إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب في الصومال




محمد سياد بري
محمد فرح عيديد
شيخ شريف شيخ أحمد
عبدالله يوسف





المبحث التاسع

المبحث التاسع

الموقف الصومالي حتى انسحاب القوات الإثيوبية عام 2009

أولاً: التغيرات التي شهدتها الأوضاع في الصومال خلال الفترة

ما زالت الصومال تعاني من عدم الاستقرار السياسي وفقدان الأمن نتيجة التصعيد المستمر للأحداث، وعلى الرغم من محاولات احتواء الموقف وتسوية الصراعات، إلا أنها مازالت تشهد تصعيداً بين الحين والآخر. وعلى الرغم من توقيع اتفاق سياسي بين الحكومة الانتقالية وتحالف إعادة تحرير الصومال، الذي يتزعمه "شيخ شريف شيخ أحمد"، بعد محادثات مضنية عُقدت في جيبوتي، وكان التوقيع على الاتفاق، في 9 يونيه 2008، إلا أن الصراع استمر بين الأطراف. وقد رحبت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بالاتفاق، لما تضمنه من عدة نقاط مهمة، تتلخص في الآتي:

1. وقف الأعمال العدائية بين الطرفين لمدة ثلاثة أشهر، تبدأ بعد ثلاثين يوماً من التوقيع.

2. مطالبة مجلس الأمن بتكوين قوة دولية للعمل على استقرار الأوضاع، على أن تُنشر خلال أربعة أشهر، وانسحاب القوات الإثيوبية من الصومال بعد دخول القوة الدولية.

3. تتكفل الأمم المتحدة بإنشاء لجنة لمتابعة ضمان تنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها، مع عقد مؤتمر للمصالحة وبحث المشكلات العالقة، قبل نهاية يوليه 2008.

على الرغم من أن الاتفاق كان معقولاً، فقد اختلفت الأطراف في وجهات النظر، ما دعا "شيخ شريف شيخ أحمد" إلى إعلان مواصلة القتال ضد القوات الإثيوبية، في حالة عدم خروجها من الصومال.

لم يأت انسحاب القوات الإثيوبية إلا نتيجة المقاومة الصومالية العنيفة لتدخلها العسكري، والذي عللته بأن حركة المحاكم الإسلامية كانت تُشكل تهديداً لأمنها القومي، وأنها استجابت في ذلك لطلب الحكومة الصومالية المؤقتة بالتدخل.

ورغم تفوق القوات العسكرية الإثيوبية، إلا أنها لم تستطع الاستمرار وقررت الانسحاب، نتيجة مقاومة العناصر الصومالية المسلحة، وتوحد أغلب المعارضة الصومالية في إطار "تحالف إعادة تحرير الصومال".

1. أهم العناصر للمقاومة الصومالية التي أسهمت في إنهاء الدور الإثيوبي

أ. المحاكم الإسلامية

نشأت في أعقاب سقوط حكم "سياد بري"، عام 1991، بحسبانها آلية لتحقيق الأمن والاستقرار، بإنشاء ميليشيا مسلحة خاصة بكل محكمة، لتوفير الحماية لها، وبانتخاب "عبدالقاسم صلاد"، عام 2000، رئيساً انتقالياً، أصبح راعياً رئيساً لنظام المحاكم، وأدت الضغوط المتزايدة عليه لدمجها في الأجهزة القضائية الحكومية.

وفي عام 2004، أدت الفوضى والصراع المسلح إلى إعادة تفعيل دورها، وحققت نجاحاً كبيراً في تحقيق الأمن وتحقيق انتصارات سريعة ومفاجئة، وأثار هذا مخاوف الحكومة الانتقالية من إمكان سيطرة المحاكم الإسلامية على الحكم في الصومال، ما دفعها إلى طلب نشر قوات تدخل أفريقية، ثم طلب تدخل إثيوبيا، وهو ما رفضته المحاكم الإسلامية، واستمرت في المقاومة المسلحة ضد أي قوات أجنبية تأتي إلى الصومال.

ب. حركة شباب المجاهدين

أدت هزيمة المحاكم الإسلامية أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من الجيش الإثيوبي، وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر أسمرا، في سبتمبر 2007، إلى انشقاق حركة الشباب عن المحاكم، متهمة الحركة بالتخاذل والتخلي عن الجهاد. وقاد الحركة "أدي حاش عيرو" (المشهور باسم أبو حسن الأنصاري)، والذي قُتل في القصف الجوي الأمريكي، في مايو 2008.

وأصبحت حركة شباب المجاهدين أقوى فصيل صومالي مسلح، ومن أشهر أعمالها الهجوم على مقر رئيس الوزراء الصومالي "علي محمد جيدي"، في يونيه 2007، ما أدى إلى مقتل خمسة حراس، واثنين من المدنيين.

ج. تحالف إعادة تحرير الصومال

أُعلن عن إنشاء تحالف إعادة تحرير الصومال من الاحتلال الإثيوبي، في 14 سبتمبر 2007، ويضم جميع القوى المناهضة للاحتلال، مثل اتحاد المحاكم الإسلامية، والبرلمان الحر، والمغتربين الصوماليين، والمجتمع المدني. وأهم ما يميز هذا التحالف أنه أول تجمع سياسي يوحد جميع شرائح المجتمع الصومالي على مبدأ الاستقلال من الوجود الإثيوبي، ومن هنا فإن التحالف أعطى دفعة من الأمل للشعب الصومالي بأنه بالإمكان توحد القوى المناهضة للاحتلال، ولو على قدر مبدئي من التوافق؛ إلا أنه سرعان ما انقسم كعادة جميع القوى السياسية الصومالية ـ إلى جناحين، جناح بقيادة "شيخ شريف شيخ أحمد"، وجناح أسمرة بقيادة الشيخ "ضاهر حسن عويس". وذلك بشأن اتفاق جيبوتي بين تحالف إعادة تحرير الصومال من جهة، وبين القوات الإثيوبية والحكومة الصومالية من جهة ثانية.

واختلفت وجهات النظر من حيث أن جناح جيبوتي يرى أن التفاوض يعطي دفعة في اتجاه إخراج القوات الإثيوبية المحتلة، بينما يرى الفريق الآخر، وهو جناح أسمرة، أن الاتفاق لن يعمل على إخراج القوات الإثيوبية من الصومال، وأن المقاومة هي السبيل للتحرير، حيث إن الوجود الإثيوبي بالصومال لم يؤد إلى عدم استقرار الدولة فقط، بل امتد تأثيره إلى الأهالي أنفسهم، ليشتتهم ويهجرهم من ديارهم، ونتج عن هذه الأعمال العنيفة تهجير حوالي 75 ألف مواطن صومالي من ديارهم وقراهم.

موافقة البرلمان الصومالي على استقالة الرئيس "عبدالله يوسف"

في 29 ديسمبر 2008، خلال اجتماع عُقد في بيدوا الصومالية، وافق البرلمان خلال اجتماع استثنائي على الاستقالة المقدمة من الرئيس الصومالي "عبدالله يوسف"، بسبب عدم إمكانه القيام بمهامه، نتيجة الأزمة السياسية في البلاد.

تولى "شيخ آدن مادوبي"، رئيس البرلمان، مهام الرئيس مؤقتاً، وفقاً للدستور الصومالي المؤقت، لحين انتخاب رئيس جديد خلال ثلاثين يوماً.

تنفيذ اتفاق جيبوتي بانسحاب القوات الإثيوبية

وفقاً لبنود اتفاق جيبوتي، الموقع في 27 أكتوبر 2008، بين الحكومة الصومالية والتحالف من أجل تحرير الصومال، والذي ينص على انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال خلال شهرين، والذي خضع للتأجيل ثلاث مرات متتالية، فإن القوات الإثيوبية بدأت في سحب قواتها، اعتباراً من 2 يناير 2009، وأعلنت انسحاب القوات بأكملها بنهاية يوم 25 يناير 2009.

انتخاب الحكومة الصومالية الجديدة

جرت الانتخابات، يوم 31 يناير 2009، في قصر الأمة في جيبوتي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وقد حصل "شيخ شريف شيخ أحمد" على 293 صوت مقابل 126 صوت لمنافسه ابن الرئيس السابق سياد بري "مصلح محمد سياد بري"، وأُجريت مراسم تنصيب الرئيس الجديد في جيبوتي (خارج البلاد)، وحضرها العديد من ممثلي الهيئات والمنظمات الإقليمية والعربية والدولية، وأدى الرئيس المنتخب اليمين أمام رئيس البرلمان "آدن مادوبي". وقد حظى اختياره بقبول كثير من الصوماليين، بينما أدانه المنتمون للجماعات الإسلامية المسلحة.

شكل الرئيس الصومالي "شيخ شريف شيخ أحمد" حكومة وحدة وطنية، لمحاولة إنهاء الحرب الأهلية، وقد اختار لرئاسة الوزراء "عمر عبدالرشيد شارماركي"، وهو ابن الرئيس الصومالي الراحل عبدالرشيد علي شارماركي، وقد تلقى تعليمه في أوروبا، وهدف الرئيس من هذا الاختيار إلى كسب تأييد الصوماليين في الخارج، وكسب التأييد والدعم الدولي لحكومته، وهي المحاولة الخامسة عشرة لتشكيل حكومة صومالية، منذ عام 1991.

2. التغيرات في الموقف الداخلي

أ. الانشقاقات بين فصائل المقاومة

انقسمت الفصائل الإسلامية المسلحة ودخلت في مواجهات دامية فيما بينها، وقد انقسمت إلى

(1) مؤيدي حكومة "شيخ شريف شيخ أحمد"

(أ) المحاكم الإسلامية في الداخل، بقيادة "عبدالقادر عمر".

(ب)حركة الإصلاح، بقيادة الشيخ "عثمان أحمد إبراهيم" (إخوان مسلمون).

(ج) حركة التجمع الإسلامي، وينتمي إليها الرئيس (إخوان مسلمون).

(2) معارضي حكومة "شيخ شريف شيخ أحمد"

(أ) حركة شباب المجاهدين.

(ب) المحاكم الإسلامية، جناح أسمرا.

ب. اتحاد فصائل مسلحة تحت اسم الحزب الإسلامي

شُكل الحزب الإسلامي، في فبراير 2009، بعد جهود طويلة استمرت لمدة سبعة أشهر، بغرض توحيد المقاومة الصومالية الرافضة لاتفاق جيبوتي، وتولى رئاسة الحزب الشيخ "عمر إيمان"، ثم حل محله الشيخ "طاهر أويس". ويدعو الحزب إلى:

(1) تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً.

(2) إلغاء الدساتير كافة السابقة والحالية.

(3) انسحاب القوات الأفريقية من الصومال، تمهيداً للمصالحة.

شُكل الحزب من أربعة أجنحة عسكرية، اتفقت على توحيد قواتها العسكرية وعملياتها وسياساتها، وهي:

(1) المحاكم الإسلامية (جناح أسمرا).

(2) الجبهة الإسلامية.

(3) معسكر الفاروق.

(4) معسكر رأس كامبوتي.

يُلاحظ أنه هناك أهداف مشتركة بين الحزب الإسلامي وحركة شباب المجاهدين، وهي أقوى فصيل مسلح بالبلاد، وتتمثل الأهداف المشتركة في:

(1) الإطاحة بحكومة "شيخ شريف شيخ أحمد".

(2) إقامة دولة إسلامية، وتطبيق كامل الشريعة الإسلامية.

(3) إفشال المشروع الإثيوبي ـ الأمريكي.

3. تطور الأوضاع بعد انتخاب الحكومة الانتقالية، في يناير 2009

بعد انتخاب الحكومة الصومالية الانتقالية، وانتخاب "شيخ شريف شيخ أحمد" رئيساً للصومال، أعلن "حسن طاهر أويس" زعيم الجناح المتشدد، المقيم في إريتريا، أن جماعته غير معنية بفوز "شيخ شريف شيخ أحمد"، وأن جماعته تضع الاعتبار للمبادئ والمصالح، واتهم الرئيس الفائز بأنه تخلى عن تلك المبادئ.

في منتصف فبراير 2009، أُعلن قيام الحزب الإسلامي الذي يجمع المعارضة، بزعامة "حسن طاهر أويس"، وأعلن الحزب استمرار القتال ضد الرئيس والحكومة الصومالية الجديدة، وكذلك ضد القوات الأفريقية، حيث إنها قوات معادية وليست قوات سلام.

في 18 أبريل 2009، أقر البرلمان الصومالي مشروع قانون تقدمت به المعارضة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد صوت لصالح القانون 334 نائباً، ورغم ذلك لم تتوقف أعمال العنف في البلاد.

في 18 يونيه 2009، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ بالبلاد، نتيجة تصاعد أعمال العنف، ما أدى إلى نزوح 122 ألف شخص من مقديشيو، بالإضافة إلى لجوء الآلاف للدول المجاورة للصومال، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، كما تعرضت قوات الاتحاد الأفريقي، البالغ عددها ستة كتائب بإجمالي 5300 جندي أوغندي وبوروندي، إلى عديد من الاعتداءات، من جانب ميليشيات الشباب، رغم انتخاب رئيس جديد ووجود الحكومة الانتقالية.

ثانياً: التدخلات الإقليمية

في ديسمبر 2006، كان التدخل الإثيوبي في الصومال، وادعت إثيوبيا أنه جاء تلبية لطلب من الحكومة الانتقالية الصومالية، حتى تتمكن من مواجهة المحاكم الإسلامية المسيطرة على العاصمة مقديشيو ومناطق أخرى في وسط وجنوب الصومال. وبدخول إثيوبيا انهارت جبهة المحاكم الإسلامية في العاصمة، إلا أن إثيوبيا استمرت في الصومال، وظلت تقاتل المقاومة الإسلامية وزعماء العشائر لتحقيق أجندتها الخاصة، وهي أن تظل الصومال في حالة من الضعف، حتى لا تتهدد المصالح الإقليمية الإثيوبية.

استخدمت القوات الإثيوبية وسائل قمعية في حق المدنيين، كما قامت بارتكاب جرائم حرب، مثل تدمير المدن وضرب المناطق السكانية بالطائرات والدبابات والصواريخ، ومنع تقديم المساعدات الإنسانية للمضارين، وكذا الاعتداء على دور العبادة والمستشفيات، في محاولة لإخضاع البلاد.

استخدمت إثيوبيا الفقر سلاحاً، بإضعاف الاقتصاد الصومالي الهش، ووجود أزمات غذائية، وتوقف الزراعة، ما أدى لزيادة المعاناة، وإلى احتياج 2.5 مليون نسمة إلى المعونات الغذائية، طبقاً لتقارير مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة، ما أدى إلى تهجير حوالي 750 ألف مواطن صومالي من ديارهم.

بعد دخول القوات الإثيوبية لمعاونة الحكومة الفيدرالية، المتمثلة في الرئيس "عبدالله يوسف"، وفي رئيس الحكومة المؤقتة "عبدالله جيدو" رئيس الوزراء السابق، تلاحظ تزايد عمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية، بعدما كانت قد قلت خلال النصف الأخير من عام 2006 وما تلاه. وذكر كثير من المراقبين أن كثيراً من المسؤولين المحليين وفي الحكومة يحصلون على عائد من الفدية المحصلة من أعمال القرصنة ضد السفن قبالة السواحل الصومالية، ويخص منهم مسؤولو بونت لاند، إذ يُعد ميناء أيل في بونت لاند من أهم معاقل القراصنة، حيث تسحب السفن بعد السيطرة عليها إلى الميناء، وتُحجز حتى دفع الفدية.

ثالثاً: التدخلات الدولية

لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تدعيم علاقاتها مع إثيوبيا، وصنفتها شريكاً إستراتيجياً مهماً، حيث إنها تُعد الراعي الرئيس للمصالح الأمريكية في القرن الأفريقي، حيث إنها تساعد في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهذا يظهر دعمها للتدخل الإثيوبي في الصومال، وإقصاء اتحاد المحاكم الإسلامية عن السلطة.

أكد التقرير السنوي للإرهاب، الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، في أبريل 2008، أن الأوضاع السائدة في الصومال منذ هزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية، شجعت على جعل الصومال ملاذاً للإرهابيين.

كما أشار التقرير إلى أن جماعة الشباب الصومالية، تنتمي إلى تنظيم القاعدة بأفغانستان، وأنها تمثل التهديد الأخطر على مصالحها، كما أنها مسؤولة عن شن الهجمات ضد كل من الحكومة الانتقالية وقوات كل من الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا.

وأشاد التقرير بدور إثيوبيا في مواجهة اتحاد المحاكم الإسلامية وميليشيات الشباب المنتمية لتنظيم القاعدة، المسؤولين عن العمليات الإرهابية بالصومال، وكذلك الصوماليون الذين حاولوا تنفيذ عمليات إرهابية داخل الأراضي الإثيوبية.

من جانبها قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن غارة جوية، في مايو 2008، على أماكن تمركز جماعة الشباب الصومالية، ما أسفر عن مقتل القائد العسكري للجماعة داخل الأراضي الصومالية.

في عام 2009، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إمدادها للصومال بأسلحة لا تقل عن عشرة ملايين دولار، حيث كانت رؤيتها تعتمد على أن هذه الأسلحة تُعد بديلاً عن التدخل الإثيوبي. وقد أدانت الخارجية الإريترية، في يونيه 2009، إرسال هذه الأسلحة، حيث إنها تطيل أمد القتال. وفي المقابل اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية إريتريا بإمدادها لعناصر حركة شباب المجاهدين بالمال والسلاح في قتالهم، للإطاحة بالحكومة الصومالية الانتقالية المدعومة من الأمم المتحدة.

رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بانتخاب "شيخ شريف شيخ أحمد"، وأعلنت أنه يشكل انتقالاً إلى جيل جديد من القادة بالبلاد، وأنها تتطلع للتعاون معه لإحلال السلام في البلاد.

وبعد تولي الرئيس الأمريكي "أوباما" السلطة، كانت التوقعات بأن تختلف سياسة الإدارة الأمريكية عن سياسة "جورج بوش"، إلا أن إدارة "أوباما" ظلت تسير على نفس النهج. وفي 14 سبتمبر 2009، شنت الولايات المتحدة الأمريكية غارة جوية بأربع طائرات عمودية، على مدينة باراواي جنوب العاصمة مقديشيو، استهدفت عناصر من حركة شباب المجاهدين، بدعوى التورط في هجمات إرهابية في مدينة ممباسا الكينية عام 2002.

رابعاً: جهود التسوية

1. على المستوى المحلي والإقليمي بصفة عامة

عُقدت مباحثات بين "شيخ شريف" زعيم كتلة المعتدلين في اتحاد المحاكم الإسلامية، جناح جيبوتي، لشرح مضمون اتفاقية جيبوتي بين الحكومة الصومالية الانتقالية وبين المعارضة، في مدينة بيداوا والعاصمة مقديشيو. كما ندد الشيخ "طاهر عويس" زعيم الكتلة الرافضة لاتفاقية جيبوتي، فرع أسمرة، بالاتفاقية، وأوضح أن تحركات "شيخ شريف شيخ أحمد" لا مسوِّغ لها. وقد استولت جماعة شباب المجاهدين (الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية) على مجموعة من المدن والبلدان الصومالية، سواء في اشمال أو في الوسط أو في الجنوب.

يؤكد تقرير دولي أن بعض العاملين في الجيش والشرطة الصومالية تركوا مواقعهم، آخذين معهم أسلحتهم وعتادهم، وانضموا إلى القراصنة الصوماليين، نظراً لعدم حصولهم على رواتبهم منذ فترة.

حذر رئيس مفوضة الاتحاد الأفريقي من كارثة تنتظر الصومال في حالة انسحاب قوة السلام الأفريقية، التي انتشرت في الصومال منذ عام 2007، وطلب الاتحاد الأفريقي من الأمم المتحدة نشر قوة دولية بعد انسحاب القوات الإثيوبية، في مطلع عام 2009، والتي كانت قد دخلت الصومال بطلب من الحكومة الصومالية، في نهاية عام 2006، للتصدي لقوات المحاكم الإسلامية.

نتيجة تفاقم الأوضاع وتدهور الأمن، وعجز الحكومة على بسط نفوذها وسيطرتها، ونشوء ظاهرة القرصنة أمام السواحل الصومالية، وازدياد تهديدها لحركة الملاحة في البحر الأحمر، فإنه فيما يتعلق بالإجراءات الإقليمية، دعت مصر واليمن لعقد اجتماع تشاوري للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، للنظر في موضوع القرصنة.

عُقد الاجتماع في 20 نوفمبر 2008، وأسفر عن تكوين لجان متخصصة للنظر في الموضوع، وترفع تقاريرها للقيادات السياسية. وقد حضر الاجتماع كل من مصر واليمن والسودان والسعودية، على أن يُعقد اجتماع آخر في يناير 2009.

وكان اهتمام مصر بهذا الموضوع خشية تحول التجارة العالمية لرأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس، أما اليمن فقد جاء اهتمامها نظراً للقرب المكاني من منطقة القرصنة، وقد أنشأت مركزاً إقليمياً في اليمن لمحاربة القرصنة، وطلبت تقديم المعونات الفنية والمالية. أما مصر فقد أعلنت، في 21 نوفمبر، أنها مستعدة للاشتراك في قوة دولية لمجابهة القرصنة.

2. موقف دور الجوار

تفاوتت مواقف الدول من تسوية الأزمة ومحاولة إعادة الاستقرار، وقد حرصت على تحقيق تسوية سلمية حقيقية لإحداث تغييرات إيجابية في منطقة القرن الأفريقي بكامله، وينعكس ذلك مباشرة على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية.

وقد مثلت هذه المواقف نوعاً من التفاؤل لمحاولة إعادة الأوضاع الصومالية إلى بر الأمان، خاصة بعد انتخاب "شيخ شريف شيخ أحمد"، بعد استقالة "عبدالله يوسف"، حيث راهنت دول الجوار على قدرة "شيخ شريف" على السيطرة على الأمور، إذ إنه كان الزعيم السابق لاتحاد المحاكم الإسلامية، وزعيم تحالف إعادة تحرير الصومال (جناح جيبوتي).

إلا أن تطورات الأحداث جاءت بنتائج مخالفة، حيث عادت الأزمة الصومالية إلى مسارات الفوضى، في ظل استمرار المعارك، ومواصلة الفصائل المسلحة، وخاصة حركة شباب المجاهدين، السيطرة على المدن الصومالية تباعاً.

ويمكن تلخيص موقف دول الجوار في الآتي

أ. موقف دول الجوار الجغرافي

(1) إثيوبيا

نجحت القوى والجماعات المسلحة في إجبار إثيوبيا على اتخاذ قرار الانسحاب لقواتها من الصومال، عام 2009، وذلك في ظل المقاومة الشرسة ونقص الدعم الدولي للقوات الإثيوبية، لذلك تغيرت إستراتيجية إثيوبيا من التدخل العسكري المباشر، إلى لعب دور الوسيط وإيجاد حكومة موالية لها بالصومال.

وفي هذا الإطار قام الرئيس الصومالي "شيخ شريف شيخ أحمد" بزيارة لإثيوبيا، بغرض عقد لقاءات مع السياسيين الإثيوبيين، بالإضافة إلى سفراء الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن، ودبلوماسيين من السويد، التي تتولى قيادة الاتحاد الأوروبي.

ونتج عن هذه الزيارة أن الجانب الإثيوبي أكد أنه لن يتدخل إلا بتفويض دولي، وأنه يُفسح المجال للمبادرة المصرية التي تدعو لوقف إطلاق النار والجلوس إلى مائدة المفاوضات.

(2) كينيا

تعد كينيا الأوضاع في الصومال مهددة لاستقرارها، كما أنها تتخوف من قيام دولة إسلامية على حدودها. وفي ضوء الشك المتبادل، هددت حركة شباب المجاهدين كينيا، من خلال موقعها على الإنترنت، عام 2009، بشن هجمات على الأراضي الكينية رداً على الإجراءات القاسية للحكومة الكينية ضد المواطنين الصوماليين على أراضيها، ولهذا عززت الحكومة الكينية قواتها الموجودة على الحدود، خلال نهاية عام 2009 وعام 2010.

كما وقعت كل من الحكومة الصومالية والكينية مذكرة تفاهم، في أبريل 2009، حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، وقد نددت جماعات المعارضة الصومالية بالاتفاقية، لعدم استنادها للأسس القانونية من وجهة نظرها، ولعدم تصديق السلطة التشريعية عليها، ولضمها جزءاً كبيراً من المياه الإقليمية الصومالية لكينيا، ما يجعل هذه المذكرة سبباً لتدهور الأوضاع.

(3) إريتريا

أظهرت التطورات كيفية تحول الصومال لساحة لصراع القوى الإقليمية، وبصفة خاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وقد بنت كل منهما مواقف متعارضة تجاه توجهات التسوية السلمية للأزمة تحقيقاً لمصالحهما.

فمنذ الانسحاب الإثيوبي، وانتخاب حكومة "شيخ شريف شيخ أحمد" رئيساً للحكومة المؤقتة، وبصفة خاصة خلال عامي 2008 – 2009، ظهر الدور الإريتري المؤثر على عملية التسوية، فقد ساندت إريتريا تحالف إعادة تحرير الصومال (جناح أسمرة) المعارض، الذي رفض التفاوض مع حكومة "شيخ شريف".

وكان لهذا أثره في تشدد التحالف في تعامله مع الحكومة الانتقالية ودعم قوى المعارضة الداخلية، وخضوع التيار المتشدد للنفوذ الإريتري الرافض للتسوية بين المعارضة والحكومة الانتقالية الموالية لإثيوبيا، نتيجة للصراع الإقليمي بين إريتريا وإثيوبيا. كذلك ظهور الدور الإريتري في التأثير على الوسطاء من الأطراف الدولية والإقليمية، لعدم إشراك تحالف إعادة تحرير الصومال (جناح أسمرة) في المفاوضات.

نتيجة لاتهام أطراف إقليمية ودولية لإريتريا بدعمها للمعارضة، وأيضاً بتسليحها، فقد فرض مجلس الأمن عقوبات على إريتريا، في جلسته في 23 ديسمبر 2009، وقد أيد هذا القرار 13 عضواً من أعضاء مجلس الأمن، البالغ عددهم 15 عضواً. وتمثلت العقوبات في تجميد الأصول، وحظر إمدادها بالأسلحة، وحظر السفر إليها.

(4) جيبوتي

لعبت جيبوتي دوراً مهماً في مفاوضات السلام، حيث احتضنت المفاوضات بين الحكومة الانتقالية وقطاع من تحالف المعارضة المعروف بجناح جيبوتي، عام 2008، والذي كان يقوده "شيخ شريف شيخ أحمد". وقد أظهرت هذه المفاوضات حالة الانقسام داخل التيار الإسلامي، ومن المعلوم أن تسمية جناح جيبوتي إنما جاءت نتيجة استقرار التيار المعتدل المؤيد للتفاوض في جيبوتي، ورفض العودة لإريتريا، بينما بقى التيار المتشدد في إريتريا، وعُرف بجناح أسمرة.

فشلت الجولة الأولى لمفاوضات السلام، في ظل عدم اعتراف حركة شباب المجاهدين وجناح أسمرة بهذه المفاوضات، ورفض أي لقاء مباشر مع ممثلي الحكومة إلا بعد انسحاب القوات الإثيوبية.

خلال المفاوضات، التي جرت في 9 يونيه 2008، في جيبوتي، توصلوا إلى اتفاق ينص على إنهاء أعمال القتال كافة الدائر بين التحالف من أجل تحرير الصومال وحلفائه، وبين الحكومة الفيدرالية الانتقالية وحلفائها، ووضع هذا الاتفاق الإطار الموسع لعملية التسوية، على أن يستكمل باتفاقيات إجرائية مكملة في فترة تالية.

في اجتماع البرلمان الانتقالي في جيبوتي، في 26 يناير 2009، تم التوصل إلى ترتيبات تقاسم للسلطة، تضمنت مضاعفة عدد أعضاء البرلمان الانتقالي، ليزيد من 275 عضو إلى 550 عضو، وتُقسم الزيادة بواقع 200 عضو من جناح جيبوتي، و75 عضواً من أعضاء المجتمع المدني الصومالي.

ب. موقف دول الجوار الإقليمي

(1) مصر

أعلنت مصر، في يوليه 2009، عن مبادرة شاملة لتسوية الأزمة الصومالية، حظيت بدعم الجامعة العربية، واشتملت على ثلاث ركائز أُسُس، هي:

(أ) الركيزة الأولى: التأكيد على الحوار والتفاوض حلاً وحيداً لتسوية الأزمة، دون إقصاء أو استبعاد.

(ب) الركيزة الثانية: الفصل بين الأزمة الصومالية وقضية القرصنة البحرية.

(ج) الركيزة الثالثة: وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأفريقية من الصومال.

تقدمت مصر بقرار باسم المجموعة الأفريقية لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، وفي 28 مارس 2009، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع هذا القرار الذي تقدمت به مصر، والمطالب بتقديم المساعدة والدعم للحكومة الصومالية، وكذا التجاوب مع مساعي الحكومة من أجل فرض احترام القانون وتعزيز حقوق الإنسان.

في 22 أبريل 2009، كانت زيارة الرئيس الصومالي "شيخ شريف شيخ أحمد" للقاهرة، ووعدت مصر بمساعدة الحكومة الصومالية على بناء القدرات العسكرية والأمنية، لتتمكن من فرض سيطرتها على مقديشيو وجنوب الصومال، بما يؤدي لتحقيق الاستقرار.

في يونيه 2009، عقد وزير الخارجية المصري اجتماعاً مع نظيره الإريتري، لمحاولة إشراك إريتريا في عملية المصالحة بالصومال، نظراً لدورها الإقليمي بالبلاد.

في 4 سبتمبر 2009، بحث أيضاً وزير الخارجية المصري، مع مفوضي السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي الجهود المصرية لتحقيق الاستقرار في الصومال، وكذا بحث الإسهامات المصرية بقواتها المسلحة في عمليات حفظ السلام الأفريقية.

(2) اليمن

تأثرت اليمن تأثراً بالغاً بعدم الاستقرار في الصومال، حيث تعاني من تدفق اللاجئين الصوماليين إليها، بالإضافة إلى تحالف القوى الصومالية مع تنظيم القاعدة في اليمن. وتركز الدور اليمني على محاولة إيقاف الهجرة غير الشرعية التي تؤثر على مواردها المحدودة وتهدد أمنها القومي.

ركزت اليمن، خلال الدورة 60 للجنة التنفيذية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التي عُقدت في جنيف في سبتمبر 2009، على الاهتمام بقضية هجرة اللاجئين الصوماليين لليمن، ما زاد من حدة الأعباء الملقاة عليها، مع إيلاء هذه القضية الاهتمام الذي تستحقه.

3. موقف المنظمات الإقليمية

أ. الاتحاد الأفريقي

خلال شهر مارس 2008، نشر الاتحاد الأفريقي 800 جندي إضافي من قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، وذلك بعد زيادة الهجمات ضد الحكومة الصومالية.

ودعا الاتحاد الأفريقي المجتمع المدني لإرسال أسلحة للحكومة الصومالية لمساندتها في القضاء على المتمردين، وذلك نتيجة تعرض قوات الاتحاد الأفريقي، في سبتمبر 2009، لهجوم عنيف قامت به حركة شباب المجاهدين على المقر العام لقيادة القوات بمطار مقديشيو، ما تسبب في مصرع 17 فرداً، من بينهم نائب قائد القوات البوروندي الجنسية، بالإضافة إلى إصابة قائد القوات الأوغندية.

ب. منظمة الإيجاد

خلال الفترة من 2008 – 2009، قامت الهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد)، التي تترأسها إثيوبيا، بعقد قمة استثنائية، في نيروبي في نوفمبر 2008، وحضرها أعضاء من البرلمان الصومالي والحكومة الانتقالية، بهدف التباحث مع المسؤولين الصوماليين لتسوية الأزمة الصومالية.

كما اتفقت منظمة الإيجاد مع جامعة الدول العربية، بصفتها عضواً في منظمة شركاء الإيجاد، في ديسمبر 2009، وتضمن الاتفاق تنفيذ عدد من المشروعات لدعم الاستقرار في الصومال، خاصة في مجالي تعزيز الأوضاع الإنسانية والأمنية.

ج. جامعة الدول العربية

يُعد دور جامعة الدول العربية محدوداً في مواجهة الأزمة الصومالية، وقد أجرت بعض الدول العربية مشاورات، خلال عامي 2008 – 2009، مع بعض أطراف الصراع، ومن هذه الدول مصر والسعودية واليمن.

وطالبت الحكومة الصومالية مشاركة قوات عربية في القوات التي ستحل محل القوات الإثيوبية، وأن يكون هناك دور عربي في عمليات إعادة الإعمار والإغاثة.

ورغم تصاعد الأزمة الصومالية، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، في يونيه 2009، بعد الهجمات التي أدت إلى مقتل عدد من المسؤولين في الحكومة الصومالية، إلا أن الجامعة العربية تجاهلت هذه الأحداث، ما حدا بالصومال إلى طلب العون من دول الجوار دون الجامعة العربية.

4. على المستوى الدولي بصفة عامة

أ. موقف الولايات المتحدة الأمريكية

فيما يتعلق بالجهود الدولية، فقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على الموقف في الصومال، إلا أنه خرج عن السيطرة، وانشقت حركة الشباب الصومالية عن اتحاد المحاكم الإسلامية، عقب مؤتمر أسمرا، في سبتمبر 2007، وأصبحت أقوى فصيل صومالي مسلح بالبلاد، وانتهجت رفض التفاوض مع القوات الإثيوبية والحكومة الانتقالية، واتجهت لاستخدام القوة المسلحة، ما أدى إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقصف جوي على معسكرات حركة الشباب، في مايو 2008، لمحاولة القضاء على الحركة، لفرض السيطرة وإنهاء أعمال العنف المسلح.

(1) على الجانب الأمني

نتيجة تدهور الموقف الأمني وفقد السيطرة، وازدياد أعمال القرصنة أمام الساحل الصومالي، ما هدد التجارة الدولية، فقد صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1838، الصادر في 7 أكتوبر، لتأكيد القرار السابق.

صدر القرار الرقم 1801، من مجلس الأمن، الذي أجاز للسفن الحربية الأجنبية التي تقاوم القرصنة، بالدخول للمياه الإقليمية الصومالية، وكذلك الطائرات الحربية، مع السماح بعمليات مطاردة للقراصنة داخل الأراضي الصومالية. وقد أعلنت دول كثيرة عن عزمها الاشتراك في قوة دولية لقمع القرصنة، وهي فرنسا، وروسيا، وألمانيا، وحلف الناتو.

أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 1846، بتكليف الاتحاد الأوروبي مهمة القضاء على القراصنة الصوماليين، شارك فيها كل من بلجيكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، واليونان، وهولندا، وإسبانيا، والسويد، واستمرت لمدة عام. وقد أرسلت بالفعل ست بوارج حربية، وثلاث طائرات استطلاع، كما أبدى الأسطول الخامس الأمريكي استعداده للتدخل عسكرياً.

في 10 ديسمبر 2008، عُقد مؤتمر دولي في كينيا، بمبادرة من الأمم المتحدة، برئاسة الممثل الخاص للأمم المتحدة في الصومال، لاتخاذ خطوات جادة لمكافحة أعمال القرصنة أمام السواحل الصومالية.

(2) على الجانب السياسي

لمحاولة السيطرة على الموقف المتدهور في الصومال، فقد عُقدت سلسلة محادثات في جيبوتي، بين الحكومة الانتقالية الصومالية وتحالف إعادة تحرير الصومال، بزعامة "شيخ شريف شيخ أحمد"، خلال شهر مايو 2008، انتهى لاتفاق تضمن الآتي:

(أ) وقف الأعمال العدائية من جانب الطرفين لفترة مدتها 90 يوماً، تبدأ بعد 30 يوماً من توقيع الاتفاق.

(ب) تقديم طلب لمجلس الأمن لتكوين قوة استقرار دولية، على أن تنتشر في الصومال خلال أربعة أشهر.

(ج) إنشاء لجنة أمنية مشتركة خلال 15 يوماً، ترأسها الأمم المتحدة لضمان معالجة التحديات وتنفيذ الترتيبات الأمنية، مع عقد مؤتمر لمناقشة المسائل العالقة قبل نهاية شهر يوليه 2008.

رحبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالاتفاق والجهود التي تبذلها الأطراف لتحقيق الاستقرار والسلام، ولكن جماعة شباب المجاهدين وبعض العناصر المتشددة أعلنت رفضها للاتفاق، وتعهدت بالقتال ضد القوات الإثيوبية حتى إخراجها من البلاد.

في أوائل أكتوبر 2008، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً عن بدء عمل القيادة العسكرية الأفريقية الجديدة (أفريكوم)، وبدء ممارسة مهامها من شتوجارت بألمانيا مؤقتاً، لحين نقلها بمقرها الدائم بإحدى الدول الأفريقية (خاصة إحدى دول القرن الأفريقي). وهي رغم اختصاصها بالعمل في جميع القارة الأفريقية، إلا أنها تركز أساساً على منطقة القرن الأفريقي، ومن ثَم يكون الموقف الصومالي أحد اهتماماتها الرئيسة.

بعد انتخاب الرئيس الصومالي الجديد "شيخ شريف شيخ أحمد"، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مراراً دعمها لجهوده لإعادة الاستقرار، وأعلنت الحكومة الأمريكية أنها تريد أن تركز على أمن الصومال للمدى البعيد. وفي أبريل 2009، أعلنت عن تعاونها في بناء قوات الأمن التي سيبلغ عددها خمسة آلاف فرد، وأنها تركز على توفير الموارد ودفع نفقاتها.

ويمكن القول أن السياسة الأمريكية تجاه الصومال، التي تسعى دائماً على استبعاد جماعة شباب المجاهدين من أي عملية سياسية، تنعكس سلباً على جهود الحكومة الصومالية لتحقيق المصالحة الوطنية.

ب. موقف الاتحاد الأوروبي

رغم أن الموقف الدولي ظل يركز على إحلال السلام من أجل القضاء على أعمال القرصنة أمام السواحل الصومالية بصفة خاصة لحماية التجارة الدولية، إلا أن الاتحاد الأوروبي ركز، بالإضافة إلى ذلك، على تقديم المساعدات التنموية.

تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 212 مليون يورو مساعدات تنموية للصومال، خلال الفترة من 2008 – 2013، في إطار ما سُمي بالإستراتيجية المشتركة من أجل الصومال.

وفي 23 أبريل 2009، استضاف الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤتمراً دولياً حول الصومال، لحشد الدعم الدولي مادياً وسياسياً، لمواجهة التحديات التي تواجه الصومال.

كما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم تمويل لتدريب حرس السواحل، بمبلغ 43 مليون يورو، لتدريب حوالي 500 فرد عبر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

خامساً: تأثير عدم الاستقرار السياسي والأمني على الشعب الصومالي خلال الفترة

رصدت العديد من المنظمات الدولية، عديداً من الانتهاكات الإنسانية التي تستهدف المدنيين الصوماليين من قِبل القوات الإثيوبية. وقد ذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها المعلن، في مايو 2005، أن القوات الإثيوبية التي تقاتل في مقديشيو ضد الإسلاميين تقدم على إعدام عدد من الصوماليين ذبحاً.

وصرحت منظمة العفو الدولية أنه حدثت زيادة ملحوظة في عمليات الإعدام غير القضائية للصوماليين، على يد جنود إثيوبيين، خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2007، وأن السكان يتعرضون للقتل والتعذيب والاغتصاب، كما يتعرضون لعمليات نهب شاملة، ودُمِّرت أحياء بكاملها داخل الصومال.

في أبريل 2008، ارتُكبت مجزرة بشعة، حيث اقتحمت القوات الإثيوبية مسجد الهداية بالعاصمة مقديشيو والمدرسة القرآنية الملحقة به، وقتلت عشرين رجلاً من رجال الدين بفصل الرؤوس عن الجثث بالخناجر، كما اختطفت خمسين طفلاً كانوا بصحبة علماء الدين بالمدرسة، تراوح أعمارهم بين ثمانية وأربعة عشر عاماً، واقتادتهم إلى معسكراتها. وقد أدانت الأمم المتحدة هذا العمل.

ونتيجة لاستخدام القوات الإثيوبية الأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية المدنية، توفى 81 مدنياً، وسقط مائة جريح. وقد أرجع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية التدهور المستمر في الأوضاع الإنسانية إلى تدني الأوضاع الأمنية بسبب الحرب المستمرة.

تفاقمت الأوضاع الإنسانية ومعاناة السكان، نظراً لتدهور الاقتصاد وتوقف النشاط الزراعي، وارتفاع نسبة التضخم، ووجود أزمة غذاء، نتيجة ضعف الاقتصاد، وإغراق إثيوبيا البلاد بالعملات المزيفة، واستخدام الفقر سلاحاً، ما أدى إلى دخول البلاد في عدة أزمات، وارتفاع معدل زيادة الأسعار، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة بين عامي 2006/2007 و2007/2008، كما هو موضح بالجدول التالي:

 

معدل الزيادة

الأسعار

السلعة

2007/2008

2006/2007

135,3%

40 دولار

17 دولار

الأرز

85,7%

39,8 دولار

21 دولار

50 كجم دقيق

110% إلى 375% بمتوسط 242,5%

-

-

حبوب محلية ومستوردة

 

نتيجة خطورة الأوضاع الأمنية، وخاصة في الجزء الجنوبي والأوسط من البلاد، نزح ما يراوح بين 745 ألف و750 ألف نسمة من مدنهم وقراهم، والمناطق الأكثر تضرراً التي تعاني من مشكلة النزوح هي مناطق جانجادو مورج، وهيرات، وشبيلي السفلى في جنوب الصومال، وأجزاء سول سنانج بين صومالي لاند وبونت لاند، وهود في الشمال. ويعيش حوالي 250 ألف نازح في شريط طوله 16 كم قرب العاصمة مقديشيو، في معسكرات مؤقتة بها أكواخ بدائية، ويعتمدون اعتماداً رئيساً على مساعدات وكالات الإغاثة الدولية. وقد حددت هذه الوكالات عدد مليوني صومالي في حاجة إلى مساعدة يومية للبقاء على قيد الحياة.

ونتيجة تردي الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، اتجه كثير من الصوماليين إلى ترك الصومال واللجوء إلى دول أخرى، ويغادر العاصمة مقديشيو كل شهر حوالي 20 ألف شخص، بسبب القتال بين الإسلاميين والقوات الإثيوبية التي تدعم القوات الحكومية، ويتجه اللاجئون إلى اليمن وإثيوبيا وكينيا، إلا أن النسبة الأكبر تتجه لليمن.

وتضاعف أعداد اللاجئين لليمن خلال عام 2008، ووصل إلى 28 ألف لاجئ مسجل لدى السلطات اليمنية، مقارنة بعام 2006/2007، حيث كان عددهم 12.800 لاجئ. وقد ظهر ذلك في تقارير المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة، التي ذكرت أن أعداد المغادرين من القرن الأفريقي إلى اليمن خلال عام 2008، أكثر من 15 ألف صومالي عبروا خليج عدن في زوارق المهربين، خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2008، إلا أن عدد المسجلين بالفعل لدى السلطات اليمنية بلغ 20 ألف لاجئ. وبلغ عدد الغرقى في خليج عدن خلال المرحلة الشاقة خلال الشهرين الأولين من العام نفسه، نحو 327 صومالي.

وتجدر الإشارة إلى أن مفوضية الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، قد رصدت خلال عام 2007، حوادث غرق بلغت 1400 لاجئ، مقابل 659 غريق خلال عام 2006.

ظهرت ظاهرة القرصنة نتيجة تهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ونتيجة عدم الاستقرار السياسي، وعدم وجود خطة اقتصادية أو اجتماعية، بل تُركت الأمور للأوضاع القبلية العشائرية، وظهور طبقة من أمراء الحرب الذين يسهلون عمليات القرصنة.

ويلاحظ أن الفترة التي كانت فيها قوات المحاكم الإسلامية مسيطرة، من منتصف عام 2006 حتى نهايته، تضاءلت عمليات القرصنة بوضوح. ولكن تزايدت عمليات القرصنة في عام 2008، ازدياداً لافتاً، وجرت عمليات القرصنة غالباً في منطقة مهمة للتجارة الدولية، هي منطقة خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي الملاصق للصومال. وبلغ عدد الاعتداءات على السفن أكثر من 100 اعتداء واحتجاز 40 سفينة.

وترتب على عمليات القرصنة زيادة في رسوم الشحن، وزيادة في التأمين على السفن ضد المخاطر. كما تصاعدت عمليات القرصنة في جرأتها لتهاجم جميع أنواع السفن البحرية، بما فيها ناقلات النفط، ومنها الناقلة السعودية العملاقة سايروس ستار، وازدياد حجم الفدية المطلوبة لتصل إلى 25 مليون دولار للناقلة السعودية، التي كانت تحمل 200 ألف برميل.

كما أدت عمليات القرصنة إلى قطع المعونات الغذائية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي عن بعض أجزاء الصومال، التي هو في أشد الحاجة إليها.

ونتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية، ازداد الصيد غير القانوني قبالة السواحل الصومالية، بواسطة السفن الأجنبية، حيث قُدر عددها بأكثر من مائتي سفينة من دول أجنبية، أهمها الهند، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وباكستان، وإسبانيا، واليمن. ونتج عن ذلك تدهور حرفة صيد السمك الصومالية، وهي من الحرف المهمة للسكان، ولا سيما في الجزء الشمالي الشرقي من الصومال.

كما تدهورت الصناعات المحلية، بعد سيادة الفوضى، وأهمها صناعات السكر والأسمنت والجلود، كما أن نقص المساعدات والقروض التي كانت تأتي من الخارج من الدول والهيئات الدولية، بسبب الحرب الأهلية، وعدم وجود حكومة مركزية، أدت إلى تفاقم الأوضاع.