إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر الإيرانية





مناطق القصف العراقي
مناطق احتلتها العراق
مناطق كانت مسرحاً للعمليات
الحدود العراقية ـ الإيرانية
عمليات ثامن الأئمة
عمليات تحرير خرمشهر
عمليات طريق القدس
عمليات فتح المبين




حرب عام 1967

المبحث الثالث

العمليات العسكرية الإيرانية وخلفياتها العقائدية

لقد أثبتت المرحلة الثانية من مراحل الحرب نجاح المعالجة الدينية السياسية لأزمة الحرب ليس من الناحية المعنوية أو حشد القوات وإنما امتد أثر ذلك إلى أسلوب التخطيط للمعارك، فقد أحسن فقهاء النظام الاستفادة من المناسبات الدينية والشيعية في تخطيط المعارك وفي اختيار أوقاتها، حيث اتضح من عمليات المرحلة الثانية وجود علاقة بين نوعية العمليات الحربية وبين المناسبات أو الشخصيات أو الأشياء الدينية والمذهبية التي سميت باسمها، وكذلك بين نوعية هذه العمليات والرموز الدينية أو المذهبية التي اتخذت لها وبين أسماء العمليات ورموزها، وقد اعتبر فقهاء النظام وكثير منهم قد تلقى تدريباً عسكرياً مكثفاً أن سرية هذه العمليات مكفولة لأن حل رموزها يستلزم إحاطة كاملة بالتاريخ التفصيلي لحياة أئمة الشيعة ومواقفهم وآرائهم وهو ما لا يدركه النظام العراقي، فضلاً عن أن هذا التخطيط لم يكن لمجرد الرغبة في التبرك بالمسميات والرموز الشيعية أو الأخذ بالفأل الحسن وهو أمر غير مستبعد بالنسبة للشيعة على وجه الخصوص، وإنما كان العمل جاداً في اقتفاء آثار الأئمة والاستفادة من دروس معاركهم خاصة أن حياتهم كانت مليئة بالجهاد، ويضاف إلى ذلك أن نوعية العلاقة قد اختلفت بين هذه العمليات سواء في درجة وضوحها أو عمقها أو في قوة الارتباط بينها، ولا شك أن مسألة وجود علاقة بين العقيدة ونوعية العمليات الحربية لا ينبغي أن تؤخذ بسطحية وإنما تحتاج إلى دراسة متخصصة لكي تكشف عن جوانب هامة ومعقدة في الشخصية الإيرانية ونواحي القوة أو الضعف فيها. (أُنظر شكل عمليات ثامن الأئمة)

لقد بدأت هذه العمليات في عهد محمد علي رجائي رئيس الجمهورية من خلال "الفرقة 77 المدرعة" للجيش واستهدفت فك حصار عبدان، لكن هذه العمليات تعثرت من اغتيال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومقتل وزير الدفاع، وباءت بالفشل، وقد أصر سيد علي خامنه أي عندما أصبح رئيساً للجمهورية وللمجلس الأعلى للدفاع على أن هذه العمليات لم تنته بعد وأن عليه واجب استكمالها وقد اتفق مع رفسنجاني المشرف على جيش حراس الثورة أن يشترك جيش الحراس لمساعدة "الفرقة 77 المدرعة" على أن يتولى أحد قادة جيش الحراس قيادة هذه العمليات، وقد اختار لها "يحي صفوي" المشهور باسم "رحيم" كاسم حركي بعد تشاور مع محسن رضائي قائد جيش الحراس، وقد قاموا معاً بإعادة صياغة خطة الهجوم واختاروا لها هذا الاسم "ثامن الأئمة". وثامن الأئمة هو الإمام علي رضا بن موسى الكاظم، وقد كانت لهذا الإمام صلة ببغداد عاصمة الخلافة العباسية حيث كان الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد قد عينه ولياً للعهد وذلك لاسترضائه واستقطاب شيعته ولما رأى أن أمره قد علا في البلاد غدر به فخلعه من ولاية العهد وتآمر عليه بدس السم له فمات مقتولاً على يد النظام الحاكم في بغداد (كما تذكر المصادر الإيرانية) ولا شك أن ذكرى وفاته تثير كثيراً من الشجن في نفوس الإيرانيين الشيعة كما تثير النقمة في صدورهم ضد قاتليه وأحفادهم ومن تخلقوا بأخلاقهم.

