إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

ملحق

حرب المدن

عندما طال زمن الحرب، وإزاء عجز أيٍّ من طرفَيها (العراق أو إيران) عن تحقيق نصر حاسم، ولو محلياً (تكتيكياً)، لجأت الدولتان إلى ما سمّي "حرب المدن"، أي عمد كلٌّ منهما إلى تدمير مدن الخصم الرئيسية، القريبة من خط الجبهة، بما فيها العاصمة، لإحداث أكبر تدمير ممكن فيها، وقد يكون الهدف من ذلك اقتصادياً، حينما يقتصر التدمير على الأهداف الاقتصادية، وفي مقدمتها المنشآت النفطية. ولكن الهدف غالباً ما يكون معنوياً، حينما يصبح القصف عشوائياً للمدن الآهلة بالسكان.

الوضع القانوني للمدن، في حالة الحرب

تنظم اتفاقية جنيف الرابعة، عام 1949، والمتعلقة بحماية السكان المدنيين، في وقت الحرب، والبروتوكولات الملحقة بها، عام 1977، أسلوب معاملة المناطق الآهلة بالسكان (المدن والقرى). وبموجبها، فإن "احتلال إقليم، وقت الحرب، يشكل، أساساً، حالة مؤقتة من حالات الأمر الواقع، لا تحرم الدولة المحتلة ما لها من صفة الدولة أو من سيادتها، بل هو مجرد تدخّل في قدرتها على ممارسة حقوقها. ويميز ذلك الاحتلال عن الضم ... ومن ثَمّ، فإن الاحتلال نتيجة الحرب، على الرغم من أنه يمثل امتلاكاً فعلياً لكل مظاهره، لا ينطوي على أي حق، مهْما كان، في التصرف في الأراضي.

من جهة أخرى، فإن هذه الاتفاقية، "تقرر حظر الهجوم على المدنيين، أو توجيه أعمال العنف الدامية إليهم، أو بث الذعر بينهم، أو التهديد بذلك. كذلك، تحظر الهجمات العشوائية، التي لا توجَّه إلى هدف عسكري محدَّد، أو التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال، لا يمكن حصر أثارها، مما يترتب عليه إصابة الأهداف، العسكرية والمدنية، من دون تمييز"[1].

وحُددت الأهداف العسكرية المقصودة، في نص البروتوكولات المشار إليها، في نص المادة 24/2، من مشروع لاهاي للحرب الجوية، عام 1907: "إن الأهداف العسكرية، تشمل القوات والمنشآت والمخازن والمستودعات العسكرية، ومصانع الأسلحة والذخائر، والمهمات العسكرية، وخطوط النقل والمواصلات، التي تستخدم في أغراض حربية (المجهود الحربي)". كما تقرر الفقرة الثالثة من المادة المذكورة، أنه "في حالة ما إذا كان موقع الأهداف المبيَّنة في الفقرة الثانية (التي ذكرت)، لا يمكن معه تحديدها، من دون أن يؤدي ذلك إلى وقوع ضرب أعمى بين السكان المدنيين، فعلى الطائرات (أو وسيلة الضرب)، أن تمتنع عن التدمير".

العدائيات المحتملة ضد المدن، في زمن الحرب

حينما تأخذ الحرب بُعداً غير عسكري، فإن أحد أهم الأبعاد غير العسكرية، يكون المدن والمناطق السكانية، حيث تحقِّق هدفَين. الأول اقتصادي، بتدمير البِنية الاقتصادية للخصم حتى لا يمكنه مواصلة الحصول على أسلحة ومعدات، بالاعتماد على فائضه الاقتصادي من أموال. وقد يصل الأمر إلى حدّ عجزه عن الحصول على الحاجات الأساسية للشعب والقوات المسلحة، من مواد غذائية، ومواد الطاقة. أمّا الثاني، فهو اجتماعي، وإن كان ذا طبيعة غير مادية، فويلات الحرب، تؤثر تأثيراً مباشراً في معنويات الشعب؛ حينما يفقِد الشعب قدرته على الصمود، معنوياً، سواء لطول زمن الحرب، أو لكثرة خسائرها المادية، أو لعنف القتال فيها، فإن الدولة تفقد حماستها، وتكون أكثر استعداداً للاستسلام، وتقبل الهزيمة. وتدفع، غالباً، جماهير الشعب اليائسة حكامها إلى قبول ما يعرض عليهم من مبادرات سلمية، أو مساعٍ حميدة لوقف القتال، بل شروط استسلام، أحياناً.

لذلك، فإن العسكريين، يخططون للضغط على الجبهة الداخلية للخصم، للتأثير في الجانب الاجتماعي، وخفض معنويات شعبه. ويستخدمون في ذلك كافة الوسائل المتاحة لديهم (استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية، في سابقة وحيدة من نوعها، قنبلتَين ذريتَين في قصف مدينتَين يابانيتَين: هيروشيما وناجازاكي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، لإجبار اليابان على الاستسلام، تحت ضغط الخسائر، البشرية والمادية. وهو ما يُعَدّ أقصى تصعيد لحرب المدن، حتى الآن).

تُعَدّ الأسلحة ذات المدى الأبعد، وقوة التدمير الأعظم، هي الأكثر ملاءمة لإحداث التأثير المطلوب. وفي الحرب العراقية ـ الإيرانية، امتلك الجانبان قوى مؤثّرة متعددة، استخدمها كلٌّ منهما، بعنف، ضد الطرف الآخر، لتحقيق أهدافه.

1. الذخائر المستخدمة

أ. القذائف والرؤوس الحربية للصواريخ، والقنابل والعبوات الشديدة الانفجار، بأحجام مختلفة، طبقاً لقدرة وسيلة الحمل، بدءاً من الكميات الصغيرة (عدة كيلوجرامات)، وحتى الكميات الضخمة (عدة أطنان).

ب. غازات الحرب (الكيماوية) ذات التأثير الفسيولوجي المتنوع، من أنواع المسترد (الخردل) الخانق، والفوسجين (الأعصاب)، لشل القدرة على العمل.

2. وسائل الحمل والإطلاق

على الرغم من أن الذخائر المستخدمة، كانت محصورة في نوعَين فقط، إلا أن وسائل الحمل والإطلاق حتى الهدف المراد تدميره (أو التأثير فيه)، كانت متعددة:

أ. القصف الجوي

استخدم الجانبان قواتهما الجوية، بكثافة عالية، في قصف المدن والتجمعات السكانية، والأهداف الاقتصادية، لما لها من قدرة على الوصول إلى عمق كبير، وسرعة ومرونة، إضافة إلى قدرتها على حمل عدد كبير من القنابل والصواريخ، تصل، في بعض الأنواع، إلى أكثر من ثلاثة أطنان من القنابل شديدة الانفجار. وهي قادرة، كذلك، على حمل قنابل معبأة بمواد كيماوية (غازات الحرب).

كان العراق أكثر استخداماً لقواته الجوية، لتفوقه على إيران في عدد طائراته وقدراتها. وهو ما ساعده على استخدامها بكثافة كبيرة، زادت على 200 طلعة/ طائرة/ يوم، أحياناً.

ب. الضربات الصاروخية

تُعَدّ الدولتان، طرفا الحرب، من أولى الدول في منطقة الخليج العربي، المالكة صواريخ أرض/ أرض، ذات مدى متنوع. اكتفتا، في البداية، على الحصول عليها، سواء من الاتحاد السوفيتي أو الصين. ثم عمدتا إلى تطوير تلك الصواريخ، لتستخدم استخداماً أفضل، طبقاً للمهام المطلوبة، وذلك بتعديل الرأس الحربي، المعبَّأ بالمواد شديدة الانفجار، ليحمل شحنة أكبر (على حساب المدى)، أو لتقليل الشحنة، فيزاداد مداه بُعداً (على حساب التأثير). وقد عبَّأ العراق بعضاً من رؤوس صواريخه الحربية، بمواد كيماوية، لإنتاج غازات حرب قاتلة (المسترد). كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية (حرب الخليج الأولى) هي إحدى تلك الحروب، التي استخدم فيها الطرفان الضربات الصاروخية بكثرة.

ج. القصف المدفعي

تُعد المدفعية من أقدم الوسائل التدميرية، التي تعتمد عليها الجيوش، لتدمير حصون الخصم ومعَداته وإحداث خسائر في صفوف جنوده. واستخدامها في قصف المدن، يؤدي إلى تدمير المباني والممتلكات والمركبات، وإحداث تلف في الطرق والمرافق، إضافة إلى الخسائر في الأفراد، من قتلى وجرحى. وتأثيرها المعنوي قوي، بما تحدثه من آثار تدميرية، وتشويه، ودوي انفجارها الحادّ. لذلك، يستخدمها العسكريون، على فترات متقطعة، ليستمر ضغطها العصبي على السكان فترة طويلة، ولتفاجئهم كلما خرجوا من مخابئهم، مما يزيد من الخسائر، ويضعف الهمم. وقِطع المدفعية أنواع كثيرة متفاوتة المدى، إلاّ أنها لا تصل إلى المدى، الذي تبلغه الصواريخ أو الطائرات القاذفة، ولا إلى كمّ المتفجرات، التي يحملانها. وعلى الرغم من ذلك، فهي تتفوق عليهما بقِلة نفقتها، وسهولة انتقالها وعملها، وبساطة التدريب على استخدامها، مقارنة بالطائرات والصواريخ.

د. العملاء

استخدام العملاء وسيلة قديمة، ذات تأثير معنوي ضخم، لِمَا تحدثه من مفاجأة، ولدقتها الشديدة في إصابة الهدف. وتمتاز تلك الوسيلة بإمكان العميل، أن يهيئ الشحنة الناسفة، الملائمة للهدف (تدمير ـ حرق ـ شظايا) ويضعها في جانبه الأكثر ضعفاً. كما يمكنه ضبط توقيت انفجارها، أو أن يفجرها عن بُعد لتحدِث أبلغ أثر ممكن. كذلك، هي ذات تأثير معنوي، غير مباشر، بما يتضمنه استخدامها، من دلالة على وجود عميل بين المواطنين، ومن الذعر، الذي يستمر فترات طويلة، خوفاً من أي أجسام، كانت تُعَد آمنة أو عادية، وأصبحت بعد حوادث التفجير، تثير الخوف والذعر، خاصة إذا كانت من الأنواع، التي تستخدم في الحياة اليومية بكثرة (الأشراك الخداعية).

العوامل المؤثرة في نشاط حرب المدن وفتورها

استمرت الحرب بين العراق وإيران، نحو ثماني سنوات. إلا أن العمليات الحربية، لم تكن متواصلة؛ إذ لا بدّ من حشد القوات وتحركها، وإعداد منطقة القتال المرتقبة وتجهيزها، ووضع الخطط (أو تغييرها). وقد يتطلب الأمر تدريب القوة المكلَّفة بالعمل، كذلك، إضافة إلى ما يفرضه المجتمع الدولي من قيود، أحياناً، تستوجب التوقف عن القتال مؤقتا. وكما العمليات الحربية، كذلك حرب المدن. فهي لم تستمر طوال السنوات الثماني للحرب، وإنما كانت تشتعل وتتصاعد، فترة، وتخبو أو تخمد، فترات، وتختلف مناطق إدارتها، باختلاف الهدف المرحلي المطلوب. وهي في ذلك، تتأثر بعدة عوامل، تزيد من نشاطها، أو تتسبب بفتورها.

1. طبيعة مسرح العمليات

يُعَدّ مسرح عمليات الحرب العراقية ـ الإيرانية، من أكثر المسارح الحربية ملائمة لحرب المدن، حيث يتناثر العديد من القرى والمدن الرئيسية والمهمة، على جانبَي الحدود الدولية للطرفَين. كما أن كثيراً من المدن، الواقعة في العمق الدفاعي للدولتَين، هي في متناول الضربات الصاروخية أو القصف الجوي. فضلاً عن كثرة الأهداف الاقتصادية، داخل المدن، والتي تغري الخصم بقصفها. ومن أهم المدن وأشهرها، التي كانت أتوناً لهذه الحرب:

أ. على الجانب العراقي

بغداد العاصمة، البصرة عاصمة الجنوب، الموصل عاصمة الشمال، السليمانية وأربيل وخانقين ومندلي وبدرة والعمارة والكوت والناصرية والفاو وبيارة وأم قصر والقرنة والزبير، من القرى الحدودية والموانئ، النهرية والبحرية.

ب. على الجانب الإيراني

طهران العاصمة، عبدان وخورمشهر والأهواز وديزفول، أهم مدن الجنوب، وقم العاصمة الدينية، أصفهان وتبريز، من أهم المدن الصناعية، كرمنشاه وقصر شيرين وسوزنجارد (الخفاجية) وبانه ومهران وأسد أباد وخوارم أباد وبندر خوميني، من القرى الحدودية والموانئ البحرية القريبة.

2. نتائج أعمال القتال، البرية والبحرية

أكثر العوامل تأثيراً في نشاط حرب المدن وفتورها، فشل أحد طرفَيها في عملياته، البرية أو البحرية؛ إذ يلجأ إلى الأيدي الطويلة (المدفعية ـ صواريخ أرض/ أرض ـ القوات الجوية)، لينتقم لهزيمته، فيقصف المدن والقرى، في القطاع الذي دارت فيه المعارك التي خسرها، بل قد يتعدى ذلك، فيقصف، بشدة، أهم المدن، أو العاصمة نفسها، ثم يعود الهدوء، مرة أخرى. بينما يسارع الطرف الآخر إلى الردّ عليه بقصف مماثل بل أعنف. ويَستغل نتائج القصف النيراني، كونها عملية، حققت أهدافها، وأنزلت خسائر جسيمة بالعدو، في تغطية الهزائم، والفشل السابق، وفي رفع معنويات جنوده وشعبه.

3. العامل السياسي الخارجي

لجأ كل طرف، إلى قصف مدن الخصم، للتأثير في الأحداث السياسية الخارجية. فكلما عُقد مؤتمر، أو سعت منظمة، دولية أو إقليمية، إلى تقريب وجهات النظر، أو محاولة التوصل إلى حل سلمي، أو الضغط لفرض إيقاف إطلاق النار، تلجأ الدولة، الأوفر حظاً من النصر، إلى قصف المدن، لتعلن رفضها تلك المساعي، أو عدم قبولها المبادرات المعروضة.

4. العامل السياسي الداخلي

هو أكثر العوامل المؤثرة في نشاط حرب المدن، تعقيداً. فعند توتر الجبهة الداخلية، وظهور بوادر تذمر الشعب من صعوبة المعيشة، لطول الحرب، تلجأ الحكومة إلى استفزاز الطرف الآخر، ليقصف المدن (قصف متبادل)، حتى ينصرف الشعب إلى الاهتمام بالضحايا والخسائر، التي يمنى بها. وحينما تستشعر الحكومة، أن الشعب قد ابتعد عن الاهتمام بالحرب، واطمأن بالانتصارات، التي توهمه بها الحكومة، تلجأ، كذلك، إلى القصف المتبادل، بل قد توجِّه ضربة نيرانية قوية، واسعة النطاق، تشمل مدناً وقرى عديدة، إيحاءً لشعبها بأنها لا تزال قادرة على إدارة دفة الحرب. ففي كل الأحوال، تجد الحكومة، لدى الطرفَين، في ضرب المدن، الحلّ لتغيير اهتمام الشعب، أو التأثير في اتجاهاته.

5. العامل الاقتصادي

لجأ الطرفان، في كثير من أوقات الحرب، إلى زيادة نشاطهما في حرب المدن، وكلاهما يتوخى التأثير في الموقف الاقتصادي للخصم؛ إذ كان القصف يهدف إلى تدمير المنشآت الاقتصادية، خاصة النفطية؛ وكلتا الدولتَين لديها الكثير من الأهداف النفطية، ومعظمها بالقرب من الحدود، أو في مدى القصف الجوي والضربات الصاروخية. ويُعَدّ هذا العامل، أساسياً، للتأثير في نتيجة الحرب نفسها؛ فتنشيط حرب المدن، ضد الأهداف الاقتصادية، يضعف قدرة الخصم على متابعة أعمال القتال. وقد بادر العراق إلى قصف المنشآت الاقتصادية، والمدن التي تحتويها، مبكراً، ليحتفظ بتفوقه في الأسلحة، كمّاً ونوعاً، ويحرم إيران إيرادات نفطها، حتى لا تتمكن من شراء أسلحة، لزيادة حجم قواتها أو استعاضة خسائرها في المعدات والأسلحة. وقد ساعده على ذلك اضطرار إيران إلى تصدير نفطها من موانئ في الخليج العربي، يقع معظمها في مدى الطيران العراقي المتفوّق، خاصة بعد استلام العراق طائرات فرنسية أبعد مدى Mirage- F1"" من الطائرات التي استخدمتها من قبل.

6. عامل الإمدادات بالأسلحة والذخائر، المستخدمة في حرب المدن

ترتبط الإمدادات بالذخائر والأسلحة بالعوامل، الآنفة الذكر، ولا سيما العامل الاقتصادي. وكانت إيران الأكثر تأثراً بالعامل الاقتصادي، خاصة في السنوات الأخيرة للحرب. وأدّى ذلك إلى تقليص قدرتها على شراء الأسلحة واستيرادها. وانعكس ذلك، بدوره، على إمكاناتها في تصعيد حرب المدن. ولوحظ في نهاية الحرب، أن عدد الصواريخ الإيرانية، التي تُطلق على المدن، ضَعُف كثيراً، حتى إنها باتت غير مؤثرة تأثيراً كافياً. وكانت الطائرات الحربية الإيرانية، قد منيت، مبكراً، بخسائر كبيرة، وضعف استخدامها في حرب المدن، بشكل عام.

سير الأحداث في حرب المدن

بدأت حرب المدن مع بداية الحرب نفسها، منذ عام 1980. وكانت إيران البادئة بقصف المدن العراقية بالصواريخ والطائرات الحربية، بكثافة عالية. كما استخدم العراق مدفعيته طويلة المدى، في قصف المراكز، الصناعية والتجارية، القريبة من الحدود، في الجنوب. ودارت عدة معارك شرسة في القطاع الأوسط، لاحتلال القرى الحدودية أو استردادها.

وبدءاً من فبراير 1983، تبادل الطرفان الاتهامات بخرق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في حالة الحرب. وقد أرسل السكرتير العام للأمم المتحدة بعثات لتقصّي الحقائق، توصلت إلى أن الطرفَين لجآ إلى قصف المدن، وأدّى ذلك إلى أضرار كبيرة، وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. ونص تقرير السكرتير العام، في شأن تلك الحرب، على شدة الأضرار التي أصابت ديزفول وعبدان وسوزانجارد الإيرانية، من جراء القتال الذي دار حولها. وكذلك كركوك والفاو ومندلي العراقية. ودعا، في بيانه، إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية، الموجَّهة ضد الأهداف المدنية (المدن، والمناطق السكنية).

مع بداية عام 1984، تزايدت حدّة قصف الأهداف المدنية المتعمَّد. وسمِّي "حرب المدن". وكان العراق هو الأكثر لجوءاً إليها؛ إذ إن موقف قواته في الحرب البرية، كان سيئاً، فقد فقدت الكثير من المناطق، التي كانت احتلتها داخل الأراضي الإيرانية. كما تمكنت إيران من الاستيلاء على بعض المناطق، في داخل الحدود العراقية.

كان أكثر أعمال القتال ضد المدن، عنفاً، الغارة الجوية الانتقامية، العراقية، ضد قرية بانه الإيرانية، الواقعة على الحدود بين الدولتَين؛ إذ أسفرت عن خسائر كبيرة في الممتلكات. كما بلغت الخسائر في الأرواح، طبقاً لما أذاعته إيران، 325 قتيلاً، وأكثر من 300 جريح. مما دعا السكرتير العام للأمم المتحدة إلى التدخل لدى الطرفَين، طالباً وقف القصف، الجوي والمدفعي، على المراكز السكانية المحضة، والامتناع عن قصفها، مستقبلاً.

مرة أخرى، اشتدت ضراوة حرب المدن، بعد أن نجحت إيران في احتلال شبه جزيرة الفاو العراقية، فرّد العراق بقصف المدن الإيرانية القريبة (عبدان وخورمشهر والأهواز)، في محاولة لرفع معنويات قواته وشعبه، بعد خسارة معركة الفاو. وعلى الرغم من التركيز في الأهداف الاقتصادية، في تلك المدن، إلاّ أن الخسائر، البشرية والمادية، بلغت من الضخامة حدّاً، صعب معه حصرها.

واستجابة لما دعا إليه السكرتير العام، تعهدت الدولتان بإيقاف أعمال القتال، ضد التجمعات السكانية، بدءاً من 12 يونيه 1984. ووافقتا على وضع مفتشين من الأمم المتحدة، على جانبَي الحدود، للتحقق من الالتزام بالاتفاق (بطلب من أحد الطرفين). وقد أبلغ الطرفان تجاوزات، حدثت من الجانب الآخر، ضد المناطق السكنية. إلاّ أنهما لم يصرّا على كون هذه التجاوزات انتهاكاً للاتفاق المبرم. ولم يطلب أي منهما التفتيش.

استمر سريان اتفاق عدم التعرض للمدن، حتى نهاية عام 1984. ثم فجأة، تخلت الدولتان عن الاتفاق، مع بداية عام 1985. ولجأ الطرفان  إلى القصف، الجوي والضربات الصاروخية للقرى على جانبَي خط الجبهة. وأكد تقرير مفتشي الأمم المتحدة، أن معظم الأهداف المقصوفة، هي أهداف مدنية محضة، وبعضها قريب من منشآت عسكرية. وقد استخدم ضدها القصف الجوي، بالقنابل العنقودية، الشديدة التأثير( قرى دهلاوية، وبردية، وعلوانة الإيرانية). بينما تركز القصف الجوي الإيراني، بين بغداد والبصرة (قريتا الجساوير وسارغة). وتوحي صيغة التقرير بمسؤولية العراق عن خرق الاتفاق. وبرّر العراق ذلك بأنه يحاول إجبار إيران على قبول التسوية السلمية الشاملة للنزاع. وأعقب ذلك بإعلانه، في 17 مارس 1985 المجال الجوي الإيراني، منطقة عمليات عسكرية حربية. وعلى إثر ذلك، ازداد معدل مغادرة الأجانب طهران، وضعف النشاط الجوي التجاري من مطار طهران.

نفذت إيران عمليتَين رئيسيتَين، مع بداية عام 1986 "فجر 8"، و"فجر 9". هاجمت، في الأولى، ميناء أم قصر العراقي، في طرف شبه جزيرة الفاو الغربي. وقصفت، بالمدفعية، قرى الفاو ومندلي وبيارة وقصبة وقلعة دزة، للخداع؛ إذ إن معظمها خارج اتجاه الهجوم. وفي الثانية، هاجمت العديد من القرى الكردية في شمالي العراق. وفي المقابل، قصف العراق جزيرة خرج الإيرانية النفطية، ومحطة ضخ النفط في كنوة. وشنت قواته الجوية غارات مكثفة على مجمع الصلب في الأهواز، والحشود العسكرية في قرى بانه وتعز وزعيف ومريوان، والدفاعات الإيرانية شرق البصرة وحقل مجنون.

في مارس 1986، كانت العمليات البرية قد توقفت، ولجأ الطرفان إلى التراشق بالنيران، مرة أخرى. كما استُخدمت الغارات الجوية، والطائرات العمودية، في قصف أهداف مهمة. فضلاً عن قصف بحري عراقي، ضد أهداف ساحلية، شمل جزيرة خرج، وخورمشهر والأهواز. كما قصف، كذلك، ميناء أم قصر العراقي والبصرة، وخانقين وقلعة صالح.

حاول العراق دفع قوات، لاستعادة الفاو. وتبادل الطرفان القصف المدفعي في جنوبي الجبهة. وأصيبت القرى القريبة بأضرار بالغة جديدة، وكان أكثرها تضرراً مدينة خانقين العراقية.

خلال مايو ويونيه 1986، هاجمت القوات العراقية مدينة مهران، لاستردادها. واستطاعت الوصول إلى مشارف المدينة، واحتلال ضواحيها (وكان معظم سكانها قد غادروها)، وأعادت تحصينها. وفي يوليه، هاجمت القوات الإيرانية المدينة، واستعادتها بعد أن دُمرت تماماً.

في نهاية عام 1986، نفذت إيران عملية رئيسية جديدة، كان الهدف منها الوصول إلى البصرة، وقصفتها، هي وجزيرة أمّ الرصاص. وبادر العراق إلى الردِّ بقصف مزيد من القرى والمدن الحدودية.

حقق الجانبان، خلال عام 1987، أهدافهما التدميرية من القصف المتبادل. إلاّ أن الهدف من حرب المدن، لم يتحقق. إذ شن العراق هجوماً جوياً عنيفاً، ضد 11 مدينة وقرية، منذ النصف الأول من يناير 1987، قبْل أن تقبَل إيران مبادرة عراقية جديدة بوقف حرب المدن، الذي استمر من فبراير إلى أكتوبر، حين استأنف الطرفان تبادل القصف، مرة أخرى، ولكن بكثافة أقلّ مما سبق. ومرة أخرى، أعلن العراق، أن هدفه من قصف المنشآت الاقتصادية والمدن، هو إجبار إيران على قبول وقف إطلاق النار.

في بدء عام 1988، حدثت عدة تطورات في حرب المدن. أولها كان فشل إيران في هجومها الرئيسي الكبير على البصرة. أمّا الثاني، فكان حصول طهران على صواريخ  جديدة، صينية الصنع "Frog-7 ".وثالثها كان تطوير العراق بعض الصواريخ الموجودة لديه، ليصبح مداها حوالي 500كم. وقد أدى ذلك التطور في الأحداث إلى زيادة عنف الضربات الصاروخية الإيرانية. بينما استطاع العراق أن يذيق طهران طعم الخوف من الصواريخ. إذ اتسمت ردود فعله، إزاء الضربات الصاروخية الإيرانية، بعنف بالغ، تخطى ما كان عليه من قبْل. كما شملت أهدافاً أكثر عمقاً.

بدأت إيران بإطلاق خمسة صواريخ على بغداد، رد عليها العراق بسبعة عشر صاروخاً على طهران، وهي المرة الأولى، منذ نشوب الحرب بين البلدين، التي تُقصف فيها طهران بالصواريخ. واستمرت حرب المدن طوال مارس 1988، في تبادل ضربات صاروخية، ذات معدل عالٍ، من جانب العراق. وكان أعلى معدل لتبادل الضربات الصاروخية في 9 مارس 1988، حين وصل إلى أعلى كثافة له، منذ بداية الحرب؛ فأطلق العراق 45 صاروخاً على طهران، مقابل 29 صاروخاً إيرانياً على بغداد. واستخدمت إيران، مرة أخرى، شيعة مؤيدين لها، في تفجير شحنات ناسفة، في مدينة الكويت.

كانت الضربات الصاروخية وقصفات المدفعية الإيرانية مشتتة على أهداف متباعدة، مما أفقدها قوة التأثير. في حين كان الرد العراقي مكثفاً، أدّى إلى زيادة الضغط النفسي على الشعب الإيراني، فضلاً عن ازدياد حجم الخسائر الإيرانية. وتزامن ازدياد النشاط في حرب المدن، مع تزايد النشاط في الحرب البرية، اللتَين حسمهما العراق في مصلحته مما ساعد على انتهاء الحرب، في العام نفسه.

نتائج حرب المدن وفاعليتها

كان لحرب المدن تأثير قوي في معنويات الشعب، في الجهتَين. كما أسفرت عن أضرار فادحة، في الممتلكات والأفراد. بيد أنها في الوقت عينه، لم تحقق هدفها النهائي، بإجبار إيران على قبول وقف إطلاق النار، إلاّ في الأشهر الأخيرة للحرب.

استخدم الجانبان كل الوسائل المتاحة لهما، من ذخائر ووسائل حمْل. لكنهما لم يلجأ إلى استخدام الغازات الحربية في تلك الحرب (حرب المدن). واستطاعت إيران أن تستخدم الموالين لها من الشيعة في الدول العربية الخليجية، بينما فشل العراق في ذلك، طوال الحرب.



[1] البروتوكول الأول من اتفاقية جنيف الرابعة، المواد 35، 48، 51، 53، 54، 56، 57، 59، 63، 76.