إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر الإسرائيلية




أهارون باريف
إرييل شارون
حاييم بارليف
دافيد بن أليعازر
يسرائيل تال
شموئيل حونين
كلمان ماحن
عساف ياجوري

أوضاع القوات يوم 6 أكتوبر
هجوم مجموعة عمليات 143 مدرع
هجوم مجموعة عمليات آدن
أعمال قتال يوم 17 أكتوبر
أعمال قتال يوم 18 أكتوبر
الهجوم على رؤوس الكباري
الهجوم قبل ظهر 8 أكتوبر
التقدم الإسرائيلي غرب القناة
الخطة إبيراي هاليف
جبهة القناة يوم 24 أكتوبر
جبهة قناة السويس
خطة الهجوم الإسرائيلي
خطة الهجوم على السويس
عملية العبور في الدفرزوار

أوضاع القوات السورية
أقصى مدى للاختراق السوري
الاختراق على الجبهة السورية
تطور القتال على الجبهة السورية



حرب عام 1967

المبحث العاشر

القتال شرق القناة من يوم 15 أكتوبر حتى 17 أكتوبر

بعد ظهر يوم 15 أكتوبر 1973، بدأت القوات الإسرائيلية في الاستعداد للهجوم لتنفيذ عملية رأس الجسر في الغرب، وتألفت القوات المكلفة بالعبور من:

1. قوة من المظليين متحركة بمركبات مدرعة، وكانت مهمتها الاستيلاء على مواقع على الضفة الغربية للقناة، وأن تسهل إقامة رأس الجسر.

2. مجموعة عمليات مدرعة تتقدم صوب الغرب، لحماية عملية الاختراق، وكانت الخطة تقضى بأن تعبر هذه المجموعة الجسر، وأن تنضم إلى وحدات المظليين بمجرد أن تصل كافه المعدات إلى الضفة الغربية.

عرضت خطة العبور في مركز قيادة الجبهة، أمام قادة الوحدات المشتركة وعشرات من ضباط الأركان وكلفت القوات بالمهام التالية:

كلفت مجموعة شارون المدرعة، بأصعب مهمة وهي إقامة رأس الجسر، وهي أكبر مجموعة بالجبهة حجماً كما أن ضباطها وقائدها يعرفون أرض العملية جيداً، وسبق تدريبهم في مناورة على هذه الأرض، وكان على قوات شارون أن تنقل إلى غرب القناة المظليين والمدرعات، وتنشأ الجسور في قطاع العبور. وكانت الجسور ستنقل إلى مكان العبور على طريقين متوازيين: الطريق الأول هو طريق (أكافيش Akavish)[1]، والطريق الثاني (طرطور Tartur)[2]. (اُنظر شكل عملية العبور في الدفرزوار)

وكان يجب العمل على أن تظل الطرق مفتوحة، لتمر منها بعد ذلك قوات آدن لتعبر على الجسور التي سيقيمها شارون، إلى غرب القناة، وتنتشر غرباً في قطاع الدفرزوار، للوصول إلى السويس، والاستيلاء عليها، كهدف سياسي.

تنفذ قوات شارون هجومها على محورين:

الأول: أحد الأولوية المدرعة يضغط على القوات المصرية من الشرق إلى الغرب، في منطقة المزرعة الصينية Chinese Farm عند الدفرسوار شرق.

الثاني: لواء مدرع آخر يهاجم من شمال البحيرة المرة الكبرى من الجنوب إلى الشمال للضغط على الدفاعات المصرية من الجنب، والتوغل حتى الموقع المخصص كساحة إسقاط لمعدات العبور.

تعبر قوة من المظليين أولاً، مدعمة بكتيبة دبابات، على معديات، من شمال البحيرة المرة الكبرى، من المساحة المخصصة بعد تأمينها وتعمل كمقدمة لمجموعة العمليات، وخلال ليلة 15/16 أكتوبر 1973 تطهر المنطقة المختارة في الغرب، بحيث يمكن إنشاء رأس جسر غرب القناة، في قطاع الدفرزوار، قبل أول ضوء يوم 16. كتيبة الدبابات التي ستعبر مع المظليين إلى غرب القناة، تتجه أولا إلى المنطقة الزراعية، حيث تكلف بمهاجمة عدد من قواعد الصواريخ المضادة للطائرات، وتدميرها، لفتح ثغرة في حائط الصواريخ المصري، حتى يمكن للقوات الجوية الإسرائيلية أن تعمل بحرية.

بعد نجاح شارون في إقامة الكباري وتأمينها، يتم عبور قوات الجنرال آدن عليها لتتجه جنوباً في اتجاه جنيفة.

لقد سبق ذلك إعداد الكباري وتمركزت على الطرق المؤدية إلى الدفرزوار منتشرة، كذلك تم إعداد المعديات التي سيتم العبور عليها من خلال البحيرات المرة كذلك، حيث تتمركز جميع معدات العبور بالقرب من الطاسة على الطريق الأوسط. أدت هذه التحركات إلى ازدحام المحاور كلها، خاصة أن الدبابات هي التي تقوم بجر أجزاء الجسور، وهي عملية صعبة ومعقدة.

أولاً: تنفيذ الخطة (اُنظر شكل الخطة إبيراي هاليف)

بدأت المعديات تتحرك بعد آخر ضوء، إلى شمال البحيرات المرة، وفي الساعة التاسعة مساءً وصلت أولى هذه المعديات، وتجمع المظليون عند نقط العبور ومعه الكتيبة المدرعة فرع تشكيل الاقتحام عند منطقة مزاميد (Matzmed)[3]. لم يشعر المصريون بتجميع تلك القوات، ولم تطلق طلقة واحدة في هذا الاتجاه إذ انشغلوا بالقتال الدائر على جانبهم الأيمن وهي محاولات قوات شارون لضغط المواقع المصرية من الجنوب إلى الشمال. وبدأت وحدات المهندسين في أنزال المعديات في المياه استعداداً للعبور، وانتظروا إشارة عناصر الاستطلاع بتأمين منطقة العبور في غرب القناة لبدء العبور.

في نفس الوقت الذي تحركت فيه قوات المظليين في اتجاه نقطة العبور كانت قوات شارون تشن هجومًا خداعيًا بكتيبتَي دبابات من لواء توفيا، بعيداً عن اتجاه الهجوم الرئيسي، على طريق باتون، في اتجاه طريق ميسوري، لجذب الاحتياطيات المصرية ونيران المدفعية في هذا الاتجاه.

وفي المساء، بدأ الهجوم الرئيسي، من أقصى الجنوب من شمال البحيرة المرة الكبرى، في اتجاه الدفرزوار، من الجنوب إلى الشمال، وبمحاذاة القناة. واستطاعت بعض الدبابات، أن تصل إلى المنطقة الإدارية للفرقة 16 مشاه، من الجيش الثاني، وهي منطقة مكدسة بالعربات والحفر العميقة، والتكديسات الإدارية. في البداية اعتقد المصريون أن أمامهم عناصر من قواتهم فلم يتعرضوا لها حتى، أطلقت عليهم النيران، واشتعلت المواد المكدسة والمركبات، وساد الذعر المنطقة.

ومع منتصف الليل بدأ هجوم قوات شارون على المزرعة الصينية، وهي أرض تسمح بإخفاء القوات، لاحتوائها على مصارف وترع جافة. كان يجب على قوة شارون المكلفة بواجب الاستيلاء على المزرعة، أن تتقدم إلى موقع النقطة القوية التي يطلق عليها المصريون اسم موقع الدفرزوار (مزاميد) وفي حالة نجاح هذا الهجوم، سيمكن فتح طريقي "أكافيش" و"طرطور Tirtur" للمرور إلى الغرب.

كان لواء "ريشيف" المكون من أربعة كتائب دبابات وثلاث كتائب مشاة محملة على عربات نصف جنزير، شكل في ثلاثة مجموعات قتال. استطاعت مجموعة القتال الأولى التقدم غرباً إلى طريق ليكسكون، حيث عبرت المزرعة الصينية، وهاجمت في اتجاه الشمال، لمحاولة الوصول إلى موقع "مزاميد". أما مجموعة القتال الثانية، فقد هاجمت شرق لكيكسون، في اتجاه شمال شرق إلى "ميسورى". بينما هاجمت المجموعة الثالثة في اتجاه الشمال الشرقي على طريق طرطور وطريق "أكافيش". وتحركت قوة من سريتين مظليين وسرية دبابات خلف المجموعة الأولى لتطهير المزرعة الصينية.

بعد منتصف الليل، تزايد تركيز نيران المدفعية المصرية حول المزرعة الصينية، وقوبلت قوات ريشيف بمقاومة عنيفة، تم خلالها تدمير 11 دبابة من إحدى كتائبه، فقد نشر المصريون في المنطقة دبابات كثيرة، ومركبات محملة بصواريخ مضادة للدبابات، وكان القمر مكتملاً، يساعد المصريين على الرؤيا، وغطت نيران المدفعية المصرية محوري "أكافيش وطرطور" والمؤديين إلى البحيرة المرة كذلك. وانهالت النيران من الخلف على دبابات (رافي) التي أسرعت لنجدة القوة التي تقاتل في المزرعة الصينية، واشتعلت النيران في المركبات المدرعة وازداد حجم الخسائر، وبقى القتلى داخل المركبات المدرعة دون القدرة على إخلائهم.