لقد بدأت عمليات ثامن الأئمة بالفعل في ذكرى وفاة هذا الإمام في الثلاثين من شهر صفر الموافق الخامس من شهر مهر 1360هـ. ش (27/ 9/ 1981م) وتضمنت ست عمليات محدودة واستهدفت هذه العمليات استعادة أجزاء من محافظة خوزستان وضرب القوات العراقية غرب نهر كارون وكسر حصار مدينة عبدان، وقد نجحت هذه العمليات في تحقيق معظم أهدافها فكانت فاتحة خير على قائدها رحيم صفوي الذي أصبحت له مكانة خاصة عند قادة النظام، كما أن هذه العمليات فضلاً عن استعادتها أجزاء من الأراضي الإيرانية فقد استعادت للجيش والحراس بعض الثقة المفقودة وللنظام بعض هيبته فضلاً عن دعم الجماهير وتعاطفها.

تقول مصادر الحراس: "إن السيطرة على جسري العدو واكتمال المحاصرة من محور واحد، دليل على نشاط وقدرة قواتنا ومرونتها اللازمة في العمليات الحربية وإضافة إلى إنجاز المهمة الموكلة إليها استطاعت تنفيذ العمليات التي لم يجر تنفيذها بصورة كاملة على المحاور الأخرى للقتال. وكانت القوات العراقية المرابطة في هذه المنطقة عبارة عن:

·   اللواء السادس المدرع التابع للفرقة المدرعة الثالثة

·   اللواء الثامن الميكانيكي من الفرقة المدرعة الثالثة

·   اللواء المشاة 44 من الفرقة الحادية عشرة

·   كتيبة سيف سعد المستقلة

·   فوج المشاة 301 التابع للواء المدرع السادس

·   فوج مشاة من اللواء 13

·   قاطع من الجيش الشعبي (القاطع يتألف من 500 شخص)

·   خمسة كتائب مدفعية إسناد من غرب نهر كارون إضافة إلى مدفعية العدو في هذه المنطقة

بلغت خسائر العدو حجماً عظيماً في هذه العمليات الناجحة وذلك لسرعة هجوم قواتنا وطريقتهم الجيدة جداً وكانت مجمل خسائر العدو كما يلي:

تدمير 90 دبابة ومدرعة و 100 عربة واثنين عربة قتال من نوع (B.M.P) مع الاستيلاء على 160 دبابة ومدرعة و 30 شفل وبلدوزر وخمسة مدافع عيار 155 مم و 150 عربة واثنين قاذفة صواريخ كاتيوشا وعدد من المدافع عيار 106 مم مع عدد كبير من الأسلحة الخفيفة وكميات كبيرة من العتاد وتكبيد الجيش العراقي 2000 قتيل و 1800 أسير.

شجع نجاح عمليات ثامن الأئمة القيادة الإيرانية على توسيع نطاق العمليات وزيادة حجم القوات المهاجمة والإكثار من الموجات الهجومية الخاطفة على القوات العراقية التي تمركزت في مناطق محددة من الأراضي الإيرانية، وقد بدأ هذا النشاط الإيراني المكثف بعمليات انتقالية أهمها:

أولاً: عمليات طريق القدس (أُنظر شكل عمليات طريق القدس)

وقد جاءت هذه العمليات استكمالاً لعمليات ثامن الأئمة حيث استهدفت استرداد أجزاء من محافظة خوزستان، وقد بدأت في الثامن من شهر آذر 1360هـ. ش (29/ 11/ 1981م) تحت رمز "يا حسين أنت القائد" (يا حسين فرمانده اى) وقد تزامنت مع ذكرى مقتل آية الله مدرس أحد كبار علماء ومنظري الثورة الإسلامية ضد الشاه وكانت له شعبية كبيرة ومقلدين كثيرين في إيران، وهناك علاقة واضحة بين استشهاد آية الله مدرس واستشهاد الإمام الحسين وبين قيادة كل منهما للثورة الدينية كما أن هناك علاقة واضحة بين شعارات آية الله مدرس وبين اسم العمليات "طريق القدس" فقد طالب آية الله مدرس بمحاربة إسرائيل وتحرير القدس مؤكداً أن الإمام الحسين كان يستهدف بيت المقدس عن طريق كربلاء مما يساعد على إكمال الصلة بين اسم العمليات ورمزها وتوقيتها في ذكرى استشهاد آية الله مدرس. وقد نجحت هذه العمليات في استرداد مدينة البستان الإستراتيجية.

تقول مصادر الحراس عن كيفية العمليات وأهدافها، لقد كانت الأهداف المنظورة على الوجه التالي:

1. قطع ارتباط العدو من الشمال إلى الجنوب. وكان هذا الهدف يتحقق باحتلال مضيق جذابة وإغلاقه، فمضيق جذابة يتراوح عرضه بين 1000 إلى 1500 م و يمتد على طول أربعة كيلومترات وكان طريق عبور قوات العدو من شمال المنطقة إلى جنوبها، أي من القوات المدرعة والميكانيكية العراقية كانت لديها حرية الحركة.

2. فإذا افترضنا أننا قمنا بهجوم من غرب سوسنجرد أو هويزة لكان بإمكان العراق أن ينقل قواتاً كبيرة خلال ساعتين من منطقة دزفول و شوش إلى هذه الجبهة أو بالعكس. بينما بإمكاننا احتلال هذه المنطقة وكنا نتمكن من الدفاع عن جبهة عرضها 1 ـ 1,5 كم والحيلولة دون عبور قوات العدو بواسطة لواء أو فرقة وكان مضطراً في النهاية أن يقوم بإعادة ترتيب قواته على أساس وضع كتيبة على الخط الأمامي.

3. إن هذه المنطقة تحاط من الشمال بهضاب رملية ومن الجنوب بمستنقعات ومياه وفي حالة الوصول إلى هذا الهدف لم يكن بمقدور العدو نقل قواته من دزفول وإلى جفير هويزة وبالعكس بواسطة الطرق المناسبة التي مدها في أرضينا وكان مضطراً إلى العبور من طريق بعيد ومن داخل الأراضي العراقية.

4. تحرير مدينة بستان حيث أن العدو خاصة صدام نفسه كان يقوم بحملة دعائية كبيرة حول هذه المدينة.

5. تدمير قوة العدو التي كانت تقدر بحوالي 6 ألوية.

6. تحرير حوالي 70 قرية و 4500 إلى 5000 من أفراد العشائر المحلية الذين كانوا يرزحون تحت نير القوات البعثية في المناطق المحتلة.

7. الوصول إلى الحدود الدولية وإعادة بنائها في الحد الفاصل لهور العظيم.

8. تحرير منطقة تبلغ مساحتها 300 ـ 350 كم2 والتي كانت تزيد عن ضعفي المنطقة المحررة خلال فك الحصار عن آبادان.

في (29/11/1981) بدأت العمليات بنصف ساعة بعد منتصف الليل. وكان محوراً شمال كرخة وجنوبها هما هدفي العمليات، ففي المحور الشمالي كان نجاح العمليات 100 % وكان نجاح العمليات في المحور الجنوبي 70 % لأسباب ثانوية، وقد أجبرت قوات العدو على إخلاء المناطق التي كانت قد قاومت فيها بشن هجمات مضادة فشلت فيها جميعاً. وقد ازدادت رقعة المناطق المحررة في النهاية أكثر بكثير مما كان متوقعاً في الخطة.

إن استعادة مضيق جذابة الذي كان يقع في عمق تواجد العدو، كان من أهم أهداف الخطة ولقد شاهدنا نماذج رائعة من القتال في تحرير هذا المضيق لم نشاهد مثلها خلال فترة الحرب كلها. عند بدء العمليات هوجم العدو في المناطق الرملية في جناحه الشمالي ولم يكن ليتصور أبداً أن يهاجم من هناك، وفي نفس الوقت الذي كان الاشتباك دائراً في الخطوط الأمامية، هوجمت الخطوط الأولى والثانية لاحتياطي العدو التي كانت ترابط فيها مدفعيته النشطة، هوجمت من جانب قواتنا من الناحية الخلفية. وتم اسكات مدفعية العدو بعد أقل من نصف ساعة من بدء الاشتباكات ووقعت سالمة في أيدي إخواننا (وكان 19 مدفعاً من عيار 152 مم من نوع "خمسة خمسة" قد وقعوا بأيدي قواتنا). وقامت عدة دبابات عراقية كانت قد وقعت غنائم في أيدي إخواننا خلال هجوم آبادان، قامت بمناورات سريعة غير اعتيادية جعلت العدو يصاب بالحيرة والذهول، إذ أنه رأى إحدى دباباته تقوم فجأة بفتح النار على معداته ومواقعه.

وكان الإخوة في الجهاد (جهاد البناء) قد قاموا بتشييد طريق خاص طوله 15 كم في الكثبان الرملية الناعمة التي كانت أقدام الإنسان تغوص فيها إلى الركبتين، قام الأخوة متحملين الصعاب بأعمال مضنية لتسهيل عبور قواتنا من هذه الهضاب الرملية. وكان الإخوة مصممين على العبور من بقية الطريق مهما كلف الثمن وقد ساعد هطول الأمطار ليلة العمليات على تماسك المنطقة الرملية وأصبح العبور فيها أمراً ممكناً. وكان العدو يظن بأننا من المحتمل أن ننصرف عن الهجوم بسبب هطول الأمطار إلا أن جميع الإخوة كانوا يعتبرون هطول الأمطار تلك الليلة من الإمدادات الغيبية. ومن الأمور الملفتة للنظر والتي كانت تزيد من قدرة وسرعة عمل الإخوة، كان احتلال مقر اللواء 26 من الفرقة الخامسة العراقية أثناء تغلغلنا في أعماق العدو. وتمكن آمر هذا اللواء وخمسة ممن كانوا معه من الفرار وقد قضى على أفراد اللواء كلهم ما عدا هؤلاء الفارين.

لقد تم تحرير جميع الأهداف المرسومة في محور شمال كرخة حتى اليوم الثاني من العمليات ووقع مضيق جذابة بكامله في أيدي قوات الإسلام.

وفي المحور الجنوبي، تم تحرير مدينة بستان ولكن بعض الأهداف العسكرية لم يتم تحقيقها، إذ قام العدو بعدة هجمات مضادة على أمل السيطرة من جديد على مدينة بستان. ولكنه قوبل بمقاومة عنيفة من جانب قواتنا وفشلت هجماته المضادة وتحمل خسائر فادحة. وبعد فترة من الزمن، انسحب العدو خلال مرحلتين لأنه كان يرى نفسه في خطر الحصار والدمار ورابطت قواته في جنوب كرخة كور. وبهذا تم تحرير ما مجموعه 650 كم مربعاً من أراضي وطننا الإسلامي.

وتظهر الوثائق التي وقعت بأيدينا من العدو بأنه كان قد توقع الهجوم وأعد خططاً للقيام بهجمات مضادة ضده ولم يكن يتوقع بأن قوات الإسلام بإيمانها الكبير يمكنها السير 20 كم مشياً على الأقدام، والاشتباك مع قواته مدة 24 ساعة. كانت هناك قضية هامة أخرى، إذ أن العدو كان قد زرع الهضاب الرملية بالألغام مع أنه لم يكن يحتمل حصول هجوم من هذه المنطقة ولكنه قام بزرع الألغام لكي ينام قرير العين، ولكن فرق التخريب التابعة لقوات الإسلام قد قامت بفتح معابر لمرور قوات الإسلام، ومع ذلك فقد ظلت قوات قليلة كان عليها تدمير القوات الاحتياطية للعدو ليلة العمليات، ضلت في المنطقة التي أحدثت فيها المعابر، ونتيجة لذلك استشهد وجرح عدد من أفرادنا في ميادين الألغام.

وكانت خسائر العدو هي: تدمير 180 دبابة وناقلة جنود مدرعة و 200 عربة و 4 طائرات هيلوكبتر و 13 طائرة مقاتلة.

وكانت الغنائم التي حصلت عليها قواتنا هي: 100 دبابة، 70 ناقلة جنود مدرعة 19 مدفعاً من عيار 152 مم، 250 عربة و 70 6مدفعاً مضاد للجو من عيار 23/14 مم ومدفعين شليكا و 150 آلة هندسية لتعبيد الطرق وشق القنوات وكميات كبيرة من العتاد عليها شعار سعودي وغيرها... وكانت خسائر العدو في الأرواح 3500 قتيلاً و 546 أسيراً.

ثانياً: عمليات مطلع الفجر

بدأت هذه العمليات في العشرين من شهر آذر 1360هـ. ش (11/ 12/ 1981م) تحت رمز "يا مهدي أدركني الله أكبر" وقد استهدفت هذه العمليات استعادة مرتفعات "كيلا نغرب" الإستراتيجية، وقد تزامنت مع ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء في 13 جمادى الأولى، وتبدو العلاقة واضحة بين اسم العمليات مطلع الفجر وظهور المهدي المنتظر الذي يمثل ظهوره مطلع الفجر وقد تم اختيار هذا الرمز مع هذا الاسم لاستثمار الشائعات التي راجت بين المقاتلين والجماهير حول ظهور المهدي في جبهات القتال لتشجيع المقاتلين خاصة في منطقة المرتفعات الغربية التي راج أنه شوهد فوقها بما يوضح توجيه هذه العمليات إلى مرتفعات "كيلا نغرب" في منطقة الجبهة الغربية، أما اختيار موعدها في ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء، أم الأئمة فكان لمزيد الدفع المعنوي للجنود إزاء وعورة المنطقة التي يسعون لاستردادها.

وقد نجحت هذه العمليات في استرداد مرتفعات "شياكو" الإستراتيجية المطلة على مدينة خانقين وعلى طريق قصر شيرين ـ نفتشهر الحدودي.

ثالثا: عمليات يا أمير المؤمنين

بدأت هذه العمليات في أول إسفند 1360هـ. ش (20/ 2/ 1982م) تحت رمز "يا علي أدركني" وتزامنت مع ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم الإمام السابع لدى الشيعة الاثنى عشرية في الخامس والعشرين من شهر رجب، واستهدفت الاستيلاء على مرتفعات رملي على بعد عشرة كيلومترات شمال غرب مدينة البستان "المحررة" وقد نجحت هذه العمليات في تحقيق أهدافها. والعلاقة واضحة بين اسم العمليات ورمزها، وكذلك بين توقيتها في ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم وبين المكان الذي استهدفته والذي أقام فيه الإمام هرباً من أعدائه.

رابعاً: عمليات بيت المقدس

لقد كانت بداية سنة 1360هـ. ش بالنسبة للإيرانيين بداية للعمليات العسكرية الناضجة التي تجتمع فيها الخبرة العسكرية مع الحماس الديني والسياسي والأمل الذي بدأ يراود القيادة السياسية والعسكرية في تحقيق انتصارات حاسمة على القوات العراقية إزاء الانتصارات القياسية التي تمت من خلال الحماس طوال الأشهر الأخيرة من السنة السابقة في عمليات محدودة ناجحة.

وتعتبر عمليات بيت المقدس نموذجاً للتطور الذي وضحت معالمه في التخطيط الإيراني للمعارك حيث بدأت هذه العمليات في الأول من شهر خرداد 1361هـ. ش (22/ 5/ 1982م) متزامنة مع ذكرى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في السابع والعشرين من شهر رجب (ذكرى الإسراء والمعراج عند السنة) وكان من الواضح وجود علاقة بين اسم العمليات "بيت المقدس" وبين رمزها "محمد رسول الله" وبين توقيتها في ذكرى الإسراء إلى بيت المقدس، مع استهدافها استرداد مدينة خر مشهر الإستراتيجية الهامة بالنسبة للنظام الإيراني باعتبارها المنفذ الحيوي إلى مياه الخليج، وقد نجحت هذه العمليات بالفعل في استرداد مدينة خرمشهر على عدة مراحل. وقد ساهم في نجاح هذه العمليات تلك العمليات التي سبقتها في منطقة دزفول تحت اسم "والفجر واحد" التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً. تقول مصادر الحراس عن شرح العمليات

1. بدء العمليات في غرب كارون (المرحلة الأولى 30/4/1982)

لم يكن العدو يظن أننا نتمكن في نفس الوقت الذي نعبر نهر (كارون) من الوصول إلى طريق أهواز ـ خرمشهر بحركة واحدة حيث أن خسارته لهذا الطريق واستعادة أقسام من الطريق الذي كان بأيدينا كان سيكلفه غالياً. فالحديث الذي ننقله عن أحد إخواننا حول ظروف قواتنا هو خير دليل على حالة هذه القوات:

(كانت الظروف صعبة جداً، ولكن لو كانت الأرض تفتح لها فماً نتيجة لضغوط العدو وتبتلع مقاتلينا، لما كان أحد منهم يفكر بالانسحاب).

استمرت المقاومة بصورة عنيفة خلال 48 ساعة وكان استمرارها تنفيذاً لما أوصى الله به المؤمنين من الصبر والصمود في سبيله. وأخيراً تحقق عون الله. لقد أعطى فرصة لمختلف قواتنا العاملة حتى تتمكن من استكمال التحامها والعثور كل منها على مواضعها اللازمة للمرابطة فيها وتقوية نقاط الضعف، وسد المنافذ وإقامة السواتر الترابية لمنع العدو من قصف إخواننا بنيران الدبابات المباشرة.

في جبهة كرخة نور، مع وجود الاستحكامات التي مر ذكرها، فإن بعض قواتنا تمكن من احتلال الساتر الترابي الثاني للعدو بعد العبور من نهر (كارون). وبقيت قواتنا هذه هناك مدة 48 ساعة وقامت بصد هجمات العدو المضادة ولأن بعض الوحدات الأخرى لم تتمكن من القيام بأعمال مشابهة، لذلك صدر إليها أمر بالانسحاب مؤقتاً وعدم البقاء بجناحين مفتوحين لأن ذلك كان سيرفع من قدرة مناورة العدو.

ولهذا السبب لم يحصل شيء في المرحلة الأولى سوى تدمير قوات العدو. وبقيت القوات في مواضعها الأولى تنتظر الأوامر لكي تقوم بالعمل على جهتين في الوقت الذي تقوم فيه بتهديد ظهر العدو من الحدود بعد أن ضعفت قوته لتقسيمها في جهتين.

2. المرحلة الثانية من العمليات (6/5/1982) (في غرب كارون)

بدأ هجومنا[1] من طريق أهواز ـ خرمشهر نحو الحدود وتمكنت قواتنا من الاستقرار على بعد 17 كم عن الشريط الحدودي وطبيعي أن مقاومة إخواننا التي تفوق كل تصور أمام هجمات العدو الجنونية المضادة هي التي مكنتنا من البقاء في مواقعنا الجديدة لغاية يوم (7/5/1982).

فالعدو المنهزم الخائف من مثل هذه القوة التي تسخر من الرصاص والنار الحامية التي تخرج من فوهات المدافع والقصف الجوي الذي لا ينقطع، قد وصل إلى هذه النتيجة وهي أنه لا يمكنه أن يقف أمام هذا السيل الهادر. إذ لو تحركت قواتنا تحركاً عالياً، لهددت قوات العدو المرابطة في منطقة جنوب كرخة نور وجفير وهويزة وثكنة حميدو و... خاصة الفرقة السادسة (المعروفة) بالحصار والتدمير والأسر من جهة، ومن جهة أخرى كانت ضفاف شط العرب والبصرة وخرمشهر ستتعرض للخطر.

فخوف العراق لم يكن بدون سبب وبدون جدوى، حيث أن هذا الخوف الشديد جعل العدو يصدر الأوامر فوراً لقواته بالانسحاب بالرغم من أنها كانت قد أقامت منشآت وطرق مواصلات بهدف الإقامة الدائمة في منطقة جفير.

إن العدو لم يجد حلاً غير الفرار لإنقاذ فرقته السادسة وقواته الأخرى المرابطة في تلك النواحي بل إنه كان يدرك بأن بقاء قواته تلك في المنطقة سينتهي إلى وضع تضطر فيه أن تقوم في وقت واحد بالاشتباك مع قوة تعبر من كرخة ومن الخلف مع قوات على الشريