إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث الثاني والعشرون

الدروس المستفادة من استخدام القوات والمعدات

حشدت الدولتان قوات كبيرة الحجم، ونظّمتها في تشكيلات ووحدات، مقاتلة، ومعاونة. وحرصتا على تسليحها بأحدث ما يمكن شراؤه من الدول المصدرة للأسلحة، بالطرق الشرعية وغيرها. إلا أن الملاحظ، أثناء سير المعارك، أن الدولتَين، وقَعتا في الخطأ عينه؛ إذ لم تستخدما القوات وأسلحتها استخداماً سليماً، يستغل خصائص القوات والأسلحة الاستغلال الأمثل.

لم تكن القوات المعبأة، في الدولتَين، ملائمة لإدارة حرب حديثة. فهي غير قادرة، تنظيماً وتدريباً، على تحقيق معدلات القتال العالية لتلك الحرب. كان التأثير النوعي للأسلحة، قليلاً، على الرغم من حداثة بعضها، نظراً إلى تدنّي التدريب على استخدامها، وكان التقدم والمناورة بطيئاً. وعلى الرغم من اشتراك أعداد كبيرة من القوات في المعركة الواحدة، من الطرفَين، إلا أن الأعداد المقاتلة، فعلاً، أقلّ كثيراً من ذلك الحجم المشترك فيها. ويوضح ذلك تفوّق القوات الإيرانية، بأعدادها الكبيرة، على القوات العراقية، ذات التسليح الأقوى، في بعض المعارك الأولى، حيث لم يستخدم هذا التسليح الاستخدام الملائم.

لم تعمل الدولتان على استيعاب نظريات الحرب الحديثة، بما يمكنهما من التطبيق الجيّد لها. وكان نظاماً الحكم في الدولتَين، سبباً مباشراً في ذلك؛ إذ سيطر رجال الدين، في إيران، على القوات، بينما سيطر رجال حزب "البعث" على الجيش العراقي. وكلاهما يفتقر إلى الخبرة والتأهيل اللازمَين لذلك؛ فالقوات المسلحة تحتاج إلى القيادات العسكرية المحترفة، المؤهلة والمدربة، لتتمكن من تطبيق نظريات الحرب الحديثة. كان أبرز دلائل تلك الظاهرة، ضعف التنسيق بين الأسلحة والأفرع المختلفة للقـوات، خاصة العناصر الثلاثة الرئيسية (المشاة ـ المدرعات ـ المدفعية). فلم يكن هناك معركة أسلحة مشتركة حديثة، بالمعنى الصحيح، حتى العام الأخير من الحرب. فقد ساد، طوال سني الحرب الثماني، على جانبي خط الجبهة، أسلوب واحد، هو استخدام القوات والأسلحة بشكل فردى حتى تفشل فيستخدم قوة أخرى أو سلاح آخر. وقد وضح ذلك بالتحول إلى استخدام المدفعية، عندما يفشل المشاة، أو اللجوء إلى القصف الجوي، عندما تتوقف العمليات البرية، أو توجيه ضربات صاروخية إلى المدن، أو المبادرة إلى عمليات ضد السفن. ونادراً ما استخدمت الدولتان أفرع قوّتهما، بأسلحتها المختلفة، في عمل مشترك واحد، ومتواصل إلى حين تحقيق الهدف.

ولعل أهم الدروس المستخلصة من استخدام الدولتَين لقواتهما وأسلحتهما، هو ضرورة استغلال خواص الأسلحة والمعدات الاستغلال الأمثل، والوصول إلى مستوى تدريبي عال في استخدام، يرقى إلى مستوى الاحتراف، والتطبيق الجيد لنظريات الحرب الحديثة، وأساليب القتال الملائمة لقدرات القوات والأسلحة التي تستخدمها، وأهمها تطبيق قواعد معركة الأسلحة المشتركة الحديثة.

أولاً: قوات المشاة وأسلحتها

قوات المشاة، هي الوحدات المقاتلة، التي تعتمد على الأفراد المدرَّبين، والمسلحين بالأسلحة الخفيفة (البنادق والرشاشات). ويلحق بها أنواع متعددة، فهناك المشاة المترجلة، والآلية التي تستخدم مركبات مدرعة درعاً خفيفاً، والمشاة الجبلية، المدربة على القتال في المناطق الصعبة، والمظليون، والمغاوير (الصاعقة ـ الكوماندوز). ويطلق على النوعَين الأخيرَين معاً، القوات الخاصة، وهم يكلَّفون بمهام أكثر صعوبة، إلا أنها محدودة.

كانت طبيعة الأرض في مسرح العمليات، الذي دارت عليه الحرب العراقية ـ الإيرانية، تستدعي استخدام قوات المشاة (بأنواعها المختلفة)، بكثافة عالية، شرط أن يستخدم النوع الملائم منها لطبيعة الأرض، في كل مرة. ويعني ذلك، أن تضم القوات المسلحة، في الدولتَين، كافة أنواع المشاة؛ فالأرض تختلف طبيعتها في الشمال عنها في الجنوب والوسط، وقد تختلف من محور إلى آخر، في المنطقة الواحدة، والقطاع الواحد.

كانت التشكيلات العراقية تضم حجماً كبيراً، من المتطوعين وميليشيات الجيش الشعبي؛ وهي قوات ضعيفة التدريب والقيادة، إلا أن أعدادها، كانت كبيرة، تعدت نصف المليون جندي. في البداية، استخدمت القيادة العراقية العسكرية هذه القوات في أعمال الحراسة، وهو استخدام جيّد، يلائم قدراتها، ويتيح الفرصة لتفرّغ القوات النظامية، من المشاة، الآلية والمترجلة، للاشتراك في الأعمال القتالية. وبتطور أعمال القتال، اضطر العراقيون إلى إشراك تلك القوات في احتلال المَواقع الدفاعية الخلفية، حتى يمكنهم استخدام حجم أكبر من المشاة المدربة، في القتال. ولمواجهة الزيادة المطّردة في حجم المشاة الإيرانية، اضطر القادة العراقيون إلى إشراك تلك القوات في أعمال قتالية، ووضعها في مَواقع دفاعية متقدمة، وهو ما عرضها للدخول في قتال غير متكافئ، ولهزائم متتالية، وانهيار للمَواقع التي تحتلها، طوال العامَين الأولَين للهجوم الإيراني (1981، 1982).

لجأ العراقيون إلى زيادة حجم وحدات المشاة، فأنشأوا وحدات جديدة منها، بالاعتماد على المتطوعين الجدُد. وأدى ضعف تسليحهم وتدريبهم، وقياداتهم السياسية غير المحترفة، إلى هزائم جديدة للمشاة العراقية، التي تعتمد عليها حرب الاستنزاف الدفاعية، التي كان يديرها العراق، في مواجَهة الهجوم الإيراني، منذ منتصف عام 1981. ظل الأمر كذلك، حتى تنبهت القيادة العراقية للموقف، واستبدلت ضباطاً محترفين بالقيادات البعثية. فبدأت نتائج قتال المشاة تتحسن بتحسّن قياداتها.

منذ عام 1983، بدأ العراق يدرب أعداداً كبيرة من المشاة، على مختلف أشكال القتال. واستخدم أعداداً منها، في عامَي 1984، و1985، في دعم الهجمات المضادّة للدبابات؛ وهو استخدام جيّد. ثم طور من إمكانات مشاته بزيادة حجم المشاة الآلية، التي فشلت تشكيلاتها، في بداية الحرب، باستخدامها في مناطق، مزروعة ومبنية. وفي عامَي 1986، و1987، استطاعت المشاة العراقية الآلية اكتساب المزيد من الخبرة وتطوير أدائها، وتحولت إلى سلاح هجومي، يُعتمد عليه. وأمكنها، في العام الأخير من الحرب، أن تقاتل قتالاً أفضل (بالتعاون مع المدرعات)، لتنتصر في الهجمات الأخيرة، والحاسمة، التي أنهت الحرب.

كان استخدام العراقيين قواتهم الخاصة ضعيفاً؛ إذ استخدموها، في معظم الأحيان، بديلاً من المشاة المترجلة، التي لم تكن ذات فائدة كافية، في بداية الحرب، فأفقدها هذا الاستخدام خصائصها، كما أنه لم يتلاءم مع إمكاناتها؛ وهو ما عرضها لخسائر كبيرة. وفى المرات القليلة، التي استخدمت فيها تلك القوات بشكل صحيح، أثبتت كفاءتها. فقد استردت منصة النفط البحرية، بالإبرار الجوي العمودي، في إحدى أصعب المهام، في تلك الحرب. وتمكنت من استعادة كثير من القِمم الجبلية، في القطاع الشمالي. وكان لها دور رئيسي في منع الاحتياطيات، المدرعة والآلية، الإيرانية من التدخل في معركة تحرير الفاو.

كان الإيرانيون يعتمدون، طوال الحرب، على قوات المشاة، عكس العراقيين، الذين يملكون قوات مدرعة كبيرة الحجم. فاستخدموها طوال تلك السنين، كقوة رئيسية في القتال، بالاعتماد على التفوق العددي، بحشد كبير الحجم للمشاة المترجلة، في غالب الأحيان، لضعف إمكانات الحصول على مركبات مدرعة. وسلحوها بأسلحة خفيفة، خاصة المقذوفات والأسلحة المضادّة للدبابات، للتغلب على التفوق العراقي بالدبابات والمركبات المدرعة. وقد نجحوا في ذلك، عندما كانت طبيعة الأرض ملائمة لذلك التكتيك.

استخدم الإيرانيون مشاتهم المترجلة، في كل معاركهم، لشن هجمات، في موجات قتالية على هدف واحد؛ إذ كانوا يفتقرون إلى خفة الحركة والمرونة والمناورة. ونجحوا، نسبياً، في تحقيق نجاح أولي (في بداية الحرب)، قبل أن يفطن العراقيون لذلك الأسلوب، ويخططوا للإيقاع بهم، في مناطق قتلٍ، تحشد فيها قوة نيران كبيرة لإنزال خسائر كبيرة بهم، تؤدي إلى فشلهم وانسحابهم. واستُخدمت، كذلك، وسائـل مبتكرة، مثل توصيل خطوط كهربائية، ذات ضغط عالٍ، في المناطق التي تنتشر فيها المسطحات المائية، وأخرى تقليدية، مثل حقول الألغام، والأسلاك الشائكة، والطائرات العمودية، المسلحة بالرشاشات، أو فوق التقليدية، مثل الغازات السامة. وكلها كانت ذات تأثير قوي في المشاة المترجلة.

استُخدمت القوات الخاصة الإيرانية، في بعض العمليات، بمفردها، مثل العمليات في جُزُر الخليج، وضد المنشآت النفطية، أو بالاشتراك مع قوات أخرى، مثل العمليات البرمائية؛ إذ عملت كقوة اقتحام، في المناطق الصعبة، وحققت نجاحاً في معظم مهامها. إلا أن ذلك، لم يستغل جيّداً، لضعف التخطيط والقيادة والقوات الأخرى.

كان أبرز دروس الحرب العراقية ـ الإيرانية، هو قدرة المشاة ذات التسليح الخفيف، على الاستخدام الجيد للأرض، والتصدي بنجاح لهجمات الدبابات، التي لا يساندها المشاة، أو التي يرافقها مشاة آلية داخل المركبات. وهو درس متكرر، سبق تعرّفه في حرب أكتوبر 1973، حينما تمكنت المشاة المصرية من التصدي، بنجاح، للهجمات المعاكسة للدبابات الإسرائيلية، في الساعات الأولى للعبور، باستخدام القواذف المضادّة للدبابات الخفيفة (والقصيرة المدى)، من نوع (R.P.J.) وهو نفسه ما لجأت إليه المشاة الإيرانية ضدّ الدبابات العراقية الكثيفة العدد، في بداية الحرب، فكبدتها خسائر فادحة، لعدم وجود مشاة تساندها.

ولكن الدبابات العراقية، استطاعت، في بعض المعارك، التي دارت على أراضٍ مسطحة وجافة، أن تبيد المشاة الإيرانية الموجودة في العراء. أمّا في المعارك، التي كانت ميادينها مملوءة بالأثناء الأرضية والهيئات البسيطة، أو في المستنقعات والمدن، فقد ردت المشاة الإيرانية الصاع اثنين للدبابات العراقية، واستطاع القذاف، من نوع (R.P.J.)، أن يكون أكثر فاعلية من المدفع 100مم أو 115مم للدبابات العراقية.

لجأ العراق في منتصف الحرب (1985) إلى زيادة أعداد المشاة، واستغل حماسة طلبة الجامعات، وثقافتهم العالية، ليجهز عدة ألوية من المشاة الخاصة، المرتفعة المستوى. وطوَّر الضباط المحترفون، الذين تمرسوا بالخبرات في سنوات الحرب السابقة، الأداء التكتيكي للمشاة. كما وعى قادة الفيالق دروس مذابح المدرعات، حينما تحاصرها المشاة الإيرانية في المناطق الضيقة، وهي متوقفة، لا حول لها ولا قوة، والتي كان آخرها في معارك محاولات استرداد الفاو، عام 1986، حين تحرك رتلان من الدبابات على طرق فرعية ضيقة، ممتدة داخل أراضٍ مشبعة بالمياه المالحة، أو على جانب شط العرب، مما لا يتيح للدبابات حرية المناورة للخروج عن الطريق، الذي عادة ما يقفل بإصابة أول دبابة في الرتل، وكذلك الأخيرة، فيتوقف عاجزاً عن الحركة، ليتلقّى سيلاً من القذائف؛ وفي دقائق، تكون الدبابات إما مدمرة أو غائصة في المستنقع. ولم تجْد مساندة المدفعية للدبابات بالنيران، كما لم تجْد نيران مدافع الدبابات نفسها، فالمقذوفات تغوص في وحل المستنقع، ويكون انفجارها مكتوماً، ذي تأثير طفيف؛ إذ تبتلع الأرض معظم الشظايا، وكذلك الموجة الانفجارية والصوت، فتفشل الهجمات، ويخسر العراق وحدات برمّتها من الدبابات.

الوجه الآخر للمعركة نفسها، ظهر عام 1987، حينما استخدم العراقيون مشاتهم الجديدة، مع مدرعاتهم، وبمساندة من المدفعية، التي استخدمت أنواعاً جديدة من المقذوفات، التي تنفجر جواً فتملأ الفضاء بالشظايا، التي تتساقط فوق رؤوس المشاة المختبئة داخل الخنادق أو خلف التلال[1]. وأحدث فريق الأسلحة المشتركة[2] تغيراً كبيراً في نتائج المعركة، بتطبيقه مبادئ القتال الحديثة تطبيقاً جيداً[3]، وهي التي كانت معلومة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن تعذر تطبيقهـا لصعوبـة استيعابهـا، في معظـم الجيوش. كمـا أن قـادة المشـاة، وقادة الدبابات لا يستخدمونها، على الرغم من أن فيها نجاتهم ونجاحهم، في آن واحد، وقد أثبتتها تلك الحرب (الحرب العراقية ـ الإيرانية) مرة أخرى.

أمّا الدرس المستفاد من ذلك، فهو ضرورة استخدام مشاة خاصة، تنظيماً وتسليحاً وتدريباً، طبقاً لطبيعة مسرح العمليات، والعقيدة القتالية، وأساليب القتال المستخدمة. إضافة إلى مراعاة تطبيق أُسس معركة الأسلحة المشتركة الحديثة وقواعدها.

أثبتت الحرب العراقية ـ الإيرانية أهمية المشاة، مع الاهتمام بتسليحها وتدريبها جيّداً. ولا عجب في ذلك؛ فهذه الحرب كانت صورة من الحرب العالمية الأولى، في بعض معاركها، التي شابها الثبات والبطء، وبعضها اقترب من صورة الحرب العالمية الثانية، باستخدام بعض المعدات الحديثة. وهذه النوعية من الحروب البرية، وفي مثل هذه الأراضي الصعبة، نسبياً، يكون المشاة هم سادتها.

ثانياً: القوات المدرعة

الخروج بدروس مستفادة من قتال المدرعات في هذه الحرب، هو أشبه بالمستحيل؛ فلم يحدث قتال مدرعـات، بالمعنى المعروف. وإنما كان بعض المحاولات، لاستخدام بعض خواصّ الدبابة، تركز معظمها حول المدفع، فلا استخدام سليم، على أي مستوى، ولا ابتكار في الاستخدام، ولا استغلال لقدرات الدبابات العالية.

كان العراق متفوقاً في عدد الدبابات. لذلك، فإن استخدامه إياها، يكون أساساً للتقييم، في هذه الحرب، كاستخدام أمثل للدبابات، كونها سلاحاً ذا مواصفات وقدرات خاصة، ووحدات مدرعة، كذلك، تستخدم بأسلوب قتالي معين.

استُخدمت الدبابات بكثافة عالية، في بداية الحرب، من قِبل العراقيين، الذين كانوا يعتمدون عليها، نظراً إلى تفوّقهم في العدد والنوع. وكان هجومهم المدرع الأول على عبدان الإيرانية. واتسم أداء المدرعات بالبطء الشديد؛ إذ دفع العراقيون دباباتهم إلى مَواقع، سبق تجهيزها هندسياً، لتحتلها وتبقى فيها، ريثما تكمل المدفعية قصفها المَواقع الإيرانية، التي ستهاجَم (تمهيد نيراني). ثم تقدمت الدبابات صوب المَواقع الإيرانية، التي كان المشاة الإيرانيون قد احتلوها، واستعدوا لاستقبال الدبابات، من دون أن تزعجهم نيران المدفعية، التي أنهت مهمتها. وكانت النتيجة خسائر فادحة في الدبابات وأطقمها المدرَّبة. تمكنت الوحدات المدرعة من تحملها، في البداية، مع تناقص في الكفاءة القتالية، بالطبع. ولكن مواصلة الأسلوب عينه، وتكرار الخسائر العالية، أفقدا العراق تفوّقه بالمدرعات؛ وهو الأسلوب، الذي تواصل حتى عام 1988.

أثناء التحول إلى الدفاع، استخدمت القوات العراقية عدداً كبيراً من الدبابات، كقطع مدفعية ثابتة، لاستغلال قـوة مدافعها ودِقتها؛ وهو ما أدى إلى استهلاك هذه المدافع، بسرعة، مع قلة قطع الغيار، كما أنها فقدت ميزاتها المهمة الأخرى: السرعة، وخفة الحركة، والمرونة، وقوة الصدمة. إضافة إلى خسارة عدد منها، خلال هذا الاستخدام (معركة الدفاع عن الفاو، 1986 ـ معارك البصرة، 1987).

دفع العراقيون ثمناً باهظاً، في خسائر دباباتهم، نتيجة لتوالى الاستخدامات الخاطئة. فقد هاجموا القرى والمدن الإيرانية، المحصنة بالوحدات، المدرعة والآلية، فتورطوا في قتال مناطق مبنية، دافع الإيرانيون عنها باستماتة، واستخدموا كافة الأسلحة المضادّة للدبابات، المتيسرة لديهم، في عبدان وخورمشهر والأهواز وديزفول وسوزنجارد وغيرها، مكبدين الوحدات المدرعة العراقية، مرة ثالثة، خسائر كبيرة.

كان أكبر نجاح للدبابات العراقية، في قتالها ضد الطائرات العمودية الإيرانية، المسلحة بالمقذوفات المضادّة للدبابات؛ إذ تمكن رماة الدبابات من اصطياد الطائرات العمودية، بنيران الرشاشات الثقيلة، المثبتة على معظم أبراج دباباتهم، وأثبتت فاعلية جيدة، في تلك الحرب، لسوء استخدام الإيرانيين طائراتهم العمودية.

حاول العراقيون تطوير دباباتهم، السوفيتية الصنع، لتتمكن من الصمود أمام الدبابات الإيرانية، البريطانيـة الصنع، من نوع شفتين الحديثة، ذات الدرع القوي، فاستبدلوا ببعض مدافع دباباتهم مدافع أكثر قدرة على الاختراق، كما زادوا من سمك الدروع على الدبابات، إمعاناً وقايتها من الأسلحة المضادّة للدبابات الإيرانية. وقد نجح العراقيون في التطويرَين. إلا أنهم فشلوا في استخدام أجهزة تقدير المسافة، وأجهزة التسديد والإدارة الحديثة، في بعض دباباتهم، مما أفقدها ميزاتها، وذلك لضعف الرماة، وقصور في تدريبهم.

منذ بداية عام 1988، وأثناء الهجوم الأخير للقوات العراقية، استخدمت الدبابات، بكثافة كبيرة، وصاحبها المشاة. وعمدت إلى اقتحام المَواقع الإيرانية، تحت ستر نيران المدفعية، التي كانت تمهد لها دائماً. كما استخدمت بعض الدبابات، بعد تجهيزها، لفتح ثغرات في حقول الألغام، أمام الموانع الدفاعية الإيرانية. وقد نجح هذا الأسلوب التقليدي الأمثل، في تحقيق أهداف الهجوم، المرة تلو الأخرى، حتى انتهت الحرب.

لجأ الإيرانيون إلى استخدام دباباتهم في حشد كبير، في بداية الحرب، لمواجهة الهجمات العراقية، وهو ما عرضها للتدمير. وتناقص، على مدار السنين، أعداد الدبابات الإيرانية، التي استخدمت خطأ، كذلك، بدفعها منفردة، فضلاً عن أن أعدادها، كانت دون نظيرتها العراقية، منذ البداية. وتسببت الحالة الفنية السيئة، الناجمة عن افتقاد قطع الغيار، وعجز إيران عن الحصول عليها، بتناقص آخر للدبابات الإيرانية. وحينما بدأت إيران هجماتها الرئيسية، في يناير 1981، كانت وحداتها المدرعة غير مستكملة، وهو ما أثر في فاعلية الهجوم، وأدى إلى هزيمتها من قِبل العراقيين المدافعين (معركة سوزنجارد).

لم تكن أطقم الدبابات الإيرانية مدرَّبة جيداً. وقد استغل العراقيون ذلك، في نصب كمائن لها، في مناطق قتلٍ، استخدموا فيها الدبابات العراقية في حُفر مخفاة. ولم تستطع أطقم الدبابات الإيرانية المناورة بسرعة، للخروج من مناطق القتل، وسارعوا بالهروب من دباباتهم. وهو ما يفسر الأعداد الكبيرة للدبابات الإيرانية، التي عرضها العراق في معارض الغنائم، في نهاية الحرب.

كانت معارك الدبابات، في تلك الحرب، تتسم بالبطء الشديد. وأثّر مستوى تدريب الأطقم في دقة التسديد، وعابها عدم استخدام قدرات الدبابات العالية على المناورة. وأدت خشية كل طرف من الآخر إلى استخدام الأسلحة في الرماية، على أطول مدى لها، فانعدمت فاعليتها، وضعف تأثيرها في المعركة.

الدروس المستفادة، بالنسبة إلى المدرعات، لا تختلف كثيراً عنها في المشاة؛ إذ إنهما تعملان معاً في إطار معركة الأسلحة المشتركة الحديثة. يضاف إلى ذلك ضرورة استغلال خصائص وقدرات الدبابات استغلالاً ملائماً، في سرعة الاختراق، للاستفادة بقوة الصدمة، التي تتولد من ذلك الاستخدام؛ وفي المناورة وخفة الحركة، اللتين تستطيع الدبابة بهما الانتشار خلف تشكيلات العدو، أو تغيير اتجاهات التقدم والعمل.

ثالثاً: نُظُم الاستخبارات والاستطلاع

أنشئت نُظُم الاستخبارات، في الدولتَين، منذ وقت طويل، على أُسُس أمنية ـ سياسية، لخدمة النظام الحاكم، واستمرت بعد تغيير تلك النظُم. لذلك، كانت تفتقر إلى الخبرة بكيفية تجميع المعلومات وتحليلها وتداولها، بالشكل الذي يخدم أجهزة القيادة وقرارات القادة، العسكريين، على المستويات كافة.

ناهيك أن كلا البلدين، افتقر، في نُظُم استخباراته، إلى الأجهزة الفنية المتطورة، ذات التقنية العالية، لأعمال الاستطلاع والتنصت.

اعتمد العراق على الاستطلاع الجوي، بالنظر والتصوير (نهاراً)، لأطقم المقاتلات. إلا أن هذا الأسلوب، كان بدائياً. كما كانت الصور المطلوبة، تتأخر في الوصول إلى القيادات الميدانية، مما يجعلها غير مفيدة[4].

استطاعت الدولتان الحصول على طائرات استطلاع بدون طيار، عام 1987، استُخدمت في العامَين الآخيرَين من الحرب. إلاّ أن استخدامها، شابه كثير من العقبات الفنية.

اعتمدت الدولتان على وسائل بصرية بدائية، لجمع المعلومات، وهي الوسائل التي أتيحت لعناصر الاستطـلاع الميدانية. ولم تتمكن الدولتان من الحصول على نُظُم إنذار واستطلاع أكثر تقدماً. كما كانت عناصر الاستطلاع الميدانية غير مدرَّبة على جمع المعلومات وتحليلها؛ إذ كان عملها محصوراً في الأعمـال ذات الصبغة الأيديولوجية، وهو ما انعكس على الخطط والقرارات، بالبُعد عن الواقع، وأدى إلى سوء التقدير لحجم الخصم واتجاهات عمله واحتمالاته، وهو ما يؤثر في سَير أعمال القتال وإدارته.

غير أن الدرس المستفاد من حرب الخليج الأولى، يوضح أهمية فصل العمل الأمني، عن جمع المعلومات وتداولها؛ إذ تستطيع القوات الحصول على المعلومات الكافية عن العدو، في الوقت الملائم، لخدمة قرارات القادة، قبل المعركة. وكذلك معرفة خصائص وحدات لعدو وأسلحته وكافة التفاصيل الممكنة عنه، من خلال نُظُم حديثة كاملة، تضطلع بالرصد والإنذار، وجمْع المعلومات وتأكيدها وتحليلها وتداولها، في وقت قصير.


 



[1] تُسمى بالانفجار الجوي Air Burst.

[2] فريق الأسلحة المشتركة، Combined Arms Team ، تطلق على مجموعات القتال المشكلة من خليط من الدبابات والمشاة الآلية بساندهما مدفعية الميدان والأسلحة المضادّة للدبابات وعناصر الهندسة العسكرية والاستطلاع وغيرها من صنوف الأسلحة، وتعمل كمجموعة واحدة. وهو نتاج الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية، وثبت صحة تلك المبادئ في معظم الحروب التي تلت الحرب العالمية الثانية.

[3] Modern Combine Arms Battle.

[4] استطاع العراق الحصول على صور بالأقمار الصناعية من دولة ما، يُظَنّ أنها الولايات المتحدة الأمريكية.

[5] استخدم الإيرانيون صواريخ أمريكية، من نوع Tow, Dragon ، وفرنسية، من نوع Antac، وSS-11، وSS-12. بينما استخدم العراقيون صواريخ Hot الأمريكية وSager السوفيتية، وSS-11، وMilan الفرنسية.

[6] كان معظم معدات الدفاع الجوي، اشتُريت في عهد الشاه السابق، من دول غربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

[7] أكدت لجنة فحص أمريكية، في عهد الشاه، عدم قدرة الإيرانيين على استخدام هذه البطاريات بكفاءة.

[8] أسقط الرماة العراقيون لتلك الصواريخ من نوع ` Sam-7` طائرة ألفا جيت مصرية فوق بغداد خلال اشتراكها في معرض جوي دولي، في فترة متأخرة من الحرب، مما يدل على ضعف شبكات الإنذار والسيطرة من جهة، وارتفاع مستوى الرماة من جهة أخرى.