إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث الأول

خلفية تاريخية

منذ أن بدأ الإنسان يعمر الأرض، ويكوّن الأسرة والقوم والقبائل، وضحت أهمية المناطق الموصلة بين أرجاء المعمورة، وازدادت أهميتها، باكتشاف المزيد من خصائصها الجغرافية، ولا سيما مواردها المهمة، والأكثر ضرورة للحياة البشرية، بدءاً من المحاصيل الزراعية، إلى خامات الطاقة، من نفط وغازات طبيعية، هي، اليوم، أشد الموارد الطبيعية حيوية.

حوت المناطق، المعروفة بالشرق الأوسط، كل مطالب البشرية، في العصور المتتالية، منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا. ففيها نشأت الحضارات الأولى. ومنها انتقلت المعارف والعلوم إلى المناطق المتاخمة، في آسيا وأوروبا. وفيها تمرّ تجارة العالم، منذ استخدام الدواب، ثم السفن، عبْر البحار والأنهار، التي تزخر بها المنطقة. ومن أراضيها، استُخرج أهم خامات الحضارة، ومصدر طاقتها، النفط.

فطِن وُلاة الأمر في المنطقة، وكذلك قادة الممالك والإمبراطوريات الأخرى، لأهمية تلك المناطق، التي تزيد السيطرة عليها من نفوذهم، ويعظُم مُلْكهم. فتسابقوا، على مر العصور، إلى حيازة ممرّاتها وطرُقها ومواردها، ومنْع الآخرين من الوصول إليها، أو النفوذ عبْرها إلى حيث يتصلون بأطراف الأرض.

كانت تلك المناطق هي أُولى المناطق التي عرفت الديانات السماوية، وانتشرت فيها ومنها، ليصل نور الهداية إلى من يشاء الله له الهداية، فازدادت أهميتها، وتطورت حضاراتها.

لقد كانت طبيعة تلك المناطق هي أُولى المؤثّرات في تاريخها، وما زالت هي أصل أحداثها التاريخية، والبعد الأساسي في الصراعات، الدائرة على أرضها، بين شعوبها، تارة، وضد غزاة من خارجها، تارة أخرى.

أولاً: جغرافية الإقليم، وآثارها التاريخية

1. دور المَوقع، تاريخياً

يقع الإقليم، الذي يضم دولتَي العراق وإيران، الآن، في منطقة متوسطة، بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ومنطقة الشرق الأقصى، في آسيا، وكلتاهما من المناطق ذات التاريخ القديم. وقد جعله ذلك المَوقع بُعداً برياً، وهمزة وصْل بين مناطق الحضارات العظيمة في شمالي أفريقيا وجنوب أوروبا وغربيها[1]، وبين مناطق الحضارات الشرقية القديمة، في آسيا[2].

أدى اعتراض المَوقع الجغرافي لذلك الإقليم، خطوط هجرات القبائل، من وسط آسيا، إلى استقرار بعضها في المنطقة الشرقية منه (إيران)، حيث بسطوا نفوذها شرق الهضبة الإيرانية وغربها، وأسست إمبراطورية كبيرة، سيطرت على طرُق التجارة الرئيسية، بين الشرق والغرب، مئات السنين. ولم تفقِد أهميتها، باكتشاف الطرُق البحرية، إذ تحولت الثغور البحرية إلى مراكز رئيسية للتجارة، واتصلت ببدايات الطرق البرية القارّية السابقة ونهاياتها، في كل من الخليج العربي وشرق البحر الأبيض المتوسط. واستمرت التجارة الدولية، تنساب من تلك الثغور، إلى داخل الهضاب، الشامية والإيرانية، عبْر سهول العراق، متجهة إلى وسط آسيا وشرقيها. (اُنظر خريطة الموقع الجغرافي للعراق وإيران).

ظَل المَوقع يبسط نفوذه المهم، وينقل إلى شعوب المنطقة معارف الحضارات ومنتجاتها وثرواتها، مما جعل المناطق، التي تمرّ بها الطرُق التجارية، من أغنى شعوب العالم القديم، حتى حفْر قناة السويس، في الأراضي المصرية، التي وصلت المحاور البحرية مباشرة، بعيداً عن الطرُق البرية القديمة، فقلّت أهميتها، وضعفت مناطقها. وتزامن ذلك مع بداية ضعف، سياسي وعسكري، أوقع الإقليم في أتون صراع القوى العظمى، لِمَوقعه المهم بين المعسكرات السياسية المتصارعة، منذ بداية القرن العشرين[3].

2. الانعكاسات السياسية لجيولوجية المنطقة

تدلّ الدراسات الجيولوجية لسطح الأرض في الإقليم، على تأثيره في التاريخ السياسي لمناطقه، إذ يختلف في الجزء الشرقي منه (إيران) عن الجزء الغربي (العراق). كما أنه يملك مفاتيح الاتصال والحركة، شرقاً وشمالاً، أو جنوباً وغرباً، مما كان له أثره في تفاعل الإقليم، سياسياً، مع الأحداث الدائرة فيه وحَوْله، التي تفسر لنا تاريخ النزاعات الطويل في المنطقتين العراقية والإيرانية، وارتباطهما، تاريخياً، منذ زمن بعيد.

3. جيولوجية المنطقة الإيرانية

يغطي معظم المنطقة الإيرانية هضبة مرتفعة، يصل ارتفاعها إلى 1200م فوق سطح البحر. وهي ذات قمم جبلية كثيرة. ويسهل تقسيمها، طبوغرافياً، إلى أربع مناطق واضحة المعالم، مختلفة السمات:

أ. سلاسل الجبال الضخمة (جبال زاجروس وألبرز)، التي يبلغ ارتفاعها 3300م، وهي على شكل ذراعين تكونان معاً ما يشبه الرقم 2. يقع رأسها المدبب شمال غربي إيران. وتمتد بذراعها الجنوبية (جبال زاجروس) نحو الجنوب الشرقي، إلى داخل الحدود التركية، والقوقاز الروسية، موازية للحدود العراقية، وساحل الخليج العربي. بينما تبدو الذراع العلوية (جبال ألبرز) كحائط، شمالي المنطقة، تتفرع منه سلاسل جبلية أخرى، منكسرة إلى داخل الأراضي، الأفغانية والتركمانستانية، المجاورة.

ب. الهضبة الإيرانية، الواقعة داخل فراغ الرقم (2) بين الذراعين، تمتد بسلاسل فرعية من الجبال، ثم تنبسط، تدريجياً، حتى جنوب أفغانستان وباكستان، مكوّنة منطقة صحراوية، خالية، في معظَمها، من أي تضاريس.

ج. إقليم خوزستان، وهو الجزء الواقع أسفل الذراع الجنوبية للرقم (2). ويُعَدّ امتداداً للسهل العراقي المنخفض، غرب المنطقة.

د. الشريط الساحلي على بحر القزوين، وهو الجزء الأعلى من الذراع الشمالية للرقم (2). ينخفض قليلاً عن سطح البحر، مكوّناً منطقة مناخية، منفصلة عن البيئة المحيطة.

تمتد التكوينات الطبوغرافية السابقة، إلى داخل دول الجوار الجغرافي لإيران. ولا يعني ذلك سهولة التنقل عبر الحدود، بل إن الحدود الإيرانية، تُعَدّ نموذجاً للطبيعة الحارسة. ففي الغرب، تقف الحدود الإيرانية على حاجز مرتفع من الصخور، في منطقة ساحل الخليج العربي الشرقي. بينما ترتفع الممرات، القادمة من السهل الساحلي لبحر قزوين، إلى أكثر من سبعة آلاف قدم، مما يعزل هذا السهل عن المناطق الداخلية للبلاد. وفي الشرق والشمال الشرقي، تقف التلال الكثيرة، والصحراء القاحلة، الممتدة طويلاً، عائقاً للمرور إلى الدول المجاورة. (اُنظر خريطة تضاريس المنطقة الإيرانية).

4. جيولوجية المنطقة العراقية

معظَم المنطقة العراقية سهل ذو سطح مستوٍ، خالٍ من المناطق الشجرية الكثيفة، أو من المرتفعات الجبلية ـ بشكل عام ـ. وهو ينقسم إلى ثلاثة أقاليم، ذات سمات مميزة:

أ. المنطقة ما بين نهرَي دجلة والفرات.وهي تمتد على طول امتداد النهرين، من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. وهي تميل إلى الارتفاع، في الغرب والشمال الغربي، نحو مصادر المياه، عبْر سورية، إلى تركيا، وعلى الرغم من كون السهل أرضاً مفتوحة، تقريباً ـ يسهل فيها الحركة بشكل عام ـ إلاّ أن الجزء الجنوبي منها، يكثُر فيه البحيرات والمستنقعات، التي تُصعّب الحركة. وهي السمة عينها للأرض الواقعة في شمالها ـ لسبب آخر ـ حيث يعوق الحركة كثرة السبخات، والرمال الناعمة. وتضيف شبكة القنوات المائية، التي يعتمد عليها الري والصرف للأراضي المزروعة في السهل، عائقاً جديداً للحركة خلال الإقليم السهلي[4].

من وجهة أخرى، فإن منطقة ما بين النهرين، يمكِن تقسيمها إلى قسمين، يفرق بينهما خط وهمي، يمتد من كركوك إلى الرمادي:

(1) العراق الأعلى، وهو الجزء الشمالي، حيث مراكز إنتاج النفط الرئيسية، في الموصل وكركوك. وأرضه ذات تعاريج شديدة، مع انتشار للتلال في شرقيها، بارتفاع حتى 500م عن سطح البحر. وتتسع منطقة الوديان لمجرى نهرَي دجلة والفرات، ويزداد ميلها حدّة. كما يكثُر فيها قنوات الري، التي تكون ممتلئة بالمياه، في موسم الأمطار.

(2) العراق الأدنى (الأسفل)، الجزء الجنوبي، وهو مستوي السطح، في غالبه. ويكثر فيه المدن المزدحمة بالسكان، أهمها العاصمة بغداد، والبصرة، المركز الصناعي والتجاري المهم. كما يكثُر فيه المستنقعات، وأفرع الأنهار، والبحيرات، إضافة إلى قنوات الري، مما يقصر الحركة خلال هذا الجزء على الطرُق المعروفة، والتي غالباً ما تصبح، هي الأخرى، غير صالحة للتحرك بيُسْر، في موسم الأمطار. يغلب على سطح هذا الجزء التربة الطفلية، التي تصبح لزجة، شتاء، وتثير سُحُباً ترابية كثيفة، صيفاً.

ب. منطقة الصحراء العربية السورية.وهي تشغل غربي العراق وجنوبه الغربي. وهي ذات سطح مستوٍ، في غالبه. بينما يراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 450 و800 م، مما يجعلها أكثر ارتفاعاً من منطقة ما بين النهرين. ويتكون سطح تلك الصحراء من الصخر الرملي. وتنحدر منها مجاري المياه، نحو سهل الفرات، بعمق. ويكثُر في المنطقة الصحراوية الجروف ذات الحافات الحادّة، المعيقة للحركة.

ج. المنطقة الجبلية (شمالاً وشمال شرق).وهي مكونة من المنحدرات الغربية لجبال زاجروس، الممتدة من داخل الأراضي الإيرانية، والأجزاء الجنوبية لمرتفعات كردستان، وهما يتكونا من سلاسل من المرتفعات، يتعدى ارتفاعها ألفَي متر فوق سطح البحر، متوازية أحياناً، ومتقاطعة أحياناً أخرى، تحجز بينها وديان طولية، تتجه جنوباً وشمالاً، وتتقاطع مع الوديان المتجهة شرقاً وغرباً، بعض هذه الوديان عميقة، مما يعزل الجبال والمرتفعات بعضها عن بعض. يمتد من جبال كردستان روافد نهر دجلة، مثل الزاب الأعلى، والزاب الأسفل، ودبالا. كما تغطي الثلوج تلك المنطقة في فصل الشتاء. (اُنظر خريطة تضاريس العراق).