دفع لواء آمنون في قطاع طريق (جاسبي) Gaspi في الجنوب من كيشوف[4] Kishuf، وكان النسق الأول مكون من ثلاثة كتائب دبابات، خلفها النسق الثاني 3 سرايا ومع حلول الظلام بدأ آمنون هجومه على مواجهة 3 كيلومترات. وكان الموقف قد تغير تماماً، فقد قامت القوات المصرية المتمركزة على طريق "طرطورـ ليكسيكون" بفتح نيران دباباتها ومدفعيتها والصواريخ المضادة للدبابات، مستغلين ضوء القمر لتوجيه وحداتهم إلى الأماكن المناسبة وتركيز نيرانهم بدقة. من صعوبة الموقف، وقوع دبابات آمنون في حقل ألغام مصري، أعطب العديد من الدبابات، واختلطت الدبابات المصرية مع الإسرائيلية، وكان من الصعب التمييز بينهما، فالدبابات تشتعل هنا وهناك، وأصبح من الصعب فتح نيران الدبابات لأنه يمكن أن تكون دبابات إسرائيلية، وزادت الخسائر في صفوف قوات آمنون، وأصبح من الصعب إخلاء الخسائر في الأفراد والدبابات المعطلة. أحدثت نيران القوات المصرية والألغام خسائر كبيرة في القوات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال لم يتبقى في كتيبة دبابات (أمرام) سوى ست دبابات فقط من 23 دبابة، كما لم يتبقى في كتيبة "الموج" سوى 10 دبابات.

وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً قرر شارون أن يستمر في الهجوم حتى يتمكن من عبور القناة، لذلك دفع لواء داني للوصول إلى طريق "ناهالا ـ ليكسكون"، ثم التقدم نحو موقع الدفرزوار (مازميد Matzmed). بالرغم من الخسائر التي تكبدها داني، في مركباته النصف جنزير، إلا أنه استطاع أن يصل بكتيبتين مخفضتين القوة، "نتيجة لخسائرهما"، بالقرب من موقع مازميد (موقع الدفرزوار).

في الساعات الأولى يوم 16 أكتوبر 1973، بدأت قوة المظليين، في العبور من شمال البحيرات المرة تحت قيادة قائد اللواء، داني Danny، وكانت القوة مكونة من 750 فرد مسلحين بالأسلحة الخفيفة والرشاشات والأسلحة المضادة للدبابات، مشكلة من كتيبة مظلات وكتيبة دبابات، واستمرت عملية العبور، دون أية مقاومة أو تأثير نيراني، من جانب القوات المصرية، فلم يكن يتوقعوا العبور إلى الغرب. وفي الساعة الثالثة والنصف فجراً أعطى داني إشارة وصول قوته إلى الضفة الغربية، وهي الإشارة المتفق عليها تحت اسم "أكابولكو Acoupulco" وهكذا نجحت القوات الإسرائيلية في إقامة رأس جسر على الضفة الغربية فجر يوم 16 أكتوبر 1973. (اُنظر شكل الخطة إبيراي هاليف)

وطوال ليلة 15/ 16: فشلت أربعة محاولات للهجوم بواسطة لواء آمنون:

1. المحاولة الأولى: في الساعة الواحدة والنصف فجر يوم 16، على محور طريق طرطور، إذ تمكنت وحدات الدبابات من الاختراق في الفاصل بين لواءات الفرقة 16 المشاة المصرية، ولكن الإصابات الكثيرة في الدبابات أدت إلى توقف الهجوم.

2. المحاولة الثانية: في الساعة الثالثة فجر يوم 16، كانت بهدف التقدم على محور طرطور كذلك، لفتح الطريق إلى الدفرزوار، لعبور القوات، ولكن من البداية، أصيب عدد من الدبابات بواسطة أفراد المشاة المصريين المسلحين بالقواذف المضادة للدبابات ( ر ب ج ـ7)، وتوقف الهجوم مرة أخرى.

3. المحاولة الثالثة: قام آمنون في الساعة الرابعة صباحاً، دفع كتيبة النسق الثاني وهي كتيبة آلية، بقيادة " شونرى Shuneri" ولكن نيران المصريين دمرت مركباته النصف جنزير الواحدة بعد الأخرى، ولم يتبقى منه سوى مركبتين.

