إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث الثاني

الدفاع عن مسرح العمليات الإسرائيلي

أولاً: الدفاع عن شبه جزيرة سيناء

لقد كان جيش الدفاع الإسرائيلي، بالفعل، هو "جيش الهجوم الإسرائيلي"، منذ نهاية حرب التحرير، وحتى حرب أكتوبر 1973. وعلى المستوى العسكري العملي، كانت كل حروب إسرائيل ـ باستثناء حرب عيد الغفران ـ حروبا هجومية. والسبب في ذلك، أن إسرائيل كانت دائما وأبدا هي البادئة بالهجوم، وهذا ليس سرا على أحد: إذ أنه نظرا لأن جيش الدفاع الإسرائيلي، جيش صغير، فقد أدرك قادة هيكل الدفاع، أن الطريق الوحيد ـ بالنسبة للجيش، الذي يعاني دائما وأبدا من نقص عدد ضباطه وأفراده ـ للوصول إلى إنجازات عسكرية، هو الإمساك بزمام المبادرة، في كل ما يتعلق بتحديد التوقيت والمكان والهدف، وهكذا فقط، يستطيع الجيش الأقل من الناحية الكمية والعددية، أن يحقق تفوقا عسكريا، محليا وزمنيا، وأن يحقق عن طريق ذلك، حسما في ساحة القتال. ومن الواضح أن المباغتة هي عنصر حتمي، في تحقيق التفوق المحلي والزمني أو المؤقت، ولذلك، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي، كان "جيش هجوم ومباغتة". ففي عام 1956 "عملية كودست"، وفي عام 1967 "حرب الأيام الستة" تميزت الهجمات الإسرائيلية بالمباغتة. وفي عام 1982 "عملية سلام الجليل"، كانت إسرائيل هي المهاجمة، ولكنها في هذه المرة كانت تتمتع أيضا بالتفوق الكمي أمام العدو بحيث لم تكن هناك حاجة للمباغتة.

1. عام 1973 واللجوء للدفاع

حتى عام 1973، لم تكن لجيش الدفاع الإسرائيلي خبرة عملية، من أي نوع، في الحرب الدفاعية، وذلك لأنه منذ أن انتهت حرب التحرير، لم تتعرض دولة إسرائيل، لاعتداء، على أيدي الجيوش النظامية في الدول العربية، بهدف احتلال. وعلى هذا فقد تجمعت لدى جيش الدفاع الإسرائيلي خبرة كبيرة، في تخطيط العمليات الهجومية، ولم تكن له أي خبرة في الحرب الدفاعية الحديثة. ولم يتم بصورة عملية، دراسة المبادئ التي ترتكز عليها المعركة الدفاعية، أضف إلى ذلك، أن موضوع القتال الجوي، في المعركة الدفاعية لم تتم بصورة عملية، حتى عام 1973. ولم يحدث على الإطلاق حتى عام 1973، أن صادف سلاح الطيران صعوبة، في تنفيذ المهمتين البريتين المخصصتين له، في حالة الحرب، وهما:

أ. تأمين سماء الدولة، ضد محاولات تغلغل الأسلحة الجوية العربية، لمهاجمة مخازن الطوارئ، الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي.

ب. مساعدة القوة النظامية، التي تعيق الهجوم العربي، في المرحلة الأولى للحرب. ووفقا لنظرية الأمن الإسرائيلية، فإن المرحلة الدفاعية في الحرب، يجب أن تكون قصيرة للغاية، وترتكز على قوة نظامية صغيرة، تتمتع بمعاونة مكثفة من السلاح الجوي. وعندما تنتهي هذه المرحلة، يتحول جيش الدفاع الإسرائيلي، دون تأخير، إلى الخطوات الهجومية.

ولم تكن التقديرات العملية، فيما يتعلق بتوازنات القوى، المطلوبة للدفاع عن حدود الدولة، ترتكز على خبرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنها تأثرت بالدرجة الأولى بحسابات حجم الجيش النظامي، وعلى وجه الخصوص، ما هو عدد الألوية المقاتلة، التي يستطيع أن يوفرها. وخلال عقدي الخمسينيات والستينيات، كانت وحدات الاحتياط، تساهم دائما فيما كان يطلق عليه اسم "الحفاظ على الخط" ، وذلك من أجل إتاحة الفرصة، للجيش النظامي لكي يتدرب.

وفي فترة ما بعد حرب الأيام الستة، تزايدت دفعات التجنيد بعض الشيء، وتزايد معها حجم الجيش النظامي. ولم تكن هذه الزيادة قادرة على تلبية كل الاحتياجات، والمهام، التي ألقيت على كاهل الجيش النظامي، ولكن الزعامة السياسية، أرادت أن تخفض العبء، الملقى على كاهل رجال الاحتياط، وعلاوة على ذلك، كانت هناك استهانة كبيرة بقدرة العرب العسكرية.. ونتيجة لذلك، نشأت بعد حرب الأيام الستة، توازنات قوى غير منطقية، من الناحية العسكرية. ولقد برز هذا الأمر بصفة خاصة، على طول مواجهة قناة السويس، فلقد كانت النية المعلنة، هي الاحتفاظ في خط القناة، بقوات كبيرة جدا، وكان المطلوب أيضا، هو توافر الثقة الكاملة، في قدرة السلاح الجوي، على العمل بصورة حرة، لحسم المعركة.

كان المطلوب من القيادات العسكرية الإسرائيلية.. هو حساب حجم التوازن العسكري، المطلوب تحقيقه على الخطـوط الدفاعية، التي وصلت إليها القوات الإسرائيلية عام 1967، وذلك من القوات البرية النظامية (مشاة ـ مدرعات ـ مدفعية ـ أسلحة أخرى)، من أجل إحباط التهديدات الكبيرة. وبطبيعة الحال فإن عناصر القوة المطلوب تحقيقها، ليست كمية فقط، إذ أن نظام الدفاع والخطط التنفيذية السليمة هما شرطان أساسيان لاستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي بصورة ذكية وواعية. وهنا تبرز المشاكل التي تتعلق بمستوى استخدام القوات.

وفي حرب عيد الغفران وقبلها، برزت هذه الأخطاء بصورة واضحة، نتيجة لعدم الخبرة، في إدارة وخوض معركة دفاعية، ولكن هذا القصور، لا يعفي القيادة العليا من مسئوليتها، لأنه كان من الممكن التغلب على عدم الخبرة، عن طريق التخطيط الجيد. ولقد اعترف وزير الدفاع، موشي ديان، بذلك صراحة، وهو يتحدث عن الحرب، في مؤتمر طاقم القيادة العامة، يوم 14 فبراير 1974، حيث قال: "في أي شيء كان الخطأ.. في أننا لم نُجهزْ ما يكفي من القوات استعدادا لنشوب الحرب".

2. هدف الدفاع عن القناة

لقد كان الهدف من الدفاع عن القناة، هو منع عبورها، بواسطة عدد محدود من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي، من المشاة والدبابات[1] في مواجهة قوة مصرية، قوامها سبع فرق، تبلغ نحو 100 ألف جندي، 1300 دبابة، 1100 مدفع.

والواقع أن خطة الدفاع عن منطقة القناة، كانت مليئة بالأخطاء الفادحة، من الناحية العسكرية، صحيح أن هذه الخطة قد اعتمدت ـ من بين ما اعتمدت عليه ـ على الافتراض الأساسي، بأن السلاح الجوي الإسرائيلي، سوف يكون قادرا على تقديم المساعدة الفورية والمكثفة، للمدافعين عن القناة، في حالة حدوث هجوم مصري. ولكن تقرير القيادة الإسرائيلية، لاستخدام قواتها الجوية، لمعاونة القوات البرية، منذ الساعة الأولى للحرب.. كان مبالغا فيه وغير واقعي. باعتبار أنه خلال الـ 48 ساعة الأولى للحرب، سوف يضطر أولا للتعامل مع تشكيل صواريخ الدفاع الجوى، ويدمرها، أضف إلي ذلك أن الثقة الكاملة في تدمير هذه البطاريات، من الصواريخ أرض/جو ـ هي مسألة وقت فقط ـ لم يكن سليما، لأنها لم تقم علي دراسة فنية حقيقية، لا من ناحية القوة الحقيقية، ولا من الناحية التكنولوجية.

وعلي مستوى القوات البرية، فقد أخطأ جيش الدفاع الإسرائيلي، في تقديره لإدارة حرب دفاعية، لم يكن يمتلك الخبرة الكافية لإدارتها. وكانت لهذه الأخطاء التنفيذية، تأثيرها الكبير والحاسم، في كثير من الأحيان.

3. فكر الدفاع الثابت والدفاع المتحرك في نظرية القتال الإسرائيلية

انتهت حرب الأيام الستة، باحتلال كامل لشبه جزيرة سيناء، وتمركزت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، علي الضفة الشرقية لقناة السويس، وفي الضفة الغربية التي توجد بها مدن القناة، كانت مواقع القوات المصرية، كانت النية تتجه إلي عدم الانسحاب، بأي حال من الأحوال، دون التوصل إلي اتفاقية مباشرة مع مصر. وفور انتهاء الحرب، بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي، ينظم صفوفه من أجل الدفاع عن سيناء.

وفي منطقة الممرات الجبلية، أقيمت مراكز السيطرة والرقابة، والحرب الإلكترونية الإيجابية والسلبية، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، وللسلاح الجوى. واحتلت وحدات الاستخبارات، أعلى نقطة، وهي، "جبل أم خشيب"، وبعد بضعة شهور تمركزت عناصر من السلاح الجوى، وكذا القيادة الجنوبية.

وخلال المرحلة الأولى: وضع جيش الدفاع، وحدات مشاة ومدرعات، على طول القناة، بهدف السيطرة على المنطقة، وإقامة نقط مراقبة، تطل على الضفة الغربية. ولقد افترض كثيرون، أن المصريين الذين تلقوا ضربة أليمة في الحرب، لن يتجرأوا على مهاجمة الجيش المنتصر. ولكن سرعان ما تبدد هذا الافتراض، خلال فترة زمنية قصيرة، فلقد بدأت مصر في عمليات القصف المدفعي والاغارات على المواقع، التي لم تكن لديها حماية مناسبة ضد المدفعية، وأخذت الخسائر في التزايد.

وفي ضوء الموقف السابق، بدأت المناقشات في هيئة الأركان العامة، وفي القيادة الجنوبية، بهدف تحديد أفضل السبل،لإقامة هيكل دفاعي في سيناء.وانحصرت في الجدل بين وجهتي النظر:

أ. الأولى: كانت تطالب بدفاع صلب، على خط المياه.

ب. الثانية: كانت تفضل دفاعا مرنا ومتحركا، في المنطقة الواقعة شرق القناة.

ولقد أيد رئيس الأركان، الجنرال "يشعيا هوجافيس "بالدفاع على خط المياه". أما الجنرالان "يسرائيل طال"[2]، والذي كان قائدا للقوات المدرعة في ذلك الوقت ـ وإرييل شارون[3]، والذي كان يشغل منصب رئيس إدارة التدريب، فقد أيدا الدفاع المرن المتحرك. ويؤكد كتاب "نظرية القتال" في جيش الدفاع الإسرائيلي، أن هناك أسلوبين للدفاع، هما الدفاع الثابت، والدفاع المتحرك.

·   الدفاع الثابت: ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، في هياكل دفاعية حصينة، وثابتة، مدعومة بهيكل من الموانع، على حين أن جزءا صغيرا من القوة، وهي القوة المدرعة، يتم استخدامها كاحتياطي لتنفيذ هجمات مضادة.

·   الدفاع المتحرك: ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، كاحتياطي متحرك، على حين أن جزءا صغيرا نسبيا من القوة، يستخدم في هياكل دفاعية ثابتة. وهذا الأسلوب القتالي، يتناسب بالدرجة الأولى، مع قوات المدرعات، التي تنفذ عمليات مناورة واسعة.

وطبقاً للنظريات الإسرائيلية، فإنه يتم اختيار الأسلوب الدفاعي، بناء على عدة اعتبارات، من أهمها:

أ. الدفاع الثابت: ويتم اختياره في الظروف التالية:

(1) عندما لا يكون هناك احتمال للتنازل عن الأرض، بسبب أهميتها، وبسبب عدم وجود عمق، (هذا الاحتمال يمكن أن يتم في سيناء، بعدم التنازل عن خط قناة السويس باعتباره خط حيوي).

(2) عندما تكون القوة الأساسية المدافعة، هي قوة مشاة، وفي سيناء، كان الاعتماد الأساسي، على القوة المدرعة.

ب. أما الدفاع المتحرك: فيتم إتباعه في الظروف التالية:

(1) عندما تكون المنطقة المدافع عنها، تتيح أو تحتم التنازل بصورة مؤقتة عن جزء منها.

(2) عندما يكون الجزء الأكبر من القوات، قوات مدرعة ومتحركة، ومن الممكن استغلال مواصفاتها وإمكانياتها وعلى وجه الخصوص في القتال المتحرك.

(3) عندما تكون ظروف الأرض والمناخ مناسبة للمناورة.

وكل هذه الشروط، التي تحتم وجود دفاع متحرك، كانت موجودة في سيناء.

4. اختيار نوعية الدفاع عن القناة في المنظور الإسرائيلي

كان المتبع بعد حرب الأيام الستة، استخدام أسلوب الدفاع المتحرك، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تسمح فيها إسرائيل ـ بدون أن يتعرض وجودها للخطر ـ بالتنازل عن الأرض، وأن تكسب الوقت لكي تستوعب أي هجوم مصري، في المنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات، لحين وصول قوات الاحتياط، وحتى يتمكن السلاح الجوي من الحصول على حرية العمل (السيطرة الجوية)، لتقديم المعاونة الجوية للقوات البرية.

وفي عام 1968، حسم الجنرال "حاييم بارليف" وكان رئيساً للأركان العامة، الموقف إلى صالح الدفاع الصلب، على خط المياه، ولم يتدخل وزير الدفاع موشي ديان، على الإطلاق، في الجدل بين النظريتين، ولم يعبر عن رأيه. وعندما تزايدت عمليات القصف المدفعي، وتزايد عدد المصابين، على طول القناة، تقرر إقامة هيكل من الموانع يكون قادرا على مواجهة عمليات القصف المدفعي المكثفة. وتم تخطيط هذا الهيكل الدفاعي، بواسطة طاقم، على رأسه الجنرال "إبراهام أدان"، وتضمن 28 موقعا "نقطة حصينة"، تم توزيعها على طول مواجهة الـ 160 كيلومتر، وهذا يعني أن المسافة بين الموقع والآخر كانت تصل إلى نحو 6 كم في المتوسط. وتم بناء هيكل المواقع أو "النقط الحصينة"، وشبكة الطرق الموصلة إليها، بمساعدة مقاولين مدنيين، ومعدات ميكانيكية ثقيلة، من مختلف أرجاء البلاد، وعند نهاية عملية البناء، تولد مصطلح "خط بارليف".

وعلى طول مواجهة القناة كان للقوات المصرية في غرب القناة خمس فرق مشاة وفرقتان مدرعتان تضم نحو ألف دبابة، 100 ألف جندي. وفي مواجهتهم بالضفة الشرقية نحو 1200 جندي ونحو 300 دبابة. وبالتالي تصل المقارنة إلى نحو ثلاثين ضعفا لصالح القوات المصرية[4].

وكان من الواضح ومنذ البداية أن جيش الدفاع الإسرائيلي في خط القناة، كان أقل من الناحية العددية بالمقارنة بالعدو الذي يقف أمامه، فكان لا يمكن لقوة تضم حوالي 300 دبابة (مجموعة عمليات إسرائيلية) أن تصمد في وجه هجوم لقوات عربية تزيد على ثلاثة أمثالها[5]، وبسبب المسافة الكبيرة بين المواقع المحصنة .. كان من الممكن عبور القناة، في عشرات المواقع نهارا، وفي مئات المواقع ليلا، دون أن تلاحظ ذلك، نقاط مراقبة جيش الدفاع الإسرائيلي.

وقد تأكد ذلك من خلال عمليات التصوير الجوي المصري، وعمليات العبور والكمائن التي نفذتها القوات المصرية، بين النقاط الحصينة، والعودة إلى الضفة الغربية للقناة فجرا، خلال عامي 1969 ـ 1970.

ولم يكن أرييل شارون "Ariel Sharon"، كقائد للمنطقة الجنوبية، يؤمن بإمكانية منع المصريين من عبور القناة، ولم يكن يخفي ذلك. ولذلك نجد، أنه طلب في مناقشات هيئة الأركان، بتخفيض حجم القوة المخصصة للدفاع عن النقاط الحصينة، على الضفة الشرقية للقناة، وكان يتبنى نظرية الدفاع المتحرك، للدفاع عن سيناء. وكذلك أكد الجنرال يسرائيل طال ذلك، إذ وضع أسس القتال المتحرك، بالمنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات.

وعاد الجدل مرة أخرى، حول أسلوب الدفاع عن سيناء .. عندما تولى الجنرال "ديفيد أليعازر"، مهام منصبه في بداية عام 1972، وعاد شارون وطال، إلى الحديث عن ضرورة إتباع أسلوب الدفاع المتحرك، والتخلي عن الاحتفاظ بخط المياه. وبالفعل، في ذلك الوقت ـ بعد عام ونصف من وقف إطلاق النار ـ كان خط بارليف، لا يضم سوى أعداد محدودة من القوات المدافعة.

وكان وزير الدفاع ورئيس الأركان، على علم بهذا الجدل والنقاش. وكانا يعلمان أن قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال شارون، لا يؤمن بأسلوب الدفاع المفروض عليه، وأنه بأسلوبه هو، يقوم بتقويض خط بارليف، لأنه يرى فيه عبئا لا طائل منه، من الناحية العملية، وكان يجب أن يتم إعادة تقييم الوضع، طبقا لمفهوم الدفاع الثابت، منذ صيف عام 1970، عندما اتضح أن السلاح الجوي الإسرائيلي، غير قادر على مواجهة هيكل صواريخ الأرض/جو المصرية، على طول قناة السويس، وعمق الجبهة المصرية. وكان من المعروف أن نظرية الدفاع عن خط المياه، كانت ترتكز على المساعدة أو المعاونة الجوية الحاسمة، ابتداء من الساعة الأولى من القتال. ومع ذلك فإن القرار الخاص بالدفاع الصلب عن سيناء، الذي وضعه بارليف.. بدأ يتغير، وحدثت مسيرة مخالفة، مما أدى إلى وجود فجوة عميقة، بين الخطط العملية، وبين إمكانية تنفيذها، وكانت النتائج أليمة.

وقد أكد ذلك ديفيد أليعازر، رئيس الأركان، في شهادته أمام لجنة أجرانات: "إنني أبني على الدفاع عن خط المياه بمعاونة السلاح الجوي"[6].

وعلى هذا اعتمد الدفاع في خط القناة على:

أ. 28 موقعا (مشكلة في 31 نقطة على القناة، 11 نقطة في العمق).

ب. الاعتماد على المعاونة الجوية الفورية، لتلك القوات النظامية، المسئولة عن الدفاع عن سيناء، لم يكن له أي سند من الأساس، لأن السلاح الجوي، قد أبلغ هيئة الأركان العامة صراحة، أنه طالما لم يتغلب على هيكل الصواريخ الأرض/ جو، الموجودة على طول القناة، فإنه لن يستطيع أن يوجه إمكانياته لمساعدة القوات البرية.

وبناء على ذلك،فإنه من بين ثلاثة أعمدة رئيسية للدفاع عن خط القناة،كان هناك اثنان غائبان[7]:

الأول: هيكل المواقع الحصينة، وكان انهياره معروفا للجميع، ولكن لم يتم استخلاص النتائج، ولم يتم تغيير الخطط العملية أو التنفيذية.

الثاني: الاعتماد على معاونة جوية، للقوات البرية النظامية، ابتداء من أول ساعة للحرب، لم يكن له أي أساس يقوم عليه.

5. تحليل هيكل الدفاع عن سيناء طبقا لرأي الكاتب الإسرائيلي، الدكتور زئيف إيتان:

أ. المواقع الحصينة شرق القناة

بصفة عامة تمت إقامة 31 نقطة حصينة على طول القناة، 11 نقطة حصينة في العمق، على طول خط الجبهة، الممتد لمسافة 180 كم، منها 160 كم بطول القناة و20 كم على طول شاطئ البحر المتوسط. ولم تكن هذه هي عملية إغلاق محكمة، وبعض النقاط الحصينة أقيمت متقاربة، بين بعضها البعض، مثل مجموعة النقاط الحصينة "ميلانو" في القنطرة، والتي أقيمت على مسافة كيلومتر واحدا بين النقطة والأخرى. على حين كانت المسافة العادية هي حوالي 10 كم. وفي الفترة ما بين حرب الاستنزاف، وبين حرب عيد الغفران، ساد الهدوء خط القناة، وأصدر قائد القيادة الجنوبية، الجنرال شارون، أوامره بإغلاق بعض هذه النقاط الحصينة، وما بقي منها كان محتلا بنحو 60 جنديا، وكان هناك 24 دبابة، مخصصة للقتال داخل النقط الحصينة، وتابعة لها، وتتمركز إما داخل النقطة الحصينة، أو في مواقع قريبة منها.

ب. عدد الأفراد داخل المواقع الحصينة على مواجهة القناة

عند نشوب الحرب يوم 6 أكتوبر 1973، كان عدد النقاط الحصينة المحتلة بالجنود هي 16 نقطة فقط، وكان عدد الجنود الموجودين بها يصل إلى 450 فردا، بالإضافة إلى 55 فرداً "أطقم الدبابات"، ليصبح الإجمالي 505 فرد، لقي منهم 126 فرد مصرعهم، وسقط 162 فرد بالأسر، ونجا 153 فرداً. ومن الممكن أن نضيف إلى الـ505 فرد ، عدد 64 صمدوا في موقع "بودابست" الموجود في قطاع بور فؤاد.

ج. معاونة السلاح الجوي للقوات البرية

كان السلاح الجوي، مقيدا في نشاطه على مقربة من القناة، بسبب حائط الصواريخ، حيث مارس نشاطا قليلا، في اليوم الأول للحرب، وفي اليوم الثاني، وصل إجمالي عمليات السلاح الجوي في سيناء، إلى طلعة واحدة، في صباح ذلك اليوم، نتيجة للخسائر التي تكبدتها الطائرات.

ولو أن القادة قد فهموا، وأخذوا مأخذ الجدية، ما أبلغهم به السلاح الجوي، من أنه غير قادر على أن يقوم بالدور المطلوب منه، طبقا لنظرية الأمن، وهي معاونة القوات البرية بالنيران، ابتداء من الساعة الأولى للحرب. ولو أنهم فهموا، أنه قد نشأ وضعا إستراتيجيا جديدا، على جبهات القتال، لكان من الممكن أن نفترض، أنهم كانوا سيعيدون تقييم الموقف، فيما يتعلق بخطط الدفاع عن الحدود، وعلى أقل تقدير، في جبهة القناة، كان سيتخلون عن مبدأ وقف العدو وصده، عند خط المياه، واتخذوا أسلوب الدفاع المرن والمتحرك.

والظاهرة الغريبة، في الحرب بين مصر إسرائيل، قد تجلت بصفة خاصة في العمليات الجوية. وكانت نظرية الأمن، وخطط الحرب، في السلاح الجوي، تقول أنه سوف يحقق بقواه الذاتية، حرية العمل في سماء مسرح العمليات، وسوف يساعد القوات البرية، ولكن في الواقع لم يكن هناك أي سيناريو، مماثل لما حدث على الطبيعة، أو قريب منه.

أما الجنرال إبراهام أدان[8]، فيتحدث عن الخطة الدفاعية عن سيناء، في كتابه "على ضفاف قناة السويس، فيقول: "لقد شكل لجنة، من أجل تعديل خطة الدفاع عن سيناء، كانت التحصينات التي تضمنتها الخطة القديمة، قد تم إنشاؤها بالفعل. وتضمنت أساسيات الخطة المقترحة، إن المصريين سيقومون بعبور قناة السويس، في القطاعات التي تستند على المحاور الرئيسية، وهي: القنطرة ـ الفردان ـ الإسماعيلية ـ الدفرزوار ـ السويس، وكذلك الطرق أو المحاور المواجهة، والتي تؤدي إلى قناة السويس مثل المحور الأوسط ومحور الجدي ومتلا.

الخطة الرئيسية للدفاع الإسرائيلي عن حدودها، كان يطلق عليها الاسم الكودي "سيلا"، وكانت معظم القوات المحددة للخطة، هي من قوات الاحتياط، وكانت موزعة من أجل، العمل على الجبهات المختلفة. وعلى مستوى الجبهة الجنوبية، خصصت معظم القوات، بحيث تكون ملاصقة للضفة الشرقية لقناة السويس، بحيث تكون مركزة على المحاور الرئيسية، المنتظر عبور القوات المصرية منها. على أن يسمح الموقع الدفاعي الإسرائيلي، والذي تصل مواجهته إلى نحو 2 ـ 3 كيلومتر، بالدفاع عنه بقوة تصل إلى نحو لواء مشاة مدعم بالدبابات. وكان على الدبابات أن تتحرك من مواقعها، لاتخاذ مواقع إطلاق النيران، على المصاطب المحددة لها، على طول قناة السويس، وفي شرقها، أما المشاة، فتأخذ أوضاعها داخل التحصينات، وخارجها، لمواجهة الهجمات المصرية.

هذا وقد تضمنت الخطة بعض العيوب، وعلى سبيل المثال:

أ. أنها سوف تستخدم حجم كبير من القوات، تتخذ أوضاعها على الحافة الأمامية، أو الخط الدفاعي، من المنطقة الدفاعية.

ب. أن هذه القوة ستتحمل العبء الأكبر، حتى يستكمل تعبئة الاحتياطات، واتخاذها لأوضاعها، وبالتالي، من المحتمل أن تفقد القوة النظامية الصغيرة، داخل هذه التحصينات الضخمة، لأنها لن تكون قادرة على صد الهجمات المعادية، وقبل قيام الاحتياطيات المعبئة، بالهجمات المضادة.

وكان هناك أسلوبين من أجل الدفاع.. الأسلوب الأول، وهو الدفاع الثابت، والذي يؤدي إلى اتخاذ مواقع دفاعية ثابتة، ومن عدة خطوط. الأسلوب الثاني، وهو الدفاع المتحرك، والذي يتم من خلال اتخاذ القوات لخط من الستارة، تتضمن بالأساس عناصر الاستطلاع، على الحافة الأمامية للدفاع، وتكون مهمتهم، هي الإبلاغ بالمعلومات حول تحركات الجانب المعادي، وتأخير هجوم الجانب المعادي، أما القوات الرئيسية، فتتواجد في العمق، تتخذ مناطق قتل في شكل دفاع متحرك، يسمح باحتواء الجانب المعادي، ثم توجيه ضربات مضادة لتدميره. وكان الأسلوب الثاني، هو الأكثر واقعية، لاستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي يتفوق في القوة المدرعة، القادرة على المناورة، وإدارة العمليات الهجومية، والتي لا تميل إلى اتخاذ الدفاع.

وفي النهاية، توصلت القيادة الإسرائيلية، إلى أنسب خطة دفاعية، عن جبهة قناة السويس، وهي المزج بين النظامين الدفاعيين، وهي أن تتواجد قوة نظامية مدافعة، عن الخط الدفاعي الأول، شرق القناة، والذي تكونه قوة الستارة، والتي يجب أن يتوفر بها الإمكانيات، لمنع القوات المصرية من العبور على المحاور الرئيسية، وإعطاء الإنذار للقوات الرئيسية. مع إنشاء خطوط دفاعية في العمق، تتخذ كخطوط نيران، للوحدات المدرعة، لتشكل أرض قتل، ضد القوات التي تمكنت من العبور، أما القوة المدرعة الرئيسية، والقادرة على توجيه الضربات والهجمات المضادة، فتتمركز في العمق وعلى المسافة التي تمكنها من الوصول إلى أهدافها، في أقل وقت ممكن لتنفيذ مهامها.

ووضعت الخطة في اعتبارها، أن العدو سيضطر أولا لاقتحام قناة السويس، كمانع مائي، ثم إقامة الكباري، ومهاجمة التحصينات الدفاعية، وهذه الإجراءات، من شأنها أن توفر الوقت الكافي، لتحريك قواتنا المدرعة، لمهاجمة العدو قبل أن يستطيع نقل دباباته، إلى الجانب الشرقي من القناة، وهذا سيمكن من تدمير مشاته، وإحباط عملياته الهندسية، لتمكين معداته الثقيلة من العبور.

وتطلبت الخطة، إنشاء عشرون محطة للإنذار المبكر من أجل توفير الاستطلاع للإلكتروني على مستوى الجبهة، ولعدم تحقيق المفاجأة ضد القوات الإسرائيلية. كما تم تكديس المؤن من طعام ومياه وخدمات طبية وذخائر للقوات المدافعة داخل المواقع الحصينة والتي تمكنهم من القتال لعدة أيام. مع تأمين هذه التحصينات بالألغام والأسلاك وخنادق المواصلات ومواقع إطلاق النار والدشم والملاجئ.

والواقع أن هذه التحصينات لم تكن لتمنع عمليات اقتحام قناة السويس، ولكن كانت مهمتها الأساسية هي توفير الإنذار، أما الدفاع الرئيسي فكان يستند على القوة المدرعة والمدعمة بالمشاة والتي تساندها المدفعية والقوات الجوية، ومن أجل تسهيل عملية المناورة ولسرعة وصول القوات وضعت الخطة إنشاء طريقين عرضيين، الأول يقع على مسافة 10 كم شرق القناة، وهذا الطريق سيمكن من المناورة بوحدات المدفعية وإمدادها بالذخائر، لذلك أطلق عليه طريق المدفعية، وبالقرب من هذا الطريق أنشأ خط الدفاع الأول الذي تتمركز عليه الوحدات المدرعة، والتي يمكنها الوصول خلال 30 – 60 دقيقة إلى خط التحصينات شرق القناة.

أما الطريق العرضي الثاني فكان يقع على مسافة 30 كم شرق القناة والذي استخدم من أجل المناورة بالمدرعات والإمدادات من قطاع إلى آخر، وهو ما يمكن من وصول حشد من المدرعات لتدمير القوات المعادية التي نجحت في العبور.

وتم عرض الخطة على قائد الجبهة الجنوبية التي وافق عليها، مع قيامه بإضافة بعض النقاط الحصينة في المحاور الهامة بقطاعات القنطرة والفردان والإسماعيلية وفي مواجهة ممري الجدي ومتلا. كذلك قام رئيس الأركان بإضافة بعض المواقع الحصينة في الشمال والجنوب في نهاية قناة السويس، كما قام اللواء شارون مدير التدريب بإضافة بعض التعديلات على طبيعة وشكل التحصينات بما يحقق الوقاية والمناورة للقوات.

أما اللواء طال، فقد وافق على الخطة.. وبهذا أصبحت الخطة قابلة للتنفيذ ولتطبيق هذه الخطة كان يجب تشغيل آلاف من المدنيين والعسكريين من أجل العمل تحت قيادة سلاح المهندسين من أجل تنفيذ هذه الخطة.

وفي يناير عام 1970، تولى اللواء شارون قيادة الجبهة الجنوبية، فبدأ يُعدل قليلا بالخطة، بحيث تصبح أكثر ميلا لخطة الدفاع المتحرك عنها من خطة الدفاع الثابت وأطلق على الخطة الدفاعية الإسرائيلية الاسم الكودي "شوفاك يونيم" والتي تعني باللغة العربية أبراج الحمام، وتقوم هذه الخطة بالأساس على القوات النظامية، والتي صممت من أجل مواجهة إفشال الهجمات المصرية لاقتحام قناة السويس، ولكن بالرغم من ذلك فإن هذه الخطة لم تبنى على أساس الدفاع عن سيناء بالقوات النظامية فقط، ولكن باستخدام الحجم الأكبر من القوات المدرعة التي يتم تعبئتها.

كانت الخطة تهدف بالأساس إلى تحقيق الآتي:

أ. استخدام القوات النظامية من أجل تأخير هجوم القوات المصرية وتكبيدها أكبر خسائر.

ب. إعطاء الإنذار الكافي الذي يسمح بتعبئة القوات الاحتياطية في الوقت المناسب.

ج. استخدام القوات المدافعة لتأمين الحدود الجنوبية، بينما يتم تحريك الاحتياطيات المدرعة من أجل شن الهجمات وبأقصى سرعة ممكنة.

كما خطط لاستخدام فرقتين مدرعتين من التعبئة، تعمل خلف الفرقة المدرعة الأمامية المدافعة عن سيناء، والتي ستكون على استعداد لتأمين الدفاع عن سيناء إذا تطلب الموقف ذلك، مع الاستعداد أيضا لعبور القناة إلى جهة الشرق بعد نجاح هجماتها المضادة. على أن تقوم القوات الجوية بالسيطرة على سماء الجبهة بتدمير الطائرات المصرية، ثم تقديم المعاونة للقوات البرية.

ويتساءل إيلي زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران عن المهمة التي صدرت إلى جيش الدفاع الإسرائيلي للاحتفاظ بمنطقة القناة ومنع المصريين من احتلالها.

وهل كان من الممكن الاحتفاظ بخط المياه "القناة" كله بمواجهة 160 كم بواسطة حوالي ألف جندي تدعمهم نحو 200 دبابة في مواقع أمامية، على حين يقف في مواجهتهم حوالي 100 ألف جندي مصري، في الوقت المعروف فيه أن الخطة المصرية تقضي بعبور القناة على كامل مواجهتها وبصفة خاصة في القطاعات العريضة التي لا تخضع للمراقبة حتى من جانب جيش الدفاع الإسرائيلي[9]؟

هل المسموح به من الناحية الفنية، أن ندخل في حسابات قوة النيران، قوة السلاح الجوي الإسرائيلي على حين أن هذا السلاح كان يُحذر من أنه طالما لم يدمر بطاريات الصواريخ أرض/جو لن يكون قادرا على مساعدة القوات البرية؟

إذا كانت الإجابة على السؤالين السابقين بالنفي، إذا ما هو أسلوب الدفاع الصحيح؟ الدفاع الصلب "الثابت" أم من الأفضل استخدام أسلوب الدفاع المتحرك، الذي يتيح لمصر عبور القناة ويتيح لجيش الدفاع الإسرائيلي فرصة تنفيذ معركة دفاعية متحركة، وأن يتحول إلى الهجوم المضاد في المكان وفي التوقيت اللذين يختارهما جيش الدفاع الإسرائيلي، على حين يكون في مقدوره استغلال كامل قوته لتحقيق التفوق المطلوب؟

وإذا كان هذا هو أسلوب الدفاع المفضل، وهو الاحتمال الوحيد الذي يمتلك احتمال النجاح، فما هو إذا دور المواقع الموجودة على طول القناة؟ وإذا كان دورها هو أن تكون مواقع خارجية لأغراض المراقبة فقط، فإنه من اللحظة التي تبلغ فيها عن الإنذار وتعلن عن حدوث هجوم مصري من أجل عبور القناة، ينتهي دورها، وعليها الانسحاب وإخلاء معداتها وفقا لخطة مجهزة وسبق التدريب عليها سلفا، وليس هناك ضرورة عملية لاستمرار التمسك بالمواقع.

هل من المنطق إصدار أمر إلى سرايا وكتائب المدرعات في اليوم الأول من الهجوم المصري بأن تتحرك نحو القناة من أجل أن تلتحم مع المواقع الحصينة؟ ما هو الهدف؟ إخلاء المواقع؟ صد الهجوم المصري؟ لقد كانت النتيجة المباشرة لإصدار هذا الأمر هو فقدان (55) دبابة وجزء من أطقمها بدون تحقيق مكسب حقيقي.

الواقع أن التحليل العسكري يشير إلى خطأين وتقصير كما يقول إيلي زعيرا:

الخطأ الأول: وهو قرار الدفاع عن خط المياه، على حين كانت علاقات القوى، وحجم المنطقة، وطول خط الجبهة، لا تتيح ذلك، وبصورة قاطعة، كان هذا القرار غير قابل للتنفيذ في ظل علاقات قوى كهذه، إلا إذا كان المخطط قد وضع في حسابه أنه عندما ستشاهد كتيبة مصرية 2 جماعة من الجنود الإسرائيليين، سوف ترفع الكتيبة يديها وسوف تلقي بأسلحتها على الأرض.

الخطأ الثاني: ينبع من عدم فهم الوضع الحيوي الآخذ في التبلور في الشرق الأوسط، ومن عدم فَهْم مغزى هذا الأمر بالنسبة لملامح نظرية الأمن في دولة إسرائيل، وكما هو معروف فإن السلاح الجوي النظامي الكبير التي يساند القوات البرية النظامية الصغيرة هو أحد الأعمدة الرئيسية في نظرية الأمن الإسرائيلية. وكان من المفروض أن يكون السلاح الجوي هو مصدر النيران الرئيسي في المعركة الدفاعية، طالما أن قوات الاحتياط وعلى وجه الخصوص وحدات المدفعية، لم تصل بعد إلى الجبهة. ولكن من اليوم الذي حصل فيه الجيش المصري على طول القناة، على الحماية الفعالة ضد السلاح الجوي الإسرائيلي، عن طريق هيكل الصواريخ أرض/جو. اهتز توازن وميزان علاقات القوى بصورة شديدة، وأصبحت نظرية الدفاع عن القناة في أمس الحاجة إلى التغيير ولكن وزير الدفاع ورئيس الأركان لم يكونا على علم بأنه أمام أعينهما ينهار بناء نظرية الأمن ولو كانا قد أدركا ذلك لكان من الضروري أن يدرسا ما هو معنى ذلك وأن يفكرا في كيفية مواءمة الخطط العملية والتنفيذية للوضع الجديد.

التقصــير: ويتمثل في الامتناع عن الحسم، عندما تم تغيير رئيس الأركان في عام 1972، وتم تعيين أرييل شارون قائدا للمنطقة الجنوبية والذي طالب بتغيير نظرية الدفاع عن منطقة القناة. ومرة أخرى لم تتم مناقشة الموضوع بصورة جادة بواسطة القادة المسئولين وزير الدفاع ورئيس الأركان، اللذان لم يحسما الأمر في هذا الجانب أو ذاك، وتركا الوضع يتدهور. لم يحسم وزير الدفاع الخلاف بين وجهتي النظر، وكما يبدو فإنه خاف من أنه سوف يضطر هو نفسه إلى أن يتخذ موقفا في هذا الجانب أو ذاك، وأن يأخذ على عاتقه مسئولية مباشرة وصريحة في موضوع عملي تنفيذي له أهمية قصوى، وهذا ما لم يود موشي ديان أن يفعله.

وهكذا وقع هنا خطآن إستراتيجيان وتقصير زعامي قيادي، ومسئولية ذلك تقع على عاتق وزير الدفاع ورئيس الأركان، إذ أنه لا يمكن أنه يكون هناك شك في أن نظرية أمن إسرائيل وإستراتيجية الحرب هما جزء من مسئوليتهما[10].


 



[1] تواجد بالفعل على جبهة القناة صباح يوم 6 أكتوبر 1973، عدد 3 ألوية مدرعة "حيث يبلغ حجم اللواء الواحد 111 دبابة" بإجمالي نحو 336 دبابة، وهو أمر يخالف الادعاءات الإسرائيلية.

[2] عُين يسرائيل طال، قائداً لسلاح المدرعات، ثم نائباً لرئيس الأركان، ثم رئيساً لشعبة العمليات.

[3] تولى إرييل شارون بعد ذلك، قيادة الجبهة الجنوبية، ثم أحيل للتقاعد، ثم استدعي في حرب 1973، لتولي قيادة مجموعة عمليات مدرعة في الجبهة الجنوبية.

[4] المقارنات لا تحسب بهذا المنطق، ولكن يدخل في المقارنات جميع القوات التي ستشارك في العملية ومن ثم يجب أن يتم حساب مجموعات العمليات المدرعة الإسرائيلية التي سيتم تعبئتها خلال 24 ساعة.

[5] يقصد ثلاثة أمثالها في مقارنة الدبابات أي 1000 دبابة مصرية ضد 300 دبابة إسرائيلية ولكن هذا خطأ كبير كذلك لأن لإسرائيل مخازن طوارئ تضم 3 مجموعات عمليات مدرعة، على مسافة 120 كم، تتكون من أكثر من 1000 دبابة، وهي قادرة على القتال خلال 24 ساعة، ومن الممكن أن تتدخل في القتال، خلال اليوم الثاني، وبالتالي يجب حسابها في المقارنات.

[6] ذكر الجنرال "بنيامين بيليد"، قائد السلاح الجوي، في شهادته أمام لجنة أجرانات، أنه كان في حاجة إلى يوم واحد، لتدمير بطاريات الصواريخ أرض/جو، الموجودة على طول قناة السويس، ويوم آخر، من أجل تدمير السلاح الجوي المصري. وتسأله اللجنة هل هذا ينطبق أيضا على الدفاع الجوي السوري، وسلاح الطيران السوري، وإذا كان رده بالإيجاب فإن السلاح الجوي في حاجة إلى أربعة أيام من الحرب من أجل أن يتفرغ لمساعدة القوات البرية.

[7] يُقصد بالأعمدة الثلاثة: الدفاع الحصين شرق القناة ـ الاحتياطيات في العمق ـ المعاونة الجوية للقوات البرية.

[8] قاد الجنرال إبراهام أدان، إحدى مجموعات العمليات المدرعة الإسرائيلية، وهي المجموعة الرقم 162 المدرعة، وهو الذي نفذ الهجوم المضاد صباح يوم الاثنين 8 أكتوبر، وخسر معظم دباباته، وأطلق على هذا اليوم في إسرائيل اسم "الاثنين الأسود".

[9] يبالغ إيلي زعيرا في تقديره لهذا الموقف، حيث لا يحسب التوازن على هذا الأساس ولكن يحسب على تنظيم الدفاع ككل عن سيناء وليس على خط واحد من النقط الحصينة على قناة السويس، خاصة وأن القناة كانت مجهزة بمصاحب الدبابات في الفواصل بين النقط القوية والتي تحتل بالدبابات مع رفع درجات الاستعداد ولكن المفاجأة هي التي منعت القوات الإسرائيلية من الاحتلال الكامل للخطة الدفاعية.

[10] من الملاحظ أن إيلي زعيرا "مدير المخابرات"، يهاجم كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ويتهمهما بالتقصير، بسبب عدم حسم موضوع الدفاع عن قناة السويس. ولكن مع ذلك فإن المفاجأة التي حققتها القوات المصرية كانت وراء كل ما حدث من ارتباك بالخطة الدفاعية الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى لبدء القتال.

[11] برزت هذه الفقرات في البند 171 من التقرير الأولي للجنة أجرانات، الموضوع 57، ص 8.

[12] هذا يوضح أن فكرة الدفاع الإسرائيلي قامت على أساس الدفاع الثابت بصفة أساسية وهذا يكذب ما ذكروه من أن خط بارليف لم تكن مهمته إحباط هجوم المصريين.