إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث السادس

الموقف الدولي وإستراتيجية القوى العظمى السائدة وقت بدء الحرب

أولاً: الأوضاع والإستراتيجيات، السائدة، والمعاصرة للصراع العراقي ـ الإيراني

بعد حرب أكتوبر 1973، تداعت تأثيرات تلك الحرب في المنطقة العربية، والشرق الأوسط كله، متزامنة مع المتغيرات الدولية المستجدة، بانهيار آخر ما تبقى من جيوب الاستعمار الغربي في المنطقة، باستثناء جنوب أفريقيا وناميبيا. واتَّسمت المتغيرات بسقوط حكام وطنيين، كانوا من أهم عناصر الثبات في المنطقة. وسيطر على الحُكم مجموعة من العسكريين، ذوي توجهات يسارية[1]. كما انتقلت محاور الصراع الدولي، وما يرافقها من حرب باردة أو صراع ساخن، إلى مناطق العالم الثالث، خاصة في أفريقيا والمنطقة العربية (الشرق الأوسط).

تركزت أهداف الصراع الدولي، في هذه المرحلة، حول طرُق المواصلات والموارد الاقتصادية. فالسيطرة عليها، تعني السيادة التامة والنفوذ المطلَق، وهو ما لا يسمح به النظام الدولي، الثنائي القطبية. لذا، فقد كان متوقَّعاً أن يتحول الصراع الدولي إلى مواجهة إقليمية، في تلك المنطقة، حيث النفط، ورؤوس الأموال، والموارد الطبيعية الحيوية، والممرات البحرية الإستراتيجية.

وقد تباينت إستراتيجيات كل طرف، طبقاً لأهدافه ومصالحه. كما أفادت دول أخرى من الأحداث، في إطار إستراتيجيتها الخاصة، من دون أن تتعارض مع إستراتيجيات قطبَي النظام الدولي.

كانت بداية تشكيل ملامح النظام الإقليمي المعاصر، بتفاعل المنطقة مع الأحداث التاريخية على أرضها، التي ارتبطت، كذلك، بعناصرها الجغرافية، معطية محددات جيوبوليتيكية، قادت تطورات الأحداث، خلال تلك الحقبة.

يُعَدّ إعلان بريطانيا عن نياتها في الانسحاب من منطقة شرق السويس عام 1968، بداية فعلية للحالة الديناميكية، التي آلت إليها الأحداث، والتي حددت السمات المميزة للنظام الإقليمي المعاصر. فقد سارعت الدول المؤهلة لهذا الدور، بحُكم معطياتها، التاريخية والجغرافية، ووزْنها، السياسي أو الاقتصادي أو البشري، إلى تبنّي سياسة "ملء الفراغ" ووضع كل منها إستراتيجيتها الخاصة، لتحقيق تلك السياسة، بالارتكاز على نقاط التفوّق في قوّتها الشاملة.

كان لعدم وجود دور واضح وفعال للتنظيمات الإقليمية لدول المنطقة، سلبيات تداعت آثارها في مجريات الأحداث المتصاعدة، وامتدت إلى ما بعد الحرب، فزادت من سوء النتائج.

وإذا كانت الإستراتيجية الغائبة لدول المنطقة وتنظيماتها السياسية، أخلّت بالتوازن الإقليمي، في مراحل التمهيد للصراع، وأثناء الحرب نفسها، فإن الموقف المحلى لطرفَي الحرب، ومشاكلها الخاصة، أثـرا بشكل مباشر، إضافة إلى العوامل الخارجية، الإقليمية والدولية، في امتداد زمن الحرب إلى تلك الفترة الطويلة، نسبياً.

ثانياً: النظام العالمي المعاصر وتأثيره في أحداث المنطقة

ساد المجتمع العالمي، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، نظام جديد، تأثر بنتائجها، وكثرة الدول التي شاركت فيها، أو تأثرت بها، والفترة الزمنية الطويلة، التي استغرقتها. وقد أحدث ذلك التأثير تغيرات جوهرية في القوى، العالمية والإقليمية.

كان أهم المتغيرات، على الصعيد الدولي، انهيار إمبراطوريات وجمهوريات، وتقلّص نفوذ بعض الدول، فخرجت من دائرة السيادة، أو انخفضت مكانتها في المجتمع العالمي[2]. ولم تكُن المتغيرات كلها سلبية تماماً، إذ أصبح كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى بعد أن كانا دولتين كبريين، بل أصبحا معاً قطبَي النظام العالمي الجديد، الذي عرف بالقطبية الثنائية، نسبة إليهما.

اتَّسم النظام العالمي الجديد بالصراع العنيف بين قطبَيه. وارتكز كل منهما على سماته المميزة، ذات القدرات العالمية، المتعددة المجالات. كان أهمها القوة البشرية الضخمة، وتبعية العديد من الدول، في مشارق الأرض ومغاربها، لدائرة النفوذ[3]، وتنامي القوة العسكرية لكل منهما، بما حوته ترسانتاهما من أسلحة ذات قدرات تدميرية عالية، إضافة إلى ترهّل حجم القوات التقليدية وفوق تقليدية، بل النووية، كذلك.

حرصت الدولتان العظميان على عدم تصعيد الخلافات بينهما، إلى حدّ الصراع المسلح، كنتيجة مباشرة لِما سمّي بالرعب النووي، إذ خشي كل معسكر التدمير الشامل. ومن ثَم، فقد نشأت حالة، سادت العلاقات الدولية، سميت بالحرب الباردة، مرت بمراحل عدة، ترجحت بين التصعيد والوفاق.

قُسمت خريطة العالم، من منظور النظام العالمي الثنائي القطبية، وفي إطار التكتلات، ومعاهدات الصداقة، واتفاقات الدفاع المشترك، والاستقطاب المباشر، أو غير المباشر، إلى أربع مناطق[4].

1. مناطق محرمة على القطب الآخر ومجموعته. وهي تؤدي إلى تصعيد الأزمات إلى حدّ المواجهة المباشرة، التي قد تكون نووية. وأهم أمثلتها، أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، اللتان عَدّتهما الولايات المتحدة الأمريكية، فناءها الخلفي، غير المسموح بارتياده للمعسكر الآخر[5].

2. مناطق يبسط أحد المعسكرين نفوذه عليها. وترتبط به في تحالفات، أو تكتلات، عسكرية وسياسية وتجارية. ومثالها دول أوروبا الشرقية، ذات نظُم الحكم الشمولي (الشيوعي)، التي ترتبط بموسكو، عسكرياً وسياسياً، من خلال حلف وارسو[6]، واقتصادياً، بتكتل منظمة الكوميكون. كذلك ارتبطت دول أوروبا الغربية بالولايات المتحدة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي (المعروف اختصاراً باسم حلف الناتو)[7]. واعتبر كل قطب محاولة استمالة إحدى دول منطقة نفوذه، تهديداً مباشراً لأمْنه الوطني. لذا، لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلْفها (الناتو)، عندما قمَع السوفيت الحركات الشعبية، المقاومة لهم في بـولندا، وألمانيا الشرقية (1953)، والمجر (1956)، وتشيكوسلوفاكيا (1968), كذلك، لم يتدخل الاتحاد السوفيتي عندما استخدم الأمريكيون كل قواهم، السياسية والاستخباراتية، لإسقاط الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، ومنْعها من الوصول إلى السلطة (إيطاليا ـ فرنسا).

3. مناطق الصراع على النفوذ، وقد سميت بمناطق الارتطام. وشملت منطقتَي الشرق الأوسط، التي يدخل في دائرة حدودها الجغرافية دولتا الصراع في حرب الخليج الأولى، وجنوب شرقي آسيا. وقد شهدت المنطقتان عدة حروب مدمرة، انتشرت آثار نتائجها في عديد من دول المنطقتين. وكان لها تأثير مباشر في ما تعرضت له هذه الدول، من هزات، اقتصادية وسياسية، طوال نصف القرن الثاني من القرن العشرين[8]. وقد تبادل القطبان النفوذ في عدة دول في هذه المناطق، مثل إثيوبيا والصومال واليمن الجنوبي وليبيا والعراق وفيتنام وكمبوديا وغيرها. أو نجح أحدهما في السيطرة على دول أخرى، لفترة، أو حتى انهيار ذلك النظام، في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، مثل مصر والجزائر وأنجولا وسورية وإيران وأفغانستان.

4. آخر تلك المناطق هي المناطق الخاملة، التي لا يسعى أي قطب إلى بسط نفوذه عليها، في بعض مناطق أفريقيا وآسيا، لتخلّفها وضعف عناصرها الجغرافية، فلا تحوز سمة مميزة ذات أهمية. (اُنظر شكل مناطق النفوذ في العالم).

أدّى وقوع المنطقة العربية في إحدى مناطق الارتطام، وأكثرها أهمية، والتي يتصارع القطبان، فيها مع حرصهما على عدم الدخول في مواجَهة مباشرة بينهما على أرضها، أدى إلى نشوب حروب إقليمية عديدة، ساعد كلا القطبين أحد أطرافها، وهي السمة الغالبة في الحروب الإقليمية، في تلك الفترة، التي سميت الحرب بالوكالة.

وعلى الرغم من محاولة زعماء المنطقة إيجاد تكتل وسط، يمكِّن الدول ذات التوجهات المستقلة، من الابتعاد عن مناطق النفوذ للقطبَين، وعدم التبعية لهما[9]، إلا أن هذا التنظيم السياسي ظل قاصراً على الاستفادة من الثنائية القطبية، مع عدم التبعية لها، سياسياً، تبعية شكلية؛ إذ كان العديد من دوله، تتلقى معونات، اقتصادية وعسكرية، خاصة في مجال التسليح وتدريب القوات، من القطبَين مباشرة، أو من دول حليفة لأحدهما. وقد كانت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً في منطقة الشرق الأوسط، كما أن دولتَي الصراع في حرب الخليج الأولى، كانتا من المستفيدين من تلك الأوضاع.

كانت إيران، في ظل حكم الشاه، تعتمد على مساندة الولايات المتحدة الأمريكية، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. بينما اتجه العراق، بعد الانقلاب العسكري وإطاحة النظام الملكي، إلى الاتحاد السوفيتي، لإيجاد توازن بينه وبين إيران. وبتغيّر الأوضاع في إيران، وتفجّر الثورة الإسلامية فيها، التي كان من سماتها البارزة العداء للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، التي أوت الشاه، في بداية نفيه من إيران، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية، من طريق غير مباشر إلى معاونة العراق للحفاظ على توازن النفوذ في المنطقة.

شهد العالم ثورة علمية وتقدماً تكنولوجياً سريعاً، في العقود الأخيرة، كانا سبباً في تغيير مفاهيم عديدة، وإلغاء المسافات المكانية، وزيادة البُعد، المعلوماتي والتقني، بين الدول. وقد أدركت الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الدولتان العظميان، ضرورة تأمين مصادر الطاقة، التي أصبح النفط أهم مصادرها، لاستمرار ريادتها، وتقدّمها الصناعي، والحفاظ على قدراتها، العسكرية والاقتصادية.

تسابقت دول العالم الصناعية إلى استيراد حاجاتها النفطية، حتى تلك التي لديها مصادر ذاتية، حفاظاً على القليل المضمون في أراضيها. واتجهت إلى أغنى بقاع الأرض إنتاجاً لذلك الخام، منطقة الخليج العربي ودوله الثماني، التي تتصدر أربع منها قائمة الدول الأكثر إنتاجاً، وكذلك قائمة الدول الأكبر رصيداً من الاحتياطيات المؤكدة، بفارق كبير عن الدول الأخرى[10].

أدّت الزيادة في طلب النفط، عالمياً، مع غيرها من المؤثرات، وأهمها وأكثرها تأثيراً، كانت حرب أكتوبر 1973، بين مصر وسورية من جانب، وإسرائيل من جانب آخر، والتي استخدم فيها النفط كأحد الأسلحة العربية الإستراتيجية، أدت إلى ارتفاع كبير في أسعاره، ظلت ترتفع حتى عام 1979، مما أضاف إلى المنطقة أهمية وقوة في آن واحد.

يتّبع في نقل خام النفط أرخص الوسائل، وأكثرها أمْناً، وهي النقل البحري. وتسيطر المنطقة العربية على الممرات الرئيسية للملاحة البحرية، بحُكم موقعها الجغرافي. فهي تتحكم في مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس. كما تملك مفاتيح جبل طارق، وإن استأجرته منها أسبانيا، حتى نهاية القرن العشرين. ويمر أكثر من نصف حركة نقْل النفط العالمية، من خلال تلك الممرات، لتصل إلى اليابان وأوروبا الغربية وأمريكا.

اتَّسع الصراع بين القوى العظمى الكبرى من منطقة الخليج، ليشمل كل مراحل نقْل الخام الأكثر أهمية إلى العالم. وأصبحت السيطرة على الممرات، التي يعبُر منها، في مثل أهمية السيطرة على مناطق الإنتاج، والأقل تعقيداً، إذ تمتلكها قِلة من دول المنطقة، بينما تتعدد الدول المسيطرة والقريبة من ممرات العبور للملاحة البحرية الدولية (اُنظر خريطة مناطق إنتاج النفط).

تحتاج القوى العظمى والكبرى لتأمين مصادر إنتاج النفط، ومحاور نقْله، بحرياً، وكذا لتأمين طرُق التجارة العالمية، تحتاج إلى قواعد وموانئ وتسهيلات، في مناطق الوجود، البحري والبري والجوي، كي يمكِنها تنفيذ خطط التأمين على أكمل وجه. وأصبحت المنطقة بأسْرها، من تركيا شمالاً، وحتى جنوب أفريقيا جنوباً، ومن باكستان وأفغانستان شرقاً، وحتى المغرب وموريتانيا غرباً، من أكثر مناطق العالم أهمية وحساسية، لاحتوائها على كل متطلبات الحياة والأمن للقوى العظمى والكبرى، في ظِل النظام العالمي الثنائي القطبية، بل وكذلك، لأي قوى بازغة أخرى، قد تهدد المنطقة مستقبلاً[11]. وقد أهّل ذلك المنطقة العربية، وما جاورها من دول، لتكون هدفاً لإستراتيجيات الدول العظمى والكبرى.

ثالثاً: إستراتيجية الاتحاد السوفيتي في المنطقة

ارتبطت الإستراتيجية السوفيتية بهدفها التقليدي، "الوصول إلى المياه الدافئة"، لكسر العزلة الجغرافية للاتحاد السوفيتي المطل على بحار مقفَلة، أو مياه متجمدة، معظم أيام السنة[12]. ويعني ذلك ضرورة امتداد النفوذ السوفيتي خلْف حدوده السياسية، جنوباً، حتى يصل إلى المياه الدافئة، في المحيط الهندي. أو أن يخترق مضيقَي البوسفور والدردنيل، للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط؛ وهو المفهوم السابق في إستراتيجية روسيا القيصرية.

أوضحت معاهدة الصداقة السوفيتية ـ الإيرانية (1921)، التي كانت أولى معاهداته مع إحدى دول منطقة الخليج، ثم تلتها معاهدة مع العراق، ثم أخرى مع اليمن، المجاور لمَنْفَذ الخليج، أوضحت نظرة السوفيت إلى المنطقة كمعبَر قصير إلى المياه الدافئة، لو تمكّن من استخدام الموانئ الإيرانية، داخل الخليج العربي أو خارجه[13]. وقد استخدم السوفيت بنود المعاهدة في مصلحتهم، خلال الحرب العالمية الثانية (1941)، فاحتلوا شمالي إيران. إلاّ أن وجود القوات البريطانية في جنوبي إيران، وفي العراق، حال دون وصولهم إلى المياه الدافئة. وقد ألغت إيران المعاهدة، من جانب واحد، عام 1959، بعد أن انضمت إلى الحلف المركزي (1955)، الذي كان يهدف إلى السيطرة الغربية على حدود السوفيت الجنوبية.

أهداف إستراتيجية السوفيت في منطقة الخليج العربي

يسعى الاتحاد السوفيتي، مثل غيره من الدول العظمى والكبرى، إلى تحقيق مصالحه القومية، باستخدام أدواته السياسية، في إطار أيديولوجي مختص به، واضعاً في حسبانه القوى الأخرى المناوئة له[14]، عالمياً، وكل منها يترقب للوثوب إلى مناطق النفوذ السوفيتية، أو منع امتداد الأيديولوجية السوفيتية إلى المنطقة. وقد كان في المنطقة ثلاث قضايا أساسية، تشكل أهدافاً مباشرة في إستراتيجيات الاتحاد السوفيتي، وهي:

1. مصادر نفط المعسكر الغربي في المنطقة، التي يمكِن أن يمثل الوجود السوفيتي بالقرب منها، استنزافاً لجهود الغرب، وتشتيتاً لخططه المضادّة.

2. الممرات المائية الإستراتيجية، وهي إضافة إلى كونها عصب الاقتصاد الغربي، إذ تمرّ بها قوافل النفط إلى مصانعه، فهي تمثل، كذلك، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي، حلماً وشيك التحقق، بوجوده على سواحل المياه الدافئة.

3. أيديولوجيات المنطقة، التي يغلب عليها الدين الإسلامي، وهي متاخمة لحدود السوفيت الجنوبية، وتمرّ بمرحلة "يقظة إسلامية"، وصلت إلى الذروة بالثورة الإيرانية، على الحدود مباشرة مع الاتحاد السوفيتي، الذي كان يأمل أن يخترق الحصار المضروب حوله. وينظر السوفيت إلى الإسلام على أنه الأكثر خطراً أيديولوجياً عليهم، خاصة إذا اتخذ الشكل المتشدد الصارم، كما في الثورة الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى كونِه قوة سياسية معارضة، منتظرة، داخل الاتحاد السوفيتي نفسه؛ إذ يدين به الكثير من سكان الجمهوريات الآسيوية السوفيتية.

