إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / اليمن... الثورة والحرب (1962 ـ 1970)، حرب اليمن من وجهة النظر المصرية





ميناء الحديدة
ميناء صليف
إجراءات تأمين قاعدة الحديدة
أعمال المقاومة الملكية
أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي
أعمال قتال الجانبين في المنطقة الشمالية
أعمال قتال الجانبين، يوليه 1967
أعمال قتال الجانبين، يونيه 1967
التوزيع الجغرافي للقبائل
السيطرة على المحور الساحلي
العملية نسر
العملية اكتساح
العملية صقر
العملية قادر
القوات المصرية والجمهورية، يوليه 1967
القوات المصرية والجمهورية، يونيه 1967
القوات المصرية، نهاية أبريل 1966
القوات الجمهورية، مايو 1967
توزيع قوات الجمهوريين بمنطقة الجوف
تطهير صحن العقبة
تضاريس اليمن
عمليات الجانبين للسيطرة على المحور
عملية جبل اللوز
فتح وتطهير طريق السر
فتح طريق المطمة ـ الحميدات
قتال المنطقة الشمالية
قتال الجمهوريين لتأمين منطقة أرحب
قتال الجانبين للسيطرة على منطقة السوده
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الأوسط
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي
قتال الجانبين للسيطرة على طريق الحديدة
قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين
قتال الجانبين بمنطقة الجوف
قتال الجانبين بالمنطقة الشمالية
قتال الجانبين بالمنطقة الشرقية
قتال الجانبين على المحور الأوسط
قتال الجانبين على المحور الشرقي
قتال الجانبين على المحور الشرقي 1962
قتال الجانبين في المنطقة المركزية
قتال الجانبين في المنطقة الغربية
قتال الجانبين في جبلي حرم ورازح
قتال الجانبين في قطاع جبل رازح
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على مأرب
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم

منطقة العمليات البحرية
مسرح الحرب اليمنية
المسرح اليمني
الجمهورية العربية اليمنية
القصف الجوي 1963
القصف الجوي 1964
القصف الجوي 1965
القصف الجوي يناير ـ مايو 1967
القصف الجوي يونيه ـ ديسمبر 1967
طرق التسلل



الفصل الأول

أولاً: الهجوم العام للجمهوريين (يناير ـ مارس 1963)

1.    إستراتيجية الجانبين خلال هذه المرحلة

أوضحت الدراسة، في الفصل السابق، كيف اتخذت القيادة السياسية المصرية قرارها بالتدخل العسكري المباشر، لمساندة الثورة اليمنية، في ظل تصور خاطئ، أن الأمر لن يحتاج إلى أكثر من قوات رمزية، تعبِّر عن التصميم المصري على مؤازرة تلك الثورة على مواجَهة أعدائها. وأن الثقل، السياسي والعسكري، المصري، في ذلك الوقت، سيكون كافياً لردع هؤلاء الأعداء.

إلا أنه بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من بداية هذا التدخل، بدأت القيادة المصرية تدرك خطأ تقديرها السابق. وأصبحت أكثر وعياً بأبعاد الموقف في المسرح اليمني، وأن تثبيت النظام الجمهوري، والقضاء على المقاومة الملكية، وردع التدخل المساند للأخيرة، ليست معركة قصيرة الأجل يمكِن أن تخوضها قوات محدودة. كما أصبحت هذه القيادة أكثر اقتناعاً بأن استمرار استخدام القوات المصرية، في مجموعات صغيرة، لاتخاذ أوضاع تأمينية، لن يسمح لها بحسم الموقف والقضاء نهائياً على المقاومة الملكية، ما دامت محاور إمداد الأخيرة مفتوحة من اتجاهَي نجران وبيحان. وأن عـدم حسـم الموقف بحشد كبير، وفي أسرع وقت، سيؤدي إلى انقلاب بعض القبائل، التي لا تزال متردّدة في إعلان ولائها للجمهورية، فضلاً عن إطالة مدة العملية[1].

وجاء هذا الإدراك المصري للموقف، في الوقت الذي بدأت تتزايد فيه الضغوط الأمريكية، لفضّ الاشتباك بين المتحاربين، وإنهاء التدخل الخارجي، بعد تزايد الهجمات الجوية المصرية على قواعد الملكيين، في نجران وجيزان.

ولم يكن ممكناً أن تتجاهل القيادة السياسية المصرية الإلحاح الأمريكي في فضّ الاشتباك، خاصة أنه كان يتماشى مع سياستها، الرامية إلى سحب معظَم قواتها من اليمن، بعد تثبيت النظام الجمهوري، وإنهاء التهديدات الموجَهة إليه. إلا أنها كانت ترى، أنه في ظل عدم السيطرة الكاملة للجمهوريين على النصف الشمالي لليمن، فإن الدعم السعودي، غير المنظور، يمكِن أن يثمر في المناطق الشمالية والشرقية، بعد فضّ الاشتباك. وهو ما يمكن أن يغير موازين القوى في مصلحة الملكيين، بعد خروج القوات المصرية، ويجعل النظام الجمهوري الوليد تحت رحمة أُسْرة حميدالدين، والقبائل التي تناصرها. ومن ناحية أخرى، فقد رأت القيادة المصرية، أن شروط فضّ الاشتباك، في ظل الموقف الإستراتيجي في اليمن، في ذلك الوقت، قد تدعم موقف الملكيين، على حساب النظام الجمهوري[2].

وعلى ذلك، قررت القيادة المصرية معالجة الموقف بالتحرك على محورين: الأول، قبول المقترحات الأمريكية لفضّ الاشتباك. والثاني استغلال فترة التفاوض، لتغيير الموقف الإستراتيجي، في النصف الشمالي من اليمن، في مصلحة النظام الجمهوري بشكل قاطع. وبذا، تصبح أي اتفاقية، يسفر عنها فض الاشتباك، ضمانة قانونية لذلك النظام، وسيطرته على كل اليمن.

ولتحقيق الموقف الإستراتيجي المطلوب، وجدت القيادة المصرية أنه لا بد من تغيير أسلوب العمل في المسرح اليمني، بما يسمح باستخدام القوات في حشد، للسيطرة على محاور الإمداد الرئيسية للقبائل الملكية، في شمالي اليمن وشرقيه، وهو ما يستدعي دعم قوات المسرح، مرة أخرى، بما يقرب من لواءَي مشاة إضافيين.

ومن ثَم، أصدر المشير عبدالحكيم عامر توجيهات جديدة إلى قيادة القوات العربية في اليمن، في 24 يناير 1963، محدداً فيها المهام الإضافية، لتأمين الثورة اليمنية، وشكل العمليات، التي يجب تنفيذها، لتحقيق هذه المهام على ثلاث مراحل كما يلي[3]:

    ‌أ.    المرحلة الأولى

تتم قبْل 10 فبراير. ويجري فيها إعادة تنظيم وتجميع القوات في كافة المحاور، التي تعمل فيها، مع القيام بعمليات تهدف إلى سيطرة القوات المصرية على المناطق الحيوية، والنقاط الحاكمة، المحيطة بقواعدها.

    ‌ب.   المرحلة الثانية

تتم قبْل 20 فبراير. ويجري فيها العمليات التعرضية الرئيسية، على محور الجوف، في اتجاهَي "الحميدات" ـ "المطمة" ـ "الحزم"، "ذيبين" ـ "المطمة" ـ "الخرم".

    ‌ج.   المرحلة الثالثة

تتم قبْل أول مارس. ويجري فيها العمليات التعرضية الأخرى، على المحور الشرقي، لتصفية الموقف فيه، والاتصال بصرواح.

وتوجه المشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات إلى اليمن، في 30 يناير، للتنسيق مع القيادة اليمنية، والإشراف على تنفيذ العمليات المنتظرة، ومتابعة تطورات الموقف على الطبيعة. وقد مثلت هذه الاستراتيجية المصرية الجديدة، نقطة التحول الثانية في الموقف المصري، تجاه السعودية. فبانتشار القوات على المحورين، الشمالي والساحلي، حتى قرب الحدود السعودية، وعلى المحور الشرقي حتى حدود بيحان، ستتحمل مصر المسؤولية الكاملة عن تأمين النظام الجمهوري وحمايته، بعد أن كانت تقوم بدعم  هذا النظام فقط، في المرحلة السابقة.

ولم يكُن تطوير استراتيجية المواجَهة، في مطلع عام 1963، وقفاً على الجانب الجمهوري. فعلى الجانب الآخر، طورت قيادة الملكيين، هي الأخرى، إستراتيجيتها، بمعاونة مستشاريها الأجانب، الذين بدأوا يتوافدون عليها. ففي الوقت الذي كانت فيه القيادة المصرية، تخطط لاستكمال سيطرة النظام الجمهوري على النصف الشمالي من اليمن، وحرمان القبائل الملكية من إمداداتها، المتدفقة من نجران وبيحان، عبْر الجوف والمنطقتين الشرقية والشمالية، كانت قيادة الملكيين، تخطط لقطْع جميع الطرق الموصلة إلى صنعاء، وعزلها، خلال شهرَي فبراير ومارس، ثم الانقضاض على العاصمة بوساطة القبائل الملكية المحيطة بها[4].

2.    تطور العمليات[5]

نجحت قيادة الملكيين في تنفيذ الجزء الأول من مخططها، خلال شهرَي يناير وفبراير 1963. فقد تم قطع الطرق المؤدية إلى صنعاء، في المناطق التالية:

·    طريق صنعاء ـ الحديدة، في منطقتَي "بوعان"  و"مناخة".

·    طريق صنعاء ـ رايدة، في منطقة "زيفان".

·    طريق صنعاء ـ جيحانة، في منطقتَي "ريمة حميد" و"شرزه".

·    طريق صنعاء ـ تعز، في منطقة "حزيز".

·    طريق صنعاء ـ بيت مران، في منطقة "المكاريب".

كما شنّت القوات الملكية العديد من الهجمات على المناطق، التي يسيطر عليها الجمهوريون، في كافة محاور النصف الشمالي من اليمن. كان أخطرها هجومها الناجح، خلال الأسبوع الأول من يناير، على قلعة صنوان، في منطقة "ذيبين"، الذي جعل الطريق مفتوحاً أمام الإمدادات السعودية، عبْر منطقة الجوف، إلى القبائل الملكية، حول صنعاء[6].

ولمواجَهة أعمال قتال الملكيين، وتنفيذ الإستراتيجية الجديدة للجمهوريين، قامت القوات المصرية واليمنية الجمهورية، بعدة عمليات ناجحة، خلال هذه المرحلة، للسيطرة على الموقف في المناطق المهددة، ومدّ سيطرة النظام الجمهوري شمالاً وشرقاً، حتى المناطق الحدودية، في هذين الاتجاهين. كان أبرزها العمليات التي أديرت في المناطق: المركزية والوسطى والجوف والشمالية.

    ‌أ.    عمليات المنطقة المركزية

(1)    فتْح طريقَي صنعاء ـ الحديدة وعمران ـ حجة، وتطهير المرتفعات بين الطريقين

      نتيجة لعمليات قطْع الطرق السابقة، أصبحت صنعاء شبه محاصرة. وكان التهديد الرئيسي للعاصمة، آنذاك، يكمن في جيوب القبائل الملكية، التي تسيطر على أغلب المرتفعات، الواقعة شمال طريق الحديدة، وحتى طريق عمران ـ حجة. وهي القبائل التي قامت بقطْع الطرق المؤدية إلى الحديدة ورايدة، فضلاً عن قطْع طريق عمران ـ حجة. ولحسم هذا الموقف، قامت قوات المنطقة المركزية، والمنطقتين، الوسطى والغربية، بعملية هجومية مشتركة، ذات مرحلتين، بالتعاون مع القوات اليمنية الجمهورية والقوة الجوية بالمسرح.

واستهدفت المرحلة الأولى (التمهيدية) من هذه العملية، فتْح طريق صنعاء ـ الحديدة، والسيطرة على المرتفعات، التي تهدد الطريق، مع تأمينها. بينما استهدفت المرحلة الثانية (الرئيسية) استكمال تطهير المنطقة، حتى طريق عمران ـ حجة، مع القضاء على التجمعات الرئيسية للقوات الملكية في هذه المنطقة، والتي يتمركز معظمها في جبل مسور.