5. الظواهر الجوية في الإقليم الإيراني ـ العراقي

تتمتع الهضبة الإيرانية بشتاء معتدل، وصيف حارّ. ويكون الليل أكثر اعتدالاً من النهار. وتراوح درجة الحرارة بين 45 و55 درجة مئوية. بينما تصل نسبة الرطوبة إلى 20% صيفاً، وقد تنخفض الحرارة شتاء إلى الصفر. وفي خرسان وأذربيجان، يكون الصيف أكثر اعتدالاً، بينما الشتاء أكثر برودة. الإقليم الساحلي (الساحل الشرقي للخليج العربي) أكثر احتمالاً مع زيادة في نسبة الرطوبة، تصل إلى 90%.

تسقط الأمطار في إيران شتاءً، وأحياناً في وسط الصيف، في شكل رذاذ خفيف. ويستقبل شمال غربي البلاد كمّاً أكبر من الأمطار، تستغل في زراعة الكثير من المحصولات. وهناك دائماً احتمالات لحدوث سيول غامرة، عندما تزيد كمية الأمطار عن معدلاتها، فتؤدي إلى غمر الطرُق وقطْعها، كما تقضي على المحصولات، وتخرب القرى. تكون الأمطار في إقليم القزوين الشمالي، في أعلى معدلاتها على البلاد، وتستمر طوال العام مع دفء المنطقة، لارتفاع درجات الحرارة، مما يساعد على انتشار الأمراض والحميات. وتسود الرياح الشديدة المحملة بالأتربة (إلى درجة الإظلام)، لفترة تصِل إلى خمسين يوماً في السنة، وهي منتظمة في جنوب شرقي إيران.

يتميز العراق بشتاء قصير، بارد، وممطر. وصيف طويل، حارّ، وجافّ. تصل درجات الحرارة في المناطق الصحراوية إلى 50 درجة مئوية، ولكنها تهبط كثيراً خلال الليل. والجو غير مستقر في الربيع. بينما تزداد برودة الخريف، تدريجياً، تمهيداً لاقتراب الشتاء. وتهب الرياح في الربيع ومعظَم الصيف. وهي جافّة، وباردة، تستمر عدة أيام، قد تتواصل عشرين أو أربعين يوماً. وهي محملة برمال ناعمة، وساخنة، وتسمى رياح السَّموم، لسخونتها الشديدة، وكثافة الرمال الناعمة، التي تحجب الرؤية تماماً). وفي الشمال، يسقط المطر بمعدل أعلى من الجنوب والغرب، اللذين يندر فيهما الأمطار، للطبيعة الصحراوية للهضبة السورية.

ثانياً: خلفية تاريخية

1. ظهور الفرس، في التاريخ القديم

كان ظهور الإيرانيين الأوائل، عام 900 ق. م، حينما استطاعت قبائلهم الوصول إلى الهضبة الإيرانية، وأن تحل بها محل الجماعات الأولى التي كانت تسكنها[5].

خضعت القبائل الإيرانية، في البدء، للدولة الأشورية، وعرف من حل منها بغربي البلاد باسم الميديين. أمّا من حل بجنوبيها، فعُرف باسم الفرس. واستطاعوا، بعد فترة، الاستقلال، ثم قهروا أشور، ووسعوا ملكهم، ليشمل جزءاً كبيراً من آسيا الصغرى.

استطاع قورش ـ وكان نائباً لملك ميديا ـ توحيد الميديين والفرس، والاستيلاء على السلطة. وقام بعدة غزوات ناجحة، انتهت إلى ظهور الإمبراطورية الفارسية العظمى الأولى، في تلك الأنحاء (عام 553 ق.م)، وتمكّن من غزو المستعمرات اليونانية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في آسيا الصغرى. وحاصر بابل العظيمة، واستولى عليها، بعد أن حوّل مجرى نهر الفرات، وأعاد بعض اليهود المنفيين في بابل، منذ أن قهرهم ملكها نبوخذ نصر، إلى فلسطين.

