إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / اليمن... الثورة والحرب (1962 ـ 1970)، حرب اليمن من وجهة النظر المصرية





ميناء الحديدة
ميناء صليف
إجراءات تأمين قاعدة الحديدة
أعمال المقاومة الملكية
أعمال قتال الجانبين على المحور الشرقي
أعمال قتال الجانبين في المنطقة الشمالية
أعمال قتال الجانبين، يوليه 1967
أعمال قتال الجانبين، يونيه 1967
التوزيع الجغرافي للقبائل
السيطرة على المحور الساحلي
العملية نسر
العملية اكتساح
العملية صقر
العملية قادر
القوات المصرية والجمهورية، يوليه 1967
القوات المصرية والجمهورية، يونيه 1967
القوات المصرية، نهاية أبريل 1966
القوات الجمهورية، مايو 1967
توزيع قوات الجمهوريين بمنطقة الجوف
تطهير صحن العقبة
تضاريس اليمن
عمليات الجانبين للسيطرة على المحور
عملية جبل اللوز
فتح وتطهير طريق السر
فتح طريق المطمة ـ الحميدات
قتال المنطقة الشمالية
قتال الجمهوريين لتأمين منطقة أرحب
قتال الجانبين للسيطرة على منطقة السوده
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الأوسط
قتال الجانبين للسيطرة على المحور الشمالي
قتال الجانبين للسيطرة على طريق الحديدة
قتال الجانبين للسيطرة على ذيبين
قتال الجانبين بمنطقة الجوف
قتال الجانبين بالمنطقة الشمالية
قتال الجانبين بالمنطقة الشرقية
قتال الجانبين على المحور الأوسط
قتال الجانبين على المحور الشرقي
قتال الجانبين على المحور الشرقي 1962
قتال الجانبين في المنطقة المركزية
قتال الجانبين في المنطقة الغربية
قتال الجانبين في جبلي حرم ورازح
قتال الجانبين في قطاع جبل رازح
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على مأرب
قتال قوات الجمهوريين للسيطرة على الحزم

منطقة العمليات البحرية
مسرح الحرب اليمنية
المسرح اليمني
الجمهورية العربية اليمنية
القصف الجوي 1963
القصف الجوي 1964
القصف الجوي 1965
القصف الجوي يناير ـ مايو 1967
القصف الجوي يونيه ـ ديسمبر 1967
طرق التسلل



الفصل السادس

أولاً: التطورات السياسية للصراع ( يناير 1966 ـ مايو1967)

أوضح الفصل السابق جدية القيادتين، المصرية والسعودية، في سعيهما نحو التسوية السياسية للصراع اليمني. كما أظهر الخلاف والتعقيد، اللذين كانا يكتنفان مواقف الطرفين الأصليين في الصراع، الجمهوريين والملكيين، اللذين حَكَما على جهود التسوية السياسية بالإخفاق. ومع توقف مؤتمر حرض، بدأت ملامح مرحلة جديدة، تميزت بالاستقطاب الحادّ، محلياً وإقليمياً. مما كان له أثر كبير في تطور الصراع، وفشل جهود التسوية السياسية، خلال عام 1966، وحتى ربيع عام 1967.  إلا أنه يمكِن القول إن أبرز العوامل، التي ألقت بظلالها على الصراع اليمني، وأدت الدور الرئيسي في تفاعلاته، خلال هذه المرحلة، هي:

1.    الدعوة السعودية إلى مؤتمر القمة الإسلامية.

2.    القرار البريطاني بالانسحاب من قاعدة عدن، قبْل عام 1968.

3.    تطور مواقف الطرفين الأصليين في الصراع، الجمهوريين والملكيين.

4.    الإستراتيجية المصرية لمواجَهة المتغيرات في أبعاد الصراع.

1.    الدعوة السعودية إلى مؤتمر القمة الإسلامية

في ذروة الأزمة، التي تعرّض لها مؤتمر حرض، خلال الأسبوع الأول من ديسمبر 1965، بدأ الملك فيصل سلسلة من الزيارات إلى بعض الدول الإسلامية. بدأها بإيران وشملت كلاً من الأردن وتركيا والسودان وباكستان والمغرب وتونس وغينيا ومالي، داعياً إلى التضامن الإسلامي، وعقْد مؤتمر قمة إسلامية لملوك هذه الدول ورؤسائها.

وقد أوضح الملك فيصل أبعاد دعوته في سلسلة من الخُطب والتصريحات، التي أدلى بها، في تلك الفترة، والتي يمكِن إيجازها فيما يلي:

    ‌أ.    إن دعوته هذه، ليسـت وليدة الساعة. فقد بدأت بمبادرة من الرئيس الصومالي، آدم عبدالله عثمان، ثم أيدها المؤتمر الإسلامي، الذي عُقد في مكة، خلال موسم الحج المنصرم.

    ‌ب.   إن هذه الدعوة، ليست حلفاً، فالروابط الإسلامية أقوى من ذلك. وهناك تعاون مسيحي، فلماذا لا تُفسر دعوته على هذا النحو؟  كما أن الباب مفتوح أمام كل مَن يريد أن يشارك فيها، "لينظر فيما إذا كانت هذه الدعوة منبعثة من دوافع استعمارية أو خلافها"[1].

