إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

الضمانات الإضافية للتأمين

كانت القيادات الإسرائيلية قلقة على طياريها، من مهمة طويلة المدى، في أجواء معادية، والعمل فوق هدف، يعيش حالة حرب، مما يزيد احتمالات الأخطار وفرص الإصابة. وهو ما دعا قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، إلى بحث ترتيبات إضافية وإعدادها، لتأمين الطيارين، في حالة اضطرار أحدهم إلى الهبوط بالطائرة اضطرارياً، أو القفز بالمظلة من الطائرة، قبْل الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية.

شملت ترتيبات التأمين الإضافية، استخدام طائرات مجهَّزة للعمل كمحطة إمداد جوي بالوقود، في حالة نقص الوقود لدى أي طائرة. أما الطيارون، الذين يهبطون أراضي معادية، فقد كلِّفت بهم طائرة نقْل، من نوع C-130H Hercules، يمكنها التحليق لفترة طويلة (فترة تنفيذ العملية كلها)، وهبوط ممر ممهد فقط، وقصير (الأراضي الصحراوية)، والإقلاع بعد انطلاق قصير جداً (مستعينة بالصواريخ). كانت هذه الطائرة مجهَّزة بوسائل ومعدات فنية، يمكنها التقاط إشارات أجهزة التعارف، الموجودة مع الطيارين، مهْما كانت ضعيفة، وتحديد موقع الطيار المفقود، بدقة. وفي حالة هبوط الطيار أرضاً صعبة، مثل خور جبلي، أو أحراج كثيفة، أو مسطح مائي وغيرها، من تلك التي تمتلئ بها الأراضي الأردنية، التي ستعبُرها الطائرات، فإن الطائرة C-130، تحمل في جوفها طائرة عمودية خفيفة، يمكنها الإقلاع فور هبوط طائرة النقل ومتابعة البحث في المنطقة الصعبة، والتقاط الطيار وإعادته إلى الطائرة C-130، التي ستعيده، بدورها، إلى حيث يجب أن يعود. لقد كان التفكير في وقوع طيار في أيدي القوات العراقية، في مثل هذه الظروف، يثير المخاوف والهلع لدى القيادات الإسرائيلية.

التدريب على المهمة

كان الاختيار قد وقع على 24 طياراً إسرائيلياً، نصفهم من طياري طائرات F-15، والنصف الآخر من طياري الطائراتF-16 .وكان تنفيذ المهمة يتطلب ستة عشر طياراً فقط (ثمانية لكل نوع من الطائرات). أمّا الباقي، فهو احتياطي لتخلّف أي طيار، حتى اللحظة الأخيرة (50% من الطيارين اللازمين) وهو إجراء تأميني آخر، يرفع نسبة النجاح المتوقعة إلى درجة عالية من التأكد.

دُرِّب الطيارون المختارون، مبكراً، فبدأ تدريبهم الأساسي في أكتوبر 1980، أي بعد عدة أيام على الغارة الأولى المحدودة النتائج. وهو ما ينمّ على أن قرار إعادة القصف الجوي، قد اتخذ على أثرها، وأن الخطوط العامة للعملية، قد وضعت عقب اتخاذ القرار، ليبدأ التدريب العملي للطيارين.

شملت التمرينات التدريبية الأساسية، الملاحة الجوية الدقيقة، والطيران على ارتفاعات منخفضة جداً، والتشكيلات المتقاربة (المنضمة)، وكذلك تدربوا على التسلق على ارتفاعات القذف، وقذف الأهداف بدقة،  والخروج من منطقة نيران الأسلحة المضادّة، بسرعة، وفك التشكيلات والطيران أزواج.

كما احتوت التمرينات التدريبية على حُسن التصرف في المواقف الطارئة، خاصة مع عدم وجود اتصال لاسلكي، وعلى الملاحة المعتمدة على مرشد واحد أو مرشدَين في المجموعة كلها، والتغلب على وسائل التعويق الإلكترونية، ومراقبة شاشات عرض البيانات المختلفة[21].

أمّا التدريب الرئيسي، فكان تدريباً متعلقاً بكيفية تنفيذ المهمة، فوق الهدف. فقد تدرب طيارو طائرات F-15، على أسلوب مهاجَمته في وقت قصير (يراوح بين دقيقتَين وأربع دقائق، للقاذفات الثماني، (أي 15 ـ 30 ثانية فقط، لكل طائرة) بفرض أنها ستعمل بالتتالي، متجاهلة النيران المضادّة، الموجَّهة إليها من الدفاع الجوي المعادي، مع تعرف كل طيار منطقة إسقاطه لقنبلتَيه، خلال مرحلة الدخول على الهدف، والطواف حوله، المحدد له ما يراوح بين 15 و20 ثانية. واستهدف التدريب إصابة منتصف الهدف تماماً، وإجراء تمريناته في ظروف مشابهة، خاصة في ظروف الرؤية الصعبة، الناجمة عن القصف الآنف. أمّا طيارو طائرات F-15، فتدربوا على أساليب الحماية، التي سيضطلعون بها، وعلى التصدي للمقاتلات الاعتراضية المعادية، في ضوء رصد قياداتهم أساليب عمل القوات الجوية العراقية، خلال عملها ضد القوات الجوية الإيرانية، إضافة إلى تدريبات مشابهة لتدريبات طائرات F-16، ليكونوا مستعدين لإكمال المهمة، إذا طرأ أي موقف، يعطل أيّاً من الطائرات القاذفة.

وعلى التوازي، شمل التدريب باقي المشاركين في العملية، من أطقم غرفة العمليات، وفنيّي الصيانة وعمال شاشات الرادار، وضباط التوجيه، وأطقم طائرات الإنقاذ والتأمين، وطاقم طائرة المحطة الجوية للإمداد بالوقود، وأطقم طائرات الحراسة التابعة لها، وكل من له صِلة بالعملية. كل ذلك للحؤول دون أي احتمال، ولو ضئيلاً، قد يعوق تنفيذ المهمة.

