إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

ملحق

حرب الناقلات

وصف السياسيون والعسكريون والأكاديميون، الخليج العربي، منذ زمن طويل، بأنه أهم المناطق الإستراتيجية في العالم. ولا يزال هذا الوصف حقيقية قائمة، حتى يومنا هذا، فمن بين خلجان العالم، لا يوجد خليج، كان ولا يزال موضع اهتمام، كالخليج العربي، فهو يجذب اهتمام الجغرافيين والجيولوجيين. كما يهتم به عالم الآثار وكاتب التاريخ. ويثير اهتماماً بالغاً عند الساسة ورجال الدولة. وهو مادة علمية غنية لدارسي الإستراتيجية ومخططيها.

حينما تحول الصراع التاريخي والأبدي، بين العراق وإيران، إلى اشتباك مسلح، في الربع الأخير من عام 1980، اتجهت أنظار العالم إلى الخليج العربي؛ فالحرب التي اشتعلت في طرفه الشمالي، بين أقوى دوله، قد تتسع، ويصل لهيبها إلى مناطق النفط الخام الحيوي، الرابض في باطن الأرض وقاع الخليج.

كانت كل دول العالم، تخشى على ذلك النفط الخام، الذي أصبح عصب الحضارة، ووقود الحياة الحديثة. وتزداد الخشية لو أن الدول المستفيدة، أو المتنافسة، تدخلت لضمان حصصها النفطية (أو حرمانها الآخرين)، وهو ما يشير إلى حرب كونية جديدة، تطاول ويلاتها شعوب الخليج العربي، قبْل غيرها.

مسرح العمليات البحري لحرب الخليج الأولى

يشمل مسرح العمليات البحري للحرب، كل المسطحات المائية، التي يمكن أن يدور عليها صراع بين القوّتَين البحريتَين المتضادّتَين. وقد شمل مسرح العمليات البحري لحرب الخليج الأولى، الخليج العربي، ومجرى شط العرب الملاحي، وخليج عُمان، وبحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر. إلا أن العمليات، البحرية والجوية، اقتصر نشاطها الفعلي على الخليج العربي ومجرى شط العرب، وأحداث محدودة في خليج عُمان والبحر الأحمر.

يُعَدّ المسطح المائي للخليج العربي، هو المسرح البحري الرئيسي؛ فهو المنفذ الوحيد للعالم الخارجي، من خلال مضيق هرمز، في الطرف الجنوبي الشرقي للخليج العربي. ويرتبط به الدولتان المتحاربتان، إلا أن إيران تتمتع بساحل طويل، يشمل الجانب الشرقي للخليج كله، من قِمته عند شط العرب، إلى مخرجه عند خليج عُمان. بينما يفتقر العراق إلى تلك السواحل الممتدة؛ فساحله محصور في منطقة شط العرب (الذي يُعَدّ جزءاً من الدولة العراقية، متضمناً الساحل العربي والمجرى المائي كله) وساحل محدود، في قِمة الخليج، تحجبه جزيرتا الكويت الإستراتيجيتان، بوبيان ووربة.

يبلغ طول الساحل الإيراني، على الخليج العربي وبحر عمان، 1880 كم. وعلى الساحل الإيراني العديد من الموانئ البحرية. أهمها: بندر عباس وبوشهر وخورمشهر، شاه بهار، وبندر بهلوي. وهي جميعاً موانئ بحْرية وقواعد بحرية (خاصة بندر عباس)، مما يجعل المسرح البحري في مصلحة إيران، منذ البداية.

أمّا الساحل العراقي المحدود، فهو لا يمتد أكثر من 50 كم. وهي على شكل وعاء مقلوب. ويحتوي على الجزيرتَين الكويتيتَين، الأكبر حجماً بين جُزُر الخليج العربي. ويقع عليه لسان الفاو، المسيطر على مدخل شط العرب، وميناءا أم القصر والبكر، في خور أميّة، المتفرع من خور عبدالله، وهما محطتان لتصدير النفط العراقي، إضافة إلى كونهما ميناءَين تجاريَّين وعسكريَّين محدودَين.

الجزء الثاني من المسرح البحري الرئيسي، هو شط العرب، الذي يتصل طرفه الجنوبي بشمالي الخليج العربي، ثم يتجه شمالاً، حيث يقع، شرقه، الأراضي الإيرانية، والأراضي العراقية، غربه. وظَلّ مسطحه المائي، يُعَدّ مياهاً إقليمية عراقية، حتى اتفاقية 1975، حينما تنازل صدام حسين، ممثل العراق في المفاوضات، عن نصف المجرى المائي، لإيران، وهو ما يُسمَّى، في القانون البحري والنهري، خط الثالوك، أي خط منتصف النهر. ولضيق المجرى المائي، ومرابطة قوات الدولتَين على جانبَيه، معظم فترات القتال، فإن حركة الملاحة فيه، توقفت طيلة الحرب، ولم يشهد عمليات بحرية.

الأجزاء الثانوية من المسرح البحري، شملت خليج عُمان، على الطرف الجنوبي الشرقي للخليج، والمتصل به عبْر مضيق هرمز الإستراتيجي، ويُعَدّ جزءاً من مسطح الخليج العربي. أمّا البحر الأحمر، فهو الذراع الغربية للمحيط الهندي (الذراع الشرقية هو الخليج العربي) التي تصله بالمحيط الأطلسي الشمالي، من طريق قناة السويس، التي تصل ما بين أهم بحار العالم (الأحمر والأبيض المتوسط) للتجارة العالمية.

إن أهمية المسرح البحري لهذه الحرب، تكمن في خطوط الملاحة البحرية لناقلات النفط، من الدول الثماني، الواقعة على الخليج العربي (ومعظمها لا يوجد لديه بديل من ذلك الممر الملاحي، عدا المملكة العربية السعودية والعراق). كما تكمن في حاجة الدول الصناعية، ومنها الدولتان العظميان، في ذلك الوقت (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية)، إلى النفط، العربي والإيراني.

إستراتيجية الدول، العظمى والكبرى، في الخليج العربي

1. الإستراتيجية السوفيتية

ترتبط الإستراتيجية السوفيتية بأهدافها القومية. وفي منطقة الخليج العربي، استهدفت الوصول إلى مياهه الدافئة، لتنفُذ، من خلاله، إلى المحيط الهندي. وهو ما خشيت منه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية، دائماً، وفرضت حصاراً على كل المنافذ، في سلسلة من الأحلاف العسكرية[1].

كان السوفيت يرون الخليج العربي أقصر المعابر إلى المياه الدولية الدافئة، لو تمكنوا من استخدام الموانئ الإيرانية عليه. وقد عقدوا، عام 1921، معاهدة صداقة مع الإيرانيين، من أجْل ذلك، واحتلوا شمالي إيران، في فترة الحرب العالمية الثانية، ليتيحوا لأنفسهم فرصة الامتداد جنوباً، بعد الحرب. إلا أن الوجود البريطاني العسكري في العراق وجنوبي إيران، حال دون ذلك (ألغت إيران المعاهدة، فيما بعد، من جانب واحد، على أثر انضمامها إلى الحلف المركزي، الموجَّه ضد الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي).

وكان للسوفيت وجود عسكري بحري، شبه دائم، وغير مكثف، بالقرب من الخليج العربي. وطالما سعوا إلى الحصول على تسهيلات في الموانئ القريبة (اليمن ـ الصومال). وعلى الرغم من أنهم ليسوا في حاجة إلى نفط الخليج، إلا أن حرمانه الغرب، كان هدفاً إستراتيجياً، حاولوا تحقيقه بالسيطرة على مناطق الإنتاج أو ممرات الملاحة. وهو الهدف الثاني لإستراتيجيتهم في المنطقة.

من جهة أخرى، فإن أيديولوجيات وتوجهات الثورة الإسلامية في إيران، بعد سقوط حكم الشاه، كانت تزعج السوفيت، خاصة مع تلاصق الحدود البرية، بين إيران الإسلامية الثورية، وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية (الإسلامية أصلاً). ولم يكن القادة السوفيت على استعداد للمخاطرة بحدوث اضطرابات دينية، في تلك الجمهوريات، نتيجة اتصال الإيرانيين بها. ويعطيهم تحالفهم مع العراق، من خلال اتفاقية الصداقة معه، سبباً للتدخل في الصراع الإقليمي بين الدولتين، في مصلحة العراق.

2. الإستراتيجية الأمريكية

منذ إعلان بريطانيا إستراتيجيتها، الانسحاب من شرق السويس، عام 1968، والأمريكيون يضعون لأنفسهم هدفاً إستراتيجياً، هو ضرورة وجودهم، بقوة، في منطقة الخليج العربي. وكانت إستراتيجيتهم، قد بنِيت على أساس منع وصول السوفيت إلى المياه الدولية في المحيط الهندي، من طريق الخليج العربي. لذلك، كان من المهم، أن يكون لها قوة بحْرية قوية، ذات قدرات، جوية وبرية، كبيرة، في المنطقة. وعلى الرغم من القواعد والتسهيلات البحرية، التي تأتت لها، بالقرب من المنطقة، إلا أنها كانت ترنو لوجود داخل المنطقة نفسها.

تزايد اعتماد الأمريكيين على نفط الخليج، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي. وأصبح ضمان الإمدادات النفطية، لهم ولحلفائهم الغربيين، من الخليج العربي، هدفهم الإستراتيجي الأول، وتراجع حصار السوفيت، بحراً، إلى المرتبة الثانية. وبذلك، ازدادت حاجة الأمريكيين إلى وجود بحري قوي، داخل الخليج نفسه. ولم تكن الدول العربية الخليجية، تسمح بوجود أجنبي على أراضيها، أو في موانئها، لارتباطها بالخط العام للسياسة العربية، المحايدة بين الكتلتَين. كما أنها كانت تعي أن ذلك الوجود، ينتقص أمنها الخاص، بقدر ما يسانده.

3. إستراتيجية أوروبا الغربية

تعتمد دول أوروبا الغربية، الصناعية، اعتماداً رئيسياً على النفط الخليجي، من دول الخليج الثماني، بما فيها إيران والعراق، على الرغم من أن بعضها لديه مصادر نفطية، في أرضه أو مياهه الإقليمية، إلا أنها لا تغطي حاجة الصناعة المتزايدة لدى تلك الدول. ومنذ الانسحاب البريطاني من شرق السويس، أصبحت الحماية الأمريكية لمناطق إنتاج النفط وخطوط الملاحة الدولية، لنقله إلى أوروبا، تمثل الضمان الوحيد لاستمرار تدفق النفط إلى أوروبا الغربية، الذي كان يعني انخفاض معدلاته، أو توقف تدفقه، ضربة قاسمة لاقتصادها.

اعتمدت دول أوروبا الغربية على القوة الأمريكية، أساساً، في حماية مصالحها النفطية في المنطقة. كما أنها كانت على استعداد لمساندتها، جزئياً، إذا تطلب الأمر (سواء ببعض القِطع البحرية الحربية، أو بالدعم المالي لتغطية النفقات). وفي المقابل، فإن إستراتيجياتها، انحصرت في ضمان استمرار تدفق النفط، من دون أن تسعى إلى السيطرة على المنطقة، أو زيادة نفوذها فيها، تاركة ذلك للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أنها حليفة لها، من خلال عضوية تلك الدول في حلف شمال الأطلسي.

على الرغم من ذلك، فإن الأوروبيين، كثفوا اتصالاتهم، على أعلى المستويات، بقيادات المنطقة الخليجية، من خلال الزيارات المتبادلة، بهدف زيادة ارتباط مصالح دول المنطقة بهم، واستغلال حاجتها إلى منتجاتهم، الغذائية والصناعية والعسكرية، التي تزداد بتزايد مشروعات التنمية في المنطقة.

إستراتيجيات القوى الإقليمية

1. الإستراتيجية الإسرائيلية

تفرض إسرائيل نفسها في المنطقة العربية، منذ وجودها، في آخر العقد الخامس من القرن العشرين، على أنها الحليف الطبيعي للقوى، العظمى والكبرى، الغربية، خاصة مصالحها فيها. وبسقوط الحكم الشاهنشاهي، في إيران، الذي كانت إستراتيجيته مشابهة لإستراتيجية إسرائيل في منطقة الخليج العربي (شرطي الخليج، كما كانت الكتابات السياسية تطلق عليه، في تلك الفترة) ـ أسرعت إسرائيل إلى ملء ذلك الفراغ الأمني، الناجم عن انهيار القوة الإيرانية. وهدفت من ذلك، أن تمتد إستراتيجيتها، لتشغل المنطقة العربية كلها، ساعية لتكون الدولة الإقليمية الأولى في الشرق الأوسط، ضمن مخططاتها التوسعية.

كانت الرسالة، التي وجهتها إسرائيل، من خلال نجاح قواتها الجوية في قصف المفاعل النووي العراقي وتدميره، تتضمن نسخة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى إلى إيران، وإنْ كانت ذات مضمون مختلف. فقد أوضحت تلك العملية للأمريكيين، أنه من الممكن أن يعتمدوا على إسرائيل، مع زيادة قدراتها العسكرية، في تنفيذ إستراتيجيتهم في المنطقة، من دون حاجة إلى وجود فعال فيها، أو بحث عن تسهيلات لقواتهم، للعمل داخل المنطقة. بل إنهم يستطيعون العمل من الأراضي الإسرائيلية، ليطاولوا المنطقة العربية بأسْرها، من قواعد أكثر أمناً، من تلك التي يسعون إلى الحصول عليها، في داخل المنطقة، وتلافي التعرض لأعمال إرهابية محلية (على غرار ما حدث لمشاة البحرية الأمريكية، في لبنان، إبّان الحرب الأهلية فيه). أمّا نسخة الرسالة الإسرائيلية إلى طهران، فتفيد أن الطائرات التي وصلت إلى بغداد، ودمرت المفاعل النووي العراقي، يمكنها أن تصل إلى مناطق أخرى، في إيران، إذا تطلب الأمر ذلك.

2. الإستراتيجية التركية

تزايد اهتمام الغرب بموقع تركيا، لحصار السوفيت، بعد الانهيار الشاهنشاهي، وخروج إيران، عقب ثورتها الإسلامية، من المعسكر الغربي، وأصبح الاعتماد على وجود عسكري فعال، على الأراضي التركية، أكثر أهمية مما كان عليه.

وكان الأتراك، بدورهم، يطمعون في زيادة نفوذهم، بإيجاد دور أكثر قوة في المنطقة، من خلال استبدالهم بإيران في الفكر الإستراتيجي، الأمريكي والغربي. كان قرب الأراضي التركية من منطقة الخليج العربي، يتيح لتركيا فرصة كبيرة للعودة إلى مصافّ الدول الكبرى، بعد ما فقدت مرتبتها المتقدمة، عالمياً، منذ انهيار الحكم العثماني.

لتحقيق تلك الأهداف، كانت إستراتيجية الأتراك، تعتمد على مساندة العراق مساندة غير مباشرة، في مصلحة الأمريكيين والغرب، إضافة إلى استعدادهم لاستخدام قوتهم العسكرية، متى تطلب الأمر ذلك، بل إنهم وضعوا جزءاً منها على الحدود العراقية، لحماية خطوط أنابيب النفط العراقي، الممتدة إلى أراضيهم.

إستراتيجيتا طرفَي الحرب

بخلاف الإستراتيجية الرئيسية، التي كانت الدولتان (العراق وإيران) تهدف إلى تحقيقها، من خلال العمليات الحربية في جبهة القتال، على الحدود بينهما، فإن كلاًّ منهما، وضعت تصوراً لإستراتيجية، تتعلق بالمسرح البحري، تطورت خلال مراحل القتال المختلفة، لتستغلا مواقف الدول الأخرى وإستراتيجياتها في الخليج.

1. الإستراتيجية العراقية

كانت إستراتيجية العراق في الخليج العربي، تعتمد على تفوّق قواته الجوية، التي كانت، في الوقت عينه، غير قادرة على الوصول إلى الطرف الجنوبي للخليج. كما أن قواته البحرية أضعف من أن تتصدى للبحرية الإيرانية، الأكثر تفوقاً، إضافة إلى تركز قواعده البحرية في منطقة خور أمّية، مما يسهل حصار قِطعه البحرية، داخله، وتدميرها عند محاولتها الخروج إلى عرض الخليج.

حدّد العراق منطقة نشاطه المكثف في الخليج العربي، في المنطقة القريبة من شط العرب، حتى يمكنه، باستخدام قواته الجوية، مهاجمة القِطع البحرية الإيرانية، والأهداف الاقتصادية الأخرى القريبة (جزيرة خرج الإيرانية Kharg Island، إحدى أهم الجُزُر لتصدير النفط الإيراني من الحقول المائية).

بنى العراق إستراتيجيته في مسرح العمليات البحري، في الخليج العربي، على أساس إضعاف القدرة الاقتصادية الإيرانية، وحرمان إيران تصدير نفطها من الخليج العربي، مما يؤثر، لاحقاً، في قدرتها على متابعة شراء الأسلحة ومواصلة الحرب.

من وجهة نظر أخرى، وتبعاً لتطورات الحرب، فإن العراق، بعد أن اضطر إلى التحول إلى الدفاع، تحت ضغط الهجمات الكثيفة للقوات الإيرانية، ذات الأعداد المتفوّقة، حدد هدفاً إستراتيجياً جديداً، سعيّ إلى تحقيقه، مستغلاً الوجود البحري الأجنبي، وتعارُض الإستراتيجيات للدول العظمى في المنطقة، وذلك بمحاولة جذب مزيد من القطع البحرية العسكرية، الأجنبية، واستدراجها إلى داخل الخليج، بحجة حماية مصالحها في الخليج. وخشية تصادم القوى العظمى، بعد احتشاد أساطيلها في منطقة واحدة، تدور فيها اشتباكات مسلحة، وتصاعد الصراع وتدويله، سيزداد ضغط المجتمع الدولي على إيران لقبول وقف الأعمال القتالية، واللجوء إلى التفاوض، لحل المشاكل المعلقة مع العراق. وهو ما ينقذ العراق من الموقف المتدهور على المسرح البري، أو يعطيه مهلة لالتقاط  الأنفاس، والإعداد والتجهيز لمرحلة أخرى، إنْ فشل التفاوض المحتمل.

2. الإستراتيجية الإيرانية

على الرغم من أن إيران استخدمت أساليب العراق القتالية نفسها، وأسلحة مشابهة لأسلحته، في مسرح العمليات البحري، إلا أن إستراتيجيتها كانت مختلفة عن إستراتيجيته، إذ بنَت إستراتيجيتها، المتعلقة بالمسرح البحري، على أساس التأثير في حجم صادرات النفط العراقي، بما يقلِّل عائدها، فتتأثر قدرات العراق الاقتصادية، وتنعكس، سلباً، في ثلاثة أوجُه:

أ. ضعْف قدرة الدولة على سد حاجة الشعب الضرورية، مما يخلق خللاً في السوق الداخلية، بندرة السلع، وارتفاع للأسعار، خاصة في مصادر الطاقة والتدفئة. ويولد ذلك ضغطاً، نفسياً ومعنوياً، على أفراد الشعب، قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع الاجتماعية.

ب. تقليل نفقات الحرب، مما يقلل حجم واردات الأسلحة، لاستعاضة خسائر الحرب. ويضعف ذلك القوات المسلحة، ويقلص الفارق العددي، الذي ينحاز إلى جانب العراق، منذ بداية الحرب، متسبباً بمزيد من الهزائم، تضعف الروح المعنوية للقوات المسلحة، التي بانهيارها، مع تفجر الأوضاع الاجتماعية، يصبح المناخ الأمني الداخلي، مهيأ لإطاحة النظام الحاكم، أو التمرد عليه.

ج. إرهاب الدول المساندة للعراق في المنطقة (الدول العربية الخليجية)، لتتخلى عن مساندتها المادية له، مما يسرع بانهيار الأوضاع في العراق. أو تقليل المساندة، نظراً إلى الخسائر، التي ستصاب بها تلك الدول، في حالة استمرار دعمها المادي للعراق.

كانت إيران تعتمد على نقطة القوة المتاحة لها، والمتمثلة في تفوّق قوّتها البحرية، عدداً وعدة، وانتشار قِطعها على طول الخليج، حيث توفر لها الموانئ والقواعد البحرية العديدة، القاعدة، الإدارية والفنية، اللازمة لإدارة عمليات بحْرية ناجحة. وقد تستخدم قواتها الجوية، بكثافة محدودة، خاصة في المناطق الجنوبية، البعيدة عن مدى الطائرات العراقية، الأكثر تفوّقاً.

ناهيك إن الساحل الإيراني، الممتد على طول الخليج، والجُزُر الإيرانية المنتشرة فيه، مكّنا إيران من تجهيز قواعد لصواريخ أرض / سطح، التي تمتلك منها عدداً، يمكنها من التأثير في حركة الملاحة في الخليج.

أعمال الدولتَين العدائية، في العمليات البحرية

1. القوة الجوية

أ. العراق

استخدم العراق طائراته المقاتلة، السوفيتية الصنع، من أنواع iMig -21,23 وSukoi المقاتلة والمقاتلة القاذفة. وكذلك طائراته العمودية المسلحة، من نوعَي Mi -2,4.وهي في مجملها ذات مدى قصير، نسبياً، مما أجبر العراق على الالتزام بالعمل في منطقة محدودة، في شمالي الخليج.

بحصول العراق على طائرات Mirge F-1، الفرنسية الصنع، وتطويره طائرات نقْل سوفيتية، من نوع  Elioshen، لتصبح محطة إمداد جوي طائر استطاع أن يمد مسرح عملياته البحري، ليغطي الخليج كله.

ب. إيران

استخدمت إيران قواتها الجوية، في الجنوب، بعيداً عن الطائرات العراقية، معتمدة على طائراتها، المقاتلة والمقاتلة القاذفة، الأمريكية الصنع، التي كانت قد حصلت عليها، أثناء فترة حكم الشاه السابق. وهي من نوعَي F-4D، وF-5A، الأقل كفاءة، والأكثر قِدماً. إضافة إلى الطائرات المقاتلة الاعتراضية، من نوع  F-14A، الأكثر تطوراً وإمكانيات، والطائرات العمودية، من نوع  AH-15، التي كانت تجهيزاتها وتسليحها ضعيفين، نسبياً.

2. القوة البحرية

أ. العراق

على عكس القوة الجوية العراقية المتفوقة، كانت القوة البحرية محدودة، بحكم أن السواحل العراقية محدودة الطول والسعة، وضعف قواعدها البحرية. لذلك اعتمد العراق على تفوّقه البحري، في الشمال، باستخدامه لنشات الصواريخ السريعة (12 لنشاً) وفرقاطة واحدة، في الأعمال القتالية المفاجئة، تحت حماية القوات الجوية العراقية.

ب. إيران

حصلت إيران، في عهد الشاه السابق، على أسلحة أمريكية كثيرة. كان للقوات البحرية نصيب متميز منها، شمل ثلاث مدمرات مسلحة، ومجهزة جيداً للاشتباك البحري، وثماني فرقاطات، ذات قدرات عالية على المناورة، وغواصة واحدة، وتسع لنشات صواريخ، وعدداً كبيراً من اللنشات الخفيفة، التي جهِّزت براجمات صواريخ، وراجمات قنابل يدوية، أو رشاشات من عيارات ثقيلة.

3. قواعد صواريخ أرض/ سطح

أ. العراق

لم يتِح الساحل العراقي المحدود، في شمال الخليج، فرصة كافية لوضع قواعد صواريخ أرض/ سطح، ذات فاعلية. لذا، لم يستخدم العراق هذا النوع من الأسلحة.

ب. إيران

حصلت إيران على صواريخ متطورة أرض/ سطح، صينية الصنع Silk Warm . وأعدت لها قواعد محصّنة، على طول الساحل الإيراني، الممتد على طول الخليج، وكذلك على الجُزُر الإيرانية، المنتشرة فيه، وهو ما مكّنها من السيطرة على الملاحة في الخليج والتأثير فيها، باستخدام هذه الصواريخ. وقد تحسّن الموقف الإيراني، باحتلال شبه جزيرة الفاو، إذ أصبحت الموانئ الكويتية لتصدير النفط، في مدى تلك الصواريخ، كذلك، من قاعدتها في الجزء المحتل من شبه جزيرة الفاو.

4. حقول الألغام البحرية

كان التهديد المحتمل باستخدام الألغام البحرية، في المسرح البحري، أمراً واضحاً، منذ زمن. وكان مثار تعليق وقلق بين القيادات البحرية، الإيرانية والأمريكية، في مناوراتهما المشتركة، في عهد الشاه السابق، حين أبلغ القائد الإيراني الأمريكيين قلقه من تمكُّن قوة مضادّة (افترَض، في وقتها، رجال حرب العصابات والمتمردين) من شن حرب، بالألغام، ضد الملاحة في الخليج، تعرقل حركة مرور النفط فيه. كما أوضح القائد البحري الإيراني صعوبة مراقبة المجرى الملاحي، داخل الخليج وخارجه، على طول خط سير ناقلات النفط، خاصة في الخليج العربي والبحر الأحمر. وتحققت مخاوف ذلك القائد البحري الإيراني، فيما بعد، إلا أن الإيرانيين، كانوا هم المنفذين لتلك الأساليب القتالية، الأسهل في العمل، والأصعب في مقاومتها. وقد فاجأ ذلك التكنيك الأمريكيين. وأثبتت حرب الألغام فاعليتها، في مواجهة قوة بحرية أقوى، من دون التعرض لأخطار الاشتباك ونتائجه المدمرة، وصعوبة التعرف الفوري بالجهة التي بثت الألغام، مع كل هذا الكم من الوجود البحري، الأجنبي والإقليمي.

الوجود البحري الأجنبي، في منطقة الخليج العربي

1. القوة البحرية الأمريكية

كانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد دفعت إلى منطقة الخليج، 6 سفن حربية، ازدادت إلى 13 سفينة، مع بدء الحرب، تشكل قوة الشرق الأوسط البحرية، إضافة إلى مجموعة سفن، حاملة الطائرات العاملة في خليج عُمان (12 ـ 17 قِطعة). وبذلك، أصبح حجم القوة الأمريكية، يراوح بين 25 و30 سفينة. وإضافة إلى القِطع الحربية الرئيسية، كان للبحرية الأمريكية قِطع خفيفة، عاملة في الخليج نفسه، للحراسة وأعمال الدوريات، مكونة من 18 زورق دورية، وزوارق خفيفة للقادة مجهزة، وقاعدتَين بحريتَين متحركتَين (سفن مقطورة مجهزة).

ويعمل مع تلك القوة البحرية، طائرات خاصة. بعضها طائرات دورية، من نوع  ORION-B3، وحوالي 8 طائرات عمودية من الفيلق البحري، وقوة خاصة بحْرية ـ جوية ـ برية (SEAL)،  وعدة طائرات عمودية، من نوعَي Sea Batch وMH-6، وطائرات خاصة للعمل من فوق منصات النفط، من نوع AHIBES.

ولضمان نجاح المهام، التي قد تكلف بها القوة، انتشرت ناقلات نفط جوية. كما حلقت الطائرات السعودية للاستطلاع الإلكتروني OWAX  للرقابة الإلكترونية لمسرح العمليات البحري.

2. القوة البحرية البريطانية

تكونت من مجموعة سفن الدورية (أرميلا)، التي تضم 10 سفن متنوعة.

3. القوة البحرية الغربية الأخرى

قوامها سفينتان بحريتان هولنديتان. وأخريان بلجيكيتان. إضافة إلى 7 قِطع بحرية إيطالية، وثلاث عشرة سفينة فرنسية (منها حاملة طائرات). وأرسلت ألمانيا الغربية ثلاث سفن حربية، ووافق اليابانيون على تمويل عملية تركيب تجهيزات ملاحية متطورة، في الخليج، تتعلق بأعمال المسح الدقيق للأعماق، واصطياد الألغام في الخليج.

راوح إجمالي عدد القِطع البحرية الرئيسية الأجنبية، في منطقة الخليج، بين 60 و70 قِطعة، عدا الطائرات، العمودية والاستطلاعية، المساندة لها[2]. (اُنظر جدول القوى البحرية الأجنبية، العاملة في الخليج العربي بعد تصعيد حرب الناقلات (1987))


 



[1] كان أكثر ما تتخوف منه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية خلال الأزمة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه، أن يستولي الشيوعيون (حزب توده) على الحكم، وعن طريقهم يصل الاتحاد السوفييتي إلى مياه الخليج، وكان ذلك محور المباحثات التي جرت بين رؤساء الدول الغربية في مؤتمر جواديلوب في شهر يناير 1979، أي قبل سقوط الحكم الإمبراطوري في إيران بعدة شهور.

[2] بعض المصادر حددت إجمالي القطع البحرية العسكرية الأجنبية بحوالي 80 سفينة نصفها أمريكية.

[3] نتج عن بث الألغام الإيرانية في البحر الأحمر إصابة 19 سفينة خلال ثلاثة شهور من العام 1984، وأثر ذلك على الملاحة في البحر الأحمر وانعكس هذا على إيرادات المرور من قناة السويس المصرية، وسارعت مصر لبذل جهوداً مضنية لكسح الألغام من البحر بمعاونة المملكة العربية السعودية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت تلك الجهود في تطهير المجرى الملاحي للبحر الأحمر.

[4] تستورد أوروبا الغربية 40% من حاجاتها النفطية من الخليج، كما تستورد اليابان 60% من احتياجاتها النفطية من الخليج، وتصل واردات الولايات المتحدة الأمريكية من نفط الخليج 15% من احتياجاتها النفطية.

[5] منظمة الجهاد الإسلامي.

[6] اختلفت تصريحات المسئولين الإيرانيين حول هذه الحوادث بين مؤيد ومعارض، وبين الثناء والإدانة، ثم صدر تصريح بأن إيران تشك في قيام الأمريكيون ببث الألغام وإلصاقها بإيران لتشويه صورة سمعة الإيرانيون دولياً.

[7] خططت قيادة القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط لعملية ضبط السفن الإيرانية أثناء بثها الألغام والتي من خلالها اشتبه في تحركات السفينة `إيران آير` ووضعت تحت الرقابة المستمرة عدة أيام قبل الإمساك بها متلبسة.

[8] اعتبرت الدول الغربية تلك الأعمال تصعيداً لحرب الناقلات حيث شملت احتجاز ناقلة نفط في مضيق هرمز، وشن هجوم بحري بالزوارق ضد سفينة شحن سوفيتية، وقصف سفينة لنقل المواد الغذائية.

[9] استخدمت جزيرة فارسي الإيرانية كقاعدة بحرية متقدمة للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي خلال الحرب.

[10] كانت المنصات النفطية مجهزة للدفاع عنها بدشم من الأكياس الرملية بها قاذفات مضادة للدروع ورشاشات ثقيلة وبعض أسلحة الدفاع الجوي، ومُخَزّنْ بها الذخائر والاحتياجات الإدارية اللازمة، وقد يلحق بها عدة زوارق سريعة بأطقمها وطائرات عمودية للقيام بالهجمات ضد السفن المارة بالقرب منها.

[11] تعتبر منصة فصل الغاز عن النفط في جزيرة سيري Siri Island من أنشط المنشآت النفطية الإيرانية، حيث كانت حتى تاريخ الهجوم عليها وتدميرها تنتج 180 ألف برميل نفط يومياً.

[12] القاعدة البحرية الرئيسية للقوات البحرية الإيرانية.

[13] فقد الأمريكيون في هذه الاشتباكات طائرة عمودية من نوع Sea Kobra AH-1T، سقطت في مياه الخليج، أثناء قيامها بمهمة استطلاعية، من دون أن يتعرض لها الإيرانيون، كما ادعوا لاحقاً.