إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث التاسع

القتال شرق القناة

من يوم 9 أكتوبر حتى يوم 14 أكتوبر

أولاً: أعمال قتال يوم 9 أكتوبر 1973

في صباح يوم 9 أكتوبر 1973، كان شارون يسعى لإحراز نصراً لم يحققه زملاؤه الجنرالات مندلر وآدن، ويبعد الصورة السيئة التي ظهر عليها بالأمس لعدم الإسراع بمعاونة آدن. اختار شارون ميدان المعركة بنفسه، حيث تتدرج ارتفاعات الأرض من الغرب إلى الشرق، ويسهل على المهاجم من الشرق الاندفاع بشدة في اتجاه المدافع في الغرب. واختار هدف هجومه ليكون في اتجاه الدفرزوار وهي الأرض التي تسمح له بتحقيق نجاح، حيث سبق له أن درب قواته على مثل هذا الهجوم والعبور من قطاع الدفرزوار عندما كان قائداً للجبهة الجنوبية.

وعلى المستوى السياسي داخل إسرائيل، كان هذا اليوم يوماً صعباً لموشي ديان، الذي انتابته أزمة تشاؤم لم يفق منها، كان ديان يتحدث إلى مرؤوسيه، وإلى القيادة السياسية طالباً الانسحاب إلى الخط الثاني، و"كان يقصد الانسحاب إلى خط المضايق".

ويقول ديان للصحفيين المذهولين، "ليس لدينا الآن قوة لإلقاء المصريين وراء القناة، بدون أن نستنزف قواتنا تماما تقريباً، إذا حاولنا ذلك، فسوف نفقد قوتنا ونظل في دولة إسرائيل بدون قوة، ما يجب علينا أن نفعله هو الاستعداد في خطوط أخرى. وهكذا أيضا في الجزء الجنوبي من سيناء، فهناك الطريق مفتوح، علينا أن نقيم خطا دفاعيا في مكان ما بين القناة وسلسلة الجبال بحيث لا يستطيعون اجتيازه، وهم لن يستطيعوا اجتياز هذا الخط إذا استعددنا جيداً، وسيظهر أمام العالم كله أننا لسنا أقوياء أكثر من المصريين".

قررت رئيسة الوزراء، تعيين حاييم بارليف مساعداً لقائد الجبهة الجنوبية الجنرال جونين. ولم يكن جونين راضياً على الإطلاق عن هذا القرار.

من وجهه أخرى فقد استطاع المصريون أن يدعموا قواتهم، على طول القناة، بنحو 700 دبابة، وتمكنوا من إصلاح الجسور التي أصيبت، وتدفقت عليهم الإمدادات الكثيرة من الدول العربية والسوفيت، واستطاعوا أن يمدوا خطوط المياه والوقود وكوابل الاتصال تحت سطح الماء في القناة.

لقد أصبحت المشكلة الرئيسية لجيش الدفاع الإسرائيلي، هي عدد الدبابات الصالحة للعمل، فلقد أصبح عدد كبير غير صالح للاستعمال إما لأسباب فنية، أو من الإصابات المباشرة، رغم نجاح الأطقم الفنية في إعادة الكثير منها إلى المعركة، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد الدبابات في فرقة آدن نسبياً.

1. القتال في قطاع الدفرزوار يوم 9 أكتوبر 1973

صباح يوم 9 أكتوبر 1973 وبعد عودة مجموعة العمليات الرقم 143 المدرعة إلى مكان تمركزها جنوب الطريق الأوسط ليلة 8/9 أكتوبر 1973، أصدر شارون أوامره إلى قادة الألوية الثلاث، (آمنون ريشيف، حاييم اريز، وتوفيا رفيف) بالاستعداد لخوض معركة حاسمة من أجل احتواء الهجوم المصري. وحدد لكل واحد منهم قطاع هجومه، فكان على حاييم الهجوم على منطقة هاموتال Hamutal "جنوب الطريق الأوسط"، أما توفيا فيهاجم منطقة ماكشير Machshir، بين الطريق الأوسط ووصلة الدفرسوار، وعلى آمنون تحقيق الاتصال مع النقطة القوية بوركان شمال الإسماعيلية شرق. (اُنظر شكل هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع)

في الصباح الباكر استطاع عدد من الدبابات والمركبات المدرعة من لواء آمنون، أن تخترق غرباً على طريق تاليسمان Talissman، (الطريق الأوسط)، في المنطقة شمال "هاموتال" أي في الشمال الشرقي لبحيرة التمساح"، ولكن الصواريخ المصرية تمكنت من تدمير 3 مركبات مدرعة منها.

كما اصطدمت عناصر لواء توفيا بهجوم لللواء 14 مدرع المصري، ومن ثم قرر شارون دفع عناصر مدرعة للهجوم في مناطق تليفزيا Televizia وماكشير على الطريق العرضي الرقم (2) جنوب الطريق الأوسط "طريق تليسمان" من أجْل السيطرة على تقاطع الطريق الأوسط مع الطرق العرض الرقم (2).

وفي الساعة السابعة صباحاً هاجم لواء (حاييم) منطقة هاموتال، وبدأت المصاعب تواجهه، إذ اصطدم بعناصر المشاة المخندقة، المدعمة بالصواريخ المضادة للدبابات، وأصبح في موقف معقد للغاية، لقد قاتل الرجال بشجاعة، ولكن القوات المصرية لم تترك له فرصة وتصاعدت خسائره بسرعة، فكل قادة السرايا الثلاث من إحدى الكتائب وكذلك قادة الفصائل وقادة أطقم الدبابات أصيبوا، حتى دبابة قائد الكتيبة أصيبت. ووافق قائد اللواء على الانسحاب بينما يتم إخلاء الخسائر، لم يكن باقي سوى 7 دبابات فقط سليمة، من إجمالي 24 دبابة.

بينما القتال دائر بين الجانبين، تمكنت قوة صغيرة من لواء آمنون من دبابتين وأربع مركبات مدرعة التقدم على طريق "تاليسمان" بالقرب من منطقة هاموتال، كان عليهم إخلاء الأفراد المحاصرين في الموقع رقم 6 Purkan، واتجهوا نحو الغرب لمقابله الأفراد المنسحبين من الموقع، حيث استطاعوا بالفعل أن يقابلوهم، إلا أن النيران المصرية لاحقتهم، وأصيبت 3 مركبات مدرعة دفعة واحدة، واضطروا إلى حمل الأفراد المنسحبين، والبالغ عددهم نحو ثلاثين فرداً، بالمركبة الرابعة وفي الدبابتين.

بينما القتال يدور في منطقة هاموتال، قرر الجنرال شارون، أن يستولى على الهدف، ماكشير "Machshir"[1] وكلف لواء "توفيا" Tovia بهذه المهمة، الذي قرر الهجوم من اتجاه الشرق، ولكن الاقتراب من هذا الطريق كان صعبا، خاصة أن هذه المنطقة تقع تحت تأثير نيران المدفعية المصرية. قتل قائد الكتيبة المكلف بالهجوم، بل أن نائب قائد اللواء الذي تولى قيادة هذه الكتيبة قتل هو الآخر وفشل الهجوم وتوقف لواء "توفيا" إلى الشرق من "ماكشير". بعد ساعتين تقريباً (الساعة التاسعة والنصف صباحاً).

تقدم اللواء 14 مدرع المصري (60 دبابة) في اتجاه هاماديا Hamadia، وهـي المنطقـة الواقعـة بين وصلة الدفرزوار مع الطريق العرض الرقم 2، فوجهت نيران وحدات المدفعية الإسرائيلية ضده، واشتبكت معه الدبابات في معركة استمرت نحو الساعة، تمكنت القوات الإسرائيلية خلالها تدمير 35 دبابة في مقابل دبابتين إسرائيليتين، وفي الساعة العاشرة والنصف بدأت الوحدات المدرعة المصرية في التراجع.

قرر شارون استغلال النجاح والهجوم بلواءين في اتجاه منطقتي، تليفزيا وميسوري شرق طوسون، واستمر القتال لمدة أربعة ساعات تكرر خلالها الهجوم أربع مرات، واستطاعت دبابات شارون تدمير الدبابات المصرية، وفي المقابل خسرت مجموعة شارون 40 دبابة. قرر شارون دفع لواء توفيا للقتال من الشرق إلى الغرب على ثلاثة محاور لمهاجمة منطقة ماكشير من الشمال ومنطقة تليفزيا من اتجاه "هاموتال" والاتجاه الثالث من كيشوف Kishuf في الجنوب في اتجاه ميسوري وهي مناورة صعبة. وقعت القوات المهاجمة بين هاموتال وماكشير تحت تأثير الصواريخ الساجر، ودُمر منها 13 دبابة وتركت 7 دبابات منهم لم يتم إخلاءها، وتم إخلاء بعض الجرحى وفقد 12 فرد لم يتم العثور عليهم. أمّا القوة المهاجمة تجاه "تليفزيا" فقد وقعت هي الأخرى تحت تأثير نيران الصواريخ المضادة للدبابات وقتل قائد الكتيبة، ودمر عدد من دباباته، فاضطر شارون لإصدار أوامره بالتوقف عن الهجوم. كانت خسائر لواء توفيا خلال هذا القتال، تدمير 25 دبابة.

في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، أصدر شارون أوامره إلى آمنون بالهجوم على جانبي وصلة الدفرزوار، طريق أكافيش Akavish Road، وهي الوصلة القادمة من الطاسة على الطريق الأوسط إلى موقع الدفرزوار شمال البحيرات المرة والثاني على الطريق الممهد جنوبه وقعت الكتيبة المتقدمة على طريق أكافيش (وصلة الدفرسوار) في ستارة مضادة للدبابات دمرت الدبابات الأربع الأمامية منها، فتراجعت الكتيبة المهاجمة على هذا المحور إلى "كيشوف Kishuf"، على الاتجاه الآخر قتل قائد الكتيبة المهاجم في اتجاه "تليفزيا"، واستمرت الكتيبة في القتال تحت قيادة نائبه حتى استطاعت الاستيلاء على "تليفزيا".

تكرر الهجوم مرة ثانية بعد ساعة، وقبل حلول الظلام، بمساعدة لواء من قوات آدن واستمر الهجوم حتى الساعة السادسة والنصف مساءً ولم يحقق هو الآخر أي نجاح يُذكر.

وجنوباً من طريق "اكافيش"، حدث أمر ملفت للنظر، فقد تمكنت عناصر الاستطلاع المدرعة، بقيادة المقدم " يوآف " من الوصول إلى أقصى الغرب على طريق ليكسيكون، شمال البحيرات المرة، دون أن يواجه بأي مقاومة من المصريين، واكتشفت منطقة غير مغطاة بالنيران، ولا يراقبها المصريون تسمح ببدء أي هجوم دون أي مواجهة، كانت تلك نقطة حاسمة في تاريخ المعارك بعد ذلك[2]. على الفور اتصل شارون، بالجنرال جونين، واقترح عليه أن يترك وحدة الاستطلاع في هذه المنطقة، لكي تقوم بالإعداد للعبور من هذا القطاع في الصباح التالي. لم يوافق رئيس الأركان على هذه الفكرة، وأمر بعودة وحدة الاستطلاع إلى منطقة " كيشوف "، ولكن شارون لم ينفذ ذلك، ومرة ثانية، حاول إقناع جونين بأن فرصة ذهبية يمكن استغلالها، ولكن رئيس الأركان لم يقتنع بالفكرة وأمر بعودة الوحدة مرة أخرى، واضطر شارون لإصدار الأوامر بعودة وحدته، إلا أنها لم تعُد إلا في صباح اليوم التالي.

كان على المصريين في ذلك اليوم أن يستمروا في تطوير هجومهم، حتى الوصول برأس الكوبري إلى طريق عرضي "المدفعية"، والتقدم على طريق الخليج صوب رأس سدر، ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق تقدم يذكر على محور الطريق الأوسط وجنوباً في الوقت الذي حققوا فيه عدة نجاحات بالقطاع الجنوبي.

أمّا قوات ماندلر فقد أصبحت وبعد إمدادها ببعض الدبابات، مكونة من 145 دبابة، موزعة على محوري متلا والجدي على الطريق العرضي وعلى مدخل الممرين كنسق ثاني للجبهة. وقد صدت كل محاولات المصريين للهجوم تجاه ممر الجدي، ولكنهم حققوا نجاحاً في قطاع متلا، فلقد وقع لواء "دان" تحت تأثير هجوم ثقيل من الفرقة السابعة المشاة المصرية وبالرغم من قيام "دان" بتدمير 20 دبابة مصرية، إلا أن المصريين تمكنوا من الاستيلاء على الأرض المرتفعة في منطقة الكثيبات الجنوبية والاستيلاء على الطريق العرضي الرقم 3 "Lateral Road" بالقرب من موقع (نوتسا) Notsa على محور متلا.

وفي الساعة الثانية ظهراً، تمكنت القوة الإسرائيلية المدافعة عن رأس سدر، وهي قوة من المظلات، من إيقاف تقدم القوة المصرية التي دفعتها القيادة المصرية تجاه رأس سدر محدثة فيها العديد من الخسائر، في الوقت الذي قام فيه الطيران الإسرائيلي بمهاجمة هذه القوة مما زاد من حجم خسائرها، فتوقفت وفقد قائدها السيطرة على قواته التي تبعثرت في كافة الاتجاهات.

2. نتائج قتال يوم 9 أكتوبر 1973

نجحت القوات الإسرائيلية في إيقاف هجوم القوات المصرية، وصدها، حيث لم تنجح في كسب أرض جديدة، حتى نهاية الحرب، رغم هجمات المصريين اليومية، وتمكنت القوات الإسرائيلية من التعامل مع المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، باستخدام ستائر الدخان، والنيران الكثيفة للمدفعية، وبذلك استطاعت تقليل تأثير الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.

ثانياً: يوم 10 أكتوبر 1973

كانت إسرائيل تحارب جيوشاً عربية، ولكنها كانت أيضاً تواجه الإمدادات الكبيرة من الاتحاد السوفيتي، خاصة إلى سورية، فمخازن الاتحاد السوفيتي تقع على بعد حوالي ساعتَي طيران من سورية، كما تحركت عشرات السفن محملة بالإمدادات من مواني البحر الأسود.

ويزداد من يوم لآخر تورط الاتحاد السوفيتي في الحرب، حيث تتدفق المعدات والأسلحة والذخائر بكميات كبيرة إلى السوريين والمصريين. وتتجسس السفن السوفيتية المنتشرة في البحر المتوسط لحسابهما، إذ تتنصت على الشبكات الإسرائيلية[3].

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد كانت تعرف الموقف أكثر، وكانت مساعدتها لإسرائيل مهمة بالفعل، إذ وصل يوم 9 أكتوبر 1973، إلى إسرائيل، استعواضاً للطائرات التي خسرتها في أيام القتال الأربعة الأولى، بل أن تلك الطائرات وصلت وعليها علامات السلاح الجوى الإسرائيلي، ويمكن أن تدخل المعركة بعد وصولها مباشرة، وحتى يوم 10 أكتوبر 1973، كان السلاح الجوى الإسرائيلي قد فقد 66 طائرة، وجزء كبير من الطيارين والملاحين قتلوا أو اعتبروا بمثابة مفقودين. كذلك كان المسؤولون الأمريكيون يؤكدون أنه من المهم جداً أن تقوم إسرائيل بتلقين العرب درساً لا ينسوه.

توجه حاييم بارليف رئيس الأركان السابق إلى الجبهة الجنوبية لتولى منصبه، كمستشار لرئيس الأركان بالجبهة الجنوبية. وقبل سفره استعرض بارليف تجارب العبور التي قام بها الجيش الإسرائيلي. كان جونين منزعجاً من وجود بارليف في مركز قيادته، ورغم أن بارليف حاول طمأنته إلا أنه ظل متوتراً.

1. القتال على الجبهة الجنوبية

هبط معدل القتال على الجبهة الجنوبية، وخفت حدته قليلاً ولم يعد هناك سوى عمليات محدودة، ولا توجد معارك كثيرة، ومع حلول الظلام يبدأ الجانبان المصري والإسرائيلي، في مراجعة ما تم طوال اليوم وحصر الخسائر، والاستعداد لإحباط محاولات الطرف الآخر للقيام بعمليات ليلية، وكذلك الإعداد لأعمال قتال الغد.

من نتائج القتال في الأيام الماضية، لاحظ الإسرائيليون، أن أي هجوم مصري، يسبقه عمليات قصف مدفعية شديدة، إذ يكثر المصريون من الاستعانة بضباط الملاحظة الأماميين، وهؤلاء يتوغلون بين الخطوط الإسرائيلية ومن ورائها، ويديروا نيران مدافعهم من مواقع قريبة من الأهداف المضروبة، وفي خلال أيام تعلم جنود الجيش الإسرائيلي، أن قصف المدفعية المباغت عليهم معناها ـ أحيانا كثيرة ـ وجود مجموعة من رجال الملاحظة المصريين مختبئة على مقربة منهم، وبينما النيران على أشدها، يبدءون في البحث عن ضباط الملاحظة المصريين.

كانت الخسائر في أفراد الدبابات كبيرة، وأثناء القتال ظهر قادة أصاغر، تولوا مهام قيادية بعد أن قتل قادتهم، وهناك أطقم دبابات لم يغمض لهم جفن منذ بدأت الحرب، أنهم يقاتلون من الصباح إلى المساء دون أن يعرفوا ماذا يجرى في القطاع المجاور.

كان معدل التغيير في المواقف سريعاً، لدرجة أن العديد من الدبابات قد تغير تشكيل أطقمها، حيث إن الدبابات التي بها جرحى تخلى إلى الخلف، وبعد إخلائهم يتم تشكيل أطقم جديدة للدبابات، وهناك أفراد دبابات استبدلوا ثلاث دبابات أو أكثر، أنهم يحاربون مع أفراد طاقم لم يعرفوهم من قبل، وفي حالات كثيرة لقي أفراد دبابات جدد مصرعهم بدون أن يعرفهم زملائهم في الطاقم. وفي فرقة آدن فقد طاقم إحدى الدبابات قائدهم، الذين تدربوا معه، وعملوا معه طوال سنوات، وعندما يحضرون جثته إلى محطة التجميع، يصعد إلى الدبابة قائد جديد من الاحتياط، وفي خلال حوالي ساعة يلقى مصرعه هو الآخر، ويعودون مرة أخرى. ولا يصدق الرجال في محطة التجميع أعينهم، من مشهد الدبابة وهي عائدة للمرة الثالثة، وهي تحمل معها هذه المرة أيضاً جثة القائد، ويرفضون هذه المرة العودة إلى الدبابة. فالطاقم مذهول بحيث لا يستطيع القتال.

كانت حرب لم يألفها الإسرائيليون، يعالج فيها الأطباء جنوداً كثيرين، مصابين بصدمة القتال، مئات المصابين بهذه الصدمة، والكثير منهم يحتاج إلى علاج نفسي، هناك من نسوا أسماءهم، وهؤلاء يجب إرسالهم سريعاً إلى المستشفيات في الخلف.

2. موقع قطع بورفؤاد

بعد خمسة أيام من الحصار، نجحت قوة ماجن اقتحام الموقع المحصن المحاصر على ساحل البحر والمعروف لدى المصريين باسم موقع قطع بور فؤاد، والذي يسمى لدى القيادة الإسرائيلية باسم "موقع بودابست"، حيث تمكنت عناصر المظلات بالتعاون مع الدبابات وبجهد مشترك من اقتحام الطريق الساحلي إلى هذا الموقع من اتجاه الشرق، وكان هذا الموقع الوحيد الصامد في القتال إلى النهاية. كان هناك موقع آخر لا زال محاصر، في لسان بور توفيق، ولا زال صامداً.

الجديد في الموقف بعد أربعة أيام قتال طويلة، وصول تعزيزات جديدة إلى الجبهة، خاصة وحدات المدفعية، حيث وصلت العديد من وحدات الهاوتزر عيار 155مم، والهاونات الثقيلة عيار 160 مم، والهاونات 120مم.

3. أعمال القتال الرئيسية على الجبهة المصرية يوم 10 أكتوبر 1973

بدأت هجمات القوات المصرية الساعة العاشرة صباح يوم 10 أكتوبر 1973، لتوسيع رؤوس الكباري، ولكن بقوة محدودة، لا تتعدى كتائب مشاة أو دبابات، وأشتد القتال بين الجانبين وتدمر لكل طرف عدد من الدبابات.

تركز هجوم المصريين في اتجاه "هافيفا"، في شرق قطاع الفردان، وبدأت قوات آدن تدعم أوضاعها لصد الهجوم المصري، وبدأت الكاتيوشا المصرية تصب نيرانها على وحدات فرقة آدن.

تمكنت القوات الإسرائيلية من صد الهجوم وإحداث تدمير في بعض الدبابات، وأبلغت عناصر الاستطلاع عن تحركات القوات المدرعة المصرية على الاجناب، فاتجهت إليهم الدبابات الإسرائيلية لملاقاتهم وتمكنت من تدميرهم، ومع ذلك استمر ضغط وحدات المشاة، وتصاعدت الخسائر الإسرائيلية حيث قتل بعض قادة السرايا ونواب قادة الكتائب، واستطاعت الصواريخ "ساجر" والقواذف ر. ب. ج ـ 7 التي تطلق من مسافات قصيرة أن تدمر العديد من الدبابات الإسرائيلية مجدداً. كان الموقف خطيراً، سرعان ما وجهت نيران المدفعية على القوات المصرية المهاجمة، بتوقف الهجوم من شدة النيران، وتراجع المصريون غرباً على طريق "أروف Arov" "شمال الفردان"، تاركين العديد من الخسائر خلفهم، لقد أطلقت وحدات المدفعية الإسرائيلية 4700 قذيفة على مدار هذا اليوم، تزن نحو 250 طن، واستطاعت المدفعية الإسرائيلية من معاونة القوات، على الرغم من القصف المضاد عليها من المدفعية المصرية.

وعاود المصريون هجومهم بعد ساعتين (الواحدة ظهراً) بآلالاف من جنود المشاة المدعمة بالدبابات، بدأ الهجوم هذه المرة من (أروف) في اتجاه زراكور "Zrakor"، شرق البلاح، ووقعت القوات الإسرائيلية تحت ضغط الهجوم المصري، ووقع العديد من الخسائر في لواء جابي من قوات آدن، كما وقعت القوات الإسرائيلية تحت تأثير نيران المدفعية والكاتيوشا المصرية، ودمرت العديد من الدبابات في منطقة "هافراجا Hafraga" "جنوب شرق البلاح"، استمرت الهجمات المصرية في الضغط على وحدات آدن شرق الفردان والبلاح. حتى تمكن لواء جابي من إيقاف الهجوم المصري تجاه اروف بعد أربعين دقيقة عصيبة من بدءه. ومع ذلك فقد استطاع المصريين أن يوقعوا العديد من الخسائر في الدبابات الإسرائيلية باستخدامهم الدقيق للصواريخ "ساجر".

وفي الساعة الثانية عاود المصريون هجومهم، تحت ستر نيران مدفعيتهم، التي تمكنت من تدمير عدد من الدبابات الإسرائيلية، ولكن هذا الهجوم لم يحقق نجاحاً، بسبب كثافة نيران المدفعية الإسرائيلية، والتي بدأت تؤثر على الهجوم المصري. كرر المصريين الهجوم في قطاع لواء "ناتك"، على محور الطريق الأوسط، بإعداد كبيرة من الدبابات والمركبات المدرعة المصرية والآلاف من المشاة، واستمر القتال لمدة ساعة كاملة، لم يكن لدى "ناتك" وحدات مشاه، وهو في حاجة شديدة إلى دعم من المشاة على وجه السرعة، لقد تحملت دباباته العديد من الخسائر، وكانت نقطة ضعف كبيرة، أن الوحدات المدرعة لا تعمل معها وحدات من المشاة، إذ كانت المشاة محملة في المركبات نصف جنزير ولا يمكنها مرافقة الدبابات.

مع تزايد حجم الخسائر في قوات آدن، قرر الجنرال جونين سحب إحدى كتائب دباباته واستبدالها بأخرى أقل خسائر على حساب وحدة أخرى. التي حدثت بها مزيد من الخسائر.

ثالثاً: أعمال قتال يوم 11 أكتوبر 1973

قامت وحدات كوماندوز إسرائيلية بالإغارة خلف الخطوط المصرية، إذ نقلت قوة من المظلين بالطائرات العمودية إلى جبل عتاقة غرب السويس، وقصفوا على مدى 25 دقيقة إحدى مراكز القيادة المصرية، في السهل الواقع تحتهم، ورغم أنها عملية ثانوية إلا أنها ساهمت في رفع الروح المعنوية للمظليين وقيادتهم، وليزداد الاعتماد عليهم في المراحل التالية.

وعلى طول القناة توقف الهجوم المصري، واستطاعت وحدات الجيش الإسرائيلي أن تتوقف على طريق المدفعية (الطريق العرضي الرقم 2)، وكان من الواضح أن القوات المصرية تسعى للسيطرة على هذا الطريق، والقطاعات على جانبه، وكذلك على التلال المجاورة له.

إلا أنه يبدو أن المصريين كانوا غير قادرين على استكمال المرحلة الثانية من هجومهم، لاقتحام متلا والجدي، لذلك يديرون حرب استنزاف ضد القوات الإسرائيلية، ويتمسكون برؤوس كباري الفرق الخمس شرق القناة. فكرت القيادة الإسرائيلية، منذ هذا اليوم، كيفية استعادتها للتوازن على الجبهة المصرية، خاصة بعد تصفية الموقف تقريباً على الجبهة السورية لمصلحة إسرائيل، بفضل الأسلحة الأمريكية. وكان التوازن المطلوب غير متيسر إلا بالعبور غرب القناة، واختراق مؤخرة القوات المصرية.

أصبح عبور القناة ضرورة، وقد تدرب الجيش الإسرائيلي على مثل هذا إلاحتمال، وفي القيادة الجنوبية ملفات تفصيلية عنه. كما قامت القوات بمناورة كاملة على هذا النمط، عندما كان شارون قائداً لقيادة الجبهة الجنوبية، وفي نفس المنطقة تقريباً، تقرر أن يكون العبور عند البحيرة المرة، حيث تركت القيادة المصرية ثغرة كبيرة بين الجيشين، وكذلك كانت طبيعة الأرض تسمح بالهجوم من هذا الاتجاه، كما أن غرب القناة به قناة مائية عذبة واحدة، ومن وراءها سهل كبير تستطيع المدرعات أن تعمل فيه بحرية.

رابعاً: أعمال قتال يوم 12 أكتوبر 1973

خلال الليل فشلت محاولة الكوماندوز البحري[4] للوصول عن طريق خليج السويس، إلى حصن اللسان (موقع لسان بورتوفيق) المحاصر من كل جانب، والذي يطل على بور توفيق ومدينة السويس، لقد ظل هذا الحصن يقاتل منذ بدء القتال يوم 6 أكتوبر 1973 تحت قيادة "شلومو أردي نست" وهو ملازم يبلغ من العمر 21 سنه، وكان معه 37 فرداً من بينهم كثير من الجرحى، وخمسة قتلى.

وخلال ليلة 11/12 أكتوبر 1973، تقرر القيام بجهد أخير لتخليص أفراد الحصن، بواسطة وحدة كوماندوز بحرية، باستخدام الزوارق، وبعد اقتراب رجال الكوماندوز من هدفهم، فتحت المدفعية المصرية نيران كثيفة عليهم من كل جانب، وأصابت الشظايا العديد من الزوارق. كان لاكتشاف العملية مبكراً، أثره في الخسائر العديدة التي لحقت بالكوماندوز البحرية ومن ثم صدرت الأوامر بالإسراع بالعودة وإلغاء العملية.

في المقابل، وفي نفس اليوم استسلم 25 فرداً من الكوماندوز المصريين، الذين كانوا قد أبروا بالقرب من الطاسة من عدة أيام، بعد انتهاء ذخائرهم ومؤنهم، فاستسلموا لأفراد الاستطلاع دون قتال.

طار بارليف إلى هيئة الأركان العامة، ومعه خطة العبور المقترحة بخطوطها العامة، فقد كانت عملية عبور القناة إلى الغرب يحتاج إلى تصديق، ليس فقط من هيئة الأركان، ولكن أيضاً من وزير الدفاع ومن الحكومة، فهي العملية خطرة، وقد تؤثر على الموقف السياسي[5]. واجتمع مجلس الحرب برئاسة رئيس الوزراء من أجل مناقشة خطة العبور كان هدف العبور ترجيح الكفة في الحرب، ودفع المصريين لطلب وقف إطلاق نار، وهو الطريق الوحيد للضغط على المصريين.

بدأ بارليف في شرح الخطة وتفاصيلها الأساسية واحتمالات النجاح فيها، وقد أيد كل من رئيس هيئة الأركان العامة وقائد السلاح الجوى الجنرال "بيليد" الخطة على الفور.

كان هناك رأي مضاد للخطة برفض العبور، على أساس أن عبور عائق مائي في منطقة يدور فيها قتال شرس يُعَدّ من أصعب المواقف وأكثرها مخاطرة، وأن العبء الأكبر سيقع على وحدات الاحتياط، كما أن لدى المصرين قوات مدرعة بحجم كبير على الجانب الآخر من القناة، ويمكنها مع بدأ عبور القوات الإسرائيلية، تدمير هذه الهجمات، وقد رصد تدريبها سابقاً على تلك المهمة. إضافة لذلك فإن القوات الإسرائيلية في الغرب ستحاصر بين القوات المصرية في الشرق والقوات الباقية في الغرب. وكان هذا الرأي يرى أنه لإنجاح خطة العبور إلى الغرب، في وجود الفرق المدرعة المصرية هناك، وإنما من الممكن التفكير في ذلك، إذا تحركت من أماكنها.

بدأ وزير الدفاع الإسرائيلي يؤيد عملية العبور، أما ايجال الون فهو مقتنع ولكنه لا يستطيع إبداء رأيه إلا بعد أن يرى عن كثب الموقف على الطبيعة، ويتحدث مع القادة المحليين، ورأى ألون الانتظار لحين قيام المصرين بهجومهم أولاً ليحركوا دباباتهم ثم يأتي الدور على القوات الإسرائيلية للمعركة الحاسمة.

وفي هذه الأثناء، تصل الأنباء من الجبهة أن المصريين بدأو في نقل الفرقتين الثقيلتين إلى سيناء، عبر الكباري، وهذا يدل على أن المصريين في نيتهم الهجوم، وأنه خلال يوم من المنتظر أن ينتهي عبور المدرعات المصرية، وبذلك تكون القيادة المصرية قد حشدت نحو 1200 دبابة، لهذا الغرض، وتصبح المنطقة غربيّ القناة خالية من وحدات مدرعة مؤثرة، ومن ثم اتفق المجلس على تأجيل العبور، حتى يبدأ الهجوم المصري ويتم إحباطه وتدميره.

خامساً: أعمال قتال يوم 13 أكتوبر 1973

لم يهاجم المصريون كما كان متوقعاً، في هذا اليوم، ويبدو أن القوات المصرية لم تستكمل استعدادها بعد، ولكن استمرت القوات المصرية طوال اليوم في قصف القوات الإسرائيلية، بشدة وكثافة عالية.

واستطاعت القوات الإسرائيلية، خلال ذلك اليوم أن تستكمل الوحدات الأمامية وتستعوض الخسائر في الأفراد والأسلحة والمعدات والدبابات، كما استكملت الذخائر وأدخلت أسلحة جديدة إلى الخدمة، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات من نوع تو TOW، وهو السلاح الذي عليه الاعتماد في المرحلة التالية لتدمير الهجوم المصري[6].

كذلك بدأ السلاح الجوى الإسرائيلي ينشط مرة ثانية، فقصف مدينة بور سعيد وضواحيها، وألقى آلاف القنابل على الجبهة المصرية.

وفي مركز القيادة بالجبهة الجنوبية، بدأت مراجعة الخطة الدفاعية، لصد هجوم المدرعات المصرية الذي أصبح وشيكا الآن. وبات الجميع ينتظر الهجوم المصري لاتخاذ قرار العبور، وتحديد توقيته ومداه.

لم تكن كل الأخبار سارة في ذلك اليوم فقد حدث أمران:

الأمر الأول: استسلام أفراد موقع الحصن، في لسان بورتوفيق (موقع ماسرك Masrek) إلى رجال الصليب الأحمر، وباستسلامهم، انتهت قصة خط بارليف، وأصبح تاريخاً إلى جانب ما سبقه من خطوط دفاعية حصينة، لم يصمد أيهم عندما هوجم.

الأمر الثاني: كان مقتل الجنرال ابراهام ماندلر "البرت" قائد مجموعة العمليات الرقم 252 في سيناء، بواسطة نيران المدفعية المصرية. لقد أصاب حادث مقتل البرت الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية بصدمة خطيرة، فقد كان أحد القادة المحببين في سلاح المدرعات الإسرائيلية[7] وقد تعين بدلاً منه، الجنرال "كلمان ماجن" الذي كان قائداً للقطاع الشمالي لسيناء.

تحددت مقابلة قادة المجموعات الثلاث، مع رئيس هيئة الأركان العامة في الطاسة، وبدأ يراجع معهم المعركة القادمة المنتظرة يوم 14 أكتوبر 1973، وكان مع رئيس الأركان الجنرال بارليف.

وعلى الجبهة السورية وفي اليوم الثامن من الحرب (13 أكتوبر 1973)، كان قد وصل هجوم الجيش الإسرائيلي إلى نهايته، وتوقف على خط جديد شرق الخط الذي بدأ منه الهجوم السوري في 6 أكتوبر 1973، بعد أن استطاع صد القوات العراقية والأردنية التي دخلت المعركة هناك.

سادساً: فشل الهجوم المصري للتطوير شرقاً (14 أكتوبر 1973)

مع الضغط الإسرائيلي على الجبهة السورية، ناشدت دمشق، القاهرة، الإسراع بشن هجوم على جبهة القناة، لتخفيف الضغط عليهم في الشمال، ولكن الموقف في الجبهة السورية كان قد انتهي، تماماً، وأصبحت المسافة إلى دمشق قصيرة. كانت القاهرة مقتنعة بأن الأوان قد حان، ولكنهم لا يعرفون أن الموقف في سورية قد هدأ، وأن السلاح الجوى الإسرائيلي لم يعد مشغولاً على الجبهة السورية.

1. بدء الهجوم المصري

بدأت القوات المصرية تنفيذ المرحلة الثانية، من معارك القناة في الساعة السادسة صباحاً، بعد أن حشد في سيناء حوالي 1200 دبابة و14 وحدة صواريخ مضادة للطائرات لتأمينها ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية المتوقعة. بدأ الهجوم بقصف مدفعية مركز، بمئات المدافع والهاونات، لمدة ثلاثين دقيقة. واشترك السلاح الجوى المصري بجهد متواضع في التمهيد النيراني، وكان من بين الطائرات المهاجمة طائرات ميراج أرسلتها ليبيا إلى مصر. وقد تسبب ذلك في إحجام رجال الدفاع الجوى الإسرائيلي عن التعامل معها، مقتنعين بأنها طائرات إسرائيلية.

بعد انتهاء التمهيد النيراني، بدأت المدرعات في التحرك، ويهاجم المصريون على طول الجبهة، ويستخدمون نحو "800 أو 1000 دبابة" دفعة واحدة، ومن ناحية أخرى، وبمقارنة عدد الدبابات، وقوة النيران، فإن هذه المعركة، كانت من أكبر معارك الدبابات منذ الحرب العالمية الثانية.

والواقع أن المصريين لم ينجحوا في تركيز قوتهم الكبيرة في نقطة واحدة أو نقطتين، فالجهد كان مشتتاً على طول عشرات الكيلومترات، حيث توزعت الهجمات على خمسة محاور، الأمر الذي أضعف من تأثيرها.

في القطاع الجنوبي من الجبهة، (قطاع عمليات مجموعة ماجن)، حاولت الفرقة الرابعة المدرعة المصرية القيام باختراق عميق، ولكن ـ في الواقع ـ لم يركز المصريون في هذا الاتجاه سوى لواء مدرع واحد، استطاع أن يتقدم صوب ممر متلا، وكان هو المكان الوحيد الذي استطاع فيه المصريون أن يتوغلوا لعمق أكثر من 20 كيلو متراً على الطريق المؤدى إلى متلا، واستعدت دبابات ماجن لمواجهة الهجوم، ونجحت بالفعل في تثبيته وتدمير العديد من دباباته، واستطاع السلاح الجوى أن يركز هجماته ضد اللواء المدرع المصري الذي يقاتل وحده على هذا العمق. وانتهت المعركة بتدمير وإصابة 51 دبابة مصرية، ولم يعد إلى رأس الكوبري الذي بدأت منه الهجوم سوى 30 دبابة فقط، ولم يصب من دبابات الجيش الإسرائيلي سوى دبابتين فقط.

وفي قطاعات أخرى على مواجهة الجبهة، فَقَد المصريون دبابات عديدة، حيث قام المظليون بصد الوحدات المصرية الآلية التي حاولت الهجوم في اتجاه رأس سدر، كما تمكن السلاح الجوى الإسرائيلي من تدمير معظم مركباتها.

وفي القطاع الشمالي، عند القنطرة تم تدمير عدة دبابات من اللواء 15 مدرع المصري[8].

وفي القطاع الأوسط من الجبهة كانت المعركة الكبرى، ولم تستطع الفرقة 21 المدرعة، التي تهاجم بكامل قوتها، أن تتقدم أكثر من عدة كيلومترات خارج رأس الكوبري، حيث دُمِّر لها العشرات من الدبابات.

بدأ الهجوم المصري في التراخي الساعة الثانية ظهراً. وفي الساعة الثالثة، فقد الهجوم قوته الدافعة ووصل إلى نهايته، وتبين من التقارير، على طول مواجهة الجبهة، أن الجيش الإسرائيلي حقق مكسباً كبيراً، بتدمير أعداد كبيرة من الدبابات المصرية، ووفقاً للإحصاءات الدقيقة، فقد أصيبت 264 دبابة مصرية، وهو ما لم يحدث في أيام القتال السابقة كلها منذ بداية الحرب، أما القوات الإسرائيلية فأصيب لها عشر دبابات فقط.

كانت نتائج الهجوم المصري للتطوير شرقاً، مشجعة لاتخاذ قرار العبور غرباً، إذ كانت خسائر المصريين كبيرة وإن توزعت على محاور الهجوم كالآتي:

أ. في القطاع الشمالي، صد الجنرال آدن القوات المصرية بعد أن كبدهم تدمير نحو 50 دبابة مصرية.

ب. في القطاع الأوسط، لم تحقق القوات المصرية أية نجاح أمام قوات شارون، حيث تمكن لواء ريشيف من اتخاذ أوضاع جيدة لدباباته على المرتفعات، وسمح للمصريين بالتقدم، إلى مسافة 100 ياردة، قبل أن تفتح الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات الإسرائيلية نيرانها عليهم، وعندما انتهت المعركة كان قد تم تدمير حوالي 93 دبابة مصرية، بينما تكبد لواء ريشيف ثلاثة دبابات فقط. كذلك استطاع لواء حاييم (جنوب ريشيف) صد الهجوم المصري في مواجهته. وبنهاية اليوم فقدت الفرقة 21 المدرعة ما مجموعة مائة وعشرة دبابات.

ج. وفي القطاع الجنوبي صدت قوات ماجن الهجوم المصري، على محوري الجدي ومتلا. كانت الوحدات المدرعة الإسرائيلية من لواء شمرون في انتظارها على ممر متلا واستطاعت أن تدير معركة شرسة استمرت عدة ساعات، دمرت خلالها ما يقرب من 50 دبابة من اللواء الثالث المدرع من الفرقة الرابعة المدرعة، إضافة إلى أعداد كبيرة من المركبات المدرعة والمدافع.

د. واستطاع الطيران الإسرائيلي أن يركز هجماته على الوحدات المدرعة المصرية التي أصبحت خارج مدى صواريخ الدفاع الجوي، على كل المحاور، بعد أن فقدت الجبهة السورية خطورتها.

هـ. بدا واضحاً أمام وزير الحربية المصري، أن قواته أصبحت معرضة بدون الحماية الرئيسية من الدفاع الجوى، فأمر بانسحابها والعودة مرة أخرى إلى داخل رؤوس الكباري. لقد كانت تكتيكات القيادة المصرية ضعيفة، وكان اليوم كله لمصلحة القوات الإسرائيلية، وكانت هذه المعركة نقطة تحول في حرب سيناء.

في مساء يوم 14 أكتوبر 1973، اتصل بارليف برئيسة الوزراء تليفونياً، ليخبرها بنتائج القتال بنفسه ويوصي بالتصديق على العبور غرباً. في نفس مساء ذلك اليوم، كانت إسرائيل كلها حزينة فللمرة الأولى يذكر عدد القتلى والذي بلغ على الجبهتين 656 فرد، ولكن الواقع كان هناك كثيرون قد قتلوا، ولكن الإحصاء الدقيق لم يكن انتهى بعد صدرت التعليمات في وقت لاحق إلى قيادة الجبهة الجنوبية للاستعداد بالعبور في الليلة التالية، ولم يعد أحد يعترض على الخطة.

2. الجسر الجوى الأمريكي

خلال يوم 14 أكتوبر 1973، وبعد أن وضح انكسار الهجوم المصري، استمرت طائرات النقل العملاقة الأمريكية من النوع C - 141 Star Lifter في رحلاتها وهي طائرة قادرة على حمل حمولة 120 طن، وشاركت طائرات شركة العال الإسرائيلية في نقل العتاد كذلك، وقد هبطت 12 طائرة محملة بالعتاد في اللد، وتواصل طائرات العال عملها ولكن العبء الأكبر على عاتق الطائرات الأمريكية، إذ هبط 25 طائرة منها خلال 24 ساعة في عدة مطارات. والواقع أن جزءاً من العتاد الذي يصل بالطائرات الأمريكية كان مطلوباً على وجه السرعة لنقله إلى الجبهة قبل الهجوم، فالجيش الإسرائيلي يستهلك كميات كبيرة من الذخائر، واحتياطي الذخيرة لمواصلة الحرب، كان أحد الموضوعات الهامة في مناقشات هيئة الأركان العامة، خاصة وأنه لا توجد أي دلالات على وقف إطلاق نيران قريباً، فالعرب لا يتحدثون عن ذلك.



[1] تقع في الجنوب الشرقي من بحيرة التمساح شرق الطريق العرض رقم 2 وجنوب الطريق الأوسط وجنوب منطقة "هاميتال".

[2] يقصد في اتجاه جنوب الجيش الثاني (في قطاع الفرقة 16 المشاة) والمدافعة عن قطاع الدفرسوار.

[3] أثناء الحرب، أطلق الاتحاد السوفيتي خمسة أقمار عسكرية، وهناك قمر عسكري آخر هو كوزموس 603 الذي أطلق للفضاء قبل الحرب، حيث يستطيع أن يمر يومياً فوق منطقة القتال، وهكذا كانت الاستخبارات السوفيتية تحصل على صورة واضحة لما يحدث في ميادين القتال.

[4] يسمون أحياناً الضفادع البشرية، أو الصاعقة البحرية.

[5] كانت الخطة معدة، بكل تفاصيلها منذ أن كان بارليف رئيساً للأركان العامة، وشارون قائداً للجبهة الجنوبية، واحتاجت لتعديلات بسيطة، لتتمشى مع الموقف الحقيقي في 1973.

[6] كانت الصواريخ تو، ضمن الأسلحة الجديدة، التي وصلت إسرائيل خلال الجسر الجوي الأمريكي، وهو نوع متقدم من الصواريخ المضادة للدبابات، يتفوق على نظيره السوفيتي (ساجر) الذي يستخدمه المصريون.

[7] كان أبراهام ماندلر نمسوي الأصل حيث هرب مع أمه وهو صبى من النازيين، ووصل قبيل الحرب العالمية الثانية كمهاجر إلى أرض فلسطين، وأنضم إلى الجيش الإسرائيلي في حروب الاستقلال وتدرج ببطء إلى رتبة الجنرال.

[8] لم يفقد هذا اللواء سوى 17 دبابة في هذه المعركة.