إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

أهم الأحداث الحربية البحرية، في حرب الخليج الأولى

1. العمليات العراقية

اقتصرت العمليات العراقية على استخدام الطائرات، في هجمات جوية على السفن، وتركيزها في السفن الإيرانية، أو تلك التي تنقل النفط الإيراني، مهْما كانت جنسيتها. إضافة إلى بعض الهجمات البحرية المفاجئة، المحدودة، على القِطع البحرية الإيرانية، في شمال الخليج، وبمساندة جوية.

بدأ العراق هجماته ضد ناقلات النفط، في الخليج العربي، منذ بداية عام 1984، في محاولة لجذب ردود الفعل الإيرانية، بعيداً عن التجمعات السكانية، التي كانت تُقصف بالصواريخ والمدفعية والطائرات. واستخدم العراق طائراته في قصف السفن، في شمالي الخليج. كما هاجم جزيرة خرج  (Kharg Island) الإيرانية، وأعلن عزمه قصف أي سفينة، تقترب منها، في محاولة لفرض حصار جوي عليها، يضعف من قدرة إيران على تصدير النفط.

وبدءاً من مارس 1984، بدأ العراق باستخدام طائراته الجديدة، من نوع  Super Etender، في قصف السفن بصواريخ جو / سطح الفرنسية، من نوع Exozit.وكان يرافق تلك الطائرات مظلات حماية جوية، من طائرات Mirage - F1 الفرنسية. وكان توقيت استخدام هذه الطائرات وصواريخها، أول مرة، ذا مغزى، إذ تزامن مع المفاوضات الدائرة بين الشركة الأهلية للنفط الإيرانية والمستوردين اليابانيين، في شأن تجديد عقد استيراد، يشمل 200 ألف برميل نفط، يومياً. كما كانت إيران قد بدأت بزيادة إنتاجها، واستطراداً، صادراتها، من جزيرة خرج (Kharg Island) ليصل إلى 3 ملايين برميل، يومياً.

كانت دقة إصابة الطائرات العراقية، Super Etender ، أهدافها، بصواريخ Exocet ، سبباً في إصابة عدد كبير من السفن، في الخليج. واضطرت إيران،كذلك، إلى زيادة طلعاتها الجوية ضد السفن فيه. وعلى الرغم من هذا التصعيد (11 سفينة، خلال 5 أسابيع)، إلاّ أن التأثير كان محدوداً، وكذلك رد الفعل، دولياً واقتصادياً، كان ضعيفاً، لا يحقق أيّاً من الأهداف الإستراتيجية للدولتَين، كما أنه لا يضعف قدراتهما على تصدير النفط.

كان العراق يتحكم في معدل الهجمات على السفن، في الخليج. فهي تتصاعد أو تتدنى، طبقاً لردود الفعل العراقية، وانعكاسات نتائج العمليات الحربية البرية. وتسارع إيران إلى مجهود مماثل، يتوازن، في النتائج، مع نشاط العراق. وظل كلٌّ منهما يسيطر على مناطق عملياته الجوية، العراق في شمال الخليج، وإيران في وسطه وجنوبه. ولم يحاول أيٌّ منهما التدخل ضد الطرف الآخر، في منطقته.

لم تكن الهجمات الجوية العراقية على السفن، ذات تأثير فعال. فقد أخطأت القيادة العراقية في خططها لتلك الحرب (حرب الناقلات)، عدة مرات. فهي، بداية، تركت وسط الخليج وجنوبيه، واقتصرت أعمالها القتالية الجوية على شمالي الخليج، مما ترك الحرية للسفن في الدخول إليه والخروج منه. وكان من الممكن أن تتحكم في حركة المرور، بالسيطرة، جواً، على مضيق هرمز، والذي يبدو أنه كان خارج مدى عمل طائراتها. كما أنها أخطأت، مرة أخرى، إذ لم تكرر قصف الأهداف النفطية الإيرانية، في أوقات متقاربة، مما أتاح الفرصة للإيرانيين لإصلاح الأضرار، وإزالة آثار الهجمات الجوية، واستعادة كفاءة المنشآت النفطية. وغالباً ما تمكنت السفن المصابة من استكمال رحلاتها، والوصول إلى أقرب الموانئ المحايدة، حيث تصلح، وهو ما قلّل من نتائج الهجمات. وكان أهم الأخطاء، هو التصعيد غير المحسوب، من جانب العراق؛ إذ كان العراقيون، يصعدون من هجماتهم فجأة، إلا أنه تصعيد محدود، ليس له تأثير أو دلالة لدى الآخرين. وحينما يعقبه فترة طويلة، نسبياً، من الهدوء، أو خفض معدلات الهجوم، يفقِد التصعيد أهميته.

ظل العراق على تلك الحال، بين تصعيد محدود، وهدوء نسبي، أو خفض معدل الهجمات، طيلة أيام الحرب. إلا أن قدرته على إصابة السفن، كانت أعلى من تلك الإيرانية، وبقي على ذلك المعدل، طيلة أعوام 1984، 1985، 1986. بدءاً من عام 1987، كانت إيران أكثر فاعلية في إصابة السفن، وإنْ كان الفارق طفيفاً، وفي العام الأخير من الحرب (1988)، انخفضت معدلات الإصابة كثيراً، خاصة العراقية منها. (اُنظر جدول أعداد السفن التي أُصيبت في حرب الناقلات في الفترة من يناير 1984 إلى أغسطس 1988).

2. العمليات الإيرانية، والمواجهات مع القوة البحرية الأمريكية

كان العراق هو ضابط الإيقاع في معدلات الهجوم على السفن. بينما كانت إيران الأكثر تنويعاً في استخدام الأسلحة البديلة، التي شملت، إلى جانب الطائرات، المقاتلة والمقاتلة القاذفة، سفن السطح، من زوارق سريعة، أو زوارق صواريخ، أو فرقاطات أو مدمرات. واستخدمت، كذلك، صواريخ أرض/ سطح  Silk Warm، وبثت الألغام في مناطق متعددة، من الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر[3]؛ فكانت الأكثر توسيعاً، كذلك، لمسرح عملها البحري.

كان مضيق هرمز الإستراتيجي، في متناول الأسلحة الإيرانية كلها، من طائرات أو سفن حربية أو صواريخ أرض/ سطح. وتوقع الأمريكيون أن تركز إيران هجماتها ضد السفن، أثناء عبورها المضيق. وكان أشد ما يخشونه، هو بث الألغام في مضيق هرمز، خاصة أنه لم يكن لديهم سفن كسح ألغام، في المنطقة، إلا أنهم وضعوا ذلك التهديد في أسبقية متأخرة. كما أنهم لم يعيروا صواريخ أرض/ سطح Silk Warm أهمية تذكر؛ إذ سبق أن تعاملوا معها في فيتنام، التي استخدمت الصاروخ السوفيتي القديم، من نوع Sticks، ويُعَدّ الصاروخ الصيني Silk Warm، نسخة معدلة منه. لذلك، أولى الأمريكيون الهجمات البحرية جل اهتمامهم؛ فإيران لديها قِطع بحْرية قوية، ومسلحة جيداً بمدافع وصواريخ أمريكية سطح/ سطح، من نوع Harpoon. كانت إيران تركز هجماتها على السفن التابعة لدولة الكويت، مما أثر في حركة الناقلات الكويتية، التي كان معدلها يراوح بين 70 و80 سفينة، شهرياً، بمتوسط يراوح بين سفينة واحدة، و4 سفن يومياً، تتحرك في الممر الملاحي. وكانت إيران تبتغي من وراء ذلك إثارة متاعب لدولة الكويت، تتضافر مع تمرد الأقلية الشيعية فيها (كما كانت ترجو طهران)، ويزيدها توتراً الوجود الإيراني في شبه جزيرة الفاو، القريبة جداً من حدود الكويت ومياهها، مما يمثل تهديداً خطيراً آخر، عسى أن يحمل ذلك الضغط حكومة الكويت على استجابة رغبة الإيرانيين في عدم دعم العراق، وغلق حدودها معه، ويكون هذا مثلاً يحتذيه باقي دول الخليج العربية، حتى لا تلقى المصير عينه.

اختيار إيران للضغط على الكويت، دون غيرها، كان صائباً، لتكون العامل المحوري لممارسة الضغط على باقي الدول الخليجية. ولتفادي ذلك، طلبت الكويت، في مبادرة غير متوقعة، تسجيل سفنها التجارية لدى حرس السواحل الأمريكي، حتى تتمتع بالحماية، التي توفرها القوة البحرية الأمريكية للسفن، التي ترفع العلم الأمريكي، منذ بداية حرب الخليج الأولى، فقد كانت السفن الكويتية من الأهمية لدى الاقتصاد الكويتي عندما ثار من جدل نحو انتقاص سيادتها برفع العلم الأمريكي.

كانت الإدارة الأمريكية، ترى أن الموقف في الخليج، يتدهور سريعاً. كما كانت تعلم، أن الكويت طلبت من السوفيت، كذلك، أن ترفع علمهم على بعض سفنها. وكشفت صور الأقمار الصناعية، وتقارير طائرات الاستطلاع، عن تجهيز الإيرانيين موقع لصواريخ Silk Warm، المضادة للسفن، على الجانب الإيراني من مضيق هرمز. لذلك، سارعوا إلى عقد عدة اجتماعات، على أعلى مستوى أمني. وعلى الرغم من معارضة وزير الخارجية الأمريكي، شولتز، فإن توصيات كلٍّ من وزير الدفاع الأمريكي، واينبرجر، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، فرانك كارلوتش، كانت أقوى. فصدر قرار من الرئيس رونالد ريجان، في شأن حماية السفن الكويتية، برفع العلم الأمريكي عليها. وكانت الإدارة الأمريكية تسعى إلى تجنّب تدخّل السوفيت واضطلاعهم بدور مؤثر في الخليج. فضلاً عن أن اضطلاع السفن السوفيتية الحربية بحماية النفط الكويتي، المتجه إلى الغرب، هو أمر غير لائق[4].

اتخذ قرار الإدارة الأمريكية حماية السفن الكويتية، مسارَين. أحدهما دبلوماسي، والآخر عسكري. إذ دعت الولايات المتحدة الأمريكية مجلس الأمن إلى إصدار قرار، يطالب بوقف إطلاق النار بين الدولتَين المتحاربتَين، وبوقف العمليات الحربية بينهما، بما في ذلك العمليات البحرية. وأسفر ذلك عن صدور القرار الرقم 598، في 20 يوليه 1987. وبادرت الخارجية الأمريكية إلى ترويج القرار، وجمع المؤيدين له، للضغط على طرفَي الصراع. أما المسار العسكري، فتمثّل في وضع خطة أمريكية لحراسة قوافل السفن، الكويتية والأمريكية، أثناء رحلاتها عبْر الخليج. ثم وسعت من بسط حمايتها، لتشمل سفن الدول، العربية والحليفة. ثم زادتها، لتتضمن كل السفن المحايدة. وتعاونت القوة البحرية للدول الأوروبية الأخرى، على تأمين مسار السفن، بما بذل من جهود للإبقاء على الممرات البحرية مفتوحة.

الرد السوفيتي على القرار الأمريكي، قبول حراسة وحماية السفن الكويتية وحراستها، كان عنيفاً. إذ  رفع السوفيت حجم وجودهم البحري في المنطقة، إلى 12 سفينة حربية. وهاجموا الوجود البحري الأمريكي، ووصفوه بأنه غير شرعي، من وجهة نظر القانون الدولي. وحذروا من العواقب السلبية لذلك الوجود، على المدى البعيد.

أمّا الرد الإيراني على القرار الأمريكي فقد اتّسم بالحدّة والتوتر. ووصفه رئيس البرلمان الإيراني، علي أكبر هاشمي رافسنجاني، بأنه استفزازي. وهدد بمزيد من الدماء، في جميع أنحاء العالم، إذا لجأ الأمريكيون إلى القوة المسلحة، في الخليج العربي.

كانت الأحداث تتسارع نحو مواجهة، أو عدة مواجهات، قد تصل إلى تبادل العنف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يحقق أهداف الإستراتيجية العراقية، بتدويل الحرب، وتدخّل القوى العالمية، الأمر الذي يعني، في الفكر السياسي الإستراتيجي العراقي، ضغط المجتمع الدولي على إيران، لتقبل وقف إطلاق النار والتفاوض. كما يعني ضغط المجتمع الإيراني على القيادة، السياسية والدينية، لإيقاف القتال، وإلا فإن المشاكل الداخلية ستنفجر، بما يهدد الثورة الإسلامية نفسها.

وأصبح الوجود البحري الأمريكي، في الخليج، رهينة للسياسة العراقية ورؤيتها، لتحقيق إستراتيجيتها الخاصة.

لم يكن هناك ضمانات مطلقة، لعدم تصاعد الأحداث نحو المواجَهة المسلحة. بل إن المواجهة كانت متوقعة، كذلك، مع القِطع البحرية السوفيتية، وليس مع البحرية الإيرانية فقط. وهو ما كان الأمريكيون يحاذرون وقوعه. كما أن التنبؤ بمسار الأحداث، والسيطرة على تداعياتها، كانا أشبه بالأحلام المستحيل تحقيقها. وسارعت دول المنطقة إلى زيادة شحناتها النفطية، قبْل أن يقع صدام قد يوقف تدفق النفط. وازدادت شحنات النفط، عبْر الأنابيب الأكثر أماناً. وبدا أن الموقف يوشك أن ينفجر.

المواجَهات الإحدى عشرة، الأكثر خطراً، في حرب الناقلات

لم تكن المواجَهات كلها ذات صبغة عسكرية، فبعضها اتخذ وسائل أخرى، لتحقيق الهدف المطلوب. كما لم تنحصر المواجَهات بين إيران وأيٍّ من الأطراف الأخرى فقط، بل كان هناك مواجَهات بين العراق والقوة البحرية الأمريكية.

1. المواجَهة الأولى، حادث إصابة 19 سفينة، من جراء اصطدامها بالألغام البحرية (يوليه ـ سبتمبر1984)

كانت هذه المواجَهة غير مباشرة؛ إذ نجمت عن اصطدام عدد كبير من السفن التجارية، المختلفة الجنسية والحمولة، بألغام بحْرية، في مناطق متعددة، في البحر الأحمر، أي أنها حدثت، كذلك، خارج المسطح المائي للخليج العربي. خلال الأشهر الثلاثة، الأكثر حرارة، في منطقة البحر الأحمر (يوليه ـ أغسطس ـ سبتمبر) انفجرت الألغام البحرية، لتصيب تسع عشرة سفينة تجارية، أي بمعدل حادث واحد كل خمسة أيام.

على الرغم من إعلان منظمة لبنانية[5]، شيعية، موالية لإيران، مسؤوليتها عن الحوادث، إلا أن التفكير المتأني في إمكانات تلك الجماعة وقدراتها، يوحي بأن ذلك مستحيلاً، فالمساحة، التي اكتشفت وأُزيلت منها الألغام، فيما بعد، هي كبيرة. ناهيك أن بثّ الألغام، يحتاج إلى متخصصين، وليس من السهل أن يتأتى لبعض المدرَّبين على حمل السلاح الفردي فقط.

ظهرت أولى الدلائل، حينما اكتشفت قِطعة بحرية حربية، بريطانية، لغماً، تمكنت من تأمينه ورفعه، واتضح أنه حديث الصنع، سوفيتي المنشأ. ويحصر ذلك الاكتشاف الشكوك في سفن الدول المتعاملة مع الاتحاد السوفيتي، والتي يهمها، أن ينتاب التوتر والفوضى الملاحة البحرية الدولية، في هذه المنطقة. واتجهت أصابع الاتهام إلى كلٍّ من ليبيا وإيران. وتزايدت الاحتمالات، بعد فحص وتدقيق سجلات عبور قناة السويس والتدقيق فيها، أن يكون الفاعل سفينة ليبية الجنسية. كما كان رد الفعل الإيراني، المرتبك، إشارة أخرى[6].

لم ينجم عن تلك الحوادث ضرر كبير، مباشر. فهي لم تتسبب بغرق أي سفينة مصابة، إلا أنها أحدثت أضراراً غير مباشرة، بانخفاض دخْل قناة السويس المصرية، نتيجة للانخفاض الحاد في حركة الملاحة في البحر الأحمر، وزيادة التأمين على السفن العابرة له.

أدت الجهود المتعاونة، بين مصر والمملكة العربية السعودية، من جهة، والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى، إلى النجاح في تطهير الممر الملاحي، في البحر الأحمر، من أي ألغام بحرية. وساعد ذلك على تقليل الأضرار الاقتصادية. بينما زادت الإدارة الأمريكية من تشددها مع ليبيا.

2. المواجَهة الثانية، الإصابة الفادحة للبحرية الأمريكية (17 مايو 1987) (اُنظر شكل إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK)

بعد موافقة الأمريكيين على طلب الكويت، حراسة سفنها، التي تسجَّل لديهم، وترفع العلم الأميركي، نظمت القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، أسلوب حراسة قوافل الناقلات الكويتية، في رحلاتها من ميناء الأحمدي إلى خارج الخليج العربي.

وكانت الخطة تقضي بمرافقة الفرقاطات الأمريكية الناقلات الكويتية، أثناء إبحارها في الممر الملاحي الدولي.

في 17 مايو 1987، كانت القافلة قد وصلت إلى منتصف الخليج تقريباً (شمال شرق قطَر) في حراسة الفرقاطات الأمريكية. كما كانت حاملة الطائرات الأمريكية Interprise ، تضع أسرابها على أهبة الانطلاق، فور تلقِّي إنذار من سفن الحراسة، باقتراب  أهداف معادية، جواً أو بحراً.

كانت سفن الحراسة الأمريكية، تركز جهودها في اكتشاف اقتراب القِطع البحرية الحربية الإيرانية، التي تنتشر على طول الساحل الشرقي للخليج، مستخدمة الجُزُر الكثيرة، التابعة لإيران، كمأوى لها، تسارع منه إلى اقتناص فريستها، ثم تختفي بسرعة، كما ظهرت. وكان الخطر الثاني، الذي يخشاه الأمريكيون، هو الصواريخ الصينية الصنع، من نوع Silk Warm، التي نصبتها إيران، في قواعد، على ساحلها، وإنْ كانت هذه الصواريخ أقل خطراً؛ إذ رصدت أماكن قواعدها، وسبق التعامل معها، في معارك فيتنام.

كانت القافلة بعيدة عن مناطق عمل صواريخ  Silk Warm. كما أن عناصر الاستطلاع، لم ترصد تحركات لأي سفينة إيرانية. وواصلت القافلة مسارها، بهدوء.

فجأة، انقضَّت طائرة مجهولة الهوية، من ارتفاع عالٍ، مما أربك سفن الحراسة، التي سارعت إلى اتخاذ أوضاع القتال، ووجهت أسلحتها المضادّة للطائرات، في اتجاه الهجوم الجوي المرتقب. وأطلقت السفن الأمريكية حمماً من النيران، بينما كانت الطائرة تبتعد، بعد أن أطلقت صاروخَي جو/ سطح، اتجها، بسرعة شديدة، نحو هدفهما، ولم ينفع معهما أي إجراءات إلكترونية للتشويش والتعويق، كما لم تستطع إصابتهما بالأسلحة المعتادة. وأصاب الصاروخان الفرقاطة الأمريكية Stark، الموجودة على الجانب الأيمن للقافلة، إصابة مباشرة، كادت تقسمها نصفَين، واشتعلت فيها النيران. وجهد طاقم الفرقاطة في السيطرة على النيران، التي اجتاحت سطح السفينة وباطنها، وكادت تغرقها، بينما أدت الانفجارات داخلها إلى مصرع 37 أمريكياً من طاقمها.

اتضح، فيما بعد، أن الطائرة المهاجِمة، هي عراقية الجنسية، فرنسية الصنع، من نوع Mirage - F1 وأنها أطلقت صاروخين جو/ سطح شديد الفاعلية، يصعب التشويش عليه من نوع Exozit الحديثة.

سارع الرئيس العراقي، صدام حسين، إلى تقديم عزائه إلى الرئيس الأمريكي، والاعتذار عن الإصابة الخطأ. كما أعلن استعداد بلاده لدفع تعويض إلى أُسَر الضحايا الأمريكيين.

ثار جدل عنيف، في أروقة الكونجرس الأمريكي، في جدوى تقديم حماية لسفن كويتية، تسفر عنها ضحايا أمريكيين، في حرب بين طرفَين آخرَين.

لم يستمر طويلاً الجدل في الحكمة من وجود أمريكي دائم، في الخليج العربي، المشتعل بنيران، الحرب؛ إذ تغلبت كفة القائلين بأن أمن أمريكا حيث مصالحها الحيوية. وقبِل الرئيس الأمريكي الاعتذار العراقي عن الخطأ، وكذلك التعويضات لأسر الضحايا، من أجل ضمان استمرار تدفق النفط الخليجي في اتجاه الغرب، وحرمان السوفيت من فرصة ذهبية، لإيجاد موطأ لهم في المياه الدافئة.

3. المواجَهة الثالثة، حادث إصابة ناقلة النفط الكويتية، بريدجستون (24 يوليه 1987)

كما حدث عام 1984، بث الإيرانيون ألغاماً بحْرية، في المجرى الملاحي في الخليج العربي، ساعين إلى حدوث مواجَهة مع قوات الحماية الأمريكية. وفي 24 يوليه 1987، اصطدمت ناقلة نفط، كويتية الجنسية، ترفع العلم الأمريكي، بلغم، أثناء رحلتها في الخليج العربي. وقررت الإدارة الأمريكية، من الفور، انتهاز هذه الفرصة، للتصعيد مع إيران، ردعاً لها عن تكرار التعرض للسفن الداخلة في الحماية الأمريكية. وبسرعة، بدأت وحدات مساندة أمريكية تتدفق إلى الخليج العربي، تعزيزاً للقوة البحرية الأمريكية فيه، وشملت طائرات عمودية، وسفناً كاسحة للألغام، وأرسلت الدول الأوروبية الغربية سفناً أخرى للمعاونة.

لم يبقَ، لحدوث المواجَهة المرتقبة، إلا أن يضبط الأمريكيون سفناً إيرانية، أثناء بثّها الألغام في الخليج العربي. لذلك، كثفت القوة البحرية الأمريكية من عناصر الاستطلاع والاستخبارات، للحصول على مزيد من المعلومات، التي تساعد على كشف السفن التي تبثّ الألغام. ووضعت قيادة القوة البحرية الأمريكية نظاماً دقيقاً، يرصد السفن الإيرانية، ويتتبعها أثناء إبحارها.

4. المواجَهة الرابعة، التأكد من مسؤولية إيران عن بثّ الألغام (21 سبتمبر 1987)

بعد شهرين على إصابة ناقلة النفط الكويتية، بريدجستون، أي في 21 سبتمبر 1987، تمكنت الطائرات العمودية الأمريكية، التي أقلعت من على ظهر الفرقاطة الأمريكية، GARIT، من رصد سفينة إيرانية مدنية، صغيرة الحجم، تدعى إيران آير  Iran Air  .وبتتبعها عن كثب، أمكن ضبطها، وهي تبثّ الألغام في مياه الخليج[7]. واستطاعت الطائرة العمودية تصوير ذلك المشهد كاملاً.

وأصبح لدى الولايات المتحدة الأمريكية، دليلاً قوياً على تورط إيران في عمليات بثّ الألغام، إذ أوضحت الصور، التي نشرت فيما بعد، عملية البثّ كاملة. كما أمكن تصوير حمولة السفينة من الألغام، التي اتضح أنها سوفيتية الصنع.

من الفور، دُفعت عناصر من قوة Seal ، سيطرت على السفينة، واستولت على وثائقها، ومن ضمنها خرائط، توضح مسار السفينة، والمناطق المحددة لها لبثّ الألغام. ونقلت طاقم السفينة الإيرانية إلى السفن الأمريكية. ثم نسفتها وأغرقتها.

استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الأدلة، التي حصلت عليها من المواجَهة في حملة إعلامية لإدانة الإيرانيين. وشملت تلك الأدلة، الوثائق المستولى عليها من السفينة الإيرانية، والصور التي تدين الإيرانيين بتورطهم في عمليات بث الألغام البحرية، وأقوال طاقم السفينة، خلال التحقيقات، التي أجريت معهم.

سلّمت البحرية الأمريكية في الخليج، أسراها الإيرانيين، من طاقم السفينة إيران آير، إلى السلطات العُمانية، التي سلّمتهم، بدورها، إلى مندوبي الحكومة الإيرانية. في الوقت نفسه، دعت المملكة العربية السعودية إلى فرض عقوبات دولية على إيران، لبثها ألغاماً بحْرية في مجرى ملاحي دولي. كما وافق الكونجرس الأمريكي على حظر استيراد النفط أو المنتجات الأخرى، من إيران. بينما حاولت إيران التخفيف من وقع الحادث، فصرح الزعماء الدينيون برفضهم بث ألغام في ممرات الملاحة الدولية، من وجهة نظر أخلاقية. ونفى الإمام الخميني تورط إيران في بث الألغام في الخليج، وهاجم الأمريكيين، الذين يحاولون تشويه الثورة الإسلامية الإيرانية.

كانت حادثة السفينة الإيرانية، إيران آير، أول مواجَهة مباشرة بين أحد أطراف الحرب (إيران) والولايات المتحدة الأمريكية، التي وضح أنها تستغل الأحداث إلى أقصى مدى، لتثبيت وجودها في الخليج، حتى لِما بعد الحرب. إلا أن المواجَهة لم تتخذ شكل أعمال قتالية، أو اشتباك بحري كامل، إذ كانت السفينة الإيرانية غير مسلحة.

5. المواجهة الخامسة، الاشتباك البحري الأول (8 أكتوبر 1987)

استمرت الولايات المتحدة الأمريكية، تشن هجومها، الإعلامي والسياسي، ضد إيران، محاولة الضغط عليها، لإجبارها على قبول قرار مجلس الأمن، في شأن وقف إطلاق النار (القرار الرقم 598).

عقب إغراق السفينة الإيرانية، إيران آير، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية دورياتها في الخليج. ولم تتعرض للسفن الإيرانية، التي كانت تمارس فيه نشاطاً واسعاً، شمل اعتراض السفن التجارية في المجرى الملاحي الدولي، واحتجاز السفن المشتبَه فيها، وقصف ناقلات النفط، واعتراض وتفتيش السفن المارة في مضيق هرمز وتفتيشها. وأعلن قائد البحرية الإيرانية، أن خطة لتوفير حزام أمني في الخليج[8]، أمْلت ذلك النشاط.

من جهة أخرى، نوعت إيران أهدافها. فوضعت مفرقعات، بوساطة عملائها، في مدخل ميناء الأحمدي الكويتي النفطي. وأطلقت عدة صواريخ أرض/ أرض، في اتجاه ميناء الكويت. ثم قصفت ميناء الأحمدي النفطي بالصواريخ، حيث أصابت محطة التصدير النفطية الرئيسية. وكان رد الفعل الكويتي عنيفاً، وإنْ التزم بالمسار الدبلوماسي. إذ قدمت الكويت احتجاجاً، لدى الأمم المتحدة، على تلك الأعمال، وطالبت بوقف الاعتداءات الإيرانية على أراضيها، وطردت خمسة دبلوماسيين إيرانيين، ووجَّهت خطاباً شديد اللهجة إلى إيران، هددت فيه بقطع العلاقات بها.

ارتفعت حدة التوتر على سطح الخليج، وترقب الجميع ما ستسفر عنه الأحداث القادمة، متوقعين تصاعدها، إنْ لم تتراجع إيران.

في 8 أكتوبر 1987، فاجأت دورية من الطائرات العمودية الأمريكية، أربعة زوارق بحْرية إيرانية سريعة، على بعد نحو 15 ميلاً، جنوب غرب جزيرة فارسي (Farsi Island)[9]، وهي كامنة لاصطياد السفن العابرة. وحينما حذرت الطائرات الزوارق الإيرانية، فتح الإيرانيون  نيرانهم على الطائرات الأمريكية، التي ردت عليهم، وشنت هجوماً بصواريخ جو/ سطح، أدى إلى إشعال النيران في أحدها وإغراقه. ولاذ باقي الزوارق بالفرار، فطاردتها الطائرات العمودية الأمريكية، وأصابت زورقَين آخرَين بأضرار جسيمة، وتمكنت من أسْرهما.

وضح أن التصعيد في المواجَهة، بين إيران والقوة البحرية الأمريكية، في الخليج، يقترب من ذروته، التي يترقبها الجميع. فقد أجمع المراقبون على أن التصادم حادث، لا محالة. وكانت المواجَهة الأخيرة مع الزوارق الإيرانية الأربعة، مواجهة مسلحة، تُبُودِل فيها إطلاق النار، إلا أن ضعف التسليح لدى الزوارق الإيرانية، لم يمكنها من الاشتباك القوي، لتمتد فترة الترقب، قبْل حدوث الاشتباك الكبير المرتقب.

6. المواجَهة السادسة، الهجمات الصاروخية الإيرانية على السفن الكويتية (15/16 أكتوبر 1987)

جاء رد الفعل الإيراني على إغراق وأسر الزوارق الإيرانية الثلاثة، بعد أسبوع من المواجَهة السابقة. ففي 15/16 أكتوبر 1987، أطلقت إيران عدة صواريخ أرض/ سطح، من نوع  Silk Warm، من القاعدة التي أنشأتها في طرف شبه جزيرة الفاو، على ميناء الأحمدي الكويتي، أثناء شحن بعض الناقلات بالنفط. وقد أصاب أحد هذه الصواريخ الناقلة الكويتية Sea Isle City، التي كانت ضمن مجموعة الناقلات، المسجَّلة لدى الأمريكيين، وترفع العلم الأمريكي. وهو ما عَدَّه الأمريكيون تحدياً لهم، وخرقاً  لخطتهم لتأمين الناقلات الكويتية، التي ترفع العلم الأمريكي، والمسماة الإرادة الصلبة (Earnest Will Missions). واقترح الأميرال كرو، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، شن هجوم انتقامي على سفينة إيرانية، في إطار خطة الإرادة الصلبة. لكن إدارة الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، رفضت الاقتراح، وعدّلته، مكلِّفة قوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط بهجوم على منصة نفط إيرانية، وتدميرها تدميراً كاملاً. ونفذت الهجوم مجموعة سفن أمريكية، ضد محطة الراشادات النفطية العائمة، في 19 أكتوبر 1987.

