إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث الرابع

خطة الخداع على مستوى المسرح

إن عظمة خطة الخداع المصرية، وسر نجاحها، يكمن في المفهوم "أنه من أجل تضليل جيش الدفاع الإسرائيلي، يجب أيضا تضليل الجيش المصري نفسه، حتى ساعة بداية الحرب" ومن أجل تضليل الجيش المصري، كان على السادات والمجموعة المحدودة من حوله ـ التي تعرف السر ـ تنفيذ ثلاث شروط لازمة:

1. التأكيد على السرية المطلقة لساعة الصفر ـ وعدم الإعلان عنها حتى كأوامر تحمل درجة سري للغاية ـ إلا في اللحظة الأخيرة.

2. إلغاء أية أعمال للتخطيط والاستطلاع، التي تسبق الحرب، لأن هذه الأعمال من شأنها أن تكشف للجيش الإسرائيلي، عن نوايا قريبة جدا للحرب.

3. إعداد خطة حرب شاملة وبسيطة، دون الحاجة إلى تخطيطات تفصيلية معقدة، مع الأخذ في الاعتبار إمكان إحداث تغيير في الأوضاع، مع بداية الحرب.

لقد نجح الجانب المصري في تنفيذ هذه الشروط، ونتيجة لذلك فقد تحدد أن تكون خطة عبور القناة بسيطة جداً. وهي أن تقوم جميع الوحدات المتمركزة منذ أشهر أو سنوات على طول القناة، بعبور القناة من قطاع تمركزها، وليس هناك داع لتحريك وحدات من قطاع إلى قطاع (إعادة تجميع القوات)، والتعرف من جديد على المنطقة، أي أن تعمل جميع الوحدات من أماكنها، ومهمتها هي عبور المانع المائي الذي يتمركزون على شاطئه، ثم التمركز على الضفة المقابلة، بالإضافة إلى ذلك، فإن جميع المناورات منذ بداية عام 1971، كان هدفها إعداد الجيش المصري لتنفيذ هذه الخطة البسيطة.

إن تطوير المناورة إلى حرب، هي نظرية روسية، وقد تم تنفيذ هذه النظرية بالفعل، عندما غزا الجيش السوفيتي تشيكوسلوفاكيا عام 1968.

ومن أجل التأكيد على إيهام الجيش الإسرائيلي، بأن مصر تقوم بمناورة، اتخذ المصريون عدة إجراءات، كانت ضرورية من وجهة نظرهم، لإبلاغ المخابرات الإسرائيلية بما يريدون، ولقد كانوا على حق، فمن خلال أجهزة جمع المعلومات المتطورة في جيش الدفاع الإسرائيلي، عُلم أن الجيش المصري ينوي إجراء مناورة شاملة، على غرار مناورات الخريف السنوية، وسوف تبدأ المناورة في الأول من أكتوبر 1973، وتنتهي يوم 7 أكتوبر 1973، وأن المصريين الذين ينوون القيام بمناسك الحج، سيتاح لهم ذلك بعد انتهاء المناورة، كما سيبدأ تسجيل أسماء الضباط الراغبين في الحج بدءاً من يوم9 أكتوبر 1973. ووحدات الاحتياط المشتركة في المناورة سيتم إنهاء استدعائها بداية من 4 أكتوبر 1973، وسيتم إشراك الدارسين في كلية القادة والأركان في هذه المناورة، حتى يوم 8 أكتوبر 1973، على أن تستأنف الدراسة في كلية القادة والأركان يوم 9 أكتوبر 1973.

وفي يوم 27 سبتمبر، تم تعبئة حوالي 120 ألف فرد، للاشتراك في المناورة "تحرير 41"، ثم أنهيّ استدعاء 20 ألف فرد منهم، وعادوا إلى منازلهم يوم 4 أكتوبر 1973، ولقد أنهى استدعاء هؤلاء الأفراد لتأكيد المعلومات التي نُقلت بالطرق المختلفة، والتي أفادت بإنهاء استدعاء وحدات الاحتياط المشتركة في المناورة، بداية من يوم 4 أكتوبر 1973. وهذه المعلومات كانت جزءاً من عملية الخداع، وهي معلومات حقيقية من أجل خلق انطباع معين لدى إسرائيل.

وبناءً على ذلك فقد كانت "شعبة المخابرات على علم مسبق بما سوف يحدث من إنهاء استدعاء الاحتياط يوم 4 أكتوبر 1973، وعندما حان الموعد تأكد صدق المعلومات على الواقع. وهذا الأمر أكد لضابط المخابرات المختص بتقدير الموقف، بأن الأمر ليس أكثر من مناورة.

وحتى تنجح خطة الخداع المصرية، كان لابد من إيجاد مبررات لكل ظاهرة في المنطقة:

فالمناورات الشاملة التي يقوم بها الجيش المصري للتدريب على عبور قناة السويس واحتلال سيناء، هي مناورات تكررت على مدى السنوات السابقة، بل ولقد تعود الجيش المصري عليها، ولم ير أحد في استدعاء قوات الاحتياط للاشتراك في المناورة، أو اقتراب وحدات الجسور وتحريك وحدات من القاهرة في اتجاه جبهة القناة ظاهرة غريبة. وما تم في المناورات السابقة حدث أيضا في هذه المناورة، فقد أصدرت إدارة المناورة التعليمات بانتهاء المناورة، وإنهاء استدعاء الاحتياط يوم 4 ـ 5 أكتوبر 1973، واستئناف الدراسة في المعاهد العسكرية ومراكز التدريب يوم 9 أكتوبر 1973.

أما عدد الضباط الذين كانوا يعلمون بتطوير المناورة إلى حرب، فقد كان محدوداً جداً. وعندما حاصرت مجموعة عمليات الجنرال آدن (برن).. الجيش الثالث، قامت بأسر مئات من الجنود المصريين ومن بينهم ضباط من قيادة الجيش، ومن بين هؤلاء الضباط الذين تم أسرهم ضابط برتبة عقيد من قيادة الدفاع الجوي. وخلال الاستجواب الذي أجري له في معسكر الأسرى، في جنوب سيناء قال: "يوم 6 أكتوبر 1973 وفي الساعة الواحدة والنصف، تم استدعاء ضباط القيادة ـ وهو من ضمنهم ـ إلى مكتب قائد الجيش، وعندما دخلوا إلى مكتبه وجدوه يصلي، وعندما أنهى صلاته أبلغهم أن المناورة قد تطورت إلى حرب حقيقية، وفي هذه اللحظة سمعوا أزيز طائرات القتال المصرية المتجهة لمهاجمة أهداف في سيناء".

ولقد اتضح أيضا أن بعض ضباط القيادة، لم يعلموا بالسر، حتى لحظة نشوب الحرب وبذلك أخذ المصريون على عاتقهم مخاطر عدم التنسيق، والعمل غير المنظم للقوات. ولكن هذه المخاطر كانت محسوبة ولازمة، خصوصاً وأن الخطة كانت بسيطة، وهي قيام كل وحدة بعبور القناة في قطاعها.

لقد اعتبر المصريون، أن خطة الخداع المصرية قد حققت نجاحاً كبيراً ولذلك فإن القصص التي كُتبت عن الحرب، والتي نشرها كل من الصحفي "محمد حسنين هيكل" والجنرال "سعد الشاذلي" رئيس الأركان العامة السابق، عن حرب يوم الغفران امتلأت بالتفصيلات الدقيقة لخطط التمويه والإعداد لها.

وعن خطة الخداع المصرية ـ يقول زعيرا نقلاً عن حسنين هيكل: "إن المباغتة وطريقة تنفيذها، شغلت القيادة العليا لفترة طويلة، وقد نجحت القيادة في إيجاد أساليب إيجابية وسلبية، تضمن المباغتة على المستوى الإستراتيجي والعملياتي والتكتيكي. وأحد العناصر الرئيسية التي ساعدت على تحقيق المباغتة، هو إعداد خطة للخداع الإستراتيجي، في مصر وسورية، على مستوى التنظيم الرسمي، ومن خلال التعاون بين العناصر المتعلقة بالأمر. وكان لابد أن تتفق خطة الخداع الإستراتيجي مع خطة الخداع العسكرية حتى يتحقق الآتي:

1. خداع إسرائيل عن احتمال قيام القوات المسلحة المصرية بعمليات هجومية، في الوقت القريب.

2. الحفاظ على السرية الكاملة، فيما يتعلق بالهجوم.

3. التأكيد على سرية الموعد المحدد، لبداية الحرب.

ولذلك صدرت تعليمات للجهاز السياسي، والإعلامي، للتعاون من أجل تضليل إسرائيل، عن النوايا المصرية والسورية في الهجوم، وتم التنسيق المطلوب بسرية كاملة، كما تم تحديد خطوط العمل.

وقد اعتمدت فكرة الخداع الإستراتيجي، على تنسيق جهود وزارات الإعلام والخارجية والدفاع، ولقد بدأ هذا التنسيق قبل بداية العمليات بحوالي خمسة أو ستة شهور، لتنفيذ الخطة، وإصدار التصريحات التي تخفي طبيعة الاستعدادات العسكرية المصرية للقتال، وهو الهجوم الذي سيتم خلال فترة وجيزة، وكذا تضليل إسرائيل عن التوقيت الحقيقي لبداية العمليات، وقد تم تنسيق ذلك بالكامل، مع الجانب السوري، على المستوى الإستراتيجي وأيضا على المستوى العسكري.

كما يقول زعيرا نقلاً عن سعد الشاذلي: "خلال يومي 29 ـ 30 سبتمبر 1973، أي قبل أسبوع من الهجوم. أصدر الرئيس السادات تعليمات لنا، بإعطاء السوفيت فكرة غير واضحة ومشوشة، عما يمكن أن يحدث مستقبلاً، حيث تلقى اللواء فؤاد نصار رئيس جهاز الاستخبارات بوزارة الدفاع، تعليمات للاتصال بكبير ضباط الاتصال السوفيت، الجنرال "ساماجودسكي" يوم 2 أكتوبر 1973، وإبلاغه بوجود معلومات لدينا تفيد بأن إسرائيل تقوم بالإعداد لعملية إغارة، وأن يسأل "ساماجودسكي" بالطبع عما إذا كانت موسكو يمكنها الحصول على تفاصيل أخرى.

وفي يوم 4 أكتوبر 1973 أبلغ نصار، كبير ضباط الاتصال، السوفيت، بأنه قد تأكدت المعلومات لدينا من أن إسرائيل على وشك القيام بعملية إغارة، على مستوى واسع، وربما توجه لنا ضربة جوية كبيرة، وأننا نستعد فقط لهذا التهديد.

ويبدو أن "ساماجودسكي" بدأ يشك فيما يقال، فلقد حدثت أمور كثيرة، حيث كان لا يزال هناك 100 خبير سوفيتي، يعملون في وحدات الصواريخ المصرية، وبعض الوحدات الفنية، وهؤلاء أخبروا بالطبع قادتهم، عما يحدث، كما أن الخبراء السوفيت الموجودين في سورية أبلغوا كذلك قادتهم، عن الاستعدادات الموجودة في سورية.

وعلى أية حال، أصبح واضحاً في يوم 4 أكتوبر 1973، أن السوفيت واثقون من أن الحرب على الأبواب، أما الذي لم نتوقعه، وكان بمثابة مباغتة بالنسبة لنا، أنه في الساعات المتأخرة من مساء 4 أكتوبر 1973، أسرع الخبراء السوفيت الذين يقيمون في القاهرة، هم وعائلاتهم إلى المطار، وأقلعوا إلى موسكو، كما جاء رد الفعل أيضا في سورية، بالترحيل السريع للنساء والأطفال إلى روسيا، بحراً وجواً.

والواقع عن أن الإعلان عن توقيتات الحرب، في الفترة من 1971 – 1973، كان جزءا من خطة الرئيس السادات في الخداع، وكانت شعبة الاستخبارات الإسرائيلية على علم بخطط الخداع هذه، وكانت مستعدة لها. وفي ديسمبر 1972، وربيع 1973، وصلت معلومات تفيد أن الحرب وشيكة (خلال عدة أسابيع). وكان تقدير شعبة الاستخبارات أن المعلومة التي وصلت في نهاية 1972 وربيع 1973، بشأن نشوب الحرب في هذه التوقيتات، هي معلومة غير صادقة، ولكن كانت هناك أجهزة أخرى داخل إسرائيل[1]، تؤكد أن احتمالات الحرب، هي احتمالات كبيرة طبقا للمعلومات التي لديها.

وفي نهاية 1972، فإن وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة، لم يوافقا على تقديرات الموساد، ووافقا على تقديرات شعبة الاستخبارات. أما في ربيع 1973، فإن ديان وأليعازر وافقا على تقديرات الموساد، ورفضا تقديرات شعبة الاستخبارات.

وفي عام 1971، أعلن الرئيس السادات، أن هذا العام هو "عام الحسم" في الحرب ضد إسرائيل، وتقدم الجنرال الشاذلي رئيس الأركان العامة المصري ـ الذي كان يعرف قدرات الجيش المصري، وعدم استعداده للحرب ـ بشكوى إلى الجنرال صادق وزير الحربية في هذا الصدد. وجاء في شكواه أن كل هذه التصريحات من شأنها أن تهبط من معنويات الجيش. ورد عليه صادق، بأنه تحدث حول هذا الموضوع مع الرئيس، وأن الرئيس يهتم بالخداع السياسي.

ويقول إيلي زعيرا، أن التوقيت المحتمل للحرب، عرض على السادات في إبريل 1973، أثناء زيارة سرية قام بها الرئيس الأسد لمصر، ومن هذه التوقيتات مايو، أغسطس، سبتمبر، أكتوبر. ويذكر السادات أن أنسب هذه التوقيتات كان شهر أكتوبر 1973، باعتبار أن الجبهة السورية اعتباراً من شهر نوفمبر لا تصلح للعمليات العسكرية بسبب الأحوال الجوية، وأنه ـ أي السادات ـ أبلغ الأسد، بأنه قرر الدخول في الحرب هذا العام، ووافق الأسـد على ذلك، واتفقا على ألا تبدأ الحرب إلا بعد تشكيل مجلس أعلى مشترك للقوات المسلحة المصرية ـ السورية. وقد شكل هذا المجلس المشترك الفعل في أغسطس 1973، لكي يحدد الإجراءات الأخيرة للحرب.

وفي يوم 25 سبتمبر مثل "المنبع"[2] أمام رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير وأبلغها أن الحرب على وشك أن تنشب.

وعلى ضوء هذه الأمور، كان السؤال الذي يطرح نفسه، هل المعلومات التي وصلت إلى الوكالة (جهاز الموساد)، كانت تشتمل على معلومات حقيقية للخداع، وهي معلومات تم التأكد من مصداقيتها ولسنوات طويلة في الاستخبارات الإسرائيلية، وذلك بهدف تضليل مخابرات إسرائيل عن نوايا السادات؟

إن الإجابة على هذا التساؤل ليست بسيطة، وتتداخل فيها اعتبارات، تتصل بمكانة بعض الجهات المختلفة، ومع ذلك يجب بحث هذا الأمر، بعيون مفتوحة وبفطنة كبيرة.

والواقع أن جزءا من هذه المعلومات، قد اشتمل على معلومات مؤكدة، وهو الأمر الذي يعتبر بمثابة حلم، لأي جهاز مخابرات في العالم، وقد بحثت هذه المعلومات وتم التأكد من صدقها، ولكن فيما يتعلق بتوقيت الحرب، فإن المعلومات كانت تحتوي على بيانات من نوع آخر، وهي بيانات لم تكن صحيحة، وكما قيل فإن المعلومات أشارت إلى أن مصر تنوي القيام بحرب في ديسمبر 1972. ولكن جميع المطبوعات التي تناولت الحرب والتي كتبها قادة ورجال سياسة مصريون بعد حرب أكتوبر 1973، لم تشر أبدا إلى ذلك.

وبعد ذلك أشارت إلينا (المعلومات)، أن مصر وسورية تنويان الحرب في إبريل أو مايو 1973، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع درجة الاستعداد في إسرائيل، ولكننا نعرف اليوم، أن القرار بتحديد موعد الحرب قد اتخذ فقط في 13 أغسطس 1973، أثناء لقاء سري بين وزير الدفاع السوري وضباطه ووزير الدفاع المصري وضباطه.

وفي ديسمبر 1972 وربيع 1973، أعطت المعلومات التي وصلت إلى إسرائيل، إنذار قبل عدة أسابيع من الموعد المفترض للحرب، ولكن بعد عشرة أيام من تحديد قادة الجيش المصري والسوري للتوقيتات المحتملة للحرب، أبلغتنا المعلومات التي وصلت إلى "الوكالة" بأن السادات قد أجل موعد الحرب إلى نهاية العام. ومن ناحية أخرى فإن الإنذار باحتمال نشوب الحرب، وصل إلى الموساد قبل 40 ساعة من ساعة الصفر، وهي فترة حسب تقديرات المصريين ليست لها قيمة عسكرية كبيرة، لأن هذه الفترة لن تتيح لجيش الدفاع الإسرائيلي تعبئة قوات الاحتياط ونقلها إلى القناة.

أما الإنذار الذي وصل قبل فجر يوم السبت، فقد كان بمثابة تأكيد ـ وفي هذه المرة تحدد اليوم والساعة ـ للمعلومة التي حصلت عليها الموساد قبل ذلك بثلاثين ساعة، ولكن هذه المرة ضُلل الموساد عمداً في البداية فيما يتعلق بساعة الصفر (6 مساء بدلا من 2 بعد الظهر). ويبدو من هذا .. أن الغرض لم يحتوي على تأكيد قاطع للشك، إلا أن المعلومة كانت جزءاً من خطة الخداع المصرية، وهو أمر من شأنه أن يؤكد هذه الشكوك.

من أسس عمل المخابرات، الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة، ولذلك فمن المهم توضيح الموضوع من مصادر أخرى، ليس لها علاقة بمصادر المخابرات العسكرية أو الوكالة، وهي المطبوعات العلنية.

ففي كتاب "Yamani, The Inside Story"، الذي كتبه جيفري روبنسون، ونشر عام 1988، يصف يماني الذي كان وزيراً للنفط السعودي، زيارة الرئيس السادات للسعودية في أغسطس 1973، حيث يقول: "وكما اتضح فإن الملك فيصل علم بخطة الحرب، لقد سافر السادات إلى السعودية في أغسطس، لكي يخبر الملك فيصل بصفة خاصة عن الحرب، أين وكيف، ولكنه لم يقل متى. وكان من الضروري وجود الملك فيصل في الصورة، باعتباره أكثر الحكام احتراما وأهمية في الخليج، ولذلك من الطبيعي أن يخبره السادات بنواياه، ولكنه لم يخبر السعوديين متى ستبدأ الحرب، ليس خوفا أن يبلغ السعوديون الولايات المتحدة، وأن يصل الخبر إلى إسرائيل، لا ولا، فلم يكن هناك سبب يدعو لأن يكشف أكثر من أن الحرب على الأبواب. لقد قال السادات للملك فيصل أن الحرب ستنشب قريبا، قريبا جدا، ولكنه لم يذكر متى.

كان اللقاء سري للغاية، حسبما قال "يماني" وزير النفط السعودي. كما أوضح يماني سبب إطلاع السادات.. الملك فيصل على خطته، فهو يقول أن الملك فيصل كان من أكثر حكام الخليج أهمية واحتراما، ومن الطبيعي أن يلتقي السادات مع الملك فيصل ويبلغه بخطته. (وهناك اعتقاد آخر، وهو الاعتقاد الأكثر قبولا لدى الخبراء في الولايات المتحدة: وهو أن اللقاء جاء لتنسيق خطة وقف ضخ النفط، ويقول الخبراء أن السادات قد طلب من الملك فيصل في حالة نجاح الهجوم المصري "أي إذا ما استطاع المصريون احتلال رأس جسر على الضفة الشرقية للقناة" أن توقف دول الخليج ضخ النفط للغرب).

ويتساءل زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران: هل كان من الطبيعي بالنسبة للسادات، أن يقوم بزيارة الملك فيصل في أغسطس 1973 قبل نشوب الحرب في أكتوبر 1973، أو قبل ديسمبر 1972؟ وهذا يؤكد أن السادات لم يكن ينوي خوض الحرب إلا في أكتوبر 1973.

ومن هنا فقد صدقت جميع تقديرات شعبة الاستخبارات حتى قبل حرب يوم الغفران، وهناك تأكيدات أخرى في هذا الشأن، نجدها في كتب زعماء مصر وقادتها خلال هذه الفترة. فهم يؤكدون، أن توقيت المعركة لم يتحدد إلا بعد لقاء الإسكندرية في الفترة من 21 – 23 أغسطس 1973، ويتضح من ذلك أن جميع المعلومات السابقة عن توقيتات الحرب، كانت معلومات خداعية.

ويكمن في وعي مصر، اعتقاد راسخ، بأن مصر قد هوجمت مرتين خلال عامي 1956، 1967 عن طريق المباغتة، وليس هناك شك في أن هذه الحقيقة، قد دفعت رئيس مصر إلى استخدام الخداع والمباغتة في خطته لمهاجمة إسرائيل.

إن الخداع هو العنصر الرئيسي في الحرب المباغتة، فلم يكن في الهجوم المصري السوري على إسرائيل أي عنصر آخر يختلف من ناحية التخطيط والتنفيذ، والحقيقة أنه كان بالإمكان توقع تحقيق مصر وسورية الإنجازات ضخمة بسبب التفوق العددي، وذلك خلال الـ 48 ساعة الأولى من الحرب إذا أمكن تحييد السلاح الجوي الإسرائيلي، ولكن العنصر الوحيد الذي تم إعداده جيدا وتنفيذه بكفاءة كبيرة، كان عنصر الخداع المصري، وهو العنصر الذي ساهم أكثر من أي شيء آخر في عدم فهم طبيعة الإعدادات المصرية لعبور القناة.

فهل كانت مصر تهدف إلى إيهام إسرائيل بحصولها على معلومات عن النوايا تمكنها من توقع موعد الحرب؟ هل هذه هي خطة الرئيس السادات شخصيا؟ لماذا لم يصل أي جزء عن سفر السادات إلى السعودية ولقائه مع الملك فيصل في أغسطس 1973؟ ولماذا لم تصل معلومات عن اللقاء المصري ـ السوري في الفترة من 21 – 23 أغسطس 1973، ولماذا لم تصل معلومات تفيد أن السادات توصل يوم 22 سبتمبر إلى اختيار السادس من أكتوبر 1973 كموعد مناسب للحرب؟

ولماذا وصلت معلومات تفيد أن السادات قد أرجأ الحرب إلى نهاية العام؟ وكيف لم تصل أية معلومات تحذيرية إلا قبل ساعة الصفر بأربعين ساعة؟، بينما مصدر معلوماتنا قد علم يوم 15 سبتمبر أن الحرب على الأبواب أي قبل عشرين يومًا من نشوب الحرب؟.

حسب اعتقادي، فإن ما تم إخفاؤه من معلومات بشأن هدف زيارة السادات للسعودية ولقائه مع الملك فيصل، وكذلك عن اللقاء المصري ـ السوري في الإسكندرية في أغسطس 1973، وكذلك القرار الحقيقي والوحيد عن موعد الحرب ضد إسرائيل، ووصول معلومة في نفس الوقت تفيد أن السادات قد أرجأ الحرب إلى نهاية العام، كل ذلك يشهد على أن (المنبع) لمعلوماتنا، كان تتويج نجاح خطة الخداع المصرية.

وإذا ما اتضح أيضا أن (المعلومة) كانت جزءاً من خطة خداع الرئيس السادات، أو أمراً ما، فذلك سوف يحسب كأكبر نجاح لمصر في حرب يوم الغفران.

وعن خطة الخداع العربية، يقول الكاتب الإسرائيلي زئيف شيف: "قام العرب بتسريب الأنباء إلى الصحف، بأنهم يؤمنون بتحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط، وفي خط مواز لذلك بدأوا في ترويج الأنباء التي تقول بأن أسلحة مصر وسورية ليست مستعدة للحرب على الإطلاق، وأن شبكة الدفاع الجوي في مصر، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، في حالة فنية ضعيفة، وكذلك صلاحية استخدام الصواريخ منخفضة، وتعلل المصريون بعدة أسباب، من بينها أنه بعد مغادرة المستشارين السوفيت لمصر، انخفضت قدرات صواريخ الدفاع الجوي. كما خرجت الأنباء من سورية تقول بأن الطيارين السوريين ليسوا راضين عن طائرات الميج، وأضافت بأنه يوجد جفاء بين السوريين ومستشاريهم الروس، وأن دمشق مهتمة بشراء سلاح حديث من الغرب.

كان من الواضح للمسؤولين عن خطة الخداع، أن العملية سوف تكون معقدة وصعبة، عندما يبدأ حشد القوات على مقربة من الحدود، ولذلك فقد حركوا الجيوش إلى مقربة من الحدود، عدة مرات وأعادوها إلى أماكنها. وكانت هناك مناورة مماثلة في شهر مايو 1973، وقد راقبوها في إسرائيل، وبعد فترة وجيزة أعيد جزء من الجيوش إلى المؤخرة. وعندما بدأ حشد الجيوش العربية في أواخر سبتمبر 1973، استعدادا للحرب يوم الغفران.. كانوا في جيش الدفاع الإسرائيلي يتذكرون ما حدث في شهر مايو، عندما قامت في إسرائيل ضجة على لا شيء.

ومن الواضح أن خطة الخداع العربية لم تكن تنجح، لو لم يحافظ جيدا على سر موعد الحرب. ففي سورية عرف ثلاثة أشخاص فقط بهذا الموعد وهم "الرئيس ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة". ولم يتلق القادة العرب في الميدان، معلومات عن الحرب، إلا قبل الهجوم بأيام معدودة، وكانت التحركات إلى الجبهة تتم خلال الليل فقط، ولم يكن يسمح للجنود الجدد الذين وصلوا إلى الجبهة بالدخول إلى مدن القناة أو القرى، في المناطق الزراعية المجاورة، وألغيت جميع الإجازات اعتبارا من 28 سبتمبر.

وقبل اقتحام قناة السويس بنصف ساعة، شوهد بعض الجنود المصريين يسيرون على طول القناة وهم يرتدون الملابس الداخلية فقط وبدون سلاح، وكان البعض يربطون قمصانهم فوق سراويلهم ليظهروا أن هذا يوم عادي.

لقد أحدثت المعلومات التي وصلت يومي 4، 5 أكتوبر 1973، تشكك لدى القيادة الإسرائيلية، ولكن ازدادت الشكوك يوم 6 أكتوبر 1973، فمع بزوغ الفجر، اقتنعت حكومة إسرائيل، بأن حربا سوف تنشب في مساء هذا اليوم، حيث وصل نبأ حديث من مصدر مهم للغاية. وقال النبأ، أن العرب سوف يطلقون النار في غروب الشمس، كما قيل للمسؤولين، لسبب ما، أن العرب سوف يبدأون العمل في الساعة 1800 مساء.

عموماُ، لقد كانت خطة الخداع العربية متكاملة، وتحققت كما ينبغي. حقا أن إسرائيل أحست خلال مرحلة معينة بما يجري، ولكنها لم تصدق ما يجري أمام عينيها، وهذه المرة تغلب المكر العربي، على الفطنة والريبة اليهودية.

المباغتة من منظور جيش الدفاع الإسرائيلي

لم يكن الهجوم المباغت من السوريين والمصريين هو المباغتة الوحيدة لجيش الدفاع الإسرائيلي، ففي المجالين التكتيكي والفني أيضاً، كانت هناك مباغتات متعددة للقوات الإسرائيلية، تدل على خطأ كبير.

في هذه الحرب استخدم العرب أسلحة كثيرة، لم تعرف عنها استخبارات الجيش الإسرائيلي. ومن الممكن بثقة أن نشير إلى نوعين من الأسلحة،التي لم تكن معروفة لإسرائيل:

1. طراز من صاروخ "كيليت"، وهو صاروخ جو ـ أرض، الذي يواكب في نهاية طيرانه ترددات هوائيات الرادار. لقد أطلق المصريون هذه الصواريخ وفي حالة واحدة أصابت ـ وفقا للتقديرات الأمريكية ـ شبكة الرادارات الإسرائيلية في سيناء.

2. مدفع ذو قطر 180مم، لا منافس له في مدى عمله، وتصل قذائفه إلى مسافة 44 كم[3]، وقد فاجأ وجود هذا المدفع الاستخبارات الأمريكية أيضا.

وكانت هناك أسلحة أخرى، استخدمت للمرة الأولى في حرب عيد الغفران، ولكن كان الجيش الإسرائيلي يعلم بوجودها. ومن بينها صواريخ أرض ـ جو من نوع SA-6 [4] وصاروخ أرض ـ أرض من نوع فروج Frog-7. كذلك كانت المرة الأولى لظهور الدبابة الروسية من نوع "تي ـ 62" T-62 التي تحمل مدفعا جديدا قطره 115مم، وكذلك إحدى حاملات الجنود الروسية[5].

إن جيش الدفاع الإسرائيلي لم يباغت من الأشياء التي علم بأمرها، وإنما بوغت من الأشياء التي لم يتم حسابها، الأشياء التي علم بها الجيش الإسرائيلي، ولكن لم يتم تقديرها كما ينبغي من ناحية تأثيرها في ميدان القتال، ولذلك لم يستعد لها.

أنه ما كان يجب أن تكون هناك مباغتة على الإطلاق في العبور المصري، وفي المعدات وفي الوسائل التي استخدمت خلاله. لقد كانت هناك معلومات سابقة في الجيش الإسرائيلي، عن كل هذه المعدات التي استخدمها المصريون في الحرب (الجسور ـ المعابر ـ الزوارق بمختلف أنواعها ـ طوافات وقطع بحرية أخرى). فمنذ حوالي سنتين قبل حرب يوم الغفران، باع الروس في أوروبا، فيلما دعائيا يبين مناورة عبور كبرى على نهر دنيفر، وكان من الممكن أن نرى في هذا الفيلم جميع المعدات التي حصل عليها المصريون، وكيف يمكن تشغيلها. ولقد اشترى الجيش الإسرائيلي هذا الفيلم وشاهده آلاف الضباط.

والأكثر من ذلك، لقد شاهد أفراد كثيرون من الجيش الإسرائيلي، ومن بينهم كبار القادة، شاهدوا المصريين في مناورة عبور. لقد قرر سلاح المهندسين المصري أن أفضل نمط لعبور قناة السويس، هو في قناة السويس نفسها. وعند منطقة البلاح، في المكان الذي تنقسم فيه القناة إلى فرعين، حيث قام المصريون بتدريب عبور في وضح النهار. ولقد تم تصوير المناورة بكل تفاصيلها، وكان من الممكن تحديد المراحل الحساسة في مثل هذا العبور. ولقد عرض هذا الفيلم أيضا على كثيرين من أفراد الجيش الإسرائيلي.

كما عرف الجيش الإسرائيلي أيضا، بأن المصريين ينوون استخدام مدافع مياه جبارة من أجل تحطيم الساتر الترابي[6]، الذي ارتفع شرق القناة. وقد جرب المصريون هذه الخراطيم، أمام أبصار الأفراد، الذين كانوا في المواقع. وبعد واحدة من هذه التجارب ـ عندما كانت توجد وحدة مظلات على خط القناة ـ سُئل العميد رفائيل إيتان، عن رأيه في أسلوب الخراطيم، فرد قائلا: "بأنه أسلوب جيد، وسينجح في تقديره".

لقد عرف جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنه لم يستعد كما ينبغي لمنع العبور. وحتى السلاح المضاد للدبابات، الذي كان في يد المصريين والسوريين لم يكن من الضروري أن يباغت الجيش الإسرائيلي هكذا. إن الصاروخ المضاد للدبابات ساجر (مالوتكا) هو "صديق" قديم. لقد عرف الجيش الإسرائيلي، أن الروس رفضوا أن يبيعوا هذا الصاروخ للمصريين، وبعد ذلك باعه الروس بكميات كبيرة للجيشين. وعلى الحدود في الجنوب والشمال، أطلقت هذه الصواريخ على الجيش الإسرائيلي. وفي جبهة قناة السويس، وأصابت العديد من الدبابات الإسرائيلية.

أما السلاح المضاد للدبابات الآخر، "الـ آر بي جي-7"، فإنه بكل تأكيد لم يكن يجب أن يباغت الجيش الإسرائيلي، لقد تحدث الجنود عن هذا السلاح منذ بداية الحرب، كما لو أنه سلاح كتف جديد. وهذا النوع من الأسلحة، معروف لدى الجيش الإسرائيلي منذ زمن بعيد، عرفوا أنها قاتلة، وتتغلب على أي درع دبابات وتخترق بسهولة جدار المركبات نصف مجنزرة.

لقد عرف الجيش الإسرائيلي، وبوغت، كانت المباغتة من الكميات الضخمة التي استخدمت، وبخاصة في الجيش المصري. أن عدم معرفة أن هذا السلاح قد وزع في وحدات المشاة بكميات كبيرة، وأنه قد تشكلت وحدات جديدة لاقتناص الدبابات، هو بالتأكيد فشل استخباراتي كبير، ولكن هل كان هذا فشل الاستخبارات فقط؟

والواقع أنه لا تكفي المعرفة بالخواص الفنية للأسلحة الموجودة لدى العدو، المهم أكثر هو ترجمة المعلومات الفنية إلى ردود عملية. إنهم في المستوى الأعلى، في القيادات، عرفوا كل شيء عن هذه الأسلحة. ولكنهم لم يساعدوا الرجال في الميدان، على فهم المعاني، وعلي سبيل المثال، لقد عرفوا مدى صواريخ ساجر، ولكن هل تدرب قائد الكتيبة وقائد السرية في القوات النظامية والاحتياطي، على كيفية مواجهة هذا السلاح؟ وهل تعلم قائد فصيلة الدبابات وتدرب على التهرب من صواريخ ساجر؟.

الرد: لا، الجيش الإسرائيلي عرف، ولكن لم يستعد لأسلوب القتال، الذي استخدم فيه كميات ضخمة من الأسلحة المضادة للدبابات.



[1] من ضمن هذه الأجهزة جهاز الموساد الإسرائيلي.

[2] مصدر معلومات عربي لصالح إسرائيل، وقيل أنه شخصية عربية هامة.

[3] مدى عمل المدفع الأمريكي عياره 175مم هو 31 كم.

[4] هي نفسها الصواريخ الروسية من نوع Sam-6.

[5] يقصد الحاملة المدرعة "ب م ب ـ1".

[6] صدر مقال في صحيفة دافار الإسرائيلية، الصادر في 6/10/1973، بأن إسرائيل لم تكن تتوقع تحطيم الساتر الترابي بمضخات من المياه وهذا يدل على أن مدافع المياه كانت مباغتة بالفعل، لأن موشي ديان توقع قبل الحرب عدم قدرة إقامة الجسور المصرية قبل 48 ساعة، وهذه دلالة أخرى على مباغتتهم بمدافع المياه.