إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث الثالث

التخطيط العربي للحرب

"وجهة نظر إسرائيلية"

في نهاية شهر مارس 1973، قرر رئيسا مصر وسورية، شن الحرب في نهاية العام. والواقع أن خطط السادات للحرب اتخذت صوراً مختلفة، منذ طلب من الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1972، إخراج العسكريين الروس من مصر. وما أن خرج الروس، أصبح السادات لا يخشى من يزعجه، إذا قرر الحرب.

ويذكر السادات، لأحد الصحفيين الغربيين، بعد الحرب.. أنه بعد خروج المستشارين السوفييت، أصبح ناقدوه، لا يستطيعوا الزعم بأن كل ما سوف تفعله مصر في المجال العسكري، ليس سوى إنجاز روسي، ومن صنع مستشاريه الأجانب. وبعد خروج الروس بأسبوع ـ وبالتحديد في أواخر يوليه 1972 ـ أصدر السادات أوامره إلى وزير حربية "الفريق أحمد صادق" للتخطيط للحرب.

وفي أكتوبر 1972، عرض صادق، خطة العملية "جرانيت-1"، وهي خطة لحرب محدودة، وتقوم بالأساس على تنفيذ إجراءين: إسقاط لواء مظلات مصري في سيناء، والذي يقوم بتنظيم الدفاع عن الأرض التي استولى عليها، وإلى جانب هذا تقوم حوالي 50 طائرة قتال مصرية بمهاجمة شرم الشيخ، وكرد فعل ستحاول إسرائيل القضاء على لواء المظلات، وتسرع مصر إلى مجلس الأمن، لإعلان وقف إطلاق النيران، وتتوقف النيران، بينما يرابط في سيناء لواء مظلات مصري. ويهتز الوضع السياسي، وتمارس الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل للتسوية، من خلال انسحاب من سيناء"[1].

ولم يرتاح الرئيس المصري من تفاصيل الخطة، خاصة الشق الخاص بإسقاط لواء مظلات في سيناء. ويخرج بنتيجة مؤداها أن وزير حربيته ليس واثقا من القوات المصرية. إلى جانب تحذير صادق المستمر، من السلاح الجوي الإسرائيلي، ومن ضرب عمق الأراضي المصرية، التي لم تكن مستعدة للحرب.

وبعد مضي أسبوع من هذا الموقف، يقرر السادات تغيير وزير حربيته، ليحل أحمد إسماعيل محل الفريق صادق. وبالفعل استطاع أحمد إسماعيل، إقناع السادات، بأنه لا يجب على مصر الاكتفاء بإجراء محدود، إذ أن الإسرائيليين سيردون ردا شديداً مضاداً، على الحرب المحدودة. لذلك لا يجب الخوف من تنفيذ حرب شاملة، والتي من شأنها، أن تحقق نتائج أفضل بكثير من الحرب المحدودة. ووافق السادات، على التخطيط لعملية عبور واسعة النطاق، على مواجهة قناة السويس بالكامل. وفي 14 يناير 1973، تقدم أحمد إسماعيل إلى السادات، بخطة عبور شاملة، تحت مسمى العملية "جرانيت-2".

وبدأت مصر تستعد للهجوم، في شهر مايو 1973، وكانت المشكلة الرئيسية، هي استكمال إعداد الجيش، وإقناع السوريين بالانضمام للحرب.

وخلال شهر مارس 1973، أجرى الرئيس السادات، حديثًا صحفيًا مطولاً مع الصحفي الأمريكي "أرنودي بورشاجوف" المحرر لمجلة نيوزويك الأمريكية. وقال بورشاجوف للسادات، أن الخبراء العسكريين، يعتقدون بأن إسرائيل ستهزم المصريين، وأن السلاح الجوي الإسرائيلي، سوف يستخدم ضد أهداف في العمق المصري. ورد السادات على بورشاجوف قائلا: "أن الأحداث الأخيرة في حرب فيتنام، هي أكبر مثل له، فقد فَقَّد الفيتكونج في هجوم التات الكبير، حوالي 45 ألف فرد، وبالرغم من أن هذا الهجوم يُعد فشلا عسكريا، إلا أنه كان في نفس الوقت نقطة تحول سياسية لصالح الفيتكونج. وعندما عاد النزاع إلى الجمود، شن جيش فيتنام الشمالية هجوما شاملا، وفي هذا الهجوم فقد الشماليون أكثر من 70 ألف فرد، ومع هذا كله فقد انتصروا، إذ قرر الأمريكان التوقف عن الحرب، واضطروا للانسحاب". ويبدو من تعليق الرئيس السادات، أنه كان يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، وتحريك الوضع المتجمد، من أجل أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيل.

وبنهاية مارس 1973، وصلت المعلومات إلى الاستخبارات الأمريكية، عن استعدادات المصريين لشن حرب قريبة. ويذكر أحد الشخصيات التي استقبلها السادات.. "لجوزيف سيسكو" مساعد وزير الخارجية الأمريكي، لشئون الشرق الأوسط، بأن السادات أبلغه، أنه خلال أسابيع معدودة، سوف يحقق وعده بالنسبة لشن الحرب. كما أبلغ أيضا ما دار بينه وبين السادات، إلى الدكتور هنري كيسنجر، ويوافق كيسنجر من حيث المبدأ، أن السادات سيشن الحرب ضد إسرائيل، ولكن ليس خلال بضعة أسابيع.

كما تقوم نفس الشخصية الغربية، بمقابلة السفير الإسرائيلي في واشنطن "سمحا دينيز" وإبلاغه بحديث السادات.

ولكن لم تقم مصر بالهجوم في شهر مايو ـ كما كان مقرراً ـ لأن حاكم سورية زعم بأن جيشه ليس مستعداً للحرب، كما طلبت القيادات العسكرية المصرية، من الرئيس السادات، تأجيل الموعد بضعة شهور، لاستكمال استعداداتهم.

وفي الثاني من إبريل 1973، وصل وزير الحربية المصري "أحمد إسماعيل"، إلى دمشق، للتفاهم بشأن الخطط الهجومية للجيشين، وبعد زيارة استغرقت ثلاثة أيام في هيئة الأركان السورية، عاد إلى مصر.. وفي السادس من مايو، توجه أحمد إسماعيل إلى بغداد، لمدة يومين، ثم زار بعدها دمشق.

كان تعليق القيادات العسكرية الإسرائيلية، أن هذه الزيارة، هي مجرد مقابلات تنسيق عادية، ولكن في الأردن، كان الإحساس مختلف، حيث شعروا بأهمية وطبيعة هذه الزيارات، وفي 13 مايو وزعت بين الضباط الكبار في الجيش الأردني، رسالة سرية، أبلغ فيها الملك حسين ضباطه بأن دولاً عربية معينة، تنوي شن الحرب قريباً، ولكن ليست هناك خطة ناضجة حالياً. وبعد مرور بضعة أيام تسربت رسالة الملك حسين، إلى الصحف اللبنانية.

وإن وزير الحربية المصري، الذي بدأ يتحرك من وراء الكواليس، أصبح هو المنسق الرئيسي للخطط الهجومية، وأحمد إسماعيل، يعتبر من القادة المحببين لدى الروس، بسبب تعلمه بالأكاديمية الحربية في "فرونز" عام 1957، ولقد تعين أحمد إسماعيل وزيراً للحربية، حيث كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العامة منذ مايو 1971. ويعتبر أحمد إسماعيل من القادة المصريين ذوي الاتجاه المعادي لإسرائيل، وقد سبق له أن شغل منصب رئيس هيئة الأركان المصرية خلال فترة حرب الاستنزاف. هذا وقد لعب الدافع الشخصي عنده، وعند رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي دوراً هاماً في الإعداد للحرب.

وفي 19 مايو 1973، أذيع نبأ مفاجئ، بأن السادات قام بزيارة خاطفة لمدة 7 ساعات لدمشق، وفي 12 يونيه يكرر السادات زيارته لدمشق. والواقع أن هذه الزيارات السريعة لدمشق، كانت محل تساؤلات من الأجهزة الإسرائيلية، خاصة وأنه كان يأتي بعدها زيارات لوفد عسكري سوري إلى القاهرة.

