إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر 1973، من وجهة النظر السورية





مواقع الجبهة المصرية
مواقع الجبهة السورية




حرب عام 1967

سادساً: المفاجأة

كانت المفاجأة وأسلوب تحقيقها، من أهم الأمور الجوهرية، التي شغلت بال القيادة الاتحادية والقيادتين العسكريتين، المصرية والسورية. وقد نجحت هذه القيادات في ابتكار أساليب، حققت المفاجأة بشكل جيد ومفيد، في المستويات الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكية.

ويدخل في أساليب المفاجأة الخداع والتمويه والتضليل والحيلة. وقد اشترك في التخطيط لها وتطبيقها أجهزة الدولة المتخصصة. وكانت جميعها تهدف إلى خدمة الغرض الآتي: خداع العدو عن احتمال استخدام القوات المسلحة في عملية هجومية، في وقت محدّد، ومكان محدد.

ومما سهل على القيادة العربية تحقيق المفاجأة، ذلك الوضع النفساني والإستراتيجي، الذي كانت عليه إسرائيل، يومذاك. فقد خلقت انتصارات الجيش الإسرائيلي منذ 1948 حتى 1967، في نفوس الإسرائيليين، بدءاً من رجل الشارع، وانتهاء بالقيادات السياسية والعسكرية، شعوراً طاغياً بالتفوّق العسكري، والقدرة القتالية، والعجرفة العنصرية. ولم يكن هناك ما يحمل الإسرائيليين على تغيير هذا الشعور، حتى وقعوا فريسته في 6/10/1973. ولقـد سـاعد على نمو هذا الشعور وتورمه عوامل أخرى، منها تاريخ المدة بين حربَي 1967 و1973، الذي تميز بالسكينة العسكرية بصورة عامة، باستثناء حرب الاستنزاف، وبقدرة الجيش الإسرائيلي على مواجهة ما وقع في تلك الفترة من عمليات عسكرية. يضاف إلى ذلك إكثار بعض الزعماء العرب الحديث عن "الحرب" و "التحرير" وتحديد "عام الحسم" وتأجيله. وقد أدى ذلك كله إلى نشوء اعتقاد لدى القيادات الإسرائيلية، أن هذه الأحاديث والتحديدات، ليست سوى مادة للاستهلاك المحلي. وصادف في تلك المدة أيضاً، أن توسعت عمليات المقاومة الفلسطينية، وتنوعت، وهو ما دفع القيادات الإسرائيلية إلى الاعتقاد أن العرب يفضلون دعم المقاومة الفلسطينية، وإطلاق يدها في العمل ضد إسرائيل، على شن حرب تقليدية.

هذا عن الوضع النفسي. أمّا الوضع الإستراتيجي، فقد تجسدت معالمه في اطمئنان إسرائيل، بعد حرب 1967، إلى أنها لن تقع تحت عامل المفاجأة العربية. فقد اتسعت الأرض أمام وجودها العسكري في الجبهات الثلاث، المصرية والسورية والأردنية، وانتقلت حدودها إلى الأمام مسافات طويلة، حتى أصبح لديها هامش أمان مناسب للإنذار المبكر، وهامش زمان مناسب لتعبئة قواتها الاحتياطية وسَوقها إلى مواقع القتال، في حين تتولى الخطوط الدفاعية المتقدمة الدفاع والمشاغلة، حتى تصل القوات الضاربة والقوات الاحتياطية إلى تلك المواقع.

ولقد استمر هذا الوضع الاطمئناني حتى الساعات الأخيرة، قبيل انطلاق الحرب. فقد استدعت رئيسة وزراء إسرائيل رئيس الأركان، يوم 5/10/1973، ليلاً، وأعادت عليه السؤال في شأن قدرة القوات المصرية على عبور القناة، واقتحام خـط بارليف. فأكد لها هـذا، بأدلة مفصلة، استحالة عبـور المصـريين قناة السويس. ثم قال لها: "أنا أتفق مع الجنرال ديان، وزير الدفاع، على أن أي تحرك عسكري مصري، لن يكون، أو لن يخرج عن نطاق ضربة جوية لمطاراتنا ومراكز الاتصال والقيادة. وهذا أمر نتدبّره جيداً، ونحسب حسابه الدقيق. ثم إن المعروف عن المصريين والسوريين، أنهم متدينون بطبيعتهم. فكيف يقاتلون في شهر رمضان، وهم صائمون ؟ ثم إن تقاريرنا تشير إلى أن الحالة هادئة جداً على ضفتي القناة" .

وحينما تواترت المعلومات لـدى القيادة الإسرائيليـة عن احتمالات هجـوم عربي، وقعت القيادة في حيرة وارتباك، ولا سيما أنه لم يصدر عن الجبهتين، المصرية والسورية، ما يدل على احتمال قرب وقوع هجوم واسع النطاق. وحتى ظهر يوم 6/10، كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تقدر أن هجوماً مصرياً ـ سورياً متوقع في الساعة 18.00 ، من اليوم نفسه. وحينما انطلق الهجوم في الساعة 14.05، تعذّر على قادة الجبهتين، الشمالية والجنوبية، أن يحددوا اتجاه المجهود الرئيسي للهجومَيْن، المصري والسوري. ومع ذلك، دفعت قيادتا الجبهتين بالقوات الاحتياطية، المتمركزة في خط الدفاع الثاني، لتتقدم إلى مواقعها المحددة لها مسبقاً في الخطة الدفاعية، ولتقوم بالهجمات المضادة، حسب مقتضيات الحالة.

وحينما أزفت ساعة الهجوم العربي، فوجئت الجبهتان الإسرائيليتان بالطائرات المصرية والسورية تضرب، في وقت واحـد، القواعد والمطارات ومواقع الصواريخ ومقرات القيادة والمواقع المحصنـة والتشـكيلات الإسرائيلية. وصعقتا من عنف الاختراق السوري للدفاعات الحصينة في الجولان، ومن قوة عبور القوات المصرية القناة، ذلك العبور الذي بلغ درجة جدّ عالية من الدقة والتنظيم والإعداد. ففي الدقائق الأولى لبدء القتال، حل على ذرى خط بارليف وحصونه نحو ثمانيـة آلاف جنـدي، ارتفع عددهم، بعد ساعة ونصف الساعة، ليصبح أربعة عشر ألفاً، وبعد خمس ساعات، أصبحوا ثلاثة وثلاثين ألفاً .

لقد كان من الضروري، أن يشمل عامل المفاجأة فتح الثغرات والممرات في الجدار الترابي الضخم، على الضفة الغربيـة، تمهيداً لنصب الجسـور وتشغيل المعـديّات، وعبور خمس فرق على قوارب مطاطية، في مدة 5.20 ساعات، ثم عبـور الدبابات والمدافـع والآليات، الخاصـة بالفـرق الخمس علـى جسـور عائمـة، فـي ليلـة 6 - 7/10/1973. وقـد قدّر عـدد الدبابات، التي وصلـت إلـى الضفـة الشرقيـة للقناة، حتى صباح 7/10 بنحو 500 دبابة . وتم ذلك في مدة تقل عن 18 ساعة، منذ انطلاق الهجوم في الساعة 14.05، من يوم 6/10، في حين كان موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، قد قدّر أن فتح الثغرات في الجدار الترابي، ومد الجسور، وعبور الدبابات بحجم فعال، تحتاج إلى 48 ساعة، من بدء عبور المشاة للقناة. وهي مدة كانت كافية، في نظره، لحشد القوات الاحتياطية، وشن هجوم مضاد، يهدم جسور المشاة المصرية، إذا لم تتمكن القوات الجوية من أن تتولى هذه المهمة، بسبب جدار الصواريخ المصرية.

كان من عوامل المفاجأة، ذلك القصف المدفعي، المركز والكثيف، على دفاعات العدو في الضفة الشرقية. فما أن حلت الساعة 14.05، حتى صبّت المدافع على مواقع العدو 10500 قذيفة في الدقيقة الأولى، أي 175 قذيفة في الثانية الواحدة. وطوال مدة الرمي التمهيدي، التي طالت 53 دقيقة، سقط على مواقع العدو نحو 3000 طن من قذائف المدفعية.

ومثلما فاجأت الطائرات الإسرائيلية القوات الجوية المصرية، في حرب 1967، فاجأت الطائرات المصرية والسورية القوات الجوية الإسرائيلية، في حرب 1973. واستطاعت أن تحبط، في مرحلة الهجوم، محاولات القوات الجوية الإسرائيلية استعادة السيطرة الجوية، وفتح ثغرات في الحقل الراداري، تنفذ منها إلى خطوط القتال والقواعد الجوية وغيرها من المواقع.

تسلحت القوات المصرية والسورية بصاروخ " سام-7 "، ضد الطائرات المحلقة على ارتفاعات جدّ منخفضة، وبصواريخ " سام-2 " و " سام-3 " و " سام-6 "، ضد الطائرات المحلقة على ارتفاعات متوسطة وعالية. وإلى جانب هذه الصواريخ، تسلحت وحدات الدفاع الجوي بمدافع مضادة للطائرات، خاصة من عيار 23 مم، ثنائية المواسير، والمدافع ذاتية الحركة، رباعية المواسير والمزودة برادار للتوجيه.

حققت المفاجأة العربية النتائج التالية:

1. إرباك القيادات العسكرية الإسرائيلية في جميع المستويات، ومنعها من العمل المباشر، أو رد الفعل السريع.

2. تأخير العدو في تعبئة قواته الاحتياطية، وحشدها لمواجهة الهجوم العربي.

3. تنفيذ المرحلة الأولى الصعبة من الهجوم، وهي عبور قناة السويس، واقتحام خط الدفاع الإسرائيلي في الجولان، وتدمير التحصينات الدفاعية المعادية[5].

وفي مقابل الخطة العربية، التي كانت تقوم على مبدأ المفاجأة وعامل الخداع والتمويه، لم يغب عن بال القيادة العسكرية الإسرائيلية قط، احتمال قيام مصر وسورية بالهجوم على القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان. ولقد خططت القيادة الإسرائيلية للدفاع، وصد الهجوم، وأجرت تدريبات على ذلك . وفي الوقت نفسه، لم تكن تعوز السلطات الإسرائيلية، في أثناء الأسابيع التي سبقت حرب 1973، معلومات عن التحركات العسكرية على الجبهتين السورية والمصرية، بشكل يتجاوز ما كان مألوفاً فيهما. بل يعترف الإسرائيليون أنهم كانوا على بيّنة تامة من الحشود السورية والمصرية، والتدريبات الواسعة، التي كانت تقوم بها القوات العربية. ولكن الذي غاب عن علمهم هو "قرار الحرب" العربي. يقول أحد قادة الجيش الإسرائيلي: "في مجال الاستخبارات العسكرية، تعلمنا أن المسألة لا تكمن في عملية جمع المعلومات حول استعدادات الجيوش العربية. فالواقع أنه توافرت لدى جيش الدفاع الإسرائيلي كافة المعلومات اللازمة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1973. ولقد أمكن العرب تحقيق المفاجأة، ليس بسبب افتقارنا إلى معلومات موثوقة أو استخبارات كفأة، بل بسبب القصور في التقدير وفي حسن التأويل، وعدم كشف نيات العدو. وأسوأ ما في الأمر، هو عدم تأويل هذه النيات بشكل صحيح. هذه هي العوامل الرئيسية، التي أدت إلى نجاح المفاجأة" .

وقد عبّر موشي ديان عن عامل المفاجأة في حرب 1973، بقوله : "كان المفهوم السائد يجزم أن مصر وسورية، وأنا أؤكد ذلك إلى أبعد حد، لن تشنا حرباً، إذا لم تتحقق شروط معينة، تشكل ثقلاً مضاداً لتفوّقنا العسكري. وحتى أكتوبر 1973، لم تكن تلك الشروط قد تحققت. ولذا، قدّرنا أن إمكانات نشوب حرب في ذلك الموعد، كانت ضعيفة ... ولقد تبلور لدينا ذلك المفهوم، على أساس مادة استخباراتية متينة جداً، اعتقدنا أنها أفضل ما يمكن الحصول عليه". وقال إن القيادات السياسية والعسكرية، قبل الحرب، كان لديها تأكيد إمكان "أن تشـن مصـر وسوريـة حرباً ضـدنا ... وستحـاولان مباغتتنا. وهناك احتمال لمشاركة عراقيـة، وربما أردنيـة أو ليبيـة".

وهكذا، لم يكن العمل العسكري العربي مفاجأة مطلقة أو كاملة للعدو، ذلك أن المعلومات، التي تجمعت لدى دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، دفعت القيادة إلى اتخاذ بعض التدابير، منها أن وزير الدفاع، موشي ديان، وضع الجيش العامل الإسرائيلي في حالة استنفار، دون نشر القوات وحشدها في مناطق العمليات، قبل بدء الحرب بنحو عشرة أيام. وغدا جاهزاً للحشد، وفي حالة استعداد قصوى، منذ 4/10/1973 .

سابعاً: القوات الجوية والدفاع الجوي

في المدة بين حربَي 1967 و 1973، استخلصت الجيوش العربية، خاصة الجيشان السوري والمصري، درساً مهماً، جوهره أن القوة الجوية والدفاع الجوي، عنصران رئيسيان في المعركة القادمة، سواء كانت تلك المعركة هجومية أو دفاعية. وأنه لا بد من إعادة بناء هذين الصنفين من القوات المسلحة على أسُس جديدة، تسليحاً وتدريباً وتكتيكاً. وفي الطـرف المقابل، تيقنت إسرائيل أن القـوات الجويـة سـلاح حاسم، وأنها، مع الدبابات، لا تزال الذراع الضاربة في ميدان المعركة، وفي العمق العربي.

ولقد أدى السلاحان الجويان، المصري والسوري، والقوات الجوية العربية، التي اشتركت معهما في حرب 1973، جميعها دوراً بارزاً في المعركة، يختلف اختلافاً جذرياً عن دورها، الذي أدته في حرب 1967، حين دُمّرت معظم الطائرات العربية، وهي على الأرض. فقد استطاعت القوات الجوية العربية، في حرب 1973، أن تحافظ على وجودها في ساحة القتال، وتقوم بعملها، المحدود نسبياً، طوال مدة الحرب، فضلاً عن دورها الدفاعي الأكثر فاعلية، في التصدي للهجمات الجوية الإسرائيلية في العمق. وفي المقابل، استمر الطيران الإسرائيلي محافظاً على تفوّقه فوق عمق الخطوط الإسرائيلية، ومن ثم، لم تتعرقل كثيراً عمليات نقل قواته الاحتياطية البرية إلى جبهتَي سيناء والجولان. وكذلك، لم تتأثر كثيراً خطوط مواصلات هذه القوات وحركة إمدادها بمتطلبات شؤونها الإداريـة واللوجستيـة. وقد تحدد مدى عمليات القوات البرية العربية بمدى فاعلية شبكة الصواريخ المضادة للطائرات، خاصة في سيناء، وهو ما كان له نتائجه في تطور العمليات البرية، فيما بعد.

نجحت القوات الجوية العربية، في الدور الذي أدته في الحرب، في تأكيد مقولة جديدة، جوهرها إحباط التفوق الجوي المعادي إحباطاً من الأرض، ذلك أن القيادتين، المصرية والسورية، عزّزتا سلاحيهما الجويين، ليتمكنا من التصدي لسلاح الجو المعادي، وفق نظرية "الطائرة تَجْبَه الطائرة". وفي مقابل تزوُد القوات الجوية الإسرائيلية بالطائرات الأمريكية المتطورة، لجأت القوات الجوية العربية إلى تقوية جهاز الدفاع الأرضي، بصورة متوازية مع تعزيز الأسراب بالطائرات الحديثة. وأنشأت مصر وسورية شبكات صواريخ "أرض ـ جو"، استطاعت أن تشيد جداراً دفاعياً مجدياً، اصطدمت به الطائرات الإسرائيلية، وتساقطت عنده، حتى إن 80 بالمائة من الطائرات الساقطة، وقعت بفعل الدفاعات الأرضية العربية، في حين سقط 20 بالمائة منها في القتال الجوي.

ومردّ ذلك إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي واجه وضعاً جديداً، لم يكن مستعداً له، إذ صدمه الاستخدام الكثيف لوسائط الدفاع الجوي العربي، واتساع مسرح الحرب على جبهتين، في أقصى الشمال الشرقي، وأقصى الجنوب الغربي، وتزايد حجم الواجبات عليه، مع تزايد حاجة إسرائيل إلى حماية سمائها من الضربات، التي قد توجهها القوات الجوية العربية إلى عمق الأرض المحتلة، حيث تقوم الكثافة السكانية والمراكز السكنية الكبرى والمنشآت الاقتصادية. فكان أن عجزت القوات الجوية الإسرائيلية عن الاضطلاع بجميع هذه الواجبات، في وقت واحد. وكان الهم الأول لهذه القوات، هو أن تدافع عن نفسها ومنشآتها، وعن قلب إسرائيل، قبل أن تستطيع تقديم الدعم الجوي للقوات البرية والبحرية.

وتميزت حرب 1973، في أحد جوانبها، بأنها "معركة إلكترونية". فقد استطاعت مصر وسورية مفاجأة العـدو بشـبكة من الصواريخ "أرض ـ جـو" الموجَّهـة. وقـد ضمت هذه الشـبكة صواريخ سوفيتية الصنع من طراز "سام-2" المعدل و "سام-3" و "سام-4" و "سام-6"، و "سام-7"، المحمول من قبل الأفراد والآليات، ومدافع "شيلكا"، ذاتية الحركة، الموجَّهة بالرادار. وبهذه الشبكة، أمكن تحقيق حماية فاعلة، متكاملة الأبعاد، ضد الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة وعالية. وقد فقد العدو الكثير من طائراته في الأيام الأولى للقـتال، بفضـل الصاروخ "سام-6". وكانـت طائراتـه تحـاول المناورة إلى الأعلى، لتجنُّبـه، فتجـد أمامها الصاروخ "سام-2" أو "سام-3"، كما كانت تحاول المناورة إلى الأسفل، فتجد أمامها الصاروخ "سام-7"، أو نيران المدافع المضادة "شيلكا".