بدأت قيادة القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، وكان يقودها، في ذلك الوقت، العميد البحري أنتوني أ.ليس، باختيار الأهداف ومراقبتها، لجمع المعلومات عنها، والتخطيط لمهاجمتها، طبقاً لاحتمالات الضربات الانتقامية، المتوقعة مستقبلاً.

7. المواجَهة السابعة، الظهور العراقي الثاني في المواجَهات (12 فبراير 1988)

كانت القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، تراجع خططها المسبقة، للتصدي للعدائيات المتعددة، المحتملة ضدها في الخليج، والتي اشتملت على هجمات، جوية وصاروخية وبحْرية، إضافة إلى بثّ الألغام البحرية. وكان تقدير الأمريكيين، أن الإيرانيين، يشكلون التهديد الأكبر للعمليات الأمريكية في الخليج، بما اشتملت عليه ترسانتهم الحربية، من طائرات، مقاتلة ومقاتلة قاذفة، مسلحة بصواريخ جو/سطح والقنابل التقليدية، والقِطع البحرية الحربية المتنوعة (غواصة ومدمرات وفرقاطات) أو الزوارق السريعة، من نوع بوجهامر، المسلحة بالصواريخ، والقواذف المضادّة للدروع، والرشاشات الثقيلة، أو الزوارق الخفيفة الصغيرة، التي يستخدمها مقاتلو الحرس الثوري (الباسداران).

لم تغفل القيادة الأمريكية أخطاراً أخرى محتملة، حتى تلك التي قد تحدث خطأً، على غرار حادثة الفرقاطة Stark.وعلى الرغم من أن الأمريكيين، عملوا على تحسين إجراءات التعارف بين قِطعهم البحرية وطائراتهم ونظيراتها العراقية، خاصة بعد حادث الفرقاطة Stark، فإن الطائرات العراقية، المقاتلة القاذفة والقاذفات، كانت لا تزال تشكل أحد الأخطار المحتملة. وفي 12 فبراير 1988، هاجمت طائرة عراقية، بخطأ، للمرة الثانية، المدمرة الأمريكية Chandler، وأطلقت عليها عدة صواريخ، قبْل أن تتبين الخطأ، وتبتعد عنها. وعلى الرغم من أن المدمرة لم تُصب بأذى، لوقوع الصواريخ على أجنابها، إلاّ أن الحادث، أوضح عدة دلائل مهمة، للأمريكيين والعراقيين والإيرانيين على حدّ سواء:

أ. وسائل التعارف، لا تزال قاصرة، مما يمكن استغلاله، بوساطة أهداف مجهولة، في الاقتراب من السفن الأمريكية.

ب. نُظُم الدفاع الجوي عن السفن الأمريكية، غير  قادرة على الاكتشاف المبكر للطائرات، المعادية أو الصديقة، والعمل على إسقاطها، مبكراً، قبْل أن تصيب القِطعة البحرية الأمريكية بأضرار.

ج. مستوى الطيارين العراقيين، لا يزال ضعيفاً. ويرسم ذلك علامة استفهام كبيرة، بعد ثماني سنوات من القتال، استخدم العراقيون، خلالها، طائراتهم الحربية بكثافة عالية.

د. إمكانية القول إن العراقيين، كانوا يختبرون النُظُم الأمريكية للدفاع عن السفن الأمريكية، التي ستكون هدفاً لهم، مستقبلاً؟

لم يمثل الحادث أي خطر على العلاقات بين طرفَيه، لعِلم الأمريكيين بأنه عرضي، وليس مدبّراً. لذلك، لم يتخذوا ضد العراق أي إجراء، عسكري أو دبلوماسي، مكتفين بقبول التعليل العراقي للحادث.

8. المواجَهة الثامنة، العودة إلى الألغام البحرية (14 أبريل 1988)

كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية في عامها الثامن، حين وصلت الاشتباكات البرية ذروتها؛ إذ استعاد العراقيون قدراتهم الهجومية، وبدأوا بشن مجموعة من الهجمات، على طول الجبهة. ونجحوا في استرداد القمم الجبلية المهمة، في الشمال، على جبال كردستان العراقية. ويدور قتال شرس، في الجنوب، لاستعادة شبه جزيرة الفاو. وقد استخدم العراقيون، في هجماتهم، الغازات الحربية، بكثافة، مما زاد من توتر القيادة الإيرانية، فلجأت إلى ذراعها الطويلة، لتقصف بغداد بسبعة عشر صاروخ أرض/ أرض، على مدى أيام متتالية. وردّ العراقيون بقصف بالغ، مطلقين على العاصمة الإيرانية، طهران، 140 صاروخاً، من نوع SCUD-B، رافعين مستوى التدمير إلى حدّ، لم تصله الحرب من قبْل.

في 14 أبريل 1988، وخلال تصاعد أحداث الحرب البرية، وعنفها البالغ، اصطدمت الفرقاطة الأمريكية Samuel B. Roberts بلغم، على مسافة 55 ميلاً شمال شرق قطَر. وأحدثت الإصابة ثقباً كبيراً في جانبها الأيسر، أسفل غرفة الآلات (30 قدماً × 23 قدماً). وتدفقت مياه الخليج، من خلال الثقب المتسع، لتجتاح عنابر السفينة الداخلية، بينما أدى الانفجار إلى حرائق داخلية، كادت تطاول غرفة الآلات. ووضح أن الإصابة بالغة، كادت تشطر السفينة. أمّا طاقم الفرقاطة، فبذل جهوداً بالغة في السيطرة على الحريق وتأمين السفينة. وأمكنه تفادي الغرق، بمعجزة، كما كان اقتصار الأضرار على إصابة عشرة بحارة، من دون قتلى، معجزة أخرى.

أشارت الدلائل إلى أن الإيرانيين، قد استأنفوا هجماتهم، بالألغام، ضد الممرات الملاحية الدولية، في الخليج. وتزايد الشك في قصدهم تهديد القطع الحربية الأمريكية، بعد اكتشاف عدد آخر من الألغام، في المجرى المائي الملاحي، في الأيام التالية. كانت الألغام إيرانية الصنع. وكان بثّها في الطريق الملاحي، الذي اتخذته البحرية الأمريكية مساراً لها، لحراسة القوافل البحرية، وهو ما يؤكد نية العمد، هذه المرة. ومن الفور، طالب الرئيس الأمريكي، ريجان، بتنفيذ ضربة انتقامية رادعة.

9. المواجَهة التاسعة، الاشتباك الكبير المرتقب (18 أبريل 1988)

انبرت هيئة أركان القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، إلى وضع البدائل، لتنفيذ قرار الرئيس الأمريكي، تنفيذ ضربة انتقامية رادعة، ضد أهداف إيرانية. وقد شملت تلك البدائل عدة أهداف منتقاة.

وضعت الخطط على أساس أحد اتجاهَين للعمل الانتقامي. الاتجاه الأول، تنفيذ أعمال قتالية هجومية، ضد العناصر الإيرانية، المستخدَمة في أعمال بث الألغام. ويعني ذلك مهاجمة مناطق تكديس الألغام البحرية ومستودعاتها وتدميرها. وكذلك معدات البثّ والسفن المجهزة لذلك. وهو ما يتطلب عمليات إبرار، بحري وجوي، محدودة، على الأراضي الإيرانية، مع تأمين تغطية جوية، ومساندة نيرانية ملائمتَين. الاتجاه الثاني، الاقتصار على أهداف بحْرية، تهاجمها القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، جواً وبحراً، والإعداد لإبرار جوي عليها، إذا لزم الأمر. رفض الرئيس الأمريكي الاتجاه الأول؛ إذ إن تنفيذ أعمال قتالية على الأراضي الإيرانية، يعني التورط في حرب شاملة ضد إيران، على غرار حرب فيتنام، التي لم تُنْسَ رواسبها، بعدُ. على ذلك، اختيرت أهداف بحْرية، لمهاجمتها في الخليج. وشمل أمر العمليات تحديد منصتَين بحريتَين، يُفْصَل فيهما الغاز عن النفط، وحدد الهدف بتدميرهما الكامل. وكان الهدف الثالث قطعة بحرية إيرانية واحدة، تعويضاً عن الأضرار، التي لحقت بالفرقاطة Samuel B. Roberts. وحتى تكون الرسالة الموجَّهة واضحة المعنى، فإنه إذا لم يَتَسنَّ اصطياد القطعة البحرية الإيرانية، فتُدَمَّر منصة نفطية ثالثة[10].

كان رفض الرئيس الأمريكي عمليات إبرار على الأراضي الإيرانية، من منطلق التصعيد المحسوب للمستوى الملائم للردع، من دون التورط في مزيد من التصعيد، الذي لا نهاية له. فضلاً عن التخوف من التورط في فيتنام جديدة.

وقع اختيار هيئة أركان القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، على منصتَي فصل للغاز عن النفط، في ساسان وسيري[11]، في وسط الخليج العربي وجنوبيه. وكشفت عناصر الاستطلاع، أن المنصتَين مجهزتان تجهيزاً دفاعياً وترابط فيهما قوات مزودة رشاشات Zsu-23mm، وراجمات قنابل يدوية، وأسلحة آلية للدفاع الشخصي (بنادق آلية). أما الهدف البحري الإيراني، فكان إحدى الفرقاطات الإيرانية الجيدة، من نوع  Fosber Mk-5، البريطانية الصنع، ذات حمولة 1350 طناً. ووقع الاختيار على تلك المسماة Sabalan، بسبب شهرتها البغيضة بمهاجمة السفن والناقلات التجارية، وإطلاق النار على قمرات الأطقم، لإحداث خسائر بشرية عالية، خلال عامَي 1987 و1988.

أطلق على خطة العمليات الانتقامية، الاسم الرمزي فرس النبي المصلِّي (Praying Mantis) وشكلت قوة التنفيذ من ثلاث مجموعات قتال، كلٌّ منها تختص بمهاجمة أحد الأهداف الثلاثة:

أ. مجموعة القتال برافو (Bravo)

تتكون من السفن الحربية الثلاث: Toentom Mc Cormick Merrill Lunde ، وتقودهما Merrill وتحدد لها مهاجمة وتدمير منصة النفط في ساسان وتدميرها. وتكون مستعدة لتدمير منصة النفط الثالثة، راكيش، كهدف إضافي، في حالة عدم العثور على سفينة حربية إيرانية.

ب. مجموعة القتال شارلي (Charlie)

تتكون من السفن الحربية الثلاث: Wainwight. Bagley Simpson وتعقد القيادة للسفينة Wainwight. وتحدد لها مهاجمة منصة النفط في سيري وتدميرها.

ج. مجموعة القتال دلتا (Delta)

تتكون من السفن الحربية الثلاث: Jack Williams Strauss Joseph O'Brien . وتعقد القيادة للسفينة  Jack Williams Strauss وتحدد لها مهاجمة الفرقاطة الإيرانية Sabalan وإغراقها أو أي سفينة حربية إيرانية أخرى، تحاول الخروج من ميناء بندر عباس[12].

حدد لمجموعتَي القتال، الأولى والثانية، أسلوب العمل على المنصات النفطية، بتوجيه إنذار، أولاً، وإعطاء مهلة خمس دقائق لإخلاء المنصة. ثم مهاجمة الدفاعات على المنصة وإسكاتها بالنيران. عقب ذلك، يبادر مشاة البحرية (منصة ساسان) إلى إبرار، بحري وجوي، أو قوة Seal (منصة سيري)، للاستيلاء عليها، والحصول على الوثائق، التي قد توجد فيها، وتجهيزها للنسف، ثم تدميرها تدميراً كاملاً. وتوفّر قوة جوية، من 4 طائرات F-14 Tomcat،  وطائرتَي A-6 E Intruders ، حماية جوية (دورية قتال جوية منخفضة، قرب سطح الماء). وتنطلق المجموعتان من حاملة الطائرات Interprise، الموجودة في شمالي بحر العرب، خارج الخليج العربي. وتكون حاملة الطائرات مستعدة لدفع مجموعة ثالثة (احتياطية)، خلال أقلّ من 15 دقيقة، عند الطلب لمساندة مجموعة القتال دلتا، عند شروعها في اشتباك بحري مع هدفها المحدد. إضافة إلى ذلك، تكوّن طائرة وقود، من نوع  KC-10، تقلع من المملكة العربية السعودية، محطة إمداد بالوقود، جواً، فوق منطقة العمليات. بينما تتعاون طائرات Awacs، وE-2C Hawkeyes، على رصد الأعمال القتالية، والمجال حولها، ومتابعة النشاط الإيراني في المنطقة، وإرسال صور رادارية مستمرة.

اتخذت كل مجموعة قتال بحرية، مواقع الهجوم، بالقرب من هدفها المحدد. وبدأت مجموعة Bravo العمليات القتالية، صباح 18 أبريل 1988، في الساعة 0755، بالتوقيت المحلي للمنطقة، حين وجهت إنذاراً بمكبرات الصوت، باللغتَين، الفارسية والإنجليزية، إلى العاملين على منصة النفط، ساسان، لإخلائها. فأصيب الإيرانيون بالفزع. وكثرت الحركة على سطح المنصة. كما أجريت اتصالات مع القيادة، على الساحل الإيراني، للحصول على تعليمات، للتصرف بموجبها. وهو ما يعنى أن القيادة العسكرية الإيرانية، غفلت عن وضع خططاً احتياطية، تنفَّذ عند التعرض للمواقف الطارئة.

طالب الإيرانيون بمد المهلة، وبدأوا يغادرون المنصة، في القوارب، في مجموعات. بينما بقي على سطح المنصة مجموعة أخرى، في أوضاع القتال، مصممة على الدفاع عنها.

بانتهاء المهلة، اقتربت السفينتان، Lunde Mc Cormick وMerrill، واتخذتا أوضاعاً قتالية ملائمة. وبدأتا بإطلاق النار على دفاعات المنصة (الساعة 0804) لإسكاتها، حينما سمع نداء من زورق إيراني، يطلب وقف إطلاق النار، لإخلاء باقي طاقم المنصة، الذين تركوا الدفاعات، واتجهوا إلى الجانب الشمالي، استعداداً للهرب، حيث التقطهم الزورق، وابتعد بهم، في اتجاه الساحل الإيراني.

نفذَّت عناصر قوة الاقتحام من مشاة البحرية، وخبراء المفرقعات، وجماعة جمع المعلومات، عملية إبرار على المنصة، حيث عمد مشاة البحرية إلى التأكد من خلوها من أي أفراد. وجهّزها الخبراء للنسف. بينما كانت جماعة جمع المعلومات تلتقط الوثائق التي وجدت في داخل المنصة. وغادر الجميع الهدف، الذي دُمِّر بالمتفجرات، بالتحكم عن بُعد.

تأخرت المجموعة القتالية الثانية، Charli، عن موعدها. وبدأت أعمالها القتالية الساعة 0815، للسماح للإيرانيين بزمن إضافي، لإخلاء المنصة، في سيري، قبْل تنفيذ الخطة. إلا أن عدداً كبيراً من الإيرانيين، رفضوا مغادرتها، فبادرت السفن الأمريكية، إلى فتح نيرانها على الدفاعات، بعد توجيه إنذارهم إليهم. وتعمدت إيقاف إطلاق النار، على فترات، لإعطاء فرصة لمن يريد المغادرة.

وكما اختلف موعد بدء عمليات المنصة النفطية، في سيري، كذلك اختلف سير أعمالها القتالية. فقبْل أن تنتهي السفن الثلاث من تدمير الدفاعات وإسكاتها، لتؤمن إبرار المجموعة القتالية، Seal، أصيب، خطأً، خزان غاز ممتلئ، فانفجر، وتحولت المنصة إلى كتلة من النيران، وأصبح من غير الضروري استكمال الخطة؛ إذ دمِّر المنصة تماماً انفجار خزان الغاز.

اتجهت المجموعات القتالية الثلاث إلى تنفيذ باقي المهام. فاصطدمت مجموعة Bravo بهدف بحري صغير، اتضح أنه سفينة دورية، تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة. فتركتها، واتجهت إلى المنصة راكيش استعداداً لتنفيذ مهمتها التالية، طبقاً للموقف. وواجهت، أثناء اقترابها من هدفها، هدفاً بحرياً مجهولاً، ظنت أنه فرقاطة إيرانية، فاتخذت أوضاع القتال. إلا أن الهدف عرّف نفسه، واتضح أنه مدمرة سوفيتية، اقتربت لتسجيل وقائع القتال.

كانت المجموعة Delta تبحر نحو ميناء بندر عباس، في الجنوب، آملة أن تعثر على الفرقاطة Sabalan. إلا أن البحرية الإيرانية، التزمت الحذر، فلم تخرج أي قِطعة بحْرية إلى عرض الخليج. واكتشفت عناصر الاستطلاع، أن الفرقاطة الإيرانية Sabalan، تختبئ بين ناقلتَي نفط، في الميناء، لتوفر لنفسها حماية ضد صواريخ سطح/ سطح، من نوع Harpoon، التي كانت تعلم أن السفينة الأمريكية مستعدة لإطلاقها نحوها.

استمرت دورية الحماية الجوية تحلق فوق مجموعة Delta، مع مراقبة الفرقاطة Sabalan. إلا أنها لم تتمكن من الاشتباك معها، لإجبارها على الخروج إلى عرض الخليج، حيث تنتظرها السفن الثلاث لمجموعة Delta، مسددة صواريخها تجاهها، بسبب الناقلتَين المدنيتَين، الكامنة بينهما.

خاطرت الزوارق الإيرانية السريعة، من نوع بوجهامر، بالخروج من مكانها، الساعة 1146، من صبيحة 18 أبريل. وهاجمت سفينة إمداد، ترفع العلم الأمريكي (السفينة Willie Tide). وهاجمت مجموعة أخرى منها سفينة، ترفع علم بنما (السفينة Scan Bay)، كان على متنها 15 أمريكياً، أثناء مرورها بالقرب من حقل النفط الإماراتي، مبارك (شرق جزيرة أبو موسى، التي تحتلها إيران، بالقرب من مضيق هرمز). وهاجمت مجموعة ثالثة ناقلة نفط، ترفع العلم البريطاني (الناقلة  York Marine).

من الفور، اتجهت الفرقاطة Jack Williams ( سفينة القيادة لمجموعة Delta) نحو منطقة الاشتباكات. وأصدرت أوامرها إلى طائرات دورية الحماية الجوية، A-6E، باتخاذ أوضاع هجومية. ثم أمر قائد القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط (العميد البحري لِيس) بالاشتباك مع الزوارق الإيرانية السريعة، فألقت قنابل عنقودية (من نوع Rock eye) على زورق المقدمة، فأغرقته. بينما سارع باقي الزوارق إلى الهرب إلى جزيرة أبو موسى القريبة، لتصطدم بالسواحل، وتجنح عليه.

ناحية الغرب، كانت الظروف مواتية لاشتباك بحري أكبر. فقد كانت سفينة الهجوم الإيرانية السريعة ماركة 2، المسلحة جيداً، Joshan، تقترب من مجموعة Charli. وأدى ذلك الموقف المفاجئ إلى ارتباك الأمريكيين؛ إذ كانت الأوامر لديهم بالاشتباك مع قطعة إيرانية واحدة فقط وإغراقها. وكانوا يأملون، أن تكون Sabalan (حمولة 1350 طناً)، هي تلك القِطعة. أما Joshan (250 طناً فقط)، فإن إغراقها، سيوقف عمليات المجموعات الثلاث؛ إذ إن المهمة قد أُنجزت، ويترك ذلك Sabalan طليقة، لتواصل أعمالها البغيضة. من وجهة أخرى، كان العميد ليس، يخشى من السفينة Joshan، لسرعتها وقدرتها العالية على المناورة، إضافة إلى أنها تحمل صاروخ سطح/ سطح، من نوع Harpoon الأمريكي.

لم يستغرق الأمر طويلاً، للوصول إلى قرار حاسم. فقد كانت سرعة السفينة الهجومية، Joshan، واستعداد صاروخها، سطح/ سطح، للانطلاق، واقترابها جداً من مجموعة القتال الأمريكية، Charli، كافية لأن يسمح لِيس لمجموعة شارلي بالاشتباك. وسرعان ما أنذرت السفينة  Wainwright السفينة الإيرانية، التي أطلقت صاروخها، من نوع Harpoon. ومرت لحظات قلق، حين كان يتجه صاروخ أمريكي الصنع، لإصابة هدف أمريكي.

أخطأ صاروخ Harpoon السفينة Wainwright وسقط على جانبها الأيمن، من دون أن يحدث بها ضرراً (يعتقد أنه أطلق من مسافة قصيرة، لم تسمح بتوجيهه). وردت السفينة Wainwright، والسفينة Simpson، التي سارعت إلى مساندتها، بإطلاق خمسة صواريخ، من نوع SM-1، أعقبها إطلاق صاروخ Harpoon، من السفينة Bagley. وأصابت الصواريخ السفينة الإيرانية Joshan، التي تحولت إلى كتلة من النار، وغاصت في مياه الخليج، أثناء مرور صاروخ Harpoon من فوقها.

خلال هذا الاشتباك المفاجئ والسريع، اقتربت طائرة إيرانية مقاتلة قاذفة، من نوع Phantom F-4 ، من السفينة Wainwright، واتخذت أوضاع القتال، لمساندة السفينة Joshan. فأطلقت السفينة الأمريكية طلقات تحذير، ثم هاجمتها، بإطلاق صاروخَي سطح/ جو، من نوع SM-2، أصاباها، فاتجهت نحو الساحل الإيراني، لتبلُغه قبْل أن تسقط.

10. المواجَهة العاشرة، الاشتباك مع الشقيقة التوأم

لاحظ قائد مجموعة القتال دلتا، هدفاً بحرياً، قرب جزيرة لارك (Lark Island)، قدر أنه فرقاطة، من نوع Sam، متجهة نحو الجنوب الغربي، بسرعة 25 عقدة. ثم اتضح، بعد برهة، أنه الفرقاطة الإيرانية Sahand، توأم Sabalan، وكانت الساعة 1459 بعد الظهر. وكان من الواضح، أن الفرقاطة، لديها أوامر بالخروج لملاقاة مجموعة Delta.لذلك، أمر قائد المجموعة طائرتين، من نوع A-6E، المزود أجهزة توجيه، تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وطائرة F-14 Tomcat ترافقهما، وعليها أجهزة رصد تليفزيونية، بمهاجمة الفرقاطة الإيرانية. وعلى الرغم من أن الأمريكيين، كانوا متأكدين من الهدف وكونه فرقاطة إيرانية، إلا انهم أرادوا التحقق، بصرياً، من طريق الرصد التليفزيوني، تنفيذاً لقواعد الاشتباك. ومن الفور، اتجهت طائرتا A-6E ، على ارتفاع منخفض، ناحية الفرقاطة الإيرانية، التي أطلقت نيرانها عليهما، فتجنّبتها الطائرتان وابتعدتا، لتبدأ الفرقاطة Joseph Strauss هجومها، بإطلاق صاروخَي Harpoon، وأعقبتهما بأربعة صواريخ Skippers. وأسقطت طائرتا A-6Eعدة قنابل، موجَّهة بالليزر، وأتبعتها الفرقاطة الأمريكية بصاروخ Harpoon آخر، أصابت جميعها الفرقاطة الإيرانية، التي تطايرت أشلاؤها على سطح الخليج، بينما انفجرت مخازن ذخائرها، لتهتز المياه تحت الفرقاطة الأمريكية، من عنف الانفجارات، قبْل أن تختفي Sahand تحت سطح مياه الخليج.

11. المواجَهة الحادية عشرة، الاشتباك الأمل مع البغيضة، لم يكتمل

انشغلت مجموعة القتال Delta، بمهاجمة الفرقاطة الإيرانية Sahand توأم Sabalan، ومساندة مجموعة الدورية الجوية لها. وانتهزت الفرقاطة Sabalan الفرصة، وسارعت إلى المخاطرة بالخروج من بندر عباس.

في التوقيت عينه، كانت طائرات A-6E، التي سبق أن هاجمت الزوارق الإيرانية السريعة، من نوع  Boghammer، بالقرب من جزيرة أبو موسى؛ قد أكملت تزوّدها الوقود، من محطة الوقود، طائرة KC-10، حين  تلقّت الأمر بالتوجه إلى جزيرة لاراك، لمهاجمة هدف بحري معادٍ. اتّبعت طائرات A-6E قواعد الاشتباك، بالتحقق البصري من الهدف، معرضة نفسها للنيران المضادّة للطائرات. وهاجمت الفرقاطة، مسقطة قنبلة زنة 500 رطل، موجَّهة بالليزر، من نوع MK-82، فأصابت الفرقاطة الأمل، في منتصفها، وانفجرت في داخلها. واستمرت الطائرات تراقب الفرقاطة، وهي تترنح، محاولة التغلب على الحرائق، داخلها. بينما اتجهت المجموعة الضاربة الاحتياطية، نحو الهدف، لاستكمال تدميره، وتحقيق الأمل، إغراق السفينة البغيضة.

توقفت، فجأة، عجلة القتال في المسرح. إذ أصدر وزير الدفاع الأمريكي، كارلوتشي، أوامره بإيقاف الهجوم، والالتزام بالتعليمات، التي حددت هدفاً بحرياً معادياً واحداً، تجاوزته القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط، بإغراقها Sahand Joshan، والزوارق السريعة. وها هي تقترب من تحقيق أملها، إغراق Sabalan، في يوم واحد[13].

وكانت السفن الأمريكية متحسرة، وهي ترى الفرقاطة Sabalan، تبتعد، مقطورة بزوارق سحب إيرانية، سارعت إلى نجدتها، لتدخل ميناء بندر عباس، مرة أخرى، مصابة إصابة بليغة. ولعل مما يخفف من حسرة القادة الأمريكيين، عِلمهم بأن السفينة، ستبقى فترة طويلة جداً، قيد الإصلاح، قبْل أن تتمكن من الخروج إلى عرض الخليج، مرة أخرى.

الحقيقة أن هذا الاشتباك، كان الأخير. فقد نفِّذت خطة فرس النبي المصلّي (Praying Mantis) ووَعَت طهران الرسالة ذات الخسائر الجسيمة. كما أن قادة إيران، قبِلوا قرار وقف إطلاق النار، بعد أربعة أشهر، لتتوقف الاشتباكات البحرية على سطح الخليج.


 



[1] كان أكثر ما تتخوف منه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية خلال الأزمة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه، أن يستولي الشيوعيون (حزب توده) على الحكم، وعن طريقهم يصل الاتحاد السوفييتي إلى مياه الخليج، وكان ذلك محور المباحثات التي جرت بين رؤساء الدول الغربية في مؤتمر جواديلوب في شهر يناير 1979، أي قبل سقوط الحكم الإمبراطوري في إيران بعدة شهور.

[2] بعض المصادر حددت إجمالي القطع البحرية العسكرية الأجنبية بحوالي 80 سفينة نصفها أمريكية.

[3] نتج عن بث الألغام الإيرانية في البحر الأحمر إصابة 19 سفينة خلال ثلاثة شهور من العام 1984، وأثر ذلك على الملاحة في البحر الأحمر وانعكس هذا على إيرادات المرور من قناة السويس المصرية، وسارعت مصر لبذل جهوداً مضنية لكسح الألغام من البحر بمعاونة المملكة العربية السعودية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت تلك الجهود في تطهير المجرى الملاحي للبحر الأحمر.

[4] تستورد أوروبا الغربية 40% من حاجاتها النفطية من الخليج، كما تستورد اليابان 60% من احتياجاتها النفطية من الخليج، وتصل واردات الولايات المتحدة الأمريكية من نفط الخليج 15% من احتياجاتها النفطية.

[5] منظمة الجهاد الإسلامي.

[6] اختلفت تصريحات المسئولين الإيرانيين حول هذه الحوادث بين مؤيد ومعارض، وبين الثناء والإدانة، ثم صدر تصريح بأن إيران تشك في قيام الأمريكيون ببث الألغام وإلصاقها بإيران لتشويه صورة سمعة الإيرانيون دولياً.

[7] خططت قيادة القوة البحرية الأمريكية للشرق الأوسط لعملية ضبط السفن الإيرانية أثناء بثها الألغام والتي من خلالها اشتبه في تحركات السفينة `إيران آير` ووضعت تحت الرقابة المستمرة عدة أيام قبل الإمساك بها متلبسة.

[8] اعتبرت الدول الغربية تلك الأعمال تصعيداً لحرب الناقلات حيث شملت احتجاز ناقلة نفط في مضيق هرمز، وشن هجوم بحري بالزوارق ضد سفينة شحن سوفيتية، وقصف سفينة لنقل المواد الغذائية.

[9] استخدمت جزيرة فارسي الإيرانية كقاعدة بحرية متقدمة للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي خلال الحرب.

[10] كانت المنصات النفطية مجهزة للدفاع عنها بدشم من الأكياس الرملية بها قاذفات مضادة للدروع ورشاشات ثقيلة وبعض أسلحة الدفاع الجوي، ومُخَزّنْ بها الذخائر والاحتياجات الإدارية اللازمة، وقد يلحق بها عدة زوارق سريعة بأطقمها وطائرات عمودية للقيام بالهجمات ضد السفن المارة بالقرب منها.

[11] تعتبر منصة فصل الغاز عن النفط في جزيرة سيري Siri Island من أنشط المنشآت النفطية الإيرانية، حيث كانت حتى تاريخ الهجوم عليها وتدميرها تنتج 180 ألف برميل نفط يومياً.

[12] القاعدة البحرية الرئيسية للقوات البحرية الإيرانية.

[13] فقد الأمريكيون في هذه الاشتباكات طائرة عمودية من نوع Sea Kobra AH-1T، سقطت في مياه الخليج، أثناء قيامها بمهمة استطلاعية، من دون أن يتعرض لها الإيرانيون، كما ادعوا لاحقاً.