4. المحاولة الرابعة: في الساعة الخامسة والربع صباحاً، اشترك لواء توفيا، من بقايا لواء آمنون، وتقدموا على محور أكافيش Akafish، إلى أن اصطدموا بالنيران المصرية، ودمرت ثلاث دبابات وجرح نائب قائد اللواء وفشلت هذه المحاولة كذلك.

بلغت خسائر آمنون حوالي 60 دبابة أما خسائره في الأفراد فقد كانت أكثر من (120) فردًا بين قتيل وجريح أو مفقود، وأصبح لواء آمنون خارج القتال مؤقتاً، لحين إمداده بدبابات وأطقم من الاحتياط.

ثانياً: محاولات الهجوم يوم 16 أكتوبر 1973

قرر شارون دعم لواء آمنون حتى يمكنه الاستمرار في الهجوم ، فألحق عليه كتيبة دبابات من لواء حاييم، وكتيبه أخرى من لواء (توفيا)، وأصدر أوامره إلى آمنون للقيام بمحاولة جديدة لفتح طريق طرطور، على أن يبدأ الهجوم الساعة السابعة صباحاً. ويتم فتح هذا الطريق من اتجاه الشمال الشرقي، ولكن آمنون لم يستطع التقدم كثيراً، فقد أصيبت دباباته بقصفة من الصواريخ من تجاه المزرعة الصينية، واضطرت إلى الانسحاب.

حاول آمنون مرة سادسة، بعد المحاولة السابقة مباشرة، ولكن دمّرت المقاومة المصرية عدداً آخر دباباته، واضطر للانسحاب، مع إخلاء نحو 20 جريح من جنوده.

وفي حوالي الساعة الثانية صباحاً، بدأت محاولة جديدة للهجوم من اتجاه الشرق، وشمال طريق طرطور، وأصيبت 3 دبابات من القوة المهاجمة، وفشل الهجوم مجدداً.

كانت المحاولة الأخيرة لآمنون في الساعة التاسعة إلا عشر دقائق صباح يوم 16 أكتوبر 1973 واستطاع خلالها أن يستولي على تقاطع وصلة طرطور مع طريق ليكسيكون، مستتراً ببقايا الدبابات المصرية المحترقة والأسلحة المضادة للدبابات التي تركها المصريون. وأصبح طريق أكافيش مفتوحاً، أما طريق طرطور فلا يزال مغلق. (اُنظر شكل عملية العبور في الدفرزوار)

وفي الساعة التاسعة صباح يوم 16 أكتوبر 1973، تقدم حاييم ومعه كتيبة دبابات وكتيبة مظليين على محور (أكافيش)، للمرور إلى نقطة العبور على الساحل الشرقي للبحيرات المرة، ولكنهم وقعوا تحت تأثير نيران الصواريخ المصرية، ودُمّرَتْ 4 دبابات، فأصدر حاييم أوامره إلى جنود المظلات بالعودة، واتجه ومعه باقي كتيبة الدبابات جنوباً.

1. دعم القوات غرب القناة

صدرت الأوامر صباح يوم 16 أكتوبر 1973 إلى حاييم للعبور على المعديات إلى الغرب، للاشتراك في تدمير وحدات صواريخ الدفاع الجوى المصري، غرب القناة، بالتعاون مع قوة مظلات داني، التي سبق عبورها ليلة 15/16.

في الساعة العاشرة صباحاً، بدأت قوة حاييم في العبور على المعديات، من قطاع شمال البحيرات المرة، ومعه عشرون دبابة و7 مركبات مدرعة، وبمجرد وصوله بدأ يتجه غرباً، ولعمق 20 كيلو مترا من القناة، حيث استطاع أن يدمر في طريقه عدة مواقع صواريخ دفاع جوى للمصريين، محدثاً ثغرة كبيرة في وسائل الدفاع الجوى المصرية، كما باغت قوة مدرعة مصرية، تقدر بكتيبة دبابات، واستطاع أن يدمر منها 10 دبابات و25 مركبة مدرعة. وفي الساعة الرابعة بعد الظهر عاد مرة أخرى إلى منطقة رأس الكوبرى، بالقرب من المعديات.

كانت قوات شارون، بعد قتال ليله 15/16 وصباح يوم 16 أكتوبر 1973، منهكة وغير قادرة على الاستمرار في الهجوم. وفشلت في تحقيق هدفين رئيسيين وهما:

أ. الأول كان عدم القدرة على إنشاء ممر آمن إلى موقع الدفرزوار من أجل إقامة الجسور لعبور القوات.