إضافة إلى أنظمة الصواريخ "أرض ـ جو" الموجَّهة، استخدم في الصراع الالكتروني، الدائر بين الطائرة الإسرائيليـة ووسائل الدفاع الأرضية العربية، صواريخ أخرى موجَّهة تحملها الطائرات، هي صواريخ "جو ـ جو" و "جو ـ أرض". كما استخدمت القوات الجوية الإسرائيلية أنواعاً من قنابل الطائرات التكتيكية، المزودة بأجهزة ملاحة وتوجيه إلكترونية توجِّهها نحو الهدف. وقد تلقى العدو من الولايات المتحدة الأمريكية، في أثناء الحرب، عدداً من هذه القنابل، باهظة النفقة، لقصف الأهداف العربية الأرضية التكتيكية.

ثامناً: القوات البحرية

شهدت حرب 1973 تطوراً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في الميدان البحري، وإنْ كان تطوراً ثانوياً، وليس ذا تأثير كبير في مجرى الحرب ونتائجها. فقد اقتصر دور القوات البحرية على الإغارات على بعض الموانئ والقواعد البحرية، والاشتباكات بين القطع البحرية. وكانت المشكلة الرئيسية، التي واجهتها إسرائيل في الميدان البحري، هي إغلاق القوات البحرية المصرية، بمساعدة اليمن الديموقراطية، باب المندب، في البحر الأحمر، وهو مضيق جد بعيد من قاعدة إيلات البحرية في خليج العقبة.

وكانت إسرائيل، في إثر حرب 1967، قد عزّزت وجودها البحري عند مضيق باب المندب، بتوثيق علاقاتها بإثيوبيا، بغية حماية مواصلاتها البحرية، من خليج العقبة إلى أفريقيا وآسيا، عبر مضيقَي تيران وباب المندب. بيد أن هذا الشريان الحيوي، بالنسبة إلى إسرائيل، تعرض للشلل، حينما حاصرت البحرية المصرية، المرابطة في جزيرة بريم اليمنية، مضيق باب المندب، في اليوم الأول من حرب 1973، وأغلقته في وجه السفن الإسرائيلية وغيرها من السفن المتجهة إلى ميناء إيلات، أو الخارجة منه إلى المحيط الهندي.

يلاحظ أيضاً أن التفوق الجوي الإسرائيلي أتاح، خارج إطار الدفاع الجوي العربي، قدرة كبيرة لزوارق الصواريخ الإسرائيلية على الحركة الهجومية في البحر المتوسط، على الرغم من أن معظم العمليات كان يجري في الليل، وذلك لأن الحماية الجوية كانت تكفل لها سبيل مواصلة الانسحاب في خلال النهار، من دون أن تخشى كثيراً مطاردة الطيران أو البحرية العربيين. واقتصر دور البحرية المصرية على المساندة التكتيكية للقوات البرية، في شمالي سيناء، وتنفيذ الاغارات البرمائية، بوساطة الوحدات الخاصة، خاصة في البحر الأحمر، والدفاع الفعال عن الموانئ، مثل الإسكندرية وبورسعيد والغردقة وسفاجا.

تاسعاً: الوقفة التعبوية

كانت خطة حرب 1973، التي أعدتها القيادتان المصرية والسورية، مُحكَمة ومتكاملة ومُتقَنة، حُسبت فيها احتمالات ردود الفعل لدى العدو وأصدقائه، وفي الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، إضافة إلى ما اتصفت به الخطة من مرونة، لمواجهة ما يطرأ من تطورات في ساحة القتال.

ففي نهاية اليوم الثالث من القتال، كان الموقف العسكري في سيناء متميزاً بمتانة الوضع المصري، إذ تراوح عمق رؤوس الجسور بين 12 و 15 كم. وكانت القوات الاحتياطية لا تزال سليمة، في أتم استعداد للقتال. في حين كانت القوات الإسرائيلية في وضع سيِّئ، قتالياً ومعنوياً، بعد ما أصابها من فشل وخسائر، وبعد اضطرارها إلى اتخاذ الوضع الدفاعي، على طول جبهة القتال، من القنطرة شمالاً حتى السويس جنوباً.

ونظراً إلى أن القيادة الإسرائيلية ركّزت جهدها العسكري على الجبهة السورية، بسبب خوفها من اندفاع القوات السورية، التي أشرفت على الحد الغربي لهضبة الجولان، كان الوقت مناسباً لتطور القوات المصرية هجومها، فتتابعه في 9/10/1973، حتى يصل إلى خط المضايق، لأن ترْك العدو من دون ضغط مستمر عليه، لم يكن يعني سوى إتاحة الفرصة له ليحوز المبادأة، ولينتقل من الدفاع إلى الهجوم.

إزاء الظرف غير المناسب للعدو في سيناء، وحيال بلوغ الهجوم المضاد الإسرائيلي في الجولان حداً ضاغطاً، ليصبح ذا مظهر لنجاح تكتيكي، خاصة بعد أن قصفت الطائرات الإسرائيلية أهدافاً اقتصادية سورية في 9/10، وقصفت دمشق في اليوم التالي، في حين كانت هـذه هـي سمات الموقـف العسـكري علـى الجبهتـين، قررت القيادة المصرية إجراء " وقفة تعبوية (عملياتية) "، اختلف القادة في شأنها، وفي محاسنها ومساوئها. إذ لم يوافق رئيس هيئة العمليات عليها ، بينما رفض رئيس الأركان فكرة تطوير الهجوم شرقاً .

