إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث السابع عشر

نتائج التدخل الدولي لوقف القتال

كانت وجهتا النظر، العراقية والإيرانية، متباعدتَين. فكلٌّ منهما تطالب بوقْف إطلاق النار، طبقاً لشروطها الخاصة. وكانت إيران أكثر تطرفاً في مطالبها. بينما كان العراق أكثر طلباً لوقف القتال، وأكثر عرضاً للمبادرات، في هذا المجال. ويعرض هذا الموقف نتائج القتال الدائر. فإيران تحتل أرضاً عراقية، من دون أن تستطيع حسم القتال في مصلحتها. والعراق لديه القوة على الاستمرار في القتال، من دون أن يغيّر الموقف. وكلٌّ منهما يصوغ مطالبه وفق موقفه العسكري وتطلعاته المستقبلية، في ضوء إمكاناته المتاحة.

استمراراً للدور العراقي، المتخذ في ذلك الشأن، قدّم صدام حسين، في بداية عام 1987، عرضاً جديداً، لوقف إطلاق النار مع إيران، من 5 نقاط:

1. انسحاب القوات الشامل، وغير المشروط، إلى الحدود الدولية المعترف بها.

2. التبادل الشامل والكامل للأسرى.

3. توقيع اتفاقية سلام وعدم اعتداء، بين الدولتَين.

4. عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعلى كل بلد أن يحترم الاختيارات، التي يقبلها شعب البلد الآخر.

5. كون إيران والعراق عنصراً إيجابياً يحقق الاستقرار والأمن، في منطقة الخليج.

لم تقبل إيران العرض العراقي، الذي لم يأتِ بجديد عما سبقه من عروض ومبادرات، فقد كانت شروط إيران، لوقف إطلاق النار، ذات نظرة مغايرة. فهي تصرّ، أولاً، على إبعاد الرئيس العراقي صدام حسين عن الحكم، وبإلزام العراق، ثانياً، بتعويضها عن أضرار الحرب، والتي قدرتها بحوالي 5 مليارات دولار، على أساس أن العراق كان البادئ بالقتال، والمطالبة، ثالثاً، بوقف جزئي لإطلاق النار؛ إذ يهتم قادتها بوقف قصف المدن، لإبعاد الأذى عن المدنيين، ما دام تحقيق الشروط الكاملة غير ممكن.

أدى تصعيد القتال بين الطرفَين واتساعه، في مسرح العمليات البحري، إلى تدخّل الدول العظمى وغيرها، والتي سارعت إلى إرسال قطعها البحرية العسكرية إلى المنطقة، لضمان استمرار تدفّق النفط إليها. وإزاء تزايد الوجود العسكري الأجنبي، أصبح من الممكن اتساع نطاق الحرب، بدخول أطراف أخرى فيها، لحماية مصالحها؛ وهو ما كان يخشاه الجميع. لذلك، بذلت أطراف متعددة جهوداً، سياسية ودبلوماسية، للتوصل إلى صيغة ملائمة، ومقبولة، لوقف إطلاق النار، والتفاوض، لحل المشكلة سلماً.

كانت الجهود، الدولية والإقليمية، الرامية إلى وقف الحرب، ذات صبغة جماعية، في إطار المنظمات المهتمة بأمن المنطقة. على الصعيد العالمي، كانت الأمم المتحدة، وإقليمياً كانت جامعة الدول العربية، ناهيك جهود مجلس تعاون دول الخليج العربية، ودول المؤتمر الإسلامي.

أولاً: جهود الأمم المتحدة في وقف القتال

مع بداية عام 1987، دعا السكرتير العام للأمم المتحدة، إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن، على مستوى وزراء الخارجية، في محاولة لإنهاء الحرب في الخليج. وأرسل مقترحاته في هذا الشأن، إلى الدول الخمس عشرة، الأعضاء في المجلس. وقد تضمنت 8 نقاط:

1. تشكيل لجنة متخصصة، لتحديد المسؤول عن بدء الحرب تحديداً موضوعياً وحيادياً.

2. إجراء تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيماوية.

3. التوصل إلى صيغة، لتحقيق وقف إطلاق النار.

4. ضمان حرية الملاحة في مياه الخليج، ووقف حرب الناقلات، والامتناع عن التعرض للسفن التجارية، في المنطقة.

5. تعيين الحدود الدولية بين العراق وإيران، وتسوية مسألة انسحاب قوات الدولتَين إليها.

6. تسوية مشكلة الأسرى، المحتجزين لدى الجانبَين.

7. دراسة فرض الحظر على شحنات الأسلحة إلى الدولتَين، ريثما يُتَوصل إلى تسوية سلمية بينهما.

8. إيجاد الإطار والأجواء الملائمَين، لإجراء مفاوضات سلام، بين العراق وإيران.

حتى منتصف عام 1987، لم يؤدِّ اهتمام السكرتير العام، أو اجتماعات مجلس الأمن، إلى نتائج ذات أهمية، وعلى أثر الهجوم الجوي العراقي على الفرقاطة الأمريكية، ستارك، وما أعقبها من إمكانية تدخّل دولي في الحرب، يهدد أمن العالم، كثف السكرتير العام مشاوراته مع رؤساء الوفود للدول الكبرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن[1]، وبُحث الإعداد لمشروع قرار، يعرَض على المجلس، لإنهاء حرب الخليج.

بحثت صياغة مشروع من مرحلتَين. يوجِّه المجلس، في أولاهما، نداء جديداً، لوقف القتال، على أساس الخطوط العريضة لقرار المجلس الرقم 582، الصادر في فبراير 1986. وفي حالة رفض أي طرف النداء، فإن المجلس، في المرحلة الثانية، يقرر فرض عقوبات إلزامية على الطرف الرافض.

وعلى الرغم من اختلاف الدول الخمس، حول المرحلة الثانية، إجراءات العقوبات، التي كان من المتوقع أن توجَّه ضد إيران لكونها الطرف الرافض، كما كان منتظراً. إلا أن المجلس استطاع، بالإجماع، إصدار قراره الرقم 598، في 20 يوليه 1987، الذي تضمن:

1. يطالب مجلس الأمن، كخطوة أولى، تجاه تحقيق تسوية، من طريق التفاوض، أن تلتزم إيران والعراق بوقف إطلاق النار، من الفور. ووقف جميع الأعمال العسكرية، في البر والبحر والجو. وسحب جميع القوات، بلا إبطاء، إلى الحدود المعترف بها دولياً.

2. يدعو المجلس السكرتير العام الأمم المتحدة، إلى إيفاد فريق من مراقبي الأمم المتحدة، للتحقيق والتأكد من وقف إطلاق النار والانسحاب، والإشراف عليهما. ويطالب السكرتير العام بأن يتخذ الترتيبات اللازمة، بالتشاور مع الطرفين، وأن يقدّم تقريراً، حول ذلك، إلى مجلس الأمن.

3. يدعو المجلس إلى الإفراج عن أسرى الحرب، وإعادتهم إلى وطنهم، دون إبطاء، بعد وقف الأعمال العدائية الفعلية، وفقاً لاتفاقية جنيف الثالثة.

4. يطالب المجلس إيران والعراق، أن تتعاونا مع السكرتير العام على تنفيذ هذا القرار، وعلى جهود الوساطة، الرامية إلى تحقيق تسوية شاملة وعادلة.

5. مطالبة جميع الدول الأخرى بأن تمارس أقصى قدر من ضبط النفس، وأن تمتنع عن أي عمل، قد يؤدى إلى تصعيد الحرب، وتوسيع رقعتها.

6. يدعو المجلس السكرتير العام، إلى استطلاع مسألة تكليف هيئة محايدة، بالتشاور مع العراق وإيران، للتحقيق في المسؤولية عن النزاع. وأن يقدّم تقريراً، حول ذلك، في أقرب وقت ممكن.

7. يقر المجلس بضخامة الخسائر، التي أسفرت عنها الحرب، والحاجة إلى بذل جهود كبيرة في التعمير، بمساعدات دولية ملائمة، وقتما يتوقف القتال.

8. يدعو المجلس السكرتير العام، إلى بحث التدابير الكفيلة بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بالتشاور مع إيران والعراق، ودول أخرى في المنطقة.

9. يدعو المجلس السكرتير العام، إلى إطلاعه على سَيْر عمليات تنفيذ القرار.

10. يقرر المجلس الاجتماع، من جديد، في حالة الضرورة، لبحث إمكانية اتخاذ تدابير جديدة، لضمان الالتزام بالقرار.

رحّب العراق، رسمياً، بالقرار. وأبدى استعداده للتعاون مع الأمم المتحدة على تنفيذ القرار، مشترطاً أن تعلن إيران موافقتها الرسمية، كذلك. في حين لجأت إيران إلى المراوغة؛ فلم تعلن موافقتها، صراحة. كما لم ترفض القرار، نصاً. وأعلن مندوبها لدى الأمم المتحدة، أن بلادة لم تقبل، ولم ترفض القرار، الذي يتصف بالتحيز إلى العراق. وما لبث رئيس الدولة ووزير خارجيتها، أن أكدا رفضهما للقرار.

بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إجراء اتصالات عديدة مع أعضاء مجلس الأمن، لاستصدار قرار آخر، في شأن تطبيق عقوبات على إيران، يتضمن حظر مبيعات الأسلحة لها. ورأى الاتحاد السوفيتي التريث، وإعطاء طهران مهلة أكبر، خاصة بعد دعوتها السكرتير العام للأمم المتحدة إلى زيارتها، للتشاور. وقد قبِل مجلس الأمن الرأي السوفيتي، وأجّل مشاوراته حول الحرب، لإجراء مزيد من الاتصالات مع إيران.

أيدت الدول الأعضاء في مجلس الأمن، زيارة السكرتير العام كلاًّ من إيران والعراق، لبحث كيفية تنفيذ قرار المجلس. وكان رد الفعل مشابهاً لرد الفعل عند صدور قرار مجلس الأمن. فقد رحّب العراق بالمهمة. بينما أصرّ الإيرانيون على أن يكون بحث تطبيق القرار، مرتبطاً بالبحث في أن العراق، هو الطرف المعتدي. وعلى الرغم من التشدد الإيراني، إلا أن مطالب طهران، كانت تعني موافقتها على إيقاف إطلاق النار، ضمناً، وهو ما استند إليه أعضاء مجلس الأمن، للاستمرار في تكليف السكرتير العام للمنظمة الدولية، باستئناف الجهود، الرامية إلى تحقيق السلام بين البلدَين. واضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الرضوخ والموافقة على ذلك، مرجئة اقتراحاً بفرض حظر شامل على إمداد إيران بالأسلحة، ريثما يتضح ما ستسفر عنه الجهود الدولية.

باحث السكرتير العام للأمم المتحدة المبعوث الإيراني، نائب وزير الخارجية، في أسلوب تطبيق القرار الرقم 598. ولكن الموقف الإيراني المتشدد لم يتغير. وهو ما حدا به على إيذان الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بتوقف المهمة، بعد خمسة أشهر غير مثمرة. ترتب على ذلك معاودة الضغط الأمريكي على المجلس، لاستصدار قرار، في شأن معاقبة إيران. وقبل أن ينتهي عام 1987، أصدر المجلس، في 24 ديسمبر، بياناً، أكد فيه التصميم على اتخاذ إجراءات (لم توضح نوعيتها) لإلزام طرفَي الحرب بقبول قراره الرقم 598.

مع بداية العام الجديد (1988) ظل الحِوار سجالاً، في المجتمع الدولي، واتسم بالجدل العنيف، حول حظر السلاح على إيران، لتعنتها، وعدم تجاوبها مع المنظمة الدولية، وللضغط عليها، سياسياً، لقبول القرار. تزامن ذلك مع ضغوط إقليمية، خليجية على وجه الخصوص، على الاتحاد السوفيتي، للتعاون على استصدار قرار الحظر، ولا سيما أن أوضاعه، لم تكن على ما يرام، في الصراع الدائر في أفغانستان، والذي يشارك فيه بقوه مسلحة ضخمة، أثارت عليه غضب العالم.

كان الاتحاد السوفيتي، يبرر عدم موافقته على استصدار حظر بيع السلاح لإيران، بصعوبة تنفيـذ مثـل هـذا القـرار؛ لأن معظم مورِّدي الأسلحة، هم من الشركات، وليس الحكومات، وهي لا تخضع إلا لمكاسبها الخاصة. كما أن بعضاً من الدول الغربية، لديها عقود تسليح مع إيران، مما يجعل مثل هذا القرار غير ذي مصداقية. من جهة أخرى، فإن الاتحاد السوفيتي كان يرمى بتعطيله مثل هذا القرار، إلى بحث اقتراح آخر ذي أهمية خاصة لنفوذه في المنطقة، وهو في خصوص إنشاء قوة دولية بحْرية، تحت علم الأمم المتحدة، لحماية الملاحة في الخليج، تحل محل الوجود الغربي فيه. ومن جهة ثالثة، فإن تعطيل حظر مبيعات الأسلحة لإيران، قد يكون مقايضة بعدم تدخّل إيران في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وعدم تعطيل انسحابه منها، الذي بدأ منذ منتصف مايو[2].

ثانياً: جهود جامعة الدول العربية في وقف الحرب

بُذلت الجهود العربية في إطار جامعة الدول العربية. وقد وُكل إلى وزراء الخارجية العرب بحث الجهود الممكنة في وقف الحرب، بين العراق، الدولة العربية، وجارتها إيران.

بحث وزراء الخارجية العرب تطورات الحرب، في اجتماع طارئ، في تونس، في أغسطس 1987. وبُحِثَ فيه قطع العلاقات الدبلوماسية بإيران. ثم أرجئ ذلك إلى الاجتماع العادي المقبل (20سبتمبر)، انتظاراً لمشاورات السكرتير العام للأمم المتحدة مع إيران، وترقب ما ستسفر عنه. وهو ما يعنى موافقتهم على إعطاء إيران مهلة للموافقة على قرار مجلس الأمن، وإعطاء اللجنة السباعية لوزراء الخارجية العرب، كذلك، فرصة لمزيد من الجهود. من جهة أخرى، فإن التأجيل كان الحل الأمثل، لعجز المجلس على اتخاذ قرار موحَّد، نظراً إلى انقسام أعضائه، بين مؤيد للعراق ومؤيد لإيران، أو غير مبالٍ[3].

لم يسفر الاجتماع العادي لوزراء الخارجية العرب، في سبتمبر 1987، عن جديد. ولم يستطع توحيد موقف الدول العربية من إيران، وإن اتُّفِق على عقد مؤتمر قمة عربي طارئ، هددت سورية وليبيا بمقاطعته، إذا كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية، هي محوره الوحيد. ووافقت دول الخليج العربية على توسيع جدول أعماله، ليشمل بحث الأخطار، التي تواجه الأمة العربية.

عقد مؤتمر القمة العربي الطارئ، في عمان، في نوفمبر 1987. وعكس قلق القادة العرب من الحرب المستمرة، ودانوا التشدد الإيراني، ورفضه وقف الحرب، وتماديه في تهديد دول الخليج العربية، والإضرار بمصالحها وأمنها. وطالبوا إيران بقبول القرار الرقم 598 لمجلس الأمن وتنفيذه. كما وجهوا نداءً إلى المجتمع الدولي، لتحمل مسؤولياته، والضغط على إيران، لحملها على الموافقة على مطالب السلام.

لم يشِر البيان الختامي لمؤتمر القمة إلى أي إجراءات مضادّة لإيران، في حالة عدم استجابتها. واقتصر على الإدانة الجماعية، الصادرة عنه. كما لم يشِر إلى أي إجراءات، يفهم منها استعداد تلك الدول لمتابعة استجابة إيران لقرار مجلس الأمن الرقم 598، أو الإعداد لعقاب ما، في حالة عدم استجابتها.

ثالثاً: جهود مجلس تعاون دول الخليج العربية في وقف الحرب

كانت الدول العربية الست، أعضاء مجلس التعاون الخليجي، هي أكثر الأطراف تضرراً من تلك الحرب، لقربها منها، ولتداخل المصالح المشتركة في الخليج. وكانت الأضرار، في معظمها، مادية، مؤثرة، بشدة، في اقتصاديات هذه الدول، سواء من جراء حرب الناقلات، أو كميات النفط الزائدة، التي تعرضها الدولتان في السوق الدولية، لتغطية نفقات الحرب؛ والتي تؤثر في أسعاره، سلباً، في الأسواق العالمية، أو اضطرار تلك الدول إلى شراء مزيد من الأسلحة المتطورة، الباهظة الثمن، لحماية أمنها، المهدَّد، كذلك، من قِبل إيران، التي كانت قد بدأت تتعرض للأراضي الكويتية، بالقصف، الصاروخي والمدفعي، من شبه جزيرة الفاو المحتلة، وكذلك للسفن الخليجية، والمنشآت العربية النفطية في الخليج. وكان أمن تلك الدول مهدداً، كذلك، من الوجود العسكري الأجنبي الضخم في الخليج. وهو وإن كان ما زال في مياه الخليج الدولية، إلا أنه سيسعى، بالتأكيد، إلى تأمين مناطق الإنتاج والشحن لخام النفط، إذا أحس بتهديد مصالحه فيها، وهو ما يعني احتلال تلك المناطق، لحمايتها.

في ظل هذا التوتر، والتهديدات المتواصلة، سعى مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وكانت الدولتان المتحاربتان تعارضان إنشاءه، أصلاً، لعدم السماح لهما بالانضمام إليه، والعضوية فيه سعى إلى وقف الحرب، بدءاً بعدة تصريحات للمسؤولين في دول المجلس، حول ضرورة إيقاف القتال، والتوصل إلى حل سلمى.

شهدت اجتماعات المجلس، على مستوياته كافة، مناقشات وبحثاً في سُبُل إنهاء القتال. كما صدرت عنه عدة بيانات، حول ذلك. ففي فبراير 1987، أصدر المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي بياناً، يؤكد فيه ضرورة إيقاف القتال. وفي سبتمبر من العام نفسه، دعا وزراء خارجية المجلس إيران إلى الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 598، حؤولاً دون التدخل الأجنبي في المنطقة، وإسهاماً في الاستقرار والسلام فيها. وأبدى المجلس استعداد دوله الست لدعم مهمة السكرتير العام للأمم المتحدة، السلمية. وفي أكتوبر، أصدر المجلس بياناً، حذر فيها إيران من مغبة اعتداءاتها على دول الخليج العربية، ولوّح باحتمالات فرض مقاطعة عربية جماعية. وفى ديسمبر 1987، قرر اجتماع القمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، أن يضطلع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمهمة وساطة، للتوفيق بين المطالب الخليجية العربية والدوليتَين المتحاربتَين. ودعا المجلس، في بيانه الختامي، قادة العالم، من طريق الأمم المتحدة، إلى تطبيق قرارها، وقف إطلاق النار، وتحمّل مسؤولية الخطوات المؤدية إلى تنفيذ ذلك القرار.

كانت الدول العربية الخليجية، تطالب إيران بالالتزام بمبادئ حُسن الجوار، والاحترام المتبادل، وحماية المصالح المشتركة في المنطقة. إلا أن طهران، كانت تتمادى في التعرض لتلك الدول، وتضر بأمنها، وتصعد من أعمالها، الحربية والسياسية، ضدها. فقد هاجمت بعض الوحدات العسكرية الكويتية، في الجُزُر القريبة (بوبيان)، وأطلقت صواريخها على المدن الكويتية، وشجعت بعض المتطرفين على خطف طائرة ركاب كويتية، في 14 أبريل 1987 وأطلقتهم بعد هبوطهم مطار "مشهد" الإيراني[4]. كما شنت هجوماً، بالزوارق، ضد سفن دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعض منشآتها النفطية. وحرضت الشيعة، في البحرين والكويت، على إثارة الشغب، وتفجير المنشآت الحيوية فيهما. وهاجمت السفن السعودية، كذلك، في مياه الخليج، وأثارت شغباً في موسم الحج، عام 1987، ثم اعترضت على تحديد السلطات السعودية عدد الحجاج الإيرانيين، في العام التالي[5].

رابعاً: جهود منظمة المؤتمر الإسلامي في وقف القتال

لكون الدولتَين المتحاربتَين من الدول الإسلامية، الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد سعت المنظمة إلى إيقاف القتال بينهما، ومحاولة حل المشكلة، سلماً، من خلال مؤتمرات تلك المنظمة، على مستويي القمة ووزراء الخارجية.

قاطعت إيران القمة الإسلامية، التي عقدت في الكويت، في بداية عام 1987. وحضرت مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، في مارس من العام نفسه، الذي لم يسفر عن قرار حاسم في شأن الحرب، على الرغم من انسحاب الوفد الإيراني، برئاسة مدير في وزارة الإرشاد الإسلامي، بعد إثارته خلافات مع معظم الوفود العربية.

طُرح في المؤتمر مشروعان. يحث الأول إيران على قبول وقف إطلاق النار، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 598. ودعا الثاني الدول المجتمعة إلى الموافقة على المقترحات السعودية، لتوفير الأمن، أثناء أداء مناسك الحج. إلا أن المؤتمر، أقر بأنه "لا مجال للقيام بمحاولة للوساطة بين العراق وإيران، وليس هناك نية لقيام اللجنة السباعية بالوساطة بين البلدَين"[6].

خامساً: نتائج الجهود المبذولة في وقف القتال

اعتمدت كل الجهود على المساعي السلمية، الدبلوماسية، لتحقيق السلام، ووقف القتال. وهو ما كان ينقصه مصداقية رادعة، حتى يقبل الطرفان تلك الجهود. فكل الجهود، وإن كانت في أُطُر جماعية لمنظمات، دولية وإقليمية، إلا أنها ابتعدت عن الإشارة إلى إجراءات، تعاقب الطرف الرافض لوقف إطلاق النار. حتى قرار مجلس الأمن الرقم 598، الذي يُعَدّ القرار الوحيد في هذا الشأن، خلا من تلك الإجراءات الرادعة، واقتصر على التهديد ببحث الأمر، عند الرفض. من جهة أخرى، فإن كل الجهود، كانت تدعو إيران، بصفتها الطرف المتشدد في وقف القتال، إلى الالتزام بقرار مجلس الأمن الرقم 598. ولم يصدر من أي منظمة إقليمية قرار آخر، يعالج الحالة، ويوفّق بين وجهتَي نظر الدولتَين، بل إن المنظمات الإقليمية، كانت تشفع مطالبها من الدولتَين المتحاربتَين لوقف القتال، في إطار القرار الرقم 598 لمجلس الأمن، بدعوة المجتمع الدولي إلى بحث إمكانات تنفيذ القرار وسُبُل ذلك. وأصبح، بذلك، تنفيذ القرار المذكور، هو السبيل الوحيد لوقف القتال، ولا سيما أن طرفَي النزاع، عجزا عن حسمه، عسكرياً.



[1] هي الدول النووية: الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا، الصين.

[2] كانت الصين مؤيدة للموقف السوفيتي، في شأن عدم إصدار قرار حظر بيع الأسلحة لإيران، لكونها مستفيدة من الأوضاع الحالية.

[3] كانت سورية وليبيا والجزائر، تؤيد إيران.

[4] أقدم على الاختطاف مجموعة من الشيعة اللبنانيين، المواليين لإيران، من حزب الله.

[5] استغلت المملكة العربية السعودية الموقف الإيراني في الحرب، والعلاقات بمعظم دول العالم، وردت على رفضها تحديد عدد الحجاج الإيرانيين، بقطع العلاقات الدبلوماسية بها.

[6] تصريحات طاهر المصري، وزير خارجية الأردن، عقب انتهاء المؤتمر.