إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في الصومال




محمد سياد بري
محمد فرح عيديد
شيخ شريف شيخ أحمد
عبدالله يوسف





حرب الصومال 1

المبحث الأول

أسباب الحرب في الصومال

هناك العديد من الأسباب التي أسهمت في اندلاع الحرب الأهلية في الصومال، بعضها يرجع إلى تفاعلات وإفرازات البيئة الداخلية, و بعضها الآخر يرجع إلى تفاعلات وقيود ومردودات البيئة الخارجية, وتلك الأسباب كالتالي:

أولاً. الأسباب الداخلية

مهدت البيئة الداخلية للدولة الصومالية والظروف الملائمة لظهور العديد من الأسباب وتناميها حتى وصلت إلى مرحلة التفاقم ومن ثم الانفجار في صورة حرب أهلية طاحنة، ومن تلك الأسباب:

1. تأثيرات المواريث الاستعمارية

قسم مؤتمر برلين عام 1885 الصومال إلى ثلاثة أقاليم، وزعت على ثلاث دول أوروبية استعمارية كالتالي: الصومال الفرنسي (جيبوتي حالياً) لفرنسا، والصومال الجنوبي لإيطاليا، والصومال الشمالي (أرض الصومال) والصومال الغربي (أوجادين)[1] والصومال الجنوبي الشرقي (نفد)[2] لبريطانيا، وقد أدى هذا التقسيم إلى صراعات بين الصومال وجيرانه، وفجوة داخلية بين شماله وجنوبه حتى بعد الاستقلال الرسمي عام 1960، خصوصا مع مناشدات ومطالبات الصومال بتجميع وتوحيد صومالاتها الخمسة في إطار الدولة الصومالية الموحدة.

وعموماً فإن الفوضى الراهنة في الصومال ربما تضرب جذورُها في الفترةِ الاستعمارية التَي بدأت في 1884، حيث قُسّم الشعب الصومالي وأراضيه كلها بين السلطاتِ الاستعمارية. وبحلول عام 1897، كانت بريطانيا تحكم معظم المنطقةِ الشماليةِ، بينما سيطرَ الفرنسيون على الرأسِ الشمالي الغربيِ من الإقليم الصوماليً، في حين سيطرَ الإيطاليون على المنطقةِ الجنوبيةِ، وسيطر الإثيوبيون على منطقةِ غربِ الصومال المعروفة باسم Ogaden. وهذا التقسيمِ سبّبَ شعورا متناميا لدى جميع الصوماليين بالأصول القومية الصومالية، وضرورة التوحيد لعناصرها المختلفة، وهو الأمر الذي ُسبّبُ النزاعاتَ مَع الدول المجاورة المستقلة والأقاليم الصومالية المختلفة، ومن ناحية أخرى أدى الوجود الاستعماري وممارساته إلى ظهورِ الإسلامِ الجهاديِ في صورة حرب عصابات ضدّ من أسماهم الصوماليون بالكفار الاستعماريين البريطانيينِ والإثيوبيينِ في الصومال (الأصولية الإسلامية ما زالَتْ تَجِدُ لها امتدادات لها في الصومال في الوقت الراهن كالاتحاد الإسلامي، وإتحاد المحاكمِ الإسلاميةِ, وجماعة شباب المجاهدين الإسلامية الفدائية، إحدى أقوى الفئاتِ في الصومال).

ومن ناحية أخرى، عندما جاء المستعمرون الأوروبيون إلى الصومال أسهموا في تثبيت النظام القبلي/ العشائري في الصومال, وذلك من خلال استخدام شيوخ القبائل وزعماء العشائر أداة لتنفيذ سياساتهم في المنطقة.

وكان من الطبيعي أن يكون الولاء للسلطة الاستعمارية أحد المؤهلات للإبقاء على سلطات هؤلاء الشيوخ والزعماء, بل وتعظيمها إذا استدعت الظروف ذلك, أو تحجيمها و تقويضها إذا ما خرجت تلك الزعامات عن الخط المرسوم لها, وقد ترتب على هذا الوضع تقوية مراكز شيوخ القبائل، لحصولهم على سلطات واسعة، لم تكن لهم من قبل مثل الشرطة والمحاكم, وتركيز السلطات في إطار مركزي يفرض سلطاته على العديد من القبائل، ومحاولة إخضاعها لبعضها, وهو الأمر الذي أدى في الغالب إلى إساءة استخدام السلطة، شيوع ظاهرة المصالح القبلية المحدودة, والتصعيد لعناصر غير جديرة بتحمل مسئولية المناصب العليا, وبمعنى أخر التأسيس لنظام قبلي استعلائي ـ صراعي، ليكون القاعدة التي يسيطرون منها على مجمل أقاليم الكيان الصومالي ثم إدارته وحكمه، وفقاً لسياسة "فرق تسد Dived & Rule" وبالتالي فقد أسهم الاستعمار في تعميق القبلية/ العشائرية وتعظيمها. بمنحهم سلطات واسعة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية, في مقابل ضمان التعاون والمساهمة في تنفيذ سياساتهم ومخططاتهم الاستعمارية.

وحتى عندما خضعت الصومال للاستعمار لم تنج من تسلطه في حكمه فقط, وإنما امتد ذلك إلى محاولات دؤوبة من جانبه لطمس الهوية القومية الصومالية، ووضع الحواجز بين العلاقات القرابية، وإشاعة الفروقات والتفضيلات ومن ثم الاستعلاءات القبلية/ العشائرية، من خلال تفتيته إلى أجزائه الخمسة: الصومال البريطاني والصومال الإيطالي والصومال الفرنسي والصومال الإثيوبي والصومال الكيني, حتى أن الإدارة الإيطالية وهى في فترة الوصاية على الصومال آثرت تشجيع المؤسسات القبلية/ العشائرية وحاربت قيام الأحزاب التحريرية, ولم تقترن تنميتها للحياة السياسية بتنمية المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، ليبق على أثر ذلك تمزق الكيان الصومالي والتمايز القبلي والضعف المؤسس والتخلف, وكل تلك من بذور التناحر والحرب الأهلية في الصومال.

2. الأسباب السياسية

تتعدد الأسباب السياسية التي أدت إلى تردي الأوضاع داخل الصومال، ومن ثم إلى قيام الحرب الأهلية، ومن تلك الأسباب ما يلي:

أ. فشل الدولة الصومالية

يعاني شعب الصومال حالة من الفوضى والاضطرابات السياسية وسط حرب أهلية دائرة منذ 1991 أسفرت عن سقوط 300 إلى 500 ألف قتيل . ولاشك أن الصومال بأوضاعه الحالية يجسد ما بات يسمى في "الأدبيات الأمريكية " ـ إن جاز التعبير ـ بمصطلح "الدولة الفاشلة"؛ الذي يضاف إلى بقية المصطلحات التي أتحفتنا بها العقلية الأمريكية التي تتفنن في تسويق ما تهوى من مسميات تطلقها على المستهدفين بسياسات الهيمنة؛ من دول مارقة، إلى محور الشر، إلى الدولة الفاشلة. وتعرف "الدولة الفاشلة؛ وفقاً للتقرير الذي نشرته عام 2005 مجلة "السياسة الخارجية" FOREIGN POLICY الأمريكية نقلا عن كل من "صندوق دعم السلام The Fund for Peace" و "مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي" الأمريكيين" بأنها:" حين تفقد الحكومة المركزية سيطرتها على أراضيها". وقد عجزت بالفعل المؤسسات السياسية الانتقالية في الصومال منذ إنشائها عام 2004 عن إعادة الأمن للبلاد. ويشير التقرير إلى أن مثل هذه الدول تعاني من فراغ السلطة بحيث يصبح المواطنون ضحايا للجماعات المتصارعة وللجريمة؛ حيث قد يتطلب الأمر "أحيانا تدخل الأمم المتحدة أو دول الجوار لتفادي كوارث إنسانية.. أو"تدخلات حكومات وجهات أجنبية، مجاورة أو غير مجاورة، لإذكاء العنف الطائفي والمذهبي والإثني والمناطقي ما يعجل بهذه الدول إلى الانهيار". وهو ما ينطبق أيضا على الصومال الذي يبدو أن شعبه العربي المسلم كتب عليه ـ كما كتب على شعوب فقيرة أخرى. أن يدفع ثمن وجوده على أرض تمثل أهمية "جيوسياسية" للقوى العظمى في العالم. فموقع الصومال ضمن القرن الأفريقي ذي الأهمية البالغة لشركات النفط العالمية؛ بسبب قربه من منابع نفط الخليج العربي، ووقوعه على مدخل البحر الأحمر شريان تجارة النفط والسلاح؛ فضلا عن عمليات التنقيب التي ذكرت أن ثلثي أرض الصومال تحتوي نفطا؛ كان وبالا على هذا الشعب. أضف إلى ذلك مطامع بعض قوى الجوار التي تحالفت مع أطماع القوى العظمى لتستثمر عوامل الصراع الداخلية في المجتمع القبلي؛ الأمر الذي فاقم من معاناة شعب فقير أعزل في مواجهة أطماع خارجية وداخلية، لم ترحم معاناته من عوامل الطبيعة القاسية التي فرضت على أبنائه فترات متتالية من المجاعة. ولم تكن أنباء الاضطرابات الأخيرة التي انتهت بسيطرة المحاكم الشرعية على معظم أنحاء البلاد مفاجأة بالنسبة للعديد من المراقبين، بل أن البعض رأى أن هذه السيطرة قد تمثل خطوة باتجاه إنهاء أعواماً طويلة من الفوضى في البلاد. وأن وجود فصيل واحد يسيطر على العاصمة لأول مرة منذ عام 1991، يمكن أن يسهل عملية التفاوض على الحكومة الانتقالية التي تتخذ من بايدوا مقرا لها. وأن هناك إمكانية لتحسن الوضع الأمني في مقديشيو بعد سيطرة مليشيا المحاكم الشرعية عليها. (اُنظر خريطة الصومال)

ب. فشل التجربة البرلمانية 19601969

يمكن الإشارة إلى أن الفترة بين عامي 1960 إلى 1969 امتازت باستمرار الصراع لسوء ممارسة السلطة من جانب ممثلي البرلمان عن إقليم الصومال الإيطالي سابقاً, والتي غلبت عليهم النزعة القبلية / العشائرية, كما أن الترتيبات الدستورية الجديدة تضمنت نظاماً معقداً للتمثيل القبلي / العشائري على المستوى الوطني, حيث أن هذا النمط عكس التعددية الانقسامية، وساعد على تعاظم المشكلة الاندماجية, ورسخ الانقسامات والولاءات القبلية في الصومال، وانتقلت تلك الأوضاع إلى الواقع السياسي والأحزاب المتعددة في صورة تنافس قبلي حيث قامت الأحزاب ـ على كثرتها ـ على أساس قبلي أو عشائري, و ليس على أساس التميز الاجتماعي أو الأيديولوجي أو الوطني / القومي بحيث يمكنها التغلب على الصعوبات والمشكلات التقليدية، كما أن تكاثر الأحزاب بدرجة كبيرة أضاع الهدف من العملية الديمقراطية, وأفرغها من محتواها ومن مضمونها الحقيقي.

ويلاحظ أنه على الرغم من الظروف التي واكبت نشأة الدولة الصومالية, فقد أقرت الوحدة بين الجزأين الشمالي والجنوبي من ناحية، أُسس نظام حكم مركزي, ومنذ ذلك التاريخ ازداد التدخل والاحتكاك السياسي بين العشائر نتيجة اختلاف المصالح، ما أدى إلى إضعاف حماس الوحدة وروح الوطنية، وبلغت الانتماءات والولاءات العشائرية ذروتها، فالانتخابات البرلمانية على سبيل المثال عام 1969 أجريت بين 1002 مرشح من 68 حزب سياسي ويتنافسون لشغل 123 مقعداً, تلك الأحزاب جميعها لم تكن مختلفة في المبادئ فقط, وإنما كانت مختلفة أيضا في الاسم والقبيل الذي كان الحزب تابعا له, وقد سيطرت عندئذ القبيلة والرشوة على العمليات الانتخابية, وترتب على ذلك ظهور العديد من المشكلات منها:

(1) أن التحالفات القبلية بين القبائل المتنوعة غالباً ما تكون على حساب القبائل الأخرى الضعيفة، مع إمكان حدوث صدامات قبلية في إطار ثورة التطلعات القبلية.

(2) أن النواب الذين كانوا يفوزون في الانتخابات لم يكن يشغلهم السعي لتحقيق مطالب الأمة وأفراد الشعب المختلفة, وإنما كان سعيهم هو إما لمصالحهم الشخصية أو لمصالح زعماء القبائل الذين تحالفوا معهم, وطمعاً في استمرار مساندتهم لهم.

(3) أن ارتباط الانتخابات بالمناورات وبالرشوة وبالطابع القبلي أدى إلى سيطرة فئة قليلة من أفراد المجتمع الصومالي على الأوضاع الاقتصادية و السياسية في البلاد, وهو الأمر الذي أدى إلى تنامي الفساد وتفشيه في جميع مؤسسات الدولة , وتراجع الولاء والانتماء الوطني /القومي.

(4) وجود العديد من التناقضات بين النظام التقليدي الذي كان شائعا قبل الاستقلال, وتبنى البلاد لنظام ديمقراطي لدولة وليدة تعانى الكثير من المشكلات، ومنها عدم وجود قاعدة اقتصادية قوية لدعم النظام السياسي في الدولة, ما أدى في النهاية إلى حدوث تصادم بين كل من النظامين التقليدي والديمقراطي.

ج. الاستئثار بالسلطة

عانت الدولة الصومالية من أحد الأنظمة الديكتاتورية التي أدارها الفرد الواحد، وتسبب ذلك في تنامي دوافع الحرب الصومالية بكل تداعياتها الراهنة، لقد كانت جميع الدلائل تشير إلى اتجاه محمد سياد بري منذ توليه السلطة في عام 1969 لتأكيد استئثاره بالسلطة واحتفاظه بكل الاختصاصات المهمة لشخصه، فقد قام عام 1976 بحل المجلس الثوري, ونقل سلطته إلى الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي، كما أن دستور 1979، جاء تثبيتاً لهيمنته وسلطاته، وبدلاً من اعتماده على بعث الروح القومية لدى الشعب الصومالي, فقد جرد المناصب القيادية من أية عناصر قبلية أخرى، وعلى سبيل المثال فقد منع أفراد قبلية إسحاق من تولى المناصب القيادية في الجيش والإدارة، أما أقاربه فقد آثرهم بسدة الحكم، فتولى عبدالرحمن بري أخوه منصب وزير الخارجية وزوج ابنته عبدالله أحمد عبده منصب وزير دولة، وشغل قبل ذلك منصب وزير المالية والداخلية، وشغل زوج ابنته الأخرى أحمد سليمان عبدالله منصب رئيس مجلس الأمن القومي وغير ذلك, غير عابئ بضرورة مشاركة جميع أفراد الشعب الصومالي في الحياة السياسية وفي المشاركة في السلطة, وهو الأمر الذي أدى إلى معاناة النظام الحاكم من أزمة الشرعية السياسية، ومن ثم الثورة عليه.

د. استبداد (ديكتاتورية) الحزب الواحد

ظل الطابع الاستبدادي (الديكتاتوري) لمحمد سياد بري ونظام حكمه منذ توليه السلطة في الصومال, ويدخل في إطار ذلك إصراره في استبعاد الصوماليين الشماليين من الامتيازات السياسية والاقتصادية، فقد حل سياد بري جميع الأحزاب السياسية الصومالية ـ التي كانت قائمة في ذلك الحين ـ عقب توليه السلطة وظل يحكم البلاد من خلال المجلس الثوري الصومالي،[3] ونقل إليه جميع السلطات السياسية, وتلاشت على إثر ذلك المشاركة الشعبية واصطبغ العمل السياسي بالطابع الاستبدادي.

ومثل هذا التسلط الحزبي والفردي والقبلي أدي إلي وجود انقسامات داخل المجتمع الصومالي الواحد, ومن ثم خلق اختلافات في المصالح والأهداف التي لم تجد المؤسسات السياسية المشروعة التي تتولى المراجعة والتوازن والمراقبة المتبادلة في العملية السياسية, وهو ما أدى إلي تراجعها علي حساب المصالح القومية للبلاد, وبالتالي أدت الفجوة بين سياد بري وحزبه من ناحية وغالب الصوماليين من ناحية أخرى إلي تولد الحركات السياسية السرية والفصائل العسكرية المعارضة, التي ارتأت في القوة وحدها الحل الكفيل لإعادة التوازن للمعادلة الصومالية المختلة، والتي من مظاهر اختلالها التشويش وعدم الوضوح وخصوصاً لمبدأ الاشتراكية الصومالية التي حاول تطبيقيها سياد بري بالقوة, والتي تخدم بقاءه في السلطة والقصور في إدارة الأزمات السياسية وتصريف أمور الدولة في المجالات المختلفة ومنها المجال الاقتصادي.

هـ. افتقاد السيطرة والسيادة على إقليم الدولة

كان من نتيجة حكم الفرد الذي مارسه محمد سياد بري واستئثاره بالسلطة، ومواجهته للقيم الديمقراطية داخل المجتمع الصومالي، أن ظهرت العديد من الانتكاسات في واقع الحياة السياسية الصومالية، فقد تراجعت وتضاءلت المشاركة الشعبية في العملية السياسية، وتنامت آليات السيطرة في الحكومة المركزية. وتفشى الضعف والفساد في المؤسسات السياسية, وقد أدى ذلك بدوره إلى افتقاد الصدق والشرعية السياسية تجاه النظام الحاكم وتنامي الصراعات تجاهه, وهو ما كان يعنى تراجع سيطرة نظام حكم سياد بري على جميع أقاليم الدولة, فضلاً عن فشله في استعادة إقليم أوجادين من إثيوبيا في حرب 1977، بالإضافة إلى أن جماعات المعارضة الصومالية كثيراً ما قامت بهجمات مسلحة على بعض الأقاليم الصومالية، ما سبب ارتباكاً للقوات الحكومية واستنزافاً مستمراً لها, ومثال ذلك ما حدث في يوليو 1988 عندما فقدت الحكومة السيطرة على حزام حول هرجيسا وبورعو وميناء بربرة الحيوي, ما أدى إلى انقطاع الاتصال بين الشمال الصومالي وجنوبه، وتكرر هذا الأمر في أبريل 1989، في منطقة الجعل شمال بلدوين عاصمة إقليم هوات في الجنوب الشرقي للبلاد وغيرها من المناطق. وترتب على عجز النظام الحاكم عن ممارسة نشاطه السياسي في البلاد، وعدم قدرته على فرض سيطرته عليها، وعدم وجود قوات نظاميه صومالية موحدة لتنفيذ سياساته وقراراته في البلاد، أن تسنح الفرصة لتعاظم وضع الفصائل الصومالية, وتوسيع الفجوة بينهما وبين النظام الحاكم، ومن ثم تفضيل الاحتكام للسلاح في تسوية المسائل المختلفة.

ويلاحظ أنّ أصول النزاعِ في الصومال تعود إلى النزاعاتَ الدائرة بين العشائرِ، التي يتشكلَ منها المجتمعِ الصوماليِ. فكُلّ عشيرة تُريدُ كَسْب السيطرةِ على الصومال بتشكيل التحالفاتِ سواء كان ذلك مع إتحادِ المحاكمِ الإسلاميةِ أَو الحكومة الاتحادية الانتقالية. ويلاحظ أنّ إتحادَ المحاكمِ الإسلاميةِ كان مدعوما من قبل عِدّة دول عربية وبعض منظمات المجتمع المدني. على الرغم من التركيز على تدعيم الحكومة الاتحادية الانتقالية منذ عام 2004، لكنها فَشلَت في كسبِ السيطرةِ الكاملةِ على مجمل الأقاليم الصومالية.

و. الصراع على السلطة في البلاد

كان هدف الصراع على السلطة إسقاط نظام حكم محمد سياد بري، لكن الأحوال على الساحة السياسية الصومالية ساءت بعد سقوطه، فقد استمرت الروح القبلية تطغى على توجهات الجبهات العسكرية المختلفة, وترتب على ذلك أن هدفها تحول من معارضة الدكتاتورية ورفض القهر السياسي الذي يمارسه سياد بري ونظامه الحاكم, إلى تنافس قبلي وصراع للاستيلاء على السلطة، وتصاعدت تبعا لذلك أعمال العنف، حتى أدت إلى حرب أهلية دموية، وحتى عندما تولى السلطة في تلك المرحلة المؤتمر الصومالي الموحد، فإنه سرعان ما انقسم إلى جناحين أحدهما موالٍ لعلى مهدي، وثانيهما موالٍ للجنرال محمد فارح عيديد, ثم تتابعت التغييرات على الجبهات المتحاربة، فأعاد الدارود ترتيب صفوفهم في الجبهة القومية الصومالية التي سيطرت على الجنوب، بينما انفصلت الحركة القومية الصومالية بالشمال وأقامت جمهورية أرض الصومال في عام 1991, ثم شهدت البلاد أيضا محاولة أخرى للانفصال عام 1993 عندما أعلنت الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال الحكم الذاتي في شمال شرق الصومال, وجعلت مدينة بوصاصو عاصمة للإقليم, وعينت بوقر عبدالله موسى رئيساً لإدارة الحكم الذاتي، ليقترن الصراع على السلطة بالتفسخ الصريح لأقاليم الدولة ومحاولة إقراره أمراً واقعاً من جانب القوى الانفصالية في مناطق نفوذها ومواقعها المختلفة.

3. الأسباب الاقتصادية

تعد الصومال واحدة من أفقر دول العالم، طبقاً لمعيار الأمم المتحدة عن الدول الأكثر فقراً في العالم، وإذا كان العامل الإيكولوجي المتمثل في فقر البيئة والموجات المتعاقبة من الجفاف و التصحر, قد أثرت تأثيراً مباشراً على اقتصاديات تلك الدولة, فإن ممارسات النظام الحاكم أسهمت هي الأخرى في حالة التردي و التدهور التي وصلت إليها؛ حيث تسببت السياسات التي انتهجتها لإعادة بناء الاقتصاد القومي إلى تلك الحالة, ومن مظاهر ذلك ما يلي:

أ. تركز أداء النظام الحاكم تجاه التحول الاقتصادي، وفي التنمية الاقتصادية على إجراءات تأميم التجارة الخارجية، قطاع التمويل الخاضع للملكية الأجنبية، دون أن يكلف النظام الحاكم نفسه عناءً في تأسيس قطاعات إنتاجية حقيقية.

ب. معاناة القطاع الريفي وهو أكبر قطاع اقتصادي في الصومال من الإهمال الكلي، ولم تستطع معدلات النمو الطارئة عليه أن تواكب المعدلات السريعة للزيادة السكانية, في الوقت الذي كان قطاع الإنتاج الزراعي (مثل مزارع الموز ) مملوكاً للأجانب, وهو ما ترتب عليه ذهاب جزء من العائد للخارج.

ج. سيطرة طبقة التجار الوسطاء على قطاع الرعي, وقد أدى ذلك إلى حرمان طبقة الرعاة المنتجين من فائض الإنتاج ومن ثم لم تجن سوى الأرباح الضئيلة على الرغم من ارتفاع نسبة صادرات الماشية إلى 80% من صادرات الصومال خلال السبعينيات والثمانينيات, وبالرغم من زيادة أسعار الناتج الحيواني لزيادة تصديره[4] وفي الوقت الذي كانت تلك الزيادة لصالح التجار والوسطاء ثم الدولة بما تفرضه من ضرائب-فإن الرعاة المنتجون لم يستفيدوا من زيادة الطلب على إنتاجهم، وعجزوا عن كسر التحالف بين الدولة وطبقة التجار, ولما كان الشمال يمثل الإقليم الرعوي الأساسي في الصومال، فقد اجتمعت ممارسات النظام الحاكم السالبة مع الطبيعة الرعوية للسكان لتلفت نظر هؤلاء للطابع السلطوي للنظام الحاكم وأعوانه، صاروا يتربصون بهم للثأر من ممارساتهم التعسفية، وهو ما بدا واضحاً مع انطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية.

د. لم يكن قطاع الزراعة أحسن حالاً رغم الخطط الخمسية المختلفة للتنمية، ويتضح ذلك من خلال عدم وصول الصومال إلى مرحلة إنتاج الاكتفاء الذاتي منذ عام 1975، واعتماده على استيراد حوالي ثلثي غذائه من الخارج واعتماد الاقتصاد الصومالي المتزايد على المساعدات والقروض الضخمة.

هـ. تخلف الأداء الصناعي على الرغم من تخصيص 15% من الاستثمارات في خطة التنمية (1982 1986) للصناعة، حيث ظل معدل الإنتاج متجمداً، وعانت المؤسسات الصناعية من القصور في المدخلات الأساسية لعناصر الإنتاج، بالإضافة إلى عجز قطاع الزراعة والرعي عن إنتاج المواد الخام اللازمة للصناعة.

و. استنزاف قطاع الخدمات لجزء كبير من الثروة القومية، وبخاصة الدفاع والإدارة، وقد أدى تقلص الإنتاج مع زيادة النفقات إلى خلق اختناقات اقتصادية للمواطن الصومالي, في الوقت الذي لجأت فيه الدولة إلى الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية، وقد بلغ العجز في ميزانية المدفوعات 220 مليون دولار عام 1985، وارتفع إلى 380 مليون دولار عام 1988, في الوقت الذي يعادل فيه هذا الرقم خمسة أضعاف دخل الصادرات الصومالية، بينما بلغت الديون إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار, ونتيجة لذلك عم البؤس وتدنت مستويات المعيشة والدخل، ليصير الدخل السنوي للفرد إلى 26 دولاراً بالإضافة إلى استفحال البطالة واختفاء الخدمات الاجتماعية ومنها التعليم والصحة وغيرهما.

وفي ظل تدهور الحال الاقتصادي في الصومال، وانخفاض متوسط دخل الفرد، وتفاقم البطالة وتلاشي الخدمات الاجتماعية، وكارثة حرب الأوجادين من قبل، وانهيار التوجه الاشتراكي وبرامجه، فإن شعبية النظام والولاء له تضاءل إلى الحدود الدنيا، خاصة أن الانهيار الاقتصادي قد اقترن بالفساد السياسي, حيث تفشت العمولات والرشاوى على التعاقدات الخاصة بالمساعدات الواردة من الخارج لتصل إلى 40% من قيمتها، وذلك بين الوزراء وكبار رجال الدولة, في الوقت الذي ازدادت فيه معاناة القاعدة الشعبية الصومالية، وهو ما أدى إلى تراجع شعبية النظام الحاكم، والتجائه إلى استخدام أساليب العنف والقهر والتدمير، معلناً بذلك الحرب على السواد الأعظم من السكان.

4. الأسباب الاجتماعية

تتعدد أيضاً الأسباب الاجتماعية التي تفاعلت مع بقية الأسباب الأخرى لينجم عنها اشتعال الحرب الأهلية في الصومال, ومن تلك الأسباب ما يلي:

أ. تنامي الولاءات والانتماءات التحتية

إن النزاع الحالي في الصومال لَهُ جذورُه الكامنة على ما يبدو في الثقافةِ السياسية / الاجتماعية الصوماليةِ: وخصوصا فيما يتعلق بنظام العشيرةَ. فقد قاتلتْ العشائر بعضها بعضاً في كافة أنحاء البلاد الصومالية، ولم يقتصر الأمر عند تلك الحدود، وإنما حدثت العديد من الانقسامات على طول خطوطِ العشيرةِ ذاتها. وربما كانت البداية في هذا الشأن خلال الفترةِ الاستعمارية، وربما عزز من ذلك عاملان رئيسيان آخرين، وهما تنامي الإسلام الأصولي، والنزعة القومية الصومالية.

وعلى الرغم من أن الصومال يتمتع بوحدة إثنية ودينية ولغوية شبة كاملة, فإن شعبه يعانى من انقسامات قبلية وعشائرية حادة، حيث توجد هناك ثلاث قبائل رئيسية هي: الدارود والإيرير والساب، التي تنقسم بدورها إلى عديد من العشائر أسهمت جميعها بدور مباشر في التمزق الصومالي خصوصا في ظل تصاعد الولاءات والانتماءات لها وتغليبها على الولاء والانتماء الوطني الصومالي.[5] وعلى الرغم أيضاً من أن الشعب الصومالي غالباً ما كان متحمساً للوحدة الوطنية ـ القومية, فقد ظلت تلك الولاءات والانتماءات القبلية والعشائرية حجر عثرة أمام تحقيق هذا الهدف, ويرجع ذلك إلى جذور لها في التاريخ الصومالي، فعندما انحرفت الحركات الوطنية التي ناضلت من أجل الحرية، وأثرت القبلية فيهم وانصاعوا لها بعد أن نال الشعب الصومالي استقلاله عام1960 , حيث دأبت كل من الطبقة التي أدارت الدولة State Class والطبقة البرجوازية التي ظهرت في ذلك الحين إلى تقوية النزعة القبلية لاستخدامها لمصالحهم الخاصة, على أساس أن الذرائع القبلية The Tribal Ploy هي السلاح الرئيسي الذي يمكن استغلاله في التأثير على قطاعات كبيرة من الشعب الصومالي والحصول على تأييده, وهكذا فكما استخدمت القبلية لصالح السياسيين و التجار لخدمة مصالحهم الشخصية فقد استخدمت أيضا الهوية القبلية عموماً لتغطية الاختلافات الطبقية بينهم وبين أفراد قبيلتهم.

وعندما استولى الجيش على السلطة في البلاد عام 1969 سارع بإغفال المبادئ والمؤسسات القديمة والدستور القديم, وما لبث أن استبدل بها المبادئ و المؤسسات التي على نمط النظام الاشتراكي، بدون مراعاة لطبيعة الشعب الصومالي, بالإضافة إلى إضفاء الطابع العسكري على الحياة السياسية في البلاد, وكذلك الطابع القبلي على جميع المؤسسات السياسية العسكرية, ومع زيادة ضغوط تلك المؤسسات على الشعب الصومالي فقد دفعه ذلك إلى التمحور القبلي / العشائري لمواجهة تلك الضغوط والتهديدات المتعاظمة، سواء بين صفوف المدنيين أو بين صفوف العسكريين, وذلك في صورة العديد من الجبهات والحركات المعارضة داخل وخارج البلاد, ومحاولة إقصاء سياد بري عن منصبه وتقويض نظام حكمه حتى ولو بالقوة المسلحة. وهو ما تبدى جليا منذ أواخر الثمانينيات, وقد لجأ نظام محمد سياد بري هذه المرة إلى تنشيط العداءات القبلية القديمة؛ حيث أخذ نظامه الحاكم في إمداد جميع الأطراف القبلية بالسلاح لإحياء العداء القبلي الذي كان سائدا من قبل, بالإضافة إلى استخدام القوة والعنف ضد مناوئيه, وهو الأمر الذي خلف تدمير المدن وإحداث كوارث إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الصومال، وذلك للقضاء على معارضيه أو لإجبارهم على إلقاء السلاح في إطار ما يشبه حرب الإبادة للقبائل، ليكون ذلك بمنزلة المقدمة الأولى للحرب الأهلية في الصومال.

ب. غياب إستراتيجية قومية للاندماج الوطني

إن الارتكاز على التقاليد الصومالية حيث النظام الأبوي الذي يتأسس عليه المجتمع يتولد عنه التسلط من جانب الأب أو زعيم القبلية أو الحاكم، والرضوخ من جانب الابن أو أفراد القبيلة أو الشعب, ويترتب على ذلك الابتعاد عن الموضوعية والانسياق وراء المصالح والأحكام والأهواء الشخصية، ومن ثم افتقاد التماسك والاندماج الوطني. وهو الأمر الملاحظ في أوضاع الصومال وخصوصا في فترة سياد بري, ولم يجن الشعب الصومالي من جراء ذلك إلا صراعاً عقيماً ومزمناً, وعلى الرغم من أن سياد بري كان قد أعلن في 9 نوفمبر 1969 أن القوات المسلحة تحركت لاقتلاع جذور الاستعمار في جميع أشكاله والعودة إلى بعث القومية الصومالية من جديد، بتبني إستراتيجية قومية مضمونها التوحيد الكامل والنهائي للأراضي الصومالية مقدمة لتوحيد جميع الصوماليين، إلا أن ممارسات سياد بري فيما بعد لم تضع هذا التصور لوحدة التراب والشعب الصومالي موضع التنفيذ الفعلي, وإنما لجأ في إطار سياسته القومية تلك إلى تفريغها من محتواها بمحاولته التخلص من القبلية بوسائل إكراهية.

وعندما انتشرت حالة عدم الاستقرار في البلاد، في أعقاب هزيمة 1978 من التي مني بها النظام الصومال القوات الإثيوبية المدعومة من موسكو، بدأ نظام سياد بري يتوجس خيفة من تصاعد عمليات المعارضة لحكمه من جانب أبناء الجماعات القبلية الأخرى, فاتجه إلى اعتماد أبناء قبيلته (الأوجادين / المريحان) قاعدة لنظام حكمه، وبدأ في اضطهاد المعارضة، وحظر التجمعات، وتكميم الصحافة، ووصل في اضطهاده هذا إلى مداه حين شن حملات عسكرية ضد أبناء القبائل الأخرى، مستخدما القوات الجوية التي دمرت العديد من مدن الشمال، وهو الأمر الذي أدى إلى تدفق ألوف اللاجئين الصوماليين عبر الحدود مع الدول المجاورة.

ج. ضعف الانتماء للوطن الصومالي

إن الطبيعة الرعوية للشعب الصومالي (حوالي 70% من الرعاة) دفعت بالأفراد إلى التحرك الدائم وراء الكلأ، ونتج عن ذلك عدم ارتباط الفرد الصومالي ببقعة ارض محددة له فيها مصلحة دائمة، وانعزاله عن بقية الجماعات الصومالية المتمثلة في القبائل والعشائر و البطون المختلفة والمتعددة. وقد أدى ذلك إلى إضعاف الشعور بالانتماء للصومال وطناً للجميع، وعزز من ذلك أيضا الاختلافات الثقافية بين الشمال والجنوب الناتجة عن المواريث الاستعمارية التي أدت إلى اختلاف نظم التعليم و طبيعة الخدمات المقدمة وغيرها, بالإضافة إلى التسرع في إعلان الوحدة بينهما من دون إعداد مسبق وكافٍ.

من ناحية أخرى فإن المجتمع الصومالي، الذي يتألف من مجموعة متنوعة من العشائر التي يغلب علي المنتسبين إليها الولاء والانتماء المطلق إليها، فقد أسهم ذلك في تأجيج النزاعات والصراعات فيما بينها، ويمكن الإشارة إليها كالتالي:

(1) الهوية: وهي أكبر العشائر الصومالية، وتستوطن في الإقليم الأوسط وفي العاصمة مقديشيو، ولها فروع في جنوب الصومال وإقليم الحدود الشمالي، وكذلك في إقليم الصومال الغربي الأوجادين وتتفرع إلى:

(أ) الهيداب وينقسم إلى الإيجال وهبرحدر والشيخال.

(ب) حوادلي وينقسم إلى حجنطي ومورسيدي.

وتنتشر في الأقاليم الجنوبية بالاشتراك مع عشيرتي دارود ورضونية على الحدود مع كينيا.

(2) الدارود: وهي واحدة من أكبر العشائر الصومالية، وتنتشر في شمال وشرق الصومال وفي بعض المناطق الوسطى والجنوبية، ولها وجود أيضاً في إقليم الأوجادين وفي إقليم الحدود الشمالي في كينيا، وهي تعد المنافس الأكبر لعشيرة الهوية، وأشهر فروعها المريحان، الأوجادين الليكاس والميجارتين والارسنجلي.

(3) قبيلة الإسحاق: وهي أكبر عشائر الإقليم الشمالي ولها وجود في كل من إقليم هود، وهو جزء من إقليم الصومال الغربي ضم إلى أثيوبيا 1954 وتنقسم إلى فروع أهمها هبراول، آراب، يونس، ايذاعل.

(4) الرحنوين: إحدى العشائر الرئيسة في الصومال، وتنتشر في المناطق الواقعة بين نهري جوبا وشبيلي وتتفرع إلى دجل وميرفل.

(5) دير: تنتشر هذه العشيرة في شمال وجنوب الصومال وجيبوتي وإقليم الصومال الغربي.

(6) عشائر أخرى: هناك عشائر أخرى أقل عدداً وأهمية، مثل عشائر البانتو في وادي نهر جوبا وشبيلي.

ويلاحظ أن النظام العشائري في الصومال قد اضطلع بدور أساس عبر مراحل تطور نظامها السياسي المختلفة، فقد كانت العشيرة تمثل أمة صغيرة تتولى الدفاع عن نفسها، وإبرام الاتفاقات والمعاهدات في حدود حاجاتها المختلفة، وظلت العشيرة في الصومال محوراً رئيساً في تكوين كيان الدولة ومجتمعها، وفي إسقاط السلطة والتمرد عليها، كما حدث في تحالف الشمال والجنوب الذي أسقط سلطة سياد بري عام 1991.

ومن ناحية أخرى تتشكل الخارطة السياسية في الصومال من فسيفساء حزبية تتطابق إلى حد كبير مع عدد العشائر، أو تزيد، بمعنى أن الأحزاب السياسية تنشأ وتتشكل على قاعدة عشائرية وأسس نفعية ومصالح قبلية، فقد نشأ حزب الدستور المستقل، على أسس عشائرية برئاسة الشيخ عبدالله شيخ أحمد وكان يمثل هذه المجموعة ديجل والميرفلي. وقد أسهم نظام سياد بري (1969 - 1991) في تعزيز أزمات الصومال سواء بالحكم الشمولي وديكتاتورية الحزب الواحد أو عبر اضطهاد الخصوم السياسيين وتصفيتهم، حيث قتل الكثير من أبناء الشمال، وخاصة الإسحاقيين الذين يمثلون نسبة عالية من سكان الشمال، وأدت اتهامات خصوم بريء له بأبعاد أبناء عشيرتي الميجارتين والإسحاق من مواقع التأثير والنفوذ في جهاز الدولة وتعزيز نفوذ عشيرة المريحان إلى تنامي المعارضة السياسية في الشمال، وأسهم كذلك في إثارة النعرات العشائرية وإحداث الانقسام الشديد في المجتمع الصومالي سواء الذين هم في السلطة، أو الذين هم خارجها، ومنها على سبيل المثال حرمان قبائل العيسى والإسحاق في شمال البلاد الذين يشكلون 50% من الكثير من الحقوق السياسية والاجتماعية.

لهذا تشكلت أحزاب المعارضة الصومالية في لندن 1980 من خليط من الأطياف القبلية والحزبية السياسية، لتمثل الحركة الوطنية الصومالية بقيادة عشائر الإسحاق، وتبع ذلك تكوين عدد من التنظيمات المسلحة من الجبهة القومية الصومالية المتسمة بطابع قبلي أيضاً من عشائر الماجرتين والأوجادين بقيادة الجنرال عبدالله يوسف، وتلى ذلك تكوين المؤتمر الصومالي الموحد بقيادة الجنرال محمد فرح عيديد وعلي مهدي محمد من عشائر الهوية، كما تلى ذلك أيضاً قيام تنظيم مسلح من عشائر الدارود في جنوب الصومال، وأطبقت المعارضة الشمالية والجنوبية على مقديشيو وبسقوط نظام سياد بري في 28يناير1991 تأجج الصراع بين حلفاء الأمس والفرقاء على السلطة وتقاسمها، وانزلقت الصومال إلى حرب أهلية وعنف سياسي أججه الانقسام العشائري بين العشائر وفي العشائر ذاتها بين بطونها، "كما دخلت عشائر الهوية في حرب طاحنة"، وفي إطار المؤتمر الصومالي الموحد بين علي مهدي محمد ومحمد فارح عيديد لأن الأخير كان يرى بأنه يستحق الرئاسة، وفي خضم ذلك أعلنت عشائر الإسحاق استقلال جمهورية أرض الصومال في 17 مايو1991 وعاصمتها هرجيسا برئاسة إبراهيم عقال، وأعلن استقلال جمهورية شمال أرض الصومال 1998. واستمرت الحرب بين العشائر والأحزاب والفصائل والمليشيات والتحالفات على امتداد ما يقرب من العقدين من العنف السياسي والحرب الأهلية والاقتتال والمواجهات العشائرية حتى انهارت كل مظاهر الإجماع، الوطن، الدولة، الحقوق الإنسانية، المواطنة والديمقراطية والمساواة... الخ، "بل وزاد الجبروت العشائري الآتي من العشائر الكبيرة، وزادت الولاءات والانتماءات المطلقة لها على حساب المصالح العامة العليا للدولة الصومالية في غياب السلطة السياسية.. وانهار الوازع والالتزام الشخصي تجاه قوانين الدولة بسبب الولاء العشائري، واندثار الولاء والانتماء للدولة بسبب ذوبان الفرد وتبعيته المطلقة للعشيرة، وتعاظم التحالفات، والتمردات لمصالح فردية تحت ستار التجمع الحزبي العشائري وهو حال الأحزاب السياسية.

إذن فالنهج الاجتماعي الخاطئ تولد نتيجة الإعلاء من شأن التجمع العشائري (حتى في ظل الأحزاب السياسية) والذي يخفى وراءه حقيقة واحدة، تتمثل في السيطرة العشائرية على السلطة والحكم، وبسبب ذلك حدثت تصادمات وتناحرات استندت على دوافع وأسباب واهية، حيث تدعي كل عشيرة أنها صاحبة الحق في الثروة والسلطة، وهذا الأمر التعصبي أدى إلى حدوث الفتن والاضطرابات والخصومات والمواجهات المسلحة الدامية التي جعلت الصومال في حال يرثي لها. ومن ناحية أخرى فقد كانت الكارثة أيضاً تتمثل في تسليح العشائر، وكذلك حمل السلاح دون أي محتوى فكري مقنع غير التعصب العشائري، وتسببت تلك الكارثة في انهيار كافة الروابط والعلاقات الاجتماعية، حيث سادت المحسوبية العشائرية في تولي المناصب وكثر الفساد وارتكبت القوى السياسية خطأً عندما اصطبغت بصبغة العشيرة وحملت السلاح دون التخطيط لما بعد إسقاط النظام، كما "تحولت العشائر إلى أحزاب وأصبح شيخ العشيرة هو رئيس الحزب يورث منصبه الحزبي لأبنائه وأقربائه، كذلك فقد تحولت المؤسسة العشائرية إلى حزب عرقي يصون مصالح العشيرة، ويحاول أن يفرض نفوذ أبناء العشيرة في توزيع الثروة والنفوذ والمناصب"، ومن ثم فإن خطورة العشيرة تبدو واضحة وتنطوي على مخاطر كبيرة عندما تتحول إلى حزب سياسي، كما تكمن خطورتها في كونها تخل بسلم الأولويات الإنتمائية حيث يتراجع الانتماء والولاء للوطن ليصبح الولاء المطلق للعشيرة.

د. ضعف النمط الإنتاجي

إن نمط الحياة التقليدي في الصومال القائم على القبلية نظاماً اجتماعياً، والرعي والمقايضة نمطاً إنتاجياً لم يتغير ببناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال, لذا كانت القومية الصومالية تعانى واقعا هشا لا يصلح لبناء الهيكل الاجتماعي للدولة الحديثة.

ثانياً. الأسباب الخارجية

كما كانت للبيئة الداخلية الصومالية أثارها التي انعكست على مجمل الأوضاع في الصومال، و كانت سبباً رئيساً في الحرب الأهلية في البلاد، وخصوصاً منذ أواخر الثمانينيات، فإن البيئة الخارجية أيضاً أسهمت ـ و منذ تلك الفترة تقريبا ـ بطريق مباشر أو غير مباشر في التصعيد لتلك الحرب أو في استمرارها، أو في استثمارها لصالح أطراف دولية أو إقليمية معينة، و يمكن تناول بعض هذه الأسباب كالتالي:

1. التحولات في النظام الدولي منذ أواخر الثمانينيات

يبدو واضحاً أن الصومال قد استثمرت عملية الاستقطاب الدولي خلال الحرب الباردة بما يمكن أن يخدم مصالحها وفقا لما يرتئيه نظامها الحاكم ،حيث اعتمدت منذ أوائل الستينيات توجها نحو المعسكر الشرقي ووقعت اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي عام 1961، بُني بموجبها الجيش الصومالي وبدأ إمداده بالأسلحة اعتبارا من عام 1963 وازداد اعتماد الصومال على السوفيت، فوقعت معاهدة صداقة وتعاون عام 1974 وأصبح الجيش الصومالي في أعقاب ذلك أقوى جيش في منطقة القرن الأفريقي، وهو الأمر الذي أغرى النظام الحاكم الصومالي بالتحرك عسكرياً نحو استرداد إقليمها المفقود " أوجادين"، خصوصا بعد أن رفض رئيس النظام الحاكم في إثيوبيا ـ في ذلك الحين ـ" منجستو هيلاماريام" إعادته سلمياً، وعلى الرغم من مساعدة السوفيت للصومال، والتي مكنتهم من التطلع للقيام بهذا الأمر. إلا أن هذا السلوك الصومالي لم يدخل ضمن المخططات السوفيتية الرامية للتقارب مع إثيوبيا، خاصة وأن قادة الانقلاب الذي أطاح بالإمبراطور هيلاسيلاسى عام 1974 كانوا قد أعلنوا عزمهم على اعتماد الاشتراكية، وهو ما وجد ترحيباً لدى السوفيت لإحكام وتوطيد نفوذهم حول المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وربما يكون تفضيل إثيوبيا على الصومال من جانب السوفيت، هو الذي دفعهم للتحول لمساعدة إثيوبيا، في ذلك الحين، ومهما كان سبب التحول، فقد اندفعت الأسلحة والخبراء السوفيت والقوات الكوبية إلى إثيوبيا، وهو ما ساعد القوات الإثيوبية على استعادة سيطرتها مرة أخرى على إقليم أوجادين، بعد أن كان معظمه تحت السيطرة الصومالية، بل وإلحاق الهزيمة بالجيش الصومالي، وفي أعقاب ذلك تحولت توجهات الصومال إلى الغرب بعد استمالة الغرب له، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً تحفظوا في مساعداتهم العسكرية وذلك لاعتبارات مختلفة مثل العلاقات التقليدية مع إثيوبيا واتجاهاتها المسيحية وغير العربية وغيرها من الاعتبارات، وذلك على الرغم من توقيع الاتفاقات العسكرية والاقتصادية مع الصومال منذ عام 1980[6].

وحتى في ظل انهيار الاتحاد السوفيتي وبقاء توجهات النظام الحاكم في الصومال مع الغرب، إلا أن هذا لم يجن منه الصوماليون مصالح حيوية، كما أن انهيار الاتحاد السوفيتي، وما تبعه من انهيار النظام الماركسي القائم في إثيوبيا حينئذ، حول الدعم الكبير إلى الحكومة الانتقالية الإثيوبية في الوقت الذي تضاءلت فيه المساعدات المقدمة للصومال، ليساعد ذلك في الإسراع بانهيار النظام السياسي في الصومال تحت وطأة الأزمات الطاحنة التي يعانى منها، وشيوع حالة الفوضى داخل البلاد، وبدلاً من أن تولى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً أهمية للحليف الصومالي اتسم أداءهما حياله بالتراخي وعدم الاكتراث، ولم يكن التدخل العسكري الأمريكي في الصومال خلال النصف الأخير من عام 1992،[7] من باب الاهتمام بالصومال بقدر ما كان ذلك لاعتبارات تتصل بمحاولة الولايات المتحدة الأمريكية استعراض القوة والهيمنة ومحاولة تأكيد السيطرة الأمريكية على ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ولظروف المعركة الانتخابية على الرئاسة الأمريكية ، بالإضافة إلى إعادة ترتيب المنطقة حسبما تتوافق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وحلفائهما التقليديين في المنطقة، حتى لو على حساب الصومال وشعبه، وهو ما يمكن إدراكه على ضوء ذلك التراخي الأمريكي عن التدخل حتى وصلت الأحوال في البلاد إلى هذا الوضع الإنساني المتردي، وكما لو كان الأمر مقصوداً حتى يتم إعداد المناخ الدولي الملائم وتهيئته للتحرك العسكري الأمريكي، والذي تركز دوره على محاولة نزع سلاح الصوماليين ومحاولة إضعاف الأطراف المتصارعة في الصومال، وبهدف تحجيم الدور الصومالي في المنطقة إلى الحد الذي تبتغيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وخصوصا إثيوبيا وكينيا.

وبذلك أسهمت التحولات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة في إذكاء نيران الحرب الأهلية في الصومال، على أساس منظومة المصالح الدولية والتوجهات الجديدة للنظام العالمي الجديد. ويلاحظ أن التدخل الدولي حدث بناء على موافقة مجلس الأمن بالإجماع على الرغم من أن حالة الصومال تعد أول سابقة تسمح فيها الأمم المتحدة بإرسال قوات عسكرية لدولة بها نزاع داخلي دون طلب من أحد الأطراف المعنية ، كما يلاحظ أن الأمم المتحدة قد عينت جنرالا أمريكياً مساعداً لقائد عمليتها الثانية في الصومال، ومن ثم ظلت قيادة القوات الدولية جزئياً بين أيدي الأمريكيين.

وربما أسهم في ذلك أيضاً أن للصومال أهمية إستراتيجية خاصة، فهي التي تمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندي، في حين أن إثيوبيا لا تمتلك أي منافذ بحرية!! ومن ثم فإن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتحقيق نوع من النفوذ في الصومال قفز إلى مرحلة متقدمة في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الدخول بقواتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة في ذلك الوقت، بل واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب والمليشيات في الصومال بعد سقوط نظام سياد بري. أي أنها حصلت على تفويض بالحرب والدخول في الصراع عام 1993، ولكن قيام قوات الجنرال محمد فارح عيديد بإسقاط طائرتين عموديتين أمريكيتين، في الصومال في 3 أكتوبر 1993 وقتل 18 جندي أمريكي وإصابة 84 جنديا آخرين، بل وسحب جثة أحد الجنود المقتولين الأمريكيين في شوارع مقديشيو وانتشار تلك الصورة على نطاق إعلامي واسع، ما مثل فضيحة للعسكرية الأمريكية جعلت الرئيس كلينتون يضطر إلى إعلان نيته في الانسحاب من الصومال. ونفذ هذا الانسحاب في 31 يناير 1994 ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تغير إستراتيجيتها في الصومال باتجاه دفعها نحو الضعف والتفكك خوفاً من قيام نظام إسلامي مستقر بها، وتوافق هذا تماماً مع رغبة إثيوبيا، التي أصبحت قاعدة للدعم الأمريكي والاستناد الأمريكي والإسرائيلي عليها بدلاً من إريتريا التي شعرت بتخلي الأمريكيين والإسرائيليين عنها، فقفزت إلى المعسكر الآخر.

ويلاحظ أنه مع انسحاب القوات الأمريكية من الصومال في 31يناير1994، فإن التوجهات والسياسات الأمريكية بالنسبة للقرن الأفريقي تغيرت، ولكن إستراتيجيتها ومنظومة أهدافها ومصالحها ظلت ثابتة، فمحاولة الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق نفوذ عالمي على حساب دول أخرى مثل فرنسا وإيطاليا في القرن الأفريقي وفي أفريقيا عموما باعتبار ذلك جزء لا يتجزأ من إستراتيجيتها الكونية ، ويدخل ضمن ذلك أيضا المساعي والجهود الأمريكية الحثيثة للسيطرة على المنافذ البحرية الدولية في القرن الأفريقي. ومن ثم فإن الصومال لا تزال هدفاً أمريكياً، ولكن عن طريق غير طريق القوة العسكرية، لأن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد ، ولأن أوضاعها الحالية والمأزق العراقي والمستنقع الأفغاني لا يسمحان بذلك. لذلك جاءت ضرورة البحث عن دولة إقليمية تحقق الأهداف الأمريكية ، وليس هناك بالطبع سوى إثيوبيا، لأسباب تاريخية وأسباب متصلة بالقدرات العسكرية فإريتريا، مثلاً، لا تصلح لذلك. وهكذا فإن السياسة الأمريكية دعمت إثيوبيا في حربها ضد إريتريا، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية فضلت التحالف مع إثيوبيا لتحقيق النفوذ الأمريكي في القرن الإفريقي، ثم هي أيضاً لا تريد استقرارا في الصومال، فإما أن تقوم هناك حكومة عميلة للولايات المتحدة، وإما ترك الصومال في فوضى. ويروي الرئيس الانتقالي الصومالي السابق عبدالقادر صلاد أن مندوباً من السفارة الأمريكية في نيروبي قال له إن أمريكا تساند الفوضى في الصومال، ولذا لا عجب في أن أمريكا دعمت كل أمراء الحرب على اختلاف مشاربهم. وبالإضافة إلى هذه الأهداف هناك مخاوف، فمع صعود المحاكم الإسلامية خشيت الولايات المتحدة، وهي التي أصبحت تعطي أولوية لما تسميه محاربة الإرهاب، أن تصبح تلك المحاكم طالبان جديدة، وأن تصبح الصومال مرتعاً لعناصر القاعدة، خاصة أن رئيس شورى المحاكم الإسلامية حسن ضاهر عويس متهم لدى الأجهزة الأمريكية بالمشاركة في تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام عام 1998، وفندق مومباسا في كينيا. وقد تدرب في أفغانستان، والتقى بزعيم القاعدة أسامة بن لادن.

وحتى لو كان هناك معتدلون أمثال شريف شيخ أحمد رئيس المكتب التنفيذي للمحاكم، فإن هذا الاعتدال لا يرقى إلى الرضا الأمريكي، لأنه يستهدف إقامة دولة إسلامية، يمكن أن تصبح أنموذجاً منافساً للأنموذج الغربي/ الأمريكي (الليبرالي) الذي يجري الترويج له، ويمكن أن يحقق استقراراً للصومال ونهضة وقوة، وهذا كله يمكن أن يحدث خللاً في المعادلات والتوازنات الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي. وهكذا فمنذ صعود المحاكم الإسلامية ونجاحها في القضاء على أمراء الحرب، وتحقيق الأمن والاستقرار وسيطرتها على معظم أراضي الصومال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في البحث عن طريقة للقضاء على هذه القوة الشابة، وإعادة الصومال إلى الفوضى، وقد تطابقت المصالح بين إثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية في ذلك. ولا شك أن إثيوبيا قبلت أداء هذا الدور لأن لديها ما تخشاه بدورها من ترك المحاكم تسيطر على الصومال وتوحدها، وهكذا أقدمت القوات الإثيوبية على غزو الصومال علناً، وبعد إعلان حكومي إثيوبي صريح بعد أن كان ذلك يتم سراً.

2. توجهات وتأثيرات القوى الإقليمية

في إطار التفاعل بين العوامل الإقليمية والدولية يلاحظ أن بريطانيا الدولة الاستعمارية خلال حقبة التكالب والتنافس على أفريقيا قامت في عام 1954 بتسليم إقليم أوجادين الصومالي (الصومال الغربي) إلى إثيوبيا، وبدهي أن ذلك كان على الضد من رغبة أهل الإقليم خاصة ورغبة الصوماليين بعامة. وكان هذا الأمر يمثل إضافة عامل جديد للتوتر والصراع بين إثيوبيا والصومال اللتين تشتركان في حدود طولها 2800 كيلو متر، وتعانيان من العداء الديني والتاريخي، ومراحل متواصلة من أشكال الصراع فيما بينهما. وقد دخل البلدان في حرب عامي 1977 و1978 ونجحت القوات الصومالية في تحرير معظم أجزاء إقليم أوجادين إلا أنها اضطرت إلى الانسحاب بسبب التواطؤ الدولي من جانب المعسكرين الشرقي والغربي، وبدهي أن الصوماليين لن يتوانوا عن المطالبة باسترداد إقليم أوجادين بوصفه أحد الأقاليم الصومالية المفقودة، وبدهي أيضاً أن الإثيوبيين يعرفون ذلك، وهكذا فإن إضعاف الصومال هدف إثيوبي ثابت. وفي هذا الصدد أشار الرئيس الإثيوبي الأسبق منجستو هيلا مريم ـ يوم فراره من أديس أبابا عند الإطاحة بنظام حكمه ـ إلى أنه " لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرف أن لي فضلاً كبيراً عليهم، لقد نجحت في تفكيك الدولة العدو لهم وهي الصومال". وبالإضافة إلى موضوع أوجادين فإن إثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً، لأن قوة الصومال ستكون دعما لحركات المعارضة العرقية والدينية داخل إثيوبيا ذاتها، والتنسيق بين السودان والصومال مثلاً يمكن أن يشكل محورا إسلاميا أفريقيا ضاغطا على إثيوبيا، ولا تخفي إثيوبيا ذلك، ودعمها للحكومة الانتقالية بقيادة عبدالله يوسف الذي نُصِّب بدفع إثيوبي في 10 أكتوبر 2004 يأتي في هذا الإطار، بل أكثر من هذا فإن الحكومة الإثيوبية تريد تغيير مناهج التعليم الصومالية، ومنع مراكز تحفيظ القرآن الكريم في الصومال حتى لا تظهر في الصومال قوة إسلامية تهدد التماسك الإثيوبي برمته.

فضلاً عن ذلك فإثيوبيا منذ أصبحت دولة حبيسة في أعقاب استقلال إريتريا، وهي تبحث عن منفذ وملاذ بحري آمن لها، وربما تجد أن الساحل البحري الصومالي الممتد على المحيط الهندي يمكن أن يستجيب لتطلعاتها ومطامحها في هذا الشأن.

إن الدور الإثيوبي في الصومال دور محوري في توجيه التفاعلات السياسية الرئيسية في هذا البلد، بحيث يمكن التأكيد على أن هذا الدور يعدر أحد أبرز محددات تلك التفاعلات، إن لم يكن أبرزها على الإطلاق، بحكم النفوذ والتأثير الكبير الذي ظلت تمارسه إثيوبيا على مؤسسات السلطة الاتحادية الانتقالية الصومالية، وعلى قادة الفصائل المسلحة، وهو النفوذ الذي يهدف بطبيعة الحال لتعزيز المصالح الإثيوبية في الصومال. وتعبر هذه الحال عن حالة استثناء في العلاقات الدولية، وهي حال دولتين متجاورتين تتسم علاقاتهما بعداء تاريخي مستحكم بسبب النزاعات الحدودية والموروثات التاريخية، لاسيما النزاع على إقليم الأوجادين، إلا أن واحدة منهما (إثيوبيا) تستطيع أن تستغل ظروف الانهيار والفوضى في الأخرى (الصومال) لصالحها، بل وتنجح إثيوبيا في الحصول على اعتراف دولي وإقليمي لهذا الدور الذي تمارسه في الصومال، بزعم أن هذا الدور يصب لصالح تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد، ولصالح استقرار السلم والأمن الدوليين على حد مزاعمها. وتعود جذور هذا الوضع إلى أن كلاً من الصومال وإثيوبيا عانتا من حرب أهلية ضارية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، شكلت خلالها جماعات المعارضة المسلحة تهديداً جسيماً لنظامي الحكم في الدولتين آنذاك، وقام كل نظام منهما بتقديم الدعم لجماعات المعارضة المناوئة للآخر، إلا أن هذا الوضع انقلب تماماً بعدما تمكنت الجبهة الثورية لتحرير شعوب إثيوبيا بقيادة ميليس زيناوي من الإطاحة بنظام منجستو في مايو 1991، ونجحت في تثبيت سيطرتها على الحكم في إثيوبيا، بينما أنزلق الصومال إلى هوة الانهيار والفوضى عقب نجاح جماعات المعارضة في الإطاحة بنظام سياد بري في يناير 1991، مما خلق حالة من التباين الكلي في مسارات التطور السياسي في البلدين لصالح إثيوبيا.

وقد تمكنت إثيوبيا من توظيف هذا التباين لصالحها، مستفيدة في ذلك من كونها دولة جوار للصومال، ومن كونها دولة كبرى في منطقتي القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. وتمكنت حكومة ميليس زيناوي في هذا الإطار من الحصول على تفويض متكرر من منظمة الوحدة الأفريقية، ومن جماعة الإيجاد، في رعاية مفاوضات التسوية في الصومال، كما تدخلت إثيوبيا تدخلاً مباشراً في التفاعلات السياسية الصومالية، عبر التحكم في ميزان القوى بين الأطراف الداخلية للصراع في الصومال، والإسهام في تجنيد حلفائها وأصدقائها في المناصب الرئيسية في تلك المؤسسات، فضلاً عن حرصها على القضاء على ما تعده إثيوبيا مصادر تهديد لأمنها ولمصالحها على الساحة الصومالية أو تحييده، لاسيما تهديد جماعات الإسلام السياسي الصومالية والأوجادينية المناوئة لإثيوبيا.

ويمثل التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال خلال حرب ديسمبر 2006، لدعم الحكومة الانتقالية في مواجهة اتحاد المحاكم الإسلامية، تطوراً كاشفاً لحجم الدور المهيمن الذي تقوم به إثيوبيا في الصومال، حيث رأت إثيوبيا أن بروز المحاكم الإسلامية قوة رئيسية مهيمنة على الساحة الصومالية يمثل تهديداً للترتيبات السياسية القائمة في الصومال، فضلاً عن عدائها التاريخي لجماعات الإسلام السياسي الصومالية. وقد ساعد هذا التدخل الإثيوبي على إبراز هذا الدور، وانتقاله من السر إلى العلن، كما أوضحت هذه التطورات النفوذ الهائل الذي تلعبه إثيوبيا في الساحة الصومالية. ومن ثم فإن التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال لم يكن حدثاً استثنائياً، مرتبطاً بتصاعد تهديدات الإسلاميين ـ المنضوين تحت لواء المحاكم الإسلامية ـ للحكومة الانتقالية أو لإثيوبيا، وإنما هذا التدخل يمثل تعبيراً عن سياسة هيمنة ممتدة تمارسها إثيوبيا في الصومال منذ انهيار الدولة فيها، بما يضمن لإثيوبيا مصالحها وأطماعها في الصومال، والتي تتركز بالأساس على إبقاء وإدامة حالة الفوضى والانهيار في الصومال، فضلاً عن ضمان تبعية أي نظام حكم في الصومال لإثيوبيا.

وبصفة عامة فإن دول الجوار الإقليمي للصومال باتت تمثل عاملاً سالباً على حالة الأمن والاستقرار داخلها، على الرغم من استمرار مزاعمها بعكس ذلك، فقد قامت إثيوبيا بدور حيوي في دعم الفصائل الصومالية المتقاتلة ومساندتها وتدريبها، ومن مصلحة إثيوبيا الإبقاء على الصومال مفككاَ وضعيفا،ً حتى لا يعاود مطالبته باسترجاع الصومال الغربي (الأوجادين)، وكذلك فإن إثيوبيا تبدو أشد الأطراف المستفيدة من قرار انفصال إقليم الشمال الصومالي، لكنها تحفظت عليه ظاهرياً، نظراً لمشكلاتها الداخلية ونزعات الانفصال فيها، وخاصة تجراي وأورومو والعفر.

أما كينيا فإن قبائل الدارود خاصة قبيلة المريحان تمتد داخل أراضيها، وفي إقليم نفد N.F.D الذي يطالب الصوماليون باستعادته أيضاً إلى أراضيهم، وكان ذلك سبباً رئيسياً في توتر العلاقات بين الدولتين، وتهدف السياسة الكينية إلى خلق وتقوية نفوذها داخل الصومال الكيني تحسبا للمطالبة الصومالية بعودة إقليمها المفقود، وبالنسبة لجيبوتي فإنها تخشى أن يؤدي استقرار الأوضاع في شمال الصومال تحت سيطرة الحركة الوطنية الصومالية SNM ذات العلاقة المميزة بإثيوبيا إلى ازدهار كل من مينائي بربرة وزيلع، الأمر الذي ينعكس سلبا على أهمية ميناء جيبوتي الحيوية والاقتصادية، وذلك نتيجة انتقال مسار التجارة الإثيوبية عبر تلك الموانئ من ناحية أخرى فإن جيبوتي تخشى من تقسيم الصومال، حتى لا تنتقل عدوى الانقسام إليها خصوصاً وأن العفر يطلبون النظام الحاكم في جيبوتي (العيسى) بالتمثيل المتساوي في الحكومة والجيش، وتعديل الدستور على نحو يجعل لرئيس الوزراء العفري سلطات حقيقية في مواجهة رئيس الدولة (العيسى)، كما أن جيبوتي تحاول دعم ومساندة قبائل العيسى، شمال الصومال وتدفعهم لعدم التعاون والارتباط بالحركة الوطنية الصومالية، وهو الأمر الذي يفسر طبيعة الصراع بين جمهورية جيبوتي وأرض الصومال (شمال الصومال)، خصوصاً وأن الصراع اقترن بمناطق الشمال الصومالية لاحتمال وجود اكتشافات نفطية بها.

ولذلك فإن التدخل الإثيوبي المتكرر في الصومال سيفشل في النهاية، صحيح أن القوات الإثيوبية حققت نجاحات سريعة في محاولاتها المختلفة في هذا الصدد، ولكن هذا يدخل في إطار الضرورة، لأن قوة مكونة من 20 ألف جندي بدبابات وطائرات لا يمكن مواجهتها مباشرة، بل جرها إلى مناطق انتشار واسعة، وزيادة رقعة إمداداتها ومواصلاتها ثم إرهاقها بحرب العصابات، وهذا ما فعلته المحاكم الإسلامية على سبيل المثال. وعلى أي حال فإن من الواضح أن إثيوبيا أما خيارين: إما أن يُقضى على المحاكم الإسلامية، وهذا يعني سيطرة الحكومة الانتقالية على الأوضاع، لأنها حكومة مفككة ومتعارضة، لا يجمع بين عناصرها إلا الخوف من انتصار المحاكم، ومن ثم فإن الحالة ستعود إلى سيطرة أمراء الحرب السابقين أو المستجدين، وتردي الأوضاع واستمرار شيوع الفوضى، وهذا عين ما تريده إثيوبيا والولايات المتحدة. وإما أن تنجح المحاكم الإسلامية في الصمود، واستنزاف القوات الإثيوبية خاصة أن الشعب الصومالي ظل على قناعة بأنه أمام غزو خارجي، وليس مجرد صراع بين أجنحة صومالية، ومن ثم فإن الشعب الصومالي سيكون مهيئاً للقبول بالمحاكم في مواجهة أعداء الخارج ومجموعة العملاء الموالين لهم، كما أن الدخول في معارك حرب العصابات سيقوي المناعة العسكرية للمحاكم، وكذلك يزيد قوتها وخبرتها السياسية ويؤدي إلى المزيد من الالتفاف الشعبي حولها. فإذا ما انسحبت القوات الإثيوبية في النهاية حتى ولو بعد حين طويل أو متوسط، فإن المحاكم والصومال يمكن أن تتحول إلى قوة شابة إقليمية واعدة يكون لها أثرها في إطار المعركة الإسلامية العالمية ضد الولايات المتحدة. وأيضا فإن الانتصار الصومالي والهزيمة الإثيوبية يعني أن إثيوبيا ذاتها معرضة للتفكك، بسبب إمكانية استغلال حركات المعارضة الداخلية في إثيوبيا للفرصة! وكذا حركات المقاومة في إقليم أوجادين مثلاً. بل يمكن توقع تدخلاً إريترياً للحصول على الأراضي التي تدعي إريتريا أن إثيوبيا اغتصبتها، ومن ثم فإن تغيرات جوهرية إقليمياً ودولياً يمكن أن تحدث.

ويتضح مما تقدم أن الظروف والمتغيرات الإقليمية ظلت تسير باتجاه تأجيج الحالة الصراعية في الصومال والوصول بها إلى أقصى حالاتها طالما أن ذلك يحقق منظومة الفرص لتلك الدول ويحول دون تنامي التهديدات المحتملة، من جراء أمن واستقرار الصومال.

3. الاعتماد على المساعدات الخارجية

مع مجيء الدولة ومؤسساتها، فإنها قد حرصت في ظل سيطرتها على أدوات الإنتاج وخصوصا في حقبة اعتمادها الاشتراكية أيديولوجية اقتصادية للنظام الحاكم في عهد سياد بري على إعالة الأفراد، حيث أصبح أهل البادية يتكلون على أهل المدن، ولما فتحت أبواب الهجرة إلى الخارج برزت ظاهرة اتكال أهل الداخل على تحويلات ذويهم في الخارج. أكثر من ذلك أن دولة الصومال نفسها اتكأت بدرجة كبيرة في تمويل مشروعاتها على المساعدات الخارجية، وفى ظل ذلك الوضع، وأخذًا في الاعتبار تفشى ظواهر المحسوبية والقبلية لم يكن من المستغرب أن يعمد رئيس الجمهورية إلى الإغداق على البرلمان لضمان ولائه وإغداق الاثنين (رئيس الدولة ونواب البرلمان) على القواعد القبلية الرئيسية لذات السبب. تلك هي أبرز الملامح الداخلية التي مثلت أسباباً جوهرية لبروز واستمرار مشكلة الصومال واستمرارها. والتساؤل الجدير بالإثارة هو لماذا لم تُثَر المشكلة الصومالية قبل التسعينات على الرغم من أن الملامح سالفة البيان قديمة الوجود في بناء الدولة الصومالية؟ والإجابة أنه حتى مطلع التسعينات نجح نظام "سياد برى" (1986 - 1991) في الاستفادة من توازنات القوى بالمنطقة، وموقع دولته الاستراتيجي على الممر الملاحي الرئيسي لنفط الخليج العربي. فاستطاع الحصول على مساعدات ومنح خارجية دعمت قدرته على إحداث توازن ما بين أدوات الإغراء والمنح من ناحية، وأدوات القسر والقمع من ناحية أخرى. ويُضاف إلى الدعم الغربي الدعم العربي الخليجي سواء في صورة تجارة (حيث يمثل السوق الخليجي أبرز شركاء الصومال في تجارة الأغنام) أو في صورة مساعدات ومنح مباشرة وتحويلات العاملين الصوماليين بتلك البلدان.

ومع بداية التسعينيات تغيرت ملامح الصورة على مختلف الأصعدة سالفة الذكر. حيث تراجعت عائدات الصومال من المساعدات الغربية في ظل انشغال الغرب بتداعيات الأحداث في آسيا الوسطى والبلقان، كما تراجعت عوائد البلاد من تجارتها مع دول الخليج وتحويلات العاملين بها في ضوء تداعيات الغزو العراقي للكويت، وما تبعه من تقلص قدرات بلدان الخليج؛ أكثر من ذلك تراجع أهمية الصومال الإستراتيجية بإطلالتها على الممر الملاحي الرئيس لنفط الخليج؛ في ظل وقوع نفط الخليج تحت الحماية المباشرة للقوات الغربية (الأمريكية تحديدًا) المتمركزة في دول الخليج الرئيسية، يضاف إلى ما سبق انعكاسات التوازنات الإقليمية، ومحاولات إعادة تشكيل القرن الإفريقي، والتأكد من مستقبل أثيوبيا ومسار إريتريا الوليدة -آنذاك- كل ذلك أدى في مجمله إلى تداعى الأوضاع في الصومال على النحو الدرامي، حيث تصاعدت المطامع في السلطة باعتبارها السبيل الأمثل للاستحواذ على ما تبقى من مغانم السلطة الذي لا يكفى بحال حاجات كافة الزعماء الطامحين، الأمر الذي أسفر عن ما يشبه متوالية حسابية للفصائل والجبهات المتنازعة.



[1] منح هذا الإقليم فيما بعد من جانب بريطانيا إلى إثيوبيا.

[2] منح هذا الإقليم فيما بعد من جانب بريطانيا إلى كينيا.

[3] قام هذا الحزب على نمط المبدأ التنظيمي للحزب الشيوعي السوفيتي أي على أساس المركزية الديمقراطية إلا أن التطبيق الفعلي أهمل الشق الديمقراطي المعبر عن القاعدة الشعبية ورغباتها وتطلعاتها وتم التركيز على الشق المركزي في ممارسة السلطة السياسية.

[4] وذلك في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وزيادة أسعار النفط وتنامي حركة استيراد الدول الخليجية وخصوصاً السعودية للناتج الحيواني الصومالي.

[5] الدارود: وتتفرع عنها قبائل الماريحان والماجرتين والأوجادين ويعيش بعض أفرادها في الشمال الشرقي للبلاد غير أنهم يتركزون في الغرب والجنوب حتى إقليم نفد. الايرير: وتضم قبائل الهاوية في جنوب الصومال وحول العاصمة مقديشيو وحل نهر شبيلي وفي نفد بالإضافة إلى قبائل إسحاق في شمال الصومال وفي جيبوتي وإثيوبيا وقبائل الدير في الشمال الغربي من البلاد وفي شرق إثيوبيا وفي مدنية هررو في جيبوتي. الساب: وتضم قبائل الرهانوين وهى أقل عددا من السابقات ولكن أهميتها تعود إلى وجودها في المنطقة الخصبة الواقعة بين نهر شبيلي وجوبا.

[6] كانت الصومال ترى أن ارتباطها بالولايات المتحدة الأمريكية هو أمر لابد منه، وإن كانت توقعاتها للدعم الغربي لها تفوق ما تقدمه إليها بالفعل.

[7] بدأت عملية التدخل العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في 9 ديسمبر 1992 في إطار ما يعرف بعملية إعادة الأمل التي ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستهدف من ورائها استعادة الأمن في البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية و إجراء المصالحة الوطنية بين القوى المتصارعة.