إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

ثالثاً: أحداث يوم 4 أكتوبر 1973

في يوم الخميس 4 أكتوبر 1973، عندما كانت جولدا مائير تلقي كلمة أمام اللجنة البرلمانية للشئون الخارجية، مجرد تقديم تقرير بالمحادثات التي أجرتها مع المستشار النمساوي "برونوكرايسكي"، كانت الحالة النفسية للضباط الإسرائيليين في سيناء، مختلفة تماماً، فالجميع يتحدث عن احتمال حدوث حرب، نظراً للاستعدادات التي تجريها القوات المصرية.

وفي هذه الأثناء، وصل نبأ، من مصدر لم تعرف حقيقته، إلى هيئة الأركان العامة، كان النبأ على جانب كبير من الأهمية، حيث أكد: "أن الحرب سوف تندلع". وقد علم في نفس الوقت، أن عددا من الطائرات السوفيتية، أخذت تخلي من مصر وسورية المستشارين السوفيت وعائلاتهم. لقد وضح في هذه المرة شعور حقيقي بالقلق في تقارير الاستخبارات العسكرية، وبدأ يظهر في معلوماتها أن الإنذار بالحرب أصبح وشيكا.

كان الجنرال جونين، قائد القيادة الجنوبية، قد توجه لزيارة أصدقاء له في حيفا، ومن حين لآخر يتم الاتصال به من مركز قيادته، لإبلاغه بالموقف، وبالقرب من منتصف الليل، اتصل به ضابط الاستخبارات "دافيد جداليا"، وأبلغه "بأن كل شيء هادئ فيما عدا أمرا واحدا غريبا، ولكني لا أعرف هل لذلك أهمية، إن المصريين يعملون ليلا أيضا على بعض البطاريات في القطاع الشمالي". وقرر جونين اختصار إقامته في حيفا، وفي الثانية بعد منتصف الليل أخذ طريقه إلى القيادة.

استمر السوفيت في إخلاء مستشاريهم وعائلاتهم من مصر وسورية، وفي اللاذقية رست سفينة شحن روسية، انتهت لتوها، من تفريغ أسلحة للجيش السوري. وما زالت طائرات إيروفلوت تهبط في دمشق وفي القاهرة. كانت كل تلك الأحداث تنبئ بأمور سيئة، ولكن في رأي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أنه ليس هناك دلالة على أن حرب وشيكة قد تقع. أما الشعور في المؤسسة المركزية للاستخبارات (الموساد)، فهو شعور يتسم بالتشاؤم، ولكن العرف في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية أن الأولوية لفرع الاستخبارات العسكرية، ففي حين تعمل الموساد فقط في جمع المعلومات، تقع مسؤولية تقدير الموقف العسكري، على الاستخبارات العسكرية.

رابعاً: أحداث يوم الجمعة الطويل (5 أكتوبر 1973)

في الساعة الواحدة صباحا، اتصل إيلي زعيرا رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية تليفونياً، برئيس الموساد "تسفي زاميرا"، وأبلغه عما يحدث في سورية، وأكد "زاميرا" خلال المحادثة التليفونية، أنه حصل على معلومات من مصدر موثوق، تفيد أن شيئا ما سوف يحدث، ولذلك سوف يسافر صباح يوم 5 أكتوبر 1973 إلى خارج البلاد، لإجراء لقاء وجها لوجه مع مصدر هذا الخبر، ولكي يحصل منه على مزيد من المعلومات. وطلب زعيرا أن يتصل به على الفور ويبلغه بالموقف دون انتظار.

وفي صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 عرضت على "إيلي زعيرا" تقارير المعلومات المتعلقة بالموقف ومنها خبر ترحيل عائلات الخبراء السوفيت من سورية، ومن مصر، وكذلك بعض الاحتمالات والتفسيرات، وأطلع زعيرا أيضا على النتائج المتعلقة بتحليل الصور الجوية الملتقطة من فوق سماء مصر، والتي تفيد بوجود تعزيزات فوق منطقة القناة، وبصفة خاصة في وحدات المدفعية.

في الساعة التاسعة صباحاً عقد اجتماع بمكتب وزير الدفاع للتشاور حول الموقف، ودعي إلى هذا الاجتماع مساعد وزير الدفاع الجنرال "تسفي تسور"، ورئيس الأركان العامة الجنرال "ديفيد أليعازر"، ونائب رئيس الأركان العامة الجنرال "يسرائيل تال"، ومدير عام وزارة الدفاع "إسحق عيروني"، ورئيس شعبة الاستخبارات الجنرال "إيلي زعيرا"، والسكرتير العسكري لوزير الدفاع ألوف "يشعياهو رفيف"، ورئيس مكتب رئيس الأركان العامة "أفنير شيلو" ومعاون وزير الدفاع "آرييه براون".

