إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث السابع

القتال شرق القناة يوم 6 أكتوبر

في أغسطس 1973، كان المصريون قد بدأوا المراحل النهائية للتخطيط، واختاروا عيد كيبور أو يوم التكفير اليهودي "السادس من أكتوبر 1973"، يوم بدء الحرب. إذ أن حالة الاستعداد في الجيش الإسرائيلي ستكون في أدنى مستوياتها في ذلك اليوم.

في منتصف سبتمبر 1973، حدث اشتباك جوي بين الطائرات الإسرائيلية والسورية، فوق البحر المتوسط، وأسقط خلالها ثلاثة عشر طائرة سورية، وعلى ذلك فقد فسرت التعبئة والحشود السورية بهضبة الجولان على أنها رد فعل للمعركة الجوية. وفي مصر كانت هناك مشروعات تدريبية يتم تنفيذها، ولكن لم تقدرها المخابرات بأكثر من كونها مناورات، وقد حدث مثل هذا النوع من التدريب وهذه الحشود المصرية على امتداد قناة السويس، دون أن ينطوي ذلك على شيء خطير، فقد كانت هذه التدريبات متكررة كل عام[1].

كانت فكرة الدفاع الإسرائيلي قد وضعت في إطار قدرات وإمكانيات الدولة والتي لا يمكنها الاحتفاظ بحجم كبير من القوات في الخدمة العاملة في جميع الأوقات، لذلك نظمت إسرائيل قواتها المسلحة بالاعتماد على ثلاثة عناصر:

1. استخبارات ماهرة وكفء، والتي يجب أن تعطي إنذاراً مبكراً بما يمكن معه تعبئة الاحتياطيات في الوقت المناسب.

2. جيش عامل صغير الحجم قادر على القتال في مراحل الحرب الأولى، ويمكنه التصدي للمهاجمين وتعطيلهم على حدود الدولة لحين استكمال التعبئة.

3. قوات جوية على استعداد كامل دائماً للتدخل في أي وقت، لمعاونة القوات البرية الإسرائيلية وإحباط أي هجوم معادي.

وقد خصصت هذه العناصر الثلاثة لكسب الوقت والتمسك بالخط الدفاعي، حتى يتم تحريك الاحتياطيات ودفعها إلى مسرح القتال، وفي حرب 1973، كان هناك خطأ ما، فقد باغت العرب إسرائيل، وسواء كان التقصير من عنصر الاستخبارات، الذي لم يتيح إنذاره فرصة كافية لتعبئة القوات الاحتياطية. أو من القيادة العليا التي لم تفسر ما تحت بصرها من معلومات، من كافة المصادر، التفسير الكافي، فقد تمت المباغتة، كما أرادها المصريون.

في الساعة الثانية ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، قامت الجيوش المصرية والسورية بالهجوم في وقت واحد وزُجت الحشود العربية على امتداد الحدود الإسرائيلية الشمالية والجنوبية. أخطر الجنرال دافيد أليعازر في رئاسة الأركان على وجه السرعة. وبالرغم من التقييم الهادئ الذي تم بواسطة الاستخبارات العسكرية، والتي اتجهت لتفسيره بطريقة منطقية، إلا أنه تم رفع حالة استعداد القوات الإسرائيلية إلى الحالة (ج) ـ خلال اجتماع عاجل للوزارة الإسرائيلية يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973ـ بناء على طلب من أليعازر، كما سمح بالتعبئة المحدودة للاحتياطات المدرعة. وفي الصباح الباكر يوم 6 أكتوبر 1973، عندما أكدت معلومات الاستخبارات أن مصر وسورية ستهاجمان في نفس اليوم وافقت القيادة السياسية على التعبئة الجزئية لأغراض الدفاع، في حدود "100 ألف جندي" ولم تُوافق على مقترحات أليعازر، بتنفيذ التعبئة الشاملة، والقيام بضربة إجهاض بالقوات الجوية ضد الدولتين.

ومع بدء الهجوم المصري السوري، في الساعة الثانية ظهراً، تم استدعاء الاحتياطي بسرعة، وكان أغلب الشعب الإسرائيلي في الصلاة بالمعابد أو بالمنازل، وهكذا اندفع الجنود إلى وحداتهم بعد استبدال رداء الصلاة بالشدة الميدانية، وعادت إسرائيل تقاتل ثانية ولكن في سبيل بقائها هذه المرة.

خلال المرحلة الأولى للقتال في الفترة من 6 – 9 أكتوبر 1973، كان المصريون قد وضعوا خططها بدقة، وتم الإعداد المسبق لأدق التفاصيل، والتدريب عليها، وتضمنت عبور إحدى عشر لواءً في النسق الأول "عبر القناة"، ثلاثة في منطقة القنطرة وشمالها، وأربعة في منطقة الإسماعيلية والدفرزوار، وأربعة بمنطقة جنيفة والسويس. كانت الفرق المشاة المصرية، تعبر في قطاعات كل فرقة في قطاع مواجهته 4 – 5 أميال. الموجة الأولى تستولي على الساتر الترابي وتتمسك به بشدة، الموجة الثانية تتجاوز الأولى لمسافة 200 ياردة، وتتوقف في أماكنها خلال الساعة الأولى للهجوم، الموجة الثالثة والرابعة كان عليهما الانتشار في المواجهة والعمق لتحقيق الاتصال والربـط بين الموجات الأولى والثانية، بعدها تعبر أسلحة الدعم للكتائب المهاجمة، وتتقدم القوة كلها، لمسافة 1 - 2 ميل شرق القناة، بينما تهاجم مجموعات الاقتحام النقط القوية، وتنشئ كل فرقة من الفرق الخمس في الشرق رأس كوبري بعمق 3.5 ميل، وتدافع عنه إلى حين عبور الدبابات والمدفعية، والتي بوصولها يبدأ توسيع رؤوس الكباري إلى عمق 6 - 8 ميل. تستعد القوات المصرية، التي عبرت إلى الشرق، لمواجهة هجمات الوحدات المدرعة الإسرائيلية على الخط المعزز، بالأسلحة المضادة للدبابات والألغام، فطبقاً للتدريبات التي مارسوها طوال السنين السابقة، كان يعرفون أن الدبابات الإسرائيلية لن تتركهم يتقدمون، دون أن تهاجم، بل كانوا يعلمون أنها ستحاول سحقهم وإلقاءهم في القناة مرة أخرى.

كان في مواجهة الهجوم المصري طبقاً للخطة الإسرائيلية، مجموعة عمليات مدرعة بقيادة الجنرال ألبرت ماندلر[2]، وكان إجمالي القوات تحت قيادته 280 دبابة مُشكَّلة في ثلاثة ألوية، إضافة إلى لواء مشاة. وكان معظم هذه القوات تعمل كاحتياطيات قريبة في شرق سيناء مستعدة لتوجيه الهجمات المضادة ضد القوات المصرية، التي تنجح في الوصول إلى خط بارليف.

داخل تحصينات خط بارليف، وصل حجم الجنود الإسرائيليين، نحو 500 جندي إسرائيلي، من لواء القدس، حيث يخدم معظمهم فترة الاستدعاء السنوي، وكانوا قليلي الخبرة في القتال. (اُنظر شكل جبهة قناة السويس)

 وفي الساعة الواحدة و45 دقيقة حضر ماندلر اجتماع في مركز قيادة الجبهة، مع الجنرال جونين، قائد الجبهة الجنوبية، والذي عاد منذ دقائق من مؤتمر رئيس الأركان. أصدر جونين أوامره لبدء تحريك الوحدات المدرعة، لاحتلال خط الجبهة والمصاطب على طول القناة وعمقها، تجاه الشرق[3]، ولكن الحرب كانت قد بدأت، وبدأ القصف المكثف للمدفعية والهجمات الجوية على مطارات ومراكز القيادة في سيناء.

أولاً: السادس من أكتوبر 1973 "عيد الغفران"

اجتمعت رئيسة الوزراء الإسرائيلية صباح يوم 6 أكتوبر 1973، مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، "كينيت كيتينج" والذي كان يعلم منذ يومين بالحشود العربية، وأعرب عن قلقه للمسؤولين الإسرائيليين بهذه المعلومات. وخلال اجتماعه مع جولدا مائير قالت له: "أنهم يذهبون للحرب، والآن ليس لدينا شك، يجب تحذيرهم قبل فوات الأوان، يجب منع سفك الدماء". ويكتفي كيتينج بسؤال واحد: "هل ستسبقي وتطلقين النار؟"، وترد جولدا: "لا .. سأبذل كل ما في وسعي لإقناع زملائي بألا نكون البادئين بفتح النيران". ويبعث السفير الأمريكي في إسرائيل، برسالة عاجلة عن حديثه مع رئيسة وزراء إسرائيل إلى وزير الخارجية "هنري كيسنجر" الذي يتصل، بدوره، فوراً، برئيس الولايات المتحدة الأمريكية "ريتشارد نيكسون" في مقر إجازته بفلوريدا.

ويصدر الرئيس الأمريكي أوامره لوزير خارجيته، باستخدام الخط الأحمر فورا وإبلاغ الكرملين بالخطر المنتظر، وكذلك إبلاغ سكرتير عام الأمم المتحدة "كورت فالدهايم" بما يجري. ويتفقان على إرسال رسالة عاجلة أيضاً إلى رئيس مصر.

كان وزير الخارجية المصري "الدكتور حسن الزيات" موجودا في نيويورك حيث اتصل به هنري كيسنجر وقال له: "ما فائدة أعمالكم؟ إن إسرائيل تعرف كل شيء، وفي خلال يومين ستعبئ احتياطياتها وتقوم بشن هجوم مضاد حاسم، فكروا في الأمر". ويعد الزيات بنقل ما قاله الدكتور كيسنجر، ويقوم بالاتصال بالرئيس السادات، الذي كان موجوداً في غرفة العمليات الرئيسية.

1. قائد القيادة الجنوبية يصدر أوامره بالاستعداد للحرب

وفي الوقت الذي كان كيسنجر يتحدث فيه مع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، كان جونين قائد الجبهة الجنوبية يتصل تليفونياً من قيادة الأركان العامة في تل أبيب بالجنرال ماندلر في قيادته الميدانية في سيناء ويبلغه أنه قد صدر أمر بتعبئة الاحتياط، ويؤكد أن الهجوم العربي سيبدأ في الساعة السادسة مساء، ويبلغه بإعطاء الأوامر للاستعداد، ولكن بدون تحريك الدبابات.

ويضيف جونين موضحاً: "لا أريد أن يرى المصريون من سواترهم حركة الدبابات، أنهم يستطيعون ملاءمة نيران مدفعيتهم مع تغير حالة التأهب لدينا، ولا أريد أن يكون لديهم إنذار بأننا مستعدون، كما يجب الاحتراس من التصعيد، خاصة إذا لم يكن هناك نية لدى المصريين أساساً لإطلاق النار".

ويتقبل ماندلر هذه التعليمات، ولكنه غير راضي عن الجدول الزمني الذي تحدد له، إذ لو كان المصريون ينوون إطلاق النار، في السادسة مساء، فيجب التبكير بتحريك الدبابات، فالساعة الخامسة تعتبر وقتاً متأخراً جداً. هناك ضرورة لساعتين على الأقل لاستعداد خطة الدفاع التي تسمى "أبراج الحمام"، ومن ثم يُعدل جونين أوامره لبدء تحرك المدرعات في الساعة الرابعة بعد الظهر.

2. الاستعداد للحرب

أصدر ماندلر أوامره، في الساعة الواحدة ظهراً، إلى المواقع بامتصاص الضرب، وهذا التعبير لا يعني الدخول في التحصينات والإعداد للحرب، إنما تعني فقط ارتداء الملابس الواقية والخوذات الصلبة، ووضع الأسلحة في دشمها، والاستعداد لعمليات القصف، كما كانوا يفعلون، في حرب الاستنزاف.

ويتصل قائد القطاع الشمالي بألبرت ماندلر، ليستوضح، هل من الممكن تحريك المدرعات؟ ويرد ألبرت قائلا: "لا! لا تحرك الدبابات".

ويقوم قائد القطاع الأوسط والجنوبي، بجمع قادة الوحدات الفرعية، ويعرف هؤلاء منهما، أن المصريين سوف يطلقون النار في الساعة السادسة مساء، ويجب أن يكونوا مستعدين قبل الموعد بساعة أي في تمام الساعة الخامسة مساءً لتنفيذ الخطة الدفاعية "أبراج الحمام".

وفي نفس الوقت كانت مجموعة من أفراد سلاح المهندسين، تفحص منشآت الإشعال، حيث أبلغوا هذا الصباح، أن الأنابيب المخصصة للتغذية بالوقود إلى حافة القناة معطلة، كان يجب أن يقوموا بالإصلاح، ولكن الوقت كان متأخراً فقد بدأت الحرب.

منذ بضع ساعات انطلقت مركبات جيش الدفاع إلى الطرق لاستدعاء الاحتياط، حيث يتم تجميعهم في مناطق التجمع الخلفية، ويتجهون منها إلى مخازن الوحدات للتزود بالعتاد ثم الإسراع إلى الجبهة، كان الكثيرين من أفراد الاحتياط موجودين أما في المنازل أو المعابد، وبالتالي يسهل تجميعهم.

في حوالي الساعة الثانية خرج الجنرال ألبرت ماندلر، يرافقه نائبه وضابط فرع العمليات وضابط الإشارة، لتفقد مركبات مجموعة قيادته، وبينما هم يمرون بين المركبات، سمعوا فجأة هدير الطائرات، وتطلع ألبرت وضباطه إلى أعلى ليشاهدوا طائرات ميج مصرية تهاجم مطار رفيديم (الميلز) لقد بدأت الحرب.

وبينما يدخل ماندلر وضباطه بسرعة إلى مركز قيادتهم، يتصل جونين بماندلر ويقول له: يجدر بك أن تحرك الوحدات المدرعة إلى الأمام، وعدم الانتظار إلى الرابعة. ويرد ماندلر قائلا: نعم يجدر! إنهم يقصفون رفيديم الآن!. ويتصل ماندلر على الفور بقائد اللواء المسؤول عن القطاع الأوسط والجنوبي، ويصدر له الأوامر بالإسراع بتحريك الدبابات، وفي هذه اللحظة تمر فوق رأسه طائرات الميج المصرية وتلقي بقنابلها على مقربة من قيادته.

3. بدء الحرب

وفي تل أبيب تدوي صفارات الإنذار، وتتدفق السيارات العسكرية الكثيرة والحافلات الخاوية في الشوارع. وفي الشرفات والنوافذ يقف الكثيرون يتطلعون ويسألون ماذا حدث؟.

كان السلاح الجوي هو أقل القوات تأثراً بالمباغتة، كان أمر الاستعداد لتوجيه ضربة وقائية مسبقة، قد جعل الأسراب متأهبة، ومعظم الطائرات مسلحة، ومُعَدّة للتحليق، وعندما جاءتهم أنباء إطلاق المصريين والسوريين للنار، كانوا مستعدين للانطلاق فوراً وتنفيذ المهام التي يكلفون بها.

كانت الطائرات المصرية المهاجمة تبلغ حوالي 200 طائرة، اتجهت 12 طائرة منها إلى شرم الشيخ، لقد اندلعت الحرب على طول المائة والستين كيلومتراً، بمحاذاة قناة السويس، ومنذ الساعة الثانية بعد الظهر وآلاف القنابل والدانات تنفجر في جميع أنحاء الجبهة. قصفت الطائرات منطقة شلومو (شرم الشيخ)، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء، كما قصفت منشآت الميناء العسكري ومطار أوفيرا (مطار شرم الشيخ). وبعد الهجوم وفور أن ابتعدت الطائرات المصرية، اندفعت نحو السماء أعمدة النيران والدخان، وسارع الجنود الذين بوغتوا بالهجوم إلى مواقعهم، وبعد بضعة دقائق، بدأت دوي المدافع، تحاول عبثا إسقاط الطائرات المصرية. ثم جاءت موجة ثانية من الطائرات المصرية بعد لحظات، واستطاعت أن تقصف المطار ومركز الاتصال في شرم الشيخ.

قصفت الطائرات المصرية أبو رديس كذلك مدينة النفط على الضفة الشرقية لخليج السويس. وحرصت هذه الطائرات على تجنب إصابة آبار النفط وآلات الضخ.

ثانياً: الهجوم على المواقع الإسرائيلية في خط بارليف

كانت المواقع الحصينة في خط بارليف، على طول مواجهة القناة، مكونة من ملاجئ خرسانية تحت الأرض، يحيط بها ساتر مرتفع من التراب يغطي مواقع إطلاق النار. وخنادق تربط بين مواقع إطلاق النار مغطاة في بعض المناطق ومكشوفة في مناطق أخرى. (اُنظر شكل أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر)

وفي داخل المنشأة الدفاعية، التي صنعت جوانبه من الصاج المموج، أحس الجنود بأن الأرض زلزلت تحت أقدامهم، وتساقطت الأتربة، وتطايرت شظايا الأسمنت المسلح، وبدأت النداءات في طلب الاستغاثة، وكثر القتلى والجرحى داخل المواقع الدفاعية من جراء القصف الكثيف للمدفعية. كان المصريون يطلقون الهاونات من عيار 240مم لدك الحصون، وأصيب الأحياء من جنود المواقع بحالة هستيرية، وطلبت جميع المواقع معاونة القوات الجوية والمدفعية، ودعم المدرعات كذلك، ووُعِدُوا جميعاً، بوصول الدعم إليهم في أسرع وقت.

انقضت الموجات الأولى من القوات المصرية، المهاجمة من المشاة، وسيطروا بسرعة على الضفة الشرقية للقناة، في المرحلة الأولى للعبور كان هناك حوالي عشرة آلاف جندي مصري على الضفة الشرقية ومن أجل تقويض السواتر الترابية على حافة القناة، استخدم المصريون طلمبات المياه بضغط كبير، ويتسبب ضخ المياه في شق الساتر الترابي. لقد عبر المصريون القناة بمئات الزوارق، وكما يبدو كان المصريون يتوقعون مقاومة شديدة، ولذلك فإنهم يعبرون في أماكن كثيرة، حتى تكون فرصة النجاح كبيرة.

لم يمض ثوان على بدء قصف المدفعية، ألاّ وغُطت مياه قناة السويس بمئات من القوارب، وبداخلها رجال، راحوا يجدفون بكل قوتهم، ليعبرون العائق المائي من الغرب إلى الشرق، لقد ظن الجميع أنه حلم، قال البعض: "هذا غير معقول إنه حلم المصريون يعبرون القناة".

بوغت جنود المراقبة الإسرائيليون فوق الأبراج، بآلاف من الجنود المصريين فوق الساتر الترابي، على الضفة الشرقية للقناة، وأخذوا يتدفقون في كل اتجاه، إنهم يقتربون من الأسلاك الشائكة ويفجرونها، بينما قاذفات اللهب تطلق نيرانها على المواقع الإسرائيلية.

بعد بداية القصف بعشرين دقيقة، ظهرت الدبابات البرمائية على صفحة مياه البحيرة المرة، عند كبريت. كانت هذه المركبات المدرعة البرمائية هي أول من دخل سيناء[4].

احتلت الموجة الأولى من المهاجمين الساتر الترابي، الذي أقامه جيش الدفاع الإسرائيلي، كما سيطرت على أماكن إقامة الجسور. واستخدم المصريون سلالم من الحبال لتسلق الساتر الترابي، وكلما وصلت موجة من العابرين تتقدم الموجات السابقة حوالي 200 م، شرق القناة.

بعد نجاح الموجات الأولى في العبور بدأت القوات المصرية في إلقاء بأجزاء المعديات والكباري في الماء، وربط كل جزء بالآخر، كما بدأوا في إنشاء كباري للمشاة، وعلى هذه الكباري بدأت تتدفق الموجات التالية من الجنود. وفي غضون ساعات قليلة، نجح المصريون في أن ينقلوا إلى سيناء، أكثر من 40 ألف جندي مشاة، كما بدأ أفراد سلاح المهندسين، في إقامة كباري لعبور المدرعات، ليبدأ في الساعة الثامنة مساءً عبور الدبابات المصرية إلى الشرق.

لم تكن المدفعية الإسرائيلية، القليلة العدد، ذات فاعلية في مقاومة المصريين على طول مواجهة الدفاع، كما لم تستطع أن تؤثر على أماكن العبور الكثيرة، وكانت القوات القليلة لجيش الدفاع الإسرائيلي في خط بارليف تجد صعوبة في صد ذلك الطوفان من أفراد المشاة.

اتبع المهاجمون تكتيكا سليما، فقلة منهم فقط هي التي تهاجم الحصون، والجزء الأكبر يلتف حولها لحصارها، لقد كان الهدف الرئيسي للمصريين، هو عزل هذه الحصون، ثم التقدم لمسافة 10 ـ 12 كم شرقي القناة.

أذهلت قوة وحجم النيران الكثيف للمدفعية المصرية، الجنود في حصونهم، وكذلك قادة إسرائيل الذين كانوا يتلقون بلاغات متشابهة عن الموقف من كل المواقع، "المصريون يعبرون بأعداد كبيرة". وعندما تحركت الدبابات، وقعت تحت نيران المدفعية، ثم تلقفتها الصواريخ المضادة للدبابات، ولم يصل إلى هدفه إلا أعداد قليلة العدد والفاعلية.

هكذا انقضتْ اللحظات الأولى من حرب عيد الغفران على خط بارليف، وبالرغم من الأوامر التي صدرت بالتأهب الدفاعي على الخطوط، فإن المباغتة كانت كاملة، فلم يكن يتصور أحد عبور آلاف من الجنود المصريين في وقت وجيز.

بدأت تتجمع المعلومات لدى قيادة جبهة سيناء عن اتجاهات العبور، وحجم الخسائر من القتلى والجرحى، وبدءوا يدركون أنه عبور شامل، ولكن صورة القتال مازالت غير واضحة.

في الساعة الرابعة انقطع الاتصال مع الموقع المحصن في الكيلومتر 10 جنوبي رأس العش "بالقطاع الشمالي". وكان قائد هذا الحصن قد أبلغ مع بدء العبور أن الجنود المصريين يهاجمونه، حيث سمعت أصوات القتال بوضوح في أجهزة الاتصال، ولكن الاتصال قطع، ولا يُعرف ماذا حدث. وتصل إشارات قادة الوحدات المدرعة إلى قائد الجبهة عن تزايد خسائرهم، وفي البداية اعتقد القادة الإسرائيليون أن دبابات جيش الدفاع الإسرائيلي سوف تكتسح المشاة المصريين بسهولة، ولكن المعلومات تؤكد أن القوات المصرية تواجه الدبابات وتدمرها، وتكرر في أجهزة الاتصال، إشارة ذات مضمون واحد: "إنهم يطلقون علينا آلاف الصواريخ والمقذوفات، وعدد الدبابات يتناقص من كثرة الإصابات، إن صواريخ ساجر تعطيهم ذراعا طويلة أكثر من رشاشات الدبابات". ومع تزايد خسائر الدبابات، أصدر الجنرال جونين أوامره لقادة الوحدات المدرعة بعدم الاقتراب كثيراً، وأن يطلقوا النار على المشاة المصريين من مسافات كبيرة. ومع هبوط الظلام يتحسن الموقف قليلاً، حيث يمكن أن يُوفر ملجأً آمنا للدبابات من صواريخ "ساجر".

وفي مخازن الطوارئ الإسرائيلية يزداد الضغط على أفراد المخازن، الجميع يريدون تسلم الأسلحة، ويضطر المسؤولون عن المخازن لتسليم الأسلحة بعجلة دون التقيد بالنظم واللوائح. كانت المشكلة عدم وجود العتاد الكافي للجميع، فهناك نقص في الرشاشات، والرشاشات في العربات المدرعة بدون مساند، بل أن بعض الدبابات بدون رشاشات، وبعضها بدون أجهزة التنشين، إنهم يذهبون للحرب وهم غير مستعدين كما يجب.

بعد ساعات يصل رئيس الأركان الجنرال دافيد أليعازر، إلى قيادة الجبهة الجنوبية، ويقدم له الجنرال جونين تقريره عن الموقف، حيث يوضح التقرير أن جزءا كبيرا من الدبابات أصبح غير صالح تماما، سواء نتيجة للإصابات أو الأعطال الفنية، كان الموقف سيئ للغاية أمام القيادة الإسرائيلية.

ثالثاً: موقف السلاح الجوي الإسرائيلي

في الساعة الثانية والنصف، أصدر قائد السلاح الجوي الجنرال باني بيليد أوامره بتخصيص العديد من الطائرات التي عملت في صد الهجوم الجوي المصري، لتهاجم المصريين على طول جبهة القناة. كان لدى الطيارين ساعتين فقط قبل حلول الظلام. وفي الظلام سيكونون مقيدين في عملياتهم. كانت التعليمات التي صدرت هي ضرب أي هدف يظهر لهم، وهي مهمة صعبة، لأن المصريين يعبرون بالفعل، وقد تداخلوا مع الجنود الإسرائيليين، ومن الصعب التمييز بين هؤلاء وأولئك. وخلال هاتين الساعتين خرجت حوالي 200 طلعة تجاه قناة السويس وخليج السويس، لم تستطع الطائرات التعامل مع بطاريات الصواريخ، وكانت أهدافها محددة ضد الفرق المصرية التي تعبر القناة، وخلال هاتين الساعتين فقد السلاح الجوي خمس طائرات سكاي هوك وطائرة فانتوم.

كان بيان جيش الدفاع الإسرائيلي، عن بدء الحرب قصيرا جدا: "ابتداءً من الساعة الثانية، تهاجم القوات المصرية والسورية سيناء وهضبة الجولان في الجو والبحر والبر، وبعد سلسلة من الغارات الجوية على مواقعنا، بدأت القوات المترجلة في هجوم بري، وقد عبرت قوات مصرية قناة السويس في عدة أماكن، وبدأت قوات سورية في الهجوم بالمدرعات والمشاة على طول الخط في هضبة الجولان وتعمل قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ضد المهاجمين، وتجري في الجبهتين معارك في الجو وفي البر".

رابعاً: تطور الموقف القتالي على جبهة القناة وصمود بعض المواقع الحصينة

في الساعة الثالثة بعد الظهر، كان واضحا "لماندلر" أن المصريين يشنون هجوما كبيرا على طول المواجهة. وبعد ساعة وضح أن عبور القناة كان عملية برمائية كبيرة وتم بكل القوات المصرية. لقد حاول جونين فهم المعركة، في مركز قيادته، من خلال التقارير التي وصلته، وتمكن من خلال وسائل الاتصال معرفة ما يدور في كل نقطة قوية على امتداد القناة، وحاول لمدة ساعتين التعرف على اتجاه المجهود الرئيسي للعدو، وفي الحقيقة كان تقدير المصريين أن غياب المجهود الرئيسي وعدم وضوحه سيؤدي إلى تأخير الهجوم المضاد الإسرائيلي. وفي الساعة الرابعة أصبح واضحا لجونين أنه لا يوجد مجهود رئيسي، ولكن كان العبور أكثر نجاحاً في القطاع الشمالي للقناة عن القطاع الجنوبي.

واصلت النقط الحصينة في خط بارليف تحمل نيران المهاجمين، وحاولت صد هجمات القوات المصرية، ولكن المصريين تمكنوا من اختراقها. وصدرت الأوامر للجنود الإسرائيليين للجوء إلى الملاجئ الوقائية للحماية من نيران المصريين. كان رد فعل كل نقطة يمثل انعكاسا لدور القادة المحليين، ولكن في حالات كثيرة كان الضباط هم أول المصابين، وبعض النقط استطاعت أن تقاوم الهجمات المصرية.

فعلى سبيل المثال: استطاعت التحصينات في القطاع الشمالي للقناة[5] وهو موقع التينة، شمالي القنطرة، بالرغم من جرح قائد الموقع إلا أن ضابط الصف "أورليف" استطاع أن يصمد حتى صباح اليوم التالي 7 أكتوبر 1973 لهجمات المصريين، وبالرغم من خسائر أفراد الموقع، إلا أنه استطاع أن يسحب باقي القوة والجرحى بعد أن نفذت ذخائرهم، في مركبة نصف جنزير، والتي تمكنت من الانسحاب بالرغم من النيران الكثيفة، وتمكنوا من عبور المدق داخل منطقة المستنقعات، وفي النهاية وصلوا إلى الخطوط الإسرائيلية بالعمق[6].

ومثال آخر في الجنوب من قناة السويس، كان موقع لسان بور توفيق (المسمى "كواي Kwai")، ويواجه هذا الموقع مدينة بورتوفيق، وكان يضم 24 فردا من الجيش النظامي بقيادة "شلومو أردينست"، وقد تمكن هذا الموقع من صد هجوم قوة من المصريين التي كانت تعبر القناة، وأغرقت معظم قواربها. وفي مساء يوم الأحد 7 أكتوبر 1973 بدأت وحدة مصرية بمحاولة اختراق التحصينات من الجنوب، بمساعدة قاذفات اللهب، وقاموا بإشعال النيران بمخازن الوقود بالنقطة الحصينة، وقامت الحامية بصد المهاجمين بالقتال المتلاحم. واستمر هذا الموقع ولمدة ثلاثة أيام ـ وهو محاط بالمياه من ثلاثة أجناب، ومتصل بالأرض بطريق واحد بعرض ستة ياردات ـ يتحمل نيران المدفعية الكثيفة ونيران الدبابات والهجمات المستمرة من الجنود المصريين.

وفي صباح يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1973 لم يتبقى بالموقع سوى عشرة أفراد من المقاتلين، علاوة على عدد من الأفراد الإداريين منهم الطبيب والممرض والطباخ. وفي يوم الخميس 11 أكتوبر 1973 طلبت القيادة من أردنست الصمود لمدة 48 ساعة أخرى، واقترح الطبيب الذي زاد عدد الجرحى لديه بأن يتم التسليم عن طريق الهلال الأحمر. وفي صباح السبت 13 أكتوبر 1973 وبعد أن نفذت معظم الذخائر، قام قائد الموقع بالاستسلام عن طريق الصليب الأحمر[7]. لقد فقد الأمل في وصول أي نجده إليه.

مثال آخر: لموقع بودابست Budapest والذي يقع شرقي بور فؤاد بنحو 15 كم، كان يقوده "موفي اشكنازي". وكان بالموقع فصيلة مشاة وفصيلة دبابات. تمكنت قوة الكوماندوز المصرية، من عزل الموقع من جهة الشرق بعد إبرارها بحرا شرقي الموقع بمسافة كيلومترين، وحاولت القوة المصرية الهجوم من غرب النقطة، ولكنها فشلت، وقد تعرض هذا الموقع للهجمات الجوية المصرية العنيفة، وتمكنت قوة الكوماندوز المصرية التي عزلت الموقع من إيقاع قوة دعم مدرعة إسرائيلية كانت قادمة لنجدة الموقع، في كمين استطاع أن يدمر هذه القوة. بينما استمرت المدفعية الثقيلة في قصف الموقع بلا انقطاع.

انسحبت قوة الكوماندوز المصرية تحت ضغط هجمات الاحتياطي المدرع الإسرائيلي مساء يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1973، وواصلت القوات الجوية المصرية قصف الموقع يوم الأربعاء 10 أكتوبر 1973. وفي الحادي عشر من أكتوبر 1973 تم تغيير قوة الموقع، بعدما تحملته من خسائر، بقوة أخرى جديدة. ومرة أخرى تم عزل بودابست بواسطة وحدة من الصاعقة المصرية، ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من فتح الطريق شرقاً إلا بعد قتال عنيف قامت به القوات الإسرائيلية، واستمر الاحتفاظ بهذا الموقع حتى نهاية الحرب، وكان الموقع الوحيد من خط بارليف الذي لم يسقط في أيدي المصريين. ولكنه استنزف جزءً غير يسير من الاحتياطيات، لفتح الطريق إليه، كلما قطعه المصريون.

أثبتت بعض المواقع قدرتها على تحمل نيران المدفعية المصرية، والهجمات المستمرة، بل أن بعض المواقع قاتلت قتالاً مريراً حتى قتل وجرح كل من فيها. ولكن أسوأ ما واجهه الخط الإسرائيلي من التحصينات، هو عدم وضوح الرؤية للموقف على طول القناة حتى صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973.

1. ديان يعد بتدمير القوات المصرية

في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973، يلتقي وزير الدفاع بالصحفيين، ويقول لهم: "غدا مساءً عندما يصل الاحتياط إلى الجبهة، سوف تبدأ الحرب الحقيقية، وسوف نحول المنطقة إلى مقبرة كبرى لهم. سوف يدمر جيش الدفاع الإسرائيلي، المصريين، بضربة شديدة، وسوف ينتهي القتال بانتصارنا في الأيام القادمة.

2. الخطة "يوفاني يوئيم" أو أبراج الحمام وتنفيذ الهجمات المضادة بالألوية المدرعة

في مركز قيادة ماندلر، كانت صورة الموقف على امتداد القناة غير واضحة كذلك، فقد كانت وحداته المدرعة تتحرك في اتجاه القناة، ولكن لم تكن هناك دلائل واضحة عن موقفها وكان التقدير العام أن العبء الرئيسي للهجوم سيقع على القطاع الشمالي. ولذا فقد تم توجيه اللواء المدرع بقيادة الكولونيل "جابى أمير" في اتجاه الشمال، وتوجيه اللواء المدرع الأخر بقيادة الكولونيل آمنون ريشيف في المنتصف، بينما أمر اللواء المدرع الثالث بقيادة الكولونيل "دان شمرون" بالتحرك من خلال ممر الجدي والاتجاه صوب جنوب البحيرات.

3. أعمال قتال القطاع الشمالي

بمجرد تحرك قوات الكولونيل "جابي أمير في القطاع الشمالي، قامت المدفعية المصرية بفتح النيران على وحداته، ولذلك فقد قسم قواته في مجموعات، وحاول تحقيق الاتصال بالمواقع الحصينة. أرسل جابي مجموعة قتاله الأولى إلى حصن "مفركت Mifreket" شمال جزيرة البـلاح، ولكنها دمرت. وتقدمت مجموعة القتال الثانية إلى شرقي القنطرة، للاتصال بالموقع الحصين "ميلانو Milano" وفشلت في الوصول إليه. خلال مساء يوم السبت، قام جابي بتوجيه ثلاث هجمات متتالية، ولكنه لم يحقق أي نجاح وفي صباح الأحد اصدر الجنرال كلمان ماجن، قائد القطاع الشمالي، أوامره إلي جابي بالانسحاب وإخلاء خسائره الكـبيرة، كما صدرت التعليمات بإخلاء تحصينات "مفركت". واستطاعت دبابتين من قوات جابي من الوصول إلى القناة، وتدمير أحد الكباري المصرية بالقرب من الفردان وسرعان ما دُمرت هاتين الدبابتين بالأسلحة المصرية.

لقد منيت الهجمات المضادة لقوات جابي، بخسائر كبيرة ولم يتبقى من اللواء سوى عشرون دبابة فقط. وطوال يوم الأحد انشغل جابي في حصر خسائره، وإعادة تجميع ما تبقى من قواته.

4. أعمال قتال القطاع المركزي (الأوسط)

كلف اللواء المدرع بقيادة أمنون ريشيف بالقيام بالهجمات المضادة في اتجاه المحور الأوسط، وعندما أمر ريشيف قواته بالاندفاع إلى المواقع السابق تخطيطها بالقرب من القناة، تعرضت دباباته إلى نيران الصواريخ المضادة للدبابات والسلاح الفردي المضاد للدبابات ر ب ج ـ 7 فقد سبقته وحدات القنص المصرية لاحتلالها، كـما فتحت الدبابات المصرية نيرانها من السائر الترابي بالضفة الغربية للقناة من مواقع تسيطر على طـرق الاقتراب للحصون الإسرائيلية، ودمرت دبابات ريشيف ولم يتبقى من لواء أمنون ريشيف سوء دبابتين استمرتا في القتال في المنطقة المواجهة للإسماعيلية، واستمرت موجات المشاة المصرية في التقدم، ولم يعد هناك أثراً للواء ريشيف.

5. أعمال قتال القطاع الجنوبي

نتيجة لتعرض اللواء المدرع تحت قيادة دان شمرون[8]، لهجمات الطائرات المصرية في الساعة الثانية ظهراً، قام بتقسيم قواته إلى ثلاثة مجموعات:

·   المجموعة الأولى بقوة كتيبة مدرعة وتعمل خلال ممر متلا.

·   المجموعة الثانية، بقوة كتيبة مدرعة وتعمل خلال ممر الجدي.

·   المجموعة الثالثة بقوة كتيبة مدرعة في النسق الثاني وتعمل خلف المجموعة الثانية. وبذلك أصبحت مواجهة لواء شمرون تصل إلى نحو 35 ميلاً في المنطقة الواقعة بين تقاطع الطرق بمنطقة البحيرات المرة وحتى رأس مسلة جنوباً[9].

 كانت القوات المصرية في هذا القطاع متفوقة بنسبة كبيرة على قوات دان شمرون حيث وصلت نسبة التفوق في الدبابات فقط إلى نسبة 6 : 1. وكان هدف شمرون تحقيق الاتصال بمختلف النقط الحصينة الإسرائيلية في هذا القطاع، والتي تم محاصرتها بواسطة القوات المصرية. عندما بدء لواء شارون التحرك في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، كانت قوته 100 دبابة، وفي الساعة الثامنة صباح يوم 7 أكتوبر 1973 أصبح المتبقي منها 23 دبابة فقط. لقد فقد شمرون ثلثي دباباته ورجاله خلال ليلة واحدة من القتال، ولم يستطع تحقيق الاتصال بأي نقط حصينة.

كان مؤكداً لدى قيادة الجبهة الجنوبية مساء يوم السبت 6 أكتوبر 1973، أن القوات المدرعة لم تستطع الوصول إلى المواقع الحصينة، وأن الهجمات المضادة لم تحقق أي نجاحٍ، حتى صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973. وفي مساء يوم السبت توجه الجنرال دافيد أليعازر إلى الجنرال جونين قائد الجبهة الجنوبية، ونصحه بإصدار الأوامر بسحب الأفراد من النقط القوية الحصينة، التي تتعرض للخطر، مع الإبقاء على النقط القوية التي تعيق تطوير الهجوم المصري شرقاً.

خلال ليلة 6/7 أكتوبر 1973 تمكنت وحدات الكباري المصرية من إنشاء الكباري عبر القناة، حيث تعرضت هذه الكباري في اليوم التالي للهجمات الجوية الإسرائيلية، والتي اسـتطاعت إتلاف الكثير منها. وبالرغم من ذلك، فقد تمكن المهندسون المصريون من سرعة إصلاحها وتشغيلها، واستمر تدفق القوات المصرية دون توقف.

وفي نهاية يوم 6 أكتوبر 1973، وجد الجنرال "ماندلر" أنه فقد اكثر من ثلثي دباباته، التي بدأ بها القتال. ووجد جونين أنه لا توجد معاونة جوية حقيقية، ولا يوجد أي حل للموقف المتأزم حتى تصل الاحتياطيات.



[1] كانت هذه التدريبات جزء من خطة الخداع المصرية التي كانت ناجحة بدرجة كبيرة.

[2] من أشـهر قادة المدرعات الإسرائيلية، قتل خلال الحرب يوم 13 أكتوبر 1973، كان يُعْرَفْ بأنه من أكثر ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي انضباطاً والتزاماً، كان قليل الكلام، يبلغ من العمر 45 عاما، كان قائداً للواء المدرع خلال حرب عام 1967 في جبهة الجولان، حيث تمكن من اختراق الخط الدفاعي السوري في الجولان.

[3] كان جونين قد اتصل قبل عودته من تل أبيب، أثناء حضوره "مؤتمر رئيس الأركان" وأبلغ ماندلر بأن يبدأ تحريك المدرعات لاتخاذ أوضاعها في الساعة الخامسة مساء وقبل بدء الهجوم المصري الذي كانت قد وصلت المعلومات لديهم بأنه سيبدأ في السادسة مساءً.

[4] يقصد وحدات اللواء 130 مشاة أسـطول التي عبرت من منطقة البحيرات والتي تكونت من 2 كتيبة برمائية وكتيبة دبابات برمائية.

[5] واسمها الرمزي بالعبرية "كتوبا Ktuba"

[6] الموقع المشار إليه هو إحدى النقط القوية في رقبة الأوزة شمالي القنطرة، وهناك مبالغة بطبيعة الحال في سرد هذا الحادث، لأن أفراد الموقع قاموا بالانسحاب قبل الهجوم عليهم يوم 6 أكتوبر 1973 ناجين بحياتهم وقبل الأسر أو القتل.

[7] نظرا لانعزال هذا الموقع عن الجبهة فقد صدرت التعليمات من القيادة المصرية بمحاصرة هذا الموقع حتى يتم استسلامه من أجل الحصول على أعداد كبيرة من الأسرى الإسرائيليين"، وبالفعل نجح الحصار في تحقيق هذا الهدف، وكان يمكن نسف الموقع بالكامل بواسطة المهندسين المصريين وقتل من فيه، ولكن كان هناك هدف أهم، هو الحصول على أسرى.

[8] دان شمرون هو من جيل الصابرا ومولود في كوبوتز، وكان ضابط في سلاح المظلات، وهو الذي قام بعملية عنتيبي، لفك أسرى الأفراد الإسرائيليين المحتجزين في أوغندا، والمعروف أن دان شمرون تولى منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

[9] تقع رأس مسلة على مسافة 12 ميلاً جنوب السويس.