توقفت القوات المصرية عن التقدم في اليوم الرابع للقتال (9/10/1973)، وهو ما لم يكن منظوراً في الخطة المصرية ـ السورية المشتركة، ولكنه كان مقدّراً في الخطة المصرية. وقد استندت الخطة المصرية، في هذا الموقف إلى العاملين التاليين:

1. عدم قدرة القوات على تجاوز خط مدى الصواريخ المضادة للطائرات، التي كانت منصاتها متمركزة على الضفة الغربيـة للقناة، ومداها 15 كم، وذلك تجنباً لتعرض القوات، اذا ما تجاوزت هذا الخط، لضربات طيران العـدو.

2. بدء حرب طويلة المدى زمنياً، من مواقع تتترّس فيها القوات المصرية، وتعمل في حماية الصواريخ، وتنهك قوات العدو وخطوط مواصلاته.

استمرت الوقفة التعبوية من 9 إلى غاية 13/10/1973. وقد رأت القيادة المصرية، يومذاك، "ضرورة التمسك برؤوس الجسور على الضفـة الشرقيـة لقناة السويس، وعدم إضعاف القوات الرئيسية الموجودة هناك، أو في غرب القناة، تشكل ضرورة ملحة لأنها الضمان الأكيد لعدم فقْد القوات المسلحة لاتّزانها الإستراتيجي أو العملياتي في هـذه المرحلة الحرجة من المعـركة الضارية".

في هذه الأثناء، وحين كانت القوات السورية تصدّ الهجوم المضاد الإسرائيلي، أخذت القيادة السورية تطالب القيادة الاتحادية، في القاهرة، بتطبيق الخطة المشتركة بتطوير الهجوم في اتجاه الممرات، بغية تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي على الجبهة السورية. كما طلبت من القيادة الاتحادية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين، في شأن قصف الأهداف الإسرائيلية في العمق، في حال تعرّض إحدى المدن المصرية أو السورية للقصف الإسرائيلي . "وكان السوريون يرون أن الهجوم المصري يجب أن يستمر، إلى أن تصل القوات المصرية إلى الممرات، وتكون القوات السورية قد وصلت، عندئذ، عند نهر الأردن وبحيرة طبرية، لإستغلال نجاحها في التقدم نحو الناصرة. وعندها ـ عندها فقط ـ يمكن أن يكون لفترة الوقفة التعبوية (العملياتية) ما يبررها [...] ولربما كان شبح الهزائم السابقة، هو سبب إحجام من كانوا يتولون القيادة عن الإقدام على أي خطوة تتسم بالمغامرة. وقد يكون السبب أن سلامة الجيش، في نظرهم، أهم من محاولة استغلال أي درجة غير مرئية من النجاح. وأياً كان السبب، فقد كان هناك في الفترة ما بين يوم 8 أكتوبر ويوم 10 أكتوبر، فرصة، وضاعت" .

لقد وجَّهت القيادة السورية عدة رسائل إلى القيادة الاتحادية، تذكرها بواجب القوات المصرية في استئناف الأعمال القتالية ومتابعة الهجوم. "وقد اتسمت الرسالة الثالثة عشرة من الرسائل، التي بعثت بها دمشق، تناشد فيها مصر العمل على تخفيف الضغط الإسرائيلي عنها، بقدر أكبر من الحدة. وكجزء من الاستجابة لهذه النداءات، صدرت الأوامر، يوم 14 أكتوبر، إلى قائدَي الجيشين، الثاني والثالث، ببدء هجوم في الاتجاه الشرقي، يستخدمان فيه القوات المدرعة، واستخدام قوات المشاة في الدفاع عن نقط الارتكاز، التي تم الاستيلاء عليها عند القناة [...] ولمجرد أن بدأت المدرعات المصرية، تقدمها في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد (14/10)، وابتعدت عن الغطاء، الذي توفره لها وسائل الدفاع الجوي، أصبحت هدفاً للضربات الإسرائيلية من الجو. كذلك، فإن الأسلحة المضادة للدبابات والقذائف المحمولة بالطائرات العمودية، التي كانت إسرائيل قد تسلمتها أخيراً من الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت أن تلحق أضراراً شديدة بالدبابات المصرية [...] وقد استطاعت دقة تصويب القذائف المضادة للدبابات، التي وصلت حديثاً إلى، ميدان القتال أن توقف تقـدم القوات المصريـة على مسافة تراوح بين 12 و 15 كيلومتراً من نقطة بدايته، مع تكبيدها خسائر كبيرة. وتلقت الوحدات المصرية المهاجمة، بعد ذلك، أمراً بالتراجع إلى الخطوط، التي بدأت منها الهجوم" .

وهكذا، فإن إصرار القيادة السورية على تطبيق الخطة المشتركة، اضطر القيادة المصرية إلى استئناف العمليات الهجومية صباح يوم 14/10، في ظروف وأوضاع، ثبت أنها لم تكن مناسبة. فقد أضاعت القيادة المصرية، في أيام الوقفة التعبوية (العملياتية) (9-13/10/1973)، زمام المبادرة. ونتج من ذلك تمكين القيادة الإسرائيلية من إعادة تنظيم قواتها، وتعويض خسائرها بأحدث الأسلحة والمعدات الأمريكية، التي بدأت تأخذ مواقعها في ميدان القتال، في خلال مدة الوقفة التعبوية.

وإذا كان هجوم 14/ 10، جاء استجابة لطلب سوري، فإن القيادة المصرية صنفته مرحلة ثانية من مراحل القتال وتحرير سيناء، فقد هدفت منه إلى تعميق الشريط المحرر على الضفة الشرقية، حتى يصبح 30 كم تقريباً، أي حتى المداخل الغربية لممرَّي متلا والجدي، إضافة إلى أن هذا التعميق، يسمح للقوات المصرية بتحرير الطريق العرضي الموازي للقناة، الذي كانت القوات الإسرائيلية قد أنشأته، ليمد خط بارليف بالمؤن والأسلحة والذخائر، وليوفر لتلك القوات حرية الحركة لشن الهجوم المضاد .

وقد ظهر أن هجوم يوم 14/10، لم يكن موصول الجذور بعمليات أيام 6 و 7 و 8/10، ولا هو من نوعها، إذ "نصت التوجيهات الصادرة على استخدام مفارز صغيرة نسبياً، ولكنها ذات قوة نيران كبيرة، على أن تكون من خارج التكوين الأصلي لفرق المشاة الخمس، التي كان عليها أن تستمر في التمسك برؤوس الجسور" . يضاف إلى ذلك، أن رئيس الأركان وقائـدَي الجيشـين، الثاني والثالث، وهم الذين أوكل إليهم تنفيذ أمر الهجوم في 14/10، لم يكونوا مقتنعين بالأمر، وتوقعوا الفشل للهجوم .

وبغية توفير الوحدات اللازمة لتنفيذ الهجوم حتى الممرات، عبَرت فرقتان مدرعتان من الضفة الغربية إلى الشرقية، لتكون القوة الضاربة مؤلفة من: أربعة ألوية مدرعة، ولواء مشاة آلي، تسلك أربعة محاور: فيسير لواء مدرع في اتجاه ممر متلا (القطاع الجنوبي)، ولواء مشاة ميكانيكي في اتجاه ممر الجدي (القطاع الجنوبي)، ولواءان مدرعان في اتجاه الطاسـة (القطاع الأوسط)، ولواء مدرع في اتجاه بالوظة (القطاع الشمالي).

وحينما بدأ الهجوم في 14/10، كانت القوات المصرية تضم 400 دبابة، مقابل 900 دبابة إسرائيلية، "في المكان الذي يختاره العدو لهذا اللقاء، وتحت سيطرة جوية معادية" . وحوالي ظهر اليوم نفسه، انسحبت القوات المهاجمة المصرية إلى حماية مظلة الصواريخ، بعد أن خسرت حوالي 250 دبابة .

ولقد استخدمت القوات الإسرائيلية أساليب جديدة في مواجهة الهجوم المصري، المستأنف في 14/10. فإذا أضفنا إلى ذلك تلك الأسلحة المتطورة، المتدفقة من الجسر الجوي الأمريكي، ونشاط سلاح الطيران المعادي، وتقدم القوات المصرية على محاور جبهية ومتوقعة من جانب العدو، توضحت أسباب فشل ذلك الهجوم، الذي انتهى في اليوم نفسه (14/10/1973).

جاءت الوقفة التعبوية في وقت وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي ديان، الحالة، في المؤتمر الصحافي، الذي عُقد بعد ظهر يوم 9/10، حين قال: "أصيب الجيش الإسرائيلي بأسوأ هزيمة له في سيناء. وكان على وشك الانهيار في الجولان" . وشرح ديان الموقف العسكري والهزائم، التي أحاقت بالجيش. وقد صدم الصحافيون بهذا الموقف، وبلهجة التشاؤم، التي سيطرت على الوزير الإسرائيلي. وحينما علمت رئيسة الوزراء بالأمر، أمرت وزير الدفاع بالتخلي عن الحديث، الذي كان مقرراً أن يقدمه إلى الناس عبر التليفزيون.

عاشراً: ثغرة الدفرسوار

نشأت ثغرة الدفرسوار، التي بدأ نفوذ القوات الإسرائيلية منها، ليلة 15 - 16/10، في وقت بدأت معالم مسرح العمليات تتغير، بدءاً من مساء 14/10. فالهجوم المصري المستأنف في صباح ذلك اليوم، لم ينجح، والوحدات، التي كانت تكوّن الاحتياطي العام على الضفة الغربية للقناة، أصابها بعض الخلل، حين استخدم بعضها لتطوير ذلك الهجوم. والأهم من هذا وذاك، أن الجسر الجوي الأمريكي المؤلف من طائرات النقل الضخمة "جالاكسي سي-5"، بدأ يتدفق إلى إسرائيل، بتواتر متسارع، حاملاً الأسلحة والمعدات، التي كانت تُرسل، فوراً ومباشرة، إلى ميدان القتال.

بدأت القيادة الإسرائيلية تجميع قواتها المدرعة ضد الجبهة المصرية، أيام 12 و13 و14/10، واستعانت بمعلومات زوّدتها بها طائرات استطلاع أمريكية. وأخذت القوات الإسرائيلية، بدءاً من منتصف يوم 14/10، تركز هجومها على الجانب الأيمن للجيش الثاني الميداني، تمهيداً لتطبيق خطة "الغزالة"، التي بدأ تنفيذها في الساعة السابعة من مساء 15/10. وقد حشدت القيادة الإسرائيلية، لتنفيذ الخطة، ثلاث أوجدات، تضم سبعة ألوية مدرعة وثلاثة ألوية آلية ولواء مظليين، مدعومة بقوات جوية. وقد فوجئت الحملة الإسرائيلية بوجود قوات مصرية فاعلة في غربي القناة، مؤلفة من وحدات من مختلف صنوف الأسلحة، ومن احتياطي القيادة العامة. وقد استطاعت القوات المصرية محاصرة الحملة الإسرائيلية من جميع الجهات، ومنعتها من تحقيق أهدافها .

لم تكن عملية " الغزالة " وليدة الفكر القيادي الإسرائيلي، بعد انطلاق حرب 1973، وإنما كانت أحد البدائل، التي فكرت فيها القيادة العسكرية الإسرائيلية، في إثر حرب الاستنزاف (1969-1970). فقد تصورت تلك القيادة أن من الاحتمالات المنتظرة، أن تخطط القيادة المصرية لعبور القناة، على الرغم من وجود خط بارليف ومناعة حصونه. كما تصورت أن النجاح، الذي أحرزته القيادة المصرية، في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، ضد القوة الجوية الإسرائيلية، بإقامتها تلك الشبكة المترابطة والكثيفة من الصواريخ "سام-2" و "سام-3" و "سام-7"، سيدفعها إلى تكثيف تلك الشبكة وتطويرها وتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات أكثر فاعلية. ومن هنا، تولد التفكير للتخطيط لعملية محدودة على الضفة الغربية للقناة، تهدف إلى "تحطيم جزء من شبكة الصواريخ، لفتح ثغرة فيها، تستغلها الطائرات الإسرائيلية، لكي تُتِم بأمان تدمير الحائط كله، ومن ثم تصبح قوات الجبهة المصرية تحت رحمة الطيران الإسرائيلي"  . ولقد تولت قيادة الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، قبل حرب 1973، تحديد موقع عبور القوة إلى الضفة الغربية، ووضع العلامات، التي تشير إلى درب العبور.

وفي المقابل، فكرت القيادة العسكرية المصرية في احتمال عبور العدو القناة. ويتحدث رئيس أركان القوات المسلحة المصرية عن ذلك بقوله : "عندما كنا نعِدّ خططنا لعبور القناة، لم نستبعد مطلقاً، أن يقوم العدو باختراق مواقعنا، سواء في مراحل ما قبل العبور، أو في أثناء العبور، أو بعد نجاح العبور، بل تصورنا أيضاً المناطق، التي يحتمل أن يعبُر منها، وحدّدنا ثلاث نقاط محتملة كانت الدفرسوار إحداها. ووضعنا الخطط اللازمة لضرب هـذه الاختراقات فور حدوثها، وحدّدنا القوات، التي تقوم بتنفيذها، ودربنا تلك القوات على تنفيذ هذه الواجبات" ، "ولكي نستطيع سحق أي اختراق في مراحله الأولى، فقد حشدنا معظم دباباتنا في المنطقة الأماميـة. وقـد كان مقرراً طبقاً للخطـة أن يعـبُر الجيشان، الثاني والثالث، بحوالي ألف دبابـة، وأن يتم الاحتـفاظ بـ 350 دبابة غرب القناة بحوالي 20 كم، وهي ضمن تشكيلة الفرقـة 21 المدرعة، التي تحمي ظهر الجيش الثاني، والفرقة الرابعة المدرعة، التي تحمي ظهر الجيش الثالث. وإن بقاء هاتين الفرقتين في أماكنهما غربي القناة كفيل بأن يسحق أي اختراق كان، يقوم به العدو على طول الجبهة". أمّا في صباح يوم 14/10، فلم يكن يوجد غربي القناة سوى لواء مدرع واحد، في منطقة الجيشين، الثاني والثالث.

اعتمدت القياد الإسرائيلية على عامل المفاجأة. وعلى الرغم من أن العملية بدأت في الساعة 17.00، من يوم 15/10، وأن الطلائع الأولى للمظليين وصلت إلى الضفة الغربية في الساعة 1.00، من صباح 16/10، وعلى الرغم من أن المرحلة الأولى من العملية، طالت ثماني ساعات ونصف الساعة، لم تَلقَ طلائع القوة الغازية على الضفة الغربية مقاومة، في بادئ الأمر، الأمر الذي أتاح لها أن تتفرغ لإزالة الألغام، وانتقاء الخنادق والمساتر. وحتى صباح 16/10، لم يكن للعدو على الضفة الغربية سوى "حوالي ثلاثين دبابة [ كتيبة دبابات ] وحوالي كتيبة من جنود المظلات" . وكان هذا يعني أن أي هجوم مضاد تشنه قوة ضاربة مصرية على رأس الجسر، الوحيد حتى ذلك الحين، كان قادراً على تدمير الجسر وإبادة القوة العابرة. وقد بررت القيادة المصرية ضعف ردة فعلها تجاه عملية "الغزالة" بعدم وضوح الصورة الحقيقية للأحداث. فقد كانت المعلومات، التي أبلغتها القيادات المسؤولة في الجبهة إلى القيادة العامة، صباح يوم 16/10، تحدد عدد الدبابات المعادية بين 7 و 10 دبابات، وليـس ثلاثـين، كما كانـت حقيقـة الأمر. وهـكذا، كانـت المعلومات الأولى "مقتضـبة، ولا تثير أي انزعاج" . وفي أثناء نهار 16/10، "بدأت المعلومات تصل إلينا، بأن عدداً من كتائب صواريخ سام، قد هوجمت بواسطة دبابات العدو، وكان بعض هذه الكتائب تقع على عمق حوالي 15 كم غرب القناة. لقد كان الموقف مائعاً، وعجزت قيادة الجيش عن تحديد حجم ومكان القوة المعادية" .

حينما وصلت المعلومات الأولى عن الثغرة إلى القيادة العامة في القاهرة، صباح يوم 16/10، كان القائد العام للقوات المسلحة في رفقة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، في مجلس الشعب، حيث أعلن الرئيس "رأي مصر لحل مشكلة الشرق الأوسط" .

كان البلاغ، الذي وصل من قيادة الجيش الثاني إلى القيادة العامة في شأن عدد الدبابات المعادية، التي تسللت إلى الضفة الغربية (7-10 دبابات) غير صحيح، "ولم يكن مقصوداً أبداً تقليل العدد عن عمد. ولكنه جاء نتيجة لعدم الحصول على المعلومات الصحيحة الدقيقة عن قوة العدو". بيد أنه كان لهذه المعلومة غير الصحيحة تأثير كبير في ردة فعل القيادة العامة. يضاف إلى ذلك أن القيادة المصرية، في شقّيها الإعلامي والعسكري، لم تفصح عن دقة المعلومات عن الوضع العملياتي، الذي كان يتطور ما بين ساعة وأخرى، حتى "إن أبعاد الموقف وخطورته لم تكن معروفة، حتى على مستوى قادة الفرق" . ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الحال إلى حيرة الوحدات المصرية، التي تعرضت لهجوم القوات المعادية غربي القناة. "لقد كانت الوحدات الإدارية، ووحدات الدفاع الجوي، ومراكز القيادة غرب القناة، تفاجأ بظهور دبابات تطلق النار عليها، دون أن تدري ما هي هوية هذه الدبابات. وفي الوقت الذي تكتشف فيه حقيقة الموقف، تكون هذه الوحدات قد تم تدميرها أو أسرها. كانت العربات والأفراد الذين يتحركون في الضفـة الغربيـة للقناة، وهم يعتقـدون بصحة البلاغات المصرية، التي تصور بأن ليس لدى العدو سوى 7 دبابات تختبئ في الأشجار في منطقة الدفرسوار، تفاجأ بمَن يظهر أمامها ويطلق النار عليها، فيقتل فريقاً ويأسر آخـر" .

