إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



-------------------

ملحق

نص مبادرة السلام في الخليج العربي

التي أعلنها صدام حسين

رئيس الجمهورية العراقية

أيها الشعب العراقي العظيم.

أيها الأشقاء العرب، حيثما كنتم.

أيها الرجال الصناديد، في قواتنا المسلحة الباسلة.

تتذكرون كيف اشتعل فتيل الحرب، بين العراق، كطرف عن الأمّة، وبين إيران كطرف عن أعداء الأمّة العربية ومنهج التطلع الشريف في البناء والسلام عن العرب. وكيف أحرق الحقد والشر والطمع والوهم وأهداف التوسع الكثير من الأخضر، وأسال الكثير من الدماء، في إيران والعراق، بل وتعدى هذا إلى المنطقة كلها، وبعض زوايا العالم. وتذكرون، أيها الأخوة، أننا في الوقت الذي انتحينا فيه، ندافع صفوفاً متراصة، من الرجال والنساء، عن قِيم العراق وقِيم الأمّة، وحقهما في الحياة والتطلع الشريف، ونسحق الموجات الهمجية، واحدة إثر الأخرى، كان يصطف شعار السلام، والرغبة الجامحة لتحقيقه، مع بيرق النصر والاقتدار المتعاظم للعراق، مرفوعاً بسواعد العراقيين، ومزهواً بدماء شرايينهم، يدعمه عمق كل صلوات الخيِّرين العرب، ودعواتهم بالنصر، وما قدموه من مساهمة لزيادة إمكانات وقدرات العراق في المنازلة، في ميادين الصراع الدامي، على امتداد ثماني سنوات، مضمخة نهاراتها ولياليها بكل المعاني العميقة للتضحية والفداء، من دم طهور وما عداه، ويتربع في مقدمة مَن يتربع على قمة المجد فيها الأكرمون الغيارى، الذين كان لهم حظوة ناصية المجد، على امتداد من الزمن، إلى جانب حظوتهم عند رب السموات والأرض، في عِلِّيين، حيث الأنبياء والصديقون والصالحون.

أقول لا بدّ أنكم تذكرون كل هذا، وكيف استوطن الشيطان عقول المسؤولين في إيران، وركبهم  الغرور، ولم يذكروا الله، كما يذكره المؤمنون الصالحون، ليتوازنوا، خاصة عندما يكونون مقتدرين. وكيف كانوا يعتبرون كل دعواتنا إلى السلام، ومحاكاتنا، العقلية والمنطقية، مع مفاهيمه، ومع المحيط الدولي، بأنه منهج الضعف والخوف. نحن الذين لم يعرف ميدان من ميادين المنازلة، حاضراً وماضياً، عنا، كشعب عريق، ما يوحي بهذا، ويقود إلى التوهم بأنه صفة من صفاتنا. ورغم ما في هذا الوهم، وما ينطلق من أفواه الدجالين من وخز لكرامة العراق والأمّة، لو نظر إليه في إطار مجرد عن التعمق الأكثر في شخصية قائليه، فإننا لم نتزحزح عن شعارات السلام ومفاهيمه والرغبة في تحقيقه، يوماً قبْل يوم، وشهراً قبْل شهر، وسنة قبْل سنة، كتأكيد لجانب أساسي من مفاهيمنا في الحياة التي تنظر إلى الحرب.

وكما قلنا في أكثر من مناسبة، بأنها حالة الاضطرار، وليست صيغة الاختيار، من بين بدائل مشرفة شتى، وكتعبير أصيل كأصالة أمّتنا وشعبنا، عن المسؤولية ومستوى ما يقتضي من أخلاق وأمانة فيها. وتحت ضغط وفعل صفاتهم وأهدافهم الكريهة، استمر المسؤولون الإيرانيون يرفضون ويتجاهلون دعوات السلام، وكل القرارات التي صدرت عن المحافل، الدولية والإقليمية، ابتداء من رفضهم لقرار مجلس الأمن، ذي الرقم 479 الصادر في 28 أيلول عام 1980 وحتى قرار مجلس الأمن، ذي الرقم 598، الذي صدر في 20 تموز عام 1987. بينما وافق العراق على كل القرارات، الإقليمية والدولية، التي صدرت لتحقيق السلام، سواء عندما كان العراق داخل أراضي إيران، أو عندما كان يقاتل على الحدود، يدفع الأذى عن الشعب والأمّة والمقدسات، أو عندما تمكنت جيوش العدوان من احتلال هذا أو ذاك من مواطئ القدم، داخل أراضينا الوطنية.

وكان شعب العراق، ومع تقادم زمن الحرب، واتساع وتنوع المنازلات فيها، يزداد وعياً، ويتعمق إيمانه بالنصر، وتفاؤله بالمستقبل، إلى جانب يقين لا يهتز، وإيمان لا يتزعزع بقضيته، الوطنية والقومية والإنسانية، وبأنه على حق، وبأن الله معه؛ ذلك، لأننا اعتمدنا طريق الحقيقة والموضوعية ومستوحياتهما أو مفهومهما الصحيح، عندما اضطررنا إلى الحرب والمنازلة، التي أشعل فتيلها أطماع الغزاة من الشرق. وكنا موقنين بما نحن عليه من نتيجة مشرفة، قبْل أن نتعامل بمفرداتها، وعبْر كل مراحل المنازلة، بما في ذلك ظروفها العسيرة والصعبة. وكنا إلى جانب ذلك موقنين أيضاً بأن شعوب إيران، ستصل إلى ما وصلنا إليه، من تقييم للأمور والأشخاص، وستكتشف (وإن كان متأخراً) مقدار الوهم والشر والعدوان، الذي استوطن أعماق المسؤولين في إيران، في إشعال فتيل الحرب. وستكون ردود فعلهم على كل هذا، عنيفة، وستفضي إلى ما يحقق السلام من مَوقع آخر، وينهي الحرب، إلى جانب صمود العراقيين الأبطال، الذين سقوا شجرة الحرية، وعاونوا على أن يكتشف الإيرانيون الحقيقة، بما قدموه من تضحيات عظيمة.

وهكذا، كنا قد استنتجنا، من قبْل، إلى جانب حتمية اكتشاف شعوب إيران، بأن العراقيين أصدقاء للشعوب وأصحاب رسالة سامية، هي رسالة العرب، التي تدعو إلى مفاهيم الإخاء والمودّة والخير والسلام، منبثقة من الإيمان بالله وبكتبه ورسله واليوم الآخر ... وكنا على يقين، بأن شعوب إيران، ستكتشف بأن حكامها أرادوا بالعراقيين شراً وغدراً، وتسافهوا في التصرف بالسلطة، مستخفّين بدماء الإيرانيين، وليس بدماء العراقيين والعرب فحسب. وأن المناسبات الماضية، وما قيل وسجِّل فيها، تكشف، بمفردات غنية، صواب كل استنتاجاتنا هذه، التي جاء الواقع اللاحق، بما في ذلك واقع اليوم، الذي نوجِّه فيه رسالتنا هذه إليكم، أيها الأخوة، ليؤكدها على نحو يراه كل ذي علم وكل بصير. نعود لنقول إن مجلس الأمن، قد أصدر قراره ذا الرقم 598، في 20 تموز عام 1987، وقد قبِله العراق، ورفضته السلطة في إيران.

وكانت السلطة في إيران، تتصرف تجاه القرارات الصادرة من مجلس الأمن، ليس بما ينطوي على ضعف الإحساس في المسؤولية أو انعدامه فحسب، وإنما كانت تتصرف، في كل تفاصيل مواقفها تلك، بما ينطوي على عدم الاحترام للمنظمات الدولية والقانون الدولي والاستخفاف بهما، بل والتحقيـر لهما. وكانت السلطة في إيران، وهي تتصرف هكذا تجاه القرارات، الدولية والإقليميـة، لا تنسى أن توجه الكلام الخشن، والشتائم البذيئة، والتصرف الذي تقصد به إهانة العرب والعراق، بل وتقصد به إهانة الإنسانية كلها، عندما تتصرف على أساس اعتقادها، الذي يتصور أن القوة الغاشمة والدجل والشعوذة، قادرة على أن تحل محل الاقتدار، الذي يرعى حقوق الله والإنسانية. وازداد وزن عدم التوازن والغرور والعنجهية الفارغة والصلف، في ميزان حكام إيران، عندما تمكنوا، على مدى كل سنوات الحرب، التي استهدفوا بها شعبنا وأرضنا ومقدساتنا، من احتلال الفاو والشلامجة وجُزُر مجنون وزبيدات وحلجة، وبعض العوارض الجبلية، ومساحات أخرى من الأرض الحدودية، هنا أو هناك وركبهم الوهم شرّ مركب، وتصوروا بأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أحلامهم الشريرة وشعارات التوسع، في إقامة إمبراطورية الشعارات الزائفة والخرافات.

فكان الله بالمرصاد، فمادت بهم الأرض، وتناخى رجال العراق، باسم الله وقِيم الإنسانية  والشرف والعقيدة الشريفة النظيفة الصادقة، ووجِّهوا إلى مَن يستحقون اللطمات المميتة، فسحق جمعهم في الفاو، في عمليات رمضان مبارك، وسحقت جموعهم وآلتهم الحربية، على أوسع نطاق، في عمليات وتوكلنا على الله، الأولى والثانية والثالثة والرابعة، التي حررت فيها قواتنا المسلحة الباسلة، على التوالي، أراضينا الوطنية العزيزة، في الشلامجة وجُزُر مجنون وزبيدات وسيف سعد وسانوبة وغيرها. تترادف مع كل هذا عمليات محمد رسول الله، التي تطهرت أرضنا، في شمال العراق، كنتيجة، مباشرة أو غير مباشرة، لها ولعمليات، رمضان مبارك وتوكلنا على الله، في حلبجة والعوارض الجبلية ورواقمها، في قواطع عمليات الفيلق الأول، ومن ثَم الفيلق الخامس، في شمال وشرق العراق.

وبعد كل هذه العمليات الصاعقة والمدمرة، التي أتت على الثقل الأكبر من القوات، التي أُعدَّت للغدر والتوسع، وعلى آلتها الحربية، وقعت هذا النتائج على رؤوس حكام إيران كالصواعق، أو هي أشد منها. وازداد الإرباك، وعم الذهول، أمام هذه الحقائق، أوساط الحاكمين، ممن كانوا يرفعون شعار حرب حرب حتى النصر، والذين كانوا يقصدون منه احتلال العراق، وتدمير حاضر ومستقبل الأمّة العربية، وتهديد أمن الإنسانية والسلام العالمي. اكتشفوا، بعد حين، حقيقتَين معاً. الأولى، أن شعب العراق، شعب الأمجاد والحضارات والقِيم العليا، لا يمكن أن يُخدع بشعاراتهم وسلعتهم البائرة، وأن الأمّة العربية، ستمده بكل ما يمده به التاريخ والحاضر، من إمكانات ومعنويات. وإن قدرة هذا الشعب الكريم تتعاظم، وإنه  في الوقت الذي كان وما زال يرفع شعار السلام عالياً، فإن هذا الشعار إنما يرتكز على اقتدار لا ينتهي، وإيمان بالنصر، والأكيد لا يتزعزع ... ولا ينطلق من أي ضعف أو تردد، مما كانوا يتوهمون. واكتشفوا أيضاً، أن شعوبهم قد اكتشفت طريقتهم بالدجل، وشعاراتهم وأهدافهم ونواياهم العدوانية، ومسؤوليتهم كمشعلي فتيل الحرب.

وإن شعوب إيران، والقوات المسلحة الإيرانية، قد اكتشفت أيضاً، أن لا أطماع لشعب العراق والأمّة العربية والقوات المسلحة العراقية، ولا شأن لهم بما تختاره شعوب إيران، كطريق للحياة أو كحكام لهم. وإن القوات المسلحة الإيرانية، وتشكيلات حرس الثورة في إيران، وشعوب إيران، وتبعاً لهذا الاكتشاف، يرفضون شعار حرب حتى سحق وتدمير العراق والأمّة العربية، ويرفضون طريق التهلكة، ويريدون طريق الحياة المشرِّف، الذي قدّمه العراق لهم، ودعا إليه في كل ظروف القتال، بما في ذلك ظروف الانتصار المبين في معارك المجد، بين أواسط نيسان وأواسط تموز لهذه السنة ... وبذلك، انهارت الأحلام الشريرة للأشرار، دفعة واحدة. وعلى أساس هذه الحقائق، وبالدرجة الأولى، وليس الرغبة الصميمة في السلام، كطريق للحياة الطبيعية والعلاقة بين الأمم والشعوب، وافق حكام إيران على القرار 598.

