إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث العشرون

الدروس المستفادة من تطبيق مبادئ الحرب الرئيسية

أثبتت خبرة القتال، في الحروب السابقة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مبادئ الحرب، هي الأساس الذي يبنى عليه النجاح في تحقيق الهدف منها، وأن وضعها في الحسبان، إبّان التخطيط، وتطبيقها، أثناء إدارة الحرب، يجعلان النصر حليفاً للقوات والقيادات، التي أخذت بهما.

هناك العديد من المبادئ، التي تعتنقها الدول والأحلاف العسكرية المختلفة. ولكن، مهما كان الاختلاف في بعضها، فثمة مبادئ حرب أساسية، اتَّفق الجميع على أفضليتها وأهميتها. كما أن أسبقيات تطبيق المبادئ وأولوياته، التي قد تتعارض، أحياناً، تختلف من عصر إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، لعوامل عديدة. إلا أنها تُجمِع، كذلك، على أهمية تلك المبادئ الأساسية، المتَّفَق عليها، وأن أسبقياتها مقدَّمة، دائماً.

أولاً: المبادأة

حقق العراق المبادأة الإستراتيجية، باتخاذه قرار بدء الحرب. وظل محافظاً عليها، نسبياً، حتى تحوله إلى الدفاع. وكان مقتدراً على استعادتها، تكتيكياً، في مرحلة الهجمات الإيرانية (شن الهجمات المضادّة الناجحة)، ثم استعادتها كاملة، على طول الجبهة (مبادأة، إستراتيجية وتكتيكية)، في العام الأخير للحرب، حين استعاد معظم أراضيه، بالهجمات المتوالية.

تمكن العراقيون من انتزاع المبادأة، أحياناً، في فترة تحولهم إلى الدفاع، للأسباب التالية:

1. بطء أعمال الحشد والتجمع للقوات الإيرانية.

2. عدم وجود رد فعل مؤثر لدى الإيرانيين.

3. ارتباك القيادة الإيرانية الميدانية، إزاء استخدام العراقيين أعمال المفارز الآلية والمدرعة، والإبرار الجوي، بتوسع، في خط المواجَهة، وفي العمق الإيراني.

4. نقل القيادة العسكرية العراقية جهودها الرئيسية، من قطاع إلى آخر، بسرعة.

5. الاحتفاظ باحتياطيات ذات قدرة عالية على الحركة والمناورة (مجنزرة)، على جميع المستويات.

من جهة أخرى، فإن إيران استطاعت، حتى العام قبل الأخير من عمر الحرب، تحقيق مبادأة تكتيكية أحياناً، وإستراتيجية أحياناً أخرى، بمبادرتها إلى الرد بالهجوم؛ وإن كان يشوبها البطء في رد الفعل، غالباً، مما يفقدها الأثر الحاسم. وفقدت إيران المبادأة، في العام الأخير للحرب، بتفوق العراق عليها في إدارة المعارك ونقْلها من قطاع إلى آخر، وفق تطور محسوب، أكسبه المبادأة، التي استأثر بها، حتى انتهاء الحرب.

أمّا سياسياً، فقد استطاع العراق أن يكسب المبادأة، منذ البداية وحتى النهاية، بل إلى ما بعد وقف إطلاق النار. فكانت مبادراته تربك الجانب الإيراني، وتشل قدراته. وسيطر، بذلك، على معظم جولات المفاوضات بينهما.

ولئن كان التخطيط لإحراز المبادأة أمراً مهماً، فإن الاحتفاظ بها والتخطيط له، هو أكثر أهمية. ولدى فقدها، لا بدّ من المسارعة إلى استعادتها ثانية. ويوضع في الحسبان ضرورة إحراز المبادأة على المستويات الثلاث الإستراتيجية والعملياتية والتكتيكيي؛ في كافة المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، كذلك. أما الوقوف على قدرات العدو واحتمال إحرازه المبادأة، فيمكن من التخطيط لحرمانه إياها.

ثانياً: المفاجأة

تمكنت القوات العراقية من إحراز المفاجأة الإستراتيجية، بإحرازها المبادأة الإستراتيجية، في بداية الحرب، وفى نهايتها. وقد أدى ذلك إلى إحرازها، كذلك، المفاجأة على المستوى التكتيكي.

هاجم العراق، في بدء الحرب، في عدة قطاعات، وعلى جبهة متسعة، تجاوزت 250 ميلاً، حيث أحرز المفاجأة، وأربك القيادة الإيرانية.

غيّر العراق أساليبه القتالية، مستفيداً من دروس الحرب. ووضح ذلك في أسلوب استيلائه على المدن، الذي كان مفاجأة للإيرانيين. كما كان لنجاح خطط الخداع، والتحركات الوهمية، أثره في مفاجأة الإيرانيين، بالنسبة إلى اتجاه الهجمات العراقية.

لم يتمكن العراقيون من إحراز مفاجأة، في هجومهم الأول، في القطاع الأوسط، وكان من المهم تنفيذ خطة خداع، عسكرية وسياسية، قبْل شن هذا الهجوم.

سيطر على العراقيين فكرة انهيار القوات المسلحة النظامية الإيرانية. لذلك، كانوا يفاجَأون بظهور القوات الإيرانية ومبادرتها إلى أعمال قتال جيدة. وكان الاندفاع والحماسة، أحياناً، من أسباب إحراز المفاجأة الإيرانية.

استخدم الطرفان صواريخ أرض/ أرض استخداماً مفاجئاً، توقيتاً وهدفاً، وأحياناً، كثافة. فحققت نتائج معنوية جيدة، وإنْ لم تحرز نتائج عسكرية متماثلة، نظراً إلى ضعف تأثير الرأس المدمرة للصاروخ.

تمكنت القوات الجوية للطرفَين من إحراز المفاجأة، باستخدامها استخداماً غير متوقع من الطرف الآخر. إذ استطاعت الطائرات العراقية الإغارة على أهداف إيرانية، في جنوب الخليج، كان يُعتَقَد أنها خارج مدى الطائرات العراقية. كما شنت الطائرات الإيرانية هجمات قوية، فاجأت الجميع، لاعتقادهم انهيارها، وعدم قدرتها على هجمات مؤثرة.

حقق الإيرانيون عدة مفاجآت، في بداية هجماتهم، بإتِّباعهم أسلوب قتال غير تقليدي (الموجات البشرية). إلا أن التمسك بهذا الأسلوب، كوسيلة وحيدة لإدارة المعارك، أفقدتهم عنصر المفاجأة، بل أدى إلى نتائج عكسية، بتوقع العراقيين هذا الأسلوب، فارتفعت الخسائر الإيرانية البشرية.

حقق الإيرانيون المفاجأة، بإتِّباعهم تكتيكات غير متوقعة (الهجوم الليلي ـ التسلل عبر الوديان الجبلية ـ عبور المسطحات المائية ـ الهجوم عبر الأراضي الصعبة).

ظن العراقيون، غير مرة، أن جبهة إيران الداخلية، ستكون العامل الحاسم في هزيمتها، لضعفها، ومن ثم كان الضغط عليها، بحرب المدن، وتدمير الاقتصاد الإيراني، كأحد الأساليب لدفعها إلى الاستسلام. وكانت المفاجأة في تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية وصمودها، وهو ما أطال زمن الحرب لتتعدى السنوات الثماني.

ولا بدّ من تواصل المفاجآت، على كافة المستويات، والاحتفاظ بها، كذلك، مع ربطها بخطط الخداع في المستويات العليا، والتخطيط لاستغلالها إلى أقصى حدٍّ ممكن. والإسراع في نقل خبرة القتال في قطاع ما إلى باقي قطاعات الجبهة، للاستفادة منها، وحؤولاً دون تكرار العدو المفاجأة نفسها في قطاع آخر. بل يجب توقع الأعمال المفاجئة، والاحتراس منها؛ وتوطين النفس على الثبات لها. فكلما وَفُرت المعلومات والدراسات المستفيضة عن العدو، ازدادت نسبة التوقعات، وقلّ تأثير المفاجأة في القوات.

ثالثاً: الحشد

حشدت الدولتان حجماً كبيراً من الأفراد، مكنهما من مواصلة القتال، طوال سنوات الحرب. وعندما افتقد الإيرانيون الدافع إلى التطوع، كانت بداية النهاية؛ فلم تستطع إيران، في العام الأخير من الحرب، حشد حجم ملائم من القوات، للرد على الهجمات العراقية. كانت الحاجة الشديدة إلى زيادة حجم القوات، واستعاضة الخسائر البشرية، وراء تأجيل الهجمات الحاسمة للقوات الإيرانية، أو عدم القدرة على تطوير النجاح الأولي، في بعض الهجمات، مما أثر في النتائج النهائية للحرب.

لم يحقق العراق حشداً كافياً، للهجمات المضادّة، خاصة في معارك شبه جزيرة الفاو، وهو ما أفقد تلك الهجمات فاعليتها، وأدى لفشلها.

على الرغم من تفوق العراق، العددي والنوعي، في الدبابات والطائرات الحربية، إلا أنه لم يستخدمها، طوال الحرب، في الحشد الكافي لحسم القتال (عدا مرات قليلة).

لم يستخدم العراقيون تفوّقهم الجوي بأسلوب ملائم، بحشد حجم كثيف من الطائرات ضد الأهداف، العسكرية والاقتصادية، الإيرانية، أو في معارك جوية فاصلة، ضد القوات الجوية الإيرانية، الأقل عدداً، والأضعف نوعاً. وهو ما مكن الطائرات الإيرانية من العمل ضد الأهداف العراقية، طوال الحرب. كما لم تتأثر الأهداف، التي قصفتها الطائرات العراقية، لقلة عدد الطائرات اللازمة لتدمير الأهداف، أو تعطيلها لفترات طويلة، مما استدعى قصف الأهداف نفسها، مراراً.

لم تستخدم المدفعية أو صواريخ أرض/ أرض، في حشد كافٍ لإحداث التأثير المطلوب، خاصة في حرب المدن، وحرب الناقلات. فكان تأثيرها ضعيفاً؛ إذ فقَدَ الحشد الكمي تأثيره الحاسم، وأصبح الحشد النوعي، والاستخدام الجيد للحشود، أكثر فاعلية؛ فعند التخطيط لحشد قوة أو معدات، يجب أن يستخدم الحشد بما يحقق الهدف دون أن يهدره.

رابعاً: التعاون

وضح أن كلتا الدولتَين، تدير معاركها بعيداً عن أسس معركة الأسلحة المشتركة، التي تتعاون فيها الأسلحة كافة على تحقيق النصر، بأقلّ خسائر، وأقل وقت. وهو ما يفسر طول زمن الحرب غير الحاسمة، وارتفاع معدلات الخسائر البشرية والمعدات والأسلحة.

لم توفر القوات الجوية العراقية، في معظم الأحوال، غطاءً جوياً للقوات البرية، على الرغم من تفوّقها على القوات الجوية الإيرانية. كما لم تقدم إليها معاونة جوية تكتيكية فاعلة، إلا في إطار محدود، باستثناء الطائرات العمودية المسلحة، التي اعتُمد عليها كثيراً في معاونة الهجمات العراقية المضادّة.

استغل الإيرانيون جيّداً طبيعة الأرض الصعبة (الجبلية في الشمال، والمسطحات المائية في الجنوب)، والأحوال الجوية غير الصالحة للطيران، لتجنّب تعاون الدبابات العراقية والطائرات العمودية المسلحة مع قوات المشاة، المدافعة أو القائمة بالهجمات المضادّة.

لم يكن هناك تعاون فعال، بين قوات ووسائل الدفاع الجوي ووسائله وبين القوات الجوية للدولتَين، بسبب افتقار كلٍّ منهما إلى أجهزة التعارف اللازمة، وعدم التنسيق بين القوّتَين.

كان من الواضح انعدام التنسيق، بين القيادات السياسية والقيادات العسكرية، الإيرانية، وهو ما أدى إلى فشل كثير من الهجمات الإيرانية. كما كان الصراع والتنافس، بين القوات الإيرانية النظامية والحرس الثوري الإسلامي الإيراني، سبباً لِفَقْد كثير من أسباب النصر، لعدم تعاونهما. ولا شك أن تنسيق الجهود والأعمال، بين القيادات المختلفة، والمستويات المختلفة، لتحقيق التعاون بين القوات، وبين الأسلحة، وبين القيادات ـ هو أدعى لتحقُّق هدفها المحدد.

خامساً: العمل الهجومي

فشلت الدولتان في أعمالهما الهجومية؛ إذ لم يحقق أيهما نتائج حاسمة، عدا العام الأخير للحرب، الذي استطاع العراقيون فيه، أن يجبروا القيادة الإيرانية على قبول وقف القتال، وقبول قرار مجلس الأمن، الرقم 598، من خلال نجاح هجماتهم المتواصلة.

في السنوات الأخيرة من الحرب، ونتيجة لحرب الاستنزاف، لم يكن لدى الطرفَين القدرة على مواصلة الأعمال الهجومية، أو متابعة النجاح وتطويره، لحسم القتال. وهو ما أطال عمر الحرب وزاد خسائرها.

لم يتأتَّ للمقاتلين وقياداتهم، في الدولتَين، الإرادة الهجومية، عند العمل خارج أراضيهم، وهو ما أضعف الهجمات، وقلّل من شأن نتائجها، فالأعمال الهجومية، هي التي تحسم الحرب، من خلال نتائجها القوية، سواء باحتلال الأرض والأهداف المهمة، أو إنزال خسائر بالخصم. لذلك، يجب أن تحافظ القيادات على القوة الدافعة لقواتها، لتستمر الأعمال الهجومية؛ فلا تقحمها في هجمات غير مؤثرة، أو أعمال قتال غير مضمونة النتائج. وحتى يتوازن الأداء مع الهدف من العمل الهجومي، فلا بدّ أن يكون الهدف مرتبطاً بما يثير الدوافع لدى المقاتلين، خاصة إذا كان القتال خارج أرضهم.

سادساً: المناورة والمرونة وخفة الحركة

افتقدت الدولتان هذا المبدأ، لافتقارهما إلى تشكيلات مقاتلة، مسلحة بمركبات قادرة على العمل في الأراضي الصعبة، الكثيرة على خط الجبهة.

كانت الوحدات العراقية تتمتع بخفة حركة نسبية، لتوافر الدبابات والمركبات المدرعة لديها، مما مكنها من التغلب على طبيعية الأرض، ومن سرعة الاختراق، في بعض المعارك.

كانت قوات الحرس الثوري الإيراني الإسلامي، والمتطوعون الإيرانيون، يفتقرون إلى المرونة وخفة الحركة. كما كانت المناورة بهم، من اتجاه إلى آخر، صعبة جداً، لعدم وجود مركبات كافية لديهم، واعتمادهم على وسائل نقل مدنية، في بعض الأحيان، أو من دون وسائل نقل، نهائياً، أحياناً أخرى.

أتاحت المرونة العالية للقوات الخاصة، ولا سيما المظليون، لدى الطرفَين، استخدامها في مهام صعبة، وعلى مسافات بعيدة، نسبياً. وقد برزت أهمية المرونة وخفة الحركة، في معركة استرداد المنصة النفطية العراقية، في الخليج العربي، بوساطة الإبرار الجوي، عقب استيلاء القوات الإيرانية عليها مباشرة.

كان لندرة الطرق والمحاور، الصالحة للتحرك، أثرها في الحدّ من المناورة والمرونة، لدى القوات من الطرفَين، وكانت سبباً مباشراً لفشل الهجوم العراقي المضادّ، لاسترداد الفاو، عقب استيلاء الإيرانيين عليها.

أثر ضعف وسائل النقل العسكري، لدى القوات الإيرانية، في قدرتها على حشد قواتها، وتجميعها في مراكز قريبة من مناطق القتال، المطلوبة فيها، ونقلها إليها، أو في إمكان نقْل جهودها القتالية، من قطاع إلى آخر، بالسرعة المطلوبة، وهو ما تفوّق فيه العراقيون.

أبدت المدفعية العراقية مرونة عالية، مكنتها من العمل بفاعلية، في قصف الأهداف، وتكبيد الهجمات الإيرانية خسائر فادحة. كما كان لاستخدام الطائرات العمودية المسلحة، التي تتمتع بمرونة وخفه حركة عاليتين، أثر كبير في نجاح صدّ الهجمات الإيرانية، الكثيفة العدد (الموجات البشرية)، وتكبيدها خسائر جسيمة.

يجب أن تكون المركبات والمعدات، قادرة على العمل، في كافة تضاريس مسرح العمليات المنتظر؛ وأن يستخدم لكل طبيعة من الأراضي ما يلائمها من المركبات. والتوسع في حجم القوات القادرة على العمل في كافة التضاريس، أو الأراضي الصعبة ذات الخاصية المعينة، هو مطلوب، على ألاّ يكون على حساب عناصر أخرى، مثل الكفاءة القتالية العالية، والتسليح والتنظيم.

أمّا مسرح العمليات وتمهيده بما تحتاج إليه القوات، من طرق ووسائل نقل، طبقاً لتصور وافٍ لإدارة الحرب في المسرح، فهو العامل المهم في كسب المعركة. فضلاً عن تطوير هذه الوسائل ووفرتها، مما يتيح استخدام القوات (خاصة الاحتياطيات) والوقت الملائمين.

وليست مرونة النيران والمناورة بها، بأقلّ أهمية من عناصر النقل. لذلك، فإن الاهتمام بالأسلحة وأسلوب تحركها، عامل هام في كسب المعركة.

سابعاً: السيطرة

أدى تنوع القوات المقاتلة، واختلاف تبعيتها، في الجانب الإيراني، إلى فقد السيطرة على القوات، أو ضعفها، في معظم العمليات. مما أدى إلى ضعف الأعمال القتالية، لعدم تركيز التخطيط لهيئة موحدة، وسيطرة قيادات متعددة على الوحدات المشتركة في أعمال القتال، وهو ما أمكن تداركه، فيما بعد، فوُحِّدت القيادة العليا، بتعيين هاشمي رافسنجاني قائداً عاماً للجيش النظامي والحرس الثوري معاً، قبْل نهاية الحرب، وإنشاء قيادة موحَّدة لهما.

لم تتعاون الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة (القوات الجوية ـ القوات البحرية ـ الدفاع الجوى) تعاوناً رئيسياً، مع القوات البرية، في الدولتَين، لافتقار كلٍّ منهما إلى القيادة الموحَّدة. وعلى الرغم من أن القوات الإيرانية، كان لديها قيادات للقطاعات الميدانية، ولدى القوات العراقية قيادات فيالق؛ وهي مستويات عملياتية، يمكنها السيطرة على قوات من أنواع مختلفة، إلا أن نقص الخبرة والتدريب، كان أحد الأسباب الرئيسية لهذا الضعف.

لذلك، يجب تجنّب اشتراك أنواع مختلفة من القوات، في المعركة الواحدة. وإذا كان ذلك محتوماً، فلا بدّ من وضع القوات كلها، مهما اختلفت، تحت قيادة واحدة؛ ويفضَّل أن تكون القيادة الميدانية الأعلى للقطاع الذي سيكون ميداناً للمعركة، أو الاستعداد لها. وينطبق الأمر نفسه على القوات التابعة للأفرع الرئيسية والقوات المتخصصة، التي تخضع، عند إشراكها في قتال، لسيطرة القائد الميداني المنفذ، مباشرة، وتنضم إلى قيادته، مبكراً، بما يسمح له بتعرّف مستواها وكفاءتها، وتأهيلها للعمل الذي سيكلفها به، وتنسيق التعاون بينها وبين باقي القوات، من التخصصات الأخرى. إضافة إلى المواظبة على تدريب القيادات واختبارها، حتى أثناء القتال، لإكسابها خبرات جديدة، وصقل مهاراتها.

ثامناً: الأمن والسِّرية

افتقرت الدولتان إلى وسائل فاعلة للحصول على المعلومات عن الطرف الآخر، وتجميعها، وتداولها، بما يسمح باتخاذ قرارات ملائمة، كما افتقدتا وسائل إنذار، ذات فاعلية عالية. وقد استخدم العراق نظام إنذار جوياً، مطوراً محلياً (بغداد 1)، لتوفير إنذار مبكر بالهجمات الجوية الإيرانية. ولكنه كان محدود المدى، وغير مجهز بنُظُم تعارف، أو إمكانية توزيع للمعلومات توزيعاً جيداً.

استخدم الجانبان أجهزة تجارية لتشفير الاتصالات، يسهل التنصت عليها، وحل شفرتها. لذلك، لجأت القوات في كلا الجانبَين إلى الاعتماد على المواصلات السلكية (الهاتفية)، الأكثر أماناً وسرية. وساعد على نجاح ذلك بطء الحركة بصفة عامة، وهو ما يلائم الاستخدامات الهاتفية في القتال. ولا يخفى أن تأمين وسائل الاتصال، وتداول المعلومات، عامل مهم في تحقيق المهام بنجاح، وهو يستلزم تخطيطاً وتدريباً على العمل، تحت ظروف محاولات العدو التنصت أو الإعاقة؛ واستخدام عدة وسائل، لضمان استقرار الاتصال، وتأمينه بما يجعل شفرته عصية على الحل.

وتتعدد نُظُم الأمن، فتشمل نظام إنذار مبكر، ما أمكن، يتيح فرصة جيدة لتأهب القوات؛ ونظام تعارف آلياً، تنعدم فيه نسبة الخطأ المحتمل، غير المسموح بها، مهما كانت طفيفة.

تاسعاً: الروح المعنوية

كانت الروح المعنوية، عالية في بداية الحرب، لدى الجانبَين، فالعراق لديه المبادأة، ويشن هجمات ناجحة، نسبياً. وإيران كانت تدافع عن ثورتها الإسلامية، الوليدة، بحماسة عقائدية. وإزاء طول زمن الحرب، وزيادة الخسائر في الجانبَين، والفشل في بعض المعارك، وعدم القدرة على الحسم، تناقصت الروح المعنوية، وفترت، فانخفضت إلى أدنى درجاتها، وانعكست على الثقة بالقيادات والقدرات الذاتية، أحياناً. وكانت أكثر انخفاضاً في الجانب الإيراني، خاصة في العام الأخير من الحرب، حين توالت هزائم القوات الإيرانية، في المحاور كافة. بينما ارتفعت، نسبياً، لدى القوات العراقية، بانتصاراتها القتالية، خاصة أنها كانت مصاحبة لتحرير الأراضي العراقية من قبضة الإيرانيين.

والتخطيط لإثارة الحافز لدى المقاتلين، ضمن خطة شاملة لرفع الروح المعنوية، والحفاظ عليها في مستوى عالٍ، هو أحد أركان النصر. ويشمل التخطيط رؤية واضحة لتأثير مراحل الحرب (المخططة) في معنويات القوات ووسائل رفعها، أو استغلالها (في حالة ارتفاعها نتيجة للنجاح في أعمال القتال).

بيد أنه الاعتماد على العقيدة والجانب المعنوي فقط؛ إذ إنه سريع التقلب، لتأثره بعوامل عديدة ومعقدة. لذا، كان استغلال الجانب المادي ضرورياً، كذلك، لتأثيره الثابت والملموس.

عاشراً: الإسناد الإداري

كان الإمداد الإداري للقوات، بالاحتياطيات المختلفة، ذا أثر كبير في تطور أعمال القتال. إذ افتقرت القوات الإيرانية إلى الذخائر، في المراحل الحرجة من أعمال التطوير. كما تأثرت الروح المعنوية للقوات، في الجانبَين، بعدم انتظام الإمداد الإداري لها باحتياجاتها إلى الإعاشة، في بعض الأحوال. وكان قرب خطوط الجبهة من المدن والقرى، عاملاً مهماً في تخفيف عبء الإمداد الإداري، أحياناً، للجانبَين.

هكذا، تتضح ضرورة الاعتماد على خطة إسناد إداري شاملة، تحقق ديمومة تدفق الإمداد إلى الأمام، والإخلاء إلى الخلف، ولا تعتمد على العناصر الإدارية للوحدات والتشكيلات المقاتلة، بل تكون ثابتة على المحاور الرئيسية والنوعية، مهما كانت كثافتها. وتغطي تلك الخطة مسرح العمليات برمّته، وتتميز بمرونة ملائمة، تتيح التكيف مع التطورات المفاجئة أثناء القتال، بما يسمح بتعديلها، في أضيق الحدود وأقصر وقت. (اُنظر جدول تأثير تطبيق مبادئ الحرب الرئيسية على سير الأعمال القتالية)