عقدت القيادة العامة المصرية اجتماعاً بعد ظهر يوم 16/10، وقررت شن هجوم مضاد في منقطة الخرق، صباح اليوم التالي. غير أن الاختلاف كان واضحاً، بين الوزير القائد العام ورئيس الأركان العامة. فقد اقترح الثاني أن يُسحب اللواءان المدرعان (4 و25) من شرقي القناة إلى غربيها، لتكون تصفية الثغرة بضربة قوية في غربي القناة، وبضربة ثانوية ضد فتحة الثغرة في شرقيها، في حين كان القائد العام يرى أن تكون الضربة القوية في شرقي القناة، والثانوية في غربيها، وبذلك يُقضى على الخرق من فتحة انطلاقه، وتغلق الثغرة بمحاصرة القوات، التي عبرت القناة، ثم بالقضاء عليها. وبذلك، لا تكون ثمة ضرورة لعودة أي قوة مدرعة مصرية من الشرق إلى الغرب. وقد دعم رئيس الجمهورية رأي القائد العام.

من الأسباب، التي دعم بها رئيس الأركان العامة اقتراحه:

1. كان اللواء المدرع 25 قد تدرب، قبل بدء الحرب، على "تدمير العدو إذا نجح في الاختراق في منطقة الدفرسوار".

2. أن سحب الفرقتين المدرعتين من شرقي القناة إلى غربيها، يعيد الاتزان إلى الترتيب الدفاعي.

3. أن الهجوم المضاد في غربي القناة، يدخل تحت مظلة الدفاع الجوي، في حين أن انطلاقه في الضفة الشرقية، سوف يتم "خارج هذه المظلة" .

خلال المدة من 16 إلى 25/10/1973، خسرت إسرائيل 67 طائرة، وحوصرت قواتها غربي القناة، بفرقتين مدرعتين، ولواء مدرع مستقل، وفرقتين آليتين، وقوات احتياطي القيادة العامة، وذلك تمهيداً للقضاء على الثغرة، بتنفيذ خطة "شامل"، التي وضعتها القيادة العامة المصرية لهذا الغرض. لكن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية سياسياً، أدى إلى وقف إطلاق النار ومعالجة الوضع بالتفاوض .

حادي عشر: حرب الاستنزاف على الجبهة السورية

في إثر توقف إطلاق النار على الجبهة السورية، في 13/11/1973، أخذت إسرائيل تراوغ في رسم خط وقف إطلاق النار، وهو ما دفع القيادة السياسية السورية، في 13/3/1974، إلى استئناف الأعمال العسكرية على طول الجبهة، متوخية غرضاً إستراتيجياً، هو كسر حالة الجمود، الناجمة عن الموقف الأمريكي ـ الإسرائيلي تجاه الوضع في الجولان وجبل الشيخ. وقد شكّل مجموع هذه الأعمال "حرب استنزاف". ولقد تركّز القتال، بشكل خاص، في القطاع الشمالي من الجبهة وفي جبل الشيخ. وكانت أداته الأساسية المبارزة بالنيران، مع استخدام الإغارات والكمائن، والهجمات المحـدودة بالقـوات المحمولة جـواً. ولم تقتصر المبارزة بالنيران على الوسائط البرية، بل شاركت فيها القوات الجوية، التي لم تستطع تحقيق الحسم، بسبب كثافة الدفاعات الأرضية المضادة للطائرات لدى الطرفين.

بقيت المبادرة في حرب الاستنزاف هذه، التي دامت 80 يوماً، في يد القيادة السورية، التي كانت تنتقل من تصعيد إلى آخر، بحسب مقتضيات الموقف. وكانت إسرائيل تردّ على التصعيد بتصعيد مضادّ. ولكن التصعيد والتصعيد المضادّ كانا يتمان بشكل متوازن، يحكمه ويتحكم فيه هذا النوع من الصراع، خاصة في تلك المرحلة آنذاك.

توقفت الأعمال القتالية مع توقيع اتفاقية الفصل بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية، في نهاية مايو 1974، وانسحاب إسرائيل من الجيب المحتل، ومن مدينـة القنيطرة، ومن أجزاء أخرى من الأرض السورية، التي كانت قد احتلتها في حرب 1967.




[1] يقول دوبوي: إن اسم الخطة بالعبرية هو "أبيراي ليف" أي "القلب القوي". غير أن صحفياً غربياً فِهم أن الاسم الرمزي للعملية، هو "الغزالة"، فشاع الاسم بين الإعلاميين والمؤرخين .

[2] قدّر اللواء الإسرائيلي حاييم هرتسوج   Chaim Herzog قوة المدفعـية السورية، التي اشتركت في السد الناري، بـ 140 بطارية مدفعية ميدانية ومدفعية صاروخية.

[3] قال الجنرال باليت: "قدّر الإسرائيليون أن مجموع قوة الدبابات (السورية)، التي هاجمتهم، في اليوم الأول، كانت تراوح بين 1000 و 1200 دبابة، على الرغم من أن هذا العدد كان، بلا شك، مبالغاً فيه. غير أن دمشق قدّرت الرقم بحوالي 800 دبابة. ومهما يكن من أمر، فإن التفوق كان ساحقاً.

[4] قال الفريق كمال حسن علي، رئيس وزراء مصر السابق، في حديث نشرته جريدة "الحياة"، الصادرة في 6/10/1992: "إن القوات المصرية استولت أثناء الحرب على دبابات إسرائيلية أمريكية الصنع، لم يتجاوز عدّاد سيرها 150 كم".

[5] ثمة إشارة إلى أن القيادة الإسرائيلية كادت تستخدم القنابل الذرية التكتيكية ضد القوات العربية، بسبب هزيمتها الشاملة، في الأيام العشرة الأولى للحرب، وقد اعترف بذلك وزير الدفاع موشي ديان. ثم كان نداء رئيسية وزراء إسرائيل، جولدا مائير