وضع الاتحاد السوفيتي أُسساً إٍستراتيجية في المنطقة، لتحقيق أمْنه القومي ومصالحه الذاتية، من خلال تحقيقه للأهداف التالية:

1. منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في النفط، لتأمين نصيب منه، تغطية لحاجة الصناعة المتزايدة، في المستقبل القريب، وتعظيم خسارة الولايات المتحدة الأمريكية، بقدر ما يفوز به من منتجات ونفوذ في المنطقة.

2. توازن النفوذ، بما يسمح له بحرية الحركة في المنطقة، واستمرار الوجود فيها، بشكل أو بآخر (تأييد سياسي ـ مبيعات أسلحة ـ معاهدات صداقة).

3. مواجهة تزايد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وفي المحيط الهندي.

4. العمل على تغيير المنطقة، اجتماعياً وسياسياً وعقائدياً، بما يتماشى مع أهدافه، وتقليصاً للنفوذ الأمريكي فيها.

5. تعظيم الفتور، الذي يسود مجتمعات المنطقة، تجاه الأمريكيين، بسبب تأييدهم، المنحاز، دائماً، إلى مصلحة إسرائيل، في الصراع الدائم معها، منذ عام 1948.

لتحقيق تلك الأهداف الإستراتيجية، استخدم الاتحاد السوفيتي عدة وسائل، عسكرية وسياسية، تمثلت في أعمال قوة المهام الخاصة السوفيتية[15]، والقوة البحرية الضاربة، في المحيط الهندي، وهي ذات أسلحة نووية، وتستفيد من التسهيلات العسكرية، في القواعد والموانئ في بعض الدول المحيطة بالمنطقة، والمرتبطة مع الاتحاد السوفيتي بمعاهدات واتفاقات ثنائية[16]. (انُظر خريطة القواعد والتسهيلات السوفيتية).

واجَه الاتحاد السوفيتي، خلال تطبيق الإستراتيجيات في المنطقة، حرَجاً بالغاً من كلتا دولتَي الصراع في حرب الخليج الأولى، على أساس أن كلا النظامين الحاكمين في الدولتين، يُعَدّ، في مفهومه الأيديولوجي، من النظُم الوطنية، لمعاداتهما للعالم الرأسمالي عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، إضافة إلى إسقاطهما نظامَي حُكم ملكي وإقامة نظامَي حُكم جمهوري وهو نفسه ما قامت به الثورة البلشفية، 1917، عندما أحلت اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، بدلاً من روسيا القيصرية.

من جهة أخرى، فإن كلاًّ من النظامين الحاكمين في إيران والعراق، في هذا الوقت، قام بعدة إجراءات، رآها الاتحاد السوفيتي معادية له. فالعراق لم يشرِك الشيوعيين في الحُكم، بل استبعدهم حزب البعث الحاكم من مفهومه للجبهة الوطنية، الذي تبنّاه منذ عام 1968، وقام باضطهادهم، والتنكيل بهم، وتعقبهم، ومحاولة تصفيتهم[17]. دأب البعث العراقي على انتقاد التقارب السوفيتي ـ السوري، كرد فعل للخلاف بين جناحَي البعث، في العراق وسورية.

وفي إيران، كانت الأمور أكثر تعقيداً، فعلى الرغم من تخلّص الاتحاد السوفيتي من الشاه، الموالي لواشنطن، ووجود نظام حكم جديد معادٍ للأمريكيين، وكان هذا النظام الجديد قد ألغى المحطات الأمريكية للتجسس الإلكتروني، على حدوده مع الاتحاد السوفيتي، التي كانت تكشف التحركات داخل الأراضي السوفيتية[18]، إلا أن هذا النظام نفسه، كان يقوم على أساس عقائدي ديني، متشدد في عدائه للأيديولوجيات الاشتراكية عامة، والشيوعية على وجه الخصوص.

إزاء هذا الواقع، التزم الاتحاد السوفيتي بالاستمرار في موقفه السابق، في المنطقة، من حياد والتزام متحفظ بالحرص على عدم الانحياز العلني إلى أي جانب، خاصة أن قرْب الطرفين من أراضيه، يجعل موقفه أكثر حساسية من موقف الأمريكيين، مع محاولة تجنّب تأثير تطورات الصراع بين الدولتين في مصالحه فيهما وفي المنطقة، أو أن تؤدي إلى إحكام قبضة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة، ودعم وجودها العسكري فيها.

يتفق هذا المنطق مع محاولة ألاّ تصل الحرب إلى نهاية، لمنتصر ومهزوم. فالتعادل هو أفضل البدائل للاتحاد السوفيتي.

رابعاً: الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة

تشكّل المصالح الأمريكية في المنطقة، محور الأهداف الإستراتيجية، التي تحددها الولايات المتحدة الأمريكية لحماية تلك المصالح. ولما كان المَوقع الجغرافي للمنطقة متوسطاً كتلتَي الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، طبقاً للتنظيمات السياسية السائدة، لذا، فإنها تجمَع بين المصالح الأمريكية في الكتلتين، ويجب أن تضع الأهداف الإستراتيجية، في حسبانها ذلك الازدواج، لتحقيق تلك المصالح.

أهداف الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج العربي

حلت الولايات المتحدة الأمريكية محل الإنجليز في المنطقة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كنتيجة حتمية لتعاظم دورها الدولي وتقلّص النفوذ البريطاني، وانحساره، تدريجياً، عن مناطق كثيرة من العالم. وهدفت من ذلك الوجود إلى تحقيق هدفين، هما الأكثر أهمية لأولويات أمْنها القومي:

1. ضمان إمدادات النفط بالكَمّ الكافي لها ولحلفائها، وبالسعر الملائم. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تستطيع أن تقلّل من وارداتها النفطية، وقت الأزمات، بالاعتماد على إنتاجها المحلي، فإن أوروبا واليابان، قد تصابان بضربة اقتصادية قاضية، إذا نفدت تلك الإمدادات، لاعتمادهما عليه بشكل كامل، كما في حالة اليابان، أو بشكل رئيسي، لا يمكِن أن تغطيه من حقولها المحلية، أو من مصادر أخرى، كما في حالة الدول الأوروبية الغربية.

2. حصار الوجود السوفيتي في المنطقة، والعمل على تقليله، ويُعَدّ هذا الهدف امتداداً لإستراتيجية التطويق، التي تتّبعها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، بإقامة سلسلة من الأحلاف العسكرية، تشكل حلقة حصار هائلة حول الاتحاد السوفيتي، لتمنع امتداد نفوذه[19]، أو وجوده، إلى المياه الدافئة ومناطق الصراع الساخنة. وتُعَدّ منطقة الخليج العربي حلقة مهمة لسد الفجوة الواسعة بين حلف الأطلسي، وطرفه الشرقي، تركيا، وحلف جنوب شرقي آسيا، وطرفه الغربي باكستان[20]. وتشكل المنطقة، من وجهة نظر جيوبوليتيكية، الاتجاه المحتمل الوحيد للاختراق السوفيتي إلى المياه الدافئة والمنابع النفطية، وهو ما يحقق له أحلام التوسع والسيطرة القيصرية السابقة، وتوفير القوة الاقتصادية العالمية الهائلة، الملائمة لقدراته العسكرية الضخمة. ويضعف ذلك من إمكانيات المعسكر الرأسمالي، في التصدي للسوفيت، في محاولات الطرفين الهيمنة على العالم.

إضافة إلى الهدفين الرئيسيين السابقين، فإن للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة عدة أهداف ثانوية:

1. تحقيق استقرار لنظُم الحُكم في المنطقة. ويعني ذلك، من وجهة نظر الإستراتيجية الأمريكية، توفير الأمن لكل الدول الخليجية، وهو ما يجعل المناخ، الاجتماعي والسياسي، صالحاً لمقاومة انتشار الأيديولوجية الشيوعية، ويتأت ذلك بحل المنازعات والخلافات المحلية سلمياً، وتحقيق استقرار، اجتماعي وسياسي واقتصادي ملائم لكل دولة على حِدَة، ووأد بؤرة الفتنة وعدم الاستقرار، مبكراً.

2. تأمين طرُق المواصلات البحرية لخام النفط، من مناطق التصدير في الخليج العربي، وحتى مناطق التخزين الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ويستدعي ذلك وجود قواعد، بحرية وجوية، وبرية أحياناً، على طول طرُق المواصلات، وبالقرب منها، للتدخل السريع، ضد أي تهديد، بدءاً من مناطق الإنتاج في حقول النفط الخليجية، وحتى نهاية الرحلة بالموانئ الأمريكية. وقد عقدت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من الاتفاقات الثنائية، توفر لها تسهيلات في الموانئ، على طول طرُق المواصلات البحرية، إضافة إلى ما تقدِّمه الدول المنضمة إلى الأحلاف من قواعد عسكرية للقوات الأمريكية. (اُنظر خريطة القواعد والتسهيلات الأمريكية).

3. إيجاد قواعد أمامية، تساعد القوات الأمريكية على مراقبة التحركات السوفيتية في المنطقة، وتجميع القوات لمهاجمتها من محاور واتجاهات إستراتيجية، غير تقليدية[21].

4. ربط المحيط الهندي بالمحيط الأطلسي، تلقائياً، عند السيطرة على المنطقة، على أساس أنها كتلة إستراتيجية واحدة مترابطة، من الخليج العربي، المرتبط بالمحيط الهندي، إلى البحر الأحمر، المرتبط بالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. وكلا المحيطين يُعَدّ أهم مسارح الصراع البحري مع الاتحاد السوفيتي. والربط بينهما يزيد من مرونة الخطط الإستراتيجية، ويرفع من نسب احتمالات النجاح. (اُنظر شكل مسارح الصراع البرية والبحرية)

لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الأمريكية، رئيسية أو ثانوية، استخدمت واشنطن عدة وسائل، عسكرية وسياسية، متنوعة، ومتغيرة، طبقاً لحاجة الأزمات في المنطقة ومتغيراتها، ودرجة الخطر المحتملة. وتمثلت تلك الوسائل في التدخل السياسي، كوسيط في النزاعات، الإقليمية، والمحلية أحياناً، من طريق الدبلوماسيين والمبعوثين الشخصيين لزعماء المنطقة، وتكثيف الوجود العسكري البحري في المحيط الهندي والخليج العربي[22]، والقيام بمناورات مشتركة مع حلفائها وقوات دول المنطقة بشكل دائم، وانتشار قوة الانتشار السريع، بغرض سرعة التدخل، لتأمين منابع النفط وممرّاته البحرية[23]، والارتكاز على سلسلة من القواعد المتقدمة، بحرية وجوية وبرية، لتوفير الوقت، اللازم لحشد القوات والمعدات، في الدول الحليفة، أو عبْر اتفاقات خاصة.

سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استغلال التناقضات، التي تفرض على الاتحاد السوفيتي الحذر والحرص والحياد، لتحقيق أهدافها، خاصة وأن الثورة الإسلامية الإيرانية، أسفرت عن عدائها للأمريكيين، وأعطت المبرر للتدخل ضدها، بعد حادث اقتحام السفارة الأمريكية، واحتجاز الرهائن بها. ويتفق هدف تلقين الثورة الإيرانية درساً، ذا حدود معينة، مع شعور دول المنطقة من توتر، لمحـاولات تصدير المبادئ الثورية إليها، والأمل أن تعود إيران إلى المعسكر الغربي، لأهميتها في الـرقابـة على الحـدود الجنوبية للسوفيـت (على ألاّ يؤدي ذلك إلى تقسيم إلى إيران عرقياً)، وكذلك يتفق مع أهداف ضرب التقارب العربي ـ الإيراني[24]، وإيجاد بديل إقليمي في المنطقة، بعد انهيار القوة العسكرية الإيرانية، عقب الثورة.

تعطي المبررات والأهداف انطباعاً بالتأييد الصامت، والدعم الأمريكي غير المباشر للعراق، لتصعيد التوتر والنزاع، إلى حدّ الصراع المسلح بين الدولتين.

خامساً: إستراتيجية الدول الصناعية وأوروبا الغربية لاستغلال الأحداث

لا شك أن إمدادات النفط، ستتأثر عند حدوث توتر في منطقة الخليج العربي. وإذا تطورت الأمور وتصاعدت إلى حدّ الصراع المسلح فيها، فقد تنقص بشكل حادّ، ومؤثر جداً في مستوردي النفط.

لا شك أيضاً، أن الدول المستوردة تعرف ذلك جيداً، وتضعه ضمن تقديراتها للموقف. وقد تتخذ من القرارات والإجراءات، ما يضمن لها ثبات إمدادات النفط، لفترة كافية، قد تضطر، بعدها إلى تخفيض استهلاكها منه، وتقييد استخداماته بغية تقليل حاجاتها، وذلك لفترة أخرى؛ وتختلف تلك الفترات من دولة إلى أخرى؛ طبقاً لحجم حاجتها واستهلاكها من النفط، ونشاطها الصناعي والسكاني[25].

إلاّ أن المعروف، ضمناً، أن أيّاً من الدول الكبرى، لن تسمح باستمرار تلك الحالة حتى حدّ الخطر لأنها ستحد من نشاطها الاقتصادي، وتؤثر في نشاطها السكاني بشكل حادّ. لذا، فإنه من الطبيعي، أن معظم الدول الأوروبية، وكذلك اليابان، قد أمنت حاجاتها النفطية، لفترة طويلة، وأصبحت في مأمن مؤقت، من أزمة حادّة في مصادر الطاقة.

وإذا كان كل من أوروبا الغربية واليابان، قد اتخذت من التدابير ما يؤمنها، في حالة نشوب حرب في منطقة الخليج، أو أزمة طارئة، فإن الأولى، كانت تولى الخليج اهتمامات أخرى، خلاف إمدادات النفط. لعل أهمها التركيز في تسويق السلاح في تلك المنطقة، المعروفة بحاجتها الملحّة إلى الأسلحة، وقدرتها العالية على الشراء. إضافة إلى ذلك، فإن وقت الأزمات والتوتر، هو الأكثر ملائمة لزيادة مبيعات الصناعات الاستهلاكية والإنشائية، ومستلزمات الأمن الوقائي، والاستعداد الوقائي بتخزين تلك السلع؛ فهو خير التوقيتات لتصريف المنتجات، حتى إن كانت جودتها دون المعتاد.

من جهة أخرى، فإن رؤوس الأموال، تهاجر، عادة، من مَواطنها إلى الخارج، هرباً من التوتر وعدم الاستقرار. وتسعى الدول الأوروبية الغربية، بطبيعة الحال إلى الاستفادة من هذه الظاهرة، بجذب الكَمّ الأكبر، والمستطاع، من رؤوس الأموال الخليجية، في برامج تنمية واستثمار، سواء في الدول الأوروبية نفسها، أو في مناطق أخرى، بنظام المشاركة.

استثمرت دول أوروبا الغربية تصاعد التوتر في منطقة الخليج العربي إلى جانب القبول الشكلي بسياساتها لدى دول المنطقة، على أساس أنها بعيدة عن مشاكل الاستقطاب والهيمنة اللذين يستدعيهما التعامل مع أحد قطبَي النظام الدولي. وكذا مواقفها الأقل تحيزاً في القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية. وكانت نتيجة ذلك عقدها لكثير من اتفاقات التسليح، وتوريد الأسلحة المتقدمة، نسبياً، وتكنولوجيا النفط إلى بعض دول المنطقة، وعلى رأسها العراق والمملكة العربية السعودية، بحجم كبير من أموال تصدير النفط[26].

يلاحظ، كذلك، زيادة معدلات زيارات المسؤولين الرسميين في دول أوروبا الغربية الرئيسية إلى المنطقة، ودعوة حكام دول المنطقة إلى زيارة أوروبا الغربية. وكان ذلك في الفترة السابقة على الحرب، والأشهر الأولى لاندلاعها، إذ زار المنطقة رئيسة الوزراء البريطانية، مارجريت تاتشر، وأعلنت، خلال زيارتها، التي شملت المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، استعداد بريطانيا لإمداد دول الخليج بما يلزمها من معدات وأسلحة، بما في ذلك طائرات إنذار مبكر بريطانية، من نوع نمرود، للمملكة العربية السعـودية، في حالة عدم موافقة الكونجرس الأمريكي على صفقة الأواكس الأمريكية. وفي الشهر عينه، زار الرئيس الفرنسي، فرانسوا ميتران المملكة العربية السعودية، بُعَيدَ فوزه برئاسة الجمهورية الفرنسية. وكان يهدف إلى تهدئة مخاوف السعوديين، حكاماً ورجال أعمال؛ إذ هو يتزعم الحزب الاشتراكي، ذا الميول التأميمية، ولدى السعوديين رؤوس أموال ضخمة مستثمرة في فرنسا وللتخفيف من الموقف المتشدد في صفقات السلاح، التي يضع لها شروطاً خاصة، لا تستوفيها المملكة العربية السعودية، مما يعني عدم حصولها على الأسلحة، خاصة أنه قد سبق توقيع عقد لتوريد أسلحة فرنسية، في عهد سلفه، الرئيس جسكار ديستان[27]. وفي المقابل، زار كثير من حكام المنطقة الدول الأوروبية الغربية الرئيسية، إذ زار كل من الملك خالد، ملك المملكة العربية السعودية، والشيخ خليفة آل ثاني، أمير قطر، فرنسا. وزار الأمير فهد، ولي عهد المملكة العربية السعودية، بريطانيا ثم فرنسا. ثم زار العاهل السعودي بريطانيا والنمسا، ضمن جولة في أوروبا. وكان أمير الكويت، الشيخ جابر الصباح، أول رئيس دولة خليجية، يزور عدة دول في أوروبا الشرقية. وقد تمت الزيارات كلها في فترة قصيرة، قبْل بدء القتال، أو بعده بفترة وجيزة[28].