ب. أما الثاني فكان أكثر خطورة، حيث لم يصل جسر حتى ذلك الوقت إلى نقطة العبور على القناة، ومن ثم أصبحت القوة الموجودة في غرب القناة في خطر.

وإزاء هذا الموقف الصعب، أصدرت القيادة أوامرها بإيقاف نقل دبابات إلى الضفة الغربية للقناة، وأن تبذل الجهود للتركيز على الهجوم في شرق القناة، وأن يتم إشراك قوات آدن مع قوات شارون، لاستكمال فتح محوري أكافيش وطرطور للوصول إلى الدفرزوار (مازميد).

لقد أصبحت ساحة القتال مليئة بالدبابات والمركبات المدرعة المدمرة من الجانبين. حوالي 50 دبابة إسرائيلية مدمرة في هذه المنطقة، وكذلك نحو 150 دبابة ومركبة مدرعة مصرية، لقد دمرت كل منها الأخرى من مسافات قصيرة جداً بسبب التداخل بينهما، قد أصبح الطريق مملوءاً بجثث القتلى من الإسرائيليين والمصريين. لا يمكن تصور هذا الموقف بأي صورة، لبشاعته، لقد فقدت القوات الإسرائيلية خلال هذه المعركة ما يقرب من 300 قتيل، ومئات من الجرحى.

2. هجوم قوات آدن يوم 16 أكتوبر 1973

نَسّقْ آدن وشارون جهودهما، ونظما تعاوناً بين قواتهما، وتم الاتصال بين القوتين من خلال لواء (ناتك) من قوات آدن، كان الهدف الذي حدد للقوتين هو فتح محوري "أكافيش" Akavish وطرطور "Tirtur".

وفي الساعة الثالثة ظهراً بدأت قوات آدن هجومها من جنوب "ميسوري"، واستمر الهجوم حتى الساعة الرابعة، دون أن يحرز آدن أي نجاح. كانت أي محاولة للتقدم عبر الأرض المكشوفة، تواجه بالصواريخ المضادة للدبابات والتي تطلق نيرانها من عدة اتجاهات، من مواقعها بالمزرعة الصينية. واقترح آدن على قيادة الجبهة أن يتم تطهير منطقة المزرعة بالمشاة ليلاً، ووافقت القيادة على هذه الفكرة، والواقع أن شارون لم يحاول جدياً الاستيلاء على المزرعة الصينية.

عندما فشل آدن في فتح محوري أكافيش ـ طرطور، تقرر إشراك لواء المظليين بقيادة (عوزي)[5] في الهجوم، مع قوات آدن، ولكن عوزي لم يكن قد وصل بعد، إذ لن يصل قبل مضي 5 ساعات، وعلى آدن الاعتماد على نفسه، "أي القتال بدباباته فقط" من أجل فتح محاور الطرق.

وصل موشى ديان إلى قيادة الجبهة الجنوبية عصر يوم 16 أكتوبر 1973، واجتمع مع الجنرال جونين، لدراسة الموقف معه، وأوضح جونين، أن شارون لم ينفذ المهمة لإقامة رأس الكوبري حتى ذلك الوقت، ولكنه أكد على أنه سيتم خلال الليل "أي ليلة 16/17" فتح الطريقين المؤديين إلى الدفرزوار، وإذا لم يستطع تنفيذ ذلك، سيخلي القوات التي عبرت إلى الضفة الغربية من خلال البحيرات المرة. كذلك أوضح الجنرال بارليف أن المعاونة الجوية لم تكن ذات فائدة مؤثرة، بسبب التداخل الكبير بين القوات المصرية والإسرائيلية.

أكد ديان على ضرورة فصل القوات المتضادة، حتى يمكن استخدام السلاح الجوى بكفاءة. وأنتظر الجميع ما يمكن أن يحدث مساءً، لقد نجح المصريون في إيقاف القوة الدافعة للهجوم الإسرائيلي.

أما مدير الاستخبارات الإسرائيلي "إيلي زعيرا"، فقد أوضح أن القوات المصرية لم تهتم حتى الآن بالتعامل مع القوات التي عبرت غرباً، سواء باستخدام القوات الجوية، أو باستخدام الاحتياطيات. كذلك كان تقدير رئيس الأركان، بأن العملية تعتبر قد نجحت جزئياً حتى الآن. وتوقع أنه خلال الليل سيمكن إحداث تغيير في الموقف، وعبور مزيد من القوات، من خلال الجسر المنتظر إنشاؤه إلى غرب القناة.

أكد جونين على أن شارون وآدان سيمكنهما فتح المحاور وإقامة الكباري، ولكن ديان يكرر ثانية: "إني أقبل الاستمرار، ولكن يجب تحديد خط أحمر، للحظة التي تُـعاد فيها جميع القوات من الجانب الثاني، إذا لم يتم إقامة الكوبري حتى تلك اللحظة". وفي ذلك الوقت استطاع شارون أن يعبر من خلال البحيرة المرة إلى الضفة الغربية للقناة، حيث استمع من رجاله عن المعارك التي دارت غرب القناة، وعن دهشة المصريين الذين صادفوهم، ويرى شارون ضرورة تعديل الخطة بأن يقوم هو بالعبور وليس آدن، على أن تقوم قوات آدن بتأمين رأس الكوبري، بمعنى أن يتم تبادل المهام بين قوات شارون وقوات آدن.

لم يكن شارون يريد الانتظار حتى يقام الكوبري، وإنما كان يفكر في نقل قواته على المعديات، حتى يباغت المصريين بحشد كبير من القوات، قبل أن تتدخل احتياطياتهم.

3. الموقف السياسي لأطراف الصراع

أ. الموقف في مصر

من الواضح أن القيادة العليا في مصر، لم تكن تعرف بالضبط، ما كان يحدث في شمال البحيرة المرة وغربي قناة السويس، وفي قيادة الجيش الثاني، يعتقدون أن قوة إسرائيلية صغيرة عبرت القناة، وأنها مجرد قوة إغارة صغيرة، سوف تعود بسرعة، وإلا ستباد بسهولة. ويتحدث الرئيس السادات أمام جلسة خاصة لمجلس الشعب، ويصف تسلسل المعارك، وفي نفس الوقت أعرب عن استعداده لوقف إطلاق النار، ولكن بشرط أن تنسحب إسرائيل إلى حدود عام 1967. ومن الواضح أن التقارير من الجبهة ليس فيها ما يزعج، إن تفكير السادات مشغول بضيفه وهو رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي "كوسيجين". ويأمر أحمد إسماعيل وزير الحربية قائد الجيش الثاني بألا يسمح للقوة الإسرائيلية بعمل ما يحلو لها، ولذلك أصدر له التعليمات بأن يوجه إليها الضربات من المدرعات والكوماندوز للقضاء عليها، ولكن قائد الجيش الثاني يقوم بتهدئة وزير الحربية ويعد بالهجوم في نفس اليوم.

ب. الموقف في الاتحاد السوفيتي

في الكرملين كانوا يدركون، أن الحرب في الشرق الأوسط وصلت لمفترق طرق، وأن العرب غير قادرين على تحقيق مكاسب عسكرية أخرى أو حسم القتال لمصلحتهم، فقد استنفذوا قوتهم ولم يعد لديهم احتياطيات للاستمرار. ومن الآن من المحتمل أن يتحدوا فقط، ولكن إسرائيل قادرة على إحداث مباغتة. في سورية يقف الإسرائيليون من دمشق على مدى المدافع . ويقوم الجسر الجوى الروسي، بنقل كميات كبيرة من العتاد العسكري إلى الجيش السوري، ولكن الطائرات الإسرائيلية بدأت تتدخل في إزعاج حركة الجسر الجوى في أنحاء سورية. وقد اقتربت اللحظة التي سيكون فيها على الاتحاد السوفيتي العمل على وقف المعارك.

ج. الموقف في إسرائيل

قالت جولدا مائير في خطابها بالكنيست يوم 16 أكتوبر 1973 في عبارة قصيرة "في هذه اللحظة تعمل قوة من الجيش في الجانب الغربي من القناة" وتناول رئيس المعارضة مناحم بيجين كذلك، في حديثه الإشارة إلى عملية الجيش الإسرائيلي وراء القناة، لم يكن بيان رئيسة الوزراء يشتمل على تفاصيل، ولكنهم في القيادة الجنوبية غير راضين عن بيانها، كان من الأفضل الانتظار إلى الغد، حتى تتضح نتائج العمليات. فالموقف مازال حرجاً، بالنسبة إلى القوات الموجودة في الغرب.

4. الموقف العسكري مساء يوم 16 أكتوبر 1973

أصبح الجهد الرئيسي للقوات الإسرائيلية موجهاً كله لاقتحام المحورين، الذي يجب نقل معدات العبور عليهما. إذ يدافع مئات من رجال المشاة المصريين على أحد المحورين، ومن ثَمّ يتقرر أن يتم هجوم ليلى بواسطة المظليين الإسرائيليين لدفع المواقع المصرية شمالاً، وبدأت قوات المظليين، المنقولة بالطائرات العمودية في الوصول إلى الطاسة للاشتراك مع قوات آدن. في الساعة الحادية عشر والنصف مساءً، بدأ هجوم لواء المظليين، بدون معاونة مدفعية أو طائرات، كما لا ترافقهم الدبابات. ويقاتل المظليون أثناء تقدمهم على الطريق في معارك عنيفة، ويتوقفوا تحت تأثير نيران المدافع المصرية التي تطلق عليهم النيران من شمال الطريق، ويكتشف المظليون بغتة أنهم توغلوا داخل موقع مصري، مستعد لهم تماماً. حاول المظليون الانقضاض على مواقع الأسلحة، ولكن النيران المصرية تلاحقهم من مسافة قريبة وتتفرق عناصر المظليين في جماعات صغيرة متناثرة، غير ذات فاعلية بعد أن أصيبوا بخسائر كبيرة.

ومع بزوغ الفجر، كانت بقايا المظليين ما زالوا في المنطقة دون أن يحققوا المهمة التي جاءوا من أجلها، وأصبحت المشكلة كيف يمكن إنقاذهم وإخلاء الجرحى والقتلى منهم؟ وعند الفجر كان لا بد من إرسال قوة مدرعة لإنقاذهم.

ثالثاً: أعمال قتال يوم 17 أكتوبر 1973 (اُنظر شكل أعمال قتال يوم 17 أكتوبر)

استغلت القيادة الجنوبية، انشغال المصريين في القتال مع بقايا المظليين (حيث رفضت القيادة فكرة سحبهم، وأمرت باستمرارهم مع إخلاء الجرحى فقط)، وأمرت آدن أن يحرك قواته إلى الجنوب ليمكنه الوصول إلى نقطة العبور. كذلك أمكن أثناء قتال المظليين مع المصريين، نقل مزيد من الدبابات بالمعديات إلى الغرب، لتصل أعدادها إلى 36 دبابة. وبتحقيق الهدف من بقاء المظليين مشتبكين مع المواقع المصرية، تم سحبهم في مجموعات صغيرة، مستبدلين بدبابات من قوة شارون، لتأمين المنطقة التي استولوا عليها، واستمرار شغل المصريين، عما يجري في الجنوب.

1. الهجمات المضادة المصرية (شرق القناة)

كانت المعلومات والشواهد تفيد بأن القيادة المصرية قد قررت شن هجوم مضاد من اتجاهين: الاتجاه الأول بواسطة الفرقة 21 مدرعة من الجيش الثاني إذ تقوم بالهجوم المضاد من الشمال إلى الجنوب في اتجاه البحيرات المرة، بينما يدفع الجيش الثالث، اللواء 25 مدرع من الجنوب إلى الشمال في خط موازي للبحيرات المرة. الاتجاه الثاني كان من الغرب إذ قررت القيادة المصرية، دفع وحدات من الكوماندوز ومعها نحو 50 دبابة من اللواء الثاني المدرع من الفرقة الرابعة المدرعة في اتجاه الدفرزوار، كما صدرت التعليمات إلى القوة الفلسطينية المتمركزة في معسكرات فايد، لاستخدام أسلحتها المضادة للدبابات، على الطريق الموازية للبحيرات المرة غرب القناة.

لمواجهة هذا الموقف دفع الجنرال آدن لواء (ناتك) جنوباً لتأمين القطاع الجنوبي من أي هجوم من اتجاه الجيش الثالث.

وفي الساعة الثامنة إلا ربعاً صباح يوم 17 أكتوبر 1973، شن آدن هجوم بقوة 4 كتائب مدرعة من لواء توفيا ولواء ناتك في اتجاه ميسوري والمزرعة الصينية، واستطاعت وحدات (توفيا) أن تصل إلى وصلة طرطور Tirtur، في المسافة القريبة من ميدان القتال. واجه توفيا وجابي مصاعب كبيرة من الهجمات المضادة للمدرعات المصرية ولكن الضغط استمر، واستطاعت الوحدات أن تدفع بالمركبات المدرعة إلى محور أكافيش. وقبل أن ينتصف النهار كان الطريق قد فُتح أمام القوات الإسرائيلية، وبدأت الأرتال في التحرك، ويبدو أن الفرقة 16 المشاة المصرية الذي يدور القتال داخل مواقع لواءها الأيمن قد بدأت في الانكسار، واستطاعت وحدات توفيا وناتك أن تصد هجوم مدرعات المصريين وتدمر العديد من دباباتهم التي حاولت الهجوم من تجاه الشمال نحو الجنوب. دفع الجيش الثاني باللواء 14 مدرع واللواء الأول مدرع من الفرقة 21 مدرع للقيام بالهجوم المضاد، في اتجاه كل من توفيا وجابي، بينما اللواء 18 مشاة آلي يقوم بالهجوم المضاد في اتجاه "المزرعة الصينية" والتي كان يبدو أن معركة دبابات كبيرة ستحدث بالقرب منها.

وصلت معلومات من عناصر الاستطلاع، تقدم رتل مدرع من الجنوب من اتجاه الجيش الثالث المصري، متحركاً على الطريق الموازي لساحل البحيرات المرة، إلى الشمال من موقع كبريت شرق (بوتزر) Botzer. على الفور أرسلت كتيبتان مدرعتان من فرقة آدن لتحتل التلال المسيطرة على الطريق الموازى للبحيرات في كمين للواء 25 مدرع المصري المتقدم على هذا الطريق، واختيرت أرض القتل المناسبة لتدمير اللواء المدرع المصري المتحرك على محور ليكسيكون "الطريق العرضي" في بطء، وكان الكمين في انتظارهم للترحيب بوصولهم" ولكنهم لم يصلوا بعد.

وعلى الجانب الآخر تمكنت قوات آدن بالتعاون مع لواء من قوات شارون، صد الهجوم المضاد لوحدات الفرقة 21 مدرع، وبدأت معركة بين الدبابات من الجانبين على مساحة ممتدة من الأرض حتى حدود المزرعة الصينية. استطاعت المدرعات الإسرائيلية أن توقف الهجوم المصري وأن تدفعه للتراجع، كذلك استطاعت الصواريخ ساجر أن تحد من قدرات القوات الإسرائيلية على التحرك أو الاختراق في عمق القوات المصرية.

في الساعة الثالثة ظهراً، كان يبدو أن الأحداث تسير في الطريق الصحيح، فالكمين مستعد لملاقاة اللواء 25 مدرع، بينما الكتائب المدرعة تواصل الضغط على محور طرطور، ووحدات الفرقة 16 المشاة المصرية بدأت في التراجع، وقد وصلت بعض الدبابات الإسرائيلية إلى مواقع الدفرزوار، وبدأ المهندسون في إقامة الجسر.

2. معركة اللواء 25 مدرع

وقع اللواء 25 مدرع المصري فريسة سهلة أمام كمين المدرعات الإسرائيلي، وخلال دقائق محدودة احترقت 38 دبابة وحاملة جنود، ومن ثم بدأت باقي القوة في الارتداد، ولكن الدبابات الإسرائيلية تواصل تدميرها وتشعل النيران في عدد آخر من الدبابات والمركبات المدرعة. وفي الساعة الثالثة والربع، كان معظم دبابات اللواء 25 مدرع قد دمرت في الكمين.

قبل أن يتمكن المهندسون الإسرائيليون، من إعداد الجزء الأخير من الجسر، هاجمت الطائرات المصرية المنطقة وأصابت جزء كبير من الجسر بصاروخ، تحتاج عملية إصلاحها إلى وقت طويل نسبياً.

في الساعة الثالثة والنصف أصبح الجسر الأول معد للعبور، ولكن قوات آدن لم تكن جاهزة للعبور، ويستغل شارون الموقف ويطلب السماح بعبور قواته في البداية، ولكن رئيس الأركان العامة "دافيد أليعازر" لا يوافق على مقترح شارون.

ويصدر له الأوامر بتأمين رأس الجسر. واستمر التعطيل عند رأس الكوبري لمدة كبيرة، ويضغط على آدن لبدء العبور وفي الساعة الثامنة مساءً يبدأ آدن في العبور غرباً بقواته ووصلت قوات آدن إلى الغرب، مع بداية غارة جوية ليلية للمصريين على رأس الجسر في منطقة الدفرزوار، بكثافة غير عادية، ويبدو أن المصريين أحسوا بخطر القوات الإسرائيلية، التي بدأت تتجمع غرب القناة، لكن في النهاية أصبحت الدبابات الإسرائيلية في الغرب، وصاح القادة في أجهزة الاتصال اللاسلكية، "لقد عبرنا، نحن الآن في أفريقيا".



[1] الوصلة القادمة من الطريق الأوسط إلى البحيرات المرة.

[2] الوصلة القادمة من طريق أكافيش إلى الدفرزوار، والمعروفة باسم وصلة الدفرزوار.

[3] هي منطقة فناء كبير محاط بسور ويقع في شمال البحيرة المرة الكبرى.

[4] جنوب وصلة الدفرزوار مع تقاطع الطريق العرضى رقم 2.

[5] تقرر في هذا اليوم نقل لواء مظلات من جنوب سيناء بقيادة عوزي إلى منطقة القتال في الدفرزوار لمساندة الهجوم.