    ‌ج.   إن دعوته لا تتناقض مع قضايا النضال العربي. فهي تستند إلى قرارات مؤتمر القمة العربية، في الرباط (عام 1965)، الذي دعا إلى الاتصال بالمسلمين، لشرح القضية العربية لهم. فضلاً عن أنها ستؤدي إلى وقوف ستمائة مليون مسلم إلى جانب العرب.

    ‌د.    إن هذه الدعوة، ليست موجَّهة ضد أحد، وخاصة الرئيس جمال عبدالناصر، الذي يُعد من كبار زعماء المسلمين. ومن ثَم، فلا يمكِن دعوة من أجل التضامن الإسلامي، أن تكون موجَّهة ضده، وإذا كان يراها كذلك، فهو على خطأ.

وعلى الجانب الآخر، كانت رؤية القيادة السياسية المصرية، إلى تحركات الملك فيصل ودعوته مغايرة. إذ عَدَّها الرئيس المصري حلقة في سلسلة المحاولات الغربية الاستعمارية، لإنشاء أحلاف تابعة لها في المنطقة، ابتداءً من منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، فحلف بغداد، ثم محاولة الرئيس الأمريكي أيزنهاور والملك سعود، التي كانت تستهدف ما يسعى إليه الملك فيصل.

كما رأى الرئيس المصري، أن الغطاء الإسلامي للمؤتمر المراد عقده، لا يخدع أحداً، خاصة أن أقوى أنصار الدعوة السعودية هم أعداء للإسلام، أو على الأقل، لم تُعرف عنهم غَيرة خاصة عليه.  وأوضح الرئيس جمال عبدالناصر، أن فكرة المؤتمر الإسلامي، التي أشار إليها الملك فيصل، قد توقفت، منذ أن اتّضح ارتباط بعض الدول الإسلامية بالاستعمار، في حلف بغداد. كما ردّ على تشبيه الملك فيصل دعوته بالتعاون المسيحي، بأن هذا التعاون هو تعاون ديني محض، تنظّمه المؤسسات الدينية. أما أن يبادر إلى هذا الأمر رؤساء الدول، فإنه يتحوّل إلى مسألة سياسية.

وقد تزايدت شكوك الرئيس جمال عبدالناصر في دعوة الملك فيصل، لاقترانها بصفقة سلاح سعودية مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الشهر عينه، الذي بدأ فيه الملك تحرُّكه من أجل تلك الدعوة (ديسمبر 1965). فضلاً عن اقتران تلك الصفقة بتقديم طيارين بريطانيين، لقيادة طائرات الصفقة الجديدة، ريثما يتدرب عليها الطيارون السعوديون[2].

وقد دافع الملك فيصل عن عقْد تلك الصفقة، في ذلك الوقت، بأنه طلب هذه الأسلحة، منذ سنتين. غير أن الرئيس المصري، وجد في دفاع الملك تأكيداً لشكوكه، لأن استجابة الغرب لطلب الملك، المقدَّم منذ سنتين، لم تتم إلا مع بدء تحرُّكه ودعوته إلى القمة الإسلامية. وهو أمر لا يمكِن أن يكون بلا دلالة، في نظر الرئيس جمال عبدالناصر.

وعلى ذلك، رأى الرئيس المصري في دعوة المؤتمر الإسلامي الجديدة، "مجرد دعوة استعمارية رجعية. قُصد بها تطويق حركة القومية العربية، المناهضة للاستعمار ومناطق النفوذ، والرامية إلى تحقيق الوحدة العربية". وأن مثل هذه الدعوة، لا يمكِن أن تكون مواتية للنضال العربي، بينما يشارك فيها، بدور رئيسي، شاه إيران؛ بكل علاقاته القوية بإسرائيل.

وفي ظل رؤيته إلى دعوة الملك فيصل، شنَّ الرئيس جمال عبدالناصر حملة إعلامية كبيرة، لإحباط تلك الدعوة،  شارك فيها، شخصياً، بجهد كبير، مما أعاد إلى الأذهان حملته القوية ضد حلف بغداد، في منتصف الخمسينيات. كما أعلن الرئيس المصري، أن بلاده تعيد تقييم سياستها العربية، لكي ينتهي، في يوليه 1966، إلى إعلان نهاية سياسة مؤتمرات القمة، باتخاذه قرار عدم حضور المؤتمر، المزمع عقده في شهر سبتمبر من العام نفسه، وطلبه تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى.

وقد أدت الحملة الإعلامية المصرية القوية، التي حرص الرئيس جمال عبدالناصر، أن تصل إلى كل مكان في العالم العربي، إلى إخفاق دعوة المؤتمر الإسلامي. إلا أن تلك الدعوة وهذه الحملة الإعلامية المصرية، التي واكبتها، ألقتا بظلالهما السلبية على العلاقات المصرية ـ السعودية، التي كانت قد تحسنت بعد مؤتمر جدة. كما دفعتا النظام المصري إلى تغيير سياسته العربية. وهكذا، عادت العلاقات العربية إلى مرحلة جديدة من مراحل الاستقطاب، الذي ساد تلك العلاقات، في أعقاب الانفصال السوري، مما زاد من تعقيد المشكلة اليمنية، وقلّل من احتمالات تسويتها، سياسياً.

2.    القرار البريطاني بالانسحاب من قاعدة عدن

أعلنت الحكومة البريطانية، في ورقة الدفاع، التي أصدرتها في 22 فبراير 1966، أنها لا تنوي الاحتفاظ بقاعدة عدن، في أعقاب استقلالها المقرر عام 1968. ومثّل ذلك القرار تغيّراً مفاجئاً في السياسة الدفاعية البريطانية في المنطقة. فقد سبق أن رأينا، في هذه الدراسة، الأهمية القصوى لقاعدة عدن، في السياسة الدفاعية البريطانية، عام 1962. وفي السنوات التالية، لم يطرأ أي تغيّر على ذلك الوضع. وهو ما ظهر في قرارات مؤتمر لندن، الذي عُقد في يونيه ـ يوليه 1964، لبحث مستقبل اتحاد الجنوب العربي، إذ حدَّد ذلك المؤتمر عام 1968 تاريخاً للاستقلال، مع استمرار النية في الحفاظ على قاعدة عدن، بعد ذلك التاريخ. وقد عكست ورقة الدفاع البريطانية، التي صدرت عام 1964، هذه السياسة، التي أكدها وزير خارجية حزب العمال، على أثر فوز الحزب في انتخابات أكتوبر من العام نفسه.

ويُرجع بعض المصادر القرار البريطاني المفاجئ، تجاه قاعدة عدن، إلى سببين: الأول، تصاعد المقاومة المسلحة، التي كانت تموّلها وتدرّبها مصر. والثاني، هو النفقات الاقتصادية، اللازمة للحفاظ على القاعدة، في ظل سياسة حكومة العمال، الرامية إلى ترشيد نفقات الدفاع.

وفي اليوم عينه، الذي صدرت فيه ورقة الدفاع البريطانية الأخيرة، ألقى الرئيس جمال عبدالناصر خطاباً، عقَّب فيه على القرار البريطاني في شأن عدن، بأن القوات المصرية، سوف تبقى في اليمن إلى ما بعد عام 1968.  فقد نظر الرئيس المصري إلى القرار البريطاني على أنه مجرد مناورة لاكتساب الوقت، ريثما تتمكّن الحكومة البريطانية من ترتيب الأوضاع الداخلية في الجنوب اليمني ترتيباً، يمكّنها من تسليم السلطة إلى طبقة، تحمي المصالح البريطانية، من دون وجود بريطاني مباشر[3].

وإذ جاء القرار البريطاني، في شأن الجلاء عن عدن، بعد شهرين فقط من صفقة الأسلحة البريطانية ـ الأمريكية للمملكة العربية السعودية، ومواكباً لدعوة الملك فيصل إلى المؤتمر الإسلامي، فلم ينظر الرئيس جمال عبدالناصر إلى عملية ترتيب الأوضاع (بما يضمن المصالح البريطانية)، بعد الجلاء عن عدن على أنها تتعلق بالجنوب اليمني فحسب، بل على أساس أنها عملية إقليمية، تتضمن خطة إمبريالية، رجعية، لتطويق القوى الثورية، تضطلع فيها المملكة العربية السعودية بمهمة حماية نظام الحكم العميل، الذي ستوجده بريطانيا، قبْل انسحابها. وأكد الرئيس المصري رؤيته، في مايو 1966، عند إجابته عن سؤال حول اليمن، بقوله: "إن السؤال، الآن، ليس هو اليمن، وإنما مستقبل الجزيرة العربية كلها. إن السعودية، بمعونة الدول الاستعمارية، تريد أن تُخضِع الجزيرة العربية لنظام إقطاعي". وفي حديثه إلى جريدة "الجارديان" البريطانية، خلال شهر يوليه، أكد الرئيس جمال عبدالناصر المعنى نفسه.

وعلى ذلك، أعلن الرئيس المصري، في ظل قناعته السابقة بالمخطط "الإمبريالي الرجعي"، أن أي جهود لتأمين الثورة اليمنية، سوف تصبح بلا معنى، لو انسحبت القوات المصرية، قبْل إحباط ذلك المخطط. وأن تأمين النظام المصري من التطويق، في ظِل الظروف، الدولية والإقليمية، المحيطة، يستلزم وجود القوات المصرية في بؤرة المخطط المعادي، حتى يمكِن إحباطه. وهكذا، بات الوجود العسكري المصري في اليمن، ليس لتأمين الثورة اليمنية فحسب، بل لتأمين النظام المصري، كذلك، من التطويق، طبقاً لتقدير الرئيس جمال عبدالناصر[4].

3.    تطور مواقف الطرفين الأصليين في الصراع، الجمهوريين والملكيين

    ‌أ.    تطور موقف الجمهوريين

 بدأ عام 1966 بصيغة الوحدة، التي توصل إليها المعسكر الجمهوري الحاكم، في أعقاب اتفاقية جدة. إلا أن الخلاف سرعان ما دبَّ بين المتشددين والمعتدلين، بعد القرار المصري بالبقاء في اليمن، إلى ما بعد عام 1968، خاصة أن اختلاف رؤية الجانبين إلى الوجود العسكري المصري، كان أحد جذور الخلاف بينهما، منذ البداية[5].

أما القوة الثالثة، فقد تلقت تأييداً واضحاً من المملكة العربية السعودية، في هذه المرحلة. وحاول إبراهيم الوزير، رئيس اتحاد القوى الشعبية، أن يجمَع كافة روافد هذه القوة تحت لواء تنظيم واحد، أو على الأقل، يقنعها بالتعاون معه. غير أن جهوده باءت بالفشل، لوجود انقسامات داخل القوة الثالثة نفسها، من ناحية، وعدم قدرة ابن الوزير على اكتساب ثقة روافد تلك القوة، من ناحية أخرى.

ولمواجَهة هذه الخلافات، جرت مشاورات مع أطراف المعسكر الجمهوري، في بداية مارس 1966، حول الدعوة إلى مؤتمر عام، يحضره كل اليمنيين، من جميع المناطق، ينبثق منه تنظيم شعبي جديد، يؤدي، بدوره، إلى تشكيل مجلس شورى، على غرار مجلس الأمة المصري. وتوالت الأنباء عن الإعداد لعقْد هذا المؤتمر، طوال شهر مارس والنصف الأول من أبريل. إلا أنه لم ينعقد، إلا في آخر يوليه من العام نفسه، بعد زيارة قام بها كل أعضاء المجلس الجمهوري إلى مصر، من أجل التشاور، استمرت أكثر من شهر (11مايو ـ 25 يوليه). وتم في هذا المؤتمر الاتفاق على تكوين مجلس للشورى، يجري انتخابه بعد شهر. بيد أن تلاحق الأحداث، في شهر أغسطس، لم يسمح بذلك.

فقد نجح المعتدلون، أثناء غيبة الرئيس السلال، في مصر[6]، في استمالة نائبه حسن العمري إلى صفوفهم. ويبدو أن المجموعة الحاكمة، بدأت في الاتصال، مرة أخرى، بالحكومة السعودية والملكيين، في أواخر يوليه، للتوصل إلى تسوية سياسية، بعيداً عن مصر، بعد أن رأت تصاعد الخلاف المصري ـ السعودي، الذي زاد من تعقيد التسوية السياسية، خاصة بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر البقاء في اليمن، إلى ما بعد عام 1968. وطبقاً لما جاء في بعض المصادر الغربية، اقترحت المجموعة الحاكمة، خلال اتصالاتها السابقة مع الملكيين، إقامة مجلس أعلى للدولة، يضم أحمد نعمان وعبدالرحمن الأرياني ومحمد الشامي، وزير خارجية الملكيين، وإنشاء هيئة استشارية (مجلس شورى)، من تسعة وتسعين عضواً تحكُم البلاد لمدة عام، يجرى في نهايته استفتاء عام. وقد استشعر اللواء طلعت حسن علي، قائد القوات العربية الجديد، هذه الاتصالات، ورأى فيها نوعاً من التآمر على الوجود المصري في اليمن، في ظِل التوجهات المصرية الجديدة. ومن ثَم، بادر إلى طلب عودة الرئيس السلال إلى اليمن، للسيطرة على الأوضاع في صنعاء.

وبعد الاتفاق، بين القيادة السياسية المصرية والرئيس السلال، على عودة الرئيس اليمني إلى صنعاء وعلى الخطوط الرئيسية للمستقبل، عاد الرئيس السلال إلى بلاده في 12 أغسطس. وقد حاول العمري منعه من دخول اليمن، بإرسال بعض الدبابات إلى المطار. ولكنه سرعان ما تراجع، بعد أن هدَّد قائد القوات العربية في اليمن، بتدمير تلك الدبابات، إذا لم تعد إلى مواقعها، خلال ساعتين.

وعقب وصول السلال إلى صنعاء، نشبت أزمة سياسية حادّة، بين الرئيس اليمني، ومن خلْفه المتشددون، الذين يؤيدونه، من ناحية، وبين العمري وجبهة المعتدلين، من ناحية أخرى. وحاول كل من طرفَي الأزمة حشد الجهود الداخلية، لتأييده. إلا أنه في ظِل الانحياز المصري إلى مجموعة السلال، انتهت الأزمة في مصلحة الرئيس اليمني ومؤيديه.

إزاء ذلك، طلبت مجموعة المعتدلين الذهاب إلى القاهرة، لمناقشة الموقف من السلال، ووجود القوات المصرية، وتحميل مصر مسؤوليية ما يحدُث في اليمن من مشاكل. وفي 9 سبتمبر، وصل، إلى القاهرة، العمري والنعمان والإرياني والجائفي، وعدد من الوزراء والضباط اليمنيين، على متن طائرة نقل عسكرية مصرية. وفور وصولهم، ذهبت مجموعة منهم إلى لقاء المشير عبدالحكيم عامر، فلم يجدوا سوى شمس بدران، وزير الحربية الجديد، الذي قابَلهم بطريقة جافّة. وفي مساء 16 سبتمبر، بأوامر من الرئيس جمال عبدالناصر، الذي رفض مقابلة أي منهم، اعتُقل جميع أفراد الوفد اليمني، عدا الإرياني والجائفي، اللذين حُدِّدت إقامتهما[7].

وفي اليوم عينه، الذي اعتُقلت فيه المجموعة المعارضة للرئيس السلال، أعلن الرئيس اليمني قبول استقالة أعضاء المجلس الجمهوري، ووزارة حسن العمري. وفي 18 سبتمبر، أُعلن تشكيل الوزارة الجديدة، برئاسة السلال، بينما تولى عبدالله جزيلان، الذي برز كأقوى شخصية تساند السلال، في هذه المرحلة، منصب النائب الوحيد لرئيس الوزراء، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية. وجاء تشكيل الوزارة الجديدة من العناصر المتشددة، المعروفة بتأييدها لخط الرئيس السلال، في التعاون المطلق مع مصر.

وفور تشكيل الوزارة، أذاع الرئيس السلال بياناً، أشاد فيه بدور مصر في دعم الثورة اليمنية ونظامها الجمهوري. وهاجم فيه "الخونة والمنحرفين"، الذين قادوا حملة تشكيك بين مصر واليمن، وبعد خمسة أيام، أعلن الرئيس اليمني الأساس الأول لسياسته الخارجية، وهو "السير جنباً إلى جنب، مع حامل راية الحرية، وقائد القومية العربية، الرئيس جمال عبدالناصر" وأكد الرئيس اليمني أن مَن يقول: "إننا يمكِننا أن نعتمد على أنفسنا، في مثل هذه الظروف، لهو مغالط، ومخادع، يريد أن يقضي على ثورتنا المجيدة".

وانبرى الرئيس السلال، خلال الأشهر التالية، لأوسع عمليات التطهير السياسي، وأشدها عنفاً. ففي إطارها، جرت عمليات إعفاء واسعة النطاق، شملت بعض الشخصيات المهمة، من المناصب، السياسية والإدارية. كما أُحيل عشرة ضباط إلى التقاعد، وفُصل ثلاثة وثلاثون آخرون. إضافة إلى فَصْل اثنين وسبعين، من العاملين في الوزارات المختلفة. ولم تقتصر أعمال التطهير على ذلك، بل جرت عمليات اعتقال واسعة. كما حُوكِم عدد من الشخصيات البارزة في النظام الجمهوري، بتهمة التخريب. وقد أفضت هذه الإجراءات إلى استقطاب حادّ، للقوى السياسية، داخل اليمن، بيد أنها أدت، كذلك، إلى استقرار الأوضاع في المعسكر الجمهوري، طوال الأشهر التالية.

    ‌ب.   تطور موقف الملكيين

لم يكُن الجمهوريون، وحدهم، هم الذين عانوا الانقسام. إذ إن قادة الملكيين لم يسلموا، كذلك، من تلك الظاهرة. وكانت لهم أسبابهم الخاصة، في هذا الشأن، كالجمهوريين. وإن كانت ظروف الكفاح المشترك، قد نجحت في توحيدهم، بعض الوقت، إلا أنه مع خلو موقع القيادة من الإمام، سواء لمرضه أو بضغط سعودي، بدا الطريق مفتوحاً أمام قادة الملكيين إلى التنافس في موقع القيادة، وهو ما ساعدت عليه الأموال السعودية، التي خلقت سبباً آخر للتنافس في الاستئثار بأكبر نصيب منها.

ولمواجَهة الانقسام في معسكر الملكيين، وافق الإمام على تكوين مجلس للإمامة، من عشرة أعضاء، برئاسته. كما أعلن موافقته المبدئية على أن تكون الإمامة دستورية. ومع ذلك، ظَل المعسكر الملكي يعاني ضعفه الداخلي. في الوقت الذي تضاءل فيه الولاء القبَلي لقضية الإمامة بصورة ملحوظة. وهو ما يعود، في الدرجة الأولى، إلى السياسة السعودية الجديدة، التي تبلورت منذ اتفاقية جدة.

ففي حين ظَل الملك فيصل على معارضته للوجود المصري في اليمن، فإنه غيّر سياسته تجاه أُسْرة حميدالدين، إذ أصبح غير حريص على تسلّمها السلطة، بعد انتهاء الوجود المصري في اليمن. وقد انعكست هذه السياسة في استمرار اتصال الملك بالقوة اليمنية الثالثة، واستخدام الإغراءات المالية لتوحيد روافدها، وحشْد القبائل اليمنية، المعادية للوجود المصري خلْفها.

وقد أدت السياسة السعودية إلى انعكاسات سلبية على معسكر الملكيين، خاصة في ظِل الخلاف، الذي دَبّ بين أُسْرة حميدالدين والملك فيصل، حول استئناف العمليات العسكرية. وهو ما دعا الملك إلى استخدام الضغط المالي، لدفْع الملكيين في طريق التعاون مع القوة اليمنية الثالثة، وشيوخ القبائل المعادين للوجود المصري، وإن لم يكُن عداؤهم، بالضرورة، للنظام الجمهوري.

وإزاء ضغوط الملك فيصل، وافق الملكيون، صاغرين، على التعاون مع القوة الثالثة. وتوصلوا معها، في نهاية مارس 1967، إلى اتفاق، لا يخرج كثيراً عن ميثاق الطائف، ولكنه لم يكُن ذا أثر في مجرى الأحداث، إذ كانت القوة الثالثة مفككة، من الناحية التنظيمية، وليس لها وزن عسكري يُذكر.

4.    الإستراتيجية المصرية تجاه المتغيرات في أبعاد الصراع اليمني

    ‌أ.    الإستراتيجية المصرية تجاه المتغيرات في البُعد اليمني للصراع

اقتضى القرار المصري البقاء في اليمن، إلى ما بعد عام 1968، من القيادة السياسية المصرية أمرين أساسيين: الأول، إعادة ترتيب الأوضاع، داخل بنية النظام الجمهوري، حتى يتقبل التكيّف الجديد للتدخل المصري. والثاني، هو خفض حجم القوات المصرية في اليمن إلى القدر الذي يمكِن مصر تحمل أعبائه الاقتصادية، على المدى الطويل[8].

ولتحقيق هذين الأمرين، ومواجَهة المتغيرات في البُعد اليمني للصراع، تبنّت القيادة السياسية المصرية إستراتيجية، سياسية عسكرية، تعتمد، في شِقها السياسي، على تشديد القبضة على السياسة اليمنية. بينما يستند شِقها العسكري على ما عُرف باسم إستراتيجية النفَس الطويل.

(1)    تشديد القبضة على السياسة اليمنية

إزاء تطور هدف التدخل العسكري المصري، في هذه المرحلة، الذي تجاوز الحفاظ على النظام الجمهوري، إلى تحقيق أهداف إقليمية للنظام المصري (إعادة ترتيب الأوضاع في شبه الجزيرة العربية، بما يحبط المؤامرة الإمبريالية، الرجعية، على النظام المصري، وحركة القومية العربية التي يقودها)، فقد اصطدم ذلك التطور بمصالح جناح المعتدلين في النظام الجمهوري، الذين أصبحوا مقتنعين بأن استمرار الوجود العسكري المصري، في ظل تصاعد الخلاف بين النظامين، السعودي والمصري، بات يشكل قيداً للتسوية السياسية للصراع. ومن ثَمّ، أصبح المعتدلون معادين لهذا التكيّف الجديد للوجود المصري في اليمن.

ولئن اضطرت القيادة المصرية إلى التدخل لمصلحة المتشددين، الذين يؤيدون توجهات السياسة المصرية بشكل مطلق، عندما بدأ الصراع حول السلطة بين جناحَي النظام الجمهوري، المتشددين والمعتدلين، يتضمن أبعاداً تتعلق بالعداء للوجود العسكري المصري. فإنها أمست أشد اضطراراً إلى حكومة جمهورية قوية، لا يُشك في ولائها لمصر؛ إذ إن التكيف الجديد للوجود المصري في اليمن، سيزيد من نسبة المعادين له.

وقد مرَّ التدخل السياسي المصري، لتحقيق ذلك الهدف، بمرحلتين: الأولى، هي المرحلة التي استمرت من يناير حتى نهاية يوليه 1966. واستخدمت فيها القيادة المصرية أساليب التشاور والإقناع والوساطة، بين الفصائل الجمهورية. والثانية، هي مرحلة التدخل الإكراهي، التي بدأت في أغسطس من العام نفسه، حينما اعتقلت القيادة المصرية أغلب الزعماء المعتدلين، وحدَّدت إقامة البعض الآخر في مصر، في حين انحازت تماماً إلى جناح المتشددين، الذين شكلوا الحكومة الجديدة،  وأطلقت أيديهم في حملة التطهير السياسي. وعلى الرغـــم من أن هذه الإجراءات، أدت إلى تحقيق الهدف منها، إلا أنها تسببت باستقطاب حادّ للقوى السياسية داخل اليمن.

(2)    إستراتيجية النَّفَس الطويل

كانت إستراتيجية النفَس الطويل إستراتيجية عسكرية، تبنّتها القيادة المصرية، لمواجَهة الأوضاع العسكرية في المسرح اليمني، منذ بداية صيف عام 1965. وقد أكدت المتغيرات الإقليمية، التي حدَثت في الأشهر الأولى من عام 1966، ضرورة استمرار هذه الإستراتيجية، وتطويرها، لفرض الهدوء على المسرح اليمني، من ناحية، وتقليل النفقة الاقتصادية للوجود العسكري المصري في ذلك المسرح، من ناحية أخرى.

    ‌ب.   الإستراتيجية المصرية، لمواجَهة متغيرات البُعد السعودي

تبنّت القيادة السياسية المصرية استراتيجية سياسية هجومية، ضد النظام السعودي. تمثّلت في ثلاثة تحركات متتالية، تصاعدت مع تصاعد الخلاف بين النظامين، المصري والسعودي، خلال هذه المرحلة. وهي: الحملة الإعلامية، ضد النظام السعودي. ثم استضافة الملك سعود بن عبدالعزيز، والسماح له بالدعاية، لاسترجاع عرشه. ثم دعم حركة المقاومة، ضد النظام السعودي.

وقد استهدفت هذه التحركات إلزام النظام السعودي بالدفاع عن نفسه، بالقدر الذي يسمح بتأييد الثورة اليمنية، وإحباط المخطط "الإمبريالي الرجعي"، الذي قدرته القيادة السياسية المصرية، ورأت أن النظام السعودي طرف فيه.

(1)    الحملة الإعلامية، ضد النظام السعودي

سبقت الإشارة، في هذا الفصل، إلى الحملة الإعلامية الكبيرة، التي شنها النظام المصري، ضد نظيره السعودي، في أعقاب دعوة الملك فيصل إلى القمة الإسلامية. وهي الحملة التي شارك فيها الرئيس المصري بنفسه، في تصريحاته وخطبه، بدءاً من 22 مارس، ليتأكد من وصولها إلى كل مكان في الوطن العربي.

(2)    استضافة الملك سعود، والسماح له بالدعاية، لاسترجاع عرشه

أعلنت القيادة السياسية المصرية تحركها الثاني، عندما أذيع، في القاهرة، في 13 ديسمبر 1966، نص رسالتين تبادلهما الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر. وقد أعرب الملك، في رسالة، في مناسبة حلول شهر رمضان، عن نيته في الإقامة بـ "وطنه الثاني"، بين إخوته في الإسلام والعروبة، ليؤدي "فريضة الإسلام" معهم. ورد عليه الرئيس جمال عبدالناصر بالموافقة. وفي 12 ديسمبر، بعد بضعة أيام من حضوره إلى مصر، ولقائه الرئيس جمال عبدالناصر، صرح الملك سعود بأن طريق الرئيس جمال عبدالناصر المؤمن بعروبته ودينه، هو الطريق السليم الواضح، لتحرير فلسطين. وأعلن نيته في توجيه رسالة إلى الشعب السعودي.

وفي 20 مارس 1967، وجَّه الملك سعود، من "صوت العرب" كلمة إلى الشعب السعودي. تحدث فيها عن تدهور الأوضاع في المملكة، نتيجة لتورط السلطات الحاكمة مع الاستعمار، والاستمرار في حرب اليمن، على الرغم من استقرار الأحوال في الجمهورية العربية اليمنية، واعتراف العالم بها. وطالب بتوجيه ما يُخصص للحرب، إلى أغراض التنمية في المملكة، والإعداد للمواجَهة مع إسرائيل. وأوضح أنه لا يَسَعه الصمت إزاء تلك الحالة، في ظِل وجود قوات أجنبية في السعودية. وأن واجبه الوطني يحتم عليه العمل على علاج الأوضاع، وإعادة البلاد إلى الركب العربي الصحيح.

وكما حدث مع الطيارين، السعوديين والأردنيين، الذين لجأوا إلى مصر، في خريف عام 1962، سمحت القيادة السياسية المصرية  للملك بزيارة اليمن، في صحبة المشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات. وفي تلك الزيارة، التي بدأت يوم 23 أبريل 1967، أعلن الملك اعترافه "باسم الشعب السعودي بأكمله، بالنظام الجمهوري في اليمن". وصرح بأنه ترك السعودية، تجنّباً لسفك الدماء. إلا أن الوضع، الذي تردّت فيه المملكة، ووقوع الحُكم تحت سيطرة الأمريكيين والإنجليز، يحتم عليه أن يعيد النظر في هذا الأمر، مؤكداً ولاء كثير من القبائل له، ورفض الشعب السعودي للأوضاع القائمة، وإصراره على استعادة عرشه، مهما كان الثمن. وقبْل أن يعود الملك إلى القاهرة، يوم 25 أبريل، ترك اثنين من أبنائه في مدينة صعدة، في محاولة للتأثير في موقف الملكيين، في الشمال، والأوضاع في المملكة العربية السعودية.

وفي اليوم التالي لعودته من اليمن، وجّه الملك سعود كلمة إلى الشعب السعودي، من إذاعة "صوت العرب"، كرر فيها المعاني السابقة، وناشد الشعب والجيش السعودَّيين التنبه لما يُحاك بهما من دسائس.

ولم يكُن لدى القيادة السياسية المصرية أي أوهام، تجاه الملك سعود، في حالة نجاحه في استرجاع عرشه. فقد كان كل ما هو مطلوب منه، على حدّ قول المشير عبدالحكيم عامر للضباط والجنود المصريين، خلال لقائهم، في صنعاء، في 25 أبريل، هو السير ببلاده في خط تحرري، بعيداً عن الاستعمار. وفي ذلك اللقاء، أكد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية الإستراتيجية الهجومية، تجاه المملكة العربية السعودية، ودور الملك سعود فيها، حتى بدا أن الملك سعود، يشقّ طريقه إلى استرجاع عرشه، تحت رايات التحالف مع الرئيس المصري[9].

(3)    دعم حركة المقاومة، ضد النظام السعودي الحاكم

مع وصول الملك سعود إلى مصر، شهدت المملكة العربية السعودية عدة انفجارات، أُعلنت بدايتها في منتصف ديسمبر 1966، واستمرت حتى شهر أبريل 1967.  وقد نُسبت هذه الانفجارات إلى اتحاد شبه الجزيرة العربية، الذي أُعلن أنه يمثّل كل الطبقات في المجتمع السعودي. وادّعى أنه فجَّر أجزاء من أنابيب التابلاين، ومقر القيادة العسكرية الأمريكية في الرياض، ومبنى الأمن العام في الدمام، وأجزاء من قصرين ملكيين، وجزءاً من القاعدة الجوية في "خميس مشيط". وقد اعترفت الحكومة السعودية بوقوع انفجارات، وإن نسبتها إلى عناصر يمنية، دُربت تدريباً مصرياً. وفي 17 مارس، أعدمت السلطات السعودية 17 يمنياً، بتهمة اضطلاعهم بتلك العمليات.

وعلى الرغم من عدم اعتراف المصادر الرسمية المصرية بدور مصر في تلك الانفجارات، فإن بعض المصادر المصرية، غير الرسمية، تؤيد وجهة النظر السعودية، استناداً إلى التصريحات الرسمية المصرية، حول الإستراتيجية الهجومية المصرية، حول النظام السعودي، والترابط الزمني بين تلك الانفجارات، ووجود الملك سعود، في مصر.

    ‌ج.   الإستراتيجية المصرية، تجاه متغيرات البُعد البريطاني للصراع

رأت القيادة السياسية المصرية في القرار البريطاني، المتعلق بالجلاء عن عدن، قبْل عام 1968، مناورة لكسْب الوقت، ريثما تتمكن من ترتيب الأوضاع الداخلية في الجنوب اليمني، بما يتماشى مع مصالحها. واستمرت تلك القيادة في الإستراتيجية الهجومية، التي تبنّنتها، منذ منتصف عام 1963، تجاه الوجود البريطاني في الجنوب اليمني، مع تصعيد الأنشطة المستخدمة في تحقيق هذه الإستراتيجية، المتمثلة في الحملات الدعائية، ودعم المقاومة، السياسية والمسلحة، ضد الوجود البريطاني، لتصل إلى ذروَتها، في الأيام القليلة، السابقة على حرب يونيه 1967[10].

وتتسق هذه التطورات مع ما صرح به عبدالقوي مكاوي، الأمين العام لجبهة تحرير الجنوب المحتل، في 29 أبريل 1967، أن أعضاء مجلس الثورة، في الجنوب اليمني، قد اجتمعوا مع المشير عبدالحكيم عامر، أثناء زيارته الأخيرة إلى اليمن (23 ـ 25 أبريل)، وأن الاجتماع قد تناول المخطط، السياسي والعسكري، الذي وضعه مجلس الثورة في اجتماعاته السابقة. وفي 2 مايو، أكد الرئيس جمال عبدالناصر مساعدة القوى الوطنية في الجنوب اليمني، بكل الإمكانات المصرية، وأن كل ما تطلبه جبهة التحرير من مصر، لا بد أن يُلَبَّى. وأدى تزايد الدعم المصري لحركة المقاومة في الجنوب، إلى تصاعد أنشطتها ضد الوجود البريطاني، خلال هذه المرحلة، مقارنة بما كانت عليه في السنوات السابقة. ويعكس جدول الترابط بين تدرج الدعم المصري وتطور المقاومة المسلحة في عدن ونتائجها تزايد أحداث المقاومة المسلحة، والخسائر البريطانية، التي ترتبت عليها، والتي بلغت ذروَتها عام1967.

 



[1]   كان الرئيس جمال عبد الناصر يدين هذه الدعوة وعُدّ مبعثها دوافع استعمارية لخدمة المصالح الأمريكية والبريطانية في الشرق الأوسط.

[2]   كانت الصفقة البريطانية أكبر صفقة تصدير أسلحة في تاريخ المملكة المتحدة، آنذاك، فقد قُدرت قيمتها بنحو 125 مليون جنيه استرليني، بينما قُدرت القيمة الكلية للأسلحة البريطانية والأمريكية في الصفقة بنحو 400 مليون دولار.

[3]   المصادر المصرية الرسمية.

[4]   المصادر المصرية الرسمية.

[5]   المصادر المصرية الرسمية.

[6]   الجمهوريين والملكيين.

[7]   المصادر المصرية الرسمية.

[8]   المصادر الرسمية المصرية.

[9]   المصادر المصرية الرسمية.

[10]   المصادر المصرية الرسمية.