إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث التاسع عشر

نتائج قبول الطرفَين وقف القتال

عرض العراق عدة مبادرات، لوقف القتال مع إيران، بعد أن فشل هجومه الكبير الأول، الذي استهل به الحرب، في أغسطس 1980. ورفضت إيران تلك العروض؛ إذ كانت كفتها راجحة في الحرب. وكان لديها أطماع إقليمية، يمكنها أن تحققها، من خلال انتصارها في النزاع. كما كانت فورة الثورة الإسلامية في قِمتها، والحماسة لها في أوجها، داخل إيران.

تدخلت أطراف عديدة، للتوفيق بين الدولتَين. وبذلت مساعي دبلوماسية، لتقريب وجهات النظر، وإزالة أسباب الخلاف. بعضها كان فردياً، بمبادرة من رئيس دولة ذي علاقة جيدة بالدولتَين. وبعضها كان جماعياً، من خلال منظمة ذات علاقة مشتركة بين الدولتَين، أسفرت اجتماعاتها عن قرار حول إيفاد لجنة متعددة العضوية، لبذل المساعي الحميدة. وانتهت الجهود الدبلوماسية إلى نشاط دولي، أسفر عن قرار لمجلس الأمن الدولي (القرار الرقم 598)، يلزم الدولتَين بإيقاف إطلاق النار، وسحب القوات إلى الحدود الدولية المعروفة، وبدء التفاوض بينهما لحل مشاكلهما، وهو ما قبِله العراق، ورفضته إيران، في حينه.

أولاً: تغيُّر الموقف العسكري، وانعكاسه على القرار السياسي الإيراني

تحول مسار الحرب، منذ بداية عام 1988، فرجحت كفة العراق فيها، بعد أن استنزفت إيران قواها البشرية، المتفوقة عددياً، في هجمات، فشل معظمها، ونجح بعضها، بخسائر فادحة. واستعاد العراق المبادأة، فشن هجمات متتالية، كان أكثرها أهمية:

1. في 16 أبريل، معركة "رمضان مبارك"، التي تحرر فيها شبه جزيرة الفاو. واستغرقت 35 ساعة قتال.

2. في 4 مايو، معركة "توكلنا على الله" الأولى، التي كان هدفها تحرير شلامجة وكوم السوادي. وانتهت بالنصر، بعد 8 ساعات قتال.

3. في 25 يونيه، معركة "توكلنا على الله" الثانية، التي حررت جُزُر مجنون، وأنهت الوجود الإيراني، في القطاع الجنوبي من الجبهة العراقية.

4. في 30 يونيه، معركة "محمد رسول الله"، بداية تحرير المرتفعات الجبلية الشمالية، التي انتهت بخسارة إيران المناطق، التي سبق اكتسابها، في القطاع الشمالي.

حتى 13 يوليه 1988، اقتصرت أعمال العراق القتالية على هجمات، لاسترداد أراضيه. كانت تتوقف بوصول قواته إلى الحدود الدولية. وعلى الرغم من نجاح العراق في استرداد معظم أراضيه، في هذه المعارك، إلا أن القيادة السياسية الإيرانية، دأبت على رفضها قبول وقف إطلاق النار، في إطار قرار مجلس الأمن، الرقم 598، أو أي مساعٍ دبلوماسية أخرى؛ إذ كانت تنتظر تغيّر الموقف في مصلحتها، مرة أخرى، بعد أن تعيد تنظيم قواتها، وتسترد قوّتها العسكرية.

وبدءاً من 13 يوليه 1988، غيَّر العراق من إستراتيجيته، وبدأت قواته تتعقب القوات الإيرانية المنسحبة، وتطاردها داخل الأراضي الإيرانية. ففي القتال في منطقة الزبيدات، في القطاع الأوسط من الجبهة، واصلت القوات العراقية قتالها، وتقدمت داخل الأراضي الإيرانية، واقتحمت الدفاعات الإيرانية، واستولت على مدينة دهلران. بل إنها أشركت معها مقاتلين من المعارضة الإيرانية (جيش التحرير الإيراني، التابع لمنظمة مجاهدي خلق، المعارضة).

أدى تطور أسلوب العراق في إنهاء القتال، بدخوله الأراضي الإيرانية، إلى إحداث ضغط داخلي، تفجر في مظاهرات شعبية، نددت بتخاذل الجيش وضعفه، وطالبت بوقف القتال. من جهة أخرى، تفهّم قادة إيران الرسالة العراقية، وخشوا من استيلاء العراق على قطاعات أخرى، أكثر أهمية، مع الحالة التي تردت إليها القوات المسلحة النظامية، والجيش الثوري، وفقدهما معظم الأسلحة الرئيسية.

بادرت إيران إلى سحب قواتها من منطقة حلبجة وحاج عمران، العراقية، التي كانت تحتلها منذ سنوات، إثباتاً لحسن نياتها. ثم أعلنت قبولها وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن، الرقم 598. وهي الخطوة الأولى لإنهاء الحرب.

ثانياً: استمرار الاشتباكات المسلحة، على الرغم من توقف القتال

يتطلب قرار وقف إطلاق النار فترة زمنية، ريثما ينفَّذ تنفيذاً كاملاً. وخلال هذه الفترة، تستمر الأعمال القتالية بالقوة والعنف أنفسهما، ولكن لتحقيق أهداف محدودة. يكون الهدف من الأعمال القتالية، عقب قبول وقف إطلاق النار مباشرة، تحسين الموقف العسكري، باكتساب بعض الأرض المهمة، أو تعديل الأوضاع على خطوط القتال، بما يسمح لوفد التفاوض بالتشدد، لإحراز مكاسب سياسية، استناداً إلى الموقف العسكري المتغير[1].

وانطلاقاً من هذا المفهوم، خاض الطرفان صراعاً مسلحاً، منخفض المستوى. فالقيادة الإيرانية، كانت تحاول استعادة مصداقيتها لدى الشعب، وحثه على التطوع، لزيادة حجم قواتها، حتى تكون قادرة على رفض القيود، التي قد تُفرض عليها، مستقبلاً، أثناء التفاوض. والقيادة العراقية، استغلت الموقف لتحسين وضع قواتها على خط الجبهة، باحتلال المناطق المشرِفة والسيطرة على الطرق، وتقوية الدفاعات.

كانت الأوضاع، عند وقف إطلاق النار، تهدد النجاح في صموده حتى بدء المفاوضات. إذ كانت مَواقع الطرفَين الدفاعية المتقابلة، متقاربة جداً، بلغت أحياناً، عدة أمتار، وفي بعض منها عشرة أمتار فقط، حتى ليمكن المقاتل، أن يحس بحركة نظيره، في المَوقع المقابل، بل يسمعه، بوضوح. وهو ما يرفع درجة التوتر، عند سماع الصوت، أو عند توقفه.

انتشر على المَواقع الدفاعية ظاهرة رفع الأعلام عالياً، لتأكيد المدى، الذي وصلت إليه القوات. فقد كانت هذه الأعلام مرفوعة على الخنادق الأولى، في المَواقع الأمامية، وكثيراً ما أثار تعديل مكان العلم، أو رفعه على صارية أعلى، اشتباكاً محدوداً، بل كثرت الشكاوى من الطرفَين، حول الاشتباكات بين مَواقعهما المتقابلة، لفترة محدودة. إلاّ أنهما حافظا على سريان وقف إطلاق النار، الذي أصبح يعني عدم تجاوز القوات خط الجبهة، أو اللجوء إلى الأسلحة الثقيلة.

ثالثاً: تأثير الموقف العسكري، عند توقف القتال، في الموقف السياسي

كان الموقف العسكري، قبْل وقف القتال، معقداً جداً؛ فقوات كلٍّ من الطرفَين، تخترق أراضي الخصم، بدرجات متفاوتة. ناهيك الوجود العسكري الأجنبي المتزايد، في مياه الخليج العربي. كما كانت دول الخليج العربية، الست، في موقف عسكري صعب، لقربها الشديد من مسرح القتال، ووجود مصالح للمجتمع الدولي في أراضيها، تتمثل في إنتاجها النفطي. وتوقّع كلٍّ من طرفَي الصراع أن تؤيده هذه الدول، وتفسيره الحياد بينهما بالميل إلى الطرف الآخر. إضافة إلى أن القوة العسكرية لكل دولة خليجية عربية، منفردة، أو للدول الست، مجتمعة، لا يمكن مقارنتها بأي من قوة جارتيها، فكلتاهما تتمتع بتفوق بشري، وإن كانت إيران راجحة فيه. وكلٌّ منهما، ولا سيما العراق، زادت حجم قواتها المسلحة، لمواجهة أعباء الحرب، لتتعدى الحجم المعتاد لقوة مسلحة، منسوبة إلى حجم شعب.

1. الموقف العراقي

تمكنت القوات العراقية من إحراز عدة انتصارات، في وقت قصير، لم يتعدَّ منتصف عام 1988، وأجبرت تلك الانتصارات، بنتائجها القوية، إيران على قبول وقف القتال.

كما أدت انتصارات العراق إلى استعادته كافة أراضيه المحتلة، عدا منطقة محدودة، في الشمال، حول الحاج عمران. كما بادرت القيادة السياسية إلى إظهار حُسن نياتها تجاه السلام، فسحبت القوات العراقية من المناطق، التي كانت تحتلها في الأرض الإيرانية.

إلاّ أن هذا الموقف العسكري، انعكس، سلباً، على الموقف السياسي العراقي، على الرغم من التفوق العراقي في المعارك الأخيرة، وهو ما ظهر في:

أ. عدم تحقيق العراق لأي من مطالبه في بداية الحرب.

ب. صعوبة استثمار العراق نصره العسكري.

ج. صعوبة العودة إلى استئناف القتال.

2. الموقف الإيراني

انهارت القوات المسلحة الإيرانية (النظامية والثورية)، في المراحل النهائية للحرب. كما فقدَ تهديدها الملاحة في الخليج العربي مصداقيته، بعد المواجَهة المسلحة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ووضح عدم تأثر العراق بضرباتها الجوية والصاروخية، وتأثرت الروح المعنوية لشعبها وجيشها، حتى إنها أصبحت تعانى قِلة المتطوعين، على الرغم من تعدادها البشري الكبير، بالنسبة إلى العراق.

أصبحت القوات الإيرانية ضعيفة، إلى الدرجة التي لا تستطيع معها شن هجمات حاسمة، أو رئيسية، بل لا يمكنها المقاومة والصمود، وصدّ الهجمات العراقية. وهو ما وضح في المعارك الأخيرة، قبْل وقف إطلاق النار.

على الرغم من ذلك، فإن موقف إيران العسكري ـ من وجهة نظر الوقت ـ يُعَدّ أفضل؛ فهزيمتها لم تصل إلى الحدّ، الذي يجبرها على التراجع عن كثير من مطالبها. كما أنها لا تتوقع أن يعمد العراق إلى هجوم جديد، بعد أن توقف القتال، لِما في ذلك من أخطار سياسية، عالمية وإقليمية، ضده. ناهيك أنها تستطيع، في ظل سريان وقف إطلاق النار، أن تعالج مشاكلها، التسليحية والتنظيمية، وتقوي دفاعاتها، وتمعن في تدريب قواتها.

3. الوجود العسكري الأجنبي، في الخليج العربي

تزايد الوجود العسكري الأجنبي، في الخليج العربي، مع تصاعد حرب الناقلات، التي مارسها طرفا الحرب، كلٌّ لغايته. وتمثل هذا الوجود في زيادة عدد القطع البحرية، وعلى رأسها قطع من البحرية الأمريكية ومن البحرية السوفيتية، بحجم أقلّ، وزيادة تصريحات المسؤولين في الدولتين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بالتدخل، لدى التهديد بعرقلة إمداداتها من النفط الخليجي. وهو ما كان يهم تلك الدولتان من حرب الناقلات، ولتبقَ الحرب البرية، والتراشق الصاروخي، بين الطرفَين، ما دام ذلك يحقق لها أهدافاً أخرى، ويبتعد عن تهديد مصالحها.

مع وقف إطلاق النار، وضح أن الدول الغربية، لم تستطع حماية الملاحة الدولية، في الخليج، أو درء الخطر عن دول الخليج العربية، التي طلبت حمايتها. فقد تعرضت الناقلات والسفن التجارية للقصف الجوي، والهجوم البحري، طوال فترة الحرب، حتى إبّان توقّف الأعمال القتالية البرية. كما استمر التهديد الإيراني لدول الخليج، وتمثل في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وأعمال التخريب، والضربات الصاروخية.

بيد أن الوجود العسكري الأجنبي، حقق بعض النجـاح، في مواجهاته مع إيـران (بين البحريتَين، الأمريكية والإيرانية). وأدى إسقاط الأمريكيين، بوساطة إحدى أسلحة قطعهم البحرية طائرة مدنية إيرانية، إلى ضبط إيران سلوكها العدائي على الرغم من موجة الاستياء العالمية، التي أثارها.

كانت المواجَهات، المسلحة أو غير المسلحة، مع إيران، تحسب، دائماً، بدقة، من قِبل الدول الغربية. وكانت، دائماً، محدودة، ومسيطراً عليها في التصعيد إلى الدرجة المطلوبة فقط، تتيح احتفاظ الغرب لنفسه بمحور مفتوح، يستطيع أن يمر، عبْره، دائماً، إلى الحوار مع إيران ومصالحتها[2].

أظهرت الدول الغربية قوّتها، واستعرضتها بوجودها البحري. وحققت عدة مكاسب، سياسية واقتصادية[3]، من جراء ذلك. إلا أن ذلك كان مكلفاً، وعبئاً عليها، خاصة الصغرى منها. ومع وقف إطلاق النار، سارعت إلى سحب قطعها، وإنهاء وجودها في المنطقة، وعاد الوجود العسكري البحري الأجنبي إلى حجمه السابق، قبْل حرب الناقلات.

أصبح من المسلَّم به، صعوبة تجميع القوة البحرية الأجنبية، في مياه الخليج، مرة أخرى. كما أمسى صعباً استمرار القطع الأمريكية الباقية في حالة تأزم الموقف مرة أخرى، بتأمين الوجود البحري الأجنبي وإدارته، بالمستوى المرتفع عينه، إلا بعد مرور وقت، ليس بالقليل. وهو ما يعني أن المجتمع الدولي، سيصبح حريصاً على الإمساك بالفرصة الوحيدة للسلام، التي يقبض عليها، بموافقة الطرفَين على قرار مجلس الأمن الدولي، الرقم 598.

4. موقف دول الخليج العربية (دول مجلس التعاون الخليجي)

كانت التطورات الأخيرة لحرب الخليج، في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي. فقد تورطت البحرية الأمريكية في مواجَهة مسلحة مع البحرية الإيرانية. وتمكن العراق من استعادة شبه جزيرة الفاو. وأدى الأمران إلى تقليل أخطار الحرب، بالنسبة إلى تلك الدول. إلا أن التهديد الإيراني ما زال قائماً.

حصلت دول مجلس التعاون الخليجي على معدات وأسلحة متقدمة، في فترة الحرب، لتقوية قواتها المسلحة، وزيادة قدْرتها على مواجَهة الاعتداءات الإيرانية[4]، إلا أنها كانت تحتاج إلى مزيد من الوقت للتدريب. كمـا كانت قواها البشرية؛ وهي ذات حجم محدود، بالنسبة إلى العراق وإيران، تسبب قلقاً متزايداً، على الرغم من ارتفاع كفاءة المعدلات، التي حصلت عليها. وقد وضح ذلك في المواجَهة بين الطائرة الإيرانية والطائرة السعودية، حينما عبرت الأولى خط الدفاع الجوي السعودي، "خط فهد".

أدى إيقاف إطلاق النار، واللجوء إلى حل النزاع بالمفاوضات المباشرة، إلى تقليل الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة. وهو ما يعني زيادة الأخطار الإيرانية. كما يعني، كذلك، عدم جدية تصريحات القيادة الإيرانية بإنهاء الحرب. إلا أن فكرة تفرغ إيران للانتقام، أو نشر أيديولوجيتها في المنطقة (تصدير مبادئ الثورة)، كانت احتمالاً وجيهاً، ذا دوافع قوية، وملائمة للموقف الجديد. وكان الضمان لمواجهة هذا الموقف، تقوية النظام الدفاعي لمجلس التعاون الخليجي، وزيادة فاعلية النظام الدفاعي العربي، في إطار جامعة الدول العربية، مما يشكل رادعاً للتهديد الإيراني، أو يؤخر احتمالاته[5].

رابعاً: الموقف بعد قبول الدولتَين القرار الدولي الرقم 598

كانت الانتصارات العسكرية العراقية المتوالية، سبباً رئيسياً لقبول إيران وقف إطلاق النار، الذي جاء مفاجـئاً، بعد إصرار مستمر على رفض المساعي الدبلوماسية المختلفة، طوال سني الحرب. وجاء قبولها القرار الدولي، بعد سنة كاملة من صدوره، إذ صدر في 20 يوليه 1987، وقبِلته إيران في 18 يوليه 1988.

اتفقت الدولتان على الوقف الكامل لإطلاق النار بعد شهر من القبول الإيراني، في 20 أغسطس 1988، حاول كلٌّ منهما، خلاله، تحسين موقفها العسكري. وتبادلتا الاتهام بخرقه، حتى بدأت المفاوضات المباشرة بينهما، في جنيف، في 25 أغسطس 1988.

الأسباب التي دفعت إيران إلى قبول قرار وقف القتال

1. الأسباب العسكرية

هي الدافع الحقيقي، الذي عجّل بقبول القرار؛ إذ اتضح للقيادة السياسية عدم قدرة القوات المسلحة، بشقَّيها، النظامي والثوري؛ على إلحاق هزيمة بالقوات المسلحة العراقية، لِما تعانيه الوحدات الإيرانية، من نقص في المعدات والأفراد، وانخفاض مستواها التدريبي وروحها المعنوية، إضافة إلى الانتصارات العراقية المتتالية، على طول الجبهة، التي تهدد بالانتقال إلى داخل العمق الإيراني.

2. الأسباب السياسية

أ. إدراك القيادة السياسية لإيران العزلة السياسية، التي تعانيها علاقاتها، والتي تتزايد بسبب التعنت الإيراني في قبول وقف إطلاق النار، وعدم قبولها قرار مجلس الأمن، الرقم 598.

ب. انقسام القيادة السياسية حول أسلوب إدارة الصراع مع العراق، ودور القوات النظامية، والحرس الثوري فيها، والهدف من الحرب.

ج. إصرار البرلمان الإيراني، برئاسة رافسنجاني، بعد انتخابات 1988، على إعطاء أولوية لتحسين معيشة المواطن الإيراني، بإجراء تغييرات اقتصادية، كان أعضاء البرلمان مقتنعين بأن تأجيلها أكثر من ذلك، بسبب الحرب، سيفقدهم ما تبقى من المساندة الشعبية.

3. الأسباب الاقتصادية

أ. افتقدت إيران القدرة على تعويض خسائرها الاقتصادية، بالاعتماد على تمويل خارجي؛ وهو ما نجح فيه العراق، من خلال المساعدات والقروض العربية والدولية. وكان اعتمادها على تمويل الحرب، من خلال الضرائب والإجراءات الاقتصادية الداخلية، التي يتحمل أعباءها المواطن العادي، وأصبح غير ممكن زيادتها أكثر من ذلك.

ب. استنزفت الحرب 40% من نفقات الدولة. وأدى ذلك إلى استنزاف احتياطي الدولة من العملات الصعبة، المخصصة، أصلاً، للتنمية، في قطاع الصناعة. وأسفر توقف الأمريكيين عن شراء النفط الإيراني، عن تزايد حدّة الموقف الاقتصادي، إلى درجة، عجزت معها المصانع عن شراء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام، بل اضطر بعضها إلى الإغلاق.

4. الأسباب الاجتماعية

أصبح ثلث الشعب الإيراني، تقريباً، عاطلاً من العمل. بينما هبط 12 مليون مواطن إلى مستوى الفقراء. وأصبح الموقف الاجتماعي، ينذر بالتخلي عن الثورة أو اندلاع ثورة مضادّة، خاصة مع ازدياد التظاهر، في شوارع المدن الرئيسية، تنديداً بالموقف المتردي في المجالات كافة.

5. أسباب متعلقة بالزعامة الدينية

كانت الحالة الصحية للإمام الخميني، مرشد الثورة، تتدهور سريعاً، وبات واضحاً، أن انتقال الزعامة إلى غيره، هي مسألة وقت. ولم يكن هناك من يستطيع إعلان الفشل، وقبول التصالح مع العراق، من دون محاسبة من الشعب، سوى الإمام الخميني. لذلك، كان من المهم، أن يصدر قبول قرار وقف القتال، باسمه.

خامساً: إجراءات وقف إطلاق النار بين البلدَين

بعد قبول طرفَي الحرب قرار مجلس الأمن، الرقم 598، أصبح على المنظمة الدولية، تنظيم تنفيذ القرار، ليصبح واقعاً فعلياً، يحقق إرادة المجتمع الدولي، إنهاء هذه الحرب الطويلة، في تلك المنطقة، الأكثر حساسية في العالم. فطرح السكرتير العام للأمم المتحدة، بيريز دي كويلار، مشروعاً من خَمس نقاط، كإطار للمفاوضات بين البلدَين:

1. تحديد جدول زمني، لإقرار وقف إطلاق النار، وسحب القوات إلى الحدود الدولية.

2. تحديد جدول أعمال بنقاط البحث، للقضايا السياسية المتنازع فيها.

3. الترتيب لعقد مؤتمر لكل دول الخليج العربي، الثماني.

4. التوقيت لبدء تنفيذ بنود القرار 598، بتسلسلها.

5. التوقيت لانسحاب قوات الدولتَين إلى الحدود الدولية.

وجَّه السكرتير العام عنايته إلى إنجاح وقف إطلاق النار، حتى لا تحدث مضاعفات، من جراء الاشتباكات، وشكاوى الانتهاكات. لذا، أعد مشروعاً لإنشاء قوة مراقبين، تابعة للأمم المتحدة، تُشرف على وقف إطلاق النار، وتراقب سريانه[6]. وبادر، في 21 يوليه 1988، إلى إرسال فريق تحقيق، لتقصي أحوال الأسرى، لدى البلدَين.

كان العراق يصر على بدء المفاوضات، قبْل وقف إطلاق النار، لتشككه في نيات إيران. بينما كانت إيران تطالب بوقف إطلاق النار، أولاً، كتأكيد لحُسن النيات. وبذل السكرتير العام جهوداً مضنية لتقريب وجهتَي النظر، أسفرت عن إعلان إيران، رسمياً، قبولها إجراء المفاوضات، عقب تطبيق وقف إطلاق النار. ووافق العراق على ذلك. وتحدد، لبدء المفاوضات، يوم 7 أغسطس 1988.

حدد السكرتير العام للأمم المتحدة الخطوات التنفيذية التالية، للبدء بتنفيذ القرار 598:

1. نشر قوات خاصة من الأمم المتحدة (350 جندياً)، قبْل تنفيذ وقف إطلاق النار، بثلاثة أيام.

2. تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، بدءاً من 20 أغسطس 1988.

3. بدء المفاوضات المباشرة بين البلدَين، في مقر الأمم المتحدة، في جنيف، في 25 أغسطس 1988، وتعيين لجنة للتحقيق، بناء على طلب إيران، لتقرير أي البلدَين مسؤول عن بدء الحرب.

4. ببدء تنفيذ وقف إطلاق النار، يبدأ سحب القوات إلى داخل حدود كل دولة، وتبادل الأسرى.

5. صياغة اقتراح، في شأن اكتتاب دولي، لجمع التبرعات والمساعدات، لإعادة بناء الدولتَين.

6. توقيع معاهدة سلام بين الدولتَين.

سادساً: المفاوضات بين الدولتَين، لإنهاء الخلاف

جرت المفاوضات في جولات متتالية. كانت أولاها في جنيف (25 أغسطس ـ 7 سبتمبر 1988). بينما عقدت ثانيتها في نيويورك (1 ـ 5 أكتوبر 1988). والتأمت ثالثتها في جنيف، مرة أخرى (31 أكتوبر ـ 11 نوفمبر 1988). وأعلن، بعدها، السكرتير العام أسلوباً آخر، للتفاوض، من خلال الرحلات المكوكية، بين طهران وبغداد، مع بداية العام الجديد، 1989. وكان على المتفاوضين بحث وإقرار كيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 598 بترتيبه المحدد، والذي كان يتضمن خَمس نقاط:

1. وقف إطلاق النار.

2. الانسحاب إلى الحدود الدولية.

3. تبادل الأسرى.

4. عقد مفاوضات سلام، لحل جميع المشاكل بين الدولتَين.

5. إعمار البلدَين، بمساعدة دولية.

بدأت الجولة الأولى وانتهت، من دون أن تحرز تقدماً. بل توقفت عند البند الأول (وقف إطلاق النار)، لاختلاف الطرفَين حول كيفية تنفيذه، بحراً؛ إذ أصرت إيران على تفتيش السفن العابرة لمضيق هرمـز، وهو ما رفضه العراق[7]. كما أن إيران، طلبت أن يُطهَّر شط العرب، بتعاون مشترك عراقي ـ إيراني، تأكيداً لحقها في الشط، وهو ما رفضه العراق، وطالب أن يكون تطهيره تحت إشراف دولي. ولم يوافق الطرفان على أي صيغة، من تلك التي عرضها عليهما خبراء، سياسيون وعسكريون وقانونيون دوليون. فأُجلت الجولة أسبوعين.

بدأت الجولة الثانية، على هامش انعقاد الدورة الثالثة والأربعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة. وحاول السكرتير العام، أن يقرب وجهتَي نظر الدولتَين، بطرحه مشروعاً وسطاً. إلا أن كل طرف، قبِل بعض بنوده، ورفض بعضها، ووضع شروطاً وتحفظات، جعلت من الصعب الوصول إلى حل يرضي الطرفَين معاً[8].

كان السكرتير العام، حدد جولة ثالثة، في جنيف، تبدأ في 31 أكتوبر. وكان العراق قدم طلباً، في 20 أكتوبر، لتبادل الأسرى، رفضته إيران. إلا أنه بادر إلى الإفراج عن الأسرى الإيرانيين، المرضى، لدية (465 أسيراً)، مما أجبر طهران على اتخاذ خطوة مماثلة. وفـي ظل هذه البارقة من الأمل، دارت محادثات الجولة الثالثة. إلاّ أنها لقيت مصير سابقتَيها. فارتأت سكرتارية الأمم المتحدة، المشرِفة على المفاوضات، اللجوء إلى الرحلات المكوكية، لتقريب وجهتَي النظر، قبْل استمرار الجلسات المباشرة[9].

في يوليه 1990[10]، اجتمع وزيرا خارجية البلدَين، في مقر الأمم المتحدة، في جنيف، لاستئناف المفاوضات المباشرة، بعد عامين من وقف إطلاق النار بينهما. وكانت الأحداث تتجمع، آنئذٍ، منذرة بعاصفة جديدة، تهب على الخليج العربي، ناجمة عن التوتر بين العراق وجارتَيه العربيتَين، الكويت والإمارات العربية المتحدة.

فجأة، في أغسطس 1990، انسحبت القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، 2500 كم2. وسلمت جميع الأسرى الإيرانيين المسجلين لديها. وأعلن العراق مبادرة جديدة، لتسوية النزاع مع إيران، على أساس اتفاقية الجزائر لعام 1975. وفي سبتمبر 1990، وافقت إيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بالعراق، بناء على طلب، قدّمه وزير خارجية العراق، طارق عزيز، أثناء زيارته إليها.

كانت القوات العراقية، اجتاحت دولة الكويت، في الثاني من أغسطس 1990 واحتلتها. وتداعت أحداث هذه الحرب الجديدة[11]، لتطغى على ما تبقى من أخبار الحرب، التي دامت ثماني سنوات، والتي تُعَدّ آخر حلقات الصراع التاريخي بين الدولتَين.



[1] عمدت إسرائيل، عقب إيقاف إطلاق النار، في الجولات الأربع مع الدول العربية المجاورة، إلى انتهاكه، والتباطؤ في تنفيذه، حتى تسمح لقواتها باكتساب أهداف، وأرض جديدة، يجعلانها في موقف أكثر قوة، عند التفاوض.

[2] معظم الدول الغربية، قطعت العلاقات الدبلوماسية بإيران، ثم أعادتها، بعد وقت قصير، طبقاً لسير الأحداث، من دون حرج، ولا تصعيد مضاعف غير محسوب.

[3] تزايدت مبيعات الأسلحة، خاصة قانصات الألغام البحرية وغيرها، لدول مختلفة من العالم.

[4] تمكنت المملكة العربية السعودية من الحصول على طائرات، وقطع بحْرية حربية، تفوق، في العدد والإمكانيات، القوات الإيرانية، الجوية والبحرية.

[5] ترددت معلومات عن محاولات لإنشاء نظام دفاعي، تشترك فيه مصر. وقد يضم العراق مع دول الخليج العربية الست، إلا أنه لم تظهر مؤشرات إيجابية إلى ذلك مما أدى إلى مضاعفات، بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية بسنتين. ولكن الخطر، كان من جهة العراق، وليس إيران.

[6] وافق مجلس الأمن، في 9 أغسطس 1988، على إنشاء القوة المقترحة، كقوة مراقبة دولية، للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، خاضعة لسلطة مجلس الأمن، لمدة 6 أشهر. وأرسلت في التوقيت الذي سبق أن حدده السكرتير العام.

[7] اختبر العراق عزم إيران على تنفيذ قرارها في شأن تفتيش السفن، بإرساله السفينة العراقية (خولة)، إلى ميناء الفجيرة، في 20 أغسطس. ثم أبحرت، رافعة العلم العراقي، لتعبُر مضيق هرمز، في 7 سبتمبر. ولم يتعرض لها الإيرانيون.

[8] لم يعقد، في الجولة الثانية، سوى جلسة واحدة.

[9] لم تستطع الرحلات المكوكية تقريب وجهات النظر، بالشكل الذي ينهي الخلاف، بعقد معاهدة سلام، كما كان منتظراً من تطبيق القرار 598.

[10] توفي الإمام الخميني، مرشد الثورة الإيرانية، في 3 يونيه 1989. واختير علي خامنئي خلفاً له، كما انتخب هاشمي رافسنجاني رئيساً للجمهورية، في 17 أغسطس 1989.

[11] سميت بحرب الخليج الثانية، تمييزاً لها عن حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية ـ الإيرانية).