بدأ رئيس الأركان بعرض تقديره للموقف، وقال الجنرال أليعازر: "لقد أجرينا بعض المشاورات المبنية على التقديرات الآتية: "أن ما يحدث قد يكون بسبب خشيتهم من وقوع هجوم إسرائيلي، ولذلك يقومون بتعزيز قواتهم. وقد يكون لسبب آخر هو أن هناك نوايا هجومية بالفعل"، "ولو أني معلق عسكري أو عضو كنيست، لقلت أن هذا ليس هجوما، ولكن لأنني لست كذلك، فيجب أن أبحث عما إذا كان هناك دليل يثبت عدم وجود نوايا هجومية، وليست لدي دلائل كافية حتى الآن". والأساس في الأمر هو أنهم يقومون بتعزيز قواتهم، والعائلات السوفيتية يتم ترحيلها، إضافة إلى تغيير الاستعدادات في السلاح الجوي السوري، وكل هذه الأمور يمكنها أن تكون دلائل على نوايا هجومية، وفي نفس الوقت أيضاً يمكنها أن تكون دلائل على تجهيزات دفاعية. ولدينا تفسير يقول أن رحيل الروس هو بمثابة احتجاج روسي يشير إلى عدم تأييد الروس للهجوم، لأنهم تلقوا تحذيراً عن طريق الأمريكيين، ولكني سوف أسير في الطريق الخطر وأقول هل لدينا ما يثبت أن الأمر لا يعدو كونه نزاعاً سياسياً.

ويرد وزير الدفاع (ديان) قائلا: "هذا ليس نزاعاً سياسياً"، ويستطرد رئيس الأركان العامة: "يوجد لدي كذلك ما يؤيد أن الأمر ليس نزاعاً سياسياً، لأن رحيل عائلات الخبراء السوفيت يتم في سورية وفي مصر كذلك". والواقع أنه ليس لدينا من الإثباتات القاطعة على وجود نوايا هجومية، ولكن توجد نقطة واحدة غير واضحة، وهي حشود المدرعات السورية، وهذه الحشود موجودة بين الخطين الأول والثاني، وهي منطقة أمامية. ونحن الآن لسنا متأكدين، فليست لدينا معلومات كافية عن مكان هذه الحشود بالضبط، وإذا لم تكن لدينا معلومات كافية، فليس ذلك معناه التأكيد على وجود نوايا هجومية، ولكن ذلك لا يثبت أيضا العكس، ونتيجة لذلك فنحن نتخذ عدة إجراءات وهي:

1. إلغاء الإجازات على الجبهتين وفي السلاح الجوي، ويظل الطيارون في قواعدهم في حالة استعداد كاملة.

2. تواجد الجميع في منازلهم خلال فترة العيد، وهذا من شأنه ألا يحدث ذعر كبير.

3. أن تكون حالة الاستعداد جادة.

أما الجنرال إيلي زعيرا مدير الاستخبارات العسكرية، فقد أوضح مخاوفه من ترحيل عائلات الخبراء الروس، حيث قال: "لو أن عمليات ترحيل عائلات الخبراء الروس لم تتم، فإن الدلائل لا تشير إلى أن المصريين والسوريين ينوون الهجوم، بل أنهم في حالة خوف منا، ولقد قامت إسرائيل ببعض الأمور، والتي أثارت مخاوفهم، خاصة ما يتعلق بمناورة المظليين الكبرى، في سيناء".

أما فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، فقد أكد رئيس الأركان، أن ما قامت به إسرائيل من عمليات استعداد في الجولان، مثل اجتماعه مع المظليين والحديث عن اليد الطويلة لإسرائيل، وكذلك المناورات وعمليات التصوير الجوي، وتعبئة الاحتياط، والتعزيزات التي شاهدوها في مرتفعات الجولان، كل ذلك أثار مخاوف السوريين.

وقد علق إيلي زعيرا على ذلك بقوله: "إن كل الأمور جعلتهم يعتقدون أننا ننوي القيام بشيء ما، ولكن الموضوع السوفيتي شيء جديد تماما، أنا لا أعرف لماذا قام السوفيت بترحيل النساء والأطفال، ولكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى بعض الاستنتاجات، والتي تتمثل في الآتي:

1. أن الروس يعلمون بنوايا مصر وسورية الهجومية، وهم يدركون أن الهجوم الإسرائيلي المضاد سوف ينجح ، وسيصل إلى العمق وإلى عائلاتهم، ولذلك فهم يريدون ترحيل العائلات، أو أنهم يريدون إبلاغ مصر، بأنهم يعلمون بنوايا مصر وسورية الهجومية، التي لا يؤيدونها، ولذلك يقومون بترحيل عائلاتهم.

2. أن يكون الروس وبحق، يخشون من هجوم إسرائيلي، ولكن إذا كان لديهم هذا التخوف، لكان أول ما فعلوه، أن طلبوا من الأمريكيين التدخل، ولكنا علمنا بذلك.

3. أن ما يجري. هي أمور متعلقة بالشئون الداخلية في العلاقات بين روسيا وسورية، ولكن ما يزعجني في هذا الأمر، أن ذلك يحدث أيضا في مصر، ولكن يمكن أن أقول أنه ربما يحدث في مصر شيء لا نعرفه، أو ربما يرى الروس أنه إذا كانت مهمتهم قد انتهت في سورية، فعليهم أن ينهوا مهمتهم أيضا في مصر، لأن المصريين بالتأكيد سوف يحذون حذو سورية."

ويستطرد زعيرا مستكملا حديثه بالقول: "أنه من الممكن تفسير الاستعدادات المتزايدة في مصر وسورية، بأنها بسبب الخوف من هجوم إسرائيلي، ولكن الآن، فالسوفيت لديهم معلومات مؤكدة عن نوايا مصر وسورية الهجومية، ضد إسرائيل، وأن ما يؤكد ذلك هو أن ترحيل عائلات الخبراء السوفيت قد حدث أيضا في مصر، و يوجد تفسير لذلك".