إمعاناً في التأكد من فاعلية التدريبات، بادر رئيس الأركان العامة الإسرائيلية، الجنرال رفائيل إيتان، وهو مظلي سابق وعمل فترة كطيار، إلى المشاركة في أحد التدريبات، ليكوّن فكرة واقعية عن فاعلية الخطة، والمعوقات، التي قد يتعرض لها أطقم التنفيذ، للحيلولة دون تسبب أي مشكلة بإفساد الخطة، أو إضعاف نتائجها، أو تأخيرها عن الوقت الملائم[22].

لقد شملت التدريبات كل ما استطاع العقل البشري، والحاسبات الإلكترونية، تصوُّره من احتمالات مختلفة، بسيطة كانت أو معقدة متشابكة، بل وُضع، كذلك، تصوُّر للحلول وبدائلها، وكذلك بدائل لما  قد يترتب على تلك الاحتمالات من تطورات في الوضع النموذجي الأساسي.

كانت القيادة العسكرية، وقيادة سلاح الجو، الإسرائيليتان، تدققان في كل التفاصيل، وتبذلان كل جهد في إنجاح المهمة بكفاءة عالية، ليمكن إغلاق ملف هذا الموضوع، لفترة طويلة قادمة، على الأقل. وهي الفكرة نفسها، التي خامرت القيادة السياسية للدولة الإسرائيلية، وأحد أهدافها القومية، الرامية إلى الحؤول دون حصول أي دولة، عربية أو إسلامية، في نطاق منطقة الشرق الأوسط[23]، على سلاح نووي، وإن كان بدائياً.

خطة العملية

اختار المخططون لعملية قصف المفاعل النووي العراقي وتدميره، الاسم الرمزي العملية بابل، نسبة إلى حضارة بابل، إحدى الحضارات القديمة التي عرفتها أرض العراق.

كانت خطة العملية بابل تقضي بإقلاع الطائرات في مجموعتَين. المجموعة الأولى مكونة من 8 طائرات F-16 (مجموعة القذف). والمجموعة الثانية مكونة من 8 طائرات F-15 (مجموعة الحماية)، وعلى بُعد منها، يسمح لها بنجدتها، قبْل أن يصل إليها الطائرات الاعتراضية المعادية.

تقترب الطائرات من الهدف، بالطيران المنخفض جداً، في خط السير المحدد، متفادية، قدر المستطاع، حقول الكشف الراداري للدول التي تخترق أجواءها، ملتزمة بتعليمات التأمين، القاضية بالصمت اللاسلكي. وعلى مسافة 40 ميلاً من الهدف، ترتفع مجموعة الحماية إلى حدٍّ، يتيح لها السيطرة المحلية على أجواء منطقة العمل، بينما تبث مجموعة القذف موجات رادارية، لتعويق الرادارات في قواعد صواريخ جو/ أرض، من أنواع SAM-2, 3, 6، المحيطة بمنطقة الهدف، أو رادارات أسلحة  الحماية الأخرى (بطاريات المدفعيات المضادّة للطائرات، المخصصة لمقاومة الأهداف المنخفضة عن مجال عمل الصواريخ). ثم تطلق مجموعة القذف صواريخ Shrike، لتدمير هوائيات الرادارات، خاصة تلك العائدة لبطاريات الصواريخ، من نوع SAM-6، القادرة على إصابة الطائرات على الارتفاعات العالية.

بالوصول إلى دائرة الهدف، أي حينما يصبح الهدف في مجال الكشف والتحديد لرادارات الطائرات، تنخفض طائرات مجموعة القذف عن ارتفاع الاقتراب، لتصبح على ارتفاع الأشجار (حتى 5م)، لضمان تحقيق إصابة مباشرة للهدف. بينما تظهر شاشات الرادارات مجموعة الحماية، التي تكون فوق مجموعة القصف تماماً، لحظة تنفيذ المهمة، على ارتفاع السيطرة الجوية المحلية.

تقضي الخطة بأن يغادر الطيار الأخير، في مجموعة القذف، منطقة الهدف، لينقض عليها أحد طياري مجموعة الحماية من علو شاهق، ويطلق أسلحته عليها، محدثاً التأثير المطلوب. بيد أن أسلحته تلك، لم تكن ذات تأثير مدمر، بل كانت مهمة خاصة، ذات أهمية قصوى، تتخطى إحداث التأثير. فالطائرة مجهّزة، إضافة إلى أسلحة القتال الجوي، التي تساعدها على أداء دورها، كطائرة حماية، بمجموعة أجهزة تصوير متناهية الدقة، حتى إن بعضها، كان يعمل باستشعار الحرارة، المنبعثة من الحرائق والانفجارات، وتحديد درجتها. وهو ما يمكّن مفسّري الصور، في قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، من التقدير السليم لحجم الإصابة، ودرجة التدمير الذي حل بالأجزاء المختلفة للمفاعل، على الرغم مما يحيط الهدف، من سُحُب دخان وغبار، ناجمة عن الانفجارات المدمرة المقدر أن تصيبه.

بعد تنفيذ مهمة التدمير، كان على الطيارين إتّباع الجزء الثالث من الخطة، المتعلق بعودتهم. وهو يقضي بطيرانهم مَثْنَى، بعد أن تقابل كل طائرة F-16، إثر انتهائها من القذف، طائرة F-15، المكلفة بحمايتها، في نقطة تقابُل محددة، زمناً واتجاهاً. وزيادة في الحيطة، جعل المخططون نقاط التقابل ذات اتجاهات مختلفة، تتيح عودة كل طائرتَين في اتجاه مختلف عن اتجاهات غيرهما، مما يصعّب عملية اعتراض الطائرات كلها. ولم يكن ذلك ليضعف من قوة الطائرات العائدة؛ فهي طائرات متفوقة أصلاً، إضافة إلى أن طائرات القذف، F-16، بعد استهلاكها معظم وقودها، والتخلص من ذخيرتها (قنابل وصواريخ)، أصبحت أخف وزناً، وقادرة على أعمال المناورة، التي يقتضيها الاشتباك الجوي.

كان لا بدّ من المخاطرة، بالعودة على ارتفاعات عالية جداً، على الرغم من أن ذلك يعرّض الطائرات  للاكتشاف بسهولة، كما يزيد من احتمالات اعتراضها، من قِبل طائرات العدو. فقد كان ذلك الارتفاع الشاهق، مطلباً مهماً لسلاح الجو الإسرائيلي، وافقت عليه رئاسة الأركان العامة على مضض، فهو يوفر للطائرات العائدة كمّاً من الوقود، يعوضها عن استهلاكه الكبير، في طيرانها المنخفض جداً، إبّان رحلة الاقتراب.

كان الطيارون يأملون، أن تجنّبهم المفاجأة والسرعة لقاء طائرات العدو، وهم مُجهَدون. كما كانوا يخشون نفاد وقود طائراتهم، أثناء أعمال المناورة، التي سيضطرون إليها، ليضعوا طائراتهم في أفضل وضع للقتال الجوي مع الخصم، فضلاً عمّا تستهلكه أعمال المناورة للقتال نفسها.

قدَّر المخططون، بعد حسابات دقيقة، زمن الرحلة، بما يعادل ثماني ساعات. وهو زمن طويل جداً، في العمليات الجوية المعتادة. فقد كانت المسافة طويلة، يضاف إليها محاولات تفادي مجالات الرادارات المعادية، والابتعاد عن أي مطارات عربية، في المسار، مما زاد المسافة، في سبيل زيادة التأمين. لذلك، كان لمحطة الإمداد بالوقود، جواً، وطائرات الحماية الخاصة لها، خطة فرعية، تحوم، بمقتضاها، في منطقة داخل الحدود الإسرائيلية، تتوسط خطوط السير الثمانية للمثاني العائدة، مسابقة للريح بينما تجثم شبيهتها طائرة البحث والإنقاذ[24] على أرض مطار عسكري، على الحدود وفي جوفها الطائرة العمودية، التي تضطلع بالبحث في الأراضي الصعبة، التي يتعذر فيها البحث على الطائرة الأمّ.

آخر أجزاء الخطة كان الهبوط. وقد حُدّدت عدة مطارات عسكرية، منتشرة في أنحاء إسرائيل، لهبوط الطائرات، بما يتلاءم مع اتجاهاتها.

ترتيبات الأمن

كان العاملون في خطة العملية بابل، على اختلاف درجاتهم ووظائفهم، قد لقنوا موجزاً كاملاً للخطة، على غير المعتاد، بما في ذلك حقيقة الهدف، والقصد من العملية، حتى يكونوا على الدرجة نفسها من الإحساس بأهمية العمل، الذي سيقدِمون عليه، وكذلك الأخطار التي ستواجههم، فيستعدون نفسياً، ويتحمسون لتنفيذ العملية.

لذلك، كان لا بدّ من بعض الإجراءات الأمنية الإضافية، ليشمل برنامج التدريب، محاضرات توعية أمنية، وتوضيحاً للتصرف عند الوقوع في الأسْر، وبعض المعلومات عن العادات في الدول، التي سيمرقون من فوقها، وغيرها من المعلومات، التي قد يحتاج إليها مَن تضطره الظروف إلى ترْك السماء إلى الأرض.

كان من المسموح لأطقم الطائرات الاتصال بذويهم، خلال فترة التدريب. كما كان يسمح لهم بإجازات قصيرة، وزيارات ترويحية إلى إيلات القريبة (20 كم)، على أساس أنهم من الأسراب العاملة في القاعدة، ليس إلاّ. وكانت كل المسموحات، بما فيها تبادل الخطابات مع الأهل والأصدقاء، تحت رقابة سرية مشددة.

العراقيون يشددون الدفاع عن المفاعل

كانت الغارة الإسرائيلية الأولى على المفاعل[25]، قد مضى عليها أكثر من ثمانية أشهر، ومنذ تلك الغارة المفاجئة، احتاط العراقيون لتكرارها، لعِلمهم أن أهدافها لم تتحقق؛ إذ كانت نتائجها محدودة جداً. وكلما مضوا قدُماً في إزالة آثار الأضرار، التي خلّفتها الغارة، ازدادت يقظتهم وحرصهم، وزادوا إجراءات الوقاية والأمن.

شملت إجراءات الوقاية زيادة عمق المباني، تحت الأرض، وزيادة سمك حوائطها، وإعادة توزيع عناصر الدفاع الجوي وأسلحته، مع تكثيفهما، حيث الزوايا والاتجاهات الأكثر احتمالاً لمهاجمة منطقة المفاعل، من الجو، مع زيادة عدد النطاقات المضروبة حول المنطقة، سواء عناصر الدفاع الجوي، أو عناصر التأمين الأرضي، التي شملت أسلحة رشاشة ومدافع، قصيرة المدى ومضادّة للدبابات، في دشم، تسيطر على الطرقات والمسالك المؤدية إلى المنطقة، مع زيادة حجم قوة التأمين، داخل المفاعل وحوله، وتكليف وحدات خاصة بدعم قوة الدفاع عن المفاعل. لقد كان من الواضح، أن العراقيين، قد وضعوا لأنفسهم تصوُّراً عن العدائيات، التي يمكن أن تمارسها إسرائيل (أو غيرها من الدول المعادية)، ضد منطقة المفاعل. وكان أغلب اعتقادهم، أن تلجأ إسرائيل إلى استخدام قوات الكوماندوز، في إبرار فوق الهدف، أو بالقرب منه، ومهاجَمته براً، ما دامت الغارة الجوية السابقة، لم تحرز النتائج المرجوّة.

شمل الدفاع الجوي عن منطقة المفاعل، أنظمة جديدة للكشف الراداري، وبطاريات صواريخ أرض/ جو، روسية الصنع، من نوع SAM-6، ذات المدى البعيد، وأخرى أوروبية الصنع، أكثر حداثة، من نوع Roland، مضادّة للأهداف ذات الارتفاع المنخفض، ومدافع مضادّة للطائرات، من أنواع عتيقة، تعتمد على الرمي المكشوف، وأنواعاً أخرى حديثة، سريعة الإطلاق، غزيرة النيران، متعددة المواسير، وموجَّهة بالرادار، روسية الصنع، من نوع Suz-23mm4.

التنفيذ

صباح 7 يونيه 1981، بدأ الإسرائيليون العدّ التنازلي لتنفيذ العملية بابل. وعلى مسافة 20 كم من إيلات، حيث تقبع القاعدة الجوية المختارة، Atzeon بدأ النشاط المحموم يتصاعد. وكان أول الإجراءات، هو قطع الاتصالات الهاتفية مع القاعدة، عدا الاتصالات الرئيسية، مع قيادة سلاح الجو ورئاسة أركان القوات المسلحة فقط. وللأسباب الأمنية نفسها، منعت السيارات والأفراد في القاعدة، من الذهاب إلى إيلات، أقرب مدينة إليها، أو التعامل مع المدنيين. وكان قد سبق إلغاء إجازة آخر الأسبوع، واستُدعي الأفراد المجازون من قبْل، بدعوى التدريب وغيره مما هو معتاد.

داخل القاعدة الجوية، كانت الحركة أكثر صخباً، والخطوات أكثر سرعة وعصبية. فقد كانت الأعصاب متوترة، تترقب ما هو آت. واتخذ كل فرد مكانه، وبدأ يراجع إجراءاته وتوقيتاته، والاتصال، داخلياً، بالأقسام الأخرى، ليختبر دوره في الخطة، والتعامل مع الآخرين، وفقاً للتدريب.

كان للطيارين، الذين سينفذون المهمة، نهج آخر في الاستعداد. فكل منهم انفرد بذاته، لدقائق، في غرفته. ثم تجمعوا في قاعة تلقّي الأوامر، للاستماع إلى آخر المتغيرات في المهمة. ولم يكن هناك متغير، فقد كانت الخطة، بعد التعديلات، التي أدخلت عليها خلال التدريب، تضع لكل صغيرة وكبيرة حلولاً وبدائل، حتى لا يكون هناك مفاجآت غير متوقعة. لذلك عمد المخططون إلى مواجَهة أهم مفردات الخطة، واللحظات الحرجة فيها، مع الطيارين، قبْل أن يؤذن لهم، من قِبل قائد القاعدة، في الانصراف إلى طائراتهم، لتقل كلاّ منهم طائرته، وأغلقوا الأغطية المنزلقة للمقصورات، وأداروا المحركات، وانتظروا الإشارة بالتحرك إلى بداية ممر الإقلاع، حيث يقف أول مَتْنَى منهم، على استعداد لبدء السباق نحو الهدف.

في الثالثة تماماً، بعد ظُهر 7 يونيه، بالتوقيت المحلي، انطلق المَثْنَى الأول، وتبعه الآخرون مَثَاني، طبقاً للمخطط. واستخدمت الطائرات الممر كله، لتأمين السرعة المطلوبة قبْل الارتفاع، فقد كانت الحمولة كاملة، والوزن ثقيلاً. وفي بضع دقائق، كانت الطائرات، الستة عشرة، تسبح في الفضاء، على الارتفاع المحدد، في اتجاه الهدف.

لم يصادف الطيارون في رحلتهم إلى الهدف، أي عائق، وكان طيرانهم هادئاً، موافقاً التخطيط، زمناً وأحداثاً. لم يعكر صفوه أي مفاجأة. كما لم يكتشف تشكيل الطائرات من قِبل أي نظام راداري، حلقت داخل حقوله أو على أطرافها. ولم يعترضها، كذلك، أي تشكيل جوي معادٍ، ولم تطلق عليها أي قذائف أو صواريخ مضادّة. وبدا أن كل شيء على ما يرام، يسير كما الخطة، حتى احتمالات الأعطال، التي كانت إحدى المفاجآت، التي طالما تدربوا عليها، لم يحدث أي منها. لقد كان الجميع حرصاء على سلامة العمل ودِقته، إذ بات التأجيل مستحيلاً، بعد توافر الأنباء عن قرب وصول شحنة الوقود النووي المشع، وبدء التشغيل في المفاعل، وهو التوقيت الحرج، الذي يمكن أن يقضي تأجيله على المهمة.

بعد ثماني ساعات من الطيران المتواصل، وفي تمام الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، من مساء 7 يونيه، شاهد قائد مجموعة القصف مباني ضخمة، تعرّفها، من الفور، فهي مطابقة لمجسدات التدريب. وكان واضحاً، على الرغم من الظلام النسبي، أن هذه المباني، بقبابها وارتفاعها، هي مفاعلات مشروع تموز، النووية العراقية، التي شيدت من الأسمنت المسلح، بارتفاع 60 قدماً عن سطح الأرض، بينما تضرب هياكلها الرئيسية في باطن الأرض، بهدف زيادة وقايتها من الهجمات الجوية، أو الضربات الصاروخية.

في الحال، أصدر قائد مجموعة القذف أوامره ببدء الهجوم. فارتفعت أولى طائرات الصقور F-16، بعض مئات من الأقدام، لتتمكن من قصف الهدف، محافظة على الارتفاع الأكثر ملاءمة لدِقة الإصابة، وتشغيل أجزاء القنابل المقذوفة، وعدم التقاطها من قِبل الرادارات، التابعة لنُظُم الدفاع الجوي، المحيطة بالمفاعلات، متمسكة بإحراز المفاجأة التامة، حتى آخر لحظة، وحتى تتيح لباقي المجموعة فرصة جيدة لإكمال القذف، والخروج من دائرة التدمير لأسلحة الدفاع، بسرعة.

في اللحظة عينها التي بدأت فيها أولى طائرات مجموعة القصف تنفيذ مهمتها، كان قائد مجموعة الحماية، قد أصدر أوامره إلى طائرات النسور، F-15، لتتخذ أماكنها على علو كبير (حتى ألف قدم)، لتسيطر على مساحة المنطقة، وترصد بعين ساهرة أعمال الهجوم الجوي، متأهبة لمنع أي طائرة دخيلة، من إفساد خطة التدمير التي توشك أن تبدأ.

صوب طيار القاذفة الأولى، طيارته نحو الهدف، ودقق النظر، محدداً مكان القبة الأسمنتية الضخمة، التي لا يمكن أن تخطئها العين. وعندما أطبق رادار القذف بالطائرة على منتصف الهدف، وصدر عنه الوميض والصفير الدالاّن على إمساكه بإحداثيات الهدف، أطلق الطيار قنبلتيه Mk-84، ليرتفع صفيرهما متخطياً صوت الطائرة، وهي تمرق خارج دائرة الهدف، لتفسح المجال لزميلتها التالية، التي ما كادت تأخذ مسار الانقضاض، حتى انفجرت قنبلتا الطائرة الأولى، محدثتَين صوتاً ضخماً عالياً وانهياراً كاملاً للقبة، لتفسحا طريق القنابل التالية إلى قلب مبنى المفاعل، تموز ـ 1 (أوزيراك) في الصميم.

توالت طائرات الصقور على قذف مباني المفاعلات وملحقاتها بالقنابل، وضربها بالصواريخ، طبقاً لِما قضت به الخطة، من التوقيت ومدى البقاء الزمني فوق الهدف، كلٌّ في المنطقة المحددة لها. فدمرت مبنى الحاسبات الإلكترونية، التي كانت ستسيطر على أداء المفاعل، والمعامل الرئيسية للأبحاث الملحقة بمبنى الحاسبات الإلكترونية، والجدران الحامية لقلب المفاعل. وتدفقت المياه المحيطة بالمبنى، والتي كان القصد منها زيادة الأمان من ارتفاع حرارة قلب المفاعل عند التشغيل ـ لتغمر الغرف والممرات، في داخله، وتزيد من حجم الكارثة التي بدأت تحيط به وتنسج خيوطها حوله.

كانت الطائرات التالية، قد أكملت مهمتها، وبدأت تغادر الميدان، في اتجاهات مختلفة، حينما بدأ الدفاع الجوي عن الهدف، يصحو من هول المفاجأة. وسمعت الأصوات الحادة لصفارات الإنذار، بينما أفرغت الرشاشات المضادّة للطائرات طلقاتها صوب السماء، دونما هدف تراه. وبدأت المدفعية الثقيلة تدك السُّحُب بحثاً عن الطائرات المعتدية. في حين دارت الصواريخ دورتها، عدة مرات، من دون أن تتمكن من الانطلاق؛ فالأهداف زواياها متعددة، والمدى يكاد يقترب من حافة الإصابة لديها. أمّا القيادات، فلم تتخذ، بعدُ، قرارها؛ إذ كان للمفاجأة لمسة سحرية، أصابت العيون والعقول بشلل مؤقت، للحظات، هي كل ما تمناه الطيارون والمخططون، والقادة الإسرائيليون، الذين استطاعوا، بعد عناء طويل، زفر أنفاسهم، بعد شهيق احتبس في صدورهم، طوال ثواني القصف المائة والعشرين، هي زمن القصف للطائرات الثماني.

كانت الطائرات المغيرة تبتعد، في اتجاهاتها المتفرقة، على ارتفاع منخفض وبسرعة عالية، خاصة بعد أن خفّ وزنها كثيراً، دون أن تدع لأسلحة الدفاع الجوي عن الهدف، الفرصة لالتقاطها واقتناصها. بينما وقف بعض العاملين في المشروع النووي العراقي، بعيداً عن منطقة الانفجارات، يشاهدون الدمار، يحل بالمباني، التي اجتهدوا في إكمالها بأسرع وقت، وحاولوا أن تكون في أحسن صورة، استعداداً لأن يفتتحها الرئيس العراقي بنفسه.

خفتت أصوات الطائرات المبتعدة، تصحبها طائرات الحماية، في مَثَانٍ، بينما نسر واحد، F-15، يحوم حول المنطقة، مرات ومرات، ثم انقض على الهدف، محتمياً بالدخان المنبعث منه، ثم يخرج من الدخان، صوب زميله الصقر، F-16، ليكتمل العدد في رحلة العودة، كما كان في رحلة الاقتراب. ولم ينتج من الهجمة الأخيرة صوت انفجار، فظن المراقبون العراقيون، أن القنابل الأخيرة لم تنفجر، فحُشر رجال الإنقاذ ومكافحة الحرائق، في انتظار انفجارها. وهو ما لم يحدث، إذ استهدفت الهجمة تسجيل نتائج الإصابة، بالتصوير الدقيق. وفقد العراقيون عدة دقائق مهمة في عمر المفاعل، زادت من آثار الهجوم، قبْل أن يبدأ العمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهو قليل.

بينما كانت مثاني النسور والصقور، متجهة إلى قواعدها، في رحلة عودة طويلة، بعد أن خفّ وزنها، وازدادت سرعتها، كانت فِرق الإنقاذ تبحث عمّا يمكن أن تنقذه. فلا مبنى، ولا جهاز، سلم من التدمير، ولا مُعَدَّة، ولا أداة، نجت من الخراب والحريق. واستمر حملَة النقالات والطبيون يبحثون عن الجرحى الأحياء بين الأنقاض، طوال الليل والنهار التالي.

قتل في الهجوم الجوي ثلاثة أفراد، عاملان عراقيان من الفنيين، وخبير فرنسي، على الرغم من أن يوم الغارة، كان يوم الأحد، وهو يوم راحة الخبراء الفرنسيين[26]، وهو، كذلك، أحد أسباب اختيار التوقيت لتنفيذ المهمة. وقد أثار ذلك علامة استفهام عن طبيعة الدور الفرنسي، هل كان مساندة على إنشاء المفاعلات، أو تسريب أخبار العمل في المفاعل إلى الطرف الآخر، بالتدريج، حتى تدمير المفاعل قُبَيل بدء نشاطه؟ وهو التوقيت نفسه للغارة الأولى المحدودة النتائج!

في السابعة من صباح  7 يونيه، استقبلت مطارات الهبوط المثاني العائدة، من النسور والصقور. واكتملت رحلة الهبوط في غضون عشر دقائق، ليعلن اكتمال التنفيذ بنجاح، من دون إصابة. ولتبدأ عملية التقييم.

نتائج الغارة وتداعياتها

انتظر العراقيون يوماً كاملاً، بعد الغارة الجوية، ليصدروا بيانهم في 8 يونيه. فصدر البيان عن مجلس قيادة الثورة، وليس عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، كما هو معتاد. وأعلن العراقيون هجوم تسع طائرات[27] إسرائيلية، في 7 يونيه، على المنشآت النووية العراقية، بالقرب من بغداد. كما أشار البيان إلى الغارة الأولى، في 27 سبتمبر 1980. وتعلّل لعدم ذكر اسم إسرائيل، بأسباب عسكرية وسياسية ومعنوية، والعجز، في حينه، عن إثبات علاقتها بالغارة. بينما هذه المرة، فإن إسرائيل نفسها، أذاعت أنباء الغارة، واعترفت باضطلاعها بها، ومحذرة الشعوب العربية كافة.     (المرفق الرقم 2)

أعقب البيان، صدور تعقيب عليه لمرجع مسؤول، تحدث فيه عن الغارة الأولى، وربط بين الغارتَين[28]، واتهم إسرائيل بالغارة الأولى. كما أشار إلى أن الغارتَين مساندة إسرائيلية لإيران على حربها ضد العراق.

أحدثت الغارة الإسرائيلية عدة ردود فعل وتداعيات شتى، تدرجت من العنف إلى اللامبالاة، في كثير من البلدان والمنظمات العالمية الإقليمية.

طلب ممثل العراق الدائم لدى جامعة الدول العربية، دعوة مجلس الجامعة إلى اجتماع عاجل، على مستوى وزراء الخارجية العرب، في بغداد، لبحث العدوان الصهيوني على العراق، وقصف منشآته النووية.

كما استدعى وزير خارجية العراق، سعدون حمادي، رؤساء البعثات الدبلوماسية، العربية والأجنبية، لدى بغداد، وأبلغهم تفاصيل الحادث، مؤكداً أن المنشآت التي دُمرت، إنما أنشئت من أجْل أهداف سلمية، وهي تحت الرقابة الدولية، وقد فحصتها لجنة من وكالة الطاقة الذرية الدولية، وأصدرت تصريحاً، يؤكد استيفاء شروط السلامة المطلوبة.

ساند العراق معظم الدول العربية. وأرسل رؤساء ثمانٍ وعشرين دولة، أوروبية وآسيوية وأمريكية، برقيات تأييد للعراق، واستنكار للغارة. كما شارك في التأييد هيئات، دولية وإقليمية ووطنية. وانطلق بعض المظاهرات المؤيدة للعراق، في دول مختلفة، نظّمتها قيادات حزبية، ورؤساء أحزاب، وشارك فيها بعض السياسيين والكتّاب البارزين في دول شتّى. أمّا الحكومة الفرنسية، فاستدعت سفير إسرائيل لديها، وسلمته مذكرة احتجاج على الغارة الإسرائيلية.

أصدرت الحكومة الإسرائيلية، مساء 8 يونيه، بياناً رسمياً، في شأن الغارة اعترفت فيه بالعملية، وأشادت بنتائجها، ولا سيما تدمير المفاعل الرئيسي تدميراً كاملاً. وأعلنت أن إسرائيل، لم تفقد أي طائرة. وحذرت الدول الأوروبية، من مساعدة العراق على مبتغاه ثانية. وأوضحت أنها لن تسمح أبداً؛ بأن تحصل دولة عربية على قنبلة ذرية.

عقد الإسرائيليون مؤتمراً صحفياً، في قاعة المحاضرات الكبرى، في بيت كروت (بيت الصحفيين)، في القدس. شارك فيه رئيس الوزراء، مناحم بيجن، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، رفائيل إيتان، وقائد سلاح الجو، ورئيس شعبة الاستخبارات، وبعض القادة الإسرائيليين، العسكريين والسياسيين. أوضح رئيس الوزراء وجهة نظر إسرائيل. كما أجاب مرافقوه عن أسئلة الصحفيين. وأعربوا، جميعاً، عن الالتزام بسياسة الاحتفاظ بالتفوق الإسرائيلي. كما أنهم لم يذكروا، من قريب أو بعيد، صِلتهم بإيران، وهو ما جعل الأمر يبدو في صورته الحقيقية، وهي حفاظ إسرائيل على أمنها الوطني، من وجهة نظرها الخاصة، من دون أن تضع في حسبانها أي قوانين أو أعراف دولية.

طلب العراق، كذلك، عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن. إلاّ أن مشاورات المجلس، التي استمرت طيلة يومَي 8 و9 يونيه، لم تسفر عن شيء. واتجه العراق إلى المنظمات الإقليمية الأخرى، مثل حركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ودعا كلاًّ منهما إلى اجتماع طارئ.

صدر عن اجتماع مجلس الجامعة العربية (على مستوى وزراء الخارجية) بيان، يستنكر العدوان الإسرائيلي، ويساند العراق على محنته. كما صدر عن مجلس الأمن القرار الرقم 487، في 19 يونيه 1981، الذي يدين الهجوم العسكري الإسرائيلي على المفاعل النووي، من دون أن يحمّل إسرائيل تبعة عملها، أو يفرض عليها عقوبة ما، مثل تلك التي تفرض على دول، اقترفت ما هو أقلّ من ذلك. وقد أغضب ذلك القرار العراقيين، لعدم تشدده..

كان تقييم التقرير الأمريكي، الصادر عن قسم الأبحاث، في الكونجرس الأمريكي، في شأن القدرات النووية لبعض الدول، ومنها العراق، في يناير 1982، أن البرنامج النووي العراقي تأثر تأثراً شديداً بنتائج الغارة الإسرائيلية. فقد أدّى فقْده المفاعل الفرنسي، أوزيراك (تموز ـ1)، إلى تأخر البرنامج في الأبحاث التجريبية، لإكساب علمائه الخبرة، بفقْده مصدر الحصول على البلوتونيوم اللازم لتلك الأبحاث. إلاّ أن العراق يستطيع شراء يورانيوم مُنقّي. كما أن لديه قاعدة للصناعات الحربية، الإلكترونية والهندسة النووية، مما له علاقة بالبرنامج النووي. وقد تأخرت إمكاناته النووية المستقبلية، عدة سنوات، قدّرها بعض المتخصصين بنهاية التسعينيات، إذا بادر إلى إصلاح الضرر واستعادة قدراته، ومعاونة الآخرين له. (المرفق الرقم 3).

اعتمد المحللون، المراقبون للأوضاع النووية في العالم، في تقديراتهم لتأخر برنامج العراق الوطني، على ما أذيع عن تحوّل العراق، في مباحثاته العسكرية مع فرنسا، إلى محاولة الحصول على مدافع حديثة، وطائرات فرنسية، من نوعMirage F-1   (وهو ما حصل عليه بالفعل)، لتعاونه على الحرب ضد إيران، بدلاً من التعاون النووي. إلاّ أن الأحداث التالية أثبتت غير ذلك.

لقد كان إعلان إسرائيل نجاح العملية بابل، أقرب إلى وضع ختْم مقفَل، إلى أجَل غير مسمى، على ملف النشاط النووي العراقي، لدى الاستخبارات الإسرائيلية.


 



[1] قاتلت قوة من الجيش العراقي في حرب فلسطين 1948، بجانب الجيش الأردني في منطقة `اربد`، وقاتل لواء مشاة آلي عراقي مع الجيش الأردني في حرب يونيه 1967 في منطقة `المفرق`، وفي حرب أكتوبر 1973 شاركت القوات العراقية بسرب طائرات من نوع Hoker hunter   على الجبهة المصرية وفرقتين مدرعتين ولواء مشاة آلي ولواء قوات خاصة. وأربعة أسراب طائرات مقاتلة قاذفة من أنواع   Mig-17 ;  Mig-21  Sukhoi ; على الجبهة السورية.

[2] سبق أن أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً (القرار الرقم 33/71) في 4 ديسمبر 1978 تحذر فيه الدول الأعضاء بالمنظمة، لإنهاء ووقف كافة عمليات إمداد إسرائيل بالمعدات والتكنولوجيا والمواد النووية.

[3] يطلق اصطلاح البعد الثالث على الوسائل والقوات التي تستخدم الفضاء ـ الأجواء ـ العليا لتحركاتها لتصل إلى الهدف لتفادي الأرض الصعبة أو الاصطدام بقوات الخصم، مثل الطائرات القاذفة، والمقاتلة القاذفة، والعمودية المقاتلة منها وحاملة الجنود (المظليون والاقتحام الجوي).

[4] وقع العراق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة  النووية عام 1969، كما تبادل مع فرنسا خطابات رسمية للتأكيد على عدم استخدام اليورانيوم النقي الذي ستمدها به فرنسا في الأغراض العسكرية، وأُوْدِعَتْ تلك الخطابات لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية المنوط بها مراقبة النشاط النووي في العالم.

[5] كانت أكثر المحاولات اقتراباً من النجاح مع كل من إيطاليا وهولندا.

[6] هو مفاعل أبحاث من نوع ` 2 mw IRT_2000, vvrt ank typw ` يطلق عليه اسم ` Manega ` ، ويستخدم يورانيوم نقي بدرجة 80%، ويستعمل في إنتاج مواد مشعة للأغراض الطبية والأبحاث الزراعية أساساً.

[7] كان الدكتور المشد عالماً متخصصاً في هندسة المفاعلات النووية، وقد توصل إلى تصميم لمفاعل نووي يمكنه استخراج أقصى كمية من البلوتونيوم من اليورانيوم، وهو ليس العالم النووي المصري الوحيد الذي يغتال، فقد سبق أن اغتيلت عالمة الذرة المصرية الدكتورة سميرة موسى علي أبو سليم، المتخصصة في الطبيعة النووية عقب تمكنها ـ خلال دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية ـ من التوصل إلى إمكانية صناعة قنبلة نووية من خلال تفتيت المعادن الرخيصة، وكان اغتيالها في 15 أغسطس 1952 في حادث سيارة غامض، كذلك توفيت عالمة الذرة المصرية، الدكتورة نادية سوكة في حادث بالولايات المتحدة الأمريكية وهي متخصصة في الكيمياء النووية ولها برامج عديدة في مجال الإشعاع وأكثر من مائة بحث في مجال الكيمياء النووية.

[8] جرت المعركة الجوية بين الطائرات الإسرائيلية F-15 والسورية Mig-21 في 24 أغسطس 1980 فوق صيدا بجنوب لبنان.

[9] كانت الدول العربية قد اتخذت قرار بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، عقب مبادرة الرئيس المصري محمد أنور السادات بزيارة إسرائيل، وتوقيعه معها اتفاقية كامب ديفيد.

[10] كان شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، يسعى، باستخدام عائدات النفط التي زادت زيادة كبيرة عقب حرب أكتوبر 1973، إلى أن تصبح القوات المسلحة الإيرانية القوة الخامسة في العالم.

[11] أجمعت المراجع، التي تكلمت على موضوع الغارة الإسرائيلية الثانية، على المفاعل النووي العراقي، أنها حدثت في 7 يونيه 1981، وذكر أحدها أنها شُنَّت في 6 يونيه 1981، الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق مساءً، إلاّ أن البيانَين الرسميَّين للدولتَين، حددا 7 يونيه، تاريخاً للحدث.

[12] كانت مخصصة للمفاعل الصغير `تموز2` التجريبي.

[13] طبقاً لرواية الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي).

[14] أشار بعض الكتاب إلى احتمال التفجير من الداخل في نفس الوقت مع القصف بواسطة عميل من داخل المنطقة يظن أنه الخبير الفرنسي الوحيد الذي كان موجود في المفاعل رغم أنه يوم عطلته.

[15] بعد حادث التسرب الإشعاعي من مفاعل نووي في تشيرنوبل بأوكرانيا، وصل التلوث الإشعاعي حتى الأراضي الألمانية في وسط أوروبا وبمستوى أضعف حتى الجزر البريطانية في غرب القارة.

[16] كان الطريق الأقصر ذهاباً، يمر فوق مناطق تمركز بطاريات صواريخ ` Hawk ` الأردنية، وفي مجالات الكشف الراداري للأردن وسورية، وهو ما يعرض الطائرات الإسرائيلية لو أبلغوا بها العراق كما فعلوا خلال حرب أكتوبر 1973 عندما نفذت الطائرات الإسرائيلية قصف المطار العراقي ` H-3 ` على الحدود العراقية السورية.

[17] حددت قاعدة  ` Atzeon ` الجوية على مسافة 20 كم من ميناء ايلات جنوب إسرائيل. بعض المصادر الأجنبية رجحت أن مطار الإقلاع كان في جنوب سيناء المصرية ـ وكانت ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 ـ وهو مطار عصيون؛ الذي أنشأته إسرائيل بعد احتلالها لشبه جزيرة سيناء عام 1967، وهو احتمال يضيف زيادة في طول المسافة من جهة، وابتعاد آمن عن الكشف الراداري من جهة أخرى، إلا أنه غير مؤكد.

[18] قدرت الاستخبارات الإسرائيلية، أن الطائرات المنفذة للمهمة قد تتعرض للاعتراض من طائرات معادية تنطلق من 7 مطارات قريبة من خط السير.

[19] كان ذلك أحد الدروس المستفادة من فشل القوات الأمريكية في مهمة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحجوزين في السفارة الأمريكية في طهران عقب الثورة الإيرانية.

[20] يشبه المتخصصون دقة تلك الطائرات  (F-15 , F-16) بدقة الصواريخ الموجهة من نوع (Tom-Cross) أو القنابل الموجهة بأشعة الليزر ذات الدقة العالية جداً.

[21] استخدمت أنظمة حديثة للعرض على الشاشات في مستوى نظر الطيار حتى يستمر في مراقبة تشكيله وخط سيره الأساسي.

[22] رغم ذلك فإن التنفيذ ألغي وتم تأجيله في `الدقيقة الأخيرة` مرتين على الأقل، بسبب عدم جاهزية أطقم غرفة العمليات، والذين شاركوا في التدريبات أكثر من مرة.

[23] يشمل المفهوم الجغرافي لاصطلاح `الشرق الأوسط` بالنسبة للإسرائيليين (والغرب عموماً) المنطقة من باكستان شرقاً إلى ليبيا غرباً (المغرب العربي يحتسب ضمن مجموعة الفرانكوفون الملحقة بالسياسة الفرنسية)، ومن الحدود الشمالية لدول باكستان وأفغانستان وإيران ـ وتركيا والساحل الشرقي والشمالي لأفريقيا حتى غرب ليبيا شمالاً، إلى بحر العرب وخليج عدن وجنوب الصومال وجنوب السودان وجنوب ليبيا جنوباً.

[24] كلا الطائرتين (الإمداد بالوقود أو البحث والإنقاذ) من نوع C-130 مع اختلاف في التجهيزات.

[25] ينكر الإسرائيليون قيامهم بهذه الغارة تماماً، وينسبونها إلى سلاح الجو الإيراني، بينما تؤكد الشواهد وأسلوب العمل على صبغتها الإسرائيلية.

[26] كان يعمل في إنشاء المفاعل حتى 150 خبيراً أجنبياً.

[27] ثماني هجمات لمجموعة القصف من 8 طائرات F-16، ثم هجمة واحدة للتصوير.

[28] ذكر في بيان مجلس قيادة الثورة العراقي أن الغارة الثانية كانت في الساعة 1837، بينما تذكر المصادر الإسرائيلية أن الساعة 1735 (اختلاف التوقيتان مرجعه فرق التوقيق المحلي للبلدين)، وبعض المصادر الأخرى ذكرت الساعة 2305.