في عصر دارا، المعروف، لدى الفرس، باسم داريوش، عبرت الجيوش الفارسية البوسفور، لاستكمال الحرب ضد الإغريق، القوة المناوئة للفرس. والحروب (الفارسية ـ الإغريقية)، التي بدأت عام 553 ق.م، مع بدء تكوين الإمبراطورية الفارسية العظمى، في عصر قورش العظيم، ومن بعده ابنه قمبيز، ثم دارا الأول، وحتى انتهاء تلك الإمبراطورية[6] على يد الفاتح المقدوني، الإسكندر الأكبر (330 ق.م)، يَعُدّها المؤرخون أولى الحروب العظمى، التي دارت في كل من أوروبا وآسيا، وشارك فيها دول عديدة من الجانبين.

2. الروابط التاريخية بين العرب والفرس

وفد العرب من بلادهم إلى وادى الفرات، في بداية القرن الثالث الميلادي. وأقاموا به لخصوبة أرضه. واتخذت قبائل تنوخ، ذات الأصل اليمني، من تلك الأراضي سكناً لها. وتزامن ذلك مع قيام الدولة الساسانية في فارس، حيث استولى أردشير على الحكم، وقد حاول أن يطرد العرب من تخوم دولته، بالقوة، إلاّ أنه فشل. فعمد إلى الحيلة والسياسة، ومنح العرب الأراضي المقيمين بها، فظهرت إمارة الحيرة (عام 240م)؛ إذ أراد أردشير أن تفصل تلك الإمارة العربية بين حدود فارس الجنوبية الغربية والمناطق العربية المتاخمة، حتى تصدّ عنها غارات القبائل العربية، التي تشنها من فترة إلى أخرى، وتمنعهم من اقتطاع مناطق أخرى[7].

استمرت العلاقة بين عرب الحيرة والفرس قائمة، على أساس الاستقلال الكامل للإمارة، في كافة شؤونها، مقابل الولاء لكسرى الفرس وصدّ الغارات العربية. وقد أُعفيت من دفْع الإتاوة، كما شاركت الفرس في حربهم ضد الروم. وقد اتسعت حدود الإمارة في عصر أمرئ القيس، لتشمل هضبة العراق والشام والجزيرة والحجاز. ويرجع الفضل إلى أهل الحيرة في نقْل الحضارة الفارسية إلى بلاد العرب، إذ اتّجروا بينهما. كما كانوا يعملون في تعليم القراءة والكتابة. وساعدوا على نشر النصرانية بين القبائل العربية. وعملوا كرسل ووسطاء بين العرب والفرس، في بعض الأوقات.

لم تكن العلاقات العربية ـ الفارسية كلها على وتيرة واحدة. فالعلاقة مع عرب الحيرة، قامت على التعاون المتبادل. بينما كانت متوترة مع القبائل العربية، التي تغِير على المدن والقرى الفارسية، القريبة من الحدود. ويذكر التاريخ موقعتين بين العرب والفرس قبل الإسلام. انتصر الفرس في الأولى، وهي موقعه يوم الصَّفْقَة[8]. بينما انتصر العرب في الأخرى، وهي موقعة ذي القار[9].

3. فتح العرب المسلمين لفارس

خرج العرب المسلمون بالدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية، لنشر الدعوة، وتبليغ الرسالة إلى الأمم والدول المجاورة. فقلبوا موازين القوى، وغيّروا مفاهيم العلاقات الدولية. وتوحدت القبائل العربية تحت راية الإسلام، بعد طول خصومة، وتحركت الجيوش الإسلامية العربية لفتح الأمصار.

بدأ بنو شيبان، وعلى رأسهم المثنى بن حارثة، الصراع بين العرب والفرس. وكانت قبيلتهم تقطن في منطقة البحرين، ويمتد نفوذها من البصرة إلى جنوب ساحل الخليج. فكانت الأقرب إلى أرض العراق[10]. وكانت حدودها من حدثية الموصل، على نهر دجلة، إلى عبدان جنوباً، ومن العذيب إلى حلوان (شرق خانقين في إيران الحالية).

