إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث الثاني

الصراعات الإقليمية وتدخل القوى العظمى

أولاً: الصراعات الإقليمية، ومحاولات الاستقلال

لم يهدأ الصراع بين الأقطاب العالمية والأقطاب الإقليمية، على بسْط النفوذ والسيطرة على المنطقة، التي بدأت شعوبها، من جهتها، في التطلع إلى أن تحظى باستقلالها وشخصيتها الخاصة.

1. العصر الصفوي

استمرت المنطقة الإيرانية (الفارسية)، لفترة طويلة، قرابة ثمانية قرون، تحت سيطرة القبائل الوافدة من الشرق، آسيا الوسطى. فقد تنازعتها القبائل المغولية، والتترية التيمورية، ثم الشيبانية التركمانية، حتى استطاع الشاه إسماعيل هزيمة القبائل المنافسة له، والاستيلاء على المنطقة، عام 906هـ (1500م). ومدّ نفوذه إلى العراق وفارس وكرمان وهمدان وخراسان. وأعاد بناء دولة إيرانية قومية، وأحيا الروح الساسانية القديمة.

أعلن الشاه إسماعيل المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة الصفوية، في إيران. واستعمل القوة والقسوة لإجبار السُّنيين على تغيير مذهبهم. وهو أول انفصال مذهبي، منذ دخول المنطقة في الإسلام. فأصبحت المناطق الإيرانية شيعية المذهب، بينما تمسك العراق بالمذهب السُّني.

عاصر هذا التحول المذهبي انهيار الخلافة العباسية، وظهور دويلات إسلامية صغيرة، وكثيرة، على أطرافها، والتي كان شرق إيران إحداها، وقد أدى التحول المذهبي للدولة الصفوية، إلى عداء الأتراك العثمانيين لها. وكان سلاطين آل عثمان، قد أسسوا دولتهم، واتخذوا من القسطنطينية عاصمة لهم، وسميت إستانبول[1]. وأعلنوا خلافتهم على سائر المسلمين السُّنيين. وقد وجدوا أن الدولة الصفوية، في شرق العراق وإيران وحتى خراسان، قد أصبحت كتلة شيعية، تفصل بين السُّنيين في وسط آسيا والهند وأفغانستان، والسُّنيين في تركيا والشام وغرب العراق ومصر.

2. الصراع الصفوي ـ العثماني

حاولت الدول الأوروبية، وعلى رأسها إمارة البندقية، إقامة حلف معادٍ للعثمانيين. فاقترح مجلس شيوخها على حكام الدويلات الإيرانية، الدخول معهم في هذا الحلف، حتى يمكِنهم تشتيت جهود العثمانيين الحربية، وتخفيف الضغط في الميدان الأوروبي، مقابل حصول هذه الدويلات على الأسلحة النارية، التي كانت البندقية تمتاز بصناعها. استمرت المفاوضات لإقامة هذا الحلف عشر سنوات (1463 ـ 1473) إلاّ أنها فشلت، نظراً إلى طول المسافة بين المنطقتين، والتغيرات في ميادين الحرب. ناهيك بأن البنادقة وحلفاءهم، في ألبانيا وجنوه والمجر، تيقّنوا من فتح الجبهة الشرقية، من دون تدخل منهم.

ينحدر الصفويون من أردبيل. وهم من القبائل التركية المسلمة. ويسود بينهم المذهب الخلاصي (المسياني)، وهي طريقة دينية، لا سُنية، ولا شيعية، كانوا شيوخها. وهو ما ساعدهم على السيطرة على قبائل المنطقة في تيكه وكرمان وطوروس. وقد أزعج ذلك السلطان العثماني، بايزيد، فقام بحملة اعتقالات واسعة في المناطق الحدودية، أعقبها ترحيل السكان، المعروف عنهم ميولهم الصفوية[2]، إلى المناطق المنتزعة حديثاً من البندقية، في الموره.

استطاعت جيوش بايزيد، أن تشتت تجمعاً للمتمردين الكيزيلباش، في الأناضول. إلاّ أن الصراع على السلطة، في استانبول، أغرى إسماعيل شاه، عام 1512، ببدء تمرد ثانٍ، بتدخله لمساندة بعض الأمراء العثمانيين المتصارعين، قبْل أن يحسم سليم الأول الصراع لمصلحته، ويرتقي العرش العثماني، في العام نفسه.

بعد أن استقر الأمر لسليم الأول، واستعادته السلطة في أرجاء الإمبراطورية، انقلب بجيوشه، شرقاً، لمعاقبة إسماعيل شاه، بمساندته لخصومه، من جهة، ودعوته للمذهب الشيعي، من جهة أخرى. وهو ما رآه سليم الأول خطراً على ولاياته الأناضولية، وتأكد ذلك من تمرد الكيزيلباش المستمر.

بعد أن حصل سليم الأول على فتوى بخروج الشاه إسماعيل وأتباعه على الجماعة الإسلامية، مضيفاً شرعية الحرب ضده[3]، قاد حملة قوية، عام 1514، تتميز بضخامة العدد، واستخدام الأسلحة النارية العصرية، والكفاءة القتالية العالية، ضد وحدات الفرسان الصفوية، القليلة العدد، والضعيفة التسليح، إذ إنها لا تستخدم أسلحة نارية، من مدافع أو بنادق، إلاّ أنها ذات فاعلية رهيبة في القتال.

وقع الصدام المرتقب، في أغسطس 1514، في تشالديران. وحصدت المدافع العثمانية الكيزيلباش المندفعين في هجمات متتالية، ومستمرة، حتى النهاية، أدت إلى خسائر جسيمة في الطرفين وانتهت إلى هرب الشـاه إسماعيل، تاركاً عاصمته، تبريز، لتسقط في أيدي العثمانيين، الذين لم يستطيعوا المضيّ في مطاردته، لوعورة المنطقة الجبلية، وقسوة المناخ الشتوي، الذي حل بعد صيف صعب، غير عادي، ورفْض الجنود الإنكشارية متابعة القتال[4]. واكتفى السلطان سليم بهذا القدر من القتال والمطاردة، وتأكد من عدم قدرة الشاه إسماعيل على تجهيز جيش جديد، في وقت قريب. فعاد السلطان إلى عاصمة ملكه.

نهَج سليمان القانوني، خليفة سليم الأول (1520م)، سياسة سلفه نفسها، بفرض حصـار اقتصادي على الحدود مع الصفويين، في الشرق، لخنقهم اقتصادياً، ومنْعهم من التجارة مع أسواق بورصا وحلب الشهيرة، خاصة أنه كان في حاجة إلى هدوء نسبي، في تلك الجهات، ليتفرغ لحربه في المجر والصرب والنمسا.

وعلى الرغم من عقد هدنة بين الصفويين والعثمانيين، عام 1523م، إلا أن وفاة إسماعيل شاه، في العام التالي، وصغر سن خليفته، طهمسب[5]، أدخل المنطقة الإيرانية في صراع، سعياً وراء ممارسة السلطة، باسم الشاه الجديد. ودفع الصراع بعض الأمراء الصفويين إلى اللجوء إلى العثمانيين، ليساندوهم. بينما طالب آخرون الشاه، والذي كان قد بلغ العشرين عاماً، بالتدخل لحماية ولاياتهم من العثمانيين، الذين أسرعوا إلى تعزيز جيوشهم بمَدد جديد، على رأسه السلطان العثماني، ففتح بغداد، من دون قتال، عام 1534م، واجتاز جبال زاجروس بعناء، ووصل إلى تبريز، وأنشأ الحصون للدفاع عن الحدود الشرقية للإمبراطورية، قبْل عودته إلى إستانبول (1536م).

اعتلى الشاه عباس الكبير، القوي الشخصية[6]، العرش الصفوي (996هـ/1587م). وعمل على استرجاع ما فقَده الصفويون من أراضٍ، إذ استولى العثمانيون على أذربيجان، في الغرب. وسيطر الأوزبيكون على خراسان، في الشرق[7]. بدأ الشاه عباس بمهادنة العثمانيين حتى طرد الأوزبكيين من خراسان. ثم استدار، غرباً، واسترد أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، من العثمانيين، الذين كانوا يواجهون صعوبات في أوروبا[8].

دفعت الفوضى، التي اجتاحت الدولة العثمانية، الشاه عباساً إلى الاستيلاء على بغداد (1624)، وقتْل سكانها السُّنيين، ثم غزو كردستان، وصدّ هجمات العثمانيين المضادّة، وكسر حصارهم لبغداد (1625 ـ 1626)، قبْل أن يتمكن السلطان مراد الرابع (عام 1638) من استرداد الأراضي العراقية. وعقد معاهدة مع شاه إيران، صفيّ الأول، الذي خلف الشاه عباس الكبير، حددت الحدود الغربية لإيران، واستمرت حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

كانت الحروب بين الصفويين الشيعة، والعثمانيين السُّنة، نقطة تحوّل مهمة في العلاقات الإيرانية ـ العراقية، خاصة أن العثمانيين، سيطروا، معظَم الوقت، على العراق وما فيه من أماكن مقدسة لدى الشيعيين، وهي المعروفة بالعتبات المقدسة. وقد ظلت تلك المقدسات مطمعاً وهدفاً للصفويين في حروبهم ضد العثمانيين، أو سبباً لإثارة الحروب ضدهم، تبادل الطرفان، خلالها، السيطرة على منطقة البصرة، أكثر من قرنين، حتى تغلّب العثمانيون على الصفويين، واستقر احتلالهم للعراق. وبقيت آثار تلك الحروب في وجدان شعوب المنطقة، توجّه العلاقات بين دولها، حتى تحولت إلى إرث نفسي، بين الإيرانيين والعراقيين.

3. العصر الإفشاري

لم تغيّر سياسة نادر شاه، الذي اعتلى عرش إيران، عام 1149هـ (1736م)، وأسّس الدولة الإفشـارية، من الشعور العدائي لدى الطرفين، على الرغم من إعلانه المذهب السُّني مذهباً رسمياً للبلاد. وكانت حـركته السياسية تلك، تهدف إلى إزالة الانقسام المذهبي، في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وإزالة الكتلة الشيعية الفاصلة بين أجزائه. وأدى اضطهاده زعماء الشيعة إلى نتائج عكسية.

إلاّ أن سياسة نادر شاه القاسية، أدّت إلى زيادة العداء له وللإيرانيين، من الشعوب المـجاورة. فقد غزا أفغانستان، وتوغل فيها إلى كابول. ثم دخل الهند، حتى دلهي، في الشرق، وشمالاً، حتى بخارى وكل أوزبكستان. وأنشأ أسطولاً بحرياً إيرانياً في الخليج. واستولى على جزيرة البحرين (1151هـ/1738م). واحتل البصرة والموصل (1156هـ/1743م).

ثانياً: تدخل القوى العظمى، ونشأة الدولة الحديثة، في العراق وإيران

بدأ الاتصال بالعالم الخارجي مباشرة ـ الدول الأوروبية العظمى ـ في عهد فتحعلي شاه، ثاني ملوك إيران من القاجار، الذين أسقطوا الدولة الزندية، التي خلفت الدولة الصفوية[9].

عقد فتحعلي شاه معاهدة تحالف مع فرنسا عام 1222هـ (1807م). كان نابليون بونابرت يأمل أن تفتح له هذه المعاهدة الطريق البري القديم، لغزو الهند، درة التاج البريطاني، عدوه اللدود. وكان الشاه يأمل أن يحصل، بموجبها، على أسلحة وبعثات تدريب عسكرية، لتحديث الجيش الإيراني[10]. كما وُقعت معاهده كلستان مع روسيا القيصرية عام 1229هـ (1813م)، لتسوية الصراع على الحدود (إقليم جورجيا). ومعاهدة دفاع مع بريطانيا العظمى (1230هـ/1814م)، لم تكن ذات فائدة لإيران، وإن بقيت سارية المفعول حتى عام 1274 هـ (1857م).

نقضت إيران معاهدة كلستان مع روسيا، وحاربتها. وعلى الرغم من الانتصارات الأولية، فقد مُنيت بهزائم قاسية، بلغت أوجَها، عندما وصلت الجيوش القيصرية إلى تبريز، وأجبرت إيران على توقيع معاهدة جديدة ـ معاهدة تركمان جاي ـ عام 1244هـ (1828م). تنازلت، بموجبها، عن أراضٍ جديدة، في إقليمَي إربوان ونخجوان ـ ونصّت على تعويض كبير للروس، مع حقهم في الرقابة البحرية على بحر قزوين، وامتيازات أخرى كثيرة، منها امتيازات اقتصادية وجمركية خاصة.

كانت هذه المعاهدات، الفرنسية والروسية والبريطانية، بداية لعصر تدخل القوى العظمى في المنطقة، وفقْد دولها لشخصيتها المستقلة، إضافة إلى التبعية السياسية، معظَم الوقت، والاحتلال العسكري، بعض الوقت، من تلك القوى العظمى، إذ أصبحت المنطقة (أفغانستان ـ إيران ـ العراق) منطقة تعارض مصالح ـ منطقة ارتطام جيوبوليتيكي ـ بين القوى العالمية المتصارعة. فروسيا القيصرية ( ومن بعدها الاتحاد السوفيتي، بعد الثورة البلشفية، 1917) تطمع في الحصول على ميناء في المياه الدافئة، في بحر العرب، من طريق بلوخستان، شرق إيران، أو في الخليج العربي، من طريق إيران. وبريطانيا العظمى، التي وجَّهَت كل جهودها لحماية الطرق الموصلة إلى الهند، أعظم مستعمرة ظفرت بها، على مدى تاريخها الاستعماري، عمدت إلى السيطرة على كل سواحل الخليج العربي، وخليج عُمان، وبحر العرب، مما يتعارض مع مصالح روسيا السابقة، كما لا يتفق ورغبة نابليون في الوصول إلى الهند، براً أو بحراً.

كان موقف الإمبراطورية العثمانية مشابهاً لِما يدور في الشرق، في الدولة الإيرانية. فقد أدى تنافس الدول الأوروبية العظمى في فرض السيطرة والنفوذ، إلى تمزُّق تدريجي للإمبراطورية العثمانية. بدأ في منطقة البلقان الأوروبية، حيث تذرع الروس بحماية الأرثوذكس والسلاف، بهدف السيطرة على البلقان، والوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. بينما سعى البريطانيون إلى حماية طريق الهند، بالسيطرة على الممرات البحرية، المارّة بالبلاد العربية (البحر الأحمر) في حين يحاول النمساويون، ومعهم الألمان، فيما بعد، كبح جماح الروس، بمساندتهم للبوسنة والهرسك. وتنزل الجيوش الفرنسية، بقيادة نابليون بونابرت نفسه، إلى ساحل مصر، في محاولة للوصول إلى الهند، من طريق البحر الأحمر، بدلاً من طريق العراق ـ إيران السابق. وتقاتل الجيوش العثمانية في فلسطين، ضد الفرنسيين[11]. بينما تحاول جيوش أخرى وقف تقدُّم الجيوش الروسية في البلقان. وينجح السلطان سليم الثالث في عقد معاهدات صداقة مع كافة الدول.

1. تنافس الدول الكبرى في النفوذ في المنطقة

أرهقت الحروب المستمرة الإمبراطورية العثمانية. وأدى انشغال سلاطين آل عثمان وأمرائهم بالصراع على السلطة، إلى محاولة الولاة التمرد والاستقلال بولاياتهم، خاصة في الولايات الشرقية والإغريقية. بينما ساد الولايات الأوروبية عصابات، نشرت الرعب والفوضى في بعضها. وساند الروس والنمساويون تمرد البعض الآخر لزيادة المصاعب للعثمانيين[12]. واتخذ بعض الحركات طابع الإصلاح الديني، والذي كان يعني ضعف النفوذ الديني للخلافة العثمانية[13]. ومع اقتراب انتهاء القرن التاسع عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية قد مُنيت بخسائر كبيرة في البلقان، وتراجع العثمانيون عن جزء كبير من ولاياتهم الأوروبية، لمصلحة بريطانيا وروسيا، بينما استقل بعض تلك الولايات[14]. إضافة إلى نقْص الموارد المالية، نتيجة هذا التراجع، والتعويضات عن الحرب، التي فُرضت على تركيا. ووضح أن الدولتين المدافعتين عن مصالح تركيا، هما متنافستان في تقسيمها، تدريجياً.

اتخذ التنافس الروسي ـ البريطاني في الجانب الشرقي للدولة العثمانية ـ المسرح الإيراني ـ صورة أخرى، إذ اعتمد على الجانب الاقتصادي، لمواجَهة الطلبات المتزايدة للنشاط الصناعي الحديث، من المواد الخام والأسواق الجديدة. وطُبقت سياسة التدخل السياسي للحصول على الامتيازات الاقتصادية. وأسرع رجال المال الإنجليز إلى عقد الصفقات مع إيران، لتمويل مشروعات البنية الأساسية والمؤسسات المصرفية واستقلالها. وأكتفي الروس بتقديم القروض الباهظة الفائدة، والإشراف على إعادة تنظيم وتدريب الجيش الإيراني وتسليحه، على النمط الروسي[15]. وشهد العقدان الأخيران من القرن التاسع عشر، تزايد النفوذ الأجنبي داخل إيران. فقد استولى الجيش الروسي على طشقند وسمرقند وبخارى وخيوه. واعترفت إيران بحق روسيا في مدينة مرو المهمة، في اتفاقية أخال (1300هـ ـ 1882م). وفتحت سفارة أمريكية في طهرن، في العام نفسه. كما ظفرت عدة دول أجنبية بحقوق وامتيازات لرعاياها.

حاول حكام إيران وقف النفوذ الأجنبي، وتحسين نُظُم الإدارة في الدولة، إلاّ أنهم أخفقوا. وفي الوقت عينه، بدأ نفوذ رجال الدين الشيعة وسيطرتهم على الدولة، في التزايد. وزاد من سوء الموقف تزايد الاقتراض من روسيا، لدفْع مصروفات الرحلات الأوروبية للطبقة الحاكمة، مقابل وقف الامتيازات الممنوحة للدول الأخرى، خاصة بريطانيا، ومنها امتيازات الجمارك والسكك الحديدية والطُرق والدخان وغيرها. وبدا أن الجو العام في الدولة مهيأ لظهور ثورة قوية، تطالب بحركة دستورية، تحدد المسؤوليات والواجبات، وهو النظام البرلماني الجديد، الذي ظهر عام 1324هـ (1906م)، وإن كانت الحركة الدستورية ناجحة تماماً.

ظل النفوذ الروسي في إيران متفوّقاً على نظيره البريطاني، مغذياً أطماع إيران القديمة في أفغانستان، ومحرضاً لها على إثارة القبائل الهندية، ضد الاحتلال البريطاني لبلادهم. وتدخلت فرنسا لعقد صلح. وتم ترسيم الحدود الشرقية لإيران مع أفغانستان (1321 ـ 1324هـ / 1903 ـ 1906م). من جهة أخرى، عقدت بريطانيا وروسيا اتفاقاً ودياً، لاقتسام مناطق النفوذ في إيران بينهما، والذي قضى بأن تكون المناطق الجنوبية للإنجليز، والمناطق الشمالية للروس، بينما تبقى المنطقة الوسطى منطقة حياد عازلة. واضطرت الحكومة الإيرانية، تحت ضغط الدولتين، إلى الاعتراف بهذه المعاهدة. كما اعترفت بها روسيا، عام 1911. وعلى أثر ذلك، توقّف التنافس الأجنبي في إيران، إلى حين. (اُنظر خريطة تقسيم إيران).

2. الحركات القومية

أسفرت الضغوط الأوروبية، في نهاية القرن التاسع عشر، وازدياد نفوذها لدى حكام المنطقة وولاتها، بل احتلالها بعض الولايات، عن ظهور شعور قومي، تطوَّر إلى حركة وطنية، في معظَم بلاد الشرق الأوسط، سواء تلك الخاضعة للحكم العثماني أو المستقلة عنه. ولم تشذّ إيران والعراق عن تلك الظاهرة، التي بدأت تتبلور بفاعلية، في نهاية العقد الأول من القرن العشرين.

اختلف نظام الحكم في الدولتين، فإيران مستقلة، شكلاً، وخاضعة للنفوذ الأجنبي، واقعاً، مع تدهور في سيطرة الشاه على البلاد. والعراق تحت الحكم العثماني، الذي يعاني ضعفاً واضحاً، ويسير من سيّـئ إلى أسوأ، ويطارد حكامه أولئك المنادين بالإصلاح الدستوري والحقوق الوطنية في الاستقلال.

تشابهت الظروف، الداخلية والخارجية، لإيران والعراق، على الرغم من اختلاف نظام الحكم فيهما، وخضعت منطقة الشرق الأوسط كلها، ومعها إيران والعراق، للعوامل نفسها، من عنف الضغط الأجنبي، والتنافس بين الدول، التي تتزايد ضغوطها، كما تتزايد أعدادها، بدخول الولايات المتحدة الأمريكية وبروسيا وفرنسا، منافسة لروسيا القيصرية وبريطانيا العظمى. وأدى ذلك التنافس إلى تغلغل النفوذ الأجنبي، وانهيار الحالة الاقتصادية، وفوضى سياسية، أُثرت في الجانب الاجتماعي لشعوب المنطقة عامة، وتهيأت المنطقة لتكون مسرحاً لأحد أكبر أحداث القرن الجديد.

3. الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)

حتى عام 1870، كانت سياسة إمبراطور بروسيا، الحكيم، بسمارك، البُعد عن أي نشاط استعماري، يمكِن أن يقلب عليه القوى الاستعمارية الكبرى، فيعرقل بناءه لقوّته الناشئة. وعلى ذلك، فقد اقتصر نشاط ألمانيا على إرسالياتها الدينية، في مناطق محدودة.

تحولت السياسة الألمانية، في عهد الإمبراطور غليوم الثاني[16]، وكشفت عن أطماعها الاستعمارية، وبَنَت قاعدتها السياسية الشرقية، على أساس اتخاذ الدولة العثمانية، معبَراً للوصول إلى مناطق السيادة والنفوذ في العالم، بالسيطرة على طرُق التجارة البرية، وبعيداً عن السيطرة البحرية لبريطانيا العظمى.

كانت البداية استعانة الدولة العثمانية بفنيِّين وخبراء ألمان، في مشروعات التحديث والبنية الأساسية. ثم تطورت إلى الاستعانة بضباط ألمان على تنظيم الجيش العثماني وتدريبه، وقد صادف أن العثمانيين كانوا يرغبون في إحياء الطرُق البرية، لربْط أطراف الإمبراطورية وحدودها، وجعلها القاعدة الأساسية في سياستها التجارية، حتى تبتعد عن سيطرة بريطانيا على البحار. وأدى تطابق وجهات النظر، الألمانية والعثمانية، إلى البدء في مشروع سكة حديد، يمتد من العاصمة إلى بغداد. وعارض الروس المشروع، إذ خشوا تهديداً مستقبلياً لحدودهم في القوقاز إذا وصلت السكك الحديدية إلى ديار بكر، وتحوّل مسار الخط، غرباً، ليصل إلى حلب، فالموصل، ثم بغداد[17].

وازدادت هوة الخلاف بين ألمانيا وبريطانيا العظمى اتساعاً لتضارب مصالحهما. بينما ازداد التقارب بين بريطانيا وفرنسا، إذ عمدت حكومة لندن إلى تجميع القوى ضد ألمانيا، لإعادة التوازن في أوروبا. وفي إطار تلك الإستراتيجية، عقدت إنجلترا معاهدة مع فرنسا، 1904، ثم مع روسيا، 1907، بموجبها قسمت مناطق النفوذ، في أفغانستان وإيران.

شهد مشروع الخط الحديدي التركي إلى بغداد، قمة الصراع السياسي بين الدولتين المتنافستين. وواصل السلطان عبدالحميد طموحة إلى إنشاء خط سكة حديد إلى الحجاز بإشراف الألمان وتنفيذهم[18]. وقد عاون الخطان على ربْط أجزاء الدولة العثمانية، شرقاً وجنوباً، في أكثر الأماكن أهمية وحساسية.

اتجه الألمان، شرقاً، إلى إيران، في محاولة للاستفادة من كراهية الإيرانيين لاتفاق 1907، البريطاني ـ الروسي. واتخذوا من التجارة وسيلة لتوثيق صِلاتهم بإيران، فعمدوا إلى غمْر الأسواق بالمنتجات الألمانية، وأمدوا الجامعات بالأساتذة والهبات، وتغلغلوا في صفوف الجيش والشرطة. وقد قابلت بريطانيا تزايد النفوذ الألماني في إيران، بزيارة بعثة عسكرية من الهند إلى المنطقة، والتخطيط لاحتلال البصرة، عند قيام الحرب، ووضع إمكانات شركة النفط الإنجليزية الإيرانية، بما فيها السفن، في خدمة البحرية البريطانية[19] (1912). وأبرمت اتفاقيتين مع شيخ المحمرة[20]، العربي، وأمير البحرين (1911) لحمايتهما ضد العثمانيين، مقابل عدم الارتباط باتفاقيات مع دول أخرى، إلاّ بعد موافقتها.

اندلعت نيران الحرب، واشترك فيها معظَم الدول الأوروبية، وكثير من الدول والولايات، الآسيوية والأفريقية، كتابع للدولة المستعمرة أو المسيطرة. وبدا أن الحلف الثلاثي، يقود الجانب المتحالف. بينما ألمانيا والنمسا، تقودان المعسكر الآخر، الذي انضمت إليه تركيا العثمانية بدافع من المصلحة القومية، والنفوذ الألماني في البلاط العثماني، والخصومة مع أطراف الحلف الثلاثي، وعلى رأسها روسيا، التي كانت مناطق الحدود معها ما زالت ساخنة.

كانت الحرب العالمية الأولى حرباً ضروساً، شارك فيها دول عديدة، في حرب عامة، كل لمصلحتها الخاصة أو لظروفها الدولية والإقليمية. وقد بدأت أعمال القتال ضد تركيا، بمحاولة الأسطول البريطاني اختراق مضيقي البوسفور والدردنيل، للاتصال بروسيا. ثم محاولة إنزال حملة برية ضخمة في غاليبولي، ولم تنجح المحاولتان. بينما تقدم الروس، عبر القوقاز، إلى أرمينيا. واستولوا على مَواقع الجيش التركي، في أرضروم وطرابزون، لكنهم ارتدوا عنهما، لصعوبة الإمداد، ووعورة الأرض.