ويرد رئيس الأركان قائلا: "هناك أمور لا يوجد لها تفسير، وأنا أعتقد أن موقفنا اليوم ليس له تفسير، وإنما استنتاجات، فلا توجد تفسيرات جادة وتعتمد على أساس حتى الآن، ومن المحتمل أن تصلنا خلال ساعة أو ساعتين معلومات جديدة. لقد حصل (زاميرا)[5] هذه الليلة على معلومة، من أحد مصادره، وهو من المصادر الموثوق بها، وقد حذره هذا المصدر، من إمكان حدوث شيء ما، وعندما بحثنا عملية الترحيل السريع لعائلات الخبراء السوفيت، لم تنجح في إعطاء تفسير مقنع لهذه الظاهرة الغريبة، وكان هناك إحساس بأنه غدا في يوم عيد الغفران، من الممكن أن تنشب الحرب."

استمع وزير الدفاع لما قاله رئيس الأركان، ورئيس الاستخبارات، وعلق على ذلك بالقول، أنه يوافق على ما قام به رئيس الأركان، فيما يتعلق بالاستعدادات العسكرية بالإعلان عن حالة الطوارئ (ج)، وتعزيز الجبهات بجميع القوات النظامية المتاحة[6]. ولكنه مع ذلك لم يصدر أوامره بتعبئة قوات الاحتياط ـ وإن كانت فكرة تعبئة الاحتياط غير غائبة عنه.

إن مخاوف موشي ديان الحقيقية، لم تكن مخاوف عسكرية ـ أي ما يتعلق بقدرة القوات النظامية والسلاح الجوي على صد الهجوم المصري / السوري ـ لقد كان يدور في رأس ديان اعتباران أساسيان:

الأول: يتعلق بالسياسة الخارجية، وبالتحديد ما هو رد الفعل العالمي، وبصفة خاص رد فعل الولايات المتحدة الأمريكي، إذا ما قامت إسرائيل بتعبئة قوات الاحتياط علانية؟.

الثاني: اعتبار سياسي داخلي، وهو الخوف من إحداث ذعر في داخل إسرائيل، وعلى هذا وجه موشي ديان حديثه إلى رئيس الأركان قائلا: "فيما يتعلق بعيد الغفران، فكل ما فعلته حسنا جدا، وأنا لا أعتقد بوجود صعوبة إذا ما أردنا الوصول بسرعة إلى أي مكان، فالطائرات الهليوكوبتر ستمكننا من ذلك، فليس هناك مشكلة".

ويرد رئيس الأركان قائلاً: "المشكلة تكمن في أنه إذا ما حدث شيء ما، فسوف نضطر إلي حشد القوات وإعطاء التحذيرات علنا".

ويعلق وزير الدفاع: "لا داعي لتحريك القوات، إلا إذا حدث شيء، فالطرق خالية اليوم، كما يجب إبلاغ الجميع بضرورة الاستماع إلى موجات إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي والتي يمكن أن تذيع فقرات من (المزامير) كل ساعتين.

يعلق الجنرال "تسفي تسور" مساعد وزير الدفاع، والذي كان رئيسا للأركان العامة، أيام بن جوريون، على ما ذكر من آراء، حول احتمالات الهجوم المصري ـ السوري. حيث أكد أنه يمكن أن يحدث هجوم بشكل مباغت، فبالتأكيد هم يريدونها ـ أي الحرب ـ بشكل مباغت، وليس بشكل طبيعي، وهي حقيقة لا نعرفها حتى هذه اللحظة، وربما يستعدون لتنفيذ ذلك، وربما تكون المناورة هي غطاء لذلك، وعلينا أن نكون مستعدين، ففي اللحظة التي سيدرك فيها المصريون ذلك، ربما يفكرون بطريقة أخرى، يجب أن يدركوا أننا نعلم بأنهم ينوون على شيء، وإذا كان الأمر كذلك فيجب أن نبلغهم بشكل غير مباشر عن طريق الأمريكيين.

ومن الواضح أن ديان كان يتفق مع رأي "تسفي تسور"، بتحقيق الاتصال مع الأمريكيين، وإبلاغهم بأمرين، لأنه إذا نشبت حرب فسوف يقولون لنا: "لماذا لم تخبرونا على الفور؟":

·   الأمر الأول: أنه ليس لإسرائيل أية حشود، من القوات، سوى التعزيزات في القوات، نتيجة لما حدث من استعدادات مصرية ـ سورية.

·   الأمر الثاني: أن لدى إسرائيل معلومات مؤكدة، عن حشود مدفعية، وحشد للقوات، على الجبهتين المصرية والسورية.

وأنه يمكن عن طريق "كسينجر" وزير الخارجية الأمريكي، أن نطلب منه الاتصال بسفير الاتحاد السوفيتي في واشنطن أناتولي دوبرنين، وإخباره بأن إسرائيل ليست لديها النية على الإطلاق في أي عمليات ضد أي من مصر وسورية، وأن يسأله عما يحدث في كل من مصر وسورية، وبطبيعة الحال وعلى مستوى الدول العظمى، لا يوجد مجال للكذب فهما لا يسعيان إلى نزاع روسي أمريكي ، كما أنه إذا كان المصريون يريدون مباغتتنا، فيمكن إحباط ذلك، بإبلاغهم رسالة تحذيرية عن طريق الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، حتى يدرك العرب "أن عنصر المباغتة" غير وارد، وأن هذا العنصر الذي بنوا عليه خططهم، هو أمر معلوم لنا. وبالتأكيد هناك أشياء يمكن طلبها من الولايات المتحدة، خاصة أنهم أبلغونا منذ أسبوع أن الحرب على الأبواب، ونحن هادئون[7].

ومن الواضح، أنه كان هناك استنتاج واضح، بإمكانية نشوب الحرب يوم عيد الغفران، ولكن لم يهتم أي من وزير الدفاع أو رئيس الأركان، بالتعبئة الفورية لقوات الاحتياط ـ ولو لواء واحد ـ من خلال عملية تعبئة سرية لتعزيز الجبهة، بالإضافة إلى ذلك، فإن موشي ديان قد حذر رئيس الأركان، بالا يتم تحريك القوات، إلا إذا بدأت الحرب فعلا. ومع ذلك فبعد ثلاثة أيام يعلن كل منهما على الملأ قائلين: "لقد هوجمنا بغتة"، وبالرغم من تحذير المخابرات، ووضع الاحتمالات بهجوم مصري سوري، إلا أن وزير الدفاع رفض هذه التقديرات، وقرر أن يبلغ الولايات المتحدة أن الحرب لن تكون مباغتة.

ويؤكد إيلي زعيرا في كتابه حرب يوم الغفران، أن موشي ديان لم تكن لديه فكرة، عما يمكن أن يواجهه سلاح الطيران من مصاعب، إذا ما بدأت الحرب، وكذلك لم يكن لديه تصور، عن المصاعب التي يمكن أن تواجه القوات البرية، خلال 30 ساعة، بل لم يفكر في مدى خطأ خطة الدفاع عن القناة، ولا في ثقته المبالغ فيها، وغير الواقعية، لقدرة السلاح الجوي، في التغلب على أنظمة الصواريخ أرض/ جو.

إن ديان لم يفكر، في أن السلاح الجوي، لن يتمكن من تقديم المعونة للقوات البرية، إن ثقته في القدرة القتالية لجيش الدفاع الإسرائيلي، طبقا لاستعداداته، وانتشاره، في ذلك الوقت، كانت ثقة كبيرة، وهذا ما أوقعه في مصاعب كثيرة، لم يكن يتوقعها.

 ويستطرد زعيرا موضحا، أنه خلال ذلك الاجتماع، ركز وزير الدفاع ورئيس الأركان على الاحتمالات والتقديرات، ولم يركزوا على النقاط الجوهرية والتساؤلات الهامة، والتي كان من المفترض أن تكون هي الأساس في هذا الاجتماع، ومن هذه التساؤلات على سبيل المثال:

1. هل تستطيع القوات النظامية صد الهجوم في الجولان، ومنع عبور القناة؟[8]

2. هل يستطيع السلاح الجوي، تقديم المعونة للقوات البرية، في كلتا الجبهتين، في الوقت الذي تغطي فيه الصواريخ أرض/جو السورية والمصرية، مرتفعات الجولان ومنطقة القناة؟.

3. ألم يكن من الواجب، القيام بتعبئة جزئية وسرية، لعدد من الألوية؟.. إن خطط التعبئة الإسرائيلية كانت تعتمد على التعبئة الجزئية، والسرية، ولم يحدث أبدا أن يكون أسلوب التعبئة العلنية، هو الأساس!!

4. هل صدرت أوامر فورية، لهيئة الإمداد، باستكمال مخازن طوارئ الاحتياط، بكل ما ينقصها؟

"لقد اتضح أثناء حرب يوم الغفران، أن مخازن الطوارئ كانت تفتقد بعض العتاد الحيوي، والذي كان متوفرا في مخازن سلاح الإمداد، وسلاح التسليح".

 من الواضح أنه رغم اقتناع وزير الدفاع ورئيس الأركان، باحتمالات نشوب حرب مباغتة، إلا أنهما لم يلقيا اهتماما بالموضوعات القتالية، ولم يبحثا موضوع الحرب نفسها. وذلك مرجعه إلى الحالة العقلية التي سيطرت على تقديرات قادة الدفاع، ويمكن وصفها "بالثقة الكاملة في قدرة القادة والقوات النظامية والسلاح الجوي على صد الهجوم المصري ـ السوري، وقدرة القادة على تجميع قوات الاحتياط بسرعة والتحول على الفور إلى الهجوم المضاد". ولم يكن في إدراك قادة الدفاع أي مجال للشك في قدرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ولو كانت لديهم تلك الشكوك، لأصدروا على الفور أوامرهم بالتعبئة، ولو حتى الجزئية، وبالرغم من تصريحات رئيس الأركان عن تقديراته، فإن جيوش مصر وسورية تستعد، إما للدفاع وإما للهجوم، إلا أنه اشترط أن لا تتم تعبئة الاحتياط إلا عند ظهور النوايا والحصول على معلومات عن يوم وساعة بدء الحرب. وعلى هذا الأساس فإن الفجوة بين التوقعات فيما يتعلق بالقدرات لجيش الدفاع الإسرائيلي، وبين الواقع الذي اتضح خلال الـ48 ساعة الأولى من القتال، أدت إلى:

1. احتلال المصريين لخط بارليف.

2. لم يقدم السلاح الجوي المعاونة للقوات البرية، ولم يدمر بطاريات الصواريخ أرض/جو.

3. فشل الهجوم المضاد على منطقة القناة.

ومن الواضح، أن كل ما قام به جيش الدفاع الإسرائيلي، بدءا من الساعة التاسعة صباح يوم الجمعة، لا يتفق مع ما أكده وزير الدفاع، إن احتمالات الحرب قوية، لقد تأكد تقديرات الموقف لوزير الدفاع في النقاط التالية:

1. إن احتمالات هجوم سوري ـ مصري، هي احتمالات قوية جدا.

2. أنه يجب الاستعداد لحرب، من المنتظر أن تنشب يوم عيد الغفران.

3. إن المناورة المصرية ربما تكون غطاء.

4. إن عنصر المباغتة، الذي ربما يبنون عليه خططهم معلوم لنا.

كما أنه أبلغ رئيسة الوزراء، صباح يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 أن هناك معلومات تشير بأن الاحتمالات قوية وبدرجة 100% ، أن هناك تشكيلا من المنتظر أن يعبر قناة السويس.

1. الموقف على جبهة قناة السويس يوم 5 أكتوبر

مع إلغاء الإجازات للجيش النظامي على الجبهة، بدأت الاستعدادات من أجل مراجعة الخطة الدفاعية، على جبهة قناة السويس، ومن هذه الاستعدادات، إرسال أحد ضباط سلاح المهندسين "ألبرت رحاميم" ومعه طاقم فني من أجل فحص منشآت الوقود التي خصصت لإشعال النار في القناة إذا حاول المصريون العبور.

أما الجنرال "ألبرت ماندلر" قائد القوات المدرعة في سيناء، فقد قرر إرسال أحد ضباطه الأكفاء، ليقدم له تقريراً، بعد رصد الموقف غرب القناة، من إحدى نقاط الملاحظة، ويتسلق الضابط المكلف بهذه المهمة، برج الملاحظة، ويرسل تقريره، بعد مراقبة الموقف، يقول فيه: "لست أرى في الخط شيئا خاصا، ولكن في العمق توجد حركة كبيرة، وهذا ما لا أرتاح إليه"، ومن الواضح أن هذا الضابط، لم ينجح في كشف عتاد العبور، الذي تم إخفاؤه جيدا على مقربة من القناة، واستمر هذا الضابط في إرسال التقارير، ولكن لسوء حظه، وقع أسيراً مع بداية الهجوم المصري.

واقترح أحد ضباط الأركان، في قيادة ماندلر، تحريك الدبابات إلى الأمام، ولكنه رفض الاقتراح، خوفا من أن يتسبب ذلك في تصعيد الموقف، وإلى إحداث سلسلة من الردود على الجانب الثاني".

2. اجتماع الحكومة الإسرائيلية يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973

اجتمعت الحكومة الإسرائيلية، في جلسة طارئة في الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم الجمعة، الخامس من أكتوبر 1973، وهو اليوم السابق لعيد الغفران، وحضر الجلسة أقل من نصف الوزراء، فإيجال آلون متواجد في كيبوتس على مقربة من هضبة الجولان، واثنان من الوزراء المتدينين توجهوا إلى القدس. وقد شارك في هذا الاجتماع رئيسة الوزراء جولدا مائير وحاييم بارليف ويسرائيل جاليلي وموشي ديان وشلومو هليل وميخائيل حزائي و شمعون بيريز. كما حضر الاجتماع من القيادات العسكرية الجنرال تسفي تسور مساعد وزير الدفاع ورئيس الأركان الجنرال ديفيد أليعازر، ورئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال "إيلي زعيرا"، ومردخاي جازيت مدير مكتب رئيسة الوزراء، وسكرتير الحكومة ميخائيل (مايك) أرنون، والمقدم شيلد والمقدم براون.

بدأ وزير الدفاع الحديث، وشرح سبب الدعوة إلى هذا الاجتماع العاجل، عشية عيد الغفران، حيث قال: "تزايدت في الفترة الأخيرة، المعلومات والظواهر، على الساحة، التي تدل على وجود تعزيزات على الجبهتين المصرية والسورية. كانت هذه التعزيزات فعلية والمعلومات تقول أنهم ينوون استئناف الحرب على الجبهتين، أولا على الجبهة السورية، ثم الباقي بعد ذلك. وخلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، وردت معلومات أخرى في هذا الشأن، وقد قمنا بعمل تقدير موقف لهذه المعلومات، والتي يمكن أن نطرحها خلال هذا الاجتماع".

أما مدير الاستخبارات العسكرية "إيلي زاعيرا" فقد قال: "منذ الخامس من سبتمبر بدأ السوريون حالة استعداد تدريجية، واليوم أصبحوا في أتم أوضاع الاستعداد، على الحدود السورية، حيث يراجعون ويتدربون على خطة معينة، وهي على ما يبدو خطتهم لاحتلال هضبة الجولان، على أن تتم بمعظم القوات السورية، وخلال فترة زمنية قصيرة، لا تزيد عن 2-3 يوم والوصول إلى نهر الأردن، وعبوره أيضاً. كما قام السوريون بدفع سربين من طائرات السوخوي، إلى الجبهة، وقد كانت من قبل في قواعد بعيدة عن الجبهة. وفي نفس الوقت، أعرب السوريون عن مخاوف حادة من وقوع هجوم إسرائيلي، وإن هذا الاستعداد، هو استعداد دفاعي ـ طبقا للنظرية السوفيتية، يستخدم أيضا نقطة انطلاق إلى حرب دفاعية وحرب هجومية أيضا ـ فإذا حللت هذا الوضع، فأقول أن ذلك الوضع الدفاعي يتواءم جدا مع العقيدة السوفيتية ـ وهي أيضا السورية ـ للدفاع والهجوم.

وعلى الجبهة المصرية قال زاعيرا: "لقد قامت القوات المصرية، خلال الأسبوع الأخير، بمناورة موسعة، ضمت كافة الأسلحة، جوية، بحرية، دفاع جوي، كما ضمت الجيوش والفرق. وقد أجريت هذه المناورة في العام الماضي، في نفس التوقيت تقريباً. وهكذا فإن هذه المناورة فيها شيء غير عادي، من ناحية التوقيت، والهجوم، ولكننا نرى أيضا عند المصريين، علامات كثيرة تدل على الاستعداد لحرب حقيقية، دفاعية في الأساس، من خلال تخوف، جاء من أن تقوم إسرائيل باستغلال هذه المناورة وتهاجمها. ولكن أؤكد أنه بالرغم من أن هذا الوضع دفاعي، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى وضع هجومي. لقد قاموا بتعزيز الجبهة علي طول القناة في الأيام الأخيرة، وزادوا عدد المدافع من 800 إلى 1100 مدفع وهذه تعزيزات هامة بالتأكيد، وقد قاموا بتقريب الكثير من الدبابات إلى حافة القناة، وهكذا أصبح في مقدورهم القيام بأعباء الدفاع والهجوم على حد سواء وقد ترددت أنباء، أن هناك تفكيرا لشن هجوم منسق سوري ـ مصري، في شهر أكتوبر، وبالفعل احتلت الجيوش السورية والمصرية مواقعها الآن، والتي تستطيع من خلالها شن هجوم أو الدفاع عن نفسها.

ثم يستطرد زعيرا قائلاً: "هناك حدث هام تم في الليلة الماضية، فقد أرسل الروس إحدى عشر طائرة ركاب، إلى كل من سورية ومصر، وأن هذه الطائرات مخصصة لإجلاء أشخاص، وحتى الآن عادت طائرتين منهم، واحدة من سورية والأخرى من مصر، إضافة إلى ذلك، فإن جميع القطع البحرية الروسية، التي كانت موجودة في ميناء الإسكندرية، غادرت الميناء. وهناك احتمال أيضا إلى أن الاستعداد المصري والسوري نابع من تخوفهم منا، وقد تكون لديهم النية أيضاً، للقيام بعمليات هجومية لتحقيق أهداف محدودة".

أما رئيس الأركان "ديفيد أليعازر" فقد لخص الموقف قائلا: "إن التقرير الرئيسي لدى الاستخبارات العسكرية، بأننا لسنا أمام حرب، هو التقرير الأكثر معقولية في نظري، ومن الممكن جدا أن هذا الوضع والاستعداد الذي نراه، يأخذ أوضاع الاستعداد الدفاعي، أو بسبب تخوف نحن لا نعلم بالضبط ما هي أسبابه، وهذه ليست أول مرة نرى أنهم متخوفون، وأنهم يجمعون كافة الأنباء، وحقيقة إسقاط 13 طائرة سورية لا زالت ماثلة في الأذهان. ومع هذا، يجب أن أُذَكّرْ، أن الوضع الدفاعي، وفقا للنظرية السوفيتية هو أيضا وضع هجومي، ويمكن الانتقال منه إلى الهجوم. وعليَّ أن أقول: "أننا لا نملك الدليل الكافي، بأنهم لا يستعدون للهجوم، ليس لدينا معيار كاف بأنهم يريدون الهجوم حقا، ولكنني أستطيع أن أقول، وفقا للمعلومات، بأنهم لا ينوون ذلك".

وعليَّ أن أعترف، بأن لديهم القدرة الفنية على شن هجوم بمثل هذا الوضع:

أولاً: لا يوجد دليل على أنهم لا يريدون الهجوم.

ثانياً: أنهم يستطيعون شن هجوم، ونتيجة لذلك، اتخذنا كافة وسائل الاستعداد، وتم اعتبار العيد حالة تأهب قصوى، حيث ألغيت الإجازات في كافة الوحدات على الجبهة، خاصة في سلاحي الطيران والمدرعات. لم أقم باستدعاء الاحتياط والتأهب كله سينفذه الجيش النظامي، إنني أتكهن بأننا سنتلقى المزيد من المعلومات، حول نيتهم القيام بأي هجوم مباغت. أما بالنسبة لاستدعاء الاحتياط، واتخاذ وسائل أخرى، فنحن نحتفظ بذلك، انتظارا لمزيد من الشواهد"[9].

ويحلل إيلي زعيرا رأي كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان فيقول: "لقد اشترك الاثنان في الرغبة والأمل، لمعرفة نية السوريين والمصريين، خلال الساعات والأيام التالية، وكان السؤال هو، هل يقبل بناء القرارات الخاصة باستدعاء الاحتياط، على أمل الحصول خلال موعد مناسب، على معلومات تخص نوايا العدو. إن نظرية الأمن الإسرائيلية، ترفض ذلك تماما، وقد بنت القرارات الخاصة بالاستدعاء، على أساس تحركات العدو على الساحة، وليس على تقدير نوايا. ومع ذلك فمن الممكن التصرف هكذا، بشرط الوفاء بشرطين مسبقين، على الأقل، وهما: الثقة التامة في الحصول على معلومات موثقة، وفي الوقت المناسب، عن نوايا العدو بشن الهجوم، وهو شرط تعتبر فرص توافره ضئيلة جداً. الشرط الثاني، هو الثقة الكاملة في قوة الجيش النظامي، بمعاونة من سلاح الطيران، للتصدي بنجاح لهجوم سوري مصري، ومعنى هذا أن مرحلة الصد، لا تحتاج إلى قوات الاحتياط، بمعنى آخر أن تكون القوات البرية وسلاح الطيران، قادرين على منع احتلال قناة السويس، واختراق الجيش السوري، إلى عمق هضبة الجولان. ومن هنا فإن قرارهما بعدم استدعاء الاحتياطي، قد نبع من خطأين:

الأول: خطأ تنفيذي خالص من حيث خطأ في تقدير نتائج معركة الصد، والثاني خطأ في النظرية حيث تم اشتراط استدعاء الاحتياط بوصول معلومات عن النوايا الحربية وليس معلومات عن استعدادات العدو للحرب وتأهبه لها.

وبعد هذا العرض، تدخلت رئيسة الوزراء جولدا مائير، ووجهت سؤالها للحاضرين: "ما هو الإجراء في الحكومة أو الدولة، لو كان المطلوب استدعاء الاحتياط؟ وعلى أي المستويات، وهل مطلوب قرار حكومي في هذا الشأن".

ورد موشي ديان بالقول: "إذا حدث شيء ما في عيد الغفران ـ قبل انعقاد الحكومة يوم الأحد ـ فسوف نكتفي بموافقة رئيسة الوزراء، في أي شيء، سواء بالنسبة لاستدعاء الاحتياط أو بالنسبة لتنفيذ ضربة مسبقة، إنني لا أتخيل أنه من الممكن أن تنعقد الحكومة بنفس السرعة، أعتقد أن الأمر سيكون على ما يرام وقانونيا".

أما الوزير يسرائيل جاليلي، فقد علق على ذلك بالقول: "أن هذا الاجتماع الوزاري يمنح رئيسة الوزراء، ووزير الدفاع، تخويلاً باستدعاء الاحتياط، بدون أي حاجة لموافقة الحكومة، لأن الحكومة سوف تجتمع بعد غد (الأحد)، بينما الحرب قد تندلع يوم السبت ـ يوم عيد الغفران.

وعلقت رئيسة الوزراء جولدا مائير قائلة: "أريد أن أقول كلمة واحدة ـ هناك شيء ما ـ هناك بعض النقاط التي تعيد نفسها، قبل الخامس من يونيه 1967، كانت تتردد أنباء عن أن جيش الدفاع يعزز قواته عند الجولان، والآن توجد معلومات بأن الصحافة المصرية تقول أن جيش الدفاع متأهب على الجولان، وأن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية تتزايد على طول الخطوط بشكل خطير، تحت مظلة جوية دائمة تغطي المنطقة كلها. والقوات السورية متأهبة لدرء أي هجوم. كل هذه الأمور تذكرنا بما كان في نهاية شهر مايو، أو بدايته أو منتصفه، حتى الخامس من يونيه، وهذا يجب أن يعني لنا شيئا ما. فقد نشرت صحيفة الأهرام نبأ يقول: "أن كافة الظواهر تشير إلى أن حالة التوتر على الجبهة السورية قد وصلت إلى درجة تبلغ حد الخطر بنشوب معركة كبيرة، على طول الخطوط، في أي لحظة، وأن الحشود العسكرية الإسرائيلية، أمام الجبهة السورية، في منطقة هضبة الجولان، تتزايد بشكل ملحوظ.

في ختام الاجتماع، قال وزير الدفاع: "أعتقد أن بعض أعضاء الحكومة، الذين يمكن الاتصال بهم تليفونياً، في عيد الغفران على استعداد لذلك، ويمكن القيام بهذا لو احتاج الأمر".

أما رئيسة الوزراء فقالت: "إنني أطلب من الزملاء أن يتركوا لدى مايك (أرنون)، بيانات عن تواجدهم هذا المساء وغدا. وأنا على كل حال سأظل هنا بالمنزل، وأتخيل أن ما قاله جاليلي ـ أي التخويل باستدعاء الاحتياط ـ هو أمر ممكن، إذا لم يكن لدى أحد أي تحفظات، إذا كان الأمر كذلك فإنني أتمنى لكم حظا سعيدا".

صدر البيان الرسمي التالي عن الاجتماع: "اجتمع مجلس الوزراء، اليوم الجمعة، في جلسة استثنائية، لبحث احتمال وقوع هجوم مصري سوري، وبالرغم من أن حشود القوات يخشى معها بوضوح، وقوع هجوم، فقد تقرر عدم إصدار الأمر بتعبئة الاحتياط، حتى لا يزعم الرأي العام العالمي، أن إسرائيل تستعد للهجوم".

بعد الجلسة، سأل أحد الوزراء، وزير التجارة والصناعة، حاييم بارليف، رئيس الأركان السابق: ما رأيك؟ ويرد عليه بارليف: "مع عدد الدبابات التي توجد لنا الآن في سيناء، نحن قادرون على وقف 1500 دبابة مصرية"[10].


 



[1] كان الفريق أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصري، قد ذكر بعد وقف القتال: "لقد نشرنا في صحيفة الأهرام خبرا يقول أنه سمح للضباط والجنود بتأدية فريضة الحج، كما أعلنا أن وزير الحربية الروماني سوف يصل إلى القاهرة يوم 8 أكتوبر 1973، لقد أرسلنا الدبابات إلى ضفة القناة، ولكن القيادة العامة كانت تعيد في كل ليلة، لواء كاملا إلى الخطوط الخلفية، لكي تعطي الانطباع بأن تحركات القوات تتم في نطاق المناورات.

[2] أحد عملاء إسرائيل، ولم يُحدد اسمه.

[3] الواقع أن تحليلات اليعازر، فيما يتعلق باستخدام القوات الجوية، هي تحليلات غير منطقية، فالمهمة الأولى (حرب شمال سورية) والمهمة الثانية (ضرب دمشق) لن تكون فيها معاونة فورية، للقوات البرية النظامية، التي تواجه هجوما بريا سورية في الجولان، والمهمة الثالثة، وهي تدمير تشكيلات صواريخ الدفاع الجوي، فيعتقد رئيس الأركان إمكانية تنفيذ هذه المهمة في يوم واحد، وبأمان كامل، ولكن الأحداث أثبتت، أن هذه التقديرات كانت خاطئة، أما فيما يتعلق بالمهمة الرابعة، وهي استخدام القوات الجوية في معاونة القوات البرية، فهي أنسب المهام، حسب نظريات الدفاع، ولكن الواقع أن السلاح الجوي، لن يمكنه تقديم المعاونة للقوات البرية بفاعلية، طالما لم يتم تدمير أنظمة صواريخ الدفاع الجوي السورية.

[4] كان يوجد لإسرائيل في جبهة الجولان 170 دبابة وليس (60) دبابة.

[5] تسفيكا زاميرا، هو رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي.

[6] قرر رئيس الأركان الإعلان عن حالة الاستعداد (ج) في الجيش النظامي، وقبل ذلك كانت هناك حالة استعداد أقل في هضبة الجولان، ولكن الحالة الآن تشمل كل جيش الدفاع الإسرائيلي، وقد أصدر الأوامر إلى كل الوحدات في الساعة الحادية عشر صباحا. والمعروف أنه يوجد في جيش الدفاع الإسرائيلي ثلاث درجات استعداد، الدرجة الأعلى فيها هي حالة الاستعداد (ج)، والأكثر منها هو الأمر بالدخول في المواقع وانتظار ضرب النار. وحالة الاستعداد (ج) ليست متكررة في جيش الدفاع الإسرائيلي، فهي من الناحية العملية تعتبر أمر انتظار وتشتمل على إلغاء الإجازات في الجيش النظامي، كما تقيم هيئة الأركان في مركز القيادة. ومع رفع درجات الاستعداد صدرت التعليمات إلى إذاعة الجيش بأن تكون في حالة استعداد كاملة في يوم عيد الغفران، لاحتمال استئناف الإرسال من أجل نداء الاستدعاء لرجال الاحتياط، وطلب من الشرطة تجهيز سيارات مزودة بمكبرات الصوت ليمكن الإعلان عن حالة التعبئة.

[7] يقصد بذلك التحذيرات بالحرب، التي أبلغتها وكالة الاستخبارات الأمريكية لرئيسة الوزراء، ووزير الدفاع، عن طريق الموساد، وهي مشابهة للتحذيرات التي تلقتها رئيسة الوزراء، من "المنبع" قبل عدة أيام من ذلك.

[8] إن منع عبور قناة السويس، كان أحد الأهداف المعلنة للحكومة، ولجيش الدفاع الإسرائيلي، طبقا لما أوضحه رئيس الأركان لرئيسة الوزراء في إبريل 1973.

[9] لقد أنهى رئيس الأركان تقديره للموقف، بقرار عدم استدعاء الاحتياط في هذه المرحلة، وقد اشترط رئيس الأركان استدعاء الاحتياط، بوجود شواهد مؤكدة أن لدى كل من مصر وسورية، النية الجادة للقيام بالهجوم، ووضع في اعتباره أنه سيتلقى المزيد من المعلومات، خلال الساعات القادمة، حول نيتهم القيام بأي هجوم مباغت. وهذا يؤكد أن رئيس الأركان، قرر تأجيل استدعاء الاحتياطي، حتى تصله معلومات مؤكدة، عن نوايا بدء الحرب، وهذا الاتجاه يختلف مع تقرير وزير الدفاع، بأن الحرب قد تحدث غدا. وقد أكد رئيس شعبة الاستخبارات في كتابه (حرب يوم الغفران)، الصفحة 207، أنه لم يقدم وعدا بإحضار شواهد تدل على نوايا هجومية مصرية أو سورية، وأن ما ذكره أليعازر لا أساس له من الصحة.

[10] من الواضح أن حاييم بارليف، كان يعتقد في التقدير الإسرائيلي، بأن الدبابات التي توجد في حالة استعداد دفاعية، قادرة على وقف وصد قوة تفوقها خمسة أضعاف.