مقدمة

لا شك أن موضوع الحرب العراقية ـ الإيرانية، من وجهة النظر الإيرانية، من الموضوعات الهامة الجديرة بالدراسة، لأنه يكشف جانباً لا يزال يحيطه الغموض في هذه الحرب، خاصة فيما يتعلق بالأسباب والدوافع والنتائج. لذلك، فهو يكشف عن طبيعة النظام الحاكم في إيران، ومنطقه وتوجهاته العامة والأساسية، وأطروحاته الأمنية والسياسية المتعلقة بالمنطقة، كما يعكس أسلوبه في مواجهة القضايا والمشاكل، ويشير إلى أهدافه البعيدة والقريبة، وفضلاً عن ذلك فإن الدراسة تكشف عن الدروس المستفادة من هذه الحرب على الصعيدين المحلي والإقليمي، كما يمكن استقراء التحركات القادمة لإيران في المنطقة بعد انتهاء الحرب.

وموضوع الحرب العراقية الإيرانية رغم أهميته ـ له طبيعة خاصة تقتضي اختيار منهج بحثي يجمع بين الرصد والتحليل وهو المنهج الوصفي التحليلي، كما يقتضي خطة بحثية تتناسب مع طبيعة الموضوع، حيث يتم تقسيم الموضوع إلى عدة مباحث: يدرس كل مبحث جانباً من جوانب هذه الحرب، فضلاً عن مدخل إلى الموضوع في مبحث يتناول الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في إيران قبل الحرب. إضافة إلى مقدمة حول الموضوع وخاتمة يتم خلالها رصد أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

ونظراً إلى أن هذا البحث يتناول الحرب العراقية ـ الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية فقد اعتمد على المصادر الإيرانية الأصلية والمراجع المعتمدة، وتصريحات القيادات السياسية والعسكرية، والبيانات والنشرات الرسمية الإيرانية، وأحاديث كبار الشخصيات والكتاب الإيرانيين الذين تناولوا جانباً من جوانب هذه الحرب.

وقد راعى البحث الدقة في النقل، والاختصار في العرض وعدم التطرق إلى مسائل فرعية عن إيران تبعد البحث عن هدفه أو تمس حساسيته.

وقد واجه البحث في هذا الموضوع عدداً من التحديات والصعوبات، كان أهمها: قلة عدد المراجع الإيرانية التي تتناول هذا الموضوع أو جانباً منه، نظراً لأن هذه الحرب لم يمض على انتهائها إلا أقل من عشر سنوات مما يعني أن الحكومة الإيرانية لم تفتح ملفات هذه الحرب بعد، ولم تنشر وثائقها أو على الأقل معظم وثائقها المهمة وخرائطها العسكرية، فضلاً عن أن وسائل الإعلام والنشر الإيرانية خلال الحرب وبعدها كانت تحت الرقابة الرسمية الصارمة ولم تسمح بنشر كل الحقائق المتعلقة بالحرب، وكان تركيزها على نشر ما يمثل إنجازاً للنظام الحاكم في إيران، يضاف إلى ذلك تكرار المعلومات القليلة المنشورة بأساليب مختلفة قد تتضارب أحياناً إزاء دقة أو عدم دقة المصدر وإزاء حسه الوطني أو ضميره الواعي أو انتمائه أو مجاملته للقيادة السياسية والعسكرية. لذلك كان لابد من تجميع المعلومات بطريقة مربع أرسطو العلمية التي تشبه إلى حد ما طريقة الكلمات المتقاطعة.

ونظراً إلى أن هذا البحث هو الأول من نوعه، إذ لم يصدر، حتى الآن، بحث علمي في هذا الموضوع، ولم يخرج ما كتب فيه عن آراء وتحليلات ـ سواء في صالح إيران أو ضدها ـ تقوم على الحدس والاستنتاج أو النظر إلى الموضوع من وجهة نظر معينة خاصة حسب التوجهات السياسية أو الشخصية، فقد حرص البحث على الحياد التام في طرح القضايا وعرض المسائل المختلفة.