حاول الإنجليز، خلال الحرب، استغلال وجود قواتهم في مصر، بالاستيلاء، على الولايات العثمانية الشرقية. واستطاعوا، بعد عدة محاولات، الاستيلاء على العراق (مارس 1917). بينما تقدمت القوات الروسية، عبْر غرب إيران، فاحتلت كرمنشاه وخانقين (أبريل 1917). إلاّ أن قيام الثورة البلشفية، في العام نفسه، أضطرها إلى الانسحاب من المنطقة التي سارع الإنجليز إلى احتلالها[21]. وبنهاية عام 1918، كانت الجيوش الإنجليزية، تسيطر على الولايات العثمانية، في مصر وفلسطين والشام والعراق، إضافة إلى إيران. وانتهت الخلافة العثمانية، وقسِّمت الأسلاب على المنتصرين. وحددت اتفاقية سايكس ـ بيكو (1916)، مسبقاً، مناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا وروسيا، التي تعدلت بعد الثورة الروسية، لتقتصر مناطق النفوذ على لندن وباريس. (اُنظر شكل اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916).

أبقت بريطانيا، طبقاً لاتفاقية سايكس ـ بيكو المعدلة، جنوب شرق العراق حتى الخليج العربي، تحت سيطرتها المباشرة. إلى جانب تمتعها بمنطقة نفوذ غرب المنطقة السابقة، وحتى الحدود المصرية. وهو ما يعني اتصال مناطق نفوذها الجديدة بالمناطق السابقة، شرقاً، في إيران، وغرباً، في مصر، لتظل مسيطرة على كافة الطرُق الموصلة إلى مستعمرتها، الجوهرة، في شبة الجزيرة الهندية[22].

وعلى الرغم من إعلان شاه إيران حياد بلاده، إلاّ أن وجود قوات أجنبية فيها، جعلها مسرحاً للقتال، أحياناً، أو ميداناً للمؤامرات السياسية. وفي النهاية، فإن الإنجليز، سارعوا إلى احتلال المناطق، التي تركها الروس، إضافة إلى الاستفادة من المعاهدة مع شيخ المحمرة. وحاول الأتراك الحيلولة دون اتصال الإنجليز بالروس، في إيران، بإرسال قوات تعمل على الفصل بينهما. إلاّ أن الإنجليز، بمعاونة من الإيرانيين أنفسهم، أحبطوا المخطط التركي، وأجبروا الألمان على اللجوء إلى حماية القبائل الإيرانية، حول "قم"، المدينة المقدسة لدى الشيعة[23].

أسفرت الحرب العالمية الأولى عن عدة معاهدات، أملى فيها المنتصر شروطه ودعم مصالحه. وقبِلها المنهزم صاغراً. ففي أكتوبر 1918، عقدت معاهدة سيفر بين تركيا والحلفاء، اتُّفق بموجبها على تقسيم الأملاك العثمانية، والسيطرة على الممرات الإستراتيجية، في الدردنيل والبوسفور، وتشجيع القيادات التركية الجديدة على تحديث تركيا، نحو العلمانية[24].

اجتمع الحلفاء، في 25 أبريل 1920، في سان ريمو، وأصدروا قرارات الانتداب على المنطقة العربية، وهو ما سبق أن اتفق عليه لويد جورج وكليمنصو، رئيسا وزراء خارجية إنجلترا وفرنسا. وعوضت إنجلترا الأمير فيصل بن حسين، شريف الحجاز في ذلك الوقت، عن فقْده لإمارته في سورية، التي احتلتها فرنسا، بإقامة حكومة في العراق، وترشيحه ملكاً عليها. كما بحثت مع الأمير عبدالله، في إمارة عربية، في شرق الأردن، بمساعدة بريطانيا. ما لبث أن انتقل إليها بالقبائل التابعة له[25].

ترك الاتفاق على تقسيم المنطقة العربية، منطقة الموصل ضمن النفوذ الفرنسي. إلاّ أن إنجلترا، بعد انتهاء الحرب، رأت حرمان الفرنسيين منها، حتى لا يكون لهم نفوذ في مركز إستراتيجي حساس، قد يكون معبَراً إلى الهند، إضافة إلى كونها إحدى مناطق إنتاج النفط، الذي ظهرت أهمية السيطرة على منابعه. فأوعزت إلى العراقيين وفيصل، الذي أصبح ملكاً على العراق، أن يطالبوا بالموصل، على أساس أنها جزء من الأراضي العراقية. وسرعان ما حركوا قواتهم واحتلوها. وتتابعت المعاهدات والاتفاقات، بين العراق وتركيا، حتى قررت عصبة الأمم[26]  ضمها إلى العراق، مع وضعها تحت انتدابها، لمدة 25عاماً.

وكما كانت أحداث التاريخ في فارس والعراق متشابهة قديماً، كذلك تشابهت نتائج الحرب العالمية الأولى في شأنهما. فلم تكن بريطانيا لتترك إيران خارج سيطرتها، وهي المعبَر إلى الهند، وتطل على البحار الموصلة إلى جنوب أفريقيا ووسطها وجنوب شرق آسيا. فأصبحت هي عينها هدفاً، خاصة بعد اكتشاف النفط في أراضيها. فعادت، لدى توقّف الحرب، إلى التنافس مع الاتحاد السوفيتي في النفوذ في إيران، مستغلة عدم تقبّل الكثيرين الأيديولوجية الشيوعية، التي اعتنقتها الثورة البلشفية في روسيا، وخاصة زعماء الدين في المنطقة، من الشيعة والسُّنة، على حد سواء. وفي المقابل، حاول السوفيت اكتساب الحكومة الإيرانية إلى جانبهم، فأعلنوا، في يناير 1918، تنازلهم عن كل الامتيازات، التي كانت لروسيا القيصرية، وكذا الديون المتراكمة من القروض وفوائدها. بل أبدوا استعدادهم للتعاون معها على إخراج القوات، البريطانية والتركية، من أراضيها، مع وعْد بسحب قواتهم أيضاً، متى تم ذلك.

سارعت بريطانيا إلى إبرام معاهدة مع إيران، في أغسطس 1919، تعترف، في مادتها الأولى، باستقلالها، وسيادتها على أراضيها. ثم قيّدتها في باقي المواد، لتجعل من نفسها مراقباً على الأحوال المالية، والإدارة الحكومية، والنواحي العسكرية، والمرافق. ثم احتكت بالقوات السوفيتية، واشتبكت معها. وحاول كل طرف إقصاء الآخر عن إيران، عندما قاد رضا خان بهلوي، الضابط في فرقة القـوزاق الإيرانية، انقلاباً عسكرياً، محتلاً العاصمة طهران، فعجلت بريطانيا بسـحب قواتها إلى العراق، الذي أصبحت أكثر أهمية لديها. وأدى رفض المجلس النيابي الجديد، في إيران، للمعاهدة السوفيتية، المعلنة منذ عام 1919، إلى سحْب السوفيت لقواتهم كذلك، بعد أن اطمأنوا بخروج الإنجليز منها أيضاً. وتمكّن الجيش الإيراني الجديد من دحْر ثورة للشيوعيين المحليين، في شمال البلاد[27] وطرْد آخر شاه من القاجار. وألغى رضا خان الملكية، وأعلن الجمهورية (1923)، وتولى رئاستها، ثم أعاد الملكية، على أن يكون هو الملك، بعد استشارة زعماء الشيعة، في قم. وأعلن نفسه شاهنشاه[28]، في نهاية عام 1925، وقضى على نفوذ شيخ المحمرة، العربي، وعلى النفوذ الإنجليزي في الجنوب، وقبائل البختياري المناوئة، وفرض، للمرة الأولى، منذ زمن بعيد، سيطرة على كل البلاد الإيرانية.

لعل أبرز نتائج ما بعد الحرب العالمية الأولى، أن أصبح هناك دولتان في المنطقة، إحداهما عربية، والأخرى فارسية، ولكل منهما ملك ذو توجهات وطموح توسعي.



[1] دخل العثمانيون القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، في 29 مايو 1453م، في عهد السلطان محمد الثاني.

[2] معظمهم من الكيزيلباش (الرؤوس الحمراء) أشد أنصار إسماعيل شاه.

[3] كانت الفتوى لشيخ الإسلام، صاري جوريز، أعلى مرجع ديني في الإمبراطورية العثمانية، بناء على طلب من السلطان سليم الأول.

[4] تمكن جيش عثماني آخر من إخضاع المنطقة كلها، عام 1516م، وطرد الصفويين منها نهائياً.

[5] الابن الأكبر لإسماعيل شاه، وكان يبلغ العاشرة من العمر، حين وفاة والده.

[6] يُعَدّ من الملوك العظام في تاريخ إيران، لشخصيته الفذة وذكائه. كان ذا مظهر جذاب، لتناسق بنْيته وهندامه ونشاطه وشجاعته وعدله، مما أكسبه حب الشعب والأمراء، في فترة وجيزة. وقد دوّن الرحالون الإنجليز أخباره، وسجلوا سنوات حكمه باستفاضة، في زياراتهم بلاطه.

[7] الأوزبكيون قبائل آسيوية، من أصول تركية، مثل العثمانيين. يقطنون في وسط آسيا وغرب أفغانستان.

[8] سانده على ذلك تمرد القبائل الكردية والدرزية، في شمال إيران والعراق وسورية.

[9] في نهاية عصر الدولة الصفوية، استقل الأمراء بأقاليمهم، وكونوا دولهم الخاصة، التي اقتتلت حتى ظهر بعضها على بعض، فترة من الوقت، قبْل أن تسقط هي الأخرى.

[10] كان حكام إيران يهدفون إلى تقوية جيوشهم، حتى يمكنهم استرجاع جورجيا من روسيا القيصرية، التي استولت عليها منذ عدة أعوام سابقة على المعاهدة (1216هـ ـ 1801م). إلا أن نابليون، اتفق مع روسيا القيصرية، مما دفع الإيرانيين إلى عقد معاهدة مع روسيا (معاهده كلستان) تنازلوا فيها عن جورجيا، كأمر واقع.

[11] سعى البريطانيون إلى احتلال مصر، لتأمين طريق الهند، بعد جلاء الفرنسيين منها (حملة فريزر 1807). وتصدى لهم الشعب المصري وواليه، محمد علي. وأجبروا على الانسحاب.

[12] أراد الروس من مساندتهم البلغار والصرب، إحياء انتفاضة قومية سلافية لإيجاد نفوذ متزايد لهم في الدول البلقانية، إضافة إلى جذب انتباه العثمانيين إلى المناطق الأوروبية، في الوقت التي تحاول فيه روسيا زيادة نفوذها في الولايات والدول العربية، من الخليج العربي، من دون تدخّل جاد من العثمانيين.

[13] ظهرت الحركة الدينية في شبة الجزيرة العربية، حيث دعا محمد بن عبدالوهاب (1703 ـ 1792) إلى تنقية الإسلام من البدع. وقد سانده أمير نجد على دعوته. وتطلب الأمر تدخّل قوات محمد علي باشا، والي مصر، في حرب دامت سبع سنوات، نيابة عن العثمانيين. كما نهج على منهاج الوهابية دعاة آخرون، تأثروا بها، مثل السيد أحمد في البنجاب، وطائفة المسلمين في زنجبار والشوطاني في اليمن، والسنوسية في شمالي أفريقية وغربيها، ولقيت تلك الحركات الإصلاحية مقاومة من الحكام الإقليميين، أو سلطات الاحتلال.

[14] شملت 21 ألف كم2. يقطن فيها نحو 5.5 ملايين نسمة، أي ما يعادل خمس سكان الإمبراطورية تقريباً. وقد وضعت مصر تحت حماية بريطانيا، وتونس تحت حماية فرنسا. وأصبحت تركيا العثمانية دولة آسيوية، ذات ممر أوروبي وساحل أفريقي، في ليبيا فقط.

[15] حصل البارون البريطاني، رويتر، على امتيازات، لإنشاء سكك حديدية وطرق للسيارات، واستغلال الثروة المعدنية والنفط وشبكة للبرق، واستغلال منشآته لمدة سبعين عاماً، والإشراف على أعمال الجمارك لمدة 24سنة. بينما حصل الروس على إنشاء لواء من القوزاق الفرس وقيادته، في طهران والمدن الشمالية، وفتح مصرف روسي في العاصمة، وحقوق الصيد في بحر قزوين.

[16] خلف بسمارك في الحكم، عام 1888. وكان ذا أطماع استعمارية توسعية.

[17] حاولت الشركة المنفذة عقد اتفاق مع أمير الكويت، عام 1900، لتكون نهاية الخط الحديدي، هي ميناء الكويت، لربط الخليج العربي بشرق البحر الأحمر. وتوقف الاتفاق بظهور سفن الأسطول البريطاني، أمام سواحل الكويت. ولم تستطع الشركة عقد أي اتفاق، في شأن أي ميناء آخر في الخليج، للسبب نفسه.

[18] دعا السلطان عبدالحميد إلى تمويله بمساهمة من الدول الإسلامية. واكتمل وبدأ تشغيله عام 1908.

[19] كانت الشركة قد أتمت حفر مائتي بئر نفط، في إيران. ومدت خط أنابيب حتى عبدان، على الساحل.

[20] إمارة عربية، تتبع إيران، على الحدود مع العراق.

[21] مع نهاية عام 1917، كانت القوات البريطانية في مصر، قد ردت الهجمات التركية. ثم تقدمت، عبْر سيناء، إلى فلسطين، وأمنت الخط الحديدي للحجاز. ودخل اللنبي، القائد البريطاني الجديد، بيت المقدس، في ديسمبر من العام نفسه، ليعلن: "اليوم، انتهت الحروب الصليبية".

[22] قبْل مرور عام ونصف، كانت بريطانيا قد وضعت مصر تحت الحماية المباشرة، وأعطت الصهيونية وعد بلفور (نوفمبر 1917)، لإنشاء وطن قومي في فلسطين.

[23] نزحت مجموعة من رجال الدين والسياسة إلى مدينة "قم"، حيث كونوا جماعة "اجتهادي إسلام"، بزعامة سلمان مرزا. ونزح إليها، كذلك، المفوضيتان، الألمانية والنمساوية.

[24] ألغيت الخلافة العثمانية في مارس 1924، بعد انتهاء الحرب التركية ـ اليونانية. وسبق ذلك إلغاء السلطنة، وإعلان الجمهورية (1922)، وانتخاب مصطفى كمال (أتاتورك) رئيساً للجمهورية (1923).

[25] كان الأميران فيصل وعبدالله، أكثر مرونة، سياسياً، من والدهما، الشريف حسين؛ لذا فازا بمُلكي العراق وشرق الأردن، تحـت الانتداب البريطاني، الذي خضعا له، وتقبّلا معونته. بينما انتهت إمارة الحجاز، التي كان يحكمها الشريف حسـين، حينما اجتاحتها القبائل السعودية، أثناء توحيد المنطقة، بوساطة آل سعود، أمراء نجد. وانتقل الشريف حسين إلى المنفى، وحققت إنجلترا أطماعها في بسط نفوذها، من غرب الهند، بامتداد متواصل، إلى أفغانستان فإيران فالعراق فشرق الأردن ففلسطين فمصر إلى قناة السويس.

[26] كونت كمنظمة دولية، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بهدف الحؤول دون حرب عالمية، مرة أخرى، وحل المشكلات سلماً، ودبلوماسياً.

[27] تدعى ثورة جيلان، التي كان كوتشيك خان، قد أعلنها جمهورية بلشفية، بمعاونة السوفيت، 1918.

[28] تعني، بالفارسية، ملك الملوك.