إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

ملحق

قصف المفاعل النووي العراقي

بوساطة الطائرات الإسرائيلية، خلال الحرب

(العملية بابل)

العراق دولة غير متاخمة لإسرائيل. ولكن السياسة والإستراتيجية الإسرائيليتَين، تضعانها في الحسبان. وهناك توجس دائم بين الطرفَين، إذ إن إسرائيل تضع في حسبانها كل قدرة عربية، وتعدها تهديداً لأمنها، قربت الدولة العربية منها أو بعدت. وتسعى إلى التفوق العسكري، تقليدياً ونووياً، على كافة الدول العربية مجتمعة، من المحيط إلى الخليج. إضافة إلى أن القوات المسلحة العراقية اشتركت، في العمليات الحربية، ضد القوات الإسرائيلية، منذ البداية. بل إن المقاومة، التي لجأ إليها العرب، في فلسطين، قبْل إعلان دولة إسرائيل، كان للمتطوعين العراقيين سهم فيها[1].

كما كان العراق طرفاً في كل القرارات، التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تدين ممارسات إسرائيل تجاه العرب، في المناطق المجاورة لها، أو ضد الفلسطينيين. بل إن العراق، كان سباقاً إلى طلب عقد جلسات طارئة، لبحث إدانة إسرائيل، أحياناً، والتي كان آخرها (قبْل الحرب) القرار الرقم 34/89، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 11 ديسمبر 1979، والذي تُقَرِّر فيه، أن هناك تزايداً في المعلومات والأدلة على اتجاه إسرائيل نحو امتلاك وتطوير الأسلحة النووية وتطويرها، وأن في ذلك تصعيداً خطيراً للموقف المتفجر في الشرق الأوسط[2]. هكذا، كان موقف العراق  تجاه إسرائيل، محاولاً وقف أو عرقلة نشاطها النووي.

وكانت إسرائيل تعلم قدرات العراق ومكانته الإقليمية، وسعيه ليتبوّأ مكانته، كقوة إقليمية كبرى. وهو في حربه ضد إيران، التي كانت قد بدأت أولى أحداثها، يتخذ سبيله إلى إزاحة قوة إقليمية تنهار (إيران بعد سقوط الشاه)، ليأخذ مكانها في الساحة الخليجية. ويعني ذلك أن الاصطدام بإسرائيل آتٍ، لا ريب فيه. فهي، مثل العراق، تسلك الدرب نفسه، وتسعى لتكون، وحدها، القوة الإقليمية العظمى؛ على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت، في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، زمن الحرب العراقية ـ الإيرانية، تسعى إلى إزاحة الاتحاد السوفيتي، والتفرد بالقوة العظمى عالمياً.

يجعل ذلك من العراق وإسرائيل، نِدَّين متخاصمين، كل منهما يتوخى تحجيم الآخر، حتى تحين لحظة المواجَهة. ومن هذا المنطلق، كان القرار الإسرائيلي، منع العراق من المضيّ قُدُماً في برنامجه النووي الوطني، للحصول على القنبلة النووية، لِما في ذلك من خطر على أمن إسرائيل الوطني.

كان أمام القيادات الإسرائيلية عدة خيارات، لإيقاف البرنامج النووي العراقي. كما كان عليها التدرج في خطتها نحو ذلك، من العرقلة إلى الإيقاف. وقد استخدمت إسرائيل وسائل شتّى، لتصل إلى هدفها، شملت كل الخيارات، من اعتراضات دبلوماسية، إلى سعي سياسي لدى الدول المتقدمة تكنولوجياً، إلى تهديد الشركات المتعاونة مع العراق، إلى عملاء لتخريب المعدات، إلى اغتيالات. ثم كان لا بدّ من التصعيد، باستخدام القوة المسلحة. لم يكن لإسرائيل حدود مشتركة بينها وبين العراق، لذلك، بات من الضروري أن تكون وسيلتها إلى استخدام القوة المسلحة، هو البُعد الثالث[3]، أي ما كانت تسميه ذراعها الطولى؛ إذ كانت تفاخر بأن قواتها الجوية، يمكنها أن تطاول أي موقع، على أي أرض عربية.

الخطوات الإسرائيلية لعرقلة البرنامج النووي العراقي وإيقافه

ساعدت فرنسا إسرائيل، في الخمسينيات، على تطوير برنامجها النووي، حتى استطاعت أن تصبح قوة نووية إقليمية، غير معلنة. ولم تكن ترغب في حدوث توازن ردع نووي، مع غيرها من دول المنطقة. لذلك، سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى إبداء تحفّظها، لدى الحكومة الفرنسية، من معاونة باريس بغداد على امتلاك تكنولوجيا نووية، وتزويدها المواد والتجهيزات اللازمة لها. وصعدت الجهات غير الرسمية (الصحافة الإسرائيلية، والمتحدثون غير الرسميون، في اللقاءات العلمية والندوات وغيرها) من حدّة الخطاب، في إدانتهم القرار الفرنسي، تسليم العراق يورانيوم عالي النقاء (93%)، المستخدم في المفاعلات النووية، والذي يمكن استخدامه في إنتاج أسلحة نووية، مستقبلاً.

أعقب ذلك اتصال إسرائيل، من خلال القنوات الدبلوماسية، بالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا نفسها، ودول أخرى، لثني الفرنسيين عن المضيّ في الصفقة النووية.

حصلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، على معلومات بقرب شحن فرنسا معدات خاصة للمفاعل النووي العراقي، من شركات فرنسية متعددة، متخصصة ببناء المفاعلات النووية. فتلقت تلك الشركات تهديدات غامضة بنسف مقارّها، إذا سلّمت العراق ما كانت متعاقدة معه عليه. وعلى الرغم من أن سلطات الأمن الفرنسية، فرضت إجراءات مشددة لتأمين تلك الشركات وحمايتها، سواء في مباني الإدارة أو المصانع، إلا أن إسرائيل، تمكنت، عام 1979، من نسف معدات خاصة للمفاعل النووي العراقي، قبْل إرسالها من المصنع الفرنسي إلى ميناء الشحن. وهو ما يطرح علامة الاستفهام الأولى.

تلقت الدول العربية، من طريق وسيط، دعوة من إسرائيل إلى التفاوض، للتوصل إلى اتفاق رسمي، ينسق الرؤى إلى البرنامج والأسلحة النووية في المنطقة، على غرار الاتفاق الإقليمي، المتعلق بدول أمريكا اللاتينية. وفي إطار العلاقات العربية ـ الإسرائيلية، في الستينيات، فإن هذه الدعوة، لم تكن تمثّل سوى دعاية سياسية، من دولة كانت الأسبق في مسيرة التسلح النووي، ورافضة توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة  النووية، ولديها مفاعل نووي، هو خارج نطاق أي رقابة خارجية[4].

البرنامج النووي الوطني للعراق

كان عام 1968[5] بداية اتجاه العراق نحو امتلاك مفاعل نووي، حين حصل على مفاعل، سوفيتي، ذي طاقة دنيا، لم تتعدَّ ميجاواتَين اثنَين، يمكنه، من طريقه، تدريب نحو مائة فرد من الفنيين. ثم اتجه العراق، عام 1974، إلى أوروبا الغربية، وفتح حواراً جاداً مع فرنسا، أسفر عن توقيع معاهدات للتعاون النووي بينهما، تضمنت مساعدة فرنسا على إنشاء مركز أبحاث نووي، يضم مفاعلَين، يمكن، من طريقهما، تدريب نحو 700 فرد من الفنيين المتخصصين. وهو ما يجعل من العراق، في وقت قصير، مركزاً للأبحاث النووية، في الوطن العربي، ويدعم سياسته، الرامية إلى تكوين هيئة عربية للطاقة النووية، تابعة لجامعة الدول العربية.

كانت طاقة المفاعل النووي الفرنسي الأكبر (أوزيراك ، أو تموز 1)، 70 ميجـاوات (Pool – type). أما المفاعل الأصغر (إيزيس، أو تموز 2)، فقد كانت طاقته 800 كيلووات، وهو يعمل كوحدة دعم للمفاعل الكبير. وتعهدت فرنسا بتوريد الوقود النووي اللازم للتشغيل، والمساعدة على تطوير برنامج اليورانيوم العراقي.

حاول العراق الحصول على مفاعلات أخرى، ليضم مركز الطاقة النووية العراقية، بالقرب من بغداد، خمسة مفاعلات. إلا أن محاولاته تعثرت، في كثير من الأحيان[6]. كما تعرضت المعدات النووية للتخريب، في أحيان أخرى: مثل الانفجار الذي حدث في فرنسا عام 1979، والغارتان الجويتان، عامَي 1980 و1981، أسفرت الأخيرة منهما عن تدمير كلّي لمباني المفاعل، أدى إلى إلغاء المشروع، وترحيل الخبراء الفرنسيين.

كان العراق يمارس ضغوطاً نفطية، للحصول على ما يريده، لاستكمال مطالبه النووية، وليتفادى الاعتماد على مصدر واحد، ساعياً إلى الحصول على أنماط مختلفة من التسهيلات النووية. وكانت إسرائيل، بعد تأسيسها، عام 1948، قد بدأت نشاطها النووي لإنشاء برنامج وطني فعال. ووضعت إستراتيجيتها، من خلال سياسة معلنة، أنها لن تكون الأولى في الحصول على سلاح نووي، بين دول الشرق الأوسط عامة، والعربية والإسلامية خاصة. كما أنها لن تكون الثانية. وهي نقطة مهمة في السياسة الإسرائيلية، التي تعلن أن ردّها على محاولات أي دولة عربية، للحصول على سلاح نووي، سيكون برنامجاً نووياً عسكرياً إسرائيلياً، مستكملاً ومعلناً.

كان هدف البرنامج الوطني العراقي، يتجاوز تحقيق التعادل في القدرات النووية مع إسرائيل. وكان العراق يعتقد أنه سيمتلكها، لا محالة. فهو يحاول تحقيق طموحه الأكبر، أن يتزعم الدول العربية، ويقودها، كذلك. وكان موقناً أن الهيبة النووية، التي يضفيها عليه امتلاكه السلاح النووي، كأول دولة عربية، بل الوحيدة، ستحقق له ذلك المطمع.

وقّع العراق، في أكتوبر 1969، اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية (المرفق الرقم 1)، التي دخلت حيّز التنفيذ، منذ عام 1970. كما وقّع اتفاقية الضمانات، المتعلقة بالوكالة الدولية للطاقة النووية، عام 1972. وكان من أكثر الدول تعاوناً، بل ترأس، في أغسطس 1980، مؤتمراً لإعادة النظر في اتفاقية منع تداول المواد النووية، في جنيف.

في الوقت عينه، حوّل العراق، لأغراض البحث العسكري، جزءاً من اليورانيوم المخصّب (93% يورانيوم 235)، الذي حصل عليه من فرنسا، إلى مفاعل الأبحاث، للحصول على القنبلة النووية. واشترى من إيطاليا معامل كيماوية إشعاعية (للخلايا الساخنة) تضم في ما تضم، أدوات المناولة للمواد المشعّة عن بُعد. كما وقّع اتفاقاً مع إيطاليا، لتوريد 4 معامل نووية للأبحاث المدنية، في مجالات الطب والزراعة والتغذية. وكان في سبيله إلى شراء مفاعل آخر من إيطاليا، لولا نجاح الضغط الإسرائيلي؛ الذي يلوّح باستخدام العنف، في إيقاف الصفقة. وبادل بنفطه الحصول من البرتغال (45% من وارداتها النفطية) على 120 طن يورانيوم. وكذلك 120 رطل يورانيوم مشعّ، من الصين وكميات أخرى من النيجر. واتفق على مفاعل كندي، يعمل بالماء الثقيل، غير أن كندا تراجعت تحت ضغط الإرهاب الإسرائيلي، باستخدام العنف ضد المصالح الكندية.

عيّن العراق عالم ذرة مصرياً، على رأس برنامجه الوطني، وهو الدكتور يحيي أمين المشد، الذي ترأس، كذلك، برنامج التعاون النووي العراقي ـ الفرنسي. وكان الحلقة الأكثر أهمية في العلاقات النووية بين العراق وفرنسا والاتحاد السوفيتي. وحاول عملاء الاستخبارات الإسرائيلية، الموساد، اغتياله، في ديسمبر 1978. ونجحت محاولتهم، في يونيه 1980، في باريس، قبْل شهر واحد من الغارة الأولى على المفاعل النووي[7].

دأب العراق في تنمية بحوثه النووية، بالتدريج وبهدوء شديد. وتمكن من العمل في بعض التسهيلات النووية البسيطة، خارج نطاق البرنامج السلمي الرسمي. وطبقاً لتقديرات وكالة الطاقة النووية الدولية، التي تصنف العراق في قائمة الدول، التي يمكنها صناعة قنبلة نووية وطنية، في وقت قصير، كان مقدَّراً أن يبدأ الجزء العملي من البرنامج النووي العراقي عام 1980، بعد إكمال الفرنسيين أعمال تركيب المفاعلَين. وأدّت الغارة الأولى، في يوليه 1980، إلى تأخير البدء بالعمل فيهما أكثر من عامَين؛ استطاع العراق، بالعمل الدؤوب، وبمعاونة فرنسا اختصارهما إلى عام واحد، وكان يؤمَل أن يبدأ العمل في المفاعلَين، خلال عام 1981.

الغارة الإسرائيلية الأولى (27 سبتمبر 1980)

راقبت إسرائيل، باهتمام بالغ، تزايد التوتر بين العراق وإيران، منذ عودة آية الله الخميني من المنفى، في فرنسا، إلى إيران، ورحيل الشاه محمد رضا بهلوي عنها. وتصاعد التوتر إلى حدّ الاشتباكات المسلحة، على الحدود بين البلدَين، طوال صيف 1980. وفي 22 سبتمبر، اجتاحت القوات المسلحة العراقية الحدود الإيرانية، وبدت هذه الخطوة متجاوزة لِما سبق من اشتباكات. ووضح أن هناك قتالاً منظماً، يومئ إلى دوران رحى الحرب بين الدولتَين.

لا شك أن إسرائيل كانت من الأطراف، التي سعدت بالحرب الدائرة بين العراق وإيران. إلاّ أن ذلك لم يُلْهِها عن تنفيذ مخططاتها. وأكّد توقيت الغارة الأولى، بعد 5 أيام من القتال الشامل بين البلدَين، أنها كانت قد أعدّت العُدّة لعمل عسكري، تحقق به هدف إيقاف البرنامج النووي العراقي عن العمل، لفترة طويلة قادمة. إذ انشغلت القوات العراقية بالقتال، الدائر على الجبهة الشرقية للدولة، فانتهزت إسرائيل الفرصة، لتغِير، جواً، عبْر الأجواء العربية، على المفاعل النووي العراقي، في ضواحي بغداد، في 27 سبتمبر 1980، وتلحق بمبانيه أضراراً محدودة، قبَيل أن تُنْقَل إليه المواد المشعة، من فرنسا.

كان توقيت الغارة الجوية دقيقاً. ومهدتها إسرائيل بأعمال متنوعة، على كافة المسارح القريبة، تلفت عنها. فدفعت طائراتها الحديثة F-15؛ التي كانت قد تسلمتها من الولايات المتحدة الأمريكية، العام الماضي، إلى الإيقاع بطائرات الميج السورية، في ما وُصف بأنه صراع للسيطرة على الأجواء اللبنانية. وخلال الصراع، قصفت إسرائيل محطات الكشف الراداري، ومراكز توجيه الطائرات السورية، القريبة من الجنوب اللبناني. فأُبعِدت، بذلك، الطائرات السورية عن المجال المختار لتنفيذ الضربة الجوية، ضد المفاعل النووي العراقي[8]. أمّا العلاقات الأردنية ـ السورية، فكانت لا تزال متوترة، بعد اتهام دمشق عمّان بتدريب أفراد من جماعة الإخوان المسلمين، المناهضة للنظام السوري، على الأعمال العسكرية. ويسارع النظام السوري إلى إعلان وحدة مع ليبيا، التي تهاجم العلاقات الأمريكية ـ السعودية. ويُضرِب الشيعة في لبنان، في ذكرى اختفاء إمامهم، موسى الصدر، قبْل عامَين، خلال زيارته ليبيا. وتفاجئ إسرائيل العالم بقرارها نقْل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس. ويطالب وزير خارجية المملكة العربية السعودية، بطرد إسرائيل من الأمم المتحدة. وتراقب مصر أحداث الخليج، وهي تستعد لتلبية مطالب الدول الخليجية، إذا تعرضت سيادتها للتهديد. وتدور همهمات في الأوساط الدبلوماسية العربية، في شأن ضرورة عودة مصر إلى الصف العربي، وإنهاء تعليق عضويتها في الجامعة العربية[9].

أعلنت السفارة الفرنسية، في بغداد، في أول أكتوبر 1980، أن الغارة الجوية على منشآت المفاعل النووي العراقي، أصابتها بأضرار طفيفة. بينما نفت إيران مسؤوليتها عن الغارة، بعد ما أشيع أن طائراتها، هي التي نفّذتها، خلال إغارتها على العاصمة العراقية، وهو ما أرادت إسرائيل أن توحي به، خاصة أن الغارة لم تحقق هدفها كاملاً؛ فهي عطلت أعمال نقْل المواد المشعّة، إلى حين إصلاح الأضرار، وإعادة تجهيز المركز، لفترة، قدِّرت بعامَين على الأقل، يتوقف، خلالهما، نشاط البرنامج النووي العراقي، محققاً بذلك الهدف الإسرائيلي، جزئياً.

كانت القيادات الثورية الإيرانية، قد ألغت المخططات الشاهنشاهية السابقة، الطامعة في أن تكون إيران دولة نووية[10]، ضمن مشروعات الشاه لتحديث الدولة والقوات المسلحة. ولم يكن لدى إيران، من الفنيين والخبراء، ما يمكّنها من تحقيق ذلك، ناهيك عدم وجود إرادة أو قرار، في شأن المجال النووي. لذلك، أصبحت طهران، عام 1980، خارج السباق النووي في المنطقة. وهي حجة قوية على عدم وجود مصلحة لها في تدمير منشآت المفاعل النووي، التي لم تغذَّى، بعدُ، بالوقود النووي، ولا تفيد في العمليات الدائرة على الجبهة.

ويطرح الحادث علامة استفهام جديدة: لماذا أعلنت فرنسا اكتمال المنشآت النووية، وقرب تغذيتها بالوقود النووي؟ وكيف يتأتى للطائرات الإسرائيلية، أن تحدِّد الجزء الأهم في المركز، لتقصفه، وتصيبه بالأضرار، التي إنْ وصفت بأنها طفيفة، إلاّ أنها عطلته مدة عامَين؟ أمّا مصلحة فرنسا في ذلك، فهي واضحة؛ إذ إن الخبرة الفرنسية، بعد أن استوفت ثمن المنشآت المدمرة، ستعيد البناء، مرة أخرى، لتستوفي الثمن، مرة جديدة. وهو أمر معهود بفرنسا في تعاملها الدولي، ذي الدور المزدوج، بين العرب وإسرائيل.

كان الجدل حول نقْل عاصمة إسرائيل إلى القدس ما زال دائراً. والاتهامات بين الأردن وسورية على أشُدها. والعراق يحاول تثبيت أقدامه شرق الحدود الإيرانية. بينما اكتشفت إيران إمكان قصف طائراتها بغداد، على غرار الغارة الإسرائيلية، فبادرت إلى قصف عدة منشآت حيوية، في ضواحي العاصمة العراقية. ولم يشر أحد إلى الحادث، سوى ما أعلنته السفارة الفرنسية في بغداد! وكأنها هي الجهة الرسمية المسؤولة!

الغارة الإسرائيلية الثانية (7 يونيه 1981)[11]

كان المفاعل النووي العراقي، يمثل تهديداً جدياً وخطيراً على أمن إسرائيل. فعدّته قياداتها، السياسية والعسكرية، هدفاً إستراتيجياً، ورأت أنه يجب بذل كل جهد ممكن في تدميره أو تعطيله.

منذ سبتمبر 1980، أي بعد القصف الأول للمفاعل النووي العراقي، والعمل في إعادة تأهيله، يسير بسرعة كبيرة، تنفيذاً لتعليمات الرئيس الفرنسي. فشُحنت المعدات إلى بغداد. كما وصلتها أول شحنة من الوقود النووي (12 كجم يورانيوم مشعّ)[12]. بينما انتشر العملاء العراقيون، في طول أوروبا وعرضها، محاولين شراء كميات كبيرة من اليورانيوم[13]. وتجمعت المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، عن حجم المتخصصين والفنيين العراقيين، الذين يتدربون، في فرنسا وإيطاليا، على العمل في المفاعلات النووية. وتأكد للمسؤولين الإسرائيليين جدية العراق في تطوير مفاعلاته، لتخدم الأغراض العسكرية. وفي يناير 1981، عاد الخبراء الفرنسيون وبعض الفنيين الإيطاليين إلى بغداد؛ وكانوا قد غادروها عقب الإغارة الأولى، وهو ما يعني أن العراق، بات يستعد لتشغيل مفاعله النووي.

كان على إسرائيل أن تسرع في تنفيذ خطتها، القاضية بتدمير المفاعل النووي، قبل أن ينشطه العلماء العراقيون، ويصبح تدميره خطراً على المنطقة، بانتشار الإشعاع النووي فيها. وكان أمامها ثلاثة خيارات:

1. إعادة قصف المفاعل، جواً، باستخدام طائراتها المقاتلة القاذفة، بحجم أكبر، للتأكد من تدميره تدميراً كاملاً. ويضعف هذا البديل صعوبة إصابة المفاعل، جواً، إصابة مباشرة، تليها إصابات أخرى، تؤدي إلى تدميره تدميراً تاماً.

2. استخدام العملاء في محاولة تدميره من الداخل، وهو أمر صعب جداً. إذ يحتاج إلى تجنيد العملاء وتدريبهم ودفعهم، بالأدوات والمعدات اللازمة، إلى داخل العراق، ووضع خطة جيدة، تمكّنهم من الوصول إلى داخل المفاعل نفسه، لوضع الشحنات المتفجرة داخله، وهو أمر أكثر صعوبة ويكاد يرقى إلى المستحيل (أو أن يتم تجنيد العاملين في المفاعل أنفسهم).

3. استخدام الوسيلتَين، إمعاناً في ضمان تنفيذ المهمة على الوجه الأكمل.

اتخذت اللجنة الوزارية لشؤون الأمن قراراها، تكليف القوات المسلحة الإسرائيلية بتنفيذ المهمة، منذ أكتوبر 1980 (عقب فشل المحاولة الأولى). وحددت المهمة بنسف المفاعل النووي العراقي، بما يجعله غير صالح للعمل. وتُرِكَ التوقيت، ليحدد فيما بعد، حينما يستكمل التخطيط والإعداد، وتحين الفرصة الملائمة.

استبعدت القوات المسلحة الإسرائيلية، من البداية، أسلوب الإبرار الجوي، ومهاجمة الهدف بوساطة قوة من المظليين، على غرار تحرير الرهائن في مطار عنتيبي، في أوغندة، حيث كان الفدائيون الفلسطينيون، قد اختطفوا طائرة هبطته، وفيها عدد كبير من الإسرائيليين؛ إذ إن ذلك يستوجب حجماً كبيراً من التجهيزات والطائرات والمعدات والحماية، إضافة إلى الاحتمالات المتزايدة للأخطار، التي سيقابلها الجنود الإسرائيليون، عند العمل على الهدف، وصعوبة التقاطهم، حين العودة، في ظل النجدات العراقية، التي لا بدّ أنها ستتوالى إلى المنطقة، بعكس إبرارهم تحت مظلة المفاجأة الكاملة، في عنتيبي.

استقر الرأي على أن أفضل وسيلة، لتنفيذ المهمة، هي طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، على أن يوضع في الحسبان المصاعب، التي حالت دون النجاح التام، خلال الغارة الأولى[14].

كان على القيادة العسكرية الإسرائيلية، أن تحدد خطوات الإعداد، ثم خطوات العمل، من خلال خطط متكاملة، يبدأ العمل بها في الحال. وقد أظهرت الدراسات الأولية الحاجة الضرورية إلى خمس مسائل، ينبثق كلٌّ منها مما قبْلها:

1. الحاجة الماسة إلى مزيد من المعلومات التفصيلية عن الهدف.

2. تحديد مواصفات الطيارين، الذين سينفذون المهمة، ثم تعيينهم بالأسماء.

3. تحديد عدد الطائرات المطلوبة ونوعها، لتنفيذ المهمة بنجاح.

4. توفير الضمانات لإصابة الهدف، وإنقاذ الطيار، الذي تتعرض طائرته للإصابة أو العطل المفاجئ.

5. وضع خطة العمل، التي ستنفَّذ العملية بمقتضاها، وتدريب الأطقم المختارة عليها، وتدريب الأطقم المعاونة الأخرى، على مواجَهة الأزمات الطارئة.

المعلومات التفصيلية المطلوبة، وأسلوب الحصول عليها

تتطلب عملية جوية مثل هذه، معلومات دقيقة، وتفصيلية، حتى يمكن تصوّر المجهود المطلوب بذله، والأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الطيارون والطائرات، أثناء أداء المهام، خاصة أن المسافة تقدَّر بألْف ميل، وأن هناك حرب دائرة في المنطقة. لذلك، حددت قيادة السلاح الجوي الإسرائيلي، المعلومات المطلوبة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بالآتي:

1. الأخطار المتوقَّعة، على طول خط سير الطائرات.

2. الأسلحة المضادّة للطائرات، على خط السير، وحول منطقة الهدف، وأسلوب عملها، وارتباطها بنظام كشف راداري وتوجيه وقيادة نيران، متكامل.

3. التاريخ الذي يجب ألاّ تتجاوزه العملية (الحدّ الحرج للتنفيذ)، قبْل أن يصبح المفاعل النووي ناشطاً، فتؤدي إصابته إلى تسرب إشعاعي، يصيب المنطقة كلها بالأضرار، بما في ذلك إسرائيل نفسها[15].

4. جزء المفاعل الأكثر أهمية، الذي إذا تدمر توقف العمل، ولا يمكن إصلاحه، مرة أخرى.

5. الفترة الزمنية المتاحة، قبْل أن تظهر الطائرات العراقية في الجو.

6. الفترة الزمنية، التي يمكن أن تبقى فيها الطائرات الإسرائيلية فوق منطقة الهدف.

7. التوقيت الدقيق، الذي يكون فيه معظم الخبراء الأجانب، العاملين في المفاعل، خارج منطقة الهدف.

وأعدّت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، بناء على المعلومات، التي أُتيحت لها، دراسة لتأثير هذه المعطيات في المهمة. وتوصلت إلى نتائج محدَّدة، وضعتها في الحسبان. وفي ضوء ذلك، بدأت عجلة التخطيط بالدوران.

تحديد خط سير الطائرات، ذهاباً وإياباً

كان طول المسافة من إسرائيل إلى الهدف، هو المشكلة الرئيسية، التي واجهت المخططين الإسرائيليين. يرتبط بها ويزيدها تعقيداً، عدم وجود حدود مشتركة بين إسرائيل والعراق. وتبيّن للمخططين، بعد دراسة تقارير الاستخبارات الإسرائيلية، أن أقصر الطرق، ليس هو آمنها[16]. لذلك كان على قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، اختيار طريق آمن ولو ازدادت المسافة، أكثر مما هي عليه، ثم حل معضلات ما يترتب على تلك الزيادة، بأساليب فنية.

اختار الإسرائيليون طريق الذهاب إلى الهدف، عبْر الأجواء الأردنية، يمر بين حدود الكشف الراداري للأجهزة والمحطات الأردنية، ثم يخترق الأجواء العراقية، مبتعداً، ما أمكن، عن المحطات الرادارية للدفاع الجوي العراقي، ريثما يقترب من الهدف.

وإمعاناً في توفير الأمان، كان من الضروري أن تكون المفاجأة تامة. لذلك، حدِّد ارتفاع الطيران، ليراوح بين 50 و100م، وهو ما تتيحه إمكانات الطائرات الأمريكية الحديثة، التي زُوِّدَتها إسرائيل، منذ فترة قصيرة. واستكمالاً لترتيبات الأمان تلك، وضع في الحسبان تحذير الطيارين من استخدام أجهزة الاتصال فيما بينهم، أو مع قاعدتهم، طوال رحلة الاقتراب من الهدف، وأن يتاح الاتصال اللاسلكي فترة مهاجمتهم للهدف، ويعود إلى أضيق حدوده، بعد ذلك، حتى العودة.

اِخْتِير طريق العودة ليكون الأقصر، توفيراً للوقود والوقت. وقدِّر أن الطائرات العراقية، إذا تمكنت من الإقلاع، فإنها لن تتمكن من ملاقاة الطائرات الإسرائيلية، التي ستكون قد عبَرت حدود العراق الغربية، في طريقها إلى إسرائيل.

تحديد المطارات والقواعد الجوية، للانطلاق والعودة

لم يكن ثمة مشكلة في الإقلاع، من أيٍّ من المطارات الحربية الإسرائيلية، المنتشرة شرقي إسرائيل، إذ سيظهر إقلاع الطائرات متداخلاً مع النشاط اليومي العادي. وتتجمع في نقطة التقاء جوية، في بداية خط السير المحدَّد. أمّا العودة، فهي، بالطبع، يجب أن تكون إلى أقرب المطارات لخط سير العودة، أو طبقاً لسير الأحداث وتبعاً للمتبقي من زمن تحليق الطائرات، بعد عبورها خط الحدود الشرقي لإسرائيل[17].

اختيار الطيارين لتنفيذ المهمة

الطيران لمسافة طويلة، في مهمة قتالية، على ارتفاع منخفض جداً، مع المرور، في جزء منه، فوق أرض صحراوية، حيث حرارة الجو الملاصق لسطحها، وانعكاس أشعة الشمس على الرمال الساخنة، وعدم وجود دلائل طبيعية لتحديد الاتجاه، تحتاج إلى طيارين ذوي مواصفات خاصة، تُصقل ببرنامج تدريبي خاص. لذلك، عمدت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي إلى تحديد المواصفات المطلوبة، لتتطابق على طياري الأسراب المسلحة بالطائرات، التي سيحدَّد نوعها، لتتلاءم مع المهمة.

تحديد الطائرات لتنفيذ المهمة

لتحديد الطائرات الملائمة لتنفيذ المهمة، كان لا بدّ من دراسة عكسية، بتحديد النتائج المطلوبة، ثم العوامل المؤثرة في الوصول إلى نوع الطائرات الملائمة. في سبيل ذلك، اهتمت الدراسات الفرعية بالنقاط التالية:

1. التأثير المطلوب في الهدف، وتحديد الأسلحة، الهجومية والدفاعية، للطائرات

كان المطلوب تدمير الهدف، من خلال هجوم واحد (أو اثنَين على الأكثر)، لكل طائرة، لكي يقلّ زمن وجود الطائرات فوق الهدف إلى الحدِّ الأدنى، احتراساً من قوة الدفاع الجوي، التي تدافع عن مثل هذا الهدف الحيوي؛ إذ لا بدّ أن يكون العراق قد زاد من فاعلية الدفاع الجوي حوله، بعد الغارة الأولى المحدودة النتائج. كما كان مطلوباً أن تكون أسلحة الهجوم الجوي، أكثر دقة وفاعلية في الإصابة والتدمير، خاصة أن الهجوم سيكون من ارتفاعات منخفضة، نسبياً.

اِختِيرت القنبلة الأمريكية التقليدية من نوع MK-84، زنة ألفَي رطل، والمعبأة بمادة شديدة الانفجار، التي سبق اختبارها، فحققت نجاحاً باهراً في تأثيرها التدميري في الأهداف الصعبة، المماثلة للمفاعل النووي العراقي. وكان الشرط الأساسي ضرورة الحصول على إصابة مباشرة، في منتصف الهدف المراد تدميره. وأفادت معلومات الاستخبارات الإسرائيلية، أن المناطق المهمة في مكونات المفاعل النووي العراقي، تشمل جسمه الموجود تحت الأرض، وتحيط به بركة مياه، عمقها 11م، وللوصول إليها يجب تدمير قبة المبنى (قطْرها 32م، وارتفاعها 20م) بإصابة في منتصفها. ولاستكمال التدمير الفعّال المطلوب، كان لزاماً تدمير مبنى الحاسبات الإلكترونية، المسيطرة على العمل في منشآت المفاعل وأجهزته، وفي المعامل الملحقة به. يتطلب ذلك، أن يقصَف بما مجموعه 7 أطنان من القنابل شديدة الانفجار؛ وهو ما يساوي 15 ألف رطل من مادة T.N.T الشديدة الانفجار. وإمعاناً في التأكد من تدمير الهدف، أصرّ المخططون على مضاعفة الكمية، لتصبح 30 ألف رطل من مادة T. N. T[18].

وضع في الحسبان كمية الوقود الزائدة، التي يجب أن تحملها الطائرات، لتصل إلى ذلك الهدف البعيد، مما يجعل حمولتها، من القنابل والذخائر الأخرى، منخفضة، حتى إن حمولة الطائرات القاذفة كلها، لا تتجاوز 15 قنبلة، نصفها لإحداث التأثير المطلوب، والنصف الإضافي لزيادة الاطمئنان، تحقيقاً لمطلب المخططين.

كان يجب عدم إغفال تسليح الطائرات، بما يمكّنها من الدفاع عن نفسها كصواريخ جو/ جو، للاشتباك مع طائرات الدفاع الجوي المعادية، في الذهاب أو العودة[19]، وصواريخ جو/ أرض، لإخماد أسلحة الدفاع الجوي، وصواريخ مضادّة للهوائيات، لتدمير أجهزة الرادار، ورشاشات للقتال الجوي، إذا استدعى الأمر.

زيادة الحمولة من التسليح، كانت تعني مضاعفة عدد الطائرات، حتى يمكن تحقيق التأثير المطلوب. إلاّ أن ذلك مقيد، نسبياً، فكلما ازداد عدد الطائرات المشتركة في تنفيذ المهمة، كان من الممكن اكتشافها مبكراً، مما يعرّض المهمة للخطر، وقد يلغيها، في لحظاتها الأخيرة. كما أن ازدواج المهمة، من قذف وقتال، جوي وأرضي، يزيد أعباء الطيارين واستخدامهم للمزيد من أجهزة طائراتهم، مما يعقّد الأمور، ويقلّل فرص النجاح. لذلك، تقرر أن تتفرغ طائرات للقذف فقط، مع تسليح بسيط للحماية الذاتية، وأن ترافقها طائرات من نوع آخر، تكون قادرة على تأمين الحماية الجوية لها، واستكمال مهمة التدمير، إذا تطلّب الأمر. وهو ما يعني أن يشمل الاختيار نوعَين من الطائرات، بينما يتحدد العدد باستيفاء الحمولة التي ستُقذَف، ويماثله عدد من طائرات الحماية الجوية.

2. طائرات القذف

كانت الطائرة الأكثر ملاءمة، لدى إسرائيل، آنئذٍ، هي الطائرة الأمريكية الصنع، من نوع F-16 Falcon. فهي تتميز بإصابة الأهداف الأرضية بدقة عالية، والقدرة المتناهية على اختراق الدفاعات الجوية المعادية، مهْما كانت كثافتها، وبإمكان الطيران البعيد المدى، على الارتفاعات المنخفضة جداً (حتى 300 قدم فوق سطح الأرض)، إضافة إلى تجهيزاتها الملاحية الحديثة، التي تمكّنها، من الوصول بسهولة، إلى الهدف المحدَّد، في المسار المحدَّد، زيادة على التجهيزات الإلكترونية الأخرى، وقدرات المناورة، وإمكانية التغلب على طائرات الدفاع الجوي الاعتراضية، الموجودة لدى الدول، التي ستمر في أجوائها (الأردن ـ سورية ـ العراق ـ السعودية).

من جهة أخرى، فإن حمولة هذه الطائرات، بعد حساب الوقود اللازم للمهمة، والتسليح والتجهيزات الإضافية، يمكن أن يكون قنبلتَين، من نوع Mk-84، زنة ألفَي رطل، أي أن المطلوب هو 8 طائرات، تحمل 16 قنبلة، بإجمالي 32 ألف رطل. وهو الحجم المطلوب لإحداث التأثير، ويُضاف إليه مثله، لزيادة التأكد.

3. طائرات الحماية

تحدَّد، أولاً، عددها، لتكون 8 طائرات، تحقيقاً لمبدأ الحماية المباشرة واللصيقة، أي أن كل طائرة قذف، يحدّد لها طائرة حماية.

كانت طائرة التفوق الجوي، F-15 Eagle، هي الأحدث والأكثر تطوراً في الترسانة الجوية الأمريكية، عام 1981. ويمكنها أن تشتبك، منفردة، مع عدة طائرات معادية، في آن واحد، طبقاً لتصميمها، الذي توخى أن تكون هذه الطائرة أفضل مقاتلة في العالم، لعدة سنوات تالية. وهي أيضاً مقاتلة بعيدة المدى، كذلك، قادرة على تضليل أجهزة الكشف الراداري وتعويقها. كما يمكنها اكتشاف التقاط الرادارات لها، والتعامل معها، لتدميرها. وهي ذات حمولة ملائمة، تستطيع أن تستكمل مهمة الطائرات القاذفة، لو اضطرتها الظروف إلى ذلك؛ فهي تشبه طائرة F-16 Falcon، في تصميمها المتطور، وتضاهيها في دقة الإصابة، مما يوفر فرصة أكبر لإخماد وسائل وأسلحة الدفاع الجوي المعادية، وضمان أفضل للوصول إلى الهدف، وتحقيق المهمة[20].

إضافة إلى ذلك، فإن طائرتَي F-15 , F-16، تفوقان، إلكترونياً، كافة الطائرات المناظرة لهما. وتتميز طائرة F-15، بقدرتها على التسلق إلى سقف 65 ألف قَدَم في حين تراوح قدرة طائرات الاعتراض العراقية، من نوعَي Mig-21  (55 ألف قدم) وMig-23 (60 ألف قدم)، أي بزيادة تراوح بين ميل واحد وميلَين، أعلى من أي نوع من طائرات دول المنطقة.

بعد تحديد المطارات، وأنواع الطائرات، ومعرفة طبيعة المهمة، تحددت، استطراداً، الأسراب الجوية، واِختير الطيارون الحائزون الصفات المطلوبة.


 



[1] قاتلت قوة من الجيش العراقي في حرب فلسطين 1948، بجانب الجيش الأردني في منطقة `اربد`، وقاتل لواء مشاة آلي عراقي مع الجيش الأردني في حرب يونيه 1967 في منطقة `المفرق`، وفي حرب أكتوبر 1973 شاركت القوات العراقية بسرب طائرات من نوع Hoker hunter   على الجبهة المصرية وفرقتين مدرعتين ولواء مشاة آلي ولواء قوات خاصة. وأربعة أسراب طائرات مقاتلة قاذفة من أنواع   Mig-17 ;  Mig-21  Sukhoi ; على الجبهة السورية.

[2] سبق أن أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً (القرار الرقم 33/71) في 4 ديسمبر 1978 تحذر فيه الدول الأعضاء بالمنظمة، لإنهاء ووقف كافة عمليات إمداد إسرائيل بالمعدات والتكنولوجيا والمواد النووية.

[3] يطلق اصطلاح البعد الثالث على الوسائل والقوات التي تستخدم الفضاء ـ الأجواء ـ العليا لتحركاتها لتصل إلى الهدف لتفادي الأرض الصعبة أو الاصطدام بقوات الخصم، مثل الطائرات القاذفة، والمقاتلة القاذفة، والعمودية المقاتلة منها وحاملة الجنود (المظليون والاقتحام الجوي).

[4] وقع العراق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة  النووية عام 1969، كما تبادل مع فرنسا خطابات رسمية للتأكيد على عدم استخدام اليورانيوم النقي الذي ستمدها به فرنسا في الأغراض العسكرية، وأُوْدِعَتْ تلك الخطابات لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية المنوط بها مراقبة النشاط النووي في العالم.

[5] كانت أكثر المحاولات اقتراباً من النجاح مع كل من إيطاليا وهولندا.

[6] هو مفاعل أبحاث من نوع ` 2 mw IRT_2000, vvrt ank typw ` يطلق عليه اسم ` Manega ` ، ويستخدم يورانيوم نقي بدرجة 80%، ويستعمل في إنتاج مواد مشعة للأغراض الطبية والأبحاث الزراعية أساساً.

[7] كان الدكتور المشد عالماً متخصصاً في هندسة المفاعلات النووية، وقد توصل إلى تصميم لمفاعل نووي يمكنه استخراج أقصى كمية من البلوتونيوم من اليورانيوم، وهو ليس العالم النووي المصري الوحيد الذي يغتال، فقد سبق أن اغتيلت عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسى علي أبو سليم، المتخصصة في الطبيعة النووية عقب تمكنها ـ خلال دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية ـ من التوصل إلى إمكانية صناعة قنبلة نووية من خلال تفتيت المعادن الرخيصة، وكان اغتيالها في 15 أغسطس 1952 في حادث سيارة غامض، كذلك توفيت عالمة الذرة المصرية، الدكتورة نادية سوكة في حادث بالولايات المتحدة الأمريكية وهي متخصصة في الكيمياء النووية ولها برامج عديدة في مجال الإشعاع وأكثر من مائة بحث في مجال الكيمياء النووية.

[8] جرت المعركة الجوية بين الطائرات الإسرائيلية F-15 والسورية Mig-21 في 24 أغسطس 1980 فوق صيدا بجنوب لبنان.

[9] كانت الدول العربية قد اتخذت قرار بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، عقب مبادرة الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارة إسرائيل، وتوقيعه معها اتفاقية كامب ديفيد.

[10] كان شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، يسعى، باستخدام عائدات النفط التي زادت زيادة كبيرة عقب حرب أكتوبر 1973، إلى أن تصبح القوات المسلحة الإيرانية القوة الخامسة في العالم.

[11] أجمعت المراجع، التي تكلمت على موضوع الغارة الإسرائيلية الثانية، على المفاعل النووي العراقي، أنها حدثت في 7 يونيه 1981، وذكر أحدها أنها شُنَّت في 6 يونيه 1981، الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق مساءً، إلاّ أن البيانَين الرسميَّين للدولتَين، حددا 7 يونيه، تاريخاً للحدث.

[12] كانت مخصصة للمفاعل الصغير `تموز2` التجريبي.

[13] طبقاً لرواية الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي).

[14] أشار بعض الكتاب إلى احتمال التفجير من الداخل في نفس الوقت مع القصف بواسطة عميل من داخل المنطقة يظن أنه الخبير الفرنسي الوحيد الذي كان موجود في المفاعل رغم أنه يوم عطلته.

[15] بعد حادث التسرب الإشعاعي من مفاعل نووي في تشيرنوبل بأوكرانيا، وصل التلوث الإشعاعي حتى الأراضي الألمانية في وسط أوروبا وبمستوى أضعف حتى الجزر البريطانية في غرب القارة.

[16] كان الطريق الأقصر ذهاباً، يمر فوق مناطق تمركز بطاريات صواريخ ` Hawk ` الأردنية، وفي مجالات الكشف الراداري للأردن وسورية، وهو ما يعرض الطائرات الإسرائيلية لو أبلغوا بها العراق كما فعلوا خلال حرب أكتوبر 1973 عندما نفذت الطائرات الإسرائيلية قصف المطار العراقي ` H-3 ` على الحدود العراقية السورية.

[17] حددت قاعدة  ` Atzeon ` الجوية على مسافة 20 كم من ميناء ايلات جنوب إسرائيل. بعض المصادر الأجنبية رجحت أن مطار الإقلاع كان في جنوب سيناء المصرية ـ وكانت ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 ـ وهو مطار عصيون؛ الذي أنشأته إسرائيل بعد احتلالها لشبه جزيرة سيناء عام 1967، وهو احتمال يضيف زيادة في طول المسافة من جهة، وابتعاد آمن عن الكشف الراداري من جهة أخرى، إلا أنه غير مؤكد.

[18] قدرت الاستخبارات الإسرائيلية، أن الطائرات المنفذة للمهمة قد تتعرض للاعتراض من طائرات معادية تنطلق من 7 مطارات قريبة من خط السير.

[19] كان ذلك أحد الدروس المستفادة من فشل القوات الأمريكية في مهمة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحجوزين في السفارة الأمريكية في طهران عقب الثورة الإيرانية.

[20] يشبه المتخصصون دقة تلك الطائرات  (F-15 , F-16) بدقة الصواريخ الموجهة من نوع (Tom-Cross) أو القنابل الموجهة بأشعة الليزر ذات الدقة العالية جداً.

[21] استخدمت أنظمة حديثة للعرض على الشاشات في مستوى نظر الطيار حتى يستمر في مراقبة تشكيله وخط سيره الأساسي.

[22] رغم ذلك فإن التنفيذ ألغي وتم تأجيله في `الدقيقة الأخيرة` مرتين على الأقل، بسبب عدم جاهزية أطقم غرفة العمليات، والذين شاركوا في التدريبات أكثر من مرة.

[23] يشمل المفهوم الجغرافي لاصطلاح `الشرق الأوسط` بالنسبة للإسرائيليين (والغرب عموماً) المنطقة من باكستان شرقاً إلى ليبيا غرباً (المغرب العربي يحتسب ضمن مجموعة الفرانكوفون الملحقة بالسياسة الفرنسية)، ومن الحدود الشمالية لدول باكستان وأفغانستان وإيران ـ وتركيا والساحل الشرقي والشمالي لأفريقيا حتى غرب ليبيا شمالاً، إلى بحر العرب وخليج عدن وجنوب الصومال وجنوب السودان وجنوب ليبيا جنوباً.

[24] كلا الطائرتين (الإمداد بالوقود أو البحث والإنقاذ) من نوع C-130 مع اختلاف في التجهيزات.

[25] ينكر الإسرائيليون قيامهم بهذه الغارة تماماً، وينسبونها إلى سلاح الجو الإيراني، بينما تؤكد الشواهد وأسلوب العمل على صبغتها الإسرائيلية.

[26] كان يعمل في إنشاء المفاعل حتى 150 خبيراً أجنبياً.

[27] ثماني هجمات لمجموعة القصف من 8 طائرات F-16، ثم هجمة واحدة للتصوير.

[28] ذكر في بيان مجلس قيادة الثورة العراقي أن الغارة الثانية كانت في الساعة 1837، بينما تذكر المصادر الإسرائيلية أن الساعة 1735 (اختلاف التوقيتان مرجعه فرق التوقيق المحلي للبلدين)، وبعض المصادر الأخرى ذكرت الساعة 2305.