إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر الإيرانية





مناطق القصف العراقي
مناطق احتلتها العراق
مناطق كانت مسرحاً للعمليات
الحدود العراقية ـ الإيرانية
عمليات ثامن الأئمة
عمليات تحرير خرمشهر
عمليات طريق القدس
عمليات فتح المبين




حرب عام 1967

المبحث الأول

الأوضاع الإيرانية قبل الحرب

بدأت الحرب العراقية الإيرانية حسب ما ذكرته المصادر (إذاعة طهران بالفارسية) في الساعة الثانية والنصف بعد ظهر يوم الاثنين 31 شهر يور سنة 1359هـ. ش (22/ 9/ 1980) في حين تذكر المصادر العراقية أنها بدأت يوم 4/ 9/ 1980م باعتداءات إيرانية، وعلى كل حال فقد بدأت الحرب في شهر سبتمبر سنة 1980م أي بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران (11/ 2/ 1979م) بسنة وسبعة أشهر، كانت الساحة الإيرانية على المستوى السياسي خلالها تموج بنشاط غير عادي، كما كانت الإمكانات العسكرية لإيران في وضع لا يمكن مقارنته بفترة ما قبل الثورة حيث كان الجيش الإيراني من أقوى جيوش المنطقة بل كان يسمى بشرطي المنطقة. لذلك فإنه من الضروري التعرف على الظروف السياسية والعسكرية في إيران قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وبالتحديد منذ قيام الثورة وحتى نشوب الحرب.

أولاً: الظروف السياسية

تُعَد الفترة التي سبقت الحرب العراقية الإيرانية هي المرحلة الأولى من مراحل عمر النظام الذي أفرزته الثورة الإسلامية في إيران، وتنقسم هذه المرحلة إلى ثلاث دورات من الفعالية السياسية، يمكن اعتبار الدورة الأولى منها دورة النشاط التلقائي حيث كانت الفرحة بنجاح الثورة تغطي على الأنشطة التي تقوم بها الجماعات والأحزاب السياسية التي شاركت في صنع الثورة لدعم مواقفها وطرح مطالبها والتحكم في أوساط الشباب والجامعات والعمال باعتبارها البؤرة النشطة في الحركة، ولا شك أن الشعارات التي طرحت خلال هذه الدورة تبدو غير متوازنة بل لعلها تتناقص بتناقض الجماعات السياسية ذاتها، فمع الدعوة لجمع السلاح من أيدي الأفراد توجد دعوة أخرى لأخذ السلاح من يد الجيش وإعطائه للفدائيين والثوار، ومع الدعوة لتكاتف قوى الشعب وتوحيد الجماعات الثورية توجد دعوة لإنشاء الأحزاب والنقابات العمالية والتشكلات الصنفية، ومع الدعوة إلى إيجاد مناخ ديمقراطي مفتوح توجد الدعوة إلى الدخول في طاعة الولي الفقيه.

وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا التناقض في الطرح من قبل الجمعيات المتناقضة إلى الدخول في دورة أخرى يمكن أن نسميها دورة الصدام بين الجماعات السياسية. ومن الطبيعي أيضاً أن يبدأ الصدام مع الثورة ذاتها سواء من جانب الأفراد والجماعات التي ترى أنها قد بدأت تفقد اعتبارها أو تلك التي تستشعر في نفسها القوة والقدرة على الحصول على القيادة والحكم لنفسها خاصة تلك الجماعات الأكثر تنظيماً وتدريباً وثقافة سياسية مثل الشيوعيين والاشتراكيين والإسلاميين والليبراليين.

وتتمثل الدورة الثالثة في محاولة تثبيت الثورة والمحافظة على الأمن والهدوء مما يتطلب معه اقتسام المسؤوليات والأجهزة بين الجماعات السياسية بل وتثبيت العناصر الإدارية المؤثرة الموجودة في مواقعها.

ثانياً: مشاكل إيران في فترة ما قبل الحرب

1. صراع الجماعات السياسية

إزاء طبيعة المرحلة التي كان يمر بها الشعب الإيراني منذ نجاح الثورة وحتى قيام الحرب فقد تعرضت إيران وقيادة الثورة فيها للعديد من المشاكل، وهي حسب طبيعة الفترة مشاكل مرحلية بدءاً من الإبهام الذي سيطر على أهداف الثورة وما ترتب عليه من اختيار شعارات خاطئة مدعما بعدم الوعي سواء بالظروف أو الإمكانات أو مواقف الأطراف المختلفة إضافة إلى محاولة كل جماعة الانفراد بالسلطة مع اختلاط العناصر المخلصة للثورة بعناصر منافقة، ووجود ائتلافات غير أصيلة بين عناصر مختلفة في التوجهات والاهتمامات والأساليب، وتبسيط الأمور من جانب العامة مع وجود صراع بين الأجنحة المختلفة، وفوق كل هذا عدم وجود خبرات وتجارب مؤثرة.

وقد سمحت هذه المعوقات بنفوذ الفكر الأجنبي إلى المشروعات السياسية المطروحة ووجود اتجاهات تجديدية متطرفة، ونقص واضح في التصورات المستقبلية مع تسرب أصحاب المصلحة والغرض إلى المواقع القيادية والحساسة، لهذا كله أدى طرح المشروعات الغامضة إلى إمكانية انحراف في المسيرة وتغيير الاتجاه[1].

لقد أدى نجاح الثورة إلى تحرير قطاع كبير من القوى الشعبية وإيجاد مناخ مفتوح بلا ضابط أو رقيب مما ساعد على طرح مطالب وشعارات تخدم أهداف الجماعات المختلفة، كما عاد كثير من الجماعات الراديكالية للظهور، من جديد، من دون أي نوع من التقييم الصحيح للماضي أو من دون سابقة في مسيرة الكفاح الوطني، فضلاً عن الجماعات المسلحة التي كان نظام الشاه قد قضى عليها عادت لتبني نفسها من جديد، وتدعى حق الزعامة، من خلال الترويج لتضحياتها.

وقد أكثرت الجماعات السياسية من إصدار البيانات والرسائل المفتوحة التي لم تتسم بطرح الاقتراحات والتحليلات أو حتى التوجيه والدعاية فحسب بل عمدت إلى إحداث البلبلة والغموض في الساحة السياسية، حيث كانت الجماعات المتشددة تطالب في إصرار بإعدام مسؤولي النظام السابق وعملائه مما يخدش وجه الثورة ويصمها بالعنف، ومنهم من دعا إلى الاتصال بالجماعات الإسلامية المتشددة في العالم الإسلامي وتنسيق النشاط معها، بل أصرت جماعة محمد منتظري مثلاً أن تبقى في المطار مثيرة الضجة حتى يسمح لها بالسفر إلى لبنان، كما أثارت الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل مجاهدي خلق وفدائي إسلام اضطرابات اضطرت الخميني إلى الأمر بمواجهتها والقضاء عليها مما أدى إلى وقوع اشتباكات بين حزب الجمهورية الإسلامية ومنظمة مجاهدي خلق، كما حاول الشيوعيون استغلال يوم عيد العمال في 11 أرديبهشت 1359هـ. ش (1/ 5/ 1980م) في استقطاب الجماهير من أجل الاستيلاء على الحكم إلا أن مجلس قيادة الثورة نجح في تحويل الموقف لصالحه.

وقد امتدت الاضطرابات إلى عدد من المدن والمحافظات الإيرانية تحت تأثير نشاط الجماعات المتصارعة سواء بين بعضها البعض أو بينها وبين قيادة الثورة وكان الصراع قد تعدى الجماعات السياسية من ماركسيين وقوميين ومجاهدين وراديكاليين إلى الزعماء المحليين في المحافظات من الأشراف وأصحاب النفوذ فقد حدث اضطراب مثلاً في محافظة فارس نتيجة عدم الاعتراف بنتائج انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في هذه المحافظة وسحب عضوية "خسرو قشقائي" نائب محافظة فارس لتزوير الانتخابات، ولما كانت أسرة قشقائي تتمتع بنفوذ كبير في المحافظة فقد حدثت مواجهات شديدة وخروج على الحكومة ومجلس قيادة الثورة حتى استطاع حراس الثورة وقوات الأمن والطائرات المروحية للجيش إخماد هذه الفتنة.

2. فتنة تركمن صحرا وكنبد

وقد وصلت المشاكل إلى أبعد من ذلك في مناطق أخرى مثل منطقة تركمن صحرا في محافظة مازندران حيث استطاعت الجماعات السياسية والفدائيون النفوذ إلى القضايا المذهبية والعرقية في هذه المنطقة، فأثارت الصدامات بين الفرس والترك في هذه المنطقة، وأدى الصراع إلى حرق المزارع وتدمير المنازل وقتل الأبرياء وسبي النساء حتى طالب الإقطاعيون والرأسماليون التركمان بالاستقلال والحكم الذاتي، وقد تحرك مجلس قيادة الثورة وقام بدراسة ظروف المنطقة وإصدار قانون للإصلاح الزراعي في تلك المنطقة، ولكن ثوار التركمان شكلوا قيادة لمقاومة مصادرة الأموال والأراضي مما أدى إلى زيادة الاضطرابات فقام حراس الثورة وقوات جهاد التعمير بحماية صغار المزارعين والفلاحين وتنفيذ مشروع تقسيم الأراضي.

وقد تحولت المعارضة في هذه المنطقة إلى سبيل آخر هو الفتنة المذهبية حيث قام المتمردون بترويج الدعايات وإثارة الحساسيات بين السنة والشيعة مما أدى إلى وقوع معارك بينهما في مدينة "كنبد" مما اضطر مجلس قيادة الثورة إلى تشكيل جماعة تحت اسم المجمع الإسلامي ليقوم بإدارة المنطقة، ولكن هذه الجماعة فشلت في مهمتها وحدثت حركة اغتيالات لزعماء التركمان ألقيت تهمتها على عاتق حراس الثورة، وقد ظلت الاضطرابات تتفاقم حتى استطاعت الحكومة الوصول إلى حل مع التركمان بعد بدء الحرب العراقية الإيرانية.

3.المشكلة الكردية

كانت محافظة كردستان من أكثر المناطق توتراً في إيران خلال الفترة التي سبقت الحرب العراقية الإيرانية حيث تحالفت الجماعات السياسية المعارضة للحكومة ضد مجلس قيادة الثورة، وكان بعضها متصلاً بدول أجنبية مثل منظمة الشعب العربي، كومله، الحزب الديمقراطي، حزب الشعب المسلم، فضلاً عن الماركسيين وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني هو أقوى هذه الجماعات وله ميول شيوعية، وكان له تأثير في الأوساط العمالية وأوساط الفلاحين وكذلك المثقفين الأكراد وقد رفع شعار منح الحكم الذاتي للأكراد وإقامة مجتمع اشتراكي، وقد قامت بعض أجهزة المخابرات الأجنبية بدعمه بالمال والسلاح والمعلومات، وإزاء الفقر والتخلف الذي يسيطر على المحافظة فقد وقع معظم الأكراد تحت تأثير دعايات هذا الحزب ورحبوا بالانضمام إليه وقد تزعم السيد عز الدين الحسيني الحركة الكردية ضد الحكومة، وأصبح من الواضح أن الحكومة لن تستطيع حل المشكلة الكردية بالتفاهم أو المباحثات المباشرة لأن شعارات الجماعات الكردية ليست متناسبة مع أهدافها أولاً، كما أن الجماعات الكردية تعمل من خلال توجهات متفاوتة ثانياً، فضلاً عن وضوح الرغبة في التدخل في شؤون العاصمة ثالثاً، إضافة إلى الدعم والتحريض الأجنبي للأكراد رابعاً، وفي مقابل هذا يوجد تعنت الخميني في مواجهة الخارجين على نظام ولاية الفقيه[2].

وقد اشتعلت الفتنة في كردستان وصارت أكبر خطر يتهدد النظام الحاكم بصورة مباشرة، وقد سعت الحكومة منذ البداية أن تتفاوض مع زعماء كردستان عن طريق محافظ "سنندج" إلا أن زعماء الأكراد لم يقبلوا اقتراحات الحكومة وجعلوا من مدن كردستان خاصة مدينة مريوان قلاعاً عسكرية، وأغاروا على مدينة "باوة" وأعملوا فيها القتل، وقد استطاع الدكتور جمران وزير الدفاع كسر حصار باوة والسيطرة على المدينة، ثم هاجم الحزب الديمقراطي مدينة سنندج وحاصر المراكز العسكرية وقتل عدداً كبيراً وأخذ الكثير من الأسرى من الشهود والحراس ورجال الجيش، فأمر الخميني قوات الجيش والحراس والأمن بمواجهة الموقف، وأعلن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني حزب غير شرعي فما كان من الحزب الديمقراطي إلا أن هاجم مدينة "سقز" إلا أن قوات من الجيش والحراس المرسلة من طهران تمكنت من استعادة مدينتي مهاباد وبانة وفر عز الدين الحسيني وقاسملو وطالباني إلى العراق، وتم استعادة مدينة "سقز".

ومع تمكن قوات النظام من فرض سيطرتها على محافظة كردستان أصدر الخميني قراراً بالعفو عن الأكراد المخدوعين في الحزب الديمقراطي، كما شكل وفدا له صلاحيات الوزراء بالتفاوض مع الزعماء الأكراد، فهدأت الأحوال نسبياً.

4. قضية أذربيجان

ومن المشاكل الكبيرة التي واجهت الحكومة في فترة ما قبل الحرب العراقية الإيرانية تلك الفتنة التي قامت في محافظة أذربيجان موطن آية الله شريعتمداري الذي كانت الجماعات المتصارعة مع النظام تبرزه في مواجهة آية الله الخميني باعتباره زعيماً عاقلاً متسامحاً واعياً مطالباً بالحرية والديمقراطية على عكس الخميني العنيد المتسلط المتخلف، وقد ساعد على ذلك أن شريعتمداري كان ينتقد الحكومة بشكل دائم ويطالب بأن يظل علماء الدين في موقع الإرشاد والتوجيه وأن لا يتدخلوا إلا عند الضرورة، وكانت تصريحاته تساعد على إضعاف الحكومة المركزية وتفتيت الزعامة، بل إن معارضي النظام اتخذوها مبرراً للقيام باضطرابات عرقية وقومية خاصة في مسقط رأسه أذربيجان حيث زاد التوتر وعلت الأصوات المطالبة بالاستقلال، وقام أفراد مسلمون بالإغارة على مراكز الشرطة والجندرمة والاستيلاء على السلاح، وقد قاد المهندس "رحمت الله مقدم مراغه اى" هذا التمرد، وأصبح المتحدث الرسمي باسم تنظيم يدعى "حزب الشعب المسلم"، وكان يشارك في الاجتماعات والمحافل ويخطب في الجماهير وينتقد الحكومة والنظام في الصحف ويعلن انفصال الحزب عن النظام، وقد عمد الحزب إلى منع إجراء انتخابات مجلس الخبراء ولما فشل في ذلك طعن في نتائج هذه الانتخابات، وهاجم المحافظ ورؤساء المدن وكافة المسؤولين في المحافظة واتهمهم بالتدخل في الانتخابات، وعندما وصل الأمر إلى حد الصدام استقال عدد من مؤسسي الحزب ومنهم سيد صدر الدين بلاغي، سيد غلا مرضا سعيدي، أمير تيمور كلالي، شهاب فردوس، سيد هادي خسرو شاهي، هاشم شبستري زاده، كريم انصارين، أشرف مهاجر، موسى شيخ زاد كان، اعتراضاً على نفوذ عناصر مخربة إلى الحزب وقد استمر الوضع المضطرب في أذربيجان عدة شهور امتد خلالها إلى مدينة قم. فقد وقعت مصادمات في قم، حيث يقيم آية الله شريعتمدآري، بين أنصاره وبين أنصار حزب الجمهورية الإسلامية، استخدم فيها السلاح. وفي الوقت نفسه، اندلعت المظاهرات، في تبريز، قادها كل من "انكجي، دينوري، غروي، أ بو الفضل موسوي، شهيد مدني، مطالبين بوقف العنف والتوتر.

وقد أدان الخميني أعمال العنف، واضطر آية الله شريعتمداري إلى الإعلان بأن الخميني هو المسؤول السياسي في البلاد وأنه يكن له كل تقدير وطالب أنصاره بوقف العنف والتزام الهدوء بعد اجتماع عقده مع وفد من الحكومة ضم أحمد الخميني ومهدي بازركان وهاشمي رفسنجاني.

وقد تقرر إرسال وفد من الحكومة إلى أذربيجان مع توصيات آية الله شريعتمداري بإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، وأن يخلي الثوار المباني الحكومية وخاصة مبنى الإذاعة والتليفزيون، كما أعلن تبرأه من حزب الشعب المسلم، وقد اضطر هذا الحزب تحت حصار النظام والقوى الشعبية وعلماء الدين إلى إعلان إغلاق مكاتبه وتوقفه عن كافة أنواع النشاط السياسي مؤقتاً وحتى تتحسن الظروف.

5. قضية احتلال السفارة الأمريكية ومصير الرهائن

بدأ التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية منذ انتصار الثورة حيث أعلنت الولايات المتحدة أن إيران ربما تكون قد اختطفت إحدى ناقلات النفط في مياه الخليج مما أدى بالأدميرال أحمد مدني قائد البحرية الإيرانية بالاستقالة إلا أن الحكومة لم تقبل استقالته وقد دخلت إيران مع الولايات المتحدة في حرب إعلامية، وفي نفس الوقت أعلنت أمريكا عن قيامها بمناورات بحرية في الخليج وعن بعض العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وفي المقابل أعلنت إيران أن عملاء الولايات المتحدة في إيران يقومون بأعمال تخريبية وتفجيرات خاصة في المناطق السكنية والنفطية في خورستان والتي أدت إلى مقتل وجرح عدد كبير من المواطنين، وألهب الخميني حماس المواطنين ضد الولايات المتحدة لدعمها للشاه والرجعية في المنطقة مما أدى إلى قطع كافة السبل لإقامة أية علاقات بين إيران والولايات المتحدة وسعى الثوار في إيران إلى محو كل مظاهر الثقافة الأمريكية، وقد حاولت حكومة مهدي بازركان جهدها لوقف تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة إزاء النشاط الشيوعي المتزايد في الساحة السياسية الإيرانية إلا أن مشاعر الكراهية لدى الخميني والجماعات المتشددة ضد الولايات المتحدة لم تمنح بازركان الفرصة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقد وصلت موجة العداء لأمريكا ذروتها عندما قام عدد من الطلاب في 13 آبان 1358هـ. ش (4/ 11/ 1980م) باحتلال السفارة الأمريكية في طهران في ذكرى مقتل عدد من الطلاب على يد الحرس الشاهنشاهي في جامعة طهران، وقد تم احتلال السفارة في أعقاب المظاهرات الطلابية التي تمت بهذه المناسبة، وتم الاستيلاء على محتوياتها واحتجاز العاملين الأمريكيين في هذه السفارة، وفي نفس الوقت قام عدد آخر من الطلاب بالهجوم على القنصلية الأمريكية في شيراز واحتلالها أيضًا. وعلى الفور أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً أعربت فيه عن قلقها إزاء هذا العمل وأن القائم بالأعمال الأمريكي الذي كان مصادفة خارج السفارة يقوم بمباحثات مع وزير الخارجية الإيراني، وقد رد الطلاب على هذا البيان ببيان انتقدوا فيه الحكومة المؤقتة وكالوا الاتهامات لكثير من السياسيين الإيرانيين، وقد قام مجلس قيادة الثورة ببحث هذه القضية، وقد لخص الدكتور بهشتي أحد أعضاء المجلس الموقف بقوله: "لقد اتصل مسؤول بالخارجية الأمريكية فقلت له إننا قد حذرناكم سابقاً بأنه يجب أن تدركوا أن في إيران ثورة وكلامها صريح ولا تتحدث بلغة الدبلوماسية واعترضت على قبولهم للشاه وقلت ينبغي أن يسعوا إلى فهم ثورة إيران بشكل أفضل". وقدم بهشتي للمسؤول الأمريكي شروط إيران وهي ثلاثة: قضية الشاه، قطع الغيار، الحل السياسي للقضايا التجارية، واقترح رفسنجاني أن يحضر رمزي كلارك للتفاوض دون أن يحمل رسالة للخميني.

وقد أعلن مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة أنه سيعقد جلسة طارئة بناء على طلب الولايات المتحدة لبحث قضية الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران وطلب من إيران إرسال وزير الخارجية أو ممثل لها لتوضيح الموقف ولكن الخميني رفض الطلب وبرفض الخميني إرسال مندوب إلى مجلس الأمن اتخذ الموقف اتجاهاً آخر، وسيطر الانفعال على الشارع الإيراني والمسؤولين الإيرانيين.

تولى مجلس قيادة الثورة إدارة شؤون البلاد بعد أن قدم المهندس بازركان استقالة حكومته وقبول الخميني هذه الاستقالة، فتولى المجلس إدارة انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وانتخابات رئاسة الجمهورية، كما كانت قضية احتلال الطلاب السفارة الأمريكية والرهائن الأمريكيين على رأس القضايا التي تشغل المجلس، ومع التأييد المستمر للطلاب من جانب فئات الشعب المختلفة كان من الطبيعي أن تتعقد المشكلة وتستغرق وقتاً طويلاً لحلها، وكان الشرط الذي وضعه الخميني للإفراج عن الرهائن هو طرد الشاه من الولايات المتحدة دون أن يُعلن عن ذلك، وإزاء اتخاذ مشكلة الرهائن رمزاً للصراع مع الولايات المتحدة فقد بدت المشكلة أصعب من أن تحل بعدة رسائل أو بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة.

قامت الولايات المتحدة بدفع عشرات المنظمات والشخصيات العالمية للتوسط لدى الخميني وزعماء الثورة الإسلامية، في الوقت الذي قام فيه الطلاب بإذاعة محتويات وثائق السفارة التي تشير إلى قيام الولايات المتحدة بعمليات تجسس ضد إيران وضد زعماء الثورة. وقد أصدر مجلس الأمن بياناً أدان فيه احتلال السفارة الأمريكية في إيران وطالب بالإفراج عن الرهائن الأمريكيين إلا أن قيادة الثورة لم تلق بالاً لهذا القرار ولا لوساطة بابا روما لدى الخميني، وأصرت إيران على مطالبها بالإفراج عن الأموال الإيرانية وتسليم الشاه، وفي نفس الوقت قامت الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو واليابان استناداً إلى إدانة مجلس الأمن بالتقليل من استيراد النفط الإيراني، في حين اعترض الاتحاد السوفيتي على المقاطعة الاقتصادية لإيران. وقد طرحت الولايات المتحدة الأمريكية القضية على محكمة العدل الدولية في لاهاي وقد أدانت المحكمة إيران وطالبتها بإطلاق سراح الرهائن.

ورغم إعلان الولايات المتحدة إبعاد الشاه إلى جزر باهاما إلا أن الطلاب اعتبروا ذلك نوعاً من التلاعب السياسي الأمريكي كما أكدوا على أن حكم محكمة لاهاي سطحي ومتعجل، وقد اعتمد مجلس قيادة الثورة في بيان له رأي الطلاب، وأكد رفسنجاني أن إيران لا تسعى لمحاكمة أعضاء السفارة وإنما تطالب بتشكيل لجنة دولية لبحث جرائم أمريكا في حق إيران.

استمر الطلاب في إصدار البيانات ونشر وثائق السفارة وتحليلها وإبداء آرائهم حول القضايا السياسية الداخلية مما أثار موجة جديدة من التوتر حيث كانت هذه البيانات تمس بعض رجال الحكومة المؤقتة، وقد اضطر مجلس قيادة الثورة إلى إصدار بيان يدعو فيه الطلاب بالتزام الحذر في مسألة نشر الوثائق وتحليلها والتأكيد على أن التسرع في نشر الوثائق قد يعرض الثورة للخطر، وأن نشر هذه الوثائق لا يكون إلا من خلال احترام جميع الجوانب الإسلامية وبصدور حكم من محكمة، في حين دعم حزب الجمهورية الإسلامية موقف الطلاب ووصفه بأنه منح روحاً جديدة لجسم الثورة وأن نشر الوثائق هو الذي يمكن أن يحافظ على الثورة في مواجهة المؤامرات ولا يشكل خطراً على الثورة.

وهكذا تحولت قضية الرهائن الأمريكيين إلى مأزق أدى إلى انقسام قيادات الثورة، وقد حاول الخميني الخروج من هذا المأزق بتقسيم القضية إلى ثلاثة ملفات، عهد بالملف الأول إلى هاشمي رفسنجاني ويتضمن التحقيق في الاتهامات الموجهة للساواك الذي يساعده الأمريكيون وهي تهم التعذيب والقتل وقمع الحريات، أما الملف الثاني فقد عهد به إلى بني صدر ويتعلق بالتعديات الأمريكية على الشؤون الاقتصادية لإيران، وقد عهد بالملف الثالث إلى صادق قطب زاده ويتعلق بالسياسات الخارجية للشاه وتقاضيه الرشوة والهدايا من أجهزة المخابرات الأجنبية.

وفي 10 دي 1358هـ. ش (31/ 12/ 1980م) وصل كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة إلى طهران لحل مشكلة الرهائن، ورغم مباحثات فالدهايم مع قطب زاده إلا أنه لم يصل إلى نتيجة إيجابية مع رفض الخميني مقابلته، وقد شكلت الأمم المتحدة لجنة تقصي مخالفات الشاه وطلبت مقابلة الرهائن، ولكن الطلاب قدموا بعض الشروط لهذه اللجنة حتى تثبت عدم تبعيتها للولايات المتحدة، وقد اتضح من هذه الشروط استقلال الطلاب عن مجلس قيادة الثورة وتشددهم فقد أدى وصول لجنة التحقيق إلى صدام بين الطلاب ومجلس قيادة الثورة لاعتقادهم بأن لقاء اللجنة بالرهائن مقدمة للتصالح مع أمريكا، ورفضوا تسليم الرهائن للحكومة أو لمجلس قيادة الثورة، واضطرت لجنة التحقيق إلى مغادرة إيران دون لقاء الرهائن.

ورغم رغبة بني صدر رئيس الجمهورية في ذلك الوقت حل مشكلة الرهائن الأمريكيين في أسرع وقت إلا أن مجلس قيادة الثورة لم يكن يرى من المصلحة أن تتولى الحكومة أو مجلس قيادة الثورة استلام الرهائن لأنه لا يجوز لحكومة أن تتخذ رعايا دولة أخرى كرهائن.

ومع اشتداد الأزمة السياسية في إيران حول موضوع الرهائن كانت الأخبار تترى بتحركات عراقية غير مسبوقة على الحدود الإيرانية وأن القوات العراقية تقوم بأعمال استفزازية مثل قصف مصنع تكرير النفط في كرمانشاه وطرد 15 ألف إيراني الأصل من العراقيين إلى الحدود الإيرانية، والإغارة على الأماكن المقدسة للشيعة في النجف وكربلاء والقبض على بعض علماء الشيعة فضلاً عن مطالبة العراق لإيران بالتخلي عن الجزر العربية الثلاثة في الخليج. (أُنظر شكل الحدود العراقية ـ الإيرانية)

وفي نهاية شهر فروردين 1359هـ. ش (20/ 4/ 1981م) أعلن الرئيس الأمريكي قطع العلاقات السياسية مع إيران ورحب الخميني بهذا القرار. وفي الخامس من شهر ارديبهشت 1359 (25/ 4/ 1981) قامت طائرات هيلوكبتر أمريكية بالهبوط في مطار مهجور في صحراء طبس بإيران في محاولة إنقاذ الرهائن الأمريكيين وإلحاق ضربة عنيفة بالحكومة الإيرانية، ولكن سرعان ما أعلن الرئيس الأمريكي عن إلغاء هذه العملية لعيوب فنية في طائرات الإنقاذ، وعند الانسحاب اصطدمت طائرتان مروحيتان بعد تزويدهما بالوقود، وقد فشلت هذه العملية وترك الأمريكيون وراءهم خمس مروحيات وطائرة وعدد من مشاة البحرية الذين احترقوا في هذا الصدام. وقد كان الهجوم على طبس قمة اشتعال الصراع بين إيران والولايات المتحدة في قضية الرهائن، واعتبرت هذه العملية نوعاً من إعلان الحرب والاعتداء العسكري الأمريكي على إيران.

ومع زيادة الأخبار المتعلقة بالتحرشات العراقية بإيران، ومع وصول هاشمي رفسنجاني لرئاسة مجلس الشورى الإسلامي فتحت قناة جديدة للمباحثات، حيث أرسل 185 نائباً في الكونجرس الأمريكي رسالة إلى رئيس مجلس الشورى الإسلامي حول تسوية مشكلة الرهائن فطالب رفسنجاني الكونجرس بأن يعلن للشعب الأمريكي عن كذب الحكومة الأمريكية وأنها هي التي أدت بتصرفاتها إلى تعقيد الأزمة مشيراً إلى تجميد الأموال الإيرانية في البنوك الأمريكية، ووقف تصدير قطع الغيار المدفوع ثمنها مقدماً لإيران، والمقاطعة السياسية والاقتصادية، والدعاية المضادة لإيران، وحادثة طبس، ومحاولة انقلاب نوجه وضرب الطلاب الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة.

وقد أحال الخميني قضية الرهائن إلى مجلس الشورى الإسلامي مما ساعد على حل القضية خاصة مع وطأة بداية الحرب العراقية الإيرانية، حيث اشترط المجلس لتسليم الرهائن أربعة شروط هي: عدم التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية لإيران من جانب أمريكا، تحرير الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية، إلغاء الدعاوى المالية والقضائية والجزائية الأمريكية ضد إيران، إعادة أموال الشاه وأقاربه إلى إيران، وقد فوض المجلس الحكومة بتولي تنفيذ هذه الشروط، ومع توسط الجزائر تم الوصول إلى اتفاق وتم إطلاق سراح الرهائن بعد 444 يوماً قضوها في الاحتجاز، وأعرب رفسنجاني في كلمته بمجلس الشورى الإسلامي يوم أول بهمن 1359هـ. ش (21/ 1/ 1982م) عن سعادته بانتهاء المشكلة.

6. مشكلة الإدارة

كانت إدارة البلاد من أصعب المشاكل التي واجهت قيادة الثورة، لأن إدارة مجتمع ثوري تختلف تماماً عن إدارة مجتمع تقليدي، فلم يكن أسلوب الإدارة واضحاً محدداً، إن سقوط الملكية وإقامة الجمهورية الإسلامية لم يكن أكثر من إجراء ثوري تغيرت به المسميات ولكن نظام الإدارة السابق ظل كما هو، والأفكار الثورية يقوم بتنفيذها عناصر غير ثورية، فالدكاترة والخبراء والمهندسون في معظمهم قد عملوا وتربوا في النظام السابق لذلك يصعب عليهم أن يتفاعلوا مع الأفكار الثورية في الإدارة، وبمراجعة سريعة للجهاز الإداري منذ قيام الثورة وحتى نشوب الحرب العراقية الإيرانية نستطيع أن نتبين مدى عمق مشكلة الإدارة في إيران خلال هذه الفترة.

لقد كان واضحاً بعد انتصار الثورة أن الزعامة قد صارت لعلماء الدين وأصبح الخميني زعيماً للثورة، كما أصبحت المؤسسات التشريعية والقضائية تحت سيطرة علماء الدين أيضاً، أما المؤسسات التنفيذية فقد صارت من نصيب المثقفين الإسلاميين والليبراليين بينما أصبحت المؤسسات الإعلامية والصحفية في يد اليساريين، وقد وزعت وزارات الحكومة المؤقتة على القيادات السياسية بمختلف اتجاهاتها.

ولا شك أن هذا التقسيم لم يكن وفق خطة مدروسة وضعت مسبقاً وإنما أدى إليه الوضع الذي فرض نفسه نتيجة ظروف قيام الثورة واشتراك عناصر كثيرة فيها تنتمي إلى اتجاهات مختلفة وانتماءات كثيرة، ولقد كان موقف الزعيم الخميني واضحاً من عدم المبادرة باشراك علماء الدين في الإدارة وكان يفضل أن يقوم رجال العلم والإدارة المناضلين الأحرار بهذا الدور. لذلك اختار المهندس مهدي بازركان رئيس حركة الحرية المتفرعة عن الجبهة الوطنية ليكون أول رئيس للحكومة، وترك له فرصة اختيار معاونيه من مختلف قيادات الثورة، وقد اتضح من سير الأحداث أن هذه الحكومة لم تكن مؤقتة فحسب بل كانت شكلية تماماً، فرغم أنها ضمت معظم الشخصيات السياسية والدينية البارزة وسعت إلى إقرار الأوضاع وإعادة البلاد إلى حالتها الطبيعية إلا أنه قد ثبت لها أن زمام الأمور لم تكن في يدها لأن مجلس الثورة الذي لم يحل مع تشكيل الحكومة كان يمارس نفوذه في إدارة البلاد، مما اضطر بازركان إلى أن يعلن أن مهمة الحكومة ستنتهي بمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء على شكل النظام.

من الواضح أن الخميني لم يكن يحبذ وقوع صدام بين علماء الدين ورجال السياسة والعلم بل كان يرى ضرورة التعاون بينهم، وأن لا يحطم كل منهم عمل الآخر، وأن يضع كل منهم نفسه في خدمة الإسلام والبلاد. إلا أن ظروف الإدارة قد أوجدت هذا الصدام، وعندما رأى الخميني عدم إمكان تحقيق تقدم في ظل حكومة بازركان لم يفقد الأمل في رجال العلم والسياسة واختار الدكتور أبو الحسن بني صدر المستشار الاقتصادي للحكومة المؤقتة والذي كان عضواً في لجنة الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، ودفع به إلى مقدمة الصفوف ورشحه لتولي منصب رئاسة الجمهورية وسانده حتى نجح في الانتخابات وصار أول رئيس للجمهورية الإسلامية ورغم وضوح المنهج الليبرالي الذي كان ينتهجه بني صدر في الإدارة إلا أن الخميني سانده على أمل أن يصل بهذا المنهج إلى نفس الأهداف الإسلامية التي وضعتها قيادة الثورة دون أن يدري نتيجة لجهله الإداري أن المنهج الليبرالي لا يتلاقى مع المنهج الإسلامي في الأهداف، ورغم أن الخميني قد منح بني صدر كل الصلاحيات اللازمة لقيادة الإدارة إلا أنه قد اصطدم بعلماء الدين الذين اتخذوا مواقف عملية في مواجهة أسلوب بني صدر في الإدارة بدعوى أن أسلوبه قد سمح لأعداء الإسلام والثورة أن يدسوا السم في العسل ويعملوا على القضاء على النظام الإسلامي، وقد بدأ الصراع بين الطرفين منذ اللحظة الأولى سواء بالضغط عليه في مجلس قيادة الثورة لينصرف عن فكرة تشكيل وزارة مؤقتة برئاسته تسهل عليه تنفيذ أفكاره، أو من خلال مجلس الشورى الإسلامي لفرض رئيس وزراء مخالف لأفكار بني صدر، وقد سعى الخميني إلى تهدئة علماء الدين من أجل فرض رئيس للوزراء هو محمد على رجائي على بني صدر وتدخلوا في تشكيل حكومته مما أدى إلى خروج بني صدر عن هدوئه واتزانه فهاجم علماء الدين علانية في وسائل الإعلام والمحافل الشعبية واتهمهم بالدكتاتورية والتسلط ومحاولة تصفية معارضيهم.

وعندما كان علماء الدين يشكون إلى الخميني من تصرفات بني صدر كان يقول لهم: "ابقوا في مواقعكم ولا تضعفوه وحولوا دون إسقاطه، فقط ابعدوا عنه العناصر التي تحاول أن تنفذ إلى جهازه وإدارته". كان من الواضح أن بني صدر لن يستمر في إدارة البلاد، وقد اكتملت عناصر هزيمته عندما اتهم بعدم القدرة والكفاءة في إدارة البلاد وسحب مجلس الشورى الإسلامي الثقة منه، واضطر الخميني آخر الأمر إلى عزله.

لقد كان الخلاف بين علماء الدين ورئيس الجمهورية حول أسلوب الإدارة هو أساس المشكلة لأن رئيس الجمهورية الليبرالي أعطى الفرصة للعناصر الليبرالية في الإدارة أن يضعفوا عمل العناصر الثورية كما سمح بدخول عناصر مدعية للثورة دون أن تكون مخلصة لها، كما أن علماء الدين قد دفعوا بأفراد متدينين ومخلصين للثورة إلى صفوف الإدارة دون أن تكون لديهم أية خبرات إدارية، فضلاً عن وجود انتماءات حزبية بين الإداريين مما ساعد على انشغال رجال الإدارة بالصراع فيما بينهم وإفساد كل منهم لعمل الآخر والسماح بتسرب الفساد المالي والأخلاقي إلى الأجهزة الإدارية، إضافة لضعف القدرة على التخطيط والتوقع.

7. مشكلة الاقتصاد

كان من الواضح أن سوء الإدارة الذي اتسمت به المرحلة التي سبقت قيام الحرب العراقية الإيرانية قد فشل في توفير الاحتياجات الأساسية للجماهير خاصة مع التأكيد على شعارات الثورة بدعم المحرومين والقضاء على الفوارق بين الطبقات، في الوقت الذي يتطلع فيه من قاموا بالثورة وكلهم من الطبقات المحرومة تقريباً أن يجنوا ثمار جهدهم وكفاحهم، ولكن كان من الطبيعي ان يحدث التضخم وزيادة الأسعار مع انهيار النظام السابق وأن تظل فوضى ارتفاع الأسعار حتى يتم استقرار نظام جديد.

وكان مجلس قيادة الثورة قد شكل لجنة من بين أعضائه سماها لجنة النفط لكي تعالج المشاكل التي نجمت عن إقدام عمال النفط في خورستان وكرمان إلى قطع إنتاج وتصدير النفط مما أحدث ارتباكاً شديد في الحركة داخل إيران وتحفزاً للتدخل لدى الدول الصناعية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تمكنت اللجنة من تشغيل الإنتاج بما يكفي حاجة مصانع التكرير لتوفير الاحتياجات الداخلية من مشتقات البترول.

كما أدت ظروف الثورة إلى تخزين السلع الضرورية والاتجار بها في السوق السوداء مما خلق طائفة من المستغلين الذين كونوا ثروات كبيرة على حساب المواطنين البسطاء، ولم تستطع حكومة مهدي بازركان أن تواجه تردي الحالة الاقتصادية، وكان أبو الحسن بني صدر المستشار الاقتصادي لهذه الحكومة قد طرح على مجلس الثورة برنامجاً لإعادة بناء الاقتصاد الإيراني ويتلخص في: قطع الروابط العضوية للتبعية للخارج، تدمير النظام المصرفي الحالي وإقامة غيره، تحرير العملة الإيرانية من ارتباطها بالدولار الأمريكي، إعادة دمج البترول بالاقتصاد الإيراني، تغيير بنية الصادرات، توزيع الأنشطة في مختلف فروع الاقتصاد.

وقد أقر مجلس قيادة الثورة الخطوط الرئيسية التي وضعها أبو الحسن بني صدر لإعادة بناء الاقتصاد الإيراني ولكن حكومة بازركان لم تكن بالقوة والثبات الذي يسمح لها إعادة بناء الاقتصاد أو حتى فتح الملف الاقتصادي، وعندما نجح بني صدر في أن يصبح رئيساً للجمهورية لم يتح له مجلس الشورى الإسلامي الذي يسيطر عليه علماء الدين أن يختار معاونيه والفريق الاقتصادي الذي ينفذ به مشروعه، كما أدى تصاعد الصراع بينه وبين علماء الدين إلى إهماله لهذا المشروع حتى يثبت أركان إدارته ولكنه فشل في النهاية وفر هارباً خارج البلاد دون أن يفعل شيئاً للاقتصاد وعلى أثر هربه طوى ملف الإصلاح الاقتصادي الذي وضعه، وازدادت الحالة الاقتصادية سوءاً وأصبحت مشكلة تؤرق النظام خاصة مع بدء الحرب مع العراق.

وقد حاول علماء الدين تغطية النفقات الضرورية وتوفير السلع الأساسية من خلال أموال المرجعية المذهبية التي تتمثل في الخمس والنذور والزكاة والتبرعات. وقد فتح الخميني حساباً خاصاً في المصارف تحت اسم حساب لجنة مساعدات الإمام كما أصدر أوامره بإنشاء مؤسسة المستضعفين ومؤسسة مساعدة أسر ضحايا ومتضرري الثورة وحول إليها كافة الأموال النقدية والعينية المصادرة من أملاك أسرة بهلوي وكبار الأغنياء الفارين وعملاء النظام الذين أدانتهم محاكم الثورة فضلاً عن تأميم البنوك والصناعات الكبيرة والمصادر الطبيعية كالغابات وأراضي البناء والمراعي والمياه والنفط وصناعته.

8. المشكلة الاجتماعية

بدأت الثورة الإيرانية فور نجاحها في إسقاط الشاه وحكومته ـ شأنها شأن كل الثورات ـ تمارس نشاطاً صارخاً في محاولة لتثبيت نفسها أولاً عن طريق العنف في مواجهة أعداء الثورة من الملكيين وغيرهم، والتخلص منهم بمحاكمات سريعة كانت نتائجها الإعدام غالباً، ثم تصفية العناصر المتنافرة داخل الثورة بعضها البعض حيث سعى أنصار ولاية الفقيه إلى التخلص من الشيوعيين والقوميين وكثير من الليبراليين بالقتل أو السجن أو الإرغام على الهرب. وقد أدى هذا إلى وقوع الكثير من الضحايا وتشريد كثير من العائلات ووجود الكثير من اليتامى والأرامل يضافون إلى ضحايا الثورة ضد النظام السابق وقد أسفرت هذه الأحداث ونتائجها عن العديد من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية فقد تفشى الفساد والفحشاء والإدمان، وقد شجع أعداء الثورة على إغراق المجتمع في هذا الفساد، حيث كان الأغنياء يعتقون رقابهم ويحفظون ممتلكاتهم بالرشوة أو تقديم الخدمات اللاأخلاقية.

فضلاً عن ذلك فقد ساد النفاق والرياء لقيادات الثورة والتظاهر بتأييد زعماء الثورة وولاية الفقيه، كما تفشى الكذب لإرضاء غرور القيادات الثورية. حيث أصبحت المحاكم الثورية سيفاً مسلطاً على الرقاب بمحاكمتها السريعة وأحكامها التي كانت الإعدام في الأغلب الأعم والتي أثارت موجة عارمة من الخوف، وكان اسم آية الله خلخالي رئيس هذه المحاكم يثير الذعر والفزع، حتى تدخل الخميني وعزل خلخالي وشكل مجلساً تحت إشراف مجلس قيادة الثورة لوضع لائحة في مدة محددة لشؤون هذه المحاكم وعهد للدكتور أسد الله مبشري بالإشراف على وضع هذه اللائحة(محاضر جلسات مجلس قيادة الثورة، جلسة يوم 27/ 12/ 1357هـ. ش.) وكان هذا الأمر بداية لوقف أحكام الإعدام بالجملة التي اشتهرت بها محاكم الثورة.

وقد عبر الخميني عن رأيه في سوء الأوضاع السياسية وعدم قدرة المسؤولين على إدارة البلاد وحل المشكلات في رسالة وجهها إلى مجلس الوزراء، يقول فيها: "يا للأسف أنكم مشغولون بالشجار غافلون عن الناس، فلا أنكم استطعتم أن تصلحوا الاقتصاد أو أن تعيدوا الأمن، لا شيء، كل عملكم هو الشجار مع بعضكم البعض، فالجميع يجلس في طهران ويتشاجر، وهذا ليس صواباً، هذا مخالف للإسلام، مخالف للأخلاق الإسلامية، أقولها لجميع السادة لا تحاربوا بعضكم ولا تملأوا الصحف مرة أخرى بشتائمكم لبعضكم فالنقد غير الانتقام وتصفية الحسابات، اعملوا من أجل البلاد، ولا تجلسوا داخل مقار الوزارات تقولون نفس الكلام السابق ونفس الروتين والتلاعب بالأوراق، كونوا أخوة متساوين، واعملوا من أجل هذه البلاد، وانشروا الأمن في البلاد.

ثالثاً: الظروف العسكرية

كان الجيش الإيراني قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران هو مفخرة الشاه حيث كان يسعى إلى أن يجعله أقوى جيوش المنطقة، وقد صرح ذات مرة بأنه بالفعل أقوى جيش في المنطقة بعد إسرائيل، فكان يوفر له كافة احتياجاته من التنظيم والتدريب والتسليح على أحدث مستوى وكان يستقدم له الخبراء من الولايات المتحدة الأمريكية لتطويره، كما كان يقدم له المزايا الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وينفق عليه بسخاء حيث كان الجندي والضابط على السواء في وضع اجتماعي ومعيشي متميز، خاصة حراس الشاه الذين يسميهم بالأجاويد، مما جعل هذا الجيش مرتبطاً به محباً له مخلصاً في خدمته، بل كان من غير المتصور فصل هذا الجيش عن الملكية ورمزها.

وقد ذكر بني صدر في نقده لنظام الشاه أن النظام قد جعل الجيش يلعب دوراً حاسماً في التفكك الاقتصادي والاجتماعي لأنه جعل هدفه الحفاظ على النظام وقمع كل القوى التي تعارضه وفي سبيل ذلك فقد بلغ الحد الأدنى للنفقات المباشرة على الجيش وقوى النظام أكثر من ستة وعشرين في المائة من الميزانية العامة بالإضافة إلى عشرة في المائة من ميزانية الإدارة والتطوير وبالمقارنة فإن النفقات العسكرية في عهد الدكتور مصدق (50/ 1951م) لم تبلغ سوى اثنين وواحد من عشرة في المائة من الناتج القومي العام بينما شكلت في سنة 1967م سبعة وخمسة وسبعين في المائة ووصلت إلى أحد عشر وخمسة وعشرين بالمائة سنة 1971م، وبهذا تكون إيران قد تجاوزت أعلى نسبة إنفاق عسكري في العالم.

وقد ظل الجيش في معظمه وفياً للشاه وحكومته حتى انتصار الثورة الإسلامية حيث كان يطيع الأوامر الصادرة إليه بالتصدي للمظاهرات وإطلاق النار على المتظاهرين، إلا أن المذابح الكثيرة التي نتجت عن ذلك أدت إلى تراجع عدد من الضباط وفرار عدد من الجنود، فأعلن الخميني في الثالث والعشرين من شهر بهمن سنة 1357هـ. ش أي اليوم التالي لإعلان انتصار الثورة الإسلامية في بيان له عدم التعرض لقوات الجيش والجندرمة والشرطة التي انضمت إلى الشعب وأن تعامل بأخوة.

وقد طالب الشيوعيون والقوى المتحالفة معهم في بيان أصدروه عن اجتماعهم بجامعة طهران في 5 إسفند 1357هـ. ش حل الجيش وقد أيدهم في ذلك منظمة مجاهدي خلق. وقد قامت بعض الجماعات المسلحة بمهاجمة معسكرات الجيش في المحافظات خاصة في محافظة كردستان حيث استولى مجلس الثورة الشعبية للأكراد على قاعدة مهاباد العسكرية الضخمة، وأصدر بياناً قال فيه: "إن الفرق الأساسي بين جيش الشعب وجيش استبدادي استعماري هو أن كل فرد فيه لديه حرية الفكر ويمكنه أن يحافظ على عقيدته الشخصية والدعوة لها، إن جيش الشعب على عكس جيش الاستبداد لا يحمل أي فكرة على جميع الأفراد، وإن زعماء مليشيات مجاهدي خلق وفدائي خلق والجماعات المسلحة الأخرى تقوم بإزالة هذه العيوب وتقوم بإنشاء جيش شعبي حقيقي".

وكانت منظمة فدائي خلق قد طلبت من الخميني في بيان لها أن يوقف جمع السلاح من الفدائيين وأن يجرى مباحثات بين قوات الحكومة وقوات الفدائيين من أجل توزيع السلاح الذي صودر من جيش الشاه.

1. بناء جيش حراس الثورة

إزاء ضعف الأجهزة الأمنية وشراسة الجماعات المسلحة كان من الضروري إقامة تشكيل جديد للقوات يمكن الاعتماد عليه، لذلك أعلن "أمير انتظام" مساعد رئيس الوزراء عن قرار لمجلس الوزراء بتشكيل جيش حراس الثورة الإسلامية. وقد كلف الخميني آية الله لاهوتي بتشكيل قوات مقاتلة تحافظ على الثورة وعينه رئيساً لجيش حراس الثورة وحدد مسؤوليته بمواجهة العناصر المعادية للثورة والعناصر المخربة للبلاد. وقد قام على تنظيم هذه القوات الجديدة وتدريبها الدكتور مصطفى جمران ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية تحت إشراف مجلس قيادة الثورة وقد صار هاشمي رفسنجاني مسؤولاً عن نشاطها وعملياتها ووضع لائحتها.

وقد تكونت أربع جماعات منفصلة من الحراس تحت قيادة واحدة، كما تكون مجلس لها من اثنى عشر شخصاً يضم ست لجان لشؤون الحراس وعملياتهم وهي لجنة القيادة، لجنة العمليات، اللجنة الايديولوجية، لجنة الإمداد والشؤون المالية، لجنة الشؤون الإدارية، لجنة الاستخبارات. وقد اجتهد مجلس قيادة الثورة في دعم الحراس وتقوية جيشهم وزيادة عدده وأن يكون متميزاً عن شكل وأداء سائر قوى الشرطة والجيش، ولا يكون له أدنى اهتمام بشيء غير أهداف الثورة وأمانيها حتى يمكن الاستفادة منه كأهم وأفضل قوة للنظام.

وقد أكد هاشمي رفسنجاني على ضرورة أن تجمع البنية الداخلية لجيش الحراس بين اللامركزية في الإدارة وبين الديمقراطية مع المحافظة على سلطة القيادة المركزية واحترام تنفيذ المبادئ والإستراتيجية العامة، وأن يكون لمجلس القيادة صلاحيات القيادة، وأن تدعم الحكومة هذه القيادة، وأن يكون هناك تدرج قيادي، وأن يكون أعضاء الجيش مؤمنين بالثورة الإسلامية وإسلامية الثورة والجمهورية الإسلامية.

وقد كان الاختلاف بين قيادات الثورة في هذا المجال حول المدة التي ينبغي أن يستمر إليها هذا الجيش، فقد كان الدكتور جمران يرى أن يظل هذا الجيش إلى الأبد، بينما يرى آية الله مهدوي أن يظل هذا الجيش حتى استقرار الأمور والنظام وقد أيد بعض الأعضاء الرأي الأول بينما أيد بعضهم الرأي الثاني، في حين أن هاشمي رفسنجاني كان يرى أن يترك هذا الأمر للإطار العملي والتنفيذي وأن المهم هو أن لا ينفذ إلى هذا الجيش أي من الشيوعيين أو المرتزقة، كما أكد على أن لا يقوم هذا الجيش بأعمال عنف صارخة، ولكن الأحداث التي تفاقمت جرّت هذا الجيش إلى مثل هذه الأعمال فقام بقمع الحزب الديمقراطي الكردستاني وقام بقمع "منظمة الشعب العربي"، وقمع الفتنة الطائفية في سيستان وبلوجستان.

قامت جماعة الفرقان المتطرفة باغتيال اللواء قرني وزير الدفاع في 3/ 2/ 1358هـ. ش (23/ 4/ 1980م) وكان من الشخصيات العسكرية المؤثرة وربما كان الخبير العسكري للحكومة المؤقتة ومجلس قيادة الثورة، كما كان رئيس أركان القوات الوطنية في الحكومة المؤقتة. وقد ذهبت جماعة الفرقان إلى أبعد من ذلك عندما قامت باغتيال آية الله مرتضى مطهري أحد أبرز أعضاء مجلس قيادة الثورة وأقرب علماء الدين إلى الخميني في 11/ 2/ 1358هـ. ش (1/ 5/ 1980م). وكان آية الله مرتضى مطهري يرأس مجلس قيادة الثورة في غياب الخميني وينقل للمجلس تعليماته وآراءه، كما حاولت هذه الجماعة اغتيال الرجل الثاني في المجلس وهو هاشمي رفسنجاني في 4 خرداد 1358 (28/ 5/ 1980م) ولكنه إصابته لم تكن خطيرة.

وقد أكدت هذه الاغتيالات على ضرورة دعم وتنقية وتقوية جيش حراس الثورة الإسلامية وتكليفه بحماية الشخصيات القيادية في الثورة والنظام خاصة مع محاولة اغتيال كل من حجة الإسلام مهدي عراقي وولده وحجة الإسلام حسين مهديان مدير مؤسسة كيهان الصحفية، ثم اغتيال آية الله قاضي طباطبائي في تبريز، وفي يوم 27 آذر 1358هـ. ش تم اغتيال آية الله محمد مفتح في طهران وكان من كبار منظري النظام وصاحب فكرة التوحيد بين الحوزة الدينية والجامعات.

بعد اغتيال اللواء قرني والدكتور مصطفى جمران، تولى شؤون الجيش وحراس الثورة حجة الإسلام سيد علي خامنه اي في حين تولى حجة الإسلام رفسنجاني الداخلية والشرطة وقوات الأمن وتولى حجة الإسلام مهدوي كنى اللجان الثورية، وهي المؤسسات الرئيسية التي أصبح من حقها فقط حمل السلاح.

2. عجز الجيش في فترة ما قبل الحرب

لقد كانت فتنة كردستان هي المحك الرئيسي لاختبار قوة الجيش من ناحية وأهمية حراس الثورة من ناحية أخرى، حيث قرر الخميني في أوائل شهر مرداد 1358هـ. ش (أواخر يوليو 1980م) أن يتدخل الجيش والحراس لإخماد فتنة كردستان فأرسل الجيش قوة إلى مدينة "مريوان"، كما قاد الدكتور جمران بنفسه قوة لفك حصار مدينة "باوه" وبعد معركة طاحنة أسقطت فيها طائرة فانتوم وطائرة مروحية للجيش تمكن فيها اللواء مصطفى جمران من كسر الحصار في حين فشلت قوات الجيش الأخرى في مواجهة ثوار كردستان في كل من مريوان وسننذج طوال صيف 1358هـ ش، وقد برر هاشمي رفسنجاني هذا الفشل بعجز قيادات الجيش وتباطؤها في إمداد القوات بالطائرات المروحية والعتاد والمؤن مما يدل على عدم تصفية الجيش تصفية كاملة، وأن الشك يحوم حول قائد القوات المروحية، لذلك قرر مجلس قيادة الثورة إجراء تغييرات في قيادات الجيش.

وقد تدخل الحراس في القتال الذي دار من منزل إلى منزل في "سقز" وكذلك استرداد معسكرات الجيش من "سقز" وحتى "اروميه" "ومهاباد" "وبانه" مما رفع معنويات الجيش واستطاع تحقيق النصر على الثوار الأكراد. وقد أدى هذا النجاح النسبي إلى خفوت الأصوات المطالبة بحل الجيش وارتفاع الأصوات المطالبة بتجديده وتقويته، وقد سمح للجيش بحرية الحركة في منطقة كردستان، في حين صدرت الأوامر للحراس بالعودة إلى ثكناتهم.

وقد دلت أحداث آذربيجان على أن حراس الثورة الإسلامية لم يكونوا حتى ذلك الوقت بالقوة التي تمكنهم من فض الاشتباكات ووقف أعمال العنف حتى أنهم كانوا يخطفون ويتخذون كرهائن من قبل الثوار للضغط على الحكومة، فكان مجلس قيادة الثورة يرسل لهم التعزيزات من طهران حتى تمكنوا من القضاء على "حزب الشعب المسلم" وإقرار الأمن والهدوء في محافظة آذربيجان.

لقد كانت قضية حل الجيش من أكبر وأهم القضايا التي واجهت مجلس قيادة الثورة حيث طرحها بعض أعضائه منذ انتصار الثورة في 22 بهمن (11/ 2/ 1979م)، وقد اعتبرت بعض الجماعات المسلحة مثل "منظمة فدائي خلق" الجيش عدواً للشعب ووسيلة لقتل الناس وليس من الشعب. وقد دعت "منظمة فدائي خلق" الشعب واقتادت عدداً كبيراً من الناس لاقتحام معسكرات الجيش عدو الشعب. كذلك سايرت كل من منظمة مجاهدي خلق وحزب توده الشيوعي والجماعات اليسارية هذه الدعوة.

وقد سعت الجماعات المسلحة إلى مهاجمة المعسكرات النائية والاستيلاء على كميات من السلاح والعتاد الموجود في هذه المعسكرات، وعندما رأت عدم التجاوب معها من جانب مجلس قيادة الثورة والحكومة خططت للقيام بانقلاب عسكري كبير، ففي 18 شهر تير 1359 هـ. ش (9/ 2/ 1981م) قام عدد من قادة الجيش والقوات الجوية الموالين لهذه الجماعات مع عدة مئات من العسكريين والميليشيات بالاستيلاء على عدد من الطائرات والأسلحة المتقدمة من المخازن التابعة للجيش استعداداً للقيام بانقلاب ضد مجلس قيادة الثورة، ولكن وصلت معلومات عن هذه الخطة إلى المجلس فأسرع بإحباط الانقلاب وقمع قادته حيث شكل قيادة مشتركة من جيش حراس الثورة والقوات الجوية لمهاجمة المتآمرين والقبض عليهم وتعقب الفارين منهم، وقد تم اعتقال حوالي ثلاثمائة شخص.

ورغم دحر الانقلاب إلا أنه أصبح واضحاً أن القوات المسلحة متخمة بالمشاكل التي يمكن أن يكون بعضها معولاً في هدم أسس النظام والثورة، وكان لا بد لمجلس قيادة الثورة أن يعيد النظر في القوات المسلحة وتصفيتها وإصلاحها. أما جيش حراس الثورة فقد أثبتت اضطرابات منطقة "تركمن صحرا وكنبد" فعاليته، وأنه يمكن أن يتولى بعض المهام العسكرية مع دعمه وتطويره وإمداده بالسلاح والعتاد.



[1] هذه المعلومات حفلت بها المقالات التي كانت تنشر في الصحف المحلية باللغة الفارسية خاصة جريدة ` كيهان`، اعتباراً من 22 بهمن 1357هـ. ش.

[2] محضر مناقشات مجلس الثورة ـ جلسة يوم 4/ 5/ 1358هـ. ش.