إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في مالي





مناطق الصراع في مالي
التدخل الفرنسي في مالي




المبحث الأول

المبحث الأول

أسباب الصراع وتطوره

أصبحت مالي مستعمرة فرنسية، عام 1833، وسميت بالسودان الفرنسي، ولسهولة السيطرة على المستعمرات الأفريقية في الظهير الجنوبي للشمال الأفريقي، أنشأت فرنسا الاتحاد الفيدرالي المالي، في أبريل 1959، الذي ضم السودان الفرنسي (مالي) ودولة السنغال. ولكن بحدوث الخلافات تفكك الاتحاد، وحصلت مالي على استقلالها، عام 1960، ولكنها لم تحصل على استقرارها، فقد حكمها أربعة رؤساء، أُطيح بثلاثة منهم في انقلابات عسكرية، وكان آخر هذه الانقلابات ما حدث في 22 مارس 2012، والذي أطاح بالرئيس "أمادو تورا"، وأعلن الانقلابيون أن السبب يرجع إلى الهزائم المتكررة للجيش المالي في مواجهة مسلحي الطوارق، ما أدى إلى انفصال إقليم الأزواد بشمال مالي.

أولاً: جذور الصراع

إن جغرافية مالي حتمت وجود الصراع، فرغم مساحتها الكبيرة، التي تبلغ 1.24 مليون كم2، إلا أن نهر النيجر يفصل بين شمال مالي، المعروف بالأزواد، عن جنوبها. ورغم أن هذا الإقليم يمثل ثلثي مساحة الدولة تقريباً، حيث يبلغ 822 ألف كم2، إلا أن عدد السكان به يبلغ مليون ونصف نسمة تقريباً، من أبناء قبائل الطوارق الذين يمتهنون مهنة الرعي. في حين يتركز باقي السكان، الذين يقاربون 13 مليوناً في باقي الإقليم الذي يُقارب الثلث، ومعظمهم من المزارعين. وقد تركزت معظم الخدمات والتنمية في الجزء الجنوبي، بينما تقلصت في شمال البلاد، وهذا ما يفاقم المشكلة ويعقدها.

أدت جغرافية البلاد إلى نشأة وضعين مختلفين في البلاد. ففي الشمال إقليم صحراوي يسكنه قلة من السكان يعملون بالرعي، والجزء الأكبر من السكان يتوطنون في الجنوب، ويعملون بالزراعة، نتيجة وجود مياه الأمطار، ويفصل بينهما مانع طبيعي هو نهر النيجر، ما أدى إلى توجهات انفصالية بين الإقليمين، خاصة من قبائل الطوارق الشمالية، التي أحست بتهميشها.

وقد ظهرت مشكلة الطوارق، منذ عام 1958، حينما أرسلت، في مايو 1958، رسالة إلى الجنرال "شارل ديجول" الزعيم الفرنسي، حيث طالبه 300 من شيوخ الطوارق بعدم ضمهم إلى دولة مالي، ولم تستجب فرنسا لهذا الطلب. ومما يدعم الحركات الانفصالية، توزع قبائل الطوارق بين دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والجزائر، وعدد قليل منهم في الصحراء الغربية بمصر، وهذا يدعم التوجه بتحقيق حلم إنشاء دولة للطوارق تمتد شرقاً من الحدود المصرية، وغرباً حتى أقصى غرب القارة. ولذلك خاضوا عدة ثورات، بدأت منذ عام 1963، ولازالت مستمرة حتى الآن.

لم يكن التمرد الأخير سوى استمرار للتمرد الدامي الذي قاده الطوارق في مالي والنيجر، منذ التسعينيات، وهم ينتشرون في شمال مالي، بمحاذاة الحدود الموريتانية وشرقها، تقع منطقة (أدنماغ أفيوغاس) المحاذية للحدود النيجرية والجزائرية، ويفصل وادي تلمس بين المنطقة السابقة ومنطقة الأزواد، ويشكلان معاً الصحراء المالية. وغالبية السكان من الطوارق ذوي الأصول الأمازيغية أو من قبائل عربية هاجرت منذ قرون من موريتانيا أو من دول الشمال الأفريقي. ويُطلق على هذه المناطق ولايات تمبكتو وغاوو وكيندال.