انتهز المثنى بن حارثة حروب الرِّدة، التي شارك فيها مع قومه إلى جانب الحق. بينما عاون الفرس المرتدين من العرب، في منطقته، في البحرين، وقرر الإغارة على أرض السواد، حيث يكثُر فيها العرب، الذين يقاسون ظلم الحكام الفرس. تقدَّم المثنى، يقود ثمانية آلاف مقاتل، حتى بلغ مصبّ نهرَي دجلة والفرات في الخليج. وهاجم مدينتَي دهشتا باذاردشير والأبله فخربهما، ثم عرّج على الحيرة، واشتبك مع قبائلها[11].

وافقت أعمال المثنى ما استقر عليه رأي أبي بكر، الخليفة الراشد الأول، ووافق عليه الصحابة والمسلمون، من توجيه جيوشهم، بعد الانتهاء من حروب الرِّدة، إلى خارج الجزيرة العربية لنشر الدين الإسلامي. فجمع الجند تحت قيادة خالد بن الوليد، الذي تحرك بهم إلى العراق[12]. وأمر أبو بكر، أن يقوم عياض بن غنم بمساندته، بعد أن يفرغ من دومة الجندل.

التقى المثنى، بجنوده الثمانية آلاف، جند خالد، العشرة آلاف، في معسكرهم في الخفان[13]. وسرعان ما اشتبكت القبائل العربية المسلمة مع قوات الفرس. ودارت عدة مَواقع حربية، تمكّن، خلالها، المسلمون من هزيمة جيش ساساني قوي، فاق عدده مائة وعشرين ألفاً، في موقعة القادسية، التي دامت أربعة أيام (15 هـ / 636م)، واستولوا على المدائن، وانتشروا في الهضبة الإيرانية[14].

في عصر الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب t، استطاع العرب تدمير جيش ساساني آخر، فاق عديده مائة وخمسين ألفاً، في موقعة نهاوند (21 هـ / 641م). وخضعت، بعدها، فارس للعرب. وهرب كسرى إلى سمرقند، محتمياً بخاقان الترك، الذي أجاره، وحشد جُنده لحمايته[15].

انتهز كسرى الفرس، يزدجرد، فرصة موت عمر بن الخطاب، وثورة أهل خراسان، وحاول أن ينظّم صفوفهم ويسلّحهم، إلاّ أن القوات الإسلامية في الإقليم، أخمدت الثورة، وطاردت يزدجرد حتى وجدته مقتولاً. وانتهي، بذلك، عصر المجوسية في المنطقة. ودخل العراق وفارس في الدين الإسلامي. وهاجر العديد من القبائل العربية، من شبه الجزيرة العربية، إلى المناطق المفتوحة، واستقرت بها.

4. نهاية المملكة الساسانية، الصِّلات العراقية ـ الإيرانية، بعد الفتح الإسلامي

ارتبط العراق وإيران، تاريخياً، حتى بدا أن أحداثاً تاريخية واحدة، ومشتركة، تصنع أقدارهما. فقد استمر شرقي الأراضي العراقية ضمن حدود الإمبراطورية الفارسية. بينما شكلت إمارة الحيرة العربية، الخاضعة للنفوذ الفارسي، الجزء الغربي من الأراضي العراقية. وظل الأمر كذلك، حتى فتح العرب المسلمون كلتا المنطقتين، فارس والعراق، ودخلتا في الدين الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب[16].

طوال عصر الخلفاء الراشدين، ومن بعده العصر الأموي، ظلت المنطقة، التي شملت إيران والعراق ولاية واحدة، الولاية الشرقية للدولة الإسلامية. وخضعت لوالٍ واحد، كان مقره، دائماً، في العراق[17].

بعد مصرع يزدجرد، آخر أكاسرة الفرس، وسقوط الدولة الساسانية (31 هـ/651م)، تزوجت بناته الثلاث بخيرة شباب المسلمين: الحسين بن علي[18] ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر بن الخطاب. وقد أنجب الحسين بن علي من زوجته الفارسية علياً زين العابدين. وتُعَدّ تلك المصاهرة أحد أهم تشيّع أهل فارس لآل علي بن أبي طالب. وعندما وقعت واقعة كربلاء، في عصر يزيد بن معاوية، الأموي، (في شهر محرم من عام 61 هـ/681م) بين الحسين بن علي وأنصاره وبين جند الأمويين، التي انتهت باستشهاد الحسين، تركت نتائجها وآثارها في المسلمين، حتى وقتنا هذا. وكان الشيعة عامة، والإيرانيون خاصة، أكثرهم تأثراً بها. وترجع كراهية الإيرانيين للأمويين، في بعض منها، إلى تلك الموقعة. بل يمكن القول أن الإيرانيين المتشيعين للحسين بن علي، قد كرهوا، كذلك، أهل العراق، الذين خذلوا الحسين، بعد أن عاهدوه على نُصْرته، وكانوا سبباً في خروجه من المدينة المنورة، التي كان آمناً فيها من بطش الأمويين، إلى الكوفة، مدينتهم، التي وعدوه أن ينصروه، عندما يصل إليها. فكان أن لحِق به جُند الخليفة الأموي، عند كربلاء، فلم يناصره العراقيون عليهم[19].

استطاع أبو مسلم الخراساني، ومن معه من الجنود الإيرانيين (من إقليم خراسان)، حوالي ثمانين ألفاً، إسقاط الدولة الأموية، وإقامة الدولة العباسية (عام 133هـ/750م). وحظِي الإيرانيون بنفوذ واضح، لدى الخلفاء العباسيين، الذين كانوا يحكمون من مقرهم في بغداد، في العراق[20]. وتولّى البرامكة، ذوو الأصل الفارسي، الوزارة أكثر من خمسين عاماً[21]. ومن طريقهم، تمازجت الحضارتان، العربية والفارسية، وأسهمتا معاً في بناء الحضارة الإسلامية الرفيعة، التي عرفت في العصر العباسي، واستمرت أكثر من خمسة قرون.

ظل العراق وفارس، منذ دخولهما الإسلام، منطقة حكم واحدة، معظَم الوقت، تتنازعها الدول والدويلات، التي قامت في أوقات ضعف الخلافة العباسية، وحتى سقوطها[22]، على يد القبائل المغولية، التي أهلكت آلاف المسلمين في القطرَين وما جاورهما من بلاد مسلمة حتى هزمها المصريون، في معركة عين جالوت، وأوقفوا فتوحاتها، فانسحبت إلى شمال غرب إيران، واستقرت بمراغة، واعتنقت الإسلام، في عصر غازان، حفيد هولاكو (695 هـ/1295م)، الذي أعاد الحضارة الإسلامية ـ الفارسية، ورعاها في مناطق حُكمه.



[1] الحضارات الفرعونية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والعثمانية.

[2] حضارتا الصين والهند.

[3] الصراع على النفوذ بين روسيا القيصرية وبريطانيا العظمى، حتى منتصف القرن. ثم بين الاتحاد السوفيتي (بعد الثورة البلشفية عام 1917) والولايات المتحدة الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عام 1945).

[4] يبلغ طول نهر دجلة 1950كم، ويراوح عرضه بين 100 و200م، وعمقه بين 3 و6 م، وسرعة التيار فيه تصل إلى 1.5 م/ثانية. بينما يبلغ طول نهر الفرات 2700كم، ويراوح عرضة بين 100 و150م، وعمقه بين 3 و5 م، وتصل سرعة التيار فيه إلى 1.5 م/ ثانية. ويكوّن النهران أهم الممرات المائية، التي تربط الأراضي العراقية بتركيا وسورية، شمالاً وغرباً، وبالخليج العربي، جنوباً. وهما صالحان للملاحة جنوب بغداد، وبصورة أقلّ حتى الموصل شمالاً.

[5] لا يُعرف عن خصائص القبائل الإيرانية الأولى وأصولها، إلا أنها تتحدث لهجة هندية ـ أوروبية.

[6] تُعرف، في التاريخ، باسم العصر الأكميني.

[7] كانت سياسة أردشير هذه مع العرب توفر له التفرغ لحروبه مع الروم والبيزنطيين، التي استمرت طوال فترة وجود المملكة الساسانية.

[8] سميت بيوم ذي الصَفْقَة، لأن كسرى أصفق بابا حصن المشقر، في البحرين، على بني تميم، وأمر جنده بقتلهم. فهلك منهم عدد كبير.

[9] ذو قار هي عين ماء، كان يردها قبائل بكر بن وائل العربية. حدثت عندها الموقعة الكبرى، التي انتصر فيها بنو بكر وحلفاؤهم من القبائل العربية. وفيها انحاز بعض قبائل عرب الحيرة، الموالية للفرس، إلى العرب في تلك الموقعة. وانسحب بعضها من القتال، ليكشف جانب الفرس ويخذلهم.

[10] يسميها العرب المسلمون الأوائل أرض السواد؛ إذ كانوا يطلقون لقب السواد على كل ما هو أخضر، وذلك لكثرة الخضرة الزراعية في أرضها.

[11] مدينة دهشتا باذاردشير من أهم بلاد العراق، في عصر الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب. وكانت تسمى خزانة العرب (وهي البصرة القديمة). بينما مدينة الأبله هي البصرة الحالية.

[12] بلغ عددهم عشرة آلاف جندي.

[13] موضع قريب من الكوفة.

[14] وجّه أبو بكر سلسلة من الحملات القوية إلى العراق وسورية، في الوقت نفسه، تمكنت من هزيمة الجيوش، البيزنطية والساسانية.

[15] هو يزدجرد، كسرى الفرس، في ذاك الوقت، الذي كان يحمل معه خزائن مملكته، على أمل أن يستطيع، بالمال، حشد قوات جديدة واستعادة عرشه.

[16] تقع طيسفون، عاصمة إمبراطورية الفرس الساسانيين في الأراضي العراقية. وسميت، بعد الفتح الإسلامي، المدائن، إذ كانت مكونة من ثلاث مدن.

[17] كان قصر الوالي على منطقتَي العراق وإيران، في الكوفة، في معظم الأحوال. لذلك، سميت الولاية باسم تلك المدينة (ولاية الكوفة). وهي المدينة نفسها، التي ارتأى علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين وآخرهم، نقْل مقر الحكم إليها، في سابقة لنقْل عاصمة الدولة من المدينة المنوّرة، منذ وفاة الرسول r.

[18] هي شهر بانو أي سيدة المدينة.

[19] دفن شهداء كربلاء في مكان الواقعة. ويوجد فيها قبر الحسين بن علي، الإمام الثالث للشيعة. ودفن أبوه، علي بن أبي طالب، الإمام الأول للشيعة، في النجف. أمّا قبر موسى الكاظم، الإمام السابع لديهم، ففي حي الكاظمية، في بغداد. وتسمى تلك الأماكن `العتبات المقدسة` لدى الشيعة، الذين يتوقون إلى زيارتها والتبرك بها، سنوياً، ويحاولون أن تكون تحت سيطرتهم، وهي كلها في العراق، الآن.

[20] أنشئت بغداد عام 146 هـ ـ 763 م، على هيئة دائرة. وظلت عاصمة الخلافة العباسية حتى غزاها المغول (عام 656 هـ ـ 1258م)، وأسقطوا الخلافة العباسية.

[21] كانت نكبة البرامكة، في عصر هارون الرشيد (عام 187 هـ ـ 804 م) بعد أن استفحل نفوذهم، وعظم خطرهم على الدولة.

[22] ظهر العديد من الدويلات، التي تمكن أمراؤها، لفترة، من الاستقلال بأقاليمهم (ومنها خراسان وطبرستان الإيرانيان)، عن الحكم العباسي، مثل الطاهريين والصفاريين والسامانيين، في خراسان، والزياديين والبوهيين والغرنويين، في طبرستان (شمال إيران والعراق).