وقد وُضعت خطة المرحلة الثانية على أساس الهجوم في ثلاثة اتجاهات، في وقت واحد، (اتجاه رئيسي واتجاهان فرعيان)، كما يلي (انظر شكل أعمال قتال الجانبين للسيطرة على طريق الحديدة ومحور حجة (1 ـ 25 فبراير 1963)):

(أ)  الاتجاه الرئيسي

ويقوم فيه مجموعة من المنطقة المركزية (ما يقرب من كتيبتين وعناصر دعمهما)، بالتعاون مع مقاتلي القبائل الجمهورية، بقيادة الشيخين، العواضي وأبو لحوم (1200 مقاتل)، وقوة من الجيش الجمهوري (700 فرد)، بالهجوم العام، في اتجاه جبلَي حضور الشيخ والمحدد، كمهمة مباشرة، ثم تطوير الهجوم في اتجاه جبل مسور، للقضاء على التجمعات الرئيسية للملكيين فيه، والسيطرة على تلك المنطقة، كمهمة نهائية.

(ب) الاتجاه الفرعي الأول:

ويقوم فيه مجموعة قتال من المنطقة الغربية (مشكلة من سرية مشاة مدعمة، وسرية مظلات يمنية)، بالتعاون مع مقاتلي قبيلتَي العامري والخيوب (1000 مقاتل)، بالهجوم في اتجاه كحلان وجبل الزافن، للسيطرة على الأخير والمنطقة المحيطة به وتأمينها، كمهمة مباشرة، ثم تطوير الهجوم في اتجاه بَنِي موهب، والسيطرة على المرتفعات، شمال حجة، كمهمة نهائية.

(ج) الاتجاه الفرعي الثاني

ويقوم فيه مقاتلو قبيلة حاشد، بقيادة الشيخ عبدالله الأحمر (1000 مقاتل)، ومعهم بعض أسلحة الدعم، بالتعاون مع الكتيبة 25 مشاة (بالنيران من مواقعها)، بتطهير المنطقة، شرقاً وشمال شرق حجة.

وقد بدأت المرحلة الأولى، يوم 4 فبراير، بقيام احتياطي المنطقة المركزية، بعد قصف جوي مركز على قرى الملكيين ومواقعهم، في المناطق التي قطع فيها طريق الحديدة ـ صنعاء، بتطهير مناطق القطع، وفتح الطريق. وعلى أثر ذلك، دُفعت قوة من مقاتلي القبائل الجمهورية إلى استكمال تطهير المنطقة الجبلية شمال الطريق، تمهيداً للمرحلة الثانية.

وفي أول ضوء يوم 15 فبراير، بدأت المرحلة الرئيسية للعملية، بعد تمهيد جوي، استمرّ أسبوعاً، ضد مواقع الملكيين وقراهم، في جبل مسور والمنطقة المحيطة به، وبعد تمهيد نيراني بالمدفعية، استمر 25 دقيقة، قامت قوات المجهود الرئيسي بالهجوم في اتجاه جبل المحدد، وأجبرت قوات الملكيين على الانسحاب إلى داخل الوادي، الذي دار فيه القتال من منزل إلى منزل. كما نجحت قوات الاتجاهين الفرعيين، الأول والثاني، في تحقيق مهامها، وأعلنت مناطق بَنِي عشب، وبَنِي موهب، وبَنِي التربي، ولاءها للجمهورية.

ومع هذا النجاح، قامت قوات المجهود الرئيسي بتطوير هجومها، في اتجاه جبل مسور، ونجحت في قطْع طريق الإمداد الرئيسي إلى ذلك الجبل وما حوله، وتأمين جبلَي حضور الشيخ والمحدد، وفتح طريق عمران ـ حجة. كما نجحت قوات الاتجاه الفرعي الأول في تأمين جبل الزافن، والهجوم على جبل مسور، من اتجاه الشرق. في الوقت الذي نجحت فيه قوات الاتجاه الفرعي الثاني في الاستيلاء على المناطق الحاكمة، التي تسيطر على قرى مسور. وقد أسفرت هذه العملية عن الخسائر التالية:

(أ) خسائر الملكيين

·  الأفراد: 244 فرداً، ما بين قتيل وجريح وأسير.

·  الأسلحة: 260 بندقية، 4 هاونات متوسطة، رشاشان 5 بوصات، رشاشا جرنوف، 4 قاذفات بازوكا 57 مم، رشاشان خفيفان، مدفعان من عيار 75مم عديما الارتداد، إضافة إلى كميات ضخمة من الذخائر والألغام والمفرقعات.

(ب) خسائر الجمهوريين

·  الأفراد: تسعة عشر فرداً، ما بين قتيل وجريح.

·  الأسلحة : لا شيء.

(2)    فتح طريق صنعاء ـ جيحانة

في إطار خطة الملكيين لمحاصرة صنعاء، قاموا بدعم قواتهم جنوب شرق العاصمة، في جبل "جروة" و"جوب"، خلال الأسبوع الأول من فبراير. وسرعان ما انضم إليهم الأمير عبدالله بن الحسن، ومعه 1200 مقاتل، في بداية الأسبوع الثاني من فبراير.

ولمواجَهة ذلك الموقف، دفعت قيادة القوات العربية في المسرح، في 10 فبراير، مجموعة قتال (ما يقرب من كتيبتين)، بقيادة العميد عبدالمنعم خليل، لاستعادة السيطرة الجمهورية على تلك المنطقة. وقد نجحت تلك القوة في الاتصال بقوات الجمهوريين، في "ريمة حميد". إلا أنه قبْل وصولها إلى منطقة جروة، نجحت قوات الملكيين، في 12 فبراير، في قطع طريق صنعاء ـ جيحانة وتدميره، في منطقة "سنان" جنوب جروة.

فقامت مجموعة قتال عبدالمنعم خليل بتطهير منطقة جوب وجنوب جروة، وفتْح الطريق، والاتصال بقوات الجمهوريين، في شرزة، في 17 فبراير. وقد أدّى نجاح تلك القوة في مهمتها، إلى إعادة سيطرة الجمهورية على تلك المنطقة، وإحباط مخطط الملكيين في المحور الشرقي.

    ‌ب.   عمليات المنطقة الوسطى

(1) فتْح طريق صنعاء ـ رايدة[7] (انظر شكل أعمال قتال الجانبين للسيطرة على المحور الأوسط (يناير ـ فبراير 1963))

على الرغم من إعلان "عيال سريح"[8] في بني ميمون، ولاءهم للنظام الجمهوري، في 13 يناير، وفتْح أرضهم لدخول قواته، إلا أنهم سرعان ما انقلبوا على هذا النظام تحت إغراء الأموال والأسلحة، التي قدّمها أمراء أُسرة حميدالدين. فقاموا باحتلال جبل "الظين"، الذي يسيطر على طريق صنعاء ـ عمران، وقطعوا طرق الإمداد إلى صعدة، في 17 فبراير، سواء طريق صنعاء ـ رايدة، أو صنعاء ـ عمران ـ رايدة. كما قاموا بقطع طريق عمران ـ كحلان. وبذلك، توقفت، مؤقتاً، أعمال الإمداد البري للقوات المصرية، في كل من منطقتَي ذيبين وصعدة، مما جعل هذه القوات تعتمد على الإمداد الجوي، حتى تم فتْح الطريق.

وإزاء ذلك الموقف، دفعت قيادة القوات العربية في المسرح، مجموعة قتال (سرية مشاة، سرية مدرعة، سرية استطلاع، سرية مهندسين)، يوم 18 فبراير، بقيادة المقدم الهجان، لفتْح طريق صنعاء ـ رايدة، المقطوع في منطقة "زيفان". كما أصدرت تعليماتها إلى قائد الكتيبة 79 مظلات، في رايدة، بدفع سرية من قواته إلى المعاونة على فتْح الطريق من اتجاه الشمال، لوعورة المنطقة جنوب زيفان.

وقد نجحت مجموعة قتال الهجان في الوصول إلى صحن زيفان، يوم 20 فبراير، بعد اشتباكها مع كمين للملكيين، جنوب الصحن. إلا أنها لم تستطع التقدم شمالاً، لشدة النيران التي انهمرت عليها من المرتفعات المتحكمة في الطريق. فلجأت إلى اتخاذ أوضاع دفاعية في منطقة الصحن. أما سرية المظلات، التي دُفعت من رايدة، فقد توقفت على مسافة 5 كم من زيفان، بعد وقوعها تحت نيران الملكيين الكثيفة، من المرتفعات المسيطرة على الطريق، واضطرت إلى الارتداد، بعد تعرّضها لخسائر شديدة.

ونتيجة للصعوبات والكمائن، التي واجهت مجموعة قتال الهجان، منذ دخولها في المنطقة الوعرة، التي يسيطر عليها عيال سريح، دفعت قيادة القوات العربية بالمسرح، مجموعة قتال أخرى (الكتيبة 22 مشاة، عدا سريتين)، بقيادة المقدم الأعسر، يوم 19 فبراير، إلى دعم مجموعة القتال الأولى. إلا أن حظ الأخيرة، لم يكُن أفضل من سابقتها. فقد حُوصرت مجموعة القتال الثانية، في منطقة الوادي، جنوب صحن زيفان، واُضطرت إلى التوقف، بعد إطلاق الرصاص على إطارات سياراتها، من المرتفعات المسيطرة على الطريق.

وإزاء ذلك الفشل، اضطرت قيادة القوات العربية في المسرح، إلى دفْع مجموعة قتال ثالثة، يوم 22 فبراير (الكتيبة السادسة المشاة، عدا سرية، سرية دبابات، فصيل مهندسين) بقيادة العقيد عبدالمنعم خليل، لفتْح الطريق إلى رايدة. وتمكنت تلك القوة، في  23 يناير، من الوصول إلى زيفان. وبعد اشتباكات، لمدة ثلاثة أيام مع قوات الملكيين، نجحت مجموعة قتال عبدالمنعم خليل في تطهير المنطقة، بالتعاون مع القوة الجوية، وفتحت الطريق إلى رايدة، في 28 فبراير. وبعد ثلاثة أيام، دُفعت تلك القوة إلى صعدة، فوصلتها ليلة 6 مارس.

(3) استعادة الجمهوريين السيطرة على مضيق ذيبين[9]  (انظر شكل أعمال قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين (14 ـ 28 فبراير 1963))

في ضوء نجاح قبيلة أرحب (ملكية) في احتلال قلعة "صنوان"، المسيطرة على مضيق ذيبين، وفتْح طريق الإمداد إلى الملكيين، حول صنعاء، بعد هجومهم الناجح على قوات الجمهوريين، التي كانت تدافع عن القلعة، قامت قيادة القوات العربية في المسرح بدفع الكتيبة 77 مظلات، في  16 يناير، من رايدة إلى ذيبين، لاستعادة السيطرة على المنطقة، وإقفال المضيق في وجه الملكيين.

وبعد تحرك ليلي، وصلت كتيبة المظلات إلى الجبال المسيطرة على ذيبين، وفاجأت قوات الملكيين في المنطقة. وقد نجحت الكتيبة في الوصول إلى قمم تلك الجبال، واستعادة السيطرة على المضيق، بعد قتال، استمر طول الليل، مع القوات الملكية. وبعد تأمين تلك المرتفعات، نظمت الكتيبة الدفاع عنها بما يحقق الدفاع الدائري، لمواجَهة الحصار، وصدّ الهجمات المنتظرة من الملكيين. وفور تجهيز مواقعها، بدأت الكتيبة في القيام بالدوريات والإغارات الليلية على المواقع الملكية، شرق ذيبين، بهدف الاستطلاع، وإيهام قيادة الملكيين في المنطقة، بوجود قوات أكبر من حقيقتها، وإحداث أكبر خسائر ممكنة في إمدادات الملكيين، مع زرع الألغام في منطقة صنوان.

(4) هجمات الملكيين الفاشلة على ذيبين[10]  (انظر شكل أعمال قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين (14 ـ 28 فبراير 1963))

قامت قيادة الملكيين بحشد قواتها، في المنطقة شرق وجنوب شرق ذيبين (والتي كان قوامَها الرئيسي مقاتلو قبيلة أرحب)، خلال الأسبوع الثاني من فبراير (رمضان 1383هـ). وبعد تمهيد نيراني مركز بالهاونات، طوال يوم 14 فبراير، قام الملكيون، خلال الليل بالهجوم على مَواقع الكتيبة، من اتجاه الجنوب الشرقي، بهدف الوصول إلى مضيق "سويدان"، وقطْع الطريق من الخلف على تلك الكتيبة. إلا أن ذلك الهجوم الليلي باء بالفشل، لشدة نيران القوات المصرية المدافعة، وإضاءة ميدان المعركة.

وعندما تأكد قائد الكتيبة أن اتجاه المجهود الرئيسي لهجوم الملكيين هو من الشرق، على الجانب الأيمن للدفاعات، عدل أوضاع قواته، خلال الليل، لمواجَهة ذلك التهديد، مما أدى إلى فشل الهجوم الرئيسي الثاني على مَواقع تلك الكتيبة، طوال يوم 15 فبراير.

وفي اليوم التالي، عاود الملكيون الهجوم، بتركيز شديد، وبقوة تصل إلى ألف مقاتل، من الاتجاه نفسه. إلا أنهم رُدوا على أعقابهم، بعد تكبدهم خسائر جسيمة، زادت على مائة قتيل، نتيجة لنيران القوات المدافعة، والقوة الجوية، التي كانت تعاونها.

وعندما كرر الملكيون هجومهم، ليلة 16/17 فبراير، لتجنّب القصف الجوي، نجحوا في احتلال إحدى الهيئات الحاكمة (تبة الحندر). إلا أن قوات الكتيبة 77 مظلات، نجحت في استرداد تلك الهيئة في نهاية يوم 17 فبراير، بعد هجوم مضادّ ناجح، مُهِّد له جيداً بنيران المدفعية والقصف الجوي. ومع تكرار هجوم الملكيين على تلك التبة، خلال اليوم التالي، فإنهم نجحوا في احتلالها، مرة أخرى. فشنت قوات كتيبة المظلات هجوماً مضاداً جديداً، استعادت به التبة، وقامت بتلغيمها، لمنع الملكيين من احتلالها.

عندما كرر الملكيون هجومهم، يوم 20 فبراير على تبة الحندر، فوجئوا بحقول الألغام، التي تورطوا فيها، وجعلتهم هدفاً سهلاً لنيران القوات المدافعة، التي قضت تماماً على ذلك الهجوم.

وعندما حاولت القوات الملكية الهجوم على الجناح الأيسر لدفاعات ذيبين، من اتجاه الشمال الغربي، في 27 فبراير، فإنها تعرضت لنيران كثيفة من الأمام والأجناب، جعلتها ترتد على أعقابها، بعد تكبدها خسائر كبيرة.

    ‌ج.   عمليات منطقة الجوف[11]

(1) التجمع في الحميدات انظر خريطة المسرح اليمني) و(شكل أعمال قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم (محور الجوف) (1 ـ 27 فبراير 1963))

في الوقت الذي كانت تجري فيه العمليات السابقة، لفتح الطرق، والقضاء على تهديد القبائل الملكية، في المنطقتين المركزية والوسطى، قام المصريون بأعمق عملياتهم، خلال هذه المرحلة، للسيطرة على منطقة الجوف والمنطقة الشرقية، اللتين كانتا تمثلان المنطقتين الرئيسيتيين لتجمّع الملكيين وإمداداتهم وتسريبها داخل اليمن. الأولى، من السعودية، باستخدام الطريقين الرئيسيين في منطقة الجوف (الطريق الخارجي، من نجران شمالاً، إلى مأرب وحريب جنوباً، مروراً بمائة عين وهضبة وعرق داعر ولبنى سفلى. والطريق الداخلي، من "لبنى سفلى" إلى الخراب والحرف، مروراً بالحزم والمطمة والحميدات). والمنطقة الثانية، من بيحان إلى مأرب وحريب، ومنها إلى الجوبة وصرواح ورأس العرقوب وجيحانة، حتى صنعاء. ولهذا، كان اهتمام المصريين بمدّ السيطرة الجمهورية إلى هاتين المنطقتين، لتضييق الخناق على الملكيين، وحرمانهم من خطوط إمداداتهم، عبْرهما.

وقد بدأ التحضير لعملية الجوف، مبكراً، بدفع الكتيبة 53 مشاة إلى احتلال الحميدات وتأمينها، خلال شهر يناير، لاتخاذها منطقة تجمع للقوات المخصصة للعملية. وقد حاول الملكيون استعادة المنطقة، بشن عدة هجمات مضادّة، إلا أنها باءت بالفشل. ومن ثمَّ، دفعت قيادة القوات العربية باقي القوات المخصصة للعملية إلى التجمع في الحميدات، في نهاية شهر يناير. وبذلك، اكتملت مجموعة القتال المخصصة للعملية، وتشكلت من القوات التالية:

                    (‌أ)     قيادة المنطقة.

                   (‌ب)    الكتيبة 70 مشاة (التي تحركت من صعدة).

                   (‌ج)    الكتيبة 11 مشاة (التي تحركت من صنعاء).

                    (‌د)    الكتيبة 53 مشاة (التي تحتل الحميدات).

      (هـ) وحدات الدعم، من المدفعية والمدرعات وعناصر المعاونة الأخرى.

(2) التقدم إلى الحزم (انظر شكل أعمال قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم (محور الجوف) (1 ـ 27 فبراير 1963))

بدأت عملية الجوف، في أوائل فبراير، بمحاولة فاشلة لاقتحام مضيق الفجرة (جنوب الحميدات)، ليلاً، بوساطة الكتيبتين 11 و 70 مشاة. ارتدت على آثارها قوات الكتيبتين إلى الحميدات، لإعادة تنظيم قواتهما والتحضير لهجوم جديد.

وبعد الاستطلاع الدقيق لأوضاع الملكيين، والتمهيد النيراني بوساطة القاذفات التكتيكية والمدفعية، بدأت عملية اقتحام المضيق، مرة أخرى، ليلة 8 ـ 9 فبراير، بدفع وحدات فرعية من المشاة إلى احتلال أجناب المضيق والهيئات المتحكمة فيه. وبنجاح تلك الوحدات في مهمتها، تم دفع مجموعة قتال من المشاة الآلية، والدبابات، وعناصر استطلاع، مُدعمة بالمدفعية والهاونات والمهندسين، شرقاً، إلى المطمة. وقد تمكنت تلك القوة في نهاية يوم 11 فبراير، من الوصول إلى البلدة وتأمينها، من دون قتال حقيقي.

وعند متابعة تأمين المنطقة، جنوب المطمة، جُوبهت مجموعة الاستطلاع المصرية بنيران الملكيين، في منطقة الأحراج، جنوب البلدة. مما استدعى دفْع بعض عناصر المشاة، المدعمة بقاذفات اللهب، إلى إشعال النيران في تلك الأحراج، وتطهيرها.

وعلى أثر تأمين المنطقة، دُفِع باقي قوات العملية، من مضيق "الفجرة" إلى المطمة وما حولها. كما دُفعت قوة خفيفة الحركة إلى "الحزم"، فدخلتها، في 13 فبراير، من دون قتال. ثم لحقت بها باقي قوات العملية. وبدأت القوات تستعد لتحركها التالي، عبْر الصحراء، من "الحزم" إلى "مأرب"، بعد أن أعلنت معظم قبائل الجوف ولاءها للجمهورية. وتعهد شيخ "دهم" بمنع إمدادات الملكيين وتحركاتهم، عبْر منطقة قبيلته.

(3) التقدم إلى مأرب وفك الحصار عن صرواح  (انظر خريطة المسرح اليمني)، (وشكل أعمال قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم (محور الجوف) (1 ـ 27 فبراير 1963))، و(شكل أعمال قتال قوات الجمهوريين القادمة من الجوف للسيطرة على مأرب وصرواح (فبراير ـ مارس 1963)).

بانتهاء المرحلة السابقة بنجاح، بدأت المرحلة التالية من عملية الجوف، في 26 فبراير، بتحرك مجموعة القتال، المشكلة من الكتيبتين 11 و70 مشاة (عدا سريتين)، وعناصر دعمهما، إلى مأرب. وعندما وصلت مجموعة المقدمة إلى مشارف أرض الهبوط، شمال البلدة، جُبِهَت بالنيران من المرتفعات الغربية والجنوبية الغربية، التي كان يحتلها الملكيون.

وبعد تمهيد نيراني، من المدفعية والدبابات، ضد مَواقع الملكيين في تلك المرتفعات، اقتحمت مجموعات القتال من الكتيبتين 11 و 70 مشاة، تحت ستر نيران الدبابات والمدفعية، تلك المَواقع، وقضت على المقاومة الملكية في هذه المنطقة. وبوصول القوات المصرية إلى مأرب وتأمينها، في أول مارس، سارعت قبائل عبيدة إلى إعلان ولائها للجمهورية.

وفي الرابع من مارس، دخلت القوات المصرية الجوبة، كما دخلت القوات الجمهورية حريب، بعد ذلك بأربعة أيام. وبذلك، تحقق الاتصال للنطاق الخارجي للجمهورية، الذي كان يمر بصعدة، برط، الحميدات، المطمة، الحزم، تقاطع طرق: مأرب، الجوبة وحريب.

وبعد إحكام السيطرة على مأرب، أعلنت قبيلة جهم ولاءها للجمهورية، في 9 مارس. كما دُفعت مجموعة قتال، إلى فتْح طريق مأرب ـ صرواح. في الوقت الذي دَفعت فيه المجموعة 13 صاعقة، من الأخيرة، مجموعة أخرى إلى الاتصال بالقوة المتقدمة من مأرب. وباتصال القوّتين، في 10 مارس، فُكَّ الحصار البري، الذي فُرض على صرواح، منذ الرابع والعشرين من أكتوبر 1962. كما أحكمت السيطرة على المحور الشرقي، وطرق الإمداد إلى قبائل خولان، التي بدأت تتفاوض من أجل إيقاف القتال. وفي 12 مارس، توقف القتال، فعلاً، بين الملكيين والجمهوريين، في ذلك المحور، وإن لم يعلن بعض قبائل خولان ولاءها للجمهورية.

    ‌د.    عمليات المنطقة الشمالية[12] (انظر شكل عمليات الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي (فبراير ـ مارس 1963))

حاول الملكيون، خلال شهر فبراير، استغلال سحب القيادة المصرية بعض قواتها من منطقة صعدة ( لتأمين محور الإمداد من الحرف حتى صعدة)، من أجل تحقيق بعض المكاسب، وتحسين أوضاعهم في المنطقة الشمالية. فهاجموا نشور، في 9 فبراير، واحتلوا الهيئات المحيطة بها. وفي 21 فبراير، احتل بعض القبائل الملكية مَواقعها على جبال برط، وهددت منها القوات الجمهورية في المنطقة. وفي الشمال الشرقي، بدأت قوات الملكيين في التجمع في "زعافة"، تمهيداً للهجوم على مجز.

وإزاء ذلك النشاط، اعتمدت قيادة القوات الجمهورية في المنطقة، في البداية، على أعمال القصف الجوي المركّز لتجمعات القبائل والقوات الملكية، في المناطق التي سبقت الإشارة إليها، فضلاً عن الإغارات البرية الناجحة على المَواقع، التي نجح الملكيون في احتلالها، مما أوقع في صفوفهم خسائر جسيمة.

وبانتهاء عمليات الجوف، بدأت قيادة القوات العربية في المسرح، توجِّه جهودها الرئيسية إلى المنطقة الشمالية، لاستكمال سيطرة النظام الجمهوري عليها. ومن ثمَّ، دعمت قوات المنطقة بالكتيبة السادسة المشاة، وبعض وحدات المدفعية، بعد فتْحها طريق صنعاء ـ رايدة، على نحو ما سبق ذكره.

وخلال شهر مارس، قامت القوات المصرية في المنطقة الشمالية، بعمليتين هجوميتين. الأولى، لاستعادة السيطرة على نشور، شمال شرق صعدة. والثانية، لتأمين مجز، شمال غرب الأخيرة. وبدأت العملية الأولى، ليلة 8 ـ 9 مارس، بتمهيد نيراني كثيف، من المدفعية والطيران، أعقبه هجوم ليلي بوساطة مجموعة قتال من قوات المنطقة الشمالية (ما يقرب من كتيبتَي مشاة وعناصر دعمهما)، على مَواقع الملكيين، في المرتفعات المحيطة بنشور. وفي نهاية 10 مارس، كانت القوات المصرية قد استعادت البلدة، وسيطرت على جميع الهيئات المحيطة بها.

أما العملية الثانية، فقد بدأت، في 15 مارس، بعد تمهيد نيراني، من المدفعية والطيران، أعقبه هجوم نهاري بوساطة مجموعة قتال (ما يقرب من كتيبتَي مشاة وعناصر دعمهما)، على سلسلة الهيئات الجنوبية من الجبل الأسود، شمال مجز، التي كانت تحتلها القوات الملكية. وبعد قتال استمر 5 أيام، نجحت القوة المهاجمة في تطهير تلك الهيئات، والسيطرة عليها، والضغط على قوات الملكيين، التي انسحبت شمالاً.

وفي الشرق، احتل بعض وحدات المنطقة الشمالية وادي عظلة، في 14 مارس، بعد تخلّي القبائل الملكية عنه، نتيجة للقصف الجوي المركّز، خلال الأيام السابقة.

وفي نهاية هذه المرحلة، كانت القوات الجمهورية، والمصرية التي تدعمها، قد سيطرت على معظَم النصف الشمالي من اليمن، ومدت سيطرة النظام الجمهوري على تلك المناطق. ولم يبقَ خارج السيطرة إلا المناطق الجبلية، المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية، في أقصى الشمال والشمال الشرقي للبلاد، وبعض الجيوب الجبلية، في المنطقتين، المركزية والوسطى.

3.    دور القوات الجوية، خلال مرحلة الهجوم العام[13]

    ‌أ.    أعمال قتال القوات الجوية، خلال شهر يناير

في الوقت الذي ساد فيه الهدوء النسبيّ مسرح العمليات، خلال شهر يناير، استمرت أعمال القوات الجوية، طوال الشهر، إذ كان على هذه القوات، في تلك الفترة، القيام بالمهام التالية:

(1)     الاستمرار في أعمال الاستطلاع المسلح، لطرق إمدادات الملكيين، وتدمير أي تحركات على هذه الطرق.

(2)     معاونة أعمال القوات المصرية والجمهورية، أثناء تحسين أوضاعها الدفاعية، وتطهير جيوب المقاومة من القوات الملكية، في مناطق مسؤولياتها.

(3)     القصف الجوي لمعاقل الملكيين ومناطق تجمّعهم، وردْع أعمالهم العدائية ضد القوات المصرية  واليمنية الجمهورية.

(4)     استمرار القيام بأعمال الإمداد الجوي للمسرح اليمني، بوساطة الجسر الجوي، فضلاً عن الإمداد الجوي داخل المسرح للقوات المعزولة، أو التي يصعب إمدادها براً.

وعلى ذلك، نشطت أعمال الاستطلاع الجوي المكثَّف، خلال ذلك الشهر، لاستطلاع وتدمير وسائل نقل الإمدادات للملكيين، عبْر الحدود الشمالية والشرقية، حيث نفذ ما يزيد على 34 طلعة طائرة لهذا الغرض، كان أغلبها خلال النصف الأول من الشهر، في منطقة الجوف، والمنطقتين الشرقية والشمالية.

وفي ضوء نتائج الاستطلاع الجوي، استغلت قيادة القوات العربية في المسرح وصول سرب القاذفات التكتيكية من نوع "أليوشن 28"، وتمركزه في مطار الروضة، لشن عدة هجمات جوية على قواعد الملكيين ومناطق حشدهم، سواء في نجران، داخل الأراضي السعودية، أو في مائة عين وكتاف ووداي أملح، في شمالي اليمن، وقرى خب ووادي الجوف في شماله الشرقي، فضلاً عن المنطقة الشرقية شمال شرق مأرب. وقد نُفِّذ من أعمال القتال السابقة ما يزيد على 60 طلعة طائرة.

كما تعددت الهجمات الجوية، طوال يناير، على مَواقع القبائل الملكية، سواء لردْع أعمالها القتالية، التي أخذت شكل التراشق بالنيران وكمائن الطرق وتلغيمها، أو لمعاونة القوات المصرية والجمهورية، أثناء تحسين مَواقعها، وتطهير جيوب المقاومة الملكية القريبة منها. ولتنفيذ هذه المهمة، قامت القوة الجوية في المسرح بما يزيد على 123 طلعة طائرة.

أما بالنسبة إلى أعمال النقل الجوي، فقد استمر تدفق الإمدادات، عبْر الجسر الجوي، طوال الشهر، لقوات المسرح، وإنْ قلّ المعدل اليومي عن المرحلة السابقة. كما أخذ الإمداد الجوي للقوات داخل المسرح اليمني، شكلاً منتظماً، لا يعوقه إلا سوء حالة الجو. وتركَّز ذلك الإمداد في مناطق صعدة وبرط، في الشمال، وصرواح ورأس العرقوب، في الشرق، وحجة في الغرب. وللقيام بهذه المهمة، نفذت القوة الجوية في المسرح، ولواء النقل الإستراتيجي، ما يزيد على 120 طلعة نقْل وإمداد جوي.

    ‌ب.   أعمال القوات الجوية، خلال شهرَي فبراير ومارس[14]

مع تزايد الأعمال القتالية، خلال شهرَي فبراير ومارس 1963، تزايدت الحاجة إلى جهود القوات الجوية، سواء للحدّ من تدفّق الإمدادات إلى القبائل الملكية وقواتها، وردْع تلك القبائل، أو لتأمين أعمال قتال القوات المصرية والجمهورية ومعاونتها، فضلاً عن تزايد الحاجة إلى الإمداد الجوي، في محاور الهجوم المختلفة. وعلى الرغم من أن سوء الأحوال الجوية، خلال العديد من أيام هذين الشهرين، لم يسمح باستخدام الطاقة الكاملة للقوة الجوية في المسرح، تلك القوة كثفت جهودها بعد تحسُّن الأحوال الجوية، لتأمين مطالب العمليات في المسرح.

وقد رُكزت جهود القوة الجوية، في اليمن، خلال هذين الشهرين، في قصف تجمعات الملكيين، وتأمين العمليات التعرضية للقوات المصرية والجمهورية ومعاونتها، في منطقة الجوف، والمنطقتين الوسطى والشمالية، فضلاً عن معاونة أعمال قتال الوحدات المصرية والقبائل الجمهورية، على عمليات فتْح الطرق، التي قطعتها القبائل الملكية، وتطهير المنطقة الجبلية، شمال غرب صنعاء حتى مسور، والقضاء على الجيوب الملكية حول حجة. وبجزء من مجهودها، استمرت القوة الجوية في أعمال الاستطلاع المسلح، والإمداد الجوي، للقوات في المسرح.

ولتأمين القوات القائمة بعملية الجوف ومعاونتها، قام بعض الطائرات العمودية (الهليوكوبتر)، قبْل العملية، بتأمين استطلاع القادة المشتركين في العلمية. ومع بداية التحرك، قام سرب "الياك11" بالاستطلاع المسلح، أمام وعلى أجناب طريق تقدُّم القوات المخصصة للعملية، والقضاء على أي مقاومة تعترض تقدُّمها، مع إسقاط المنشورات، التي تحذّر من مغبّة الأعمال العدائية ضد هذه القوات. ومع وصول القوات المتقدمة إلى المطمة والحزم، كثفت أعمال الإمداد الجوي، للأولى، بوساطة الطائرات العمودية وللثانية، بوساطة طائرات النقل.

ولمعاونة القوات المصرية، في المنطقة الشمالية، قام سرب القاذفات التكتيكية بقصف التجمعات الملكية، في نشور، شمال صعدة، وساقين، غربها (في أقصى الشمال الغربي)، خلال الأسبوع الأول من فبراير. وإزاء هجوم القبائل الملكية على نشور، في 9 فبراير، واحتلال الهيئات المحيطة، قامت القاذفات التكتيكية بقصف تجمعات الملكيين ومَواقعهم، في المنطقة، خلال الأيام التالية. وفي النصف الثاني من فبراير، تكرر هجوم القاذفات التكتيكية على تجمعات الملكيين، في ساقين، مما أوقع بهم خسائر جسيمة.

وفي المنطقة الوسطى، قامت القاذفات التكتيكية بقصف تجمعات الملكيين، في "شهارة"، خلال الأسبوع الثاني من فبراير، ومعاونة قوات ذيبين، أثناء هجوم القبائل الملكية على مَواقعها خلال النصف الثاني من فبراير، مع قصف تجمعاتهم في بيت مران. وإزاء نجاح تلك القبائل في اختراق بعض المَواقع، التي كانت تحتلها إحدى سرايا الكتيبة 77 مظلات، خلال الأسبوع الثالث من فبراير، قام سرب "الياك 11" بمعاونة الهجوم المضادّ لقوات ذيبين، يومي 17،18 فبراير، لاسترداد المَواقع التي نجحت القبائل في احتلالها. وكان لهذه المعاونة أثر كبير في نجاح الهجوم المضادّ.

كما قامت القوة الجوية، بوساطة سربَي الياك والقاذفات التكتيكية، بمعاونة قوات المنطقة المركزية على فتْح طريق الحديدة ـ صنعاء، خلال الأسبوع الأول من فبراير، وبتمهيد جوي مركز، استمر أسبوعاً، لمعاونة القوات المصرية والجمهورية على تطهير المنطقة الجبلية، شمال غرب صنعاء، حتى مسور، والقضاء على الجيوب الملكية، حول مدينة حجة، مما ساعد على نجاح هذه العملية وفتح طريق عمران ـ حجة، الذي قطعته القبائل الملكية، خلال ذلك الشهر.

ومع بداية شهر مارس، ركزت الجهود الرئيسية للقوة الجوية في المسرح، في المنطقة الشمالية. وبجزء من مجهودها، استمرت تلك القوة في أعمال قتالها في المنطقتين، الوسطى والغربية، حيث رُكزت الجهود الرئيسية لسرب الياك، خلال الأسبوع الأول من مارس، في معاونة القوات الجمهورية على تحسين أوضاعها، وتطهير الجيوب المعادية، في منطقتَي كحلان ورايدة. بينما ركزت جهود القاذفات التكتيكية، في المنطقتين، الشمالية والغربية، ضد تجمعات القبائل الملكية، لردْع أعمال قتال تلك القبائل ضد القوات الجمهورية، في برط وحرض والقفلة ونشور وعبس. وخلال الأسبوع الثاني من مارس، استمر القصف الجوي في وادي عظلة وشهارة، في المنطقة الشمالية، والسودة في المنطقة الوسطى، والضبعات في المنطقة المركزية.

وعلى صعيد النقل والإمداد الجوي، استمر تدفقها عبْر الجسر الجوي، بين صنعاء والقاهرة. كما استمرت أعمال النقل والإمداد الجوي داخل المسرح اليمني، لإمداد القوات، في المناطق المنعزلة، أو التي يصعب إمدادها، براً. وقد زاد مجهود الجسر، خلال شهرَي فبراير ومارس، على 300 طلعة.

    ‌ج.   المجهود الجوي، المنفَّذ خلال مرحلة الهجوم العام

للقيام بالمهام السابقة، نفذت القوات الجوية المصرية ما يقرب من 950 طلعة طائرة، في المسرح اليمني، موزعة على مهام تلك القوات بالنسب المئوية التالية:

11% لمهام الاستطلاع الجوي المسلح.

21% لمهام المعاونة بالنيران للقوات البرية المصرية والجمهورية.

22% لقصف تجمعات الملكيين ومواقعهم ومعسكراتهم وتكدساتهم (داخل اليمن وخارجه).

35% للنقل والإمداد الجوي، داخل المسرح اليمني.

11% للنقل الجوي بين مصر واليمن (الجسر الجوي).

وقد بلغت الأوزان التي تم نقلها، جواً، خلال هذه المرحلة، 2625 طناً، منها 1500 طن بوساطة طائرات الجسر الجوي، و1125 طناً، بوساطة طائرات النقل والطائرات العمودية، داخل المسرح اليمني.



[1]   المصادر المصرية الرسمية.

[2]   المصادر المصرية الرسمية.

[3]   المصار المصرية الرسمية.

[4]    قبائل خولان وأرحب ونهم وهمدان وعيال سريح وعيال يزيد والحيمة الخارجة والداخلة، وسنحان وبني مطر وبني بهلول ـ المصادر المصرية الرسمية.

[5]   المصادر الرسمية.

[6]   تسيطر قلعة صنوان على الطريق القادم من الشرق عبر الجوف والذي يمر في مضيق ذيبين.

[7]   المصادر المصرية الرسمية.

[8]   يعد عيال سريح من يهود اليمن القلائل الذين لم يهاجروا إلى إسرائيل أثناء وبعد حرب فلسطين عام 1948.

[9]   المصادر المصرية الرسمية.

[10]   المصادر المصرية الرسمية.

[11]   المصادر المصرية الرسمية.

[12]   المصادر المصرية الرسمية.

[13]   المصادر المصرية الرسمية.

[14]   المصادر المصرية الرسمية.