إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في مالي





مناطق الصراع في مالي
التدخل الفرنسي في مالي




المبحث الثاني

المبحث الثاني

الأطراف المختلفة ودورها في الصراع

تسهم البيئة التي تعمل فيها أية جماعة متطرفة في إطارها، في تحديد الفرص المتاحة للعمل وأسلوب العمل الذي تنوي اتخاذه. وأهم هذه العوامل طبيعة جغرافية المنطقة، والإطار السياسي المحلي والدولي، وكذا القوى البشرية المتوافرة. وتتسم منطقة الشمال الأفريقي بتوافر تلك العوامل، ما يجعل هذه المنطقة مناسبة لأنشطتها. وقد حظيت بعض الجماعات الإرهابية المنتشرة في الشمال الأفريقي ومناطق الساحل والصحراء منها بشهرة واسعة لامتداد نشاطها. ومن هذه الجماعات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وجماعة أنصار الدين، والحركة الوطنية لتحرير أزواد. ورغم أن هذه الفصائل تعاونت على إسقاط الحاميات النظامية للجيش المالي في تساليت وكيدال وجاو وتمبكتو، إلا أن كل فصيل له توجهاته وأهدافه التي يسعى لتحقيقها.

أولاً: قبائل الطوارق

الطوارق يُعرفون أيضاً باسم الأمازيغ أو البربر (وإن كانوا لا يفضلون تلك التسمية لارتباط البربر باللون الأسمر، في حين أنهم من البيض). وهم من السنة، يتبعون المذهب المالكي، وقد استعرب بعضهم، أي تعلم اللغة العربية، إلى جانب لغتهم الأصلية، اللغة الأمازيغية، وهم يطالبون بجعلها لغة رسمية في البلاد التي ينتشرون بها.

هؤلاء الطوارق ينتشرون في منطقة الصحراء الكبرى في أفريقيا، ويمتد وجودهم في المنطقة الممتدة من الصحراء الغربية في مصر شرقاً، وحتى موريتانيا غرباً، مروراً بليبيا، والجزائر، فضلاً عن شمال مالي والنيجر. وهم يسعون إلى إقامة دولة الطوارق الكبرى في هذه المنطقة، وهو ما يشكل قلقاً للنظم العربية في الشمال الأفريقي، وللنظم الأفريقية في الغرب الأفريقي، خاصة مالي والنيجر.

وقد دفع تعرض الطوارق في مالي تحديداً للتهميش والعزل، من قِبل النظام في باماكو، إلى قيام بعض حركاتهم، مثل المؤتمر الوطني لتحرير أزواد، برئاسة "أبو بكر الأنصاري"، بفتح علاقات مع إسرائيل، وكذلك اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، وإقامة علاقات قوية مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية والاستقواء بهم لإقامة دولة الطوارق الكبرى، والتعهد بأن هذه الدولة ستخضع للهيمنة الأمريكية، وسيتاح لها السيطرة على المغرب العربي. أي أنه لا مانع لهذه الحركة الاستقواء من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

إن المشكلة الحقيقية، والتي كانت العامل المشترك التي جمعت بين الطوارق والجماعات الإثنية الأخرى، تنبع من التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي ضد الطوارق لصالح الجماعات الإثنية الأخرى، التي تهيمن على عوائد البلاد من الثروات الطبيعية المتنوعة. وقد عانى الطوارق تاريخياً من عقدة التهميش، سواء على يد المستعمر الفرنسي، أو نتيجة لسياسات نظم الحكم. وتنوعت أساليب التهميش في ثلاثة أنماط رئيسة، هي:

·       تشتيتهم وعزلهم في جيوب متناثرة.

·       توظيفهم في تحقيق أغراض سياسية داخلية وخارجية.

·      الإقصاء أو احتواء مطالبهم إلى الحد الذي لا يقوض الاستقرار السياسي والإثني.

وهذا الأسلوب الثالث هو الذي انتهجته مالي طوال سنوات ما بعد الاستقلال، عندما تولى "موديبوكيتا" السلطة، عام 1960، حيث قرب إليه العناصر الأفريقية التي تقطن جنوب البلاد، مانحاً إياهم المناصب العليا في الحكومة والقوات المسلحة والجهاز الإداري، في حين عانى الطوارق في ولايتي كيدال وتمبكتو الصحراويتين انحيازاً ثقافياً، وتهميشاً اقتصادياً واجتماعياً، بعد ضمهما بالقوة إلى حدود مالي.

فتطورت مطالب الطوارق في البداية بتحقيق العدالة والمشاركة السياسية، ثم تطورت إلى المطالبة بالحكم الذاتي، وصولاً للمطالبة بحق تقرير المصير، من أجل تكوين دولة مستقلة.

ومن ثم اتسمت العلاقة بين الطوارق ونظام الحكم بالتوتر، الذي وصل لحد الصدام المسلح، حيث ثار الطوارق مرات عديدة ضد نظام الحكم في مالي، بداية من عام 1963، عندما انطلقت ثورتهم الأولى من مدينة كيدال، ثم تكررت الثورات على فترات متقطعة، ولهذا كان العنف المسلح هو الأسلوب الأكثر بروزاً في مواجهة تمرد الطوارق، خاصة في مالي والنيجر. وهو ما أسهم في إخماد تلك الثورات، خاصة في ظل اختلال توازن القوى بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، بفضل دعم دول الجوار للنظام، خاصة ليبيا والجزائر والمغرب. وكذلك بضغط دول الجوار لتوقيع اتفاقيات سلام، مثل اتفاق تمنراست عام 1991، بين حكومة مالي والطوارق، واتفاق عام 1995، بين حكومة النيجر والطوارق.

نتيجة عدم تحقق مطالب الطوارق، أيقنوا أنه لا أمل لديهم إلا بالانخراط في العمل المسلح، لذلك أسس الطوارق، عام 2010، الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والتي طالبت بحق تقرير المصير بزعامة بلاد الشريف، والتي تدعم موقفها كثيراً بعد عودة آلاف الطوارق من ليبيا، بعد انطلاق ثورة 17 فبراير 2011 هناك، بعد أن تدربوا هناك فيما يُعرف بالفيلق الأفريقي.

إن مراجعة حركات التمرد التي قام بها الطوارق يكشف الشعور بالوعي الإثني، الذي هو شعور متأصل منذ أن قاوموا الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا، في عشرينيات القرن الماضي، وأسهمت السياسات الخاطئة القائمة على أساس التمييز العرقي، واستخدام العنف المسلح، وعدم تحقيق المطالب التنموية للمناطق المهمشة، وهي بصفة خاصة المناطق التي تقطنها الطوارق، ما جعلها تشعر بالظلم والقهر الذي دفع بها للمطالبة بالانفصال بإقليم أزواد، واللجوء للقوة المسلحة في مواجهة الحكومة.

وقد جاء انفصال جنوب السودان، وثورات الربيع العربي، بمثابة المحرك لدعوى انفصال الطوارق بإقليم أزواد، حيث جاء محركاً الأمل في تكوين دولة تضم الطوارق كافة في الشمال الأفريقي، بدءاً من تحقيق هذا المطلب في شمال مالي. وقد شجع على خلق هذا الشعور، تنامي القدرات العسكرية نتيجة الحصول على الأسلحة المتطورة من مخازن الجيش الليبي، بعد انهيار نظام القذافي وعدم قدرة الثورة الليبية في السيطرة على هذا الكم الكبير المخزون من السلاح والذخائر، والتي انتشرت لتعم كثيراً من دول القارة.

ويجب أن يوضع في الحسبان وجود كثير من الجماعات الجهادية الإسلامية، والجماعات السلفية الناشطة، بالإضافة إلى كوادر من تنظيم القاعدة تتمركز في بلاد المغرب الإسلامي، في المناطق الصحراوية، سواء في مالي أو الدول المجاورة، نتيجة عزلة هذه المناطق وضعف سلطة الحكومات المركزية، وعدم توافر الأمن والاستقرار، وأيضاً عدم قدرة الدول المركزية على تحقيقه.

وفي حالة مالي، فإن حدوث انقلاب مارس، وتناحر الفرقاء، وضعف السيطرة، وانتشار حالة الفوضى التي عمت البلاد، كانت مجالاً خصباً لتنامي العنف المسلح الذي انخرط فيه الطوارق من أجل دحر القوات الحكومية وفرض سيطرتها على مدن الإقليم تباعاً، في ظل توافر القدرات العسكرية التسليحية، والدعم النوعي الكبير الذي قدمته الحركة الوطنية إلى الجماعات الجهادية والسلفية الموجودة في هذه المناطق.

ثانياً: القوى الإسلامية وتنظيم القاعدة

1. الحركة الوطنية لتحرير أزواد

 أول تشكيل سياسي أزوادي بعد رحيل الاستعمار الفرنسي، هو الحركة الشعبية الأزوادية، التي تشكلت في ستينيات القرن العشرين، ورأت هذه الحركة أن الحكومة المالية تتعمد إهمال منطقة أزواد، داعية إلى استقلال الإقليم، احتراماً للمعطيات التاريخية، وتحقيقاً للمصالح الآنية، حيث يجري العمل على تهميشه.

فشلت الحركة الشعبية الأزوادية في تحقيق الاستقلال، ولكنها وفرت للأزواديين تجربة استفادوا منها في التجارب اللاحقة، لا سيما أن الحركة الأولى كانت في عمقها حراكاً قبلياً، ولم يأخذ حقيقة النضال الوطني، كما لم تكن أطرافه موحدة الأهداف والغايات، حيث كان بعض قادتها يُعلن مطالبه الانفصالية وعوته الصريحة للاستقلال، في حين كان بعضهم يطالب بسقف أقل، ويُعلن رضاه باتحاد كونفيدرالي. وقد انتهى هذا التحرك بفعل القمع الشديد الذي انتهجه الرئيس المالي حينها "موديبوكيتا".

ثلاثة عقود بعد ذلك كانت كافية لإنضاج الظروف لإطلاق تجربة أزوادية جديدة، تمثلت في ظهور أول جبهة تُعلن عن نشاطها العسكري، وكان ذلك عام 1990، وحملت اسم "الحركة الشعبية لتحرير أزواد"، وقادها "أياد آغ غالي"، وهو ينتمي إلى الطوارق وخصوصاً قبيلة أتفوغار.

لم تلبث الحركة الأم أن عانت من انشقاقات، وولدت حركات جديدة، كان من أبرزها:

·       الجبهة الشعبية لتحرير أزواد، ومن أبرز قادتها "عيسى آغ سيد محمد".

·       الجيش الثوري لتحرير أزواد، بقيادة "عبدالرحمن كلا".

·       الجبهة الحربية الإسلامية لتحرير أزواد، ومن أبرز قادتها "الدهبي ولد أميا، وأحمد ولد سيد محمد".

كان الطابع القبلي والتنازع العرقي بين مكونات إقليم أزواد بين الطوارق والعرب، أبرز أسباب التصارع داخل حركات التحرر الأزوادية، حيث يتشكل الإقليم من قبائل عربية في الناحية الشمالية والغربية، وقبائل طوارقية في الشمال والشرق من ذات الإقليم. وقد استطاعت هذه الحركات، رغم خلافاتها، أن تكبد القوات المالية خسائر فادحة.

كما سيطرت على مناطق واسعة من الأقليم وكونت ميليشيات محلية عُرفت باسم "غند غوي"، وتعني بلغة الصنغاي (ملاك الأراضي)، وكانت أغلب هذه المجموعات المسلحة من أبناء المجموعات الزنجية القاطنة في المنطقة، لاسيما قومية الصنغاي خاصة.

ظلت مطالب إقليم أزواد تدور في مجملها حول مطالب الاستقلال، مع تفاوت طرقه، والفترة الزمنية التي يحتاجها، والأسلوب الذي يجب أن يمر من خلاله، وما إذا كان يحتاج لفترة إضافية او تجربة حكم ذاتي أو اتحاد كونفيدرالي، وظل رد الحكومة المركزية في باماكو هو الرفض جملة وتفصيلاً، والإصرار على بناء الدولة المركزية، مع وجود تعهد بإيجاد مشروعات تنموية، والتعهد بالسعي للحصول على تمويل أجنبي لتطوير البنية التحتية بالإقليم.

وقد تُوج هذا الحراك في التسعينيات بتوقيع اتفاقية بين الأطراف، عُرفت باسم المدينة الجزائرية التي وقعت فيها، وهي مدينة "تمنراست في الجنوب الجزائري، وكان توقيعها في يناير 1991، وتضمنت 13 مادة، ونصت على منح الإقليم وضعاً خاصاً. ولم تلبث الأطراف أن عادت للخلاف، لتوقع لاحقاً اتفاقاً عُرف باسم "الميثاق الوطني"، في أبريل 1992.

بعد اتفاق الميثاق الوطني بشهر، دخل الطرفان في مواجهات مسلحة خلف الكثير من القتلى والجرحى، والنزوح إلى دول الجوار، حتى منتصف التسعينيات. حيث قرر الطرفان العودة مرة أخرى إلى اتفاق "الميثاق الوطني"، وبموجبه جرى دمج عدد من المسلحين الأزواديين في الجيش المالي، كما استفاد قادة الحركات من مناصب سياسية ودبلوماسية. وعاد خلال هذه المرحلة كثير من النازحين، قدرتهم جهات دولية بما يقارب 130 ألف شخص.

تطورت الأوضاع في فترة لاحقة، حيث عادت الحركات السابقة بقوة السلاح، الذي تعددت مصادره، ووصلت إليه جماعات مسلحة من الجماعة السلفية (الدعوة للقتال الجزائرية)، قبل أن تُعلن تغيير اسمها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ثم تطور الأمر إلى ظهور الحركة الوطنية لتحرير أزواد.

تُعد الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي نشأت حسب وثائقها الرسمية، في الأول من نوفمبر 2010، وعقدت أول مؤتمر تأسيسي لها في 31 أكتوبر وأول نوفمبر 2010، المكون والأهم والأبرز للحراك العسكري في منطقة أزواد. حملت الحركة منذ نشأتها اسمها "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، وعملت على جبهتين أولهما إقناع المسلحين الأزواديين في الجيش المالي والليبي بالانضمام إليها. وثانيهما إقناع الحركات والشخصيات الأزوادية بالانضمام لنضالها المسلح. وقد أثمرت الجهود التي بذلتها الحركة، حيث انسحب عدد كبير من مسلحي الجيش المالي، كما انضم إليها عدد كبير من منتسبي الجيش الليبي، مستجلبين معهم أسلحتهم وعتادهم.

وفي 11 أكتوبر 2011، وقعت الحركة اتفاقاً مع بعض الحركات الأخرى، وانضم إليها "محمد آغ ناجح" قادماً من ليبيا بالرجال والسلاح، ووزعت الحقائب القيادية بين الزعماء. وفي 11 يناير 2012، رأت الحركة أن الحوار مع الحكومة المالية لم يعد يجدي، لتعلن فعلياً العودة للسلاح لتحرير إقليم أزواد، من خلال هجوم سريع على مدينة "منيكا"، حيث نجحت في السيطرة عليها، ثم واصلت الزحف لتسقط "اتساليت" بقاعدتها الجوية، ثم "تبسيت"، وغيرهم من مدن المنطقة.

هذا النجاح أعطى للأزواديين عوامل نجاح عديدة يمكن معها الوصول إلى أبعد مدى ممكن في طريق تحقيق مطالبهم نحو الاستقلال، وضمان تنمية إقليمهم وازدهاره. وأهم هذه العوامل هي:

·      التغيير والتحرر الذي تهب رياحه على العالم العربي، واستحضار النموذج السوداني، ومحاولة إقناع الحكومة المالية للأخذ به، مقابل حسم النزاع العسكري.

·      إقناع المجتمع الدولي، وخاصة الغربي، بجديتها وجدارتها بإقامة دولة وطنية أزوادية، تضمن الاستقرار وتقيم علاقات متوازنة مع دول الجوار.

أصدرت الحركة وثيقة تحت عنوان "سنة الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية"، وتقصد بها سنة 2010، عن واقع المنطقة مؤكدة أن هناك مؤمرات يتعرض لها الإقليم من خلال تجاهل الأحداث التي مرت. وتذكر على سبيل المثال اغتيال "سيد محمد آغ شريف" في 20 أغسطس 2010، على يد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وقبله اغتيال العقيد "لاميني ولد بو" الضابط الأزوادي في الأمن المالي في تمبكتو، في يوليه 2009، وأخيراً انتشار نشاط تنظيم القاعدة وتطورها في شبكات تهريب المخدرات وعملية إسقاط عدد كبير من أطنان المخدرات من طائرة بوينج 727، في نوفمبر 2009، عُثر على هيكلها محترقاً بالصحراء في تاركنت بإقليم قاد. معددة كل ذلك أدلة على تورط الحكومة المالية في كل هذه الفوضى، لخلق عدم الاستقرار ومحاولة تشويه سمعة الإقليم.

تدعو الجبهة القوى الوطنية بالإقليم للتوحد مهما كانت الاختلافات بها، سواء عرقية أو أيديولوجية أو انتمائها لحركات معينة، للتوحد والتركيز على الهدف الرئيس لها، وهو مشروع الدولة، مع تحييد أية أطراف أخرى أو الدخول في هدنة معها.

2. جماعة أنصار الدين

هي حركة إسلامية متشددة، تنتشر في شمال مالي، بزعامة "إياد آغ غالي"، وهو من زعماء الطوارق، ويُوصف بأنه أبرع وأبرز زعماء التمرد الذين ينتسبون للطوارق. وقد بدأت شهرته بعد رحيل "آغ باها نغاو"، ومقتل قائد التمرد "بركة شيخ" الذي كان قائداً لحركات التمرد السابقة، وخاصة التحالف الديموقراطي من أجل التغيير.

في عام 1992، قامت الحكومة المالية بتوقيع اتفاق سلام مع متمردي الطوارق، وتوزيع حقائب سياسية ودبلوماسية على قادة الطوارق، ولذا سعى الرئيس "توماني توري" لإبعاده عن مدينة كيدال (أحد أهم معاقل التمرد)، وذلك بتعيينه قنصلاً عاماً لدولة مالي في جدة بالمملكة العربية السعودية، إلا أنه اتُهم بنشاط ضد الحكومة السعودية، ولهذا طردته السلطات السعودية من أراضيها.

بعد عودته تحولت توجهاته من سياسية تحررية إلى عمل جهادي ديني، وقام بنشر دعوته بين السكان. وبسقوط القذافي، عاد إلى أزواد واتخذ من سلسلة جبال أغاغار مقراً له، وأسس تنظيماً جديداً من الطوارق وبعض المنتمين لهذه القبائل، وأصبح الواجهة الجهادية لجماعات الطوارق.

تنبع قوة جماعة أنصار الدين من قوة شخصية زعيمها "إياد غالي"، فهو شخصية محورية بالنسبة لدوائر المخابرات الغربية، لأنه مفاوض موثوق به في الأزمات عند اختطاف رهائن غربيين، فهو الذي يتفاوض مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. ومن هنا فالدوائر الغربية ليس في مقدورها الدخول معه في خلاف، ولكن من جانب آخر فإن هذه الدوائر لا تخفى عنها توجهات "إياد غالي"، فهو يرفض انفصال شمال مالي لأنه هدفه هو إقامة الشريعة الإسلامية في كل دولة مالي، وموقفه من هذا واضح، إذ قامت قواته بإزالة دور العبادة التي أقامتها البعثات التبشيرية الأوروبية في شمال مالي، كما أزالت قواته أماكن تناول الخمور، ولكنه أيضاً يرفض اختطاف رهائن ويحاول كسب شعبية قبائل الطوارق بحمايته للأُسر من السطو المسلح والاعتداءات التي كان يقوم بها رجال الحركة الوطنية لتحرير أزواد. ومع ذلك تظل مفاهيم الدولة الإسلامية لم تستقر بعد في قبائل الطوارق. ورغم غيابه عن مالي، خلال الفترة من 2007 – 2010، لعمله مستشاراً قنصلياً لمالي في المملكة العربية السعودية، إلا أنه عاد إلى مالي بعد أن طلبت السعودية من الحكومة المالية استدعاه من أراضيها لثبوت علاقته بتنظيم القاعدة.

حركة أنصار الدين، في الأصل وطبقاً لتأسيسها، حركة شعبية جهادية سلفية، وكان قائدها المؤسس "إياد آغ غالي" أقرب إلى الفكر اليساري القومي الوطني، منه إلى الفكر الإسلامي. وبعد أن تداعت إلى الجماعة المئات من قبيلة الأيفوغاس، وبعض المقاتلين من قبائل طوارقية أخرى، شرع "إياد غالي" في استثمار عشر سنوات من عمل عناصر تنظيم القاعدة في المنطقة، فجاءت الاستجابة لدعوة "إياد غالي" مزدوجة، حيث تلبي البُعد القبلي والقومي الانفصالي لدى الطوارق، وتتناغم مع الدعوة الجهادية المنتشرة في المنطقة.

افتتح "إياد غالي" نشاطه العسكري بالهجوم على مدينة أغيلهوك في أقصى الشمال المالي، حيث توجد قاعدة عسكرية محصنة تابعة للجيش المالي، سيطر عليها ثم هاجم قاعدة تساليت العسكرية، وتمكن من اقتحامها والسيطرة عليها، وأعلن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركته، حيث أسس مجالس محلية لتسيير شؤون المدن التي وقعت تحت سيطرته.

تحالفت الحركة مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تتشكل أساساً من قوميين وليبراليين ومستقلين، وآخرين ليس لهم توجه أيديولوجي. وتُعد مدينة آري بشمال مالي أكبر معقل لمسلحي جماعة أنصار الدين، ويضم هذا المعقل أكبر المعسكرات التي تحتوي على مستودعات الأسلحة والآليات.

وقد أكد القائد العسكري لجماعة أنصار الدين، التي سيطرت على مدينة تمبكتو شمال مالي، في بيان له، أنه يخوض حرباً ضد الاستقلال، ومن أجل الإسلام. وذكر "عمر حاماها": "إن حربنا جهاد وحرب شرعية باسم الإسلام، ونحن ضد حركات التمرد وضد الاستقلال. نحن ضد الثورات التي ليست باسم الإسلام، جئنا لنمارس شعائر الإسلام باسم الله. إن ما نريده ليس أزواد، بل الإسلام".

في 9 يناير 2013، شددت الجماعة، وهي إحدى المجموعات الإسلامية المسلحة التي تحتل شمال مالي، مواقفها مطالبة بالحكم الذاتي وتطبيق الشريعة الإسلامية في هذه المنطقة، في إطار دولة مالية تتميز بطابعها الإسلامي، وذلك قبل مباحثات مع باماكو، في 10 يناير 2013، برعاية الوسيط الإقليمي رئيس بوركينا فاسو. ويُشكل الدفاع عن هوية الطوارق والشريعة الإسلامية محور البرنامج السياسي، الذي سُلم في أول يناير، ووجهت الجماعة التي يتزعمها "إياد آغ" والمؤلفة بشكل أساسي من الطوارق الماليين، اتهامات إلى الأنظمة المالية المتعاقبة التي عاملت سكان شمال مالي كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

وأكدت الجماعة أنها تعارض تقسيم مالي كما تؤكد تخليها عن مطلبها السابق باستقلال شمال مالي، وخفضت درجة مطالبها إلى حكم ذاتي موسع، في إطار دولة تُعلن في دستورها طابعها الإسلامي، نظراً لأن الشعب المالي مسلم بنسبة تفوق 95%، وأكدت أن التطبيق الصارم للشريعة في الشمال شرط أساس غير قابل للتفاوض. وقد أغضب هذا البرنامج الحكومة المالية، التي تعد احترام وحدة الأراضي المالية، وعلمانية الدولة هما حجر الأساس لبنيانها السياسي.

وبضغط من بوركينا فاسو والجزائر، اللتين تقومان بدور الوساطة، أعلنت جماعة أنصار الدين، في أواخر عام 2012، تراجعها عن تطبيق الشريعة الإسلامية في مالي، على أن يقتصر على مناطق نفوذها، وابتعدت نظرياً عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا، من خلال نبذ الإرهاب والإعراب عن استعدادها للتحاور مع باماكو.

وكان "إياد آغ غالي" قد أعلن أن جماعته تسحب العرض الذي قدمته لوقف الأعمال العسكرية، متهمهاً السلطة المالية بأنها ليست جاهزة للحوار، ولكنه لم يغلق الباب أمام محادثات جديدة يتفق على موعدها لاحقاً.

يقود العمليات العسكرية للجماعة الشيخ "أبي الفضل آغ غالي"، وترتبط الحركة بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ما جعلها توصف بأنها حركة تبليغية طبقاً لبعض المصادر في أزواد، وتهدف إلى ضرورة إظهار الحالة الدينية الإسلامية للشعب الأزوادي، وذلك بتطبيق الشريعة وإقامة حكم إسلامي في أزواد.

وقد توحدت الجماعة مع الحركات الطوارقية الأخرى، التي ليس لها توجه ديني، نتيجة التقاء المصالح للطرفين، إضافة إلى وجود عدو مشترك لهم هو الحكومة المالية. ورغماً عن ذلك انشق عن حركة أنصار الدين تنظيم معتدل، تمرد ضد "إياد غالي"، لينشئ حركة أزواد الإسلامية، التي أعلنت رفضها لأي شكل من أشكال التطرف والإرهاب، وتعهدت بمكافحته.

3. جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا

تعد جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، نسخة مكررة من حركة أنصار الدين الطوارقية، رغم أن تأسيسهما كان في وقت متزامن. فقد ظهرت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا أثر انشقاق قادتها على تنظيم القاعدة، بعد رفض هذه الأخيرة طلبهم تأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد، أُسوة بسرية (الأنصار) في تنظيم القاعدة، التي تضم المقاتلين الطوارق.

يقود حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا القيادي البارز في مجموعة الأنصار (القبلية) "سلطان ولد باي"، ومعه الناشط الموريتاني السابق في القاعدة "حماد ولد محمد الخير" وشهرته أبو القعقاع، وانضم إليهم العشرات من أبناء القبائل العربية في شمال مالي، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية من أزواد.

أعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا عن نفسها، في أكتوبر 2011، ونفذت عملية اختطاف ثلاث رعايا غربيين من مخيمات اللاجئين الصحراويين، قرب مدينة تنتوف جنوب الجزائر، كما أعلنت عن مسؤوليتها عن هجوم انتحاري عند معسكر الدرك الجزائري في مدينة تامنراست. ويقف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب فارضاً نفسه وصياً على جماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد السلفية العربية، بوصفه صاحب الفضل في إدخال الدعوة السلفية إلى المنطقة والتغلغل فيها، ويقر له الجميع بالأقدمية في ساحة الجهاد، والدعوة السلفية، وإلى منظريه ومفتيه يلجؤون في حل القضايا الفقهية.

توصف الحركة بأنها الجماعة الإرهابية المسلحة الأكثر إثارة للرعب في شمال مالي، كما توصف بأنها مسلحة وممولة جيداً، وأنها أصبحت أخطر منظمة في المنطقة، لأنها استولت على كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة من ليبيا، وقد طلبت 30 مليون دولار مقابل إطلاق سراح رهائن أوروبيين، و15 مليون دولار لإطلاق سراح دبلوماسيين جزائريين.

وليس من الواضح ما هو تشكيل القيادة العليا للحركة، ولكن "حمادة ولد خير" يوصف بأنه زعيم هذه الحركة وعضو المجلس الاستشاري بها، بينما يوصف "عدنان أبو وليد" بأنه المتحدث الرسمي للحركة. وتفيد التقارير بأنها تنشر الفكر الجهادي في غرب أفريقيا بأكمله، ولا تكتفي فقط بمنطقة المغرب أو منطقة الساحل. وتتشكل الحركة أساساً من موريتانيين وماليين، وهي تعمل نيابة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

في 25 أغسطس 2012، أُعلن عن تحالف المجموعة المنشقة من تنظيم القاعدة، بقيادة "مختار بلمختار" مع حركة التوحيد والجهاد. وقبله في 21 أغسطس، ذُكر ان كتيبة الملثمين وحركة التوحيد قررا التحالف في حركة واحدة تُسمى "المرابطون"، بهدف تحقيق وحدة المسلمين من النيل إلى الأطلسي، وأنهما اتفقا على تسلم القيادة لزعيم جديد. وبحسب وكالة الأنباء نواكشوط، فإن الجهادي الذي لم يُعلن اسمه قاتل في أفغانستان قبل القدوم إلى مالي، وأوضحت أن اتحادهما يستند إلى مبدأ (الاتحاد قوة)، وأنها تسعى لأن تحل محل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ويرى المحللون أن هذا التحالف إنما جاء لأن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تكبدت هزيمة في مالي، من حيث القدرات والقيادات، وأن الجماعتين المطرودتين من مالي والمنهكتين، تسعيان إلى استعادة قدراتهما بهذا التحالف. كما أشار المحللون أيضاً إلى أن هذا التحالف جزئي، لأنه لم يشمل جماعات أخرى أو ما تبقى منها.

ومما هو جدير بالذكر أن مئات السكان، وغالبيتهم من الشبان، في مدينة غاو القريبة من الحدود مع النيجر، تظاهروا مغامرين بحياتهم عدة مرات للتعبير عن رفضهم للأساليب الوحشية التي يتبعها هؤلاء المتشددون، وكان السكان قد تظاهروا لأول مرة بسبب منعهم من مشاهدة التليفزيون ولعب كرة القدم، كما تظاهروا مرة أخرى بسبب محاولة الإسلاميين المتشددين قطع يد سارق، ونجحوا في ذلك، ثم الاحتجاج على ضرب مذيع بالإذاعة لأنه أشار إلى الحركة الاحتجاجية. وطبقاً لهذه الوتيرة، فإن السكان سيتمكنون من طرد الإسلاميين بأيديهم. وقد توعد قائد محلي من الحركة بالتحرك قريباً إلى مدينة غاو لاتخاذ اللازم نحو السكان المحليين.

وقد كان يُنظر من قبل إلى رجال حركة التوحيد والجهاد بعين الرضى، لأنهم كانوا يواجهون المسلحين الطوارق، ولكنهم بدأوا ينفذون أعمال العنف تجاه السكان، ما غير من مواقفهم.

4. تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

عُرف باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وقد أنشأها "حسان خطاب"، بعد أن انشق عن الجماعة الإسلامية المسلحة، عام 1998. ورفضت هذه الجماعة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، كما رفضت دعوة "مدني مزراق" قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ لإلقاء السلاح. وأعلنت في يناير 2007، تغيير اسمها إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب"، بما يوحي بأنها تمثل امتداداً فكرياً لتنظيم القاعدة العالمي. وقد أعلن "أيمن الظواهري" الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، بمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث 11 سبتمبر 2001، انضمام الجماعة السلفية للقاعدة، وأعلن رسمياً في بيان، في 24 يناير 2007، ميلاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

استفادت الجماعة من تحولها إلى هيكل يعتمد بدور أكبر على الخلايا، الأمر الذي أعطاها مرونة وقدرة على التكيف، وأصبح من الصعب اختراقها بواسطة قوات مكافحة الإرهاب، وتمكنت الخلايا المالية من استغلال العناصر التي كانت تتبع الجماعة المسلحة الجزائرية في الحصول على التدريب، كما تمكن أفراد مرتبطون بالجناحين العراقي والأفغاني من تنظيم القاعدة من العمل بشمال غرب أفريقيا، وهو ما سهل الاتصال بين العناصر المحلية المسلحة والشبكات الإسلامية الدولية.

وداخلياً، انقسمت الجماعة السلفية فعلياً إلى مجموعتين، تعمل إحداهما في الشمال بقيادة "عبدالمالك دوكال"، أما الثانية فتعمل بصورة رئيسة في المنطقة الصحراوية الممتدة عبر جنوب الجزائر وشمال مالي وموريتانيا.

وعملت المجموعة الجنوبية حتى وقت قريب تحت قيادة "مختار بلمختار" أحد المسلحين الذين تلقوا تدريبهم في أفغانستان، ويرتبط بلمختار بعلاقات أسرية بمنطقة الصحراء الكبرى، وقام بعمليات تهريب في هذه المنطقة، وسافر أعضاء المجموعة الجنوبية إلى مالي وموريتانيا ونيجيريا والنيجر وتشاد، واضطلعت هذه المجموعة بتنفيذ أخطر هجمات الجماعة السلفية في السنوات الأخيرة.

ويلاحظ أن وجود تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي في شمال مالي يمكنه من تحقيق هدفه الرئيس، وهو محاربة الغرب، الذي يصفه عدواً إستراتيجياً، وذلك بأن يحقق التنظيم تواصلاً جغرافياً عبر منطقة الصحراء والساحل، بالتمركز في ليبيا بالجبل الأخضر ومصراتة وطرابلس، ثم التمركز في شمال مالي وعلى الحدود المالية الموريتانية التي تمتد 900 كم، وكذلك في الصحراء الغربية في ظهير المغرب.

البيانات الرئيسية عن التنظيم

أ. قيادة التنظيم

يتولى قيادة التنظيم "عبدالمالك درود كال" (أبو مصعب عبدالودود)، الذي تزعم الجماعة السلفية للدعوة والقتال منذ عام 2004، وهو في الثلاثينيات من عمره، ويُعرف بخبرته في صناعة المتفجرات.

ومن القادة البارزين الآخرين "عمار سيفي" نائب قائد الجماعة الذي يقضي حُكماً بالسجن المؤبد في الجزائر لاتهامه بخطف 32 سائحاً ألمانياً.

أما القيادي "مختار بلمختار"، فيُشرف على الجماعة في منطقة الصحراء الكبرى، على الحدود بين مالي والنيجر.

ب. شخصيات قيادية

(1) أبو الحسن رشيد البليدي: رئيس الهيئة القضائية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكان قائد الجماعة السلفية للدعوة والقتال.

(2) مبارك يزيد (أبو عبيدة يوسف): عضو مجلس الشورى ورئيس أعيان التنظيم.

(3) أبو عبد الإله أحمد: رئيس اللجنة السياسية والعلاقات الخارجية بالتنظيم.

(4) يحيى أبو الهمام: قائد كتيبة الفرقان المتمركزة في غرب تمبكتو.

(5) يحيى جوادي (أبو عامر): أمير إمارة الصحراء.

(6) مختار بلمختار (أبو العباس): تلقبه وسائل الإعلام بالأعور، بسبب عاهة بعينه أصابته خلال أعمال القتال في أفغانستان، وهو المشرف على الجماعة في الصحراء الكبرى، على الحدود بين مالي والنيجر.

ج. الهيكل التنظيمي

هناك ثلاث مجموعات كبيرة (إمارات)، تضم 12 كتيبة مسلحة تقوم بالعمليات ميدانياً، ويقود التنظيم مجلس الأعيان، ويلي مجلس الأعيان إمارات المناطق، وهي ثلاث في الوسط والشرق والصحراء. ثم هيئة الجند، وهو هيكل جديد استحدثته القاعدة لدمج مجموعة من السرايا والكتائب في هيكل واحد:

(1) إمارة منطقة الوسط: تحت قيادة "يحيى جوادي" المعروف بيحيى أبو عمار، وتضم:

(أ) كتيبة الملثمين: ويقودها "مختار بلمختار" (خالد أبو العباس).

(ب) كتيبة طارق بن زياد: بقيادة "عبدالحميد أبو زيد".

(ج) كتيبة الفرقان: بقيادة "يحيى أبو الهمام".

(2) إمارة منطقة الشرق: وتتمركز شرقي الجزائر.

(3) إمارة منطقة الغرب: بدأ التنظيم مؤخراً في الظهور، ولا توجد معلومات كافية عنه.

يرأس التنظيم مجلس الشورى الذي يتكون من مجلس الأعيان، وأمير التنظيم، ورؤساء الهيئات، التي تشمل:

·       اللجنة الشرعية.

·       اللجنة العسكرية.

·       اللجنة الطبية.

·       اللجنة المالية.

·       اللجنة القضائية.

·       اللجنة الإعلامية.

·       لجنة الديوان.

·       لجنة العلاقات الخارجية.

ومن المهم توضيح تكوين اللجنة العسكرية، وهي من دعائم التنظيم التي تعكس قوته، ويرأسها قائد عام ونواب يرأسون الفروع المنبثقة منها، وهي

·       فرع التدريب والتجنيد.

·       فرع التموين والتمويل.

·       فرع التصنيع.

·       فرع الاستطلاع.

·       فرع الهندسة العسكرية.

·      فرع التخطيط والدراسات العسكرية.

د. عناصر التنظيم

لا توجد احصائيات دقيقة لعدد مقاتلي الجماعة، ولكن أغلب المصادر تقدر عددهم ما بين 300 – 800 مقاتل، أغلبهم من الجزائريين، بينما يتوزع الباقون على جنسيات مختلفة، أبرزها موريتانيا، وليبيا، والمغرب، وتونس، ومالي، ونيجيريا. وقد قدرت بعض الجهات عدد المجموعات الصغيرة المنتسبة للتنظيم بنحو 70 خلية.

هـ. مناطق النشاط

تنشط هذه الجماعة بصفة أساسية في الجزائر، ويمتد نفوذها إلى جنوب الصحراء، كما تتولى تدريب عناصر من دول الجوار التي تنفذ عمليات داخل أراضيها.

ثالثاً: دور القوى المختلفة في الصراع

1. الحركة الوطنية لتحرير أزواد

في بيان للحركة، صادر في أول نوفمبر 2010، يحمل عنوان "البيان التأسيسي للحركة الوطنية الأزوادية"، أعلن أن الحركة الوطنية هي شكل من أشكال المقاومة، وتقوم بتوعية الشعب، وأيضاً الدفاع عن حقوقه، وأن الحركة بينت ثوابتها من خلال:

·       تقرير الحق التاريخي، في وثيقة تحمل عنوان (مفاهيم أساسية: الحق التاريخي الأول).

·       إيضاح إستراتيجيتها، في وثيقة تحمل عنوان (إستراتيجية المرحلة).

·       تقرير حق تقرير المصير، في وثيقة تحمل عنوان (حق تقرير المصير).

وأوضحت أن المقاومة السياسية لم تنجح في التوصل لحل سلمي سياسي مع المستعمر المالي، رغم ما عانى منه الشعب الأزوادي، إلا أنه تولد لديهم الوعي للمطالبة بحقوقهم وأن ما سُلب منهم بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.

وظهر دور الحركة الوطنية لتحرير أزواد من خلال عملياتها العسكرية، ومن خلال إتمام سيطرتها على أزواد وإعلان الاستقلال من خلال بيان الاستقلال، في 16 أبريل 2012، والذي يظهر فيه مبادئ وخصائص حركة التحرير، وهي:

·       الاعتراف بالحدود مع دول الجوار واحترامها.

·       عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.

·       الانخراط الكامل في ميثاق الأمم المتحدة (حل المشكلات الدولية بالطرق السلمية، واحترام مبادئ الأمم المتحدة).

·       العمل على توفير الأمن والشروع في بناء مؤسسات ودستور ديموقراطي.

فرضت حركة أزواد بحضورها اللافت وبجلوسها وجهاً لوجه أمام عدوها الأول المتمثل في الحكومة المالية، واستطاعت فرض نفسها حركة لها رؤيتها السياسية، واستغلت علاقاتها الدولية والعربية لفرض وجهة نظرها الأساسية، علاجاً جذرياً للقضية، وهي الانفصال، والذي ترفضه مالي جملة وتفصيلاً، وقبول أزواد بإجراء الانتخابات في كيدال حيث معقلها. دليل على أنها ربما لا تتمادى في مطالبها الانفصالية، فحصلت على وقف الملاحقة القضائية الدولية لقادتها، وكذلك رفضها نزع السلاح وتشكيل لجنة خاصة من أطراف مختلفة، من أجل وضع جدول زمني لذلك.

كما استطاعت أزواد أن تسحب البساط من تحت أقدام مالي، بوجودها في مدينة كيدال، ربما لتتجنب مجزرة انتقامية تقوم بها القوات المالية ضد الطوارق الانفصاليين.

2. جماعة أنصار الدين

أكدت حركة أنصار الدين، التي تسيطر على شمال مالي، أنها مستعدة للتفاوض من أجل السلام، وكانت بعثة من الحركة قد وصلت بوركينا فاسو، التي تتوسط في أزمة مالي نيابة عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

كما أعربت الجماعة أيضاً عن استعدادها لإنهاء الصراع مع الحكومة الإسلامية، ورغم اتفاق الطرفين على أن التفاوض هو السبيل الأمثل لحل النزاع، فإن كل طرف متمسك بشروطه لحل الأزمة.

قامت قطر بفتح اتصال مباشر مع أمير جماعة أنصار الدين "أياد غالي" في إطار مفاوضات سرية لتحييد الحركة عن الصراع الدائر حالياً بين الجيش المالي وتنظيم القاعدة وحلفائها الرئيسيين في شمال مالي، ومن ضمنهم حركة أنصار الدين، ويتضمن الاقتراح القطري أن يحصل مقاتلو حركة أنصار الدين على عفو عام، مع إمكان دمجهم في أية قوة أمنية تنشأ في المنطقة في المستقبل، بعد استتباب الوضع الأمني، كما يتضمن أيضاً حصول كبار قادة الحركة على العفو، وحق اللجوء السياسي، مع إمكان الإقامة في أزواد.

وينسق الوسطاء القطريون مع وسطاء آخرين يعملون لحساب الجزائر، حيث تجري مصالح الأمن الجزائرية وساطة مع عدة مقربين من "إياد غالي" بهدف الوصول إلى وقف العمليات العسكرية في شمال مالي. وكشفت مصادر مسؤولة ان الجزائر قدمت لزعيم أنصار الدين عرضاً في السعي لضمان تمثيل سياسي للحركة في أية مفاوضات مع الحكومة المالية، وأيضاً ضمان أمنه الشخصي وأمن أتباعه، وآلا يحاكم أمام أية محكمة جنائية دولية او إقليمية.

أعلنت جماعة أنصار الدين أنها ترفض التطرف والإرهاب، ودعت إلى حوار سياسي لحل الأزمة، ويأتي ذلك في وقت يجري فيه التحضير لتدخل عسكري أفريقي في شمال مالي، وإعلان الجماعة يأتي بعد أيام من إجرائها محادثات مع مسؤولين جزائريين في الجزائر، التي ترفض كل اشكال التدخل العسكري في المنطقة وتدعو إلى الحل السياسي.

حسب أقوال مراقبين ومحللين، فإن إعلان جماعة أنصار الدين يُعد تحولاً جديداً في الصراع، لأنه يترجم ابتعاد أنصار الدين عن حلفائها في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.

3. العمليات العسكرية لجماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا

قدمت مؤسسة المرابطين بياناً بحصيلة العمليات العسكرية لجماعة التوحيد والجهاد، وهي كالآتي:

أ. عملية غاو الاستشهادية: استهدفت سيارة مفخخة محملة بأكثر من طن من المواد المتفجرة، ودراجة مفخخة، رتلاً عسكرياً للجيش المالي كان يقوم بتمشيط مدينة غاو، العملية نفذها استشهاديان، وقُتل فيها العديد من الجنود وسقط كثير من الجرحى.

ب. عملية منكا الاستشهادية: استهدفت سيارة مفخخة ثكنة عسكرية في مدينة منكا، تضم وحدات عسكرية من جيش النيجر ومالي. العملية نفذها استشهادي من النيجر، حيث سُمع دوي الانفجار في الثكنة من مسافات بعيدة، كما أفاد أهل المنطقة المجاورة للمدينة، ما يوحي بأن الجيوش المستهدفة قد تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.

ج. عملية مدينة غوس: اقتحم أربعة من الاستشهاديين بأحزمتهم الناسفة مقراً للدرك الوطني المالي، في المنطقة، وقُتل اثناء هذا الاقتحام عدداً من أفراد الجيش المالي، بالإضافة إلى عدد من الجرحى الذين امتلأت بهم مستشفى مدينة غاو.

د. عملية عسكرية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد: هاجمت إحدى السرايا التابعة للجماعة وحدات تابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد في منطقة قرب مدينة متيكا، التي تقع في الجنوب الشرقي لمنطقة أزواد، وأسفرت عن قتل عناصر لهذه الحركة، وغنم أسلحة وذخائر ودرجات نارية.

هـ. عملية أتقيف ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد: هاجم المجاهدون منطقة أتقيف الإستراتيجية، وهي إحدى المدن المهمة بعد كيدال التي لا تزال تسيطر عليها الحركة، وتعمل على بث الرعب والخوف وسط المسلمين البسطاء ومطاردتهم وسلب ممتلكاتهم وتهجيرهم من المدينة وضواحيها، وقد قُتل جراء العملية عدد منهم، وفر باقي عناصر الحركة التي سارعت بالاستنجاد، وطلب الدعم من مدينة كيدال، حيث يقيم قادة الحركة.

و. عملية النيجر الاستشهادية: استهدفت ثكنة عسكرية بمدينة أكداز، كبرى المدن في الشمال الشرقي للنيجر، ومصنع اليورانيوم بمدينة أرليت، والعملية جرى التسنيق لها بين جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وكتيبة: "الموقعون بالدماء". كبدت العملية النيجر وفرنسا خسائر بشرية ومادية كبيرة، حيث فجر استشهادي سيارة مفخخة داخل الثكنة العسكرية، ليعقبه بعد ذلك هجوم نفذه عدد آخر بأحزمتهم الناسفة، ما أدى إلى احتجاز عدد من ضباط جيش النيجر، ثم أقدم استشهادي آخر على تفجير سيارة مفخخة داخل مصنع اليورانيوم التابع للشركة الفرنسية أريفا، وهو ما أدى إلى تدمير المصنع وتوقفه عن العمل.

4. تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي

رغم أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي هو التنظيم الأكثر شهرة، إلا أنه لا يعمل بمفرده في منطقة المغرب العربي، بل يتشارك مع مجموعة من التنظيمات والجماعات الجهادية الإسلامية، ومازال المحللون يتابعون الجهد ليتمكنوا من فهم الطبيعة المعقدة للجماعات الجهادية في هذه المنطقة.

ورغم وجود كثير من التقارير التي تشير إلى انقسامات داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، على أنها مؤشرات على الصعوبات التي يواجهها التنظيم، ولكن يجب أن نعي أنه رغم اختلاف الفصائل الجهادية في بعض الأحيان من حيث التركيز والإستراتيجية والعمليات، إلا أنها تستمر إلى حد ما في التعاون والعمل معاً نحو أهداف مشتركة.

لقد ظهرت حركات رئيسة أخرى إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، خلال الأربعة عشر شهراً الماضية في مالي، وهي حركة أنصار الدين، التي تأسست في نوفمبر 2011، من قِبل زعيم الطوارق "إياد آغ غالي".

في حين كانت العلاقات التي تربط تنظيم القاعدة وحركة أنصار الدين في مالي يشوبها الغموض قبل الشهور التي أعقبت اندلاع تمرد الطوارق في مالي، في يناير 2012، بقيادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد. فمازال بعض المحللين متمسكين بوجود علاقة تعاونية فيما بينهم، حيث تشير التقارير إلى انضمام كثير من مقاتلي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى صفوف حركة أنصار الدين، كما حصلت الحركة على السلاح اللازم لها من مصادر متنوعة، منها تنظيم القاعدة، وأن المقاتلين كان لهم دور في أعمال قتال خلال التمرد.

كما كان لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجود في المناطق التي زعم أنها خاضعة لسيطرة جماعة أنصار الدين. كما أن حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، التي أعلنت عن وجودها في أكتوبر 2011، وصفت بأنها فصيل منشق عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

ويعكس الاستيلاء على شمال مالي تغيراً ملحوظاً للجميع، في علاقة حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا مع غيرها من الجماعات الجهادية، حيث ظهر أن "حركة التوحيد والجهاد"، و"أنصار الدين"، و"تنظيم القاعدة" يتقاسمون فيما بينهم المناطق الثلاث في شمال مالي. وتكون حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا مسؤولة عن مدينة جاو المالية وضواحيها؛ هذا وقد دفع الاستيلاء على الشمال حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا إلى تسوية خلافاتها مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وكان التوصل إلى هذا السلام بواسطة جماعة أنصار الإسلام. ورغم التدافع الأخير، إلا أن الخطوط القائمة بين الجماعات الجهادية غير واضحة المعالم. وبرغم هذا فلا عجب أن يُنشئ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قاعدة لعملياته بسرعة في جاو بشمال مالي، وتقديمه لمساعدات عسكرية حاسمة لمقاتلي حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا خلال معاركها مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تشن على أهداف في مالي.

إن الروابط والأهداف الأيديولوجية المشتركة بين الجهاديين، وسقوط شمال مالي، في أبريل 2012، وفر لهم فرصة التغلب على خلافاتهم وتبقى كل جماعة على التزامها بتطبيق الشريعة، مع بقاء كبار قادة هذه الجماعات مركزين على مالي، حتى أثناء شن هجمات في أماكن أخرى.