إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب أكتوبر1973، من وجهة النظر المصرية




لواء طيار/ محمد حسني مبارك
لواء/ محمد سعيد الماحي
إنشاء الكباري للعبور
اللواء بحري فؤاد ذكري
اللواء طيار صلاح المناوي
اللواء سعد مأمون
اللواء عبدالمنعم خليل
اللواء فؤاد نصار
المشير أحمد إسماعيل علي
المشير عبدالغني الجمسي
السادات أثناء عرض الخطة
السادات في أحد اللقاءات
السادات في زيارة تفقدية
الفريق محمد علي فهمي
الفريق سعد الدين الشاذلي
الفريق عبدالمنعم واصل
كمائن الصواريخ
علم مصر فوق سيناء
عميد أ.ح/ عبدالحليم أبو غزالة
عميد مهندس/ أحمد حمدي
عميد منير شاش
فتح الثغرات
قوارب المشاة تقتحم القناة

أوضاع القوات 7 أكتوبر
أوضاع قوات الجانبين
إحدى نقط خط بارليف
معركة اللواء 25 مدرع
المناطق المحتلة عقب 1967
النقط المكونة لخط بارليف
التطوير يوم 12 أكتوبر
التطوير شرقاً للعملية بدر
الخطة الإسرائيلية للعبور
حجم وأوضاع القوات الإسرائيلية
خطوط فك الاشتباك الثاني
خطة العمليات الهجومية الأولى
خطة العمليات الإسرائيلية
خطة العمليات جرانيت 2
جغرافية شبه جزيرة سيناء
طبوغرافية الأرض شرق القناة

أوضاع قوات الطرفين 1967
معركة الفردان 8 أكتوبر
الخطة شامل لتصفية الثغرة
تأثير عناصر الدفاع الجوي
حجم وأوضاع القوات المصرية
خطوط فك الاشتباك الأول
طبوغرافية الأرض غرب القناة
طبيعة قناة السويس



حرب عام 1967

المبحث الثاني

الإعداد السياسي للحرب

لم يكن وقف القتال بين أطراف الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة (يونيه 1967) هو نهاية الحرب بينهما. فقد وضح إصرار العرب على تصحيح نتائج تلك الجولة، واستعادة أراضيهم التي احتلت خلالها. ولما كانت قواتهم المسلحة في أوضاع لا تسمح لها بتحقيق تلك الغاية الوطنية، لذلك لجأ العرب إلى المجال السياسي، في محاولة لإيجاد مخرج من تلك الأزمة، في إطار الشرعية الدولية، بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي.

أولاً: الصراع السياسي مع إسرائيل

كان على الدول العربية الثلاث، أثر هزيمتهم في حرب يونيه 1967، الإعداد للحرب، سياسياً، استعداداً لجولة جديدة. وكان هدف الإعداد السياسي اكتساب تأييد إقليمي وعالمي، لعدالة قضيتهم في تحرير أراضيهم. ولتحقيق الهدف السياسي، سعى العرب للحصول على قرار من الأمم المتحدة، يدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ويطالبها بالانسحاب منها.

كانت مصر أكثر نشاطاً، وفاعلية في التحرك السياسي، على كافة المستويات الخارجية، مستثمرة رصيداً من النفوذ السياسي القديم، لدى معظم دول العالم المستقلة حديثاً، واحتراماً سياسياً لتاريخها القديم، كدولة ذات حضارة عريقة، وتاريخ مجيد.

بدأ الصراع السياسي، لتحقيق الهدف من الإعداد السياسي، عقب وقف إطلاق النار (القرار الرقم 233)، والذي ماطلت إسرائيل في تنفيذه، حتى تستكمل أعمالها القتالية، بالوصول إلى أهدافها النهائية من الحرب بالاستيلاء على خطوط ترتكز على عوائق طبيعية، وهو ما لم تكن قد وصلت إليه على الجبهة السورية بعد.

كان القرار الرقم 233، الذي أصدره مجلس الأمن مساء اليوم الثاني للحرب، في 6 يونيه 1967، قد خلا من أي إشارة لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها إبان تلك الحرب (أٌُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 233).

لم تأت الجهود الذي بذلها مندوبي الدول العربية الثلاث في الأمم المتحدة، بأي نتائج إيجابية، واستمر مجلس الأمن في الانعقاد لبحث الموقف المتدهور في الشرق الأوسط، حيث كان القتال مازال دائراً في الجبهات الثلاث، ووافق أعضاء مجلس الأمن بالإجماع على مشروع قرار سوفيتي، في 7 يونيه 1967، لوقف إطلاق النار كذلك، لا يختلف كثيراً عن القرار الرقم 233 السابق. وأضاف مشروع قرار أمريكي عُرض يوم 8 يونيه، "المباشرة بمحادثات بمساعدة طرف ثالث، أو بمساعدة الأمم المتحدة" لبحث ترتيبات انسحاب وفصل بين القوات! وطلب مشروع قرار سوفيتي جديد في نفس اليوم (8 يونيه) بانسحاب إسرائيل، ولم يتم التصويت على القرارين.

وافقت الدول الأعضاء بمجلس الأمن أخيراً، على قرار صدر يوم 8 يونيه بالتقيد بإيقاف إطلاق النار، والذي لم يكن قد دخل حيز التنفيذ الفعلي إلا مساء يوم 10 يونيه، بعد أن حقق الإسرائيليون هدفهم باحتلال عاصمة الجولان السورية، مدينة القنيطرة الإستراتيجية.

قطع الإتحاد السوفيتي علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، في 10 يونيه 1967، تأييداً للدول العربية، وهو أول مكسب سياسي للعرب، الذين بدأوا صراعاً دولياً سياسياً، للحصول على قرار من المجتمع الدولي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة. على الجانب الآخر فإن الإتحاد السوفيتي أنذر إسرائيل والولايات المتحدة، باتخاذ إجراءات منفردة لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، بما في ذلك العمل العسكري، وسارع الرئيس الأمريكي جونسون إلى إعطاء أوامره ليقترب الأسطول السادس الأمريكي، العامل في البحر المتوسط، من السواحل الشرقية، حيث سورية وإسرائيل لمسافة 100 ميل، ثم عاد ليخفضها إلى 50 ميل، وهو ما جعل السوفيت ينتهجون سياسة أكثر اعتدالاً بدت من لهجة رسائلهم في اليوم التالي، ليخسر العرب ما كسبوه، وتستمر إسرائيل في أعمالها القتالية لتحقيق أهدافها من الحرب.

ثانياً: قرار مجلس الأمن الرقم 242

بعد خمس شهور من المناورات السياسية، تقدمت بريطانيا بمشروع قرار، حصل على موافقة كل الأطراف، وصدر بالإجماع في مجلس الأمن، يوم 22 نوفمبر 1967 (القرار الرقم 242) والذي كان ينص على المبادئ التالية:

1. انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض محتلة في النزاع الأخير.

2. إنهاء حالة الحرب، والاعتراف بسيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دول المنطقة، وبحقها في العيش بسلام، في حدود آمنة ومعترف بها، ومتحررة من التهديد بالعنف، أو استعماله.

3. ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.

4. تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

5. ضمان السيادة الإقليمية، والاستغلال السياسي لكل دولة في المنطقة، من خلال تدابير تتضمن إنشاء قطاعات منزوعة السلاح.

كما طالب القرار، أن يعين الأمين العام للأمم المتحدة ممثلاً خاصاً (مبعوث دولي)، يكلف بمهمة الاتصال بالأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط، ومساعدتها في التوصل إلى اتفاق فيما بينها، يحقق تسوية سلمية مقبولة، مستندة إلى بنود ومبادئ القرار الرقم 242(أنظر وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 242).

رغم نص القرار الرقم 242، على انسحاب القوات الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل وحدها، أوجدت تفسيراً مخالفاً للقرار، حيث فسرت كلمة "أراضي"، بأنها غير محددة، لذلك فهي غير ملزمة بالانسحاب. وكانت الدول العربية، وكذلك أعضاء مجلس الأمن، يرون أن كلمة "أراضي"، يقصد بها كل "الأراضي" التي احتلتها القوات الإسرائيلية في تلك الحرب، وهو ما لم تراه إسرائيل، وتمسكت بحرفية الصياغة التي جاءت مبهمة، تحتمل التأويل والاختلاف.

كان القرار 242، بالنسبة للدول العربية، مكسباً سياسياً، رغم ما عاب صياغته من إبهام. فهو يصلح لاتخاذه قاعدة للعمل السياسي، إما بإجبارها على تنفيذه طبقاً للمفهوم الحقيقي له، أو كشفها أمام العالم، سياسياً، باعتبارها الرافضة لتنفيذ إرادة المجتمع الدولي.

قبلت مصر قرار مجلس الأمن، القرار الرقم 242[1]، تحت ضغط الموقف العسكري المتدهور، ولحين إعادة بناء قوتها المسلحة، وتنمية قدراتها القتالية. كما أن قبول القرار، يحقق خطوة نحو الهدف السياسي، إذ يوضح المرونة في الموقف السياسي العربي، مقابل التعنت الإسرائيلي، ويؤكد الاستعداد للتوصل لحل سلمي من جانب العرب، رداً على الدعاية الصهيونية، التي تبرز العرب متعطشين للحرب والدمار. من جهة أخرى فإن القرار لم يحقق المطلب الإسرائيلي بالمفاوضات المباشرة مع العرب، وإنما يقرر تعيين ممثل شخصي للأمين العام، كوسيط بين الأطراف المتنازعة، لتنفيذ القرار، ورفع تقرير عن ذلك.

ثالثاً: التصعيد العسكري للموقف

كانت الدفاعات على الجبهة المصرية، غرب القناة، تزداد تجهيزاً، وقوة، تدريجياً. كما أصبحت القوات المدافعة عنها أكثر عدداً، وأحسن تدريباً، نسبياً. وهو ما كان يحدث كذلك على الجبهات الأخرى، ورأت مصر أن تُصّعِدْ الموقف عسكرياً، حتى لا يتجمد، فانتقلت إلى مرحلة جديدة، سميت بحرب الاستنزاف، وشاركت الجبهتان الأخيرتان فيها كذلك باشتباكات بالمدفعية، وتسللات للفدائيين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة.

كانت مصر تهدف من التصعيد العسكري المحسوب، استنزاف في القوات الإسرائيلية، وتذكير العالم باستمرار احتلال القوات الإسرائيلية، للأراضي العربية المجاورة، لذلك صعدت من أعمالها من اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمدفعية عبر قناة السويس، إلى العبور واقتحام النقط القوية للدفاع الإسرائيلي شرق القناة (خط بارليف) بقوة تدرجت في الحجم من مجموعة أفراد إلى وحدة كاملة بأسلحتها الثقيلة، ومن البقاء عدة دقائق لإنهاء الاشتباك مع القوة الإسرائيلية، إلى البقاء يوم كامل (24 ساعة) وإدارة القتال لاقتحام الدفاعات والاستيلاء عليها، ثم احتلالها وصد الهجمات المضادة لاستردادها، وهو ما أفاد جيداً بعد ذلك.

رابعاً: جهود المبعوث الدولي لتنفيذ القرار الرقم 242

تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242، عين الأمين العام للأمم المتحدة، يوثانت U Thant، السفير جونار يارنج، السويدي الجنسية، ممثلاً شخصياً له في منطقة الشرق الأوسط، للاتصال بدول المنطقة، وتشجيعها على التوصل لاتفاق بينها، في اطار مبادئ ونصوص القرار الرقم 242. على إثر ذلك قام المبعوث الدولي، بعدة رحلات بين الدول الأربعة، والأطراف المعنية.

قام المبعوث الدولي يارنج، بعدة اتصالات بين الأطراف المعنية محاولاً تقريب وجهات النظر، ثم قدم تقريره إلى مجلس الأمن عما تم في المهمة المكلف بها، والتي مرت بمراحل ثلاث من التعنت الإسرائيلي. في المرحلة الأولى، وضح أن لإسرائيل موقف خاص متخذ مسبقاً، بعدم التوصل إلى حل إلا عن طريق المفاوضات المباشرة، وأنها لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها، إلا بعد التوصل إلى الحل الذي ترضاه، ورفضت التصريح باستعدادها لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242، واصفة إياه، بأنه مجرد إطار للاتفاق، لا ينفذ إلا من خلال المفاوضات المباشرة[2].

في المرحلة الثانية، أكدت إسرائيل للمبعوث الدولي يارنج، الموقف السابق، وطلبت الاتفاق على حدود آمنة لها قبل الانسحاب[3]. وفي المرحلة الثالثة، سلم يارنج لأطراف النزاع، مذكرة رسمية مكتوبة، تطالبهم بالالتزام بتنفيذ القرار الدولي الرقم 242، وتزامن ذلك مع قبول الأطراف مبادرة وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز، والتي توقفت بمقتضاها الاشتباكات على خطوط وقف إطلاق النار (حرب الاستنزاف)، وقد نصت على عودة الأطراف المتنازعة إلى التفاوض لحل القضية سلمياً، إلا أن إسرائيل امتنعت عن حضور أي مباحثات لمدة أربعة أشهر.

قدم السفير يارنج مذكرة، في فبراير 1971، إلى كل الأطراف يحثهم على تقديم تصريحات بالالتزام بتنفيذ القرارات الدولية. وافقت مصر على المذكرة الدولية، وردت إسرائيل بتعليقات على مذكرة مصر، دون أن تذكر قبولها، أو رفضها، للمذكرة، والالتزامات المطلوبة منها، وأصرت على عدم الانسحاب من خطوط وقف القتال 1967، مجدداً.

وجه يوثانت، نداء إلى إسرائيل، يحثها على الرد الايجابي على مذكرة مبعوثه الشخصي يارنج، إلا أنها تمسكت بتعنتها، واستمرت في تجاهل مساعي يارنج لبدء المباحثات، ورفضت كذلك الإعلان عن استعدادها لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242، وأدى ذلك إلى فشل مهمة المبعوث الدولي وانتهاءها. وفي خلال ذلك هاجمت إسرائيل الأردن وعبرت خط وقف إطلاق النار (نهر الأردن) للضفة الشرقية منه يوم 21 مارس 1968، واقتحمت بلدة الكرامة القريبة من الحدود، في محاولة يائسة للوصول إلى قواعد الفدائيين الفلسطينيين، الذين كانوا ينطلقون كثيراً، من الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية المحتلة، للقيام بعمليات فدائية داخلها.

رغم الضغوط الأمريكية على الأردن، حتى لا يرفع شكوى لمجلس الأمن، فإن الملك حسين، ملك الأردن، أصر على إثارة موضوع هذا الاعتداء، وصدر قرار من مجلس الأمن بإدانة العدوان الإسرائيلي، بعد محاولة فاشلة للمندوب الأمريكي بالمجلس (جولدبرج) لإدانة المقاومة الفلسطينية بجانب إسرائيل كذلك ووضح من هذا القرار مدى استهانة إسرائيل بالرأي العام العالمي، وغرورها (القرار الرقم 248 بتاريخ 24 مارس 1968). (أُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 248 إدانة عمل إسرائيل العسكري الواسع النطاق والمتعمد ضد الأردن (الكرامة))

عبر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، عن المطالب الإسرائيلية ونظرتها للأمور، في المشكلة التي أصبحت تسمى "أزمة الشرق الأوسط"، في تصريح له أذيع رسمياً، "أن العودة إلى مواقع 4 يونيه 1967، لن تأتي بالسلام، ويجب أن يكون هناك حدود آمنة، كما أنه يجب أن يكون هناك حدود معترف بها… يتفق عليها بواسطة الجيران المعنيين، للتحول من الهدنة إلى السلام". وكان ما صرح به يعني المفاوضات المباشرة مع إسرائيل خارج إطار القرار الرقم 242.

من جهة أخرى، فإن الرئيس الفرنسي شارل ديجول، كان واضحاً في الإفصاح عن رأيه، بأنه ضد العدوان الإسرائيلي، وضرورة انسحاب إسرائيل إلى خطوط 4 يونيه 1967. كما كان يرى أن إسرائيل قد أصبحت حقيقة واقعة، ويجب الاعتراف بها. ويوضح الموقفان المتناقضان الرئيسين من الدول الغربية العظمى والكبرى، مدى انقسام الرأي فيهما وتأرجحه بين الحق والباطل مما يتطلب جهوداً دبلوماسية أكبر على الصعيد الأوروبي.

وجهت مصر مذكرة إلى السفير يارنج، في 19 أكتوبر 1968، تطلب فيه إجابة إسرائيل عن سؤالين، أولهما، هل إسرائيل مستعدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242؟ والثاني، هل ستسحب إسرائيل قواتها من جميع الأراضي العربية المحتلة نتيجة لعدوانها في 5 يونيه 1967؟. ولم ترد إسرائيل على الأسئلة المصرية، بل أرسلت تطلب عقد اتفاق منفرد بينها وبين مصر لإقامة سلام عادل ودائم. وهو ما رفضته مصر، وقد كرر وزير الخارجية الأمريكي دين راسك هذا الطلب في مقابلة له مع وزير الخارجية المصري محمود رياض، في نيويورك، في 2 نوفمبر 1968، عندما عرض مشروعاً للسلام مع إسرائيل من 7 نقاط[4]، وقد رُفِضْ هذا العرض كذلك، لعدم اشتراك باقي الدول العربية المعنية.

خامساً: المشروع السوفيتي

قدم السوفيت لمصر، في شهر ديسمبر 1968، مشروعاً لحل الأزمة، يتضمن جدول زمني لتنفيذ القرار الرقم 242، مقترحين تقديمه للسفير يارنج، إلا أن المصريين رأوا أن يقدمه السوفيت بأنفسهم للولايات المتحدة، وقد بادر الأمريكيون لرفضه، مما أوضح أن إدارة ريتشارد نيكسون الجديدة، لا تختلف عن إدارة ليندون جونسون السابقة، بالنسبة لقضية الشرق الأوسط.

وخلال تلك اللقاءات، الرامية إلى إيجاد حل سلمي، صعدت إسرائيل من عدوانها بشن هجمات جوية، على بلدة السلط الأردنية عدة مرات، في 16 أغسطس 1968، وفي 1 إبريل 1969 أدانها مجلس الأمن بالإجماع، بقراريه الرقم 256، الرقم 265. وأغارت جواً كذلك، على مطار بيروت الدولي، وجنوبي لبنان، وأدانها مجلس الأمن بالإجماع، مرة أخرى، في قراريه الرقم 262 بتاريخ 31 ديسمبر 1968، والرقم 270 بتاريخ 26 أغسطس 1969، لتوسع من عملياتها العدوانية ضد لبنان كذلك، مؤكدة للعالم بذلك، أنها لا تنوي الحل السلمي، أو حتى تنفيذ قرارات المجلس الدولي.(أُنظر وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 256 إدانة الهجوم الإسرائيلي على الأردن (السلط)) و(وثيقة قرار رقم 262 (1968) إدانة الهجوم الإسرائيلي على مطار بيروت) و(وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 265 إدانة الهجوم الإسرائيلي على الأردن (السلط)) و(وثيقة قرار مجلس الأمن الرقم 270 إدانة العدوان الإسرائيلي المتعمد على جنوبي لبنان)

سادساً: المبادرة الفرنسية

كان من الواضح، أن المجموعة الأوروبية الغربية، مازالت غير مؤهلة للقيام بعمل سياسي جماعي، فهي مازالت في طور التنظيم اقتصادياً، كما أنها لا ترغب في معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، الحليفة الرئيسية في الحلف الدفاعي عن الأمن الأوروبي الغربي (حلف شمال الأطلسي، المعروف باسم الناتو اختصارا N.A.T.O.).

وقد أوضح ذلك وزير خارجية فرنسا، في لقاء له مع نظيره المصري في الأمم المتحدة عام 1968، وقد اتفقا خلال تلك المحادثات الودية، على ضرورة أن يكون للدول الكبرى، دور في مساندة مهمة يارنج، التي باتت على وشك التوقف.

قدمت فرنسا مبادرة إلى الدول الكبرى والعظمى (الولايات المتحدة، الإتحاد السوفيتي، بريطانيا) في 16 يناير 1969، تقترح فيها التقاء مندوبيهم الأربعة لبحث قضية السلام في الشرق الأوسط، وهي فكرة سبق أن طرحها الرئيس الفرنسي ديجول. قبل أن تحظى فرنسا بردود من الدول الثلاث، كانت إسرائيل قد أعلنت، في تصريح رئيس وزرائها ليفي أشكول في 9 فبراير 1969 أن أهدافها في هذه المرحلة، هي عدم التخلي عما تعتبره حدودها الآمنة، وهو حق تطالب بالاعتراف به، وأن ما تراه من إجراءات لتحقيق حدودها في هذا الوقت هو:

1. ضم القدس العربية.

2. استمرار احتلال مرتفعات الجولان السورية.

3. استمرار احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن.

4. دمج قطاع غزة مع إسرائيل إداريا واقتصادياً.

5. استمرار احتلال شرم الشيخ، ومنطقة خليج العقبة، مع استمرار وجود قواتها في بعض أجزاء من سيناء المصرية.

6. إقامة مستعمرات إسرائيلية، في الأراضي المحتلة.

بدأ مندوبو الدول الأربع العظمى والكبرى، في الاجتماع في نيويورك، وحاول المبعوث الدولي إحياء مهمته المتوقفة منذ فترة، مستغلاً اجتماعات الدول الأربع، فأرسل للدول المعنية بتساؤلات لتحديد المواقف بالنسبة للقرار 242، لم يحصل إزاءها على ردود تخالف ما سبق أن توصل إليه.

اقترح الوفد الفرنسي، في أول اجتماع للدول الأربعة في 3 أبريل 1969، إصدار إعلان للمبادئ والنوايا، على أن يوضح فيه مبدأ الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي العربية السابق احتلالها في حرب يونيه 1967، مقابل إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية الثلاث وإسرائيل، تنفيذاً للقرار 242. وقد رفض الوفد الأمريكي إصدار الإعلان، وتأجلت الاجتماعات الرباعية، لإفساح المجال لمشاورات ثنائية بين الوفدين الأمريكي والسوفيتي.

سابعاً: المشروع الأمريكي للحل السلمي

كانت إسرائيل تسعى لحل منفرد مع مصر، مقابل انسحابها من سيناء، وأصرت مصر على أن أي حل، لا بد أن يكون للمنطقة كلها، والقضية الفلسطينية كذلك، وهو ما كانت تريد إسرائيل تجنبه، لذلك بدأت إسرائيل في تكثيف غاراتها الجوية، على الجبهة المصرية، ووسعت من دائرة الاشتباكات، بنقل الغارات للعمق المصري، مستفيدة من تفوقها الجوي، والنقص في الطيارين المصريين المقاتلين، وضَعف شبكة الدفاع الجوي، والتي كان يجري استكمالها بجهد يفوق التصور لتغطي المواقع الحيوية داخل مصر، وتضفي حماية على القوات الموجودة بالجبهة كذلك. وكان الرد المصري على كثافة الغارات الجوية الإسرائيلية، زيادة كثافة الاشتباكات بالمدفعية، ودفع عناصر مقاتلة إلى الضفة الشرقية للقناه، لنصب الكمائن للدوريات الإسرائيلية، والإغارة على نقطها الحصينة، مما زاد من حجم الخسائر الإسرائيلية، وازداد الموقف اشتعالا على الجبهة المصرية.

كان الموقف الأمريكي يزداد انحيازاً لإسرائيل، فهي لم تؤيد مهمة يارنج، وعطلت المحادثات الرباعية على ضوء المبادرة الفرنسية، وسَعَتْ إلى فرض الحل المنفرد مع مصر، والذي أُثير دائماً في أي لقاء يجمع مسؤول مصري مع مسؤول أمريكي، ثم سعت مرة أخرى ليوافقه الإتحاد السوفيتي على ذلك الحل المنفرد، خلال المباحثات الثنائية، التي حلت محل المباحثات الرباعية، وهو ما رفضه الإتحاد السوفيتي.

بعد أن تسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل في إجهاض كل محاولات التسوية العادلة، تقدم الأمريكيون في 15 مايو 1969، بمشروع من ثلاث عشرة نقطة، لحل منفرد بين مصر وإسرائيل، لم ينص بوضوح على انسحاب إسرائيل من سيناء، ويضيف اقتراحاً بنزع سلاح سيناء، ومضيفاً لكثير من الالتزامات على مصر، لم ترد بقرار مجلس الأمن. بالطبع لم يلق هذا المشروع أي اهتمام، لابتعاده تماماً عن المطالب المصرية والعربية.

عاد الأمريكيون مجدداً، في 15 يوليه 1969، للتقدم بمشروع جديد من أربعة عشر نقطة، قدمه جوزيف سيسكو، وكيل وزارة الخارجية الأمريكي إلى السوفيت، كرد على المقترحات السوفيتية، وكان الهدف الأمريكي من المشروع، إبراز قوة المعاونة الأمريكية لإسرائيل، لإحراج الإتحاد السوفيتي، لذلك جاء المشروع الأسوأ في محاولات الحل السلمي، حيث تضمنت نقاطه الأساسية الآتي:

1. إجراء مفاوضات مباشرة تحت إشراف يارنج.

2. انسحاب إسرائيل إلى حدود يتم الاتفاق عليها، مع استبعاد الانسحاب إلى حدود مصر الدولية[5].

3. نزع سلاح جميع المناطق التي تنسحب منها إسرائيل.

4. اعتبار مضيق تيران طريقاً مائياً دولياً.

5. استمرار احتلال إسرائيل لشرم الشيخ.

6. إنهاء حالة الحرب بين البلدين، بمجرد إيداع وثائق الاتفاق في سكرتارية الأمم المتحدة.

7. التفاوض حول الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة مع مصر والأردن.

8. بحث إمكانية إدارة قطاع غزة مؤقتاً بواسطة الأمم المتحدة.

9. للفلسطينيين اللاجئين منذ عام 1948، حق العودة، أو توطينهم حيث يعيشون، في إطار اتفاقية تحدد الإعداد المسموح بعودتها سنوياً.

كان المشروع يتبنى الموقف الإسرائيلي تماماً، كما لم يذكر نقاط خلاف أخرى، ليتم تحديدها نهائياً عند التفاوض، المباشر، بين مصر وإسرائيل. لذلك رُفِضَ المشروع، دون مناقشة، أي من بنوده. وفي الشهر التالي (أغسطس 1969)، كانت الولايات المتحدة تسلم إسرائيل صفقة طائرات جديدة من القاذفات المقاتلة الحديثة، من نوع فانتوم. وفي سبتمبر 1969، صَعّدَتْ مصر الاشتباكات على الجبهة، بما عرف بمرحلة الردع، والتي زاد فيها حجم القوات التي تعبر القناة وتدمير أهداف إسرائيلية شرقها، وهو ما تحفظ عليه السوفيت، وتجاهلت مصر تحفظاتهم.

ثامناً: مبادرة روجرز

كانت مصر تزيد من ثقل الاشتباكات مع إسرائيل، وتصمد لغاراتها الانتقامية. وكان الأمريكيون ينتظرون قيام انقلاب، يطيح بالرئيس المصري جمال عبدالناصر، حين حدث، في الدول العربية، انقلابان متتاليان، بفارق ثلاث شهور بينها، الأول في 25 مايو 1969، حيث استولى جعفر النميري على الحكم في السودان، والثاني في 1 سبتمبر 1969، بقيادة معمر القذافي في ليبيا، وقد أيد الاثنان مصر، على الفور، وكانت أهمية هذا التأييد من كونه صادراً من دولتين هما الجارتان الأخريان لمصر، ويعني ذلك اكتساب مصر لعمق إستراتيجي هام غرباً وجنوباً، مكنها من نشر بعض من منشآتها الهامة فيهما، حيث انتقل إلى ليبيا الكلية البحرية، بينما نقلت الكلية الحربية إلى السودان. وقد وضح من البداية العداء بين قادة الثورتين، والولايات المتحدة الأمريكية.

نتيجة لعنف القتال على الجبهة المصرية، وارتفاع الخسائر الإسرائيلية في الأفراد من جراءها، إضافة لخسائرها المتزايدة في الطائرات، بواسطة حائط الصواريخ المصري الشهير، تقدم وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز في 9 ديسمبر 1969، بمبادرة لوقف إطلاق النار لفترة محددة (ثلاث شهور)، ووجه نداء إلى الأطراف المعنية للتفاوض مجدداً عن طريق المبعوث الدولي جونار يارنج، لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242[6].

كانت مبادرة روجرز، في صورة مقترحات، تضمنت عدة نقاط، تلخصت في:

1. موافقة مصر وإسرائيل على جدول زمني، من أجل انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المصرية التي احتلتها خلال حرب 1967.

2. إنهاء حالة الحرب بين إسرائيل ومصر.

3. تصبح الحدود الدولية، بين مصر وأراضي فلسطين تحت الانتداب، هي الحدود الآمنة، والمعترف بها بين إسرائيل ومصر.

4. يتضمن الاتفاق مناطق منزوعة السلاح، مع اتخاذ إجراءات فعالة في منطقة شرم الشيخ، لضمان حرية الملاحة في مضيق تيران، وترتيبات أمنية في قطاع غزة.

5. تؤكد مصر حق جميع الدول بما في ذلك إسرائيل في حرية الملاحة.

6. يوافق الطرفان على الاعتراف بحق كل منهما في السيادة والاستقلال السياسي، والحق في الحياة في سلام آمن، داخل حدود آمنة حرة من التهديدات باستخدام القوة.

7. يوافق الطرفان، على قبول شروط التسوية العادلة لمشكلة اللاجئين، كما يتم الاتفاق عليها، في الاتفاق النهائي بين الأردن وإسرائيل.

8. يتم تسجيل الاتفاق النهائي كوثيقة، يتم توقيعها بواسطة الطرفين، وإيداعها في الأمم المتحدة.

9. يوافق الطرفان على تسليم الاتفاق النهائي إلى مجلس الأمن للتصديق عليه.

كان هناك تحفظات من مصر، على بعض نقاط المبادرة، كما كان بها نقاط ايجابية مشجعة، لأول مرة، منها الانسحاب الإسرائيلي لحدود مصر الدولية، والاعتراف بضرورة الحل الشامل، لذلك لم ترفضها مصر، وإنما سعت لمواصلة الاتصال مع وزير الخارجية الأمريكي، لمزيد من المعرفة للموقف الأمريكي، من باقي الأطراف المعنية.

أعلنت المبادرة في 9 ديسمبر 1969، ورفضتها إسرائيل في اليوم التالي مباشرة، ولم تحاول الولايات المتحدة الضغط عليها، ورفضها السوفيت كذلك، في رد رسمي في 3 يناير 1970، متعللين بعدم تحديد الجدول الزمني، وأن التفاصيل تُركت للمباحثات، وأن بعض النقاط انتقصت من سيادة مصر.

قبل الرئيس المصري جمال عبدالناصر، مبادرة روجرز في 23 يوليه 1970، وبدأ سريان وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1970، بعد مفاوضات بين الجانبين، برعاية أمريكية، وكانت إحدى الشروط لموافقة إسرائيل على المبادرة ـ رغم رفضها السابق ـ أن يسرى وقف إطلاق النار في وقت قريب، مع امتناع كلا الطرفين عن تغيير الوضع العسكري، لمسافة 50 كم من القناة شرقاً وغرباً، فلا تضاف أسلحة أو ينشأ مواقع طوال فترة سريان الاتفاق (90 يوماً).

وفي عمل يشبه المستحيل، قام المصريون يوم 7 أغسطس 1970، بتحريك 14 كتيبة صواريخ أرض / جو من مواقعها الأمامية، الأقرب للجبهة، إلى غرب القناة مباشرة، في محلات مخططة، واستكملت التجهيزات الهندسية الوقائية، اللازمة لها، وكذلك مواقعها التبادلية والهيكلية، قبل منتصف ليلة 7 ـ 8 أغسطس 1970، وهو موعد بدء سريان الاتفاق، لتكسب مصر نقطة هامة، باستغلال المبادرة، ولعلها النقطة الوحيدة التي كانت مكسباً من قبول تلك المبادرة، التي لم تنفذ منها إسرائيل سوى وقف إطلاق النار، والذي كانت ترنو إليه، بعد أن أثخنتها الجراح من جراء الضربات المصرية في حرب الاستنزاف المتصاعدة الأداء والقوة[7]. وقد احتوت التحركات الدبلوماسية الأمريكية، الأزمة التي أثارتها إسرائيل من جراء تقدم الصواريخ المصرية شرقاً حتى 10 ـ 20 كم من القناة.

تاسعاً: مبادرة السادات

كانت إسرائيل قد جمدت مبادرة روجرز، عندما أعلنت في 6 سبتمبر 1970، أي بعد شهر واحد فقط من سريانها، رفضها لأي اتصال مع المبعوث الدولي يارنج، وأضاف الأمريكيون إلى ذلك قراراً بإمداد إسرائيل بثماني عشر طائرة فانتوم، تعويضاً لها عن خسائرها خلال فترة حرب الاستنزاف. وفشلت المبادرة الأمريكية، بتغلب مستشار الأمن الوطني للرئيس الأمريكي، هنري كيسنجر، على وزير الخارجية وليم روجرز، بإقناعه للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بأن مصلحة الولايات المتحدة هي مساعدة إسرائيل، باعتبارها حليفاً طبيعياً في المنطقة.

قبل أن تنتهي فترة وقف إطلاق النار الأولى، توفى الرئيس جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970، وتولى الرئاسة بعده الرئيس محمد أنور السادات، والذي وافق على تمديد فترة وقف إطلاق النار، التي كانت ستنتهي في 5 نوفمبر 1970.

وفي مناقشات تمديد وقف إطلاق النار، في الأمم المتحدة، فاجأ وزير الخارجية الأمريكي الجميع برفضه التمديد لمدة ثلاثة أشهر، وطالب بتمديد غير محدد المدة، أي وقف دائم لإطلاق النار، في الوقت الذي كانت إسرائيل ترفض الاتصال بيارنج، وهو ما يعني عملياً تجميد الموقف مرة أخرى، وضياع ثلاث سنوات من الاشتباكات مع إسرائيل، كان أحد أهدافها استمرار تذكير العالم بالقضية.

قبل انتهاء الفترة الثانية لوقف إطلاق النار بيوم واحد، والتي كان من الصعب الموافقة على تمديدها فترة ثالثة، لاعتبارات سياسية عربية ومحلية، أعلن الرئيس السادات في 4 فبراير 1971، عن مبادرة، محدداً معالمها الرئيسية في خمس نقاط تضمنت:

1. انسحاب إسرائيل جزئياً من الأرضي العربية المحتلة، كمرحلة أولى، تبدأ مصر على أثرها في تطهير قناة السويس، وفتحها للملاحة الدولية.

2. تقبل مصر مد وقف إطلاق النار لمدة محددة، يضع خلالها السفير يارنج جدولاً زمنياً لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242.

3. تعبر القوات المسلحة المصرية إلى شرق القناة، مع وضع ترتيبات ـ تقبلها مصر ـ تحقق الفصل بين القوات المتحاربة، خلال فترة وقف إطلاق النار المحددة، والتي إذا انتهت دون تقدم ملموس، يكون من حق القوات المسلحة المصرية تحرير الأراضي العربية المحتلة بالقوة.

4. ترفض مصر أي مناقشة حول نزع سلاح سيناء، ولكنها مستعدة لقبول مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود وفقاً لقرار مجلس الأمن.

5. ترفض مصر أي شكل للوجود الإسرائيلي في شرم الشيخ.

لإفساح وقت لدراسة مبادرة الرئيس السادات، وافقت مصر على مد العمل باتفاق وقف إطلاق النار لمدة شهر واحد، ينتهي في 7 مارس 1971، والتي انتهت بالفعل دون أي تقدم، ودون تجديد لوقف إطلاق النار، ولم يعد هناك التزام من مصر، أمام العالم للاستمرار في حالة الجمود التي مازالت تحاول إسرائيل فرضها كأمر واقع، باستغلال التأييد الأمريكي الكامل لها، وحجم التسليح الضخم والمتقدم الذي تحصل عليه منها.

كان المجتمع الدولي، عدا الولايات المتحدة الأمريكية فقط، مقتنعاً بأن مصر والعرب، قد طرقوا كل السبل الدبلوماسية، للوصول إلى حل عادل، وتصدت إسرائيل لكل المحاولات بعناد وصلف أوصلها للفشل، بما في ذلك المبادرة الأمريكية التي هاجمتها إسرائيل وهاجمت وزير الخارجية الأمريكي الذي قدمها. بل أن بعض المسؤولين في دول أوربية (غربية وشرقية) أشار في لقاءات ثنائية مع المسؤولين المصريين، بأن مصر قد تخطت المعقول في مبادرة السادات، بالموافقة على انسحاب جزئي، بدلاً من حل شامل.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، تضغط على مصر لعدم استئناف العمليات العسكرية (حرب الاستنزاف مرة أخرى)، وأشاعت في الأوساط الدولية ذلك، لإحراج الموقف المصري. وأيدت الدول الصديقة، خاصة دول عدم الانحياز ضرورة بدء مصر لعمليات عسكرية، لإعادة تحريك القضية دولياً، وتغيير المفاهيم الجامدة التي وصلت إليها المحادثات الدبلوماسية.

وقعت مصر، مع الإتحاد السوفيتي، في 27 مايو 1971 معاهدة صداقة وتعاون لمدة 15 عاماً، يشير أحد بنودها الرئيسية، إلى تقديم الإتحاد السوفيتي لمصر دعماً عسكرياً من الأسلحة، تتيح لها العمل على تحرير أراضيها المحتلة، رغم تحفظ القيادة السوفيتية على قيام مصر بعمل عسكري لتحرير الأرض.

انتهى عام الحسم، 1971، دون أي تقدم[8]، وحدثت تغيرات كثيرة في القيادات المصرية اثر حركة التصحيح في 15 مايو، وفشلت مقابلة طلبها هنري كيسنجر مع وزير الخارجية المصري في الوصول إلى جديد، وأهملت مبادرة تقدم بها السناتور فولبرايت، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كانت تستند في جوهرها على قرار مجلس الأمن الرقم 242، لرفض إسرائيل لها. ووضح أن كل الجهود الذي بذلها الرئيس المصري السادات مع الأمريكيين، ليحركهم نحو حل سلمي، لم تلق استجابة، وفسرت بضعف مصر، لذلك حولوها إلى اتفاقية جزئية لفتح قناة السويس، بدلاً من حل فردي، إمعاناً في التأييد الأمريكي لإسرائيل.

أعلن الرئيس المصري عن الضباب الذي اكتنف السياسة الدولية في عام الحسم مما أدى إلى عدم التوصل لنتيجة حاسمة، وأشار إلى الحرب الأهلية في باكستان (مارس 1971)، والتدخل الهندي لفصل الإقليم الشرقي من باكستان[9] (3 ـ 16 ديسمبر 1971). وقد شغلت تلك الحرب، القوى العظمى والكبرى لفترة من الزمن، بعيداً عن قضية الشرق الأوسط، كمبرر لذلك التأخر عن الحسم.

انفجر الموقف الداخلي في مصر، شعوراً باليأس من تغيير الموقف، وقام طلبة الجامعات بتظاهرات تطالب بالحرب مع إسرائيل في يناير 1972، وساءت العلاقات بين مصر والإتحاد السوفيتي لتلكئه في إمداد مصر بالسلاح الذي تحتاجه في الوقت المناسب، وكان قرار السادات بطرد الخبراء السوفيت من مصر، وكذلك وحدات الدفاع الجوي السوفيتية بمعداتها، والذي أخطر به السفير السوفيتي في 8 يوليه 1972، محدداً يوم 17 يوليه كحد أقصى للمغادرة، ولم يتعرض قرار رحيل السوفيت عن مصر لمعاهدة الصداقة، والتي اعتبرها الطرفان مازالت قائمة.

كان قرار طرد المستشارين السوفيت من مصر يرتكز على ثلاث اعتبارات واضحة، واعتبار رابع لم يتضح إلا بعد الحرب:

1. موقف الإتحاد السوفيتي من إمداد القوات المسلحة بالمعدات والأسلحة وتسويفهم في ذلك. وكان ذلك الاعتبار هو ما فسر به الجميع القرار المفاجئ.

2. ألا تبدأ الحرب، وفي مصر خبراء سوفيت، وهو اعتبار أستنتجه البعض.

3. الحد من الوضع الغير طبيعي للسوفيت، والذي اقترب من شكل النفوذ البريطاني في مصر، وقت احتلالها.

4. ظن الجميع شرق وغرب، وكذلك إسرائيل، أن مصر لن تدخل معركة بعد أن طردت السوفيت، حيث سيتعثر تدريب القوات، ويتوقف الإتحاد السوفيتي عن إمداد مصر بالأسلحة، وهو ما ساعد على نجاح خطة الخداع الإستراتيجية، وكان هذا الاعتبار الذي أتضح بعد الحرب.

عاشراً: الدعوة لدورة طارئة لمجلس الأمن

استمرت المباحثات واللقاءات الثنائية بين المسؤولين المصريين، ونظراتهم في الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والدول الكبرى، والدول الأوروبية بقسميّها الشرقي والغربي، دون التوصل لأي نتيجة، وبدا أن سياسة الوفاق بين القطبين، سببت تجمد الموقف ووصوله إلى حالة اللاسلم واللاحرب، مما جعل مصر تكثف تحركها السياسي في النصف الأول من عام 1973، وطلبت أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً شاملاً لجهود المنطقة الدولية حول الوضع في الشرق الأوسط، منذ بداية الأزمة 1967. بتقديم الأمين العام للتقرير في مايو 1973، طالبت مصر باجتماع مجلس الأمن في 6 يونيه لمناقشة التقرير، والذي أوضح دور إسرائيل في إعاقة تنفيذ القرار الرقم 242.

أوقف المجلس مناقشاته للتقرير، مع بدء زيارة الرئيس السوفيتي بريجينيف إلى واشنطن، أملاً في نتائج ايجابية للقضية نتيجة لقاء زعيميّ الدولتين العظميين، ثم عاد للانعقاد في منتصف يوليه، وطالب مندوب مصر بمشروع قرار يدين إسرائيل، تقدمت به مجموعة دول عدم الانحياز الأعضاء بالمجلس (الهند، وغينيا، وكينيا، وبيرو، ويوغسلافيا، والسودان). وتضمن المشروع إدانة شديدة لإسرائيل لاستمرارها في احتلال الأراضي العربية، وعدم تعاونها مع الممثل الخاص للأمين العام. وصوت الجميع لصالح المشروع، عدا الصين التي امتنعت عن التصويت، لرفضها الاعتراف بإسرائيل أصلاً، والولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق الاعتراض (الفيتو) لتُسْقِطْ المشروع، وهو ما كان السادات يتوقعه تماماً.

حاول السادات، محاولة أخيرة، دفع الإدارة الأمريكية للتحرك نحو السلام، فأدلى بحديث لمجلة نيوزويك الأمريكية، أشار فيه لقرب نشوب حرب، إلا أن الأمريكيون، والإسرائيليون كذلك، لم يأخذوا التصريح مأخذ الجد.

انتهت كل فرص السلام، وانطلقت مصر لتكمل استعدادها لخوض الحرب، لتحقيق الهدف بتحرير الأرض، بعد أن سُدت كل سبل الحل السلمي بتعنت إسرائيل، ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية لها.

 



[1] لم تقبل كل الأطراف القرار، فقد قبلته مصر والأردن وإسرائيل، بينما رفضته سوريه (قبلته بأسلوب غير مباشر عام 1973)، وعارضته منظمة التحرير الفلسطينية (قبلته عام 1981).

[2] علق الرئيس المصري جمال عبدالناصر على القرار، في جلسة مجلس الوزراء المصري، يوم 18 فبراير 1968، ` إننا سوف نتعاون مع يارنج برغم إيماننا من الآن بفشله في مهمته.

[3] كانت مصر ترى أن القرار الرقم 242 يشمل خطة لتسوية النزاع، لذلك كانت تطالب بتنفيذها، طبقاً لإجراءات يضعها المبعوث الدولي، وهو ما رفضته إسرائيل.

[4] أشار الوزير الأمريكي في نهاية اللقاء على أن الإدارة الأمريكية لجونسون على وشك التغيير، وأنها لن تضغط على إسرائيل، وكذلك أي إدارة أمريكية أخرى يأتي بها الناخبون.

[5] يسمح ذلك البند لإسرائيل بتعديل الحدود الدولية المصرية، بما يتناسب مع أطماعها.

[6] إسرائيل هي الجار الثالث، شرق مصر.

[7] تلقى الإسرائيليين أنباء وقف إطلاق النار بارتياح بالغ، وعلقت رئيسة الوزراء جولدا مائير على ذلك، ` بأنه الآن ستخلو نشرات الأخبار من الصوت الحزين للمذيع وهو يعلن أسماء الشباب الإسرائيلي القتلى

[8] كان الرئيس السادات قد أعلن في خطاب ألقاه في القوات البحرية المصرية، في 22 يونيه 1971، أن عام 1971 هو عام الحسم، وكرر ذلك في الخطاب السنوي في 23 يوليه 1971، أمام المؤتمر القومي للإتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي الوحيد في مصر في ذلك الوقت)، ذاكراً أن الأمة العربية مقبلة على مرحلة حاسمة في التاريخ، وأن عام 1971 هو عام الحسم.

[9] أصبح دولة مستقلة تحت اسم بنجلاديش.