إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

ملحق

المفهوم القانوني للحدود البرية، وللملاحة في المسطحات المائية والأنهار المشتركة،

ومدى انطباقها على الخليج العربي وشط العرب

يُعَدّ البُعد القانوني، أحد الأبعاد الرئيسية، الذي يمكن من طريقه فهْم واستيعاب أسباب الخلافات الحدودية، والمشاكل القانونية، التي تتسبب غالباً بنشوب الحرب. والحرب العراقية ـ الإيرانية، لم تشذ عن هذه القاعدة، التي أصبحت بديهية، بتعدد حدوثها.

حالة الحرب العراقية ـ الإيرانية، تشمل ثلاثة أنواع حدودية، هي الحدود البرية، وحدود نهر مشترك على ضفتَيه[1]، وحدود خليج مائي (شط العرب) مشترك، كذلك، وهو مجرى ملاحي دولي مهم.

يتفرع من الأنواع الثلاثة للحدود، حالات غير نمطية، مثل الجُزُر، والمسطحات المائية على حافة الحدود البرية والبحرية، وبعد حدود المياه الإقليمية في كل حالة، ومضيق بحري، يخترقه مجرى ملاحي دولي (مضيق هرمز). كما يلزم، كذلك، في حالة الحرب العراقية ـ الإيرانية، التمسك بالوضع القانوني، دولياً، للاتفاقات التي أُبرمت في عصور سابقة (قديمة أحياناً)، خاصة إذا كان أحد الطرفَين أو كلاهما دولة مستعمرة. وهو في حالة الحرب العراقية ـ الإيرانية، أكثر تعقيداً، لتغيّر صفة مَوقِّعي المعاهدات، أحدهما أو كليهما، عدة مرات، بل تغيّر الدولة الضامنة ومندوبها، كذلك (المشْرفة على المفاوضات، والموقعة معهما المعاهدة أو الاتفاقية).

القواعد الدولية المنشأة للحالة

1. قاعدة الالتزام بالمعاهدات السابق توقيعها

يلزِم القانون الدولي جميع الدول، الموقِّعة معاهدة ـ اتفاق دولي، بكل ما جاء فيها من نصوص ومواد، طبقاً للقاعدة القانونية "المتعاقد عند تعاقده"، أو "العقد شريعة المتعاقدين"، وهو الأصل في الالتزام ببقاء الأوضاع على حالتها. وتنص اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية (المادة (62) ـ الفقرة الثانية) على أنه "لا يجوز الاستناد إلى التغيير الجوهري في الظروف، كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها". ويبقى شرط بقاء الأوضاع على حالها، شرطاً رئيسياً. فإذا تغيرت الأوضاع، بما يجعل استمرار التمسك بها عبئاً ـ قد يصل إلى حد الضرر ـ على أحد الأطراف، ويسيء لمصالحه الحيوية، فليس من العدل، في هذه الحالة، الإبقاء عليها. ويمكن إعادة النظر فيها أو تعديلها أو إلغاؤها، طبقاً للظروف المستجدة، وهذا الاستثناء من قاعدة الالتزام، لا يسري "إذا كانت المعاهدة منشئة لحدود بين الدول المتعاقدة ...".

الموقف القانوني من معاهدات الحدود، بين العراق وإيران

تماشياً مع نصوص القانون الدولي، وتنظيمه لتلك الحالات، فإن الموقف من معاهدات الحدود العراقية ـ الإيرانية، هو وجوب الالتزام بها، من كلا الطرفَين،خاصة أن هناك معاهدات حديثة، وقِّعت بينهما (1975)، تعديلاً للمعاهدات القديمة، التي كان العثمانيون فيها ينوبون عن العراق، بصفتهم الدولة ذات السيادة على الإقليم. ولا يصح، قانوناً، الإخلال بتلك المعاهدات من طرف واحد، حتى لو تغيّرت الظروف، التي أحاطت بعقد تلك المعاهدة (تغيّر نظام الحكم في إيران من الملكية إلى الجمهورية).

الموقف القانوني من الأراضي، التي يطالب العراق بضمها، بدعوى استيلائه عليها

لا يجيز القانون الدولي ضم الأرض، المستولى عليها، إلى أملاك الدولة الغازية؛ فامتداد سيادة دولة على إقليم غير خاضع لها، من قبْل، بالاستيلاء عليه بالقوة، يتطلب شرطَين أساسيَّين:

1. الشرط الأول، ألا يكون الإقليم تابعاً لدولة معترف بوجودها وسيادتها، حتى لو كان الإقليم مسكوناً بشعب من الشعوب، له تنظيم سياسي خاص (إقليم عربستان، الذي تغيّر اسمه إلى خوزستان).

2. الشرط الثاني، أن تكون الدولة المسؤولة عن الإقليم قد اكتشفته، واقترن الاكتشاف بعمل يدل على الحيازة، كرفع علم الدولة، أو إنشاء بناء على أرض الإقليم المكتشف.

وطبيعي أن الوضع الحالي بين الدولتَين (العراق وإيران)، لا ينطبق عليه أي من الشرطَين. فالأرض المستولَى عليها (عند بداية الحرب، أو في نهايتها)، بوساطة العراق، خاضعة لسيادة دولة أخرى، معترف بها في معاهدة دولية بين الطرفَين.

ويصبح الخلاف في تبعية الأرض، في هذه الحالة، خاضعاً للتنظيم الدولي، الذي يحدِّد وسائل قانونية بعينها، يمكن، من طريقها، حل المشكلة الحدودية، سلْماً، وهي:

1. التفاوض المباشر بين الدولتَين المتنازعتَين.

2. التحقيق عبْر تكوين لجنة مشتركة أو دولية، بالاتفاق بين الدولتَين.

3. الوساطة التي تضطلع بها دولة محايدة أو منظمة دولية، لتقريب وجهات النظر.

4. التوفيق بإحالة النزاع إلى لجنة مهمتها التمهيد لحل المشكلة نهائياً.

5. التسوية، من طريق المنظمات الإقليمية، أو المنظمات الدولية (الأمم المتحدة).

6. التحكيم، باللجوء إلى المحاكم الدولية (حالة طابا المصرية، بعد حرب أكتوبر 1973، التي ادعت إسرائيل ملكيتها).

2. قاعدة الملاحة في الخلجان

يعرَّف الخليج، في القانون الدولي، أنه "مساحة من البحر، تتغلغل في إقليم دولة ما، أو أكثر من دولة، نتيجة للتعرجات الطبيعية للساحل، بشرط أن تكون مساحة التعرج، تزيد أو تساوي نصف دائرة، ترسم في مدخل هذا التعرج. ولا يُعَدّ من قَبيل الخلجان، ما لا ينطبق عليه هذا الشرط".

يقسم القانون الدولي الخلجان إلى ثلاثة أنواع، منسوبة إلى موقعها واتساع فتحتها[2]:

أ. الخليج الوطني

وهي الخلجان الواقعة داخل إقليم دولة واحدة. وتراوح فتحة اتصال الواحد منها بالمحيط بين 6 أميال و24 ميلاً فقط[3]. وتعتبر المياه داخل فتحة الخليج مياهاً إقليمية داخلية، للدولة الحق في ممارسة سيادتها كاملة عليها (حقوق الصيد والملاحة والرسوم وغيرها).

ب. الخليج الدولي

وهي الخلجان الواقعة في أرض دولة واحدة، ولكن فتحة الواحد منها، الموصلة إلى المحيط، تزيد على 24 ميلاً. وهي، بذلك، تُعَدّ جزءاً من أعالي البحار، عدا المساحة التي تخضع للاختصاص الإقليمي للدولة الساحلية، الملاصقة لها، كونها مياهاً إقليمية لتلك الدولة.

وإذا كان الخليج يقع في أقاليم غير دولة، فهناك اختلاف بين فقهاء القانون الدولي، في تنظيم قانوني دولي لها. لذلك، فإن القاعدة القانونية لذلك الشكل، لم تستقر بعدُ.

ج. الخلجان التاريخية

هو خليج دولي يقع في إقليم دولة واحدة، إلا أن العرف الدولي جرى على الاعتراف بوطنيته، لاستمرار وضع الدولة الساحلية يدها عليها، واختصاصها به، مدة طويلة، دون اعتراض من جانب الدول الأخرى. ويتجه العرف الدولي، إلى إطلاق وصف الخليج التاريخي، على بعض الخلجان، التي تقرر الدولة الساحلية إخضاعها لسيادتها، إذا كان هناك مصالح حيوية، اقتصادية أو دفاعية، تدعو إلى ذلك.

الموقف القانوني من الخليج العربي

الخليج العربي مسطح مائي، يتصل بالمحيط الهندي، ويقع عليه ثماني دول؛ جمهورية إيران الإسلامية على ساحله الشرقي، بينما سبع دول عربية على ساحله الغربي، بدءاً من الجمهورية العربية العراقية في الشمال، فدولة الكويت، المملكة العربية السعودية (ثاني أكبر ساحل بعد إيران)، دولة البحرين (وهي جزيرة)، دولة قطَر (وهي شبه جزيرة)، دولة الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عمان على فتحة الخليج، في الجنوب، عند مضيق هرمز (أقلّ ساحل على الخليج).

يصنف الخليج العربي، من وجهة نظر القانون الدولي، خليجاً دولياً، ويصبح، بذلك، جزءاً من أعالي البحار، لكل دول العالم حق الملاحة فيه، بحُرية، عدا الجزء الذي يخضع للاختصاص الإقليمي للدول المطلة عليه (وقد مدت إيران هذا الاختصاص حتى 12 ميلاً، خلال الحرب، وهو أمر مشروع، طبقاً للقانون الدولي).

3. قاعدة الملاحة في المضايق المائية

تعني كلمة مضيق، لغة، مجرى مائياً ضيقاً بين يابستَين. كما تصف الموسوعات العلمية المضيق، جغرافياً، بأنه "قناة مائية ضيقة، تصل بين بحَرين ... وغالباً ما تنشب الحروب، من أجْل السيطرة على المضايق المهمة، وتعقد معاهدات دولية، لتنظيم الملاحة خلالها ... ويرادف كلمة مضيق، في الاستخدامات الشائعة، كلمتا الممر والقناة".

يختلف معنى المضيق، قانوناً، عن المعنى الجغرافي؛ إذ يراعى الفقهاء القانونيين أموراً أخرى، تتعلق بالمصالح البحرية الدولية، والمصالح التجارية الملحّة (التجارة الدولية). لذلك، يعرف بعضهم المضيق تعريفاً قانونياً، يتضمن المعنى الجغرافي، في الوقت عينه، بأنه: "ممر بحري طبيعي ضيّق. بعرض محدود معيّن. يفصل بين جزءين من الأرض اليابسة. ويصل بين جزءين من البحر. ويحدد مركزه القانوني تبعية الجزءين ونوعيتهما، من كلٍّ من اليابسة والبحر. وتبعاً لأهميته للملاحة الدولية، لا بدّ من خضوعه لنظام قانوني خاص"[4].

تختلف الآراء الفقهية في وضع معيار محدَّد لفتحة الممر (عرض المضيق). واتفق على ألا تزيد على ضعف عرض البحر الإقليمي، ولا إلزام، في القانون الدولي، بضرورة فتح المضايق للملاحة الدولية (حق المرور البريء)، إذا لم تكن تصل بين بحرَين  عامَّين. وجرى العرف الدولي على ضرورة فتحها للملاحة الدولية، حتى لو كانت تقع بين أراضي دولة واحدة (ولا ينطبق ذلك على المضيق، الذي يصل بين بحر عام، من جهة، ومنفذ لميناء، من جهة أخرى، مثل خليج العقبة) ('تم تعديل ذلك المفهوم أيضاً في المؤتمر الثالث لقانون البحار والذي لم يكن قد أقر بعد وقت الحرب.').

الموقف القانوني من مضيق هرمز

يوصف مضيق هرمز، من وجهة نظر القانون الدولي العام، بأنه "ممر طبيعي، يصل بين أعالي بحر عُمان وأعالي الخليج العربي. ويقع بين إيران، التي تحدّه من الشمال والشمال الغربي، وسلطنة عُمان، التي تحدّه من الجنوب".

استمد مضيق هرمز أسمه من اسم إحدى الجُزُر، الواقعة في مدخله، وتبعد عن الساحل الإيراني نحو 2 كم. وظل هذا المضيق، تاريخياً، تحت سيطرة الفرس، حتى الفتح الإسلامي، حين سيطر عليه العرب، حتى عام 1262م، حين تمكن الفرس من الاستيلاء عليه. وفي عصر الكشوف الجغرافية، تمكن البرتغاليون من السيطرة عليه، بقوة أسطولهم البحري، عام 1507، ولمدة 100 عام، استعاده، بعدها، الشاه القوي، عباس الأول، وأخضعه للسيطرة الفارسية من جديد، عام 1622، (بمساعدة القوات البريطانية، الساعية إلى إضعاف النفوذ البرتغالي في المنطقة). ومنذ القرن السادس عشر، أصبح المضيق مركزاً تجارياً مهماً لمنطقة الخليج. وازدادت أهميته التجارية، بعد انتهاء عصر الاستعمار في المنطقة، واكتشاف النفط في الخليج العربي والدول الواقعة عليه، فأصبح مضيق هرمز من أهم الممرات المائية للاقتصاد العالمي. وتتقاسم السيطرة عليه إيران على الجانب الشرقي، وسلطنة عُمان على الجانب الغربي، وهو الجزء الأكثر صلاحية للملاحة البحرية.

يعَد مضيق هرمز، طبقاً لقواعد القانون الدولي للبحار، مضيقاً دولياً، يجب أن تكون حركة الملاحة فيه، للسفن الأجنبية، حرة (مروراً بريئاً)، لكونه يصل بين بحر عام مفتوح (خليج عُمان والمحيط الهندي)، وبحر مغلق، تطل عليه غير دولة (الخليج العربي).

4. قاعدة المياه الداخلية

تعرَّف المياه الداخلية، بأنها "جميع البحيرات والأنهار، التي تقع داخل الإقليم الأرضي للدولة، والمياه التي تنحصر وراء خط القاعدة، التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي، وكذلك الموانئ والمرافئ والخلجان التاريخية".

الموقف القانوني من البحيرات والأنهار الحدودية بين إيران والعراق

الرأي المستقر في القانون الدولي، يعطي الدولة، التي تقع المياه الداخلية (بحيرة كانت أو نهراً) في داخلها بالكامل، حق السيادة التامة عليها، وهو يغلب على المسطحات المائية والأنهار القريبة من الحدود العراقية ـ الإيرانية، عدا شط العرب.

5. قاعدة الأنهار المشتركة

النهر المشترك ذو صفتَين قانونيتَين. فهو إما أنه يخترق عدة دول، فيمرّ داخل أراضي إحداها، ويخرج منها إلى أراضي دولة أخرى. وهو، في هذه الحالة، يُعَدّ مياهاً داخلية، على أن تراعى مصلحة الآخرين، طبقاً لقاعدة الإلزام (في حالة وجود معاهدات دولية بين الأطراف ذات المصلحة في النهر)، ومثَله نهر النيل. أو أن المشاركة تكون شاطئية، أي أن كل دولة تقع أراضيها على إحدى ضفتَي النهر. وفي هذه الحالة، تطبق القاعدة القانونية، باقتسام مياه النهر، طبقاً لخط الثالوك (أي خط منتصف المجرى المائي)، مع مراعاة قاعدة الالتزام، في حالة وجود معاهدة أو اتفاقية دولية، منشئة للحدود المائية في النهر.

الموقف القانوني من شط العرب

يقع شط العرب على الخط الحدودي الفاصل بين دولتي العراق وإيران. وهو يصل ما بين نهاية اليابسة، حيث يصب نهرَا دجلة والفرات، وبين قمة الخليج العربي. وكانت المعاهدات الدولية بين الدولتَين، قد حددت الحدود المائية فيه، بامتلاك العراق للمياه في شط العرب كاملة، أي أن حدوده تبدأ من الساحل الإيراني مباشرة؛ وهي حالة غير فريدة، إذ إن هناك عدة حالات مشابهة (نهر الدوب بين فرنسا وسويسرا، نهر الفستولا بين ألمانيا وبولندا). ثم تنازلت السلطة العثمانية، في بروتوكول الآستانة (نوفمبر 1913)، عن جزء من مياه شط العرب، طوله أربعة أميال، في المنطقة أمام ميناء المحمرة الإيراني، وبعمق حتى خط الثالوك. وبعد نشوء دولة العراق الحديثة، عام 1921، استمرت إيران تطالب بحق في مياه شط العرب. وامتثالاً لقرارات عصبة الأمم، دارت مفاوضات بين البلدَين، أسفرت عن معاهدة جديدة للحدود بينهما (معاهدة 1937)، تنازلت الحكومة العراقية، بموجبها، عن أربعة أميال أخرى، وبعمق حتى خط الثالوك أمام ميناء عبدان الإيراني، مع بقاء باقي شط العرب (123ميلاً) خاضعاً للسيادة العراقية تماماً.

ألغت إيران معاهدة 1937، من جانب واحد، في أبريل 1969، متهمة العراق بعدم  تنفيذه ما جاء فيها (إدارة الملاحة وتطهير المجرى). وبدأت تتبنى إستراتيجية جديدة في المنطقة، بتجسيد الأمر الواقع، وإثارة الأقليات الكردية في شمالي العراق، حتى اضطرت بغداد إلى توقيع معاهدة حدود جديدة (معاهدة الجزائر)، عام 1975، أُعطيت إيران بمقتضاها نصف المياه، بطول شط العرب كاملاً (خط الثالوك) مقابل تعهدها بعدم إثارة الأكراد ضد العراق. وفي سبتمبر 1980، عاد العراق (بعد انهيار حكم الشاه في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية)، يطالب باسترداد سيادته على شط العرب كاملة، كما كان الوضع قبل بروتوكول الآستانة، عام 1913، مبرراً مطالبته، بأن المعاهدة الموقَّعة عام 1975، أُبرمت تحت ضغوط دولية، وظروف غير طبيعية، ما لبث الرئيس العراقي، صدام حسين، أن ألغاها[5]، من طرف واحد.

تسري، في مواجَهة هذا الموقف، قاعدة الالتزام بالمعاهدات المبرَمة بين الطرفَين، وآخرها معاهدة الجزائر، عام 1975، التي أعطت إيران ما تبتغيه، ويصبح خط منتصف النهر (خط الثالوك)، هو الحدّ الفاصل بين الدولتَين، في شط العرب.

6. قاعدة الجُزُر البحرية في الخلجان

ينطبق على الجُزُر البحرية، كل القواعد القانونية الدولية، المطبقة على حدود الدول. فالجزيرة تكون تحت سيادة الدولة، إذا كانت داخل حدود مياهها الإقليمية، مع مراعاة قاعدة الحق التاريخي، وقاعدة الإلزام (في حالة وجود معاهدة، تنص على ملكية الجزيرة).

الموقف من الجُزُر الثلاث، التي احتلتها إيران، في 30 نوفمبر 1971

تحتل الجُزُر الثلاث، طُنب الكبرى وطُنب الصغرى وأبو موسى، موقعاً إستراتيجياً مهماً، لوقوعها في منتصف المجرى المائي، بالقرب من مضيق هرمز، مما يجعلها تسيطر فيه على الملاحة، الداخلة والخارجة. تتبع جزيرتا طُنب، الكبرى والصغرى، إمارة رأس الخيمة. وقد ادّعت طهران، أنهما تقعان داخل الجرف القاري لإيران، وأنهما مهمتان للأمن الوطني الإيراني، أما جزيرة أبو موسى، فهي تابعة لإمارة الشارقة. وقد أعلنت إيران أنها توصلت إلى اتفاق مع حاكم الإمارة، في شأن الوجود الإيراني فيها، واحتلت نصفها، وتركت النصف الآخر لسكانها، من مواطني الشارقة[6]. وأقامت قاعدتَين بحريتَين في تلك الجُزُر (استخدمتهما بحْرية الحرس الثوري الإسلامي، فيما بعد، في مهاجمة الناقلات في الخليج العربي، خلال الحرب ضد العراق، في ما عُرف بحرب الناقلات).

ينطبق على تلك الجُزُر قاعدة الحق التاريخي، إذ تبسط إماراتا رأس الخيمة والشارقة سيادتهما عليها، منذ القدم، من دون أن يعترض على ذلك أحد. وكان مواطنو الإمارتَين يقيمون بصفة دائمة، ويمارسون منها نشاطهم اليومي، في صيد الأسماك. وطبقاً للقاعدة القانونية، فإن كل إمارة، كان لها مبانٍ في الجزيرة التابعة لها، تمارس منها السلطة على سطح الجزيرة، وتنفذ قوانينها الخاصة (مركز للشرطة).

انتهز العراق الوضع الناشئ عن احتلال إيران للجُزُر الثلاث، فقطع علاقاتها الدبلوماسية بها، في 3 ديسمبر 1971، متذرعاً باحتلالها جزءاً من أراضي دولة عربية. ثم أعاد، في 7 أكتوبر 1973، العلاقات، مرة أخرى، متعللاً بأنه يريد أن يتمكن من المشاركة في الحرب العربية ـ الإسرائيلية، التي كانت نشبت منذ 24 ساعة فقط (6 أكتوبر 1973م)[7].

7. قاعدة الجرف القاري والمياه الإقليمية، وتأثير اكتشاف النفط في قاع الخليج العربي

المياه الإقليمية هي "المنطقة من مياه البحر، الملاصقة لسواحل الدولة، والممتدة تجاه أعالي البحار"[8]. ويخضع هذا الجزء لسيادة الدولة، طبقاً لفكرة أن المصالح الحيوية للدولة، في المياه الملاصقة لسواحلها، يجب حمايتها لمواجهة أي خطر من ناحية البحر، إذ تمثل منطقة هجوم محتمل ضد الدولة، وتجهيزها تجهيزاً دفاعياً، يستلزم أن تسيطر الدولة على المياه المتاخمة لسواحلها. وإلى جانب التبرير العسكري، هناك مبررات أخرى، اقتصادية واجتماعية.

استقرت فكرة المياه الإقليمية، وأحقية الدولة الساحلية في السيطرة عليها، في الفقه الدولي. إلا أن تطبيقاتها، لا تزال محل خلاف. فحتى عام 1982، لم يكن هناك قاعدة متفق عليها، تحدد، بدقة، اتساع المياه الإقليمية (عمقها جهة أعالي البحار). وأُخِذَ، عُرْفاً، بمبدأ مدى أقصى قذيفة مدفع، يطلق من الشاطئ[9]؛ ولم يكن يتجاوز، في نهاية القرن التاسع عشر، ثلاثة أميال، وهو المدى الذي أخذ به معظم الدول، وعقدت عدة معاهدات، على هذا الأساس.

في العصر الحديث، أصبحت مسافة 3 أميال، غير كافية، لازدياد النشاط الإنساني، خاصة مع ازدياد مدى المدافع. وطالبت الدول بزيادة مسافة المياه الإقليمية. وتُرك لكل دولة تقدير المسافة، التي تلائمها، حتى عام 1982، حتى وقِّعت اتفاقية البحار، التي حددت المياه الإقليمية بما لا يزيد على 12 ميلاً بحرياً.

ونظمت الاتفاقية، كذلك، حدود "المنطقة المتاخمة"؛ وهي المنطقة من أعالي البحار، الملاصقة للمياه الإقليمية مباشرة، ليمكن الدولة الساحلية، أن تمارس بعض الاختصاصات، الاقتصادية والمالية والجمركية والصحية والبوليسية، بل يمكنها، كذلك، توقيع عقاب، بحسب قوانينها الخاصة، على المخالفات في تلك المنطقة، من دون أن يكون لها حق منع الملاحة فيها؛ فهي جزء من أعالي البحار. وقد اعترفت اتفاقية جنيف، المتعلقة بالبحر الإقليمي، في مادتها الرابعة، بالمنطقة المجاورة، كحق للدولة الساحلية. وعدلت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المساحة البحرية، لتصبح 24 ميلاً، شاملة المياه الإقليمية والمنطقة المجاورة. عندما تذمرت الدول النامية من استغلال الدول الصناعية المفرط للثروات، الحية (السمكية) وغير الحية، خارج حدود المياه الإقليمية، وطالبت بتعديل اتفاقية جنيف، لتشمل "منطقة اقتصادية خالصة"، تبسط الدولة الساحلية نفوذها عليها، وتحصر فيها فقط استغلال الثروات، الحية وغير الحية، من دون أن يكون لها حقوق مقابل الملاحة البحرية فيها. وهو ما أقرته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وحددت المنطقة الاقتصادية الخالصة بعمق 200 ميل بحري، يكون للدولة الساحلية حق استغلال الموارد الطبيعية، الحية وغير الحية، في مياهها وسطحها وقاع البحر وباطن أرضه، وحفظ الموارد وإدارتها، بما في ذلك معدات الاستكشاف والإنتاج، شاملة، كذلك، إنتاج الطاقة من المياه. التيارات والرياح، في المنطقة[10].

يعرَّف "الجرف القارّي" (الامتداد القارّي)، بأنه "الجزء من قاع البحر، والأرض الواقعة تحت البحر، التي تبدأ من حيث تنتهي المياه الإقليمية للدولة الساحلية، وتشكل امتداداً طبيعياً لأرض تلك الدولة، تجاه قاع أعالي البحار".

وقد أخذت الاتفاقية، في تحديد الجرف القارّي، بمعيارَين. الأول، معيار العمق، الذي تحدد بـ 2500م، مغمورة في المياه. والثاني، معيار الاستغلال، وهو ما يصل إلى 200 ميل بحري، أو حتى الحافة القارّية[11].

موقف منطقة الخليج من التحديدات السابقة، بعد اكتشاف النفط في قاع الخليج

كان لاكتشاف النفط في قاع المحيطات والبحار، في العديد من المناطق في العالم، أثره في تطور القانون الدولي للبحار، والأخذ بفكرة الامتداد القارّي، بينما كانت المياه الإقليمية، في ذلك الوقت (ما قبل الأربعينيات من القرن العشرين)، لا تزال محدودة بثلاثة أميال.

عزف بعض دول الخليج، عن مبدأ قياس اتساع المياه الإقليمية بثلاثة أميال، وأصدرت كلٌّ منها تشريعها الداخلي الخاص (إيران 1934 ـ المملكة العربية السعودية 1949 ـ الكويت 1948 ـ سلطنة عُمان 1973). وأخذ بعضها الآخر بالقاعدة، وأقرتها عقودها مع الدول الأجنبية، لاكتشاف واستخراج النفط (البحرين ـ قطر ـ الإمارات العربية).

غيرت دول الخليج، مفهومها السابق، وفي المؤتمر الدولي الثالث لقانون البحار، طالبت بالأخذ باتساع 12 ميلاً، تمد للمياه الإقليمية، في مياه الخليج العربي. وأبرزت تصريحاتها خصائص ثلاث:

1. امتداد السيادة والسيطرة، للدول الساحلية في الخليج، على الثروات وقاع البحر وباطن أرضه.

2. عدم الأخذ بمعيار محدد لامتداد الجرف القارّي (مسافة أو عمقاً). ويترك أمر تحديد الحدود للاتفاق بين الدول المعنية في المنطقة (عدا سلطنة عُمان الآخذة بمعيار تعريف اتفاقية جنيف للجرف القارّي).

3. تأكيد كل التصريحات حرية الملاحة في المياه، التي تعلو الجرف القارّي، وكذلك حرية الطيران فوقها، والحق التاريخي في صيد الأسماك واللؤلؤ.

يعني ذلك، أن دول الخليج العربي، قد أكدت سيادتها على قاع الامتداد القارّي وأسفل قاعه، مع ضمان حرية الملاحة والصيد، لجميع الدول، في المياه، أعلى الجرف القارّي. وهذا المفهوم، يختص بما يحتويه باطن قاع الخليج، من نفط وغاز طبيعي، أصبحا من أهم المواد الطبيعية، في العصر الحالي، ليس لكونهما فقط مواد لاستخراج الطاقة، التي هي عصب الحياة العصرية، ولكن لكونها، كذلك، مصدراً للدخل القومي، في دول الخليج العربي.



[1] يختلف عن نهر مشترك في أجزاء متتالية مثل نهر النيل.

[2] الخليج جغرافياً هو مسطح مائي كبير محاط جزئياً باليابسة، ويفتح على محيط، ويشترك معه في كثير من الخصائص (ملوحة المياه ـ العمق الكبير..)، وقد يكون تكونه نتيجة لهبوط القشرة الأرضية فينتج عنه حوض دائري (مثل خليج المكسيك)، أو يتكون نتيجة صدع في اليابسة ينتج عنه حوض طويل ضيق في معظم الأحوال (مثل الخليج العربي).

[3] اختلف في تحديد اتساع الفتحة ما بين 6 ـ 12 ميل، ثم أقرت اتفاقية جنيف الموسعة لقانون البحار عام 1958 تحديد الفتحة لتصل إلى 24 ميل.

[4] يوضح بعض القانونيين المركز القانوني للمضايق بأنها ممر مائي يصل بين جزأين من أعالي البحار، ويكون المرور فيه حيوياً للملاحة الدولية، وهو الشرط الأساسي للاعتراف بحق المرور البريء لسائر الدول فيه`. وقد أدخل تعديل على المادة 16 من اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي والمنطقة الملاصقة عام 1958، وسعت من مفهوم المضيق ليشمل أيضاً الممر الذي يصل جزءاً من أعالي البحار بالبحر الإقليمي لدولة أجنبية (خليج السويس) وذكر في الأعمال التحضيرية للاتفاقية أن ذلك لخدمة مصالح إسرائيل.

[5] وقع هذه المعاهدة عن العراق الرئيس صدام حسين بصفته نائب رئيس الجمهورية، ورئيس الوفد العراقي، ولذلك فإنه لديه شعور داخلي بتسببه في ضياع حق العراق في تلك الناحية مقابل تعهد غير ملزم (ليس له شكل قانوني) بالامتناع عن إثارة الأكراد في الشمال.

[6] طردت إيران مواطني رأس الخيمة فور استيلاءها على الجزر، وطردت مواطني الشارقة خلال حربها مع العراق.

[7] سبق أن احتلت إيران جزيرتَي سيري، التابعة لإمارة الشارقة، عام 1887، وهنجام، التابعة لسلطنة عُمان عام 1928، بدعوى تبعيتها لها تاريخياً، ولم تطالب بها الإمارات، التي كانت تتبعها، إذ كانت بريطانيا، في ذلك الوقت، تسيطر على المنطقة. والملاحظ أن هذه الجزر تقع، كذلك، في مضيق هرمز، مما يوضح الأطماع الإيرانية للسيطرة على مدخل الخليج.

[8] تسمى أيضاً البحر الإقليمي.

[9] مذهب الفقيه الهولندي بنكرشوك.

[10] المادتين 55 و75 من الجزء الخامس من الاتفاقية.

[11] المادة 76، الفقرات 2 ـ 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.