وفي السادس من أغسطس 1973، سافر الدكتور حسن الخولي ـ كمبعوث شخصي للسادات ـ إلى الأردن، ثم تلاها زيارة قام بها الدكتور الخولي برفقة "الرفاعي" رئيس وزراء الأردن إلى دمشق للالتقاء بالرئيس الأسد.

والواقع أن الاستخبارات الإسرائيلية، لم تستطع أن تكتشف أن الرئيسين السادات والأسد يُعدان من خلال هذه الاجتماعات، الفصل الأخير من خطتهم العسكرية، وهي تأمين الجناح الأردني.

وفي 29 أغسطس 1973، وصل وزير الدفاع السوري، طلاس، إلى عمان، وبرفقته قائد القوات المغربية[2] في سورية، اللواء عبد السلام شعرواي، من أجل بحث إمكانية موافقة الملك حسين على نقل 2000 جندي مغربي إلى الأردن، ولكن الملك حسين يرفض الاقتراح. وفي 12 سبتمبر، انتهى اجتماع قمة القاهرة بين السادات والأسد وحسين، من أجل تحقيق المصالحة بين سورية والأردن.. ويُعد ذلك هو الثمن الذي دُفع للملك حسين، مقابل حماية الجناح السوري.

أولاً: حرب يوم الغفران هي أول حرب خطط فيها العرب بصورة جيدة

تعتبر حرب يوم الغفران، هي أول حرب خطط فيها العرب، بصورة أساسية، جاهدين على ألا يتركوا شيئا للصدفة. وهذه المرة كانت ميزة المبادرة والمباغتة للإستراتيجيين العرب، ففي سنة 1948، كانت لهم المبادرة في غزو أرض إسرائيل، ولكن كانت الخطة العربية وقتذاك خاطئة، وكانت على مستوى عسكري هابط، كذلك كان التنسيق بين الجيوش العربية رديئا.

وفي عام 1956، كانت إسرائيل هي التي بدأت الحرب، وكانت المبادرة في يد إسرائيل، واضطرت مصر للرد فقط. وهكذا كان الحال أيضا في حرب الأيام الستة عام 1967. لقد أعطى العرب لإسرائيل مبررا للحرب، بفرضهم الحصار البحري في مضايق تيران، وحشدهم لقوات عسكرية كبيرة في سيناء، ولكن المبادرة الهجومية كانت في يد إسرائيل. لقد كان عبد الناصر يأمل في أن ينتصر بالإجراءات السياسية فقط، بدون أن يحارب حقيقة. وكان العرب يتوقعون أن يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بتوجيه الضربة الأولى. وبالفعل دارت الحرب من البداية وفقا لخطط الهجوم الإسرائيلية.

وحرب الاستنزاف، "1968 ـ 1970"، كان المصريون هم المبادرون بالعمل، ولكن هذه كانت شبه حرب، استاتيكية في أساسها، وأهدافها محدودة. أما في حرب يوم الغفران في 1973، فكان العرب هم الذين حددوا موعد الحرب، واستفادوا من ميزة المبادرة والمباغتة معاً، إلى جانب التفوق الذي كان إلى جانبهم، من كميات السلاح وقوة النيران.

وفي أعقاب الهزائم المتكررة، استخلص العرب ـ ولو ببطء ـ الدروس والنتائج، وكانت أولاها أنه يوجد للجانب المبادر من البداية تفوق هائل، واحتمالات لا حدود لها، حتى إذا كان الجانب الثاني يمتاز بقدرة كبيرة على امتصاص المبادرة. وبإدراكهم أن لجيش الدفاع قدرة رد سريع، ومقدرة مناورة عالية، فقد توصلوا إلى أنه لا تكفي المبادرة الأولى، وإنما يجب السعي إلى أهم الإنجازات في بداية المعركة.. وحتى لا يرتبك الإجراء الثاني من الناحية العسكرية، فإنه يجب إعداد معركة صد سياسية ودبلوماسية، تمنع النصر عن إسرائيل، حيث يستطيعون الاعتماد من خلالها على مساندة الاتحاد السوفيتي وعلى مجلس الأمن الذي توجد فيه، أغلبية لمؤيدي العرب.

وهناك استخلاص آخر، مبني على التقدير القائل أن إسرائيل وجيشها، على استعداد لحرب خاطفة فقط، لأن إسرائيل ليست قادرة لأسباب اقتصادية، على تحقيق تعبئة عامة لأكثر من عشرين يوما، وأن احتياطي ذخيرتها، لا يكفي لأكثر من 14 يوما من القتال المكثف، وأن إسرائيل لا تستطيع أن تحارب في أكثر من جبهة واحدة. وقد كتب حسنين هيكل في بداية نشوب الحرب يقول: "إن خوف إسرائيل وكابوسها هو من احتمال الحرب في جبهتين".

وفي محاولاتهم تحليل الحساسيات السيكولوجية لدى الإسرائيليين، استخلص المصريون بالفعل، أن الوسيلة الرئيسية لانهيار إسرائيل من الناحية النفسية، هي إحداث خسائر فادحة. وقبل شن مصر لحرب الاستنزاف قال رئيس الأركان المصري: "أنه يكفي للمصريين أن يقتلوا كل يوم سبعة إسرائيليين، حتى يمكنهم قهر إسرائيل خلال بضعة شهور".

لذلك فقد قرر المصريون، أنه لا يكفي اتخاذ المبادرة، وإنما يجب العمل في جبهتين في آن واحد. وبعد الضربة المباغتة، يأتي التحول إلى حرب استنزاف متواصلة، مبنية على كميات السلاح الهائلة، وعلى الطاقة البشرية الكبيرة، التي ستتدفق من الدول العربية الأخرى. وفي حرب استنزاف متواصلة، سيحسم الكم العربي، الكيف الإسرائيلي.

وبعد أن وجدوا أنه لا احتمال للعمل ضد إسرائيل في ثلاث جبهات، سعت مصر وسورية، إلى تأمين الجناح الأردني، وتم التوصل إلى وعد مع الملك حسين، بأنه في أثناء الحرب، سوف يحشد قواته على حدود إسرائيل، من أجل ضمان عدم دخول جيش الدفاع الإسرائيلي إلى سورية من تجاه الجنوب، عن طريق الحدود الأردنية مع سورية. كما تم التوصل إلى اتفاق مماثل مع اللبنانيين، خوفا من اختراق إسرائيل للحدود معها عن طريق مرجعيون إلى داخل سورية. ولكي تعرف حكومتا الأردن ولبنان متى ستبدأ الحرب، قيل لهما عن احتمالات عامة لقيام الحرب مع إسرائيل، دون تحديد للموعد. كذلك لم تعرف حكومة بغداد موعد نشوب الحرب، ولكن صدر عنها وعد، بأنه في حالة اندلاع الحرب، سوف يرسلون قوات عراقية إلى الجبهة السورية. وكان على القوة العراقية أن تكون احتياطيا إستراتيجيا لمصر وسورية.

ثانياً: خطة الحرب

قامت الخطة العملية العربية، التي استكمل إطارها في 14 يناير 1973، على النقاط التالية:

1. البدء بانقضاض عام، من مئات كثيرة من الدبابات في كل جبهة من الجبهتين وعشرات الآلاف من المشاة. وحتى إذا نجمت خسائر كبيرة في المهاجمين، ففي الانقضاض الجماعي احتمال طيب لاجتياح الخطوط الإسرائيلية والتوصل إلى إنجازات فورية.

2. التليين المسبق بالمدفعية[3]، القصف من الجو يكون قصيراً، ويتركز بالأساس على أهداف داخل الجبهة وحولها. هكذا يتم ضمان المباغتة في الانقضاض الجماعي، لأن الانشغال بعمق إسرائيل، من شأنه أن يستنزف ويضر، بالسلاحين الجويين المصري والسوري، خلال المرحلة الأولى من الحرب. ومن ثم يجب المحافظة على القوات الجوية دون خسائر ـ على قدر الإمكان ـ للمرحلة الثانية من الحرب. وما ينقل إلى المطارات الأمامية، هو فقط تلك الطائرات التي سوف تشترك في المرحلة الأولى من المعركة، أما الطائرات الأخرى فيحافظ عليها في المطارات الخلفية.

3. أن جيش الدفاع الإسرائيلي، يضع على الخطوط الأمامية، قوات محدودة، لذا يجب السعي إلى تحقيق مباغتة كاملة، حتى يصبح من الممكن إنزال الضربة الأولى، قبل أن يتم تعبئة الاحتياطي الإسرائيلي.

4. لا ينشغل المهاجمون في المرحلة الأولى، بالمواقع الإسرائيلية، وإنما يتدفقون إلى الداخل، إذ يقوموا بعبور قناة السويس، ثم يقتحمون الدشم الإسرائيلية، ويتم الأمر نفسه في هضبة الجولان. وفي القناة، يبدأ سلاح المشاة هجومه، وهو يستخدم الزوارق، وبعد ذلك يقيم الجسور لعبور المدرعات، ومزيد من المشاة.

5. مع هبوط الليل، يتم استخدام الكوماندو المُبر جوا، حيث تقوم باحتلال الممرات ومحاور الطرق، وتكون مهمتهم إعاقة تعزيزات جيش الدفاع الإسرائيلي والاحتياطي، وإرباك العمليات الإسرائيلية، في الخطوط الخلفية من الجبهة.

6. من أجل زيادة صدمة الهجوم المباغت، يتم النظر في إمكانية ضرب أحد المراكز السكانية الكبرى في إسرائيل، من بعيد، بصواريخ جو/ أرض من نوع كيليت (مدى 100 كم).

7. تحددت أهداف العملية الهجومية، على الجبهتين المصرية والسورية، ومن خلال مرحلتين، كالآتي:

 أ. المرحلة الأولى: وتهدف إلى احتلال قناة السويس في الجبهة المصرية، وكل هضبة الجولان، حتى نهر الأردن في الجبهة السورية.

ب. المرحلة الثانية: وتهدف إلى التوغل إلى ممري متلا والجدي في سيناء، واقتحام ما وراء نهر الأردن في محورين "جسر بنات يعقوب ـ ومن شمال بحيرة طبرية".

أما إذا حدث فشل، نتيجة لخطأ ما، يتوقف المهاجمون، ويتخذوا أوضاعاً دفاعية تستند على حشد من آلاف القطع المضادة للدبابات في الأمام، وحشد من المدرعات في العمق، وفي الخلف يقام حائط من عشرات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات. وفي أثناء ذلك يتدفق إلى الجبهة الاحتياطي الإستراتيجي من دول عربية أخرى.

اختير يوم الغفران ليكون يوم الهجوم، وكان الافتراض أنه ستتحقق المباغتة الكاملة في ذلك اليوم، باعتبار أن ذلك هو اليوم الوحيد الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل ولا توجد أية حركة في الشوارع، وسيجد زعماء إسرائيل، أنه من الصعب اتخاذ قرار لتعكير هذا اليوم المقدس، حيث يوجد معظم الشعب الإسرائيلي في المعابد.

ولكن، لم يتنبه العرب إلى أنه في ذلك اليوم بالذات، يتواجد جميع الإسرائيليين تقريبا في المعابد، أو في بيوتهم، ولذلك يُصبح من السهل تعبئتهم. أما في رأس السنة وفي عيد المظال، فيتواجد مئات الآلاف من الإسرائيليين في الطرق، ومن شأن سياراتهم أن تسد المحاور مع بداية الحرب والتعبئة العامة.

ثالثاً: خطة الهجوم المصري

يقول إيلي زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران: "في يوم 16 إبريل1972، أرسلت الاستخبارات العسكرية، إلى وزير الدفاع وإلى رئيس الأركان وإلى رئيس العمليات، وإلى قيادة المنطقة الجنوبية، خطة الهجوم المصري على جبهة قناة السويس، وتضمنت هذه الوثيقة 40 صفحة مع إضافة عدد من الخرائط التي أمنت المعطيات التالية:

1. أهداف الهجوم

أ. عبور القناة على طول مواجهتها، بواسطة خمس فرق مشاة، وأن تتغلغل كل فرقة إلى عمق خمسة كيلو مترات وتتمركز للدفاع[4].

ب. بعد تمركز الفرق الخمس، تقوم الفرق المدرعة بعبور القناة، وتتقدم صوب الشرق في اتجاه الممرات الجبلية متلا والجدي، والطريق الرئيسي صوب الطاسة، والطريق الساحلي على ألا تبدأ هذه المرحلة إلا بعد نقل بطاريات الصواريخ أرض/جو، إلى الضفة الشرقية للقناة، بهدف توفير حماية جوية لفرق المدرعات.

2. التمركز

تستعد كل فرقة من فرق المشاة الخمس، لعبور قناة السويس، في القطاع المحدد والمعروف لها.

3. مناطق العبور

تنتشر مناطق العبور على طول قطاعات الفرق، على حين تتم عمليات العبور الأولى في المناطق الواسعة (الفواصل) بين المواقع الإسرائيلية.

4. الجسور (الكباري)

تم تحديد الأماكن الدقيقة للجسور، على الخرائط المرفقة بالدراسة، حيث تحدد لكل فرقة جسران.

ارتكزت الخطة المصرية، على عملية قصف مدفعي وجوي، مع عبور عدة آلاف من الجنود المصريين في الموجة الأولى، حتى تستكمل الفرق الخمس عبورها في موجات متتالية، ثم تتخندق على مسافة 4 – 5 كم شرق القناة ، ثم يستطرد زاعيرا قائلاً: "وطوال الأيام الأولى من الهجوم المصري، في حرب عيد الغفران، كانت خطة الهجوم هذه موضوعة أمامي لأقارن بين هذه الخطة، وبين التنفيذ المصري على الطبيعة، ولقد تم كل شيء حسب الخطة، التي كانت موجودة لدى جيش الدفاع الإسرائيلي منذ 16 إبريل 1972، باستثناء لواء واحد، اختلف مكان عبوره ببضعة كيلومترات.

"والواقع أن جيش الدفاع الإسرائيلي، لم يفاجئ بتخطيط العدو، بل أن التخطيط التفصيلي كان معروف لدينا، قبل الحرب بعام ونصف، وهكذا كنا قادرين على وضع الخطط العملية التي تقدم الرد المناسب على خطط العدو".

رابعاً: المشاكل التي واجهت المخطط المصري

1. التعامل مع القوات الجوية الإسرائيلية

لمواجهة هذه المشكلة، قدم الروس اقتراحا بخلق حائط من أكثف الصواريخ في العالم مكون من خليط من مختلف أنواع الصواريخ السوفيتية أرض/ جو "سام2، سام3، سام6" Sam - 2,3,6 بالإضافة إلى الأسلحة المضادة للطائرات التقليدية، والتي يمكن أن تحقق مظلة مؤثرة، فوق منطقة العمليات، على امتداد قناة السويس، وبهذه الشبكة من الصواريخ، يمكن شل تأثير التفوق الجوي الإسرائيلي، فوق منطقة العمليات، بدرجة مناسبة.

2. ضرب العمق المصري بالطائرات الإسرائيلية

وللتغلب على هذه المشكلة، أمد الروس المصريين بصواريخ سكود أرض/ أرض ذات مدى 300 كم، والتي يمكنها تهديد المناطق السكنية داخل إسرائيل، فقد تم التصور أن وجود مثل هذه الإمكانيات في أيدي المصريين، سيردع إسرائيل عن تنفيذ الإغارات العميقة، وبالفعل وصل أول إمداد من الصواريخ سكود إلى مصر في إبريل 1973، وكان ذلك آخر العوامل العسكرية المؤثرة، لاتخاذ الرئيس السادات قرار الحرب. وبالفعل في إبريل 1973، صرح الرئيس السادات لصحيفة إنترفيو Interview، بهذه الحقيقة، لكنه أجل الحرب حتى فترة أخرى، والتي تتناسب مع حركة المد والجذر في قناة السويس، والتي سيكون أنسب وقت لها، خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر 1973.

3. مواجهة المدرعات الإسرائيلية شرق قناة السويس

كانت هناك مشكلة أخرى أمام المهاجم المصري، إذ سيواجه بحشود من المدرعات الإسرائيلية، بعد العبور بدقائق محدودة، وكان حل هذه المشكلة، هو إيجاد حشد كبير من الأسلحة المضادة للدبابات، على كل المستويات، باستخدام السلاح المضاد من الدبابات "ر ب ج ـ 7" R.P.J. - 7 والذي يضرب من الكتف، وكذا المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات من نوع "ساجر Sagger"[5] ذات المدى 3000 ياردة، وهي أسلحة فردية يحملها الأفراد أو مركبة على مركبات من نوع البردم B.R.D.M. المدرعة حاملة الصواريخ على مستوى اللواء. وقد نفذت خطة ذكية للدفاع المضاد للدبابات، في مواجهة الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.

خامساً: خطة التحرك المصري على المستوى العربي

اقتنع السادات بأهمية العمل العربي في هذه المرحلة الهامة، ومن ثم قام بزيارة للسعودية، وأقنع الملك فيصل بأن الحرب ضرورية، ومن المهم استخدام سلاح النفط لفاعلية هذا السلاح ضد الدول التي تعاون إسرائيل، كما أنها تضمن وحدة العالم العربي في هذه الحرب. وبالفعل اقتنع الملك فيصل بهذا الرأي، الذي استخدم هذا السلاح بكفاءة وفي الوقت المناسب.

سادساً: القوات المصرية في حرب أكتوبر 1973

1. حجم الجيش المصري

أ. أفراد: 800 ألف مقاتل.

ب. دبابات: 2200 دبابة.

ج. مدفعية: 2300 قطعة مدفعية.

د. وحدات صواريخ دفاع جوي: 150 كتيبة صواريخ مضادة للطائرات.

هـ. طائرات: 550 طائرة خط أول.

و. لواءا صواريخ أرض / أرض.

ز. تشكيلات: 5 فرق مشاة ـ ثلاثة فرق مشاة ميكانيكية - فرقتين مدرعتين ـ عدد من الألوية المستقلة.

وتحتوي كل فرقة مشاة على 120 دبابة، أما الفرق المشاة الميكانيكي فتضم لواءين مشاة ميكانيكي ولواء مدرع بإجمالي 160 دبابة، أما الفرقة المدرعة فتضم لواءين مدرعين ولواء مشاة ميكانيكي بإجمالي 250 دبابة.

ح. وحدات خاصة: 28 كتيبة صاعقة ـ 3 ألوية مظلات ـ لواء مشاة أسطول

2. الجيش الثاني

مسؤول عن النصف الشمالي للقناة والتي يسيطر عليها الفرقة 18 مشاة في الشمال من بورسعيد وحتى القنطرة وكوبري الفردان، الفرقة الثانية المشاة من كوبري الفردان وحتى شمال بحيرة التمساح ـ الفرقة 16 مشاة من بحيرة التمساح وحتى الدفرزوار في شمال البحيرات المرة.

3. الجيش الثالث

مسؤول عن القطاع الجنوبي من القناة، وتحت قيادته الفرقة السابعة المشاة، ومسئولة عن القطاع من البحيرات المرة حتى منتصف الطريق في القطاع الجنوبي لقناة السويس، والفرقة 19 مشاة وتتمركز جنوبا حتى مدينة السويس.

ويدعم كل فرقة في الاقتحام لواء مدرع "سحب من الفرق الميكانيكية أو المدرعة أو لواء مستقل".

سابعاً: تخطيط الهجوم السوري "وجهة نظر إسرائيلية"

خطط لبدء الهجوم في الساعة 2 ظهراً، يوم السبت 6 أكتوبر 1973، بحشد جوي وحشد مدفعي يستمر لمدة خمسين دقيقة، وتحت ستر هذه النيران، تتحرك القوات المدرعة السورية، مع تحرك آخر ثانوي ضد الموقع الإسرائيلي، في جبل الحرمون، بواسطة القوات المحمولة جواً (بالطائرات العمودية)، وكان هذا الموقع له درجة أهمية لإسرائيل، حيث يوفر لها مراقبة تغطي كل ميدان المعركة، وكذا طرق الاقتراب إلى دمشق، إضافة إلى أنه كان موقع رادار مثالي، وكذا للمعدات الإلكترونية. ويصل حجم القوة المدافعة عن الموقع حتى فصيلتين من المشاة.

1. في القطاع الشمالي: المدافع عنه باللواء السابع المدرع الإسرائيلي

يتم الهجوم عليه بواسطة الفرقة السابعة المشاة السورية، المدعمة بعناصر من الفرقة الثالثة المدرعة، واللواء المغربي.

2. في القطاعين الأوسط والجنوبي المدافع عنهما باللواء 188 المدرع الإسرائيلي

وهو يمثل اتجاه المجهود الرئيسي للقوات السورية، كان التخطيط للهجوم عليه بواسطة الفرقتان الخامسة والتاسعة المشاة يدعمها عناصر من الفرقة الأولى المدرعة، على أن ينطلق اللواء 90 المدرع السوري على طريق التابلاين.

3. تطوير الهجوم السوري اعتبار من منتصف ليلة الأحد 7 أكتوبر 1973

بنجاح الفرق المشاة في هجومها، والوصول لعمق عشرة كيلومترات، يتم دفع الفرقتين المدرعتين الثالثة والأولى:

أ. الفرقة الثالثة: وتطور هجومها في اتجاهين:

(1) الاتجاه الأول: في اتجاه القنيطرة ـ تل محافي.

(2) الاتجاه الثاني: في اتجاه أبو خريز.

ب. الفرقة الأولى المدرعة: وتطور هجومها في اتجاه الرفيد ـ كوزابيا.

نقاط الضعف في إعداد القوات السورية

افتقرت سورية إلى نظام قيادة وسيطرة، يناسب حجم قواتها في حرب أكتوبر 1973، وهذا ما كلفها الكثير، كان لدى هجومها البري قدرات قيادة وسيطرة فقير جدا. وهو ما أدى إلى أن العديد من الوحدات تقدمت دون سيطرة، كما أن وحدات كباري الاقتحام اللازمة لعبور الدبابات السورية للخنادق الإسرائيلية المضادة للدبابات كانت متواجدة خلف القوات السورية، وقد كلف ذلك سورية تحقيق ميزة المباغتة، وأعطى لإسرائيل الوقت الثمين لتنظيم دفاعاتها.

لقد قاتل السوريون بدون نظام قيادة وسيطرة فعال، ولم يكن لديهم قدرات استطلاع جوي حقيقية، أو قدره على تخطيط المهام، ولم يكن لديهم ضباط إدارة جويين أماميين، وزجوا بطائراتهم في القتال، مستخدمين طلعات جوية، كانت السيطرة عليها فقيرة، وألقت بمقاتلاتها في وجه قوة مقاتلات إسرائيلية أعلى تدريباً، وأحسن تنظيماً.



[1] الواقع أن الخطة "جرانيت-1" تختلف تماما عما ذكرته المراجع الإسرائيلية، حيث تدور فكرتها حول فكرة عبور القناة وإنشاء عدد من رؤوس الكباري الصغيرة (بحجم مجموعات سرايا) على الضفة الشرقية للقناة، وظلت هذه الخطة تفتقر لوجود نية حقيقية للقيام بعمل عسكري عبر القناة، إلى أن تغيرت القيادة العسكرية في أكتوبر 1972، حيث اتجه المخطط المصري منذ تخطيط العملية "جرانيت-2" إلى فكرة "العملية الحربية الشاملة".

[2] وصلت القوات المغربية إلى سورية في نهاية مارس 1973

[3] يقصد التمهيد النيراني بالمدفعية والذي استمر لمدة 53 دقيقة على الدفاعات الإسرائيلية.

[4] جاء في كتاب زئيف شيف، زلزال في أكتوبر، "أنه كان متوقع الهجوم في بعض قطاعات محددة وبقوات محدودة، وأنه لم يكن متصورا الهجوم بهذا الحجم من القوات، وهذا هو الرأي الأصوب".

[5] الاسم الروسي لها مالوتكا Malotka.