عكست الزيارات المتبادلة اهتماماً أوروبياً متزايداً بالمنطقة. وأثارت تساؤلات عن مدى استقلالية أوروبا عن الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان من الواضح أن أوروبا الغربية، كانت تهدف إلى مصالح خاصة، من دون أن تعترض خط الإستراتيجية الأمريكي في المنطقة. فقد لوحظ عدم حدوث زيارات إلى دولتَي الصراع، كما لم يناقش موضوع التوتر والاشتباكات، التي كانت بدأت حدّتها تتزايد على حدود دولتَي الصراع، وإن بدت ظلالها منعكسة على الصفقات، التي أُبرِمَت في ذلك الوقت.

وفي اتجاه الشرق، فإن الطرف الآخر، وهو اليابان، لم يبدِ نشاطاً ذا أهمية للتوتر في منطقة الخليج. فلديه أسواق بديلة لسلعه، كما أنه ليس من الدول المصدرة للسلاح، وليس لديه اهتمامات سياسية، لزيادة نفوذه في المنطقة. لذا، جاءت ردود فعله هادئة، وملائمة لأهدافه.



[1] كان أهم هؤلاء الحكام وأقدمهم إمبراطور إثيوبيا، هيلا سلاسي، الذي أطاحه انقلاب عسكري، في بداية عام 1974، بقيادة الضابط الشاب، منجستو هيلا مريام، الذي كان ذا توجهات يسارية، وقد أسقطه الشعب، ضمن مجموعة المتغيرات ضد الحكم الشمولي، في بداية التسعينيات، شملت العديد من الدول، في أوروبا وآسيا وأفريقية.

[2] انهارت الإمبراطورية النمساوية، وأصبحت شريكاً تابعاً في التكتل الأوروبي. وفقدت بريطانيا وفرنسا مرتبتهما المتقدمة وتراجعتا إلى مصافّ الدول الكبرى فقط. ودخلت الإمبراطورية اليابانية تحت الاحتلال. وقسِّمت ألمانيا إلى شرقية وغربية. واستطاعت إيطاليا، قبَيل نهاية الحرب، إنقاذ نفسها من الاحتلال، بالانقلاب على نظام موسوليني الفاشي وإعدامه.

[3] سميت الكتلة الشرقية (التابعة للاتحاد السوفيتي)، والكتلة الغربية (التابعة للولايات المتحدة الأمريكية).

[4] تقسيم غير رسمي، ديناميكي، متغير طبقاً لدرجة تأثره بالأحداث، أوجد حالة من التوتر شبه الدائم في عدد من مناطق العالم، الأكثر حساسية.

[5] تسبب الوجود السوفيتي في كوبا الشيوعية بما عُرف بأزمة الصواريخ الكوبية، التي كادت تنشب، بسببها، حرب نووية، لولا انسحاب السوفيت، وتفكيك منصات صواريخهم الموضوعة في كوبا (1962).

[6] أنشئ الحلف في 15 مايو 1955. وضم في عضويته: بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبلغاريا ورومانيا وألمانيا الشرقية وألبانيا (خرجت منه عام 1965) والاتحاد السوفيتي. وتفكك الحلف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وشملت قواته حوالى 260 فِرقة (منها 180 فِرقة روسية) وتعدى تعدادها المليونين ونصف المليون جندي.

[7] أكبر حلف عسكري إستراتيجي في التاريخ، وقعت اتفاقية إنشائه في واشنطن، في أبريل 1949. وضم في عضويته 15 دولة، هي الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، كندا، النرويج، الدنمرك، أيسلندا، إيطاليا، البرتغال، هولندا، بلجيكا، لوكسمبرج، اليونان وتركيا (انضمتا عام 1952)، ألمانيا الاتحادية (الغربية)، التي كان انضمامها، عام 1955، سبباً مباشراً لإنشاء حلف وارسو.

[8] منها الجولات العربية الإسرائيلية الأربع (1948، 1956، 1967، 1973) وحرب الخليج الأولى (1980) وحرب اليمن (1962 ـ 1967).

[9] أنشأت تلك الدول، بزعامة مصر ويوغوسلافيا والهند وإندونيسيا، منظمة "مؤتمر دول عدم الانحياز"، في بداية الستينيات. وانضم إليها معظم دول آسيا وأفريقية وأمريكا الجنوبية وبعض الدول الأوروبية.

[10] كان النفط يمثل 45% من استهلاك الطاقة العالمية، عام 1980. تستهلك منه الولايات المتحدة الأمريكية 48%، بينما إنتاجها لا يزيد على 26%. وتستورد أوروبا الغربية 90%، من حاجتها النفطية. في حين وصلت اليابان في نسبة استيرادها للنفط إلى 100% من حاجتها. وتزايدت الطلبات النفطية للكتلة الشرقية، مع انخفاض إنتاج النفط السوفيتي، الذي كانت تعتمد عليه، مع تزايد الطلب على استهلاكه.

[11] كانت الصين، وهي كتلة سكانية بالغة الضخامة، ذات قدرات وإمكانيات عالية، قد بدأت بإتباع سياسة مناوئة للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية معاً. كما تمكن بعض الدول الآسيوية من إنشاء صناعات حديثة، وزيادة معدلات التنمية فيها، مما جعلها قوة اقتصادية منافسة كذلك (لقبت بالنمور الآسيوية. وشملت ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وتايلاند والفيليبين وهونج كونج وتايوان). وقد إسترجعت الصين هونج كونج، في منتصف عام 1997، بعد انتهاء الاتفاقية المبرمة مع بريطانيا في شأنها، وتطالب، كذلك، باستعادة تايوان.

[12] البحار المقفلة، هي بحر أورال، وبحر قزوين، والبحرالميت، والبحار الداخلية (شبه المقفلة) البحر الأسود، الذي يتصل بالبحر الأبيض المتوسط، من طريق مضيقَي البوسفور والدردنيل اللذَين تسيطر عليهما تركيا، العضو في حلف الناتو. والمياه المتجمدة، في المحيط المتجمد الشمالي وبحر البلطيق و بحر أوختسك وبحر بهرنج، والأخيران يقعان شمالي شرقي القارة الآسيوية. كما يشترك بساحل محدود على بحر اليابان، حيث ميناؤه المهم، فيلاديفستوك.

[13] لم يكن الاتحاد السوفيتي يهتم كثيراً بموارد النفط، إذ كان لديه كفاية ذاتية. إلا أنه بالسيطرة على المنطقة، أو جزء منها، سيقترب من المياه الدافئة، ويحرم الغرب نفطه كنتيجة تابعة.

[14] الولايات المتحدة الأمريكية، الصين.

[15] تسمى سبيتيزناز. وكانت تابعة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي. وقوّتها حوالي 250 ألف جندي، بعضها محمول جواً. وهي مدربة على العمليات العسكرية الخاصة، ولا ترتبط بأعمال قتال القوات النظامية، مما يساعدها على البقاء، لفترات طويلة، في أماكن عملها. ومن أشهر ما اضطلعت به تجهيز مسرح العمليات لإنجاح القوات الرئيسية في أحداث تشـيكوسلوفاكيا (1968)، والتدخل لتعويق عمليات إعداد القوات الأمريكية في فيتنام، وتوجيه العمليات العسكرية في الأوجادين، شرق إثيوبيا، واحتلال كابول، العاصمة الأفغانية، وتأمينها. وهي تعمل من قواعد قريبة من المنطقة في جزيرة سقطري اليمنية وعدن، في اليمن الجنوبي (قبْل الوحدة) وتتمتع بتسهيلات عسكرية في إثيوبيا (حوالي 700 كم من الخليج العربي).

[16] في اليمن وإثيوبيا وجزر المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومالاجاش وموزمبيق شرقي أفريقية.

[17] كانت القوانين العراقية تنص على إعدام أي جندي، يضبط لديه منشورات للحزب الشيوعي العراقي.

[18] رأى السوفيت سلسلة الأعمال الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها حادث الرهائن الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران، استنزافاً إستراتيجياً لواشنطن في المنطقة.

[19] حلف شمال الأطلسي، حلف أنزوس، حلف جنوب شرق آسيا.

[20] أنشئ هذا الحلف عام 1954، كميثاق دفاع إقليمي، بين أستراليا ونيوزيلندا والباكستان والفيليبين وتايلاند وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

[21] يُعَدّ مسرح العمليات الأوروبي هو المسرح التقليدي للتصادم مع الاتحاد السوفيتي، الذي كان متوقعاً منذ الحرب العالمية الثانية. كما تُعَدّ منطقة الحدود السوفيتية ـ اليابانية مسرحاً ثانوياً للتصادم، كذلك.

[22] أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قوة بحرية ضاربة لمنطقة الخليج العربي، نواة للأسطول الأمريكي الخامس، تحتوى على 25 قطعة بحرية عسكرية، منها ثلاث حاملات طائرات حديثة وضخمة (إنتربرايز، وكونستليشن، وميدواي) وبعض الطرادات، المجهزة بالصواريخ النووية، والغواصات الذرية، المزودة منصات إطلاق الصاروخ بولارويس (يبلغ مداه خمسة آلاف كم).

[23] أنشئت قوة الانتشار السريع الأمريكية عام 1980، واتخذت لها قاعدة دائمة في ماكدويل، في ولاية فلوريدا الأمريكية، على الساحل الشرقي للدولة. وشملت الفِرقة 82 المظلية، والفِرقة 101 الاقتحام الجوي، ولواء قوات خاصة، وكتيبة مشاة بحرية (مارينز). ويدعمها الأسطولان، الخامس والسابع الأمريكيان بحاجتها إلى المجهود، البحري والجوي، للمساندة. وتعتمد على المخازن الإستراتيجية للمعدات والأسلحة في جزيرة ديجوجارسيا وإسرائيل (طبقاً لاتفاقية التعاون الإستراتيجي، في عصر الرئيس الأمريكي، ريجان).

[24] التقارب بين الثورة الفلسطينية والثورة الإيرانية.

[25] قد تتضمن تلك الإجراءات تخزين احتياطي إستراتيجي من النفط، يكفي لعدة أشهر، وتنويع مصادر الشراء من مناطق مخـتلفة، وزيادة احتياطيها المؤكد من آبارها الخاصة، إذا كانت من منتجي ذلك الخام، أو الاعتماد على بديل من النفط، طيلة فترة الأزمة، وإن كان أكثر نفقة، مثل الطاقة النووية والفحم مثلاً.

[26] حصلت أوروبا الغربية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا الغربية، على عقود ضخمة لتوريد السلاح إلى دول المنطقة. منها عقد بقيمة 3.5 ملايين دولار مع فرنسا، لتطوير البحرية، في المملكة العربية السعودية.

[27] 20% من صادرات فرنسا من الأسلحة، تتجه إلى المملكة العربية السعودية. واستوردت منها 35,4% من وارداتها النفطية، عام 1980. وقد ازدادت إلى 51%، في النصف الأول من عام 1981، أي قبل نشوب حرب الخليج الأولى مباشرة.

[28] زار المنطقة، كذلك، اللورد كارينتون، وزير خارجية بريطانيا، وهو يشغل، كذلك، منصب رئيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية.