إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

رابعاً: المدفعية

1. مدفعية الميدان، والمدفعية الصاروخية

استُخدمت المدفعية، خلال الحرب، من كلا الطرفَين، بكثافة عالية. إلا أنها لم تؤثر التأثير الموائم لكمية الذخائر الضخمة المستهلكة، التي تقدر بملايين الدولارات. ويُعزى ذلك إلى ضعف وسائل الاستطلاع الفنية، لدى مدفعية الطرفَين؛ في تحديد الأهداف، ومتابعة نتائج القصف.

كما أنهما لم يستخدما من صور النيران المختلفة، سوى الحشود النيرانية، وأحياناً، قصف على الأهـداف المنفصلة، من دون نتائج مؤثرة، لعدم ملاءمتها للأهداف المقصوفة. إن مدفعية الميدان، والمدفعية الصاروخية، استخدمتا، بصفة عامة، في قصف المدن، من دون إحداث تأثير فعال. واستخدمتا ضد المشاة، فأحرزتا بعض النتائج الإيجابية، خاصة ضد الموجات البشرية الإيرانية، المهاجِمة في العراء، والتي تأثرت كل التأثر بقصف العراقيين المدفعي.

كانت المدفعية العراقية، شأنها في ذلك شأن باقي الأسلحة، تعمل بأسلوب سوفيتي مطوَّر يرتكز على كثافة نيرانيها، لإحداث ثغرة في دفاعات الخصم، ثم دعمها الوحدات المخترقة لتلك الدفاعات. ودأب العراقيون على تطوير هذا الأسلوب، مع استمرار الحرب، ليصلوا إلى أفضل استخدام، مقتفين أثر السوفيت في ذلك، إبّان الحرب العالمية الثانية.

يفضل العراقيون خطط النيران الموضوعة مسبقاً، والمحددة أهدافها، والمستخرجة بياناتها الأولية. وهم ذوو قدرة جيدة على التخطيط، ويعملون من واقع خطة واسعة التفاصيل، قد تثير الشك في قدراتهم التنفيذية. إلاّ أنهم غير جامدين؛ إذ لديهم قدر من المرونة، يمكنهم، أحياناً، من طرح الخطة جانباً. فعملية "رمضان المبارك"، مثلاً، المتعلقة باستعادة الفاو، كان مخططاً لها أن تُنجَز في خمسة أيام، إلاّ أن العراقيين أنجزوها في 36 ساعة فقط، وهو ما يشير إلى مرونتهم في تطوير خططهم وتعديلها، أثناء تنفيذها.

والخطط الدفاعية، المشتملة على خطة نيرانية لمساندة الأعمال الدفاعية، أصبحت النيران الكيماوية جزءاً منها، بل إنها قد تشتمل على خطط نيران كيماوية. وقد استخدم العراقيون الذخائر الكيماوية، في هجماتهم، وضد مراكز تجمع المشاة الإيرانية، والحرس الثوري (الباسيج)، وطوروا أسلوبهم، وفقاً لقاعدة أن زيادة الحركة، في مجال ملوث كيماوياً، تزيد من حجم التلوث، بازدياد اختراق الغاز السام للفتحات الموجودة في المعدات والمواقع. فاستهدفوا مواقع المدفعية الإيرانية، حتى تتداعى كفاءة أطقمها بمرور الوقت، فتحرم القوات الإيرانية الدعم النيراني. ولو انتقل الإيرانيون إلى مواقع جديدة، لاقتضى ذلك وقتاً ونفقات. وفي كلا الحالين، سيتناقص الدعم النيراني.

لم يقتصر هدف العراقيين على القوات الإيرانية، بل تعداها إلى مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية، لإرغام قادتها على ارتداء ملابس الوقاية وأقنعتها، مما يسبب اضطراباً وإزعاجاً شديدين في وظائف القيادة، يؤديان إلى إشاعة الفوضى، وفقْد السيطرة على القوات، لحظياً، بل قد يدمران تدميراً كاملاً كل من في تلك المراكز؛ وهو ما يظن أنه حدث، أحياناً، خلال معركة الفاو، مما أتاح للقيادات العراقية فرصة تطوير أعمالها القتالية، بنجاح، من دون أن يقابل ذلك إجراء مضاد من الجانب الإيراني. وبذلك، يكون العراقيون، قد حققوا التكامل التدريجي في بنائهم النيراني، وهي عملية غير بسيطة، بعد أن كانوا غير قادرين على استخدام مدفعيتهم استخداماً ملائماً.

اتسم العراقيون، في العام الأخير للحرب، بتحسّن أداء مدفعيتهم. واستطاعوا، إلى جانب قصفهم المشاة الإيرانية، تنفيذ قصف مضادّ للمدفعية الإيرانية، ونقل النيران بين الأهداف، بسرعة، ودقة أكبر. كما حصلوا على مدافع ذاتية الحركة، استُخدمت إبّان الهجمات التي شُنَّت عام 1988، واستطاعت مرافقة المهاجمين، وتقديم نيران معاونة جيدة، في الوقت الملائم، كانت أحد أسباب تمكنهم من هزيمة القوات الإيرانية.

يُستخلص من أداء مدفعية الميدان للدوليتن، ضرورة استخدام وسائل استطلاع وإدارة نيران ذات تقنية متقدمة، وتدريب أطقم الاستطلاع على استخدامها؛ إضافة إلى التخطيط والتنفيذ الفعلي صوراً مختلفة من النيران، تتلاءم مع طبيعة الهدف والموقف. فضلاً عن أن الاستخدام  غير النمطي يكون ذا أثر كبير (الذخائر الكيماوية، الرمي باستخدام الطائرات العمودية المسلحة، الاختيار الجيد للأهداف المؤثرة في سير أعمال القتال، مثل مصادر النيران، ومراكز القيادة، ومراكز الاتصال.

2. المدفعية المضادّة للدبابات

تشابه استخدام الطرفين للمدفعية المضادّة للدبابات، التي اعتمدا فيها على صواريـخ موجَّهة من الجيل الثاني[5]. وكانت عنصراً أساسياً للقتال ضد الدبابات (خاصة بالنسبة إلى إيران). ولكن النتائج كانت هزيلة، لسوء التدريب، وعدم قدرة الموجِّهين على اختيار مَواقع نيران ملائمة، وإطلاقهم الصواريخ على أهداف خارج مداها. لذلك، لم تتعدَّ نسب الإصابة 10% من حجم الصواريخ المطلَقة؛ وهي نسبة ضئيلة جداً، إذا ما قورنت بدول أخرى.

قلَّ استخدام الصواريخ المضادة للدبابات، في مراحل حرب الاستنزاف، التي لجأ إليها الطرفان؛ إذ كانت الأهداف المدرعة في حُفر، مجهزة، هندسياً، لوقايتها من الصواريخ. إلا أن الإيرانيين استخدموها، مرة أخرى، بكثافة عالية، في هجماتهم الرئيسية، عام 1986، وحققوا بها نتائـج إيجابية (معركة احتلال الفاو ـ معركة مهران). ولم يستخدم أي من الطرفَين الصواريخ الموجَّهة، المضادّة للدبابات في القتال الليلي، للنقص في أجهزة الرؤية الليلية.

وتُعَدّ الأسلحة المضادّة للدبابات من أهم عناصر النيران للقوات المقاتلة؛ إذ يعتمد عليها في تحقيق تفوّق في المعركة، بتدمير دبابات العدو وإرباك مخططاته. لذلك، تُعَدّ أطقم تلك الأسلحة بشكل إعداداً جيداً، يرقى إلى مستوى الاحتراف الكامل، ويجعلها ملمّة بالخصائص، الفنية والتكتيكية، للسلاح.

3. صواريخ أرض/ أرض

كانت الصواريخ إحدى وسائل التدمير، الأطول مدى، التي استخدمها الطرفان، خلال الحرب، على نطاق واسع؛ إذ وجِّهت ضربات صاروخية إلى معظم المدن الرئيسية والأهداف الاقتصادية للطرفَين، بما فيها العاصمتان والمنشآت النفطية. إلاّ أن ضعف الخبرة، الإستراتيجية والتكتيكية، في استخدام هذا السلاح، أفقده فاعليته؛ إذ كانت أعداد قليلة من الصواريخ، توجَّه إلى أهداف ذات مساحات شاسعة، لم تتجاوز، أحياناً، صاروخاً واحداً، ضد مدينة مثل بغداد. كما أن الرأس المدمر لهذه الصواريخ، لم يحتوِ أكثر من نصف طن من المفرقعات، فضلاً عن افتقارها إلى الدقة. لذلك، كان تأثيرها معنوياً، حتى إن الدولتَين اتفقتا، أحياناً، على وقف قصف المدن.

لا شك أن الصواريخ، ستكون، في العقود القادمة، سلاحاً رئيسياً؛ إذ تكشفت حرب الخليج الأولى عن:

أ. فاعلية الصواريخ لدى إطلاقها بكثافة، تراوح بين 3 و9 صواريخ، في الصلية (الرشقة) الواحدة، على هدف واحد.

ب. تأمين إصابة أكثر دقة، بعد تطوير أجهزة التسديد.

ج. زيادة المادة الناسفة في الرأس الحربي للصاروخ، من دون أن يؤثر ذلك في مداه ودقة توجييه.

خامساً: نُظُم الدفاع الجوي وأسلحته

لم يكن لأي من الدولتَين نظام دفاع جوي متكامل. وإنما كان هناك معدات وأسلحة دفاع جوي، هي خليـط من مصادر مختلفة، غير متوافقة للعمل معاً. بينما يتطلب إنشاء شبكة دفاع جوي فاعلة، تناسقاً وتوافقاً بين الأجهزة والمعدات بعضها مع بعض، وبينها وبين الأسلحة التي تستفيد منها. وقد أثر ذلك في فاعلية الدفاع الجوي، طوال سني الحرب.

نشر الإيرانيون رادارات الإنذار، على قمم الجبال، وفي كل أنحاء إيران. إلا أنها كانت تعمل بشكل فردي، وليس في نظام موحد. كما أنها لم تستخدم في توجيه الطائرات الاعتراضية، مقاتلات الدفاع الجوي. وتزايدت أعطالها، لافتقادها قطع الغيار اللازمة[6].

كان لدى الإيرانيين عدة بطاريات صواريخ أرض/ جو، أمريكية، من نوع هوك المعدَّل، رُبطت بشبكة الإنذار الإيرانية. إلا أنه لم يصلها أي معلومات أو إنذار، ولم تدخل ضمن مراكز السيطرة. فلم تستخدم بفاعلية جيدة، توائم خصائصها العالية. وعلى الرغم من ذلك، فإنها حققت بعض الإصابات الفردية لطائرات عراقية قليلة[7].

كان لدى الإيرانيين نُظُم تعارف جيدة، للعمل مع الطائرات الصديقة، خاصة الطائرات الاعتراضية. إلاّ أنها كانت غير ذات قِيمة، لضعف القوات الجوية الإيرانية، أصلاً.

استخدم العراقيون نُظُم وشبكات رادار وصواريخ أرض/ جو سوفيتية إلاّ أنها لم تكن فاعلة، على الرغم من نجاح مثيلاتها، التي استخدمها المصريون، في حرب أكتوبر 1973، بفاعلية عالية، آنئذٍ. كان لدى العراقيين قوة دفاع جوي، قوامها 10 آلاف رجل، يعملون في عشرة مَواقع لرادارات الإنذار، ومئات الرادارات للكشف والتوجيه، ومَواقع عديدة لصواريخ من نوع سام (2، 6، 8، 9). غير أنها لم تكن متناسقة الأسلوب، كما كان مستوى التدريب عليها ضعيفاً. ولم تستطع استغلال نظام القيادة والسيطرة الآلي (C3I) العراقي، الذي يسيطر على الطائرات والصواريخ معاً. ونجم عن ذلك ثغرات خطيرة، استغلتها الطائرات الإيرانية، القليلة العدد، في هجمات جوية، على ارتفاعات منخفضة، ضد مدن العراق وقواعده الجوية، ومنشآته الاقتصادية، مما حمله على استيراد رادارات كشف قصيرة المدى، فرنسية الصنع، بكميات كبيرة، وصواريخ خفيفة، سوفيتية الصنع، سام 8، 9، وصواريخ رولاند الغربية، لسد ثغرات النظام الدفاعي عن المَواقع مباشرة؛ ولعل عملية قصف المفاعلات النووية العراقية (العملية بابل) الإسرائيلية خير دليل على ذلك.

افتقر العراقيون إلى أجهزة التعارف، للتعاون بين المقاتلات الاعتراضية وأسلحة الدفاع الجوى المختلفة، خاصة الصواريخ. لذلك، اعتمدوا على تحديد ممرات لعبور الطائرات الصديقة. كما عملوا بنظام المناطق المخصصة لمظلات جوية تعمل بها المقاتلات. ولم يجدِ النظامان عندما تشابكت خطوط القتال وتداخلت. وزاد الأمر سوءاً ضعف مستوى التدريب للموجِّهين الأرضيين، وضعف إمكانات رادارات الطائرات السوفيتية (جو ـ جو). بينما كانت الطائرات الفرنسية ذات قدرات مميزة، إلا أنها كانت قليلة العدد.

استخدم الطرفان الصواريخ المحمولة على الكتف، بفاعلية[8]. إلاّ أنها لم تكن متناسقة مع الأنواع الأخرى. ومن جهة أخرى، فإن القوات البرية، للطرفَين، استخدمت مدافعها المضادّة للطائرات، في مهام أرضية، ضد المركبات المدرعة، والمشاة؛ وهي مهام ثانوية، بالطبع.

بينما لا تتأتى لأنظمة الدفاع الجوي فاعليتها، إلا إذا استوفت الشروط التالية:

1. العمل كمنظومة واحدة متكاملة.

2. الاهتمام بأطقم إصلاحها، والسرعة في صيانة معداتها.

3. الاستخدام الجيد لمنظومة القيادة والسيطرةC3i، من خلال السيطرة على نيران الدفاع الجوي وقيادتها قيادة فاعلة، صحيحة.

4. تأمين أجهزة التعارف، بين الطائرات ووحدات الدفاع الجوي.

سادساً: القوات الجوية

كانت القوات الجوية أحد أسلحة الحرب القوية، خاصة بالنسبة إلى العراق؛ إذ لجأ إليها كلٌّ من الطرفين، مراراً، في محاولة لحسم القتال في مصلحته. إلا أنها كانت أقلّ فاعلية مما كان يجب أن تكون عليه نتائج هجماتها. وقد حدّ من استخدام الطرفَين لقواتهما الجوية، تأثر القتال الجوى بتخلّفهما في تسليح الطائرات. ولم يحدُث قتال جوي حاسم، بين الطرفَين، طوال الحرب. كما أن معظم الطائرات، كانت ذات مدى قصير، مما كان له أثر كبير في قِلة وضعف الضربات الجوية الإستراتيجية، البعيدة المدى، ضد الأهداف الأكبر أهمية. فضلاً عن أن القيادات الجوية اضطرت إلى إعادة قصف الأهداف، جواً، عدة مرات، لعدم كفاءة أجهزة التسديد، ولجوء الطيارين إلى القصف من ارتفاعات عالية، خوفاً من أسلحة الدفاع الجوي الخفيفة، والصواريخ المحمولة على الكتف.

أساء العراقيون، في بداية الحرب، استخدام نقاط القوة لديهم؛ وكان أكثرها وضوحاً في القوات الجوية المتفوقة، عدداً ونوعاً، على القوات الجوية الإيرانية. إلاّ أنهم لم يسعوا إلى مواجهة كبيرة مع الإيرانيين، على الرغم من قدرتهم، منذ البدء، على تحييد القوات الجوية الإيرانية تحييداً تماماً. وجعْل المعارك أكثر حسماً. وقد انتقد خبراء الحرب الجوية ومحللوها استخدام العراق قواته، في حرب الخليج الأولى، بأعداد محدودة، ولأغراض ثانوية، آخذين عليه افتقاد الرؤية الإستراتيجية، والإحجام عن تقديم معاونة تكتيكية ناجحة.

على عكس ذلك، تمكن الإيرانيون، على الرغم من ضعف قواتهم الجوية، من تقديم مساندة قريبة لقواتهم البرية، وكبدوا العراقيين خسائر كبيرة في مدرعاتهم، حينما دفعوا بطائراتهم العمودية، المسلحة بالصواريخ المضادّة للدبابات، إلى العمل من خطوط قريبة من الجبهة، وساندوا قواتهم من المشاة على هجماتها المعاكسة، لاسترداد المواقع؛ في أسلوب أشبه بالأسلوب الأمريكي، الذي يعتمد التعاون الوثيق بين القوات، البرية والجوية، ولا سيما الطائرات العمودية.

بعد فترة من بداية الحرب، حذا العراقيون حذو الإيرانيين، وكانت النتائج باهرة. فاعتمد القادة البريون على الدعم النيراني للطائرات العمودية اعتماداً متزايداً، ثم ابتكروا أسلوباً خاصاً، أثبت فاعليته؛ إذ استخدموا الطائرات العمودية كقطع مدفعية غير مباشرة، من مواقع نيران جوية، تطلق منها الطائرات العمودية نيرانها وصواريخها، ومقدمتها مرتفعة نحو أهدافها من الحشود الإيرانية الكثيفة. وأدى ذلك إلى مفاجأة قوية للإيرانيين، أحبطتهم، وأضعفت عزيمتهم، حتى قبل أن يدفعوا تلك القوات إلى مهام هجومية. وقد أطلق على عناصر الطائرات العمودية، من أجْل ذلك، لقب الفرسان الشجعان (Brave Knights) وظلت أعمالهم تذكر، كفقرة ثابتة في البيانات الرسمية، في شأن العمليات، حتى نهاية الحرب، جنباً إلى جنب مع الضربات الصاروخية، وأعمال الدفاع الجوي.

دروس استخدام القوات الجوية، أسفر عن دروس جد مهمة. فالحرب الجوية تصاعدت أهميتها، منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبح لها شأن كبير في نتائج القتال، ربما لا تكون حاسمة، ولكنها مفتاح النصر، بكل تأكيد، كما أنها عامل فعال في تقليل الخسائر، خلال القتال، بعد القصف الجوي. ولعل الدرس الرئيسي، المستخلص من استخدام القوات الجوية، هو ضرورة التخطيط للحصول على السيطرة الجوية على مسرح العمليات، إذا أمكن، أو على منطقة القتال فقط، على الأقل. وهو ما لم يسعَ إليه العراق، على الرغم من تفوقه الجوي، منذ البداية، ودفع ثمنه غالياً، إذ كبدته الهجمات الجوية الإيرانية، على ضعفها، خسائر فادحة.

يلي ذلك درس لا يقل أهمية. فاتساع مسرح العمليات، وتنوع أهدافه، في طبيعتها وأهميتها، يستوجب التفرقة بين خطط العمليات الجوية الإستراتيجية، التي تستلزم أن تكون أهدافها مؤثرة، على المستوى الإستراتيجي، وتحتاج إلى طائرات ذات مدى أبعد وحمولة أكبر، تعمل على ارتفاعات عالية، وتستخدم القصف المساحي، أساساً لتنفيذ المهام؛ وبين الخطط العملياتية والتكتيكية، التي يجب أن تكون أهدافها مؤثرة في القتال الدائر، أو الذي يوشك أن يندلع، وتحتاج إلى طائرات أعلى سرعة وأكثر دقة في إصابة أهدافها، وتطير على ارتفاعات، منخفضة ومنخفضة جداً. ولا بدّ أن يكون هدف العمليات الجوية مدروساً بدقة، وكذلك النتيجة المتوخاة. وألاّ تكون عشوائية، كرد فعل لفشل في اتجاه آخر؛ وهو الغالب في الهجمات الجوية للطرفَين والسبب الرئيسي لعدم فاعلية سلاحيهما الجويَّين.

وتُعَدّ الطائرات العمودية، ذات إمكانات متعددة، لم تتضح كافة أبعادها بعد. وفي حرب الخليج الأولى، استخدمت في واجبات قليلة، وبشكل نمطي (عدا الاستخدام الوحيد من قِبل العراقيين، كمصدر للنيران غير المباشرة. والتخطيط لاستخدام الطائرات العمودية استخداماً أفضل، يمكن أن يكون ذا نتائج مؤثرة في سير القتال.

سابعاً: القوات البحرية

تميزت القوات البحرية الإيرانية، المتفوقة عدداً، بسيطرتها على مسرح العمليات البحري، في الخليج العربي. غير أن ضعف قوات إيران الجوية، حدّ من الأعمال القتالية لبحريتها، خوفاً من تعرضها لهجمات جوية عراقية. وقد تمكنت من فرض سيطرتها على مدخل الخليج، عند مضيق هرمز، حيث عمدت إلى تفتيش السفن المشتبه فيها. كما تأثرت بالوجود البحري الأجنبي، الذي كبدها خسائر في عدد من القطع الرئيسية، خلال المواجَهة مع الأسطول الأمريكي.

على الرغم من ضعف القوات البحرية العراقية، خاصة أن العراق، يفتقر إلى السواحل على الخليج، إلا أنها تفوقت في أعمال المرور والهجمات السريعة، باستخدام الزوارق السريعة، التي تتفوق بها على إيران، وزوارق الطوربيد، التي تفتقر إليها إيران، مما جعل البحرية العراقية أكثر فاعلية، في المناطق القريبة من الساحل، التي لا تستطيع القطع الإيرانية الكبيرة الاقتراب منها لضحلها.

استخدم الإيرانيون سفناً تجارية، صغيرة الحجم، في بث الألغام البحرية، في الخليج، للخداع وعدم مراقبتها، حتى اكتشفتها الطائرات العمودية الأمريكية، التي تحرس القوافل البحرية، التي ترفع العَلم الأمريكي، واعترضت إحداها، وكشفت أمرها.

تختلف القوات البحرية عمّا عداها من أفرع القوات، بأسلوب عملها، نظراً إلى طبيعة سرح عملياتها، وتأثيره البطيء في باقي مسارح القتال.

كشفت عمليات القوات البحرية للدولتَين (كانت إيران أكثر تفوّقاً فيها، عدداً ونوعاً)،أن هذه القوات، لا تستطيع أن تعمل، من دون غطاء جوي، مثلها مثل القوة البرية. وأنه لا فائدة من القتال ضد سفن أقوى وإمكانات أعلى. لذلك، يجب تخطيط العمليات البحرية جيداً، وإشراك القوات الجوية فيها، وعدم التورط في قتال غير مخطط، وغير مضمون.

أهم ما يستنتج من المسرح البحري، هو عدم فاعلية القطع البحرية الكبيرة، في المسطحات المائية المحدودة، والمقفلة (مثل الخليج العربي)، وحيث تكون القطع الصغيرة الحجم، والسريعة، والقوية التسليح (زوارق الصواريخ)، المدعومة من الطائرات العمودية الهجومية، هي الأكثر فاعلية. بينما تبرز فاعلية القطع الكبيرة في القتال البحري (أو المهام البحرية)، في أعالي البحار.

الأسطول البحري التجاري الوطني، أن يدعم المجهود الحربي، في أعمال نقل الاحتياجات وشحنها من الخارج، ولكنه لا يصلح لأعمال القتال، إلا بعد تعديله تعديلاً أساسياً.

ثامناً: عناصر أخرى

1. استخدم الطرفان عدة وسائل إلكترونية للاستطلاع. إلا أنها كانت من نوع قديم، وذات فاعلية منخفضة. كما أنها كانت غير مكتملة، كمنظومة تغطي مسرح العمليات؛ فكان أداؤها ضعيفاً جداً، وتأثيرها محدوداً جداً.

وعلى الرغم من أن حرب الخليج الأولى (1980 ـ 1988)، كانت بعد سبع سنوات على حرب أكتوبر 1973، إلاّ أن الطرفَين لم يهتما، لسبب أو لآخر، بدروس الحرب الإلكترونية، التي ظهرت في معارك أكتوبر 1973، وأولها أن الحرب الإلكترونية منظومة كاملة، تعمل في تناغم، وتنسق أعمالها مع كافة الأفرع الرئيسية للقوات (البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي وحرس الحدود والسواحل والحرس الوطني) حتى تؤتي فائدة كاملة. فضلاً عن تنوع أجهزتها، في القوة والمدى، واتساع الإمكانيات، واختلاف نظريات العمل، وغيرها من الخصائص، حتى تكون عيناً وأذناً، تسمع وترى، مهْما بعدت المسافة، أو اختلفت اللغة، أو ضعف الصوت. إضافة إلى إضعافها أو محوها آثار أعمال القوات الصديقة ووجودها، وكأنها غير موجودة، بل حراستها من رؤية العدو وسمعه، ما أمكن.

ولا شك أن تطورات التقنية، ستضيف إلى الحرب الإلكترونية أبعاداً هائلة في استخداماتها، لا بدّ من الحرص على تعرّفها وممارستها، والاستفادة منها في الإعداد الجيد لحروب المستقبل.

2. استخدم الطرفان الغازات السامة، المحرَّمة دولياً. وكان العراق أكثر استخداماً لها. كما كانت قوات الدولتَين ضعيفة في تجهيزات الوقاية منها، وكذلك في التدريب على العمل في ظروف استخدام الخصم الغازات الحربية. وكان للغازات السامة دور فعال في حسم كثير من المعارك. وأودت بحياة كثير من جنود الطرفَين. وكانت أحد أسباب تناقص القوة البشرية الإيرانية، في بعض مراحل الحرب.

ويراعى التخطيط لاستخدام الغازات الحربية، الشروط الأساسية للحصول على أفضل النتائج، من درجات حرارة، واتجاه الريح وسرعتها، والحالة الجوية، وغيرها من المؤثرات، التي تشمل، كذلك، عامل التضاريس. وهي ليست وسيلة إزعاج وإرهاب فقط، ولكنها وسيلة فاعلة، كذلك، في تأمين أعمال القتال. لذا، يجب اختيار أهدافها بدقة، ونوع الغاز، الذي يحقق التأثير المطلوب.

ولمواجهة رد فعل العدو، تدرَّب القوات المستخدمِة للغاز الحربي، على العمل تحت ظروف استخدام العدو للغازات الحربية، وتوفَّرها المهمات والمعدات الواقية منها، والمزيلة لآثارها.

3. اتسمت الأعمال الفنية، للطرفَين، بالضعف، لقِلة قطع الغيار للمعدات والأسلحة المستوردة، وضعف مستوى العناصر الفنية.

لذلك، فإن التخطيط للأعمال الفنية، هو ضرورة، وبالكيفية نفسها، التي يخطط بموجبها لكافة الأعمال المتصلة بالمعركة. فضلاً عن حاجة العمل الفني إلى نشر معداته وعناصره في إطار الخطة العامة للقوات المقاتلة (هجوماً ودفاعاً)، حتى يمكنه إخلاء الإصابات في المركبات والأسلحة والمعدات، في الوقت الملائم، وإصلاح ما يمكن إصلاحه منها، وإعادته للوحدات المقاتلة، للاستفادة منه في الأعمال التالية. ولإتمام ذلك، تزوَّد القوات المقاتلة معدات إخلاء وإصلاح ملائمة للمركبات والأسلحة المستخدمة، ويدرَّب الفنيون على الأعمال التكتيكية المكملة لأعمالهم الفنية، من أسلوب التحرك والانتقال، والعمل أثناء القتال.


 



[1] تُسمى بالانفجار الجوي Air Burst.

[2] فريق الأسلحة المشتركة، Combined Arms Team ، تطلق على مجموعات القتال المشكلة من خليط من الدبابات والمشاة الآلية بساندهما مدفعية الميدان والأسلحة المضادّة للدبابات وعناصر الهندسة العسكرية والاستطلاع وغيرها من صنوف الأسلحة، وتعمل كمجموعة واحدة. وهو نتاج الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية، وثبت صحة تلك المبادئ في معظم الحروب التي تلت الحرب العالمية الثانية.

[3] Modern Combine Arms Battle.

[4] استطاع العراق الحصول على صور بالأقمار الصناعية من دولة ما، يُظَنّ أنها الولايات المتحدة الأمريكية.

[5] استخدم الإيرانيون صواريخ أمريكية، من نوع Tow, Dragon ، وفرنسية، من نوع Antac، وSS-11، وSS-12. بينما استخدم العراقيون صواريخ Hot الأمريكية وSager السوفيتية، وSS-11، وMilan الفرنسية.

[6] كان معظم معدات الدفاع الجوي، اشتُريت في عهد الشاه السابق، من دول غربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

[7] أكدت لجنة فحص أمريكية، في عهد الشاه، عدم قدرة الإيرانيين على استخدام هذه البطاريات بكفاءة.

[8] أسقط الرماة العراقيون لتلك الصواريخ من نوع ` Sam-7` طائرة ألفا جيت مصرية فوق بغداد خلال اشتراكها في معرض جوي دولي، في فترة متأخرة من الحرب، مما يدل على ضعف شبكات الإنذار والسيطرة من جهة، وارتفاع مستوى الرماة من جهة أخرى.