أيها الأخوة … العرب والعراقيون.

أيها الخيّرون ومحبو السلام في العالم.

أيتها الشعوب المظلومة من حاكميكم في إيران.

لو تتبعتم سياستنا وشعاراتنا وخُطبنا، وتصريحات كل المسؤولين في العراق، وعلى شتى المستويات، منذ أن أشعل حكام إيران الحرب، لوجدتم أنها تخلو تماماً من أي إشارة إلى أطماع في أراضي إيران، أو التوسع على حسابها، أو أنها تنطوي على رغبة في تصدير سياسات أو منهج ما، عن طريق العدوان.  وستجدون أن سياستنا ودعوتنا ورغبتنا في السلام، لم تتغير في جوهرها، سواء في الظروف العسيرة والصعبة، كما قلنا، أو في الظروف التي سجل فيها شعبنا وقواتنا المسلحة الباسلة أعظم الانتصارات التحررية في تاريخنا الحديث، وطيلة ثماني سنوات. بينما تجدون شعارات وأهداف حكام إيران، وإن تلونت مع ظروف الحرب، حيث يزداد طمع التوسع والعدوان، وتتوسع وترتفع شعاراته أعلى فأعلى، مع أي انتصار عسكري ميداني، كانوا يحرزونه في إطار كسب هذا الجزء أو ذاك من الأرض، رغم الإخفاقات التي تصيبهم، على مستوى قياسات الخسائر وفدائحها.  أقول ستجدون أن أهداف وشعارات حكام إيران، قائمة على التوسع والعدوان والطمع، ومنذ ثماني سنوات وأكثر.

وعلى أساس هذه المقارنة، الآن وفي المستقبل، يتضح أن العراق يريد السلام، لأنه يؤمن بأنه الطريق الصحيح للحياة، إذا ما انفتح أمامه الاختيار المشرِّف. وإن موافقة العراق على كل قرارات السلام، الصادرة على المحافل الدولية، بما في ذلك موافقته على القرار 598، إنما تقع ضمن هذه المفاهيم وهذا التفسير. بينما إيران، التي رفضت، عن طريق حكامها، كل قرارات ومبادرات السلام، اعتباراً من القرار 479، الذي صدر عن مجلس الأمن، في 28 أيلول 1980، وحتى رفضها للقرار 598، الذي صدر منذ سنة، ولم تقْبله، إلا بعد الإخفاقات العسكرية وانتصار العراق.  إيران لا تريد السلام. وإن الموافقة على القرار 598، بعد كل هذا الرفض، لا يمكن أن تفسر بأنها، بالضرورة، تعني موافقة على السلام، وأن المسؤولين في إيران، قد وجدوا، أن طريق السلام، هو الطريق الذي ليس بديلاً عنه طريق الحرب، وأن علاقة المحبة والاحترام مع الشعوب، هو بديل طريق تصدير مفاهيمهم وسياستهم وشعاراتهم، عن طريق العنف والقتل والحرب.

إننا نعرف بأن الهزّة العنيفة، التي تعرضت لها إيران، إثر الانتصارات المتلاحقة للقوات المسلحة العراقية، عميقة التأثير. وإن إدراك شعوب إيران، الآن، لكثير من الحقائق، مما يقع في الطرف المضادّ لرغبة حكامها في مواصلة الحرب، على طريق شعاراتهم الزائفة، قد تدفعهم دفعاً على طريق السلام. وإنهم إذا ما جاءوا إلى طريق السلام، بغض النظر عن أمنياتهم الخائبة، فإننا ينبغي ألا نوصد بوجوههم مثل هذا الطريق، أو نسقط من حساباتنا مثل هذا الاحتمال ... إلا أن حيثيات موافقتهم على القرار 598، بما في ذلك حيثيات رسالة الخميني، التي تضمنت الموافقة على هذا القرار، وخُطب المسؤولين الأساسيين في إيران، كلها جاءت خالية من أي تأكيد على أن السلام، ينبغي أن يكون طريق العلاقة الطبيعية، بين شعب العراق والأمّة العربية، من جهة، وشعوب إيران، من جهة أخرى. كما أنها جاءت خالية من الإشارة إلى أن عقد اتفاقية سلام، منزهة من الأغراض والضغائن والدسائس واللعب والخدْع، هو الطريق الذي ليس له من خيار بديل ... بل وإن قرار خميني هذا، وتصريحات كل المسؤولين الإيرانيين، انصبت، كتوضيح لخلفية ودوافع الموافقة على القرار 598، على الظروف الملحّة، وعن الاضطرار الذي لا يستطيعون أن يتحدثوا عن كل ظروفه وأسبابها.

تتذكرون كيف قال خميني، في خطابه هذا، بأنه إنما يتجرع الموافقة على قرار مجلس الأمن 598، كما يتجرع كأس السم، وكيف يقول عن حاله. وتذكرون كيف دفعوا مجلس الشورى عندهم، لتشريع قانون يجعل الحرب إستراتيجية دائمة لإيران، قبْل ثلاثة عشر يوماً فقط، من صدور موافقة خميني على قرار مجلس الأمن. وكيف يشبه المسؤولون موافقة خميني عليه بصلح الحديبية، ومنه تستبان النوايا وتتضح. ألا خاب ما يفعلون.

إن كل هذا، أيها الأخوة، جعلنا نطلب المفاوضات المباشرة، ونرفض الهدنة، مع استذكار كل سياساتهم العدوانية التوسعية، واستحضار تجارب أمّتنا العربية، المريرة، مع القوى المرجحة لجانب من السياسات، وللتفسيرات والقرارات في المحافل الدولية، وحقنا الطبيعي وحق كل المتحاربين في أن يجلسوا على طاولة المفاوضات المباشرة، كتعبير عن حُسْن النية، وكاختبار أولي للنوايا، وما إذا كانت موافقة حكام إيران على قرار مجلس الأمن، يقصد منها إقامة سلام كامل وشامل ودائم وخالٍ من الأغراض والأطماع، مع العراق والأمّة العربية، أم أنه، وكما أعلنوا، يقصدون منه تخفيف عوامل الضغط، العسكرية والوطنية والدولية، الواقعة عليهم.

إننا نريد المفاوضات المباشرة، لأنها الطريق الأقصر، المؤدي إلى السلام، وإنها الصيغة الأجدى. وقد ينطوي الطريق غير المباشر، على اللعب والخبث والغدر، الذي لا ينكشف، إلا بعد حين  … ولأننا نريد السلام، وقد تهيأت مستلزماته الأساسية، فإننا لا نريد هدنة مؤقتة، تبعدنا عن السلام، وتعقد أمامه السُبل ... ورغم أن طريق المفاوضات المباشرة، قبْل الإيقاف الرسمي لإطلاق النار، هو الطريق الأكثر أماناً وضماناً وعدالة، لكلا الطرفَين، الإيراني والعراقي، ورغم الفهْم العميق للأشقاء العرب، وما قدموه، مشكورين، من جهود قومية عظيمة، في دعم منهجنا هذا، وعلى شتى المستويات ومختلف الأقطار، ورغم تفهّم الكثير من دول العالم والرأي العام العالمي، لدوافع هذا المنهج، ورغبة العراق الصادقة في السلام، ورغم استنادنا إلى رصيد لا ينضب، من وعي العراقيين وصبرهم وجلَدهم واقتدارهم.

فقد وجدنا أن كسب شعوب وقوات إيران المسلحة إلى السلام، والمحافظة على هذا الكسب. وإبقاء الرأي العام العالمي، والمحافل الدولية، مما هو غير مغرض منها، إلى جانبنا، لنكشف معاً نوايا حكام إيران، ولكي لا يظن مَن يقع بالوهم، بأن الانتصار العظيم لشعبنا وأمّتنا وقواتنا المسلحة، ممكن أن يدخله ـ معاذ الله ـ أي مظهر أو عامل من عوامل الغرور والتشفي أو الحقد، إلى مقرري السياسة في العراق. وبعد التشاور مع الأشقاء العرب، وبعد عقد سلسلة من الاجتماعات لمجلس قيادة الثورة، والقيادة القطرية للحزب، وفي الوقت الذي لم يغب، ولن يغيب عن بالنا وتدابيرنا، كل ما يقتضي من انتباه وحذر وتدبّر.

فقد اتكلنا على الله، وباسمكم، أيها العراقيون الأماجد، وبدمكم، أيها العرب، نعلن عن استعدادنا لوقف إطلاق النار، على أن تعلن إيران، بوضوح، لا لبس فيه، وبصورة رسمية، عن موافقتها للدخول معنا، تقديراً لمبادرتنا هذه، في المفاوضات مباشرة، لنبحث ونتفق ونطبق كل ما عدا وقف إطلاق النار، مما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي، ذي الرقم 598، ابتداء من الانسحاب إلى الحدود الدولية، داخل وحتى الفقرة الثامنة منه داخل وكل الفقرات الأخرى العاملة. وإذا ما رفضت إيران الموافقة على دخول المفاوضات المباشرة، استجابة لاستجابتنا هذه، بإعلان صريح وواضح، ومبلغ إلينا، رسمياً، عن طريق مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، فإنها ستؤكد للعالم، مرة أخرى، ولشعوب إيران بوجه خاص، بأنها، وحدها، ولمرة أخرى، تضع على عاتقها مسؤولية إراقة المزيد من الدماء، ورفض طريق السلام المشرِّف. وستخيب سهام الخائبين وتطيش، كما طاشت سهامهم من قبْل.

أمّا إذا أعلنوا عن استعدادهم لقبول مبادرتنا ـ وكما أشرنا إلى هذا ـ ووافقوا، بوضوح، وبصورة رسمية، على الدخول في مفاوضات مباشرة، لتطبيق قرار مجلس الأمن، ذي الرقم 598، بكل فقراته العاملة، فإننا سنغدو، نحن وشعبنا العظيم وأمّتنا العربية المجيدة وقواتنا المسلحة الباسلة، في سعادة إضافية، بعد أن تمتعنا بسعادة النصر العسكري المبين، المستند على الإيمان بالحق والعدل، وتجنّب الشطط والتعالي والظلم. وسنقبَل بما اتُّفق عليه مع اللجنة  الفنية للأمم المتحدة، لترابط قوات دولية بين قواتنا والقوات المسلحة الإيرانية، إلى حين، ليعود كلٌّ إلى مسعاه، بعد أن يتحقق السلام الدائم والشامل، بموافقة الطرفَين، وتحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

ومن الطبيعي، أن نقول بأننا سنستفيد من شط العرب، طبقاً لحقوقنا الثابتة، وأن نستفيد من الخليج العربي، طبقاً للقوانين الدولية، فور وقف إطلاق النار. إننا في هذا، قد أقمنا الحجة، مرة أخرى، على حكام إيران. وأكدنا لشعوب إيران وللقوات المسلحة الإيرانية، بأننا، وفي الوقت الذي دحرنا أحلام الظلام والظالمين، وفي الوقت الذي نذب بالسلاح، مقتدرين، عن الكرامة والحمى، ونقطع تطاول مَن يتطاول على أمّتنا وشعبنا وقواتنا المسلحة، أو يقصد إهانتهم، فإننا لا يمكن أن نتصرف بما يشعر كائناً من كان، بأننا نقصد إذلاله. وإننا نفهم بأن شعب العراق والأمّة العربية، يجاورون، جغرافياً، إيران؛ وليس بإمكان جغرافية إيران وشعوبها، أن ترحل لتفك هذه العلاقة الجغرافية، أو أن العراق والأمّة العربية، يرحلون عن مكانهم، بالمعنى نفسه. وإننا مَن يفهم التاريخ، ويقدره بعمق، ويعرف أن التاريخ، بصورة أو بأخرى، إنما يشكل جانباً أساسياً من عقائد الأمم والشعوب وسياسات دولها، وأن حاضر اليوم سيغدو تاريخ المستقبل، وأن مرارة الشعور بالمهانة والظلم، أمر لا يحتمل. وعليه، ولأسباب تتصل بتاريخنا المجيد، أمّة وشعباً، وتتصل بعقيدتنا اتصالاً عميقاً، واستحضاراً منا لما يرضاه الله، فإننا نمد يد صداقة وتسامح وسلام لشعوب إيران، بغض النظر عمّا يعتلج في نفوسنا، من مرارة، وما أصابنا، كشعب وأمّة، من عدوان وتجاوز. وسنقطع، بلا تردد، طائلة من يطول علينا ويد من يعتدي على أمتنا والله أكبر والله من وراء القصد وليخسأ الخاسئون.