشوب حرب عيد الغفران، أنه لن يستطيع تخصيص مجهود لتنفيذ هذه المهمة على أقل تقدير خلال الـ 48 ساعة الأولى من الحرب. ولقد أقدم سلاح الطيران على تقديم هذا التقدير، لأنه كان يعلم أنه منذ عام 1970 فصاعدا، حدث تغيير هام وجوهري للغاية في توازن القوى الجوية بين إسرائيل وبين مصر وسورية. لقد وُضِعَتْ صواريخ أرض جو سوفيتية الصنع، ذات فاعلية على الجبهتين المصرية والسورية، والتي استطاعت أن تمنع السلاح الجوي من تقديم المساعدة للقوات البرية في معركة الصد. وهذه الـ48 ساعة، التي تحدث عنها السلاح الجوي، كانت مطلوبة له ـ هكذا كان يعتقد ـ من أجل تدمير الصواريخ أرض جو التي يمتلكها المصريين والسوريين.

لقد كان معنى بلاغ السلاح الجوي واضحا: إذ يعني، أن واحدا من الأعمدة الرئيسية في نظرية الأمن، قد انهار. وللأسف الشديد، فإنه يبدو أنه قد انهار في صمت خفيف، لأنه وفقا لنظرية الأمن، من الضروري على السلاح الجوي، أن يقدم المساعدة الجوية للقوات البرية، من أول ساعة للحرب. وحسب النظرية، كان السلاح الجوي يشكل عنصر النيران الأساسي، في مرحلة الصد الأولى. ولقد أبلغ السلاح الجوي، أنه لن يستطيع القيام بهذه المهمة.

أما العنصر الثالث، في نظرية الأمن الإسرائيلي، فهو سلاح الاستخبارات النظامي، والذي تنحصر مهمته في تقديم وتوفير الإنذار، حول إمكانية نشوب حرب، بمبادرة من العدو. والواقع أنه منذ إقامة الدولة وحتى عام 1967، كان رؤساء هيئة الأركان، ووزراء الدفاع، يفسرون مفهوم الإنذار، تفسيرا واضحا وجليا وبسيطا: الإنذار هو الإمداد بمعلومات، عن حقائق، على الطبيعة.

هذا يعني أن الإنذار ليس تقديرات، وليس مضاربة، حول ما يمكن أن يحدث، والإنذار الذي يحتم تعبئة الاحتياط غير مشروط بتقييم المعقولية. الإنذار يرتكز على مجموعة من المعلومات من مصادر مختلفة لتجميع المعلومات والتي تشير إلى وجود قوات وتحركات وحشود لجيوش العدو، التي تتيح الهجوم أو العدوان على إسرائيل، وحتى السادس من أكتوبر 1973 وُضع سلاح الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي في عدة اختبارات، ففي حرب الأيام الستة في عام 1967، قدم التحذير أو الإنذار في الموعد، وكان الاختبار سهلا، وذلك لأن مصر لم تحاول على الإطلاق أن تخفي دخول قواتها إلى سيناء. وقبل حرب عيد الغفران كان هيكل تجميع المعلومات في الاستخبارات العسكرية، قد قدم لجيش الدفاع الإسرائيلي، صورة دقيقة واضحة للغاية عن كل كتيبة وكل لواء في جيش مصر وسوريا "تسليحها ـ تمركزها ـ انتشارها ـ قدرتها على البدء بالهجوم في أي وقت"، كما نجحت شعبة الاستخبارات العسكرية كذلك في أن تقدم خطط هجوم هذه الجيوش والتي كانت سليمة ودقيقة.

إذا كان الأمر كذلك، لماذا حدث التقصير في حرب عيد الغفران؟

لقد كانت أسباب الفشل والتقصير، في حرب عيد الغفران، أولا وقبل كل شيء، هي تلك الخاصة بقادة هيكل الدفاع، الذين تصرفوا بصورة تتناقض مع نظرية الأمن، لقد حصلوا على معلومات دقيقة ومفصلة، عن تحركات العدو وتمركز قواته. ولقد كانت هذه المعلومات وحدها، كفيلة بأن تطلع قادة الجيش، على الاحتمالات التي تهدد أمن إسرائيل، وهي الاحتمالات التي نشأت بحكم حشود قوات العدو على طول الحدود، واستعداداته للحرب، وهذه الحشود المعادية كانت من شأنها أن تمكن القوات المهاجمة، من تنفيذ هجومها خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.

وعلى هذا يمكن القول، أن سلاح الاستخبارات قد وفر الإنذار والتحذيرات، سواء فيما يتعلق بعامل الزمن، أو بدرجة التفصيل والتوضيح والدقة. صحيح أن سلاح الاستخبارات قد أخطأ في تقييمه لنوايا العدو، عندما تصور أن احتمالات استغلال العدو قدرته في الهجوم الفوري، احتمالات ضعيفة ومنخفضة، ولكن هذه التقديرات، التي تستطيع حكومة إسرائيل أن تقبلها أو ترفضها، كان من المحظور أن تؤدي إلى منع تعبئة الاحتياط بصورة فورية. لقد أكدت نظرية الأمن الإسرائيلي أنه عندما تنشأ مثل هذه القدرة على الهجوم، في أعقاب تحركات وخطوات يقوم بها العدو، فمن الضروري أن يتمثل رد فعل إسرائيل، في صورة تعبئة الاحتياط، بصرف النظر عن تقدير وتقييم نوايا العدو. وهنا في بؤرة هذه القرارات الحاسمة حدث التقصير الكبير من جانب قادة هيكل الدفاع الإسرائيلي في عام 1973.



[1] الأرقام المذكورة، غير دقيقة، فهي تقديرية، أما القياسات الحقيقية، فقد كانت في حوزة الإدارة المصرية لهيئة قناة السويس، والتي على أساسها خطط المصريون، لعبور واقتحام القناة.

[2] تمنى كوردسمان أن تخطئ القيادة المصرية في التخطيط حتى يتمكن الجنود الإسرائيليين من قتل أكبر عدد من المصريين وتدمير معداتهم أثناء العبور، ويبدو أنه حزن لنجاح المصريين في العبور.

[3] ذكر أنتوني كوردسمان في موضع آخر من كتابه أن حجم القوات المدافعة عن خط بارليف تزيد عن فرقة.

[4] والواقع أن هذا التحليل هو مجرد رأي للكاتب، حيث يريد أن يثبت أن رأيه هو الأصوب وأن زملائه أخطئوا، ولكن كل ذلك لم يكن ليغير شيئا، لأن الخطة المصرية وضعت في الحسبان جميع الاحتمالات التي يمكن أن تحدث وخلال اقتحامها لخط بارليف