بدءاً من الستينيات، طالب طوارق أزواد بالانفصال، ولكن النظام الصارم للرئيس الأسبق "موديبوكيتا" أجهض هذه المطالب، وانضم كثير من شباب الطوارق إبان نظام العقيد "معمر القذافي" في ليبيا إلى الميليشيات التي قاتلت في تشاد وفي جنوب لبنان، وبعد عودتهم إلى بلادهم، في بداية التسعينيات، وحصولهم على خبرة القتال، بالإضافة إلى السلاح والتدريب، بدأ الصدام بينهم وبين الجيش المالي لتحقيق حلم الطوارق في الانفصال بإقليم أزواد.

ثانياً: العوامل المؤدية لتطور الصراع

1. العوامل الرئيسية لتطور الصراع

يختلف العصيان الحالي في مالي عن الحركات التي وقعت في السابق، نظراً لمستوى التسليح الذي يتمتع به المتمردون. فالعديد من الطوارق المشاركين في التمرد الحالي عادوا من ليبيا، حيث شاركوا في القتال في صفوف العقيد "القذافي"، وصفوف الثوار الليبيين، وازداد تشدد الطوارق من ذوي النزعة الانفصالية في مواقفهم مع عودة إخوانهم بخبرات قتالية وأسلحة، في الربع الأخير من عام 2011، ساعدت على تطور الصراع.

يسعى الطوارق إلى تأسيس دولة خاصة بهم في إقليم أزواد، حيث إنهم يشعرون بالتهميش من قِبل الحكومة، ويواصلون القتال في شمال مالي ضد قوات الحكومة، محرزين تقدماً متواصلاً، حتى منتصف عام 2012.

في عام 2002، جرت انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس الحالي "حمدو توماني تراوري"، وأُعيد انتخابه مرة أخرى سنة 2007. وفي عام 2012، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بحوالي شهر، نفذ الرائد "أمادو ساناغو" انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس "أمادو توماني". وتحت ضغوط دولية وإقليمية، سلم قادة الانقلاب السلطة إلى رئيس مجلس النواب لحين إجراء انتخابات رئاسية، وأدت هذه المشكلات إلى التأثير على استقرار البلاد وأمنها، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية التي أثرت على البلاد بعامة، وشمالها بخاصة.

وبرزت أزمة مالية كان من أسبابها اتساع مساحة الدولة، وقلة عدد السكان، والتوزيع الديموجرافي غير المتجانس، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة ما بين الشمال والجنوب، في ظل امتداد قبائل الطوارق في شمال البلاد على امتداد الصحراء الكبرى، من موريتانيا حتى شمال تشاد، وأصبحت هذه المناطق المخلخلة السكان غير المستقرة سياسياً، مناطق جاذبة للقوى والحركات الإسلامية المتشددة، وخاصة بعد انتهاء الثورة الليبية وعودة العناصر الإسلامية التي قاتلت في ليبيا بخبراتها وأسلحتها، بالإضافة إلى ما تسرب إلى البلاد من أسلحة الجيش الليبي، التي لم تستطع السلطات الليبية المحافظة عليها أو السيطرة والاستيلاء عليها، والتي كان لها النصيب الأكبر في زيادة القدرة القتالية للمتمردين. ومن ثم لم تتمكن قوات الانقلاب العسكري، الذي حدث في مارس 2012، من إيقاف تقدم الحركات المتمردة، حتى أنها نجحت في الاستيلاء على المدن الرئيسة في الشمال، ثم أعلنت استقلال الإقليم.

2. الأوضاع الداخلية وتطور الصراع

إن تطور الأوضاع يمكن إرجاعه إلى عديد من الأسباب، أهمها:

أ. الفساد السياسي وهشاشة التركيبة السياسية.

ب. إهمال المناطق النائية تنموياً.

ج. التمرد المستمر في شمال مالي.

تُعد مالي الحلقة الأضعف في الساحل الأفريقي والجزء الشمالي من القارة، حيث إنها الأكثر عرضة لزعزعة الاستقرار، وخاصة بعد انتشار جماعات الإسلام السياسي المتشددة، ما أدى إلى استئناف القتال في الشمال، واستمراره بين حين وآخر، منذ عام 1962، إلا أن تدهور الأوضاع بعد ثورة ليبيا، في فبراير 2012، عمل على تقوية شوكة الحركات الإسلامية ومتمردي الطوارق.

حاولت الحكومات المختلفة مواجهة هذا التمرد مرات عديدة، إلا أنها لم تنجح في استيعاب الأمر واحتوائه، نتيجة لإتباعها طرق غير ملائمة أدت إلى تفاقم الأمر بدلاً من علاجه، على نحو ما ظهر من محاولة "أمادو توماني توري"، الذي تولى الرئاسة في مالي، بين عامي 2002 و2012، الذي رأى أن حل الأزمة يستوجب الاعتماد على مجموعة من الجهات، مثل النخب المحلية، والفصائل المسلحة، والميليشيات سهلة الانقياد، للقيام بوظائف الدولة للاحتفاظ بالسيطرة على الشمال، لتوسيع سلطة الدولة، لتشمل المناطق المتمردة، والتي تشكل ثلثي البلاد من حيث المساحة، ويقطنها 10% فقط من السكان، لكي لا تنزلق إلى التورط المسلح.

وتورطت إدارة الرئيسي "توري" بعلاقات مع أنصار سياسيين وأصحاب أعمال مشبوهين، لهم صلات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وهو تنظيم إرهابي دولي، حيث كان ينظر إلى التعاون مع هذه الجهات على أنه ينطوي على منفعة متبادلة. وقد استفاد حلفاء توري كثيراً من الفساد والإيرادات المتحصلة من النشاط الإجرامي الدولي، وسمحوا له بالاحتفاظ بالسلطة القضائية في باماكو، في الأماكن قليلة السكان وغير الصالحة للإقامة.

وفي النهاية لم تكن هذه الإستراتيجية قابلة للاستمرار، فقد أدت إلى تفاقم التوترات الإثنية والقبلية، وأهملت المشكلات الخاصة بالتخلف والفقر، والأسوأ من ذلك أنها كانت قائمة على تحالفات هشة لا يمكن الاعتماد عليها.

أطلقت حكومة "توري" البرنامج الخاص بالأمن والسلامة والتنمية، في أغسطس 2011، بقيمة 50 مليون يورو في محاولة لتعويض ما خسرته في الشمال، ولكن المحاولة جاءت متواضعة وبعد فوات الأوان. فقد كانت الخطة سيئة التخطيط والتنفيذ، وأدت إلى زيادة إشعال الثورات بين الشمال والجنوب. فالبرنامج الذي موله الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة، هدف إلى إخماد السخط المتزايد، ولكن الأمر انتهى باستعداء السكان المحليين، وتعزيز المشاعر المعادية لباماكو، وتمهيد الطريق أمام تجدد القتال مرة أخرى، ولكن على نطاق أوسع، حيث عارض الطوارق استثمارات الحكومة في إعادة هيكلة الوجود العسكري لقواتها في الشمال، الذي عدوه انتهاكاً لاتفاقية الجزائر الموقعة عام 2006، والتي نصت على خفض القوات الجنوبية التابعة للدولة في الجزء الشمالي. وأكد هذا عمق الخلاف وانعدام الثقة بين الجنوب والشمال، الذي بدأ مع استقلال مالي عام 1960، وتفاقم من جراء الحرمان الاقتصادي للشمال.

ونتيجة لفشل الحكومة من استيعاب مطالب الطوارق في الشمال، ظهر العديد من المنظمات المناهضة للسلطة المركزية، من أبرزها الحركة الوطنية الأزوادية (وأزواد هو الاسم الذي يستخدمه الطوارق للإقليم الشمالي)، وقد سعت الحركة، التي أُنشئت عام 2010، إلى بناء شبكة معارضة محلية، وحشد الدعم الدولي لمشروع استقلال الشمال عن مالي. وتمحورت دعوى الحركة الوطنية الأزوادية للانفصال حول المظالم القائمة والإهمال الاقتصادي المتعمد، واستيلاء مسؤولي الدولة على أموال المساعدات الدولية، وخرق اتفاقات السلام السابقة الموقعة بين الشمال والجنوب.

وعليه بات من الصعب احتواء الخلاف داخلياً في مالي، وجاء الصراع في ليبيا، الذي أطاح بمعمر القذافي، عام 2011، الحافز الذي عجل بتحول الحركة الوطنية الأزوادية إلى تمرد، نتيجة عودة المئات من الذين حاربوا في صفوف قوات القذافي الأفريقية، التي أُنشئت عام 1972، وأعطت لهؤلاء الخبرة القتالية والتسليح اللازم.

ثالثاً: تفجر الصراع وإعلان انفصال الشمال

1. تصاعد وزيادة حدة الصراع

لقد أصبح تنظيم القاعدة وفروعه الثانوية نشطاً، ونجح في التسلل إلى مناطق الشمال الأفريقي، وأخذت ملامح الإرهاب تتضح تدريجياً، بدءاً من شمال مالي حتى منطقة شمال أفريقيا، وقد سيطر متمردون وانفصاليون على صلة بتنظيم القاعدة على شمال مالي، وقاموا بتجنيد عناصر جديدة، ما ساعد على تزايد أعداد المتمردين والمتطرفين في القطاع الشمالي من البلاد.

اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش المالي ومقاتلين تابعين للحركة الوطنية لتحرير أزواد، بالقرب من مدينة ديدال شمال مالي، وقُتل ثلاثة مقاتلين من الحركة في اشتباك مع قوات الجيش المالي، وذلك بعد أن هاجموا دورية مشتركة بين القوات المالية وقوات الأمم المتحدة، قرب بلدة ميناكاني، في ساعة مبكرة من الصباح. وذكرت المصادر في مدينة غاو، إحدى كبريات مدن شمال مالي، أن مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد بدأوا إطلاق النار أولاً، وردت الدورية على إطلاق النار، وسقط ما يقرب من ثلاثة قتلى في صفوف قوات الحركة. وذكرت وزارة الدفاع المالية أن المسلحين من عناصر الطوارق، وأن دورية القوات المسلحة تعرضت لكمين نصبته مجموعات مسلحة في محلة إيفازار، الواقعة على بعد 140 كم من ميناكا. (اُنظر شكل مناطق الصراع في مالي)

باستمرار الأعمال العسكرية للحكومة المالية، قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بإعادة تنظيم صفوفها، وبدأت عملياتها ضد الحكومة المالية، ابتداءً من يناير 2012، عبر استخدام العنف المسلح، ونتيجة للعمليات العسكرية الشرسة ضد قوات جيش الدفاع المالي، أجبر ثوار الطوارق في مالي القوات الحكومية على التراجع جنوباً، بالرغم من الدعم العسكري الأمريكي والتدريب المكثف الذي تقوم به القوات الكندية، من أجل تقوية قدرات جيش الدفاع المالي في التعامل مع حرب العصابات ومكافحة ما يُسمى بالإرهاب.

وفي أوائل مارس 2012، قامت قوات الحركة الوطنية بالزحف على مواقع عسكرية مالية بالقرب من مدينة تيساليت، الواقعة في الشمال الغربي بالقرب من الحدود الجزائرية. وفي 7 مارس، سيطر الثوار الطوارق على بلدة تيساليت، التي انسحب الجيش المالي منها نتيجة الضغط الشديد، بالرغم من الدعم اللوجستي وعمليات الإنزال والإسقاط، التي قامت بها القوات الأمريكية والكندية لصالح قوات الدفاع المالي. والجدير بالذكر أن القوات الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم)، والقيادة الكندية قد نسقا سياستهما في أفريقيا لعام 2012، وهما يصنفان دولة مالي من الدول الإستراتيجية في المنطقة لمكافحة الإرهاب.

أدى سقوط مدينة تيساليت وتراجع القوات الحكومية المالية نحو الجنوب، تحت ضغط الثوار بقيادة القائد العسكري "محمد آغ نجم"، وإلحاق هزائم متكررة بالجيش المالي، إلى استياء عام داخل صفوف الجيش.

ترجع خلفيات الأحداث إلى أعوام سابقة، فهي ليست وليدة اللحظة أو فورية. ففي 19 سبتمبر 2012، قُتل 12 مسلحاً من القاعدة وعشرة جنود من الجيش الموريتاني، وأكد مصدر عسكري موريتاني أن الجيش اشتبك مع مسلحين من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي، وأن الاشتباكات جرت في منطقة حدودية مع مالي، واستُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.

وأكد مصدر عسكري مالي وقوع المواجهات في الأراضي المالية، وبالتحديد في منطقة حاس سيدي، على بعد مائة كم شمال مدينة تمبكتو، وأن الجيش الموريتاني قتل 12 عنصراً من تنظيم القاعدة. وتأتي هذه العملية بعد الإعلان عن خطف سبعة أشخاص بينهم خمسة فرنسيين من النيجر، واتهمت فرنسا تنظيم القاعدة بتنفيذها، وقالت مصادر أمنية مالية وجزائرية أن المختطفين السبعة يعملون في شركة أريفا الفرنسية للتكنولوجيا النووية المملوكة للدولة، ويوجدون برفقة خاطفيهم في الصحراء المالية، بعد أن عبروا إليها من الحدود مع النيجر.

في 14 أغسطس 2012، نشرت أنباء في الجزائر عن زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في شمال مالي، ومفادها ازدياد النشاط الإرهابي، حيث رصدت أشخاص يوزعون الملابس والمواد الغذائية والأموال للبدو الطوارق السكان المحليين من أجل كسب الثقة وسط الأهالي. وتتجول الجماعات الإرهابية على متن عشرات السيارات. وقالت مصادر أمنية لوكالة الأنباء الفرنسية، أنه منذ انتهاء الدوريات الأمنية الموريتانية في مناطق الحدود، رُصدت عودة الإسلاميين إلى الصحراء.

ومن جهة مضادة، أطلقت مالي برنامجاً خاصاً، أطلقت عليه البرنامج الخاص للسلام والأمن والتنمية في المناطق الشمالية، ويشمل البرنامج ست بلدات، تقع في ثلاث محافظات بشمال مالي، على الحدود الجزائرية، بالإضافة إلى مدينة تمبالا الواقعة جنوباً، من أجل محاربة الإرهاب وعصابات الجريمة، التي تمركزت في الصحراء، خاصة وأن عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يعدون المنطقة منطقة عبور لهم ولكل سلعهم، ودأبوا على المتاجرة بالسلع والمخدرات، إلى جانب تهريب السلاح. ولهذا تقوم مالي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة مع موريتانيا لتعقب عناصر القاعدة التي تنشط في مناطق الحدود المشتركة بين البلدين والجزائر.

ذكرت وكالة أنباء أفريقيا، نقلاً عن مصادر بمنطقة شمال مالي، أن جبهة مسلحة جديدة بدأت تتشكل بالمنطقة بهدف رئيس يتمثل في إفشال سعي حركتي أنصار الدين والجبهة الوطنية لتحرير أزواد، لإقامة دولة إسلامية شمال البلاد، وذكرت وكالة أنباء أفريقيا، التي تتخذ من العاصمة السنغالية مقراً لها، أن الحركة المسلحة الوليدة مؤلفة من مجموعات من المقاتلين الشباب، أطلقت على نفسها اسم "جبهة تحرير شمال مالي"، وستعمل على منع إقامة دولة إسلامية باستخدام القوة المسلحة، وأنها ستحرر منطقة شمال مالي، وستحارب الحركتين المسلحتين "أنصار الدين"، و"الوطنية لتحرير أزواد" المتطرفتين اللتين تحتلان منطقة شمال مالي.

2. انقلاب مارس 2012

حكم مالي منذ استقلالها، في سبتمبر 1960، أربعة رؤساء، أُطيح بثلاثة منهم في انقلابات عسكرية، كان آخرها انقلاب 22 مارس 2012، الذي أطاح بالرئيس "أمادو توماني توري"، وكان تعليل ذلك بأنه تراخى في مواجهة الطوارق، الذين عملوا بقوة السلاح على دحر الجيش المالي، أملاً ورغبة في تحقيق انفصال الإقليم الشمالي المعروف بأزواد. وفي الحقيقة فإن الانقلاب، الذي وصف منفذوه الرئيس المالي بعدم الكفاءة والتراخي في مواجهة مطالب الطوارق الانفصالية، لم يشر إلى دهاليز السياسة وخفاياها. فالرئيس "أمادو تروي" كان يعلم أن جانباً من جنرالات مالي كانوا يتقاضون أموالاً كثيرة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، مقابل معلومات يحصل عليها التنظيم، وكان سكوت الرئيس بسبب خشيته الإطاحة به.

في حقيقة الأمر، فإن القوات الحكومية المالية تعرضت لهزائم متكررة من المتمردين في إقليم أزواد، ما اضطرها إلى التراجع جنوباً أمام قوات المتمردين، التي تستخدم أساليب حرب العصابات، والمزودة بالسلاح والخبرة القتالية، نتيجة تمرسها على القتال في ليبيا، إما مع قوات العقيد "معمر القذافي"، أو مع القوات المعارضة له.

فوجئت الحكومة المالية بالسرعة والحسم اللتين جرت بهما العمليات العسكرية لصالح المتمردين، الأمر الذي تسبب في استياء وغضب شعبيين من تعامل الرئيس "توري" مع الأمر، فضلاً عن حدوث تمرد داخل الجيش، إذ أطاح مجلس عسكري بقيادة "هيا أمادو ساناغو"، مستغلاً حالة الفوضى في العاصمة، بالرئيس، في 22 مارس، وذلك قبل ستة أسابيع من انتهاء فترة ولايته. وفسر البعض وقوع الانقلاب في هذا التوقيت، بكونه جاء نتيجة مباشرة للهزيمة التي مُنيت بها القوات المالية على أيدي المتمردين الطوارق.

بيد أن هذا الأمر ليس هو المفسر لحالة الاستياء التي انتشرت بين صفوف الجيش المالي، فالاستياء بين الرتب الدنيا في القوات المسلحة يعود لفترة ما قبل بداية التمرد. فالتواطؤ والفساد السياسي هما العاملان الأساسيان وراء الانقلاب. فصغار الضباط كانوا غاضبين من عمليات اختلاس المساعدات العسكرية الخارجية، والانتهازية التي تتسم بها النخبة العسكرية الغارقة في الفساد، وكان الغضب موجهاً أيضاً إلى المجموعة المحيطة بالرئيس، والتي عدها الكثيرون فاسدة، وأنها سبب أزمة البلاد. وعليه فالانقلاب عبر عن حالة التفكك والتدهور التي تعاني منها المؤسسة العسكرية.

إن انهيار النظام في مالي جاء أسرع من كل التوقعات، فبعد أقل من ثلاثة أشهر من اندلاع الأزمة في مالي، في يناير 2012، هُزمت القوات الحكومية على نحو غير متوقع، عندما حاولت إخماد التمرد في الشمال، وحدثت الهزيمة على يد مجموعات مسلحة يجمعها تحالف هش، وعمل هذا على تقوية شوكة المتمردين، المطالبين بالانفصال، كما أدى أيضاً إلى تمسك المتمردين بمواقف متشددة.

بعد الانقلاب قام الجيش بإعادة الحكم المدني، وتنصيب حكومة مدنية مؤقتة، وحاولت الإدارة الجديدة استعادة الثقة الشعبية، وتأكيد سيطرتها على المجلس العسكري. إلا أن الجماعات الإسلامية المتشددة قامت بتعزيز سيطرتها على شمال البلاد، وألقت بظلالها على جهود السلام الحالية، وعلى أي تدخل عسكري في المستقبل لإعادة إدماج الشمال في بقية البلاد. وعليه فتعثر المحاولات الدبلوماسية التي بُذلت لحل الأزمة، كان النتيجة المتوقعة للأوضاع في مالي. فقد عجزت الدول الأساسية التي يمكنها أن تؤثر على أصحاب المصلحة الرئيسين في الصراع، أو لم تكن راغبة في التوفيق بين مصالحها وبين تنسيق إجراءاتها، ولذلك تبقى الاتهامات والاتهامات المضادة بشأن التمتع بالمنافع المجانية والمواقف التي تخدم المصالح الذاتية هي الأساس.

أ. تطور الأحداث الخاصة بالانقلاب

سيطرت مجموعة من العسكريين على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو، وبذلك سيطروا على السلطة، وذلك بعد عدم استجابة الحكومة لمطالبهم الخاصة بتسليح رفاقهم الذين يعانون من هزائم متكررة في شمال البلاد.

مساء يوم الأربعاء 21 مارس 2012، عمل وزير الدفاع "ساديو غاساما" جاهداً على احتواء أجواء الاحتقان خلال زيارته للقاعدة العسكرية، قبل أن يفشل وتخرج الأمور عن السيطرة ويحتدم الوضع. وفي أثناء زيارته للقاعدة العسكرية، بالقرب من القصر الرئاسي، بدأ جنود غاضبون بإطلاق النار في الهواء، ثم ألقوا الحجارة على سيارته، مجبرين إياه على الرحيل ومغادرة المعسكر.

اقتحم عسكريون من الجيش المالي، يوم 22 مارس 2012، مباني اتحاد الإذاعة والتليفزيون في باماكو، وطوق آخرون القصر الرئاسي، وقاموا بمحاصرة الرئيس "أمادو توري" وعائلته، واعتقلوا عدداً من الوزراء. وأعلن متحدث باسم المتمردين عن إنهاء حكم الرئيس "أمادو توري"، وأكد نية العسكريين تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، كما أعلن عن قرار حل جميع المؤسسات الحكومية وتعليق تنفيذ الدستور في البلاد، وتعيين النقيب "أمادو سانوغو" لتولي رئاسة هيئة جديدة، أُطلق عليها اسم "اللجنة الوطنية لاستعادة الديموقراطية وإعمار الدولة"، وفرض الانقلابيون حظر التجوال معلنين أنه سيستمر حتى إشعار آخر.

استطاع "أمادو توماني توري" الرئيس السابق التحصن بإحدى المستعمرات التابعة للجيش، في حراسة قوات موالية، ذاكراً أن ما حدث لا يُعد انقلاباً عسكرياً ضد نظام الحكم، وإنما هو تمرد وعصيان.

اعتقل المتمردون، يوم الجمعة 23 مارس 2012، ثلاثة من أعضاء الحكومة السابقة، وهم رئيس الوزراء "سيسي مريم كايداما"، ووزير الخارجية "سوميلو بوباي مايغا"، ووزير الإدارة الإقليمية "كافوغونا كونيه"، اعتقلوا بمعسكر للجيش قُرب العاصمة. وبالرغم من دعوة "أمادو سانوغو" لوقف النهب واحترام الممتلكات الخاصة، فقد حدثت أعمال نهب وسلب في باماكو العاصمة، وطالت محطات الوقود والمتاجر والسيارات الخاصة، ما أدى لإغلاق المتاجر ومحطات الوقود والشركات.

في 24 مارس 2012، سرت شائعات في مالي بأن انقلاباً موالياً للرئيس السابق سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، وأن رئيس اللجنة الوطنية لاستعادة الديموقراطية وإعمار الدولة، النقيب "أمادو سانوغو"، قد قُتل. إلا أن التليفزيون المالي نفى هذه الشائعات، وظهر بيان للمتمردين يطمئن الشعب على أن كل شيء على ما يرام، داعياً الناس إلى ممارسة حياتهم اليومية كالمعتاد. وظهر "أمادوا سانوغو" على شاشة التليفزيون، صباح السبت 24 مارس، مطمئناً المواطنين على أنه في صحة جيدة وبخير.

احتج الآلاف في العاصمة المالية باماكو، يوم 26 مارس 2012، منددين بسلطة الانقلاب ومطالبين بعودة النظام الديموقراطي للبلاد، وسط تهديدات من قِبل المجلس العسكري، ومطالبة المواطنين بضبط الأعصاب وعدم التظاهر

ب. ردود الفعل الدولية

(1) أعلن "جون بينج" رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في 23 مارس، أن الاتحاد جمد عضوية مالي فيه، أثر الانقلاب.

(2) أدانت الجزائر الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس المالي "أمادو توماني توري"، عادّة استخدام القوة مخالفة واضحة للدستور.

(3) دعت فرنسا إلى احترام النظام الدستوري، ونددت باللجوء إلى العنف، وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

(4) دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تجاوز الضغوط، من طريق الحوار وليس من خلال العنف، وطالبت بالعودة الفورية للنظام الدستوري الحالي.

(5) أدان الرئيس النيجيري "جولاك جونثان" الانقلاب الذي قام به مجموعة من ضباط الجيش في مالي، مؤكداً أن بلاده لن تعترف بحكومة غير دستورية.

(6) أدان الاتحاد الأوروبي الانقلاب العسكري في مالي، وطالب بعودة السلطة الدستورية في أقرب وقت ممكن.

(7) أدانت الخارجية الألمانية الانقلاب العسكري في مالي، ووصفته بأنه غير دستوري، ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن مزيد من العنف.

(8) أدانت موريتانيا الأحداث التي وقعت في مالي، داعية كل الأطراف والقوى في مالي إلى الامتناع عن مزيد من العنف والعودة للنظام الدستوري.

(9) رفضت وزارة الخارجية المغربية الاستيلاء على السلطة بالقوة في مالي.

ج. إعلان انفصال أزواد، في أبريل 2012

(1) ساهم الانقلاب العسكري في مالي في تقوية المتمردين وحلفائهم الإسلاميين، والحقيقة أن انقلاب 22 مارس، جاء في وقت تشهد فيه البلاد تمرداً حقيقياً للطوارق في شمال البلاد، بالإضافة إلى شعور القوات المالية بمذلة لا تُطاق أمام التقدم المستمر لمتمردين على درجة عالية من التسلح. وزاد من حدة التوتر شكاوى الرأي العام المتزايدة من سلبية الرئيس "أمادو توري"، عندما ترك المسلحين يتدفقون من ليبيا بعد سقوط القذافي، دون أن تُنزع منهم أسلحتهم، كما جرى في النيجر المجاورة.

(2) قامت قوات المتمردين بالهجوم على حامية عسكرية في الشمال، وقتل سبعون جندياً، بعد أن باغتهم مسلحون من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجماعات تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجهاديون من جماعة أنصار الدين التي يقودها "إياد آغ غالي".

(3) إن الانقلاب العسكري أثر كثيراً في مختلف الحركات المسلحة التي احتلت أغلب مناطق شمال البلاد، وتمركزت بها. وأبرز مثال على ذلك استيلائهم على المركز العسكري في تساليت، المجهز بمدرج لهبوط الطائرات، لأنه يشكل منفذاً للمتمردين على العالم الخارجي، يضمن تزويدهم بالأسلحة والذخائر والمؤن المختلفة.

(4) أعلن المتمردون سيطرتهم على بلدة رئيسة في الشمال، وأنهم يتجهون صوب الجنوب للسيطرة على بلدات أخرى انسحب منها الجيش. وأن المتمردين يقتربون من البلدات الواقعة في الشمال الصحراوي، مستغلين الفوضى التي خلفها الانقلاب في العاصمة، وأنهم احتلوا الثكنة العسكرية في أنفيس (100 كم جنوب غرب)، بعد انسحاب القوات الحكومية. كما أن انسحاب الجيش إلى مدينة غاو، أدى إلى غياب أية قيادة عسكرية، وأن المتمردين في ظل هذا أصبحوا يسيطرون على جزء كبير من شمال البلاد.

(5) في 6    أبريل 2012، أعلن الطوارق في بيان نُشر على شبكة الإنترنت عن استقلال أزواد عن مالي بعد انسحاب الجيش منها. وتتكون أزواد في مناطق مالي من تمبكتو وكيدال وغاو، وأيضاً جزء من منطقة موبتي، وتشكل نحو 60% من مساحة مالي. وتحدها بوركينا فاسو من الجنوب، وموريتانيا من الغرب والشمال الغربي، والجزائر من الشمال والشمال الشرقي، والنيجر من الشرق والجنوب الشرقي. أما مالي فتحدها من الجنوب الغربي. وأكبر مدنها غاو، وهي العاصمة المؤقتة حالياً. وتمبكتو هي المدينة الثانية حجماً، وهناك اتجاه لجعلها العاصمة.

(6) قام "محمود آغ علي" الأمين العام لحركة تحرير أزواد، بتوقيع إعلان استقلال أزواد. وجاء انفصال أزواد رسمياً بعد وقت وجيز من الانقلاب العسكري في مالي. ورفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) الاعتراف بأزواد، واعتبرت إعلان الاستقلال لاغياً وباطلاً، وقالت أنها سترسل قوات إلى المنطقة المتنازع عليها لدعم حكومة مالي.

(7) أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، مع شريكتها في الحرب السابقة (جماعة أنصار الدين)، في 26 مايو، اتفاقاً بالاندماج لتكوين دولة إسلامية. إلا أن تقارير لاحقة أشارت بانسحاب الحركة من المعاهدة والانفصال عن جماعة انصار الدين، بعدما أعلنت أنصار الدين أنهم يرفضون فكرة انفصال أزواد، ما حدا بهما للمواجهة واحتدام القتال بينهما، وبلغ ذروته في معركة غاو، في 27 يونيه 2012، حيث تمكنت كلتا الاثنتين، حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وجماعة أنصار الدين من السيطرة على المدينة، وطرد الحركة الوطنية لتحرير أزواد منها، ثم أعلنت جماعة أنصار الدين في اليوم التالي سيطرتها على كل مدن شمال مالي.

(8) تعهدت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بصياغة دستور لإنشاء دولة ديموقراطية، واعترفت في بيانها بميثاق الأمم المتحدة، وأن الدولة الجديدة ستتمسك بمبادئها. كما تعهد "موسى آغ الساريد"، الناطق الرسمي للحركة الوطنية، في 6 أبريل 2012، باحترام الحدود الدولية منذ الحقبة الاستعمارية التي تفصلهم عن الجيران، وأصر بأن إعلان الاستقلال له شرعية دولية.

(9) لم تنل أزواد اعترافاً دولياً من أية جهة رسمية، حيث رفض كلُ من الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس) إعلان الاستقلال، وأعلنوا أن مالي وحدة واحدة وكيان لا يمكن تجزئته، وقالت المجموعة أنها قد تلجأ للقوة لإسقاط المعارضة. كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها لن تعترف بتقسيم أحادي الطرف لمالي، إلا أنها دعت إلى مفاوضات بين الكيانين لمعالجة مطالب الطوارق سكان الشمال، الذين لم يتلقوا لفترة طويلة ردوداً كافية لمطالبهم الضرورية. وأشارت بأنها ستقدم دعماً لوجستياً. كما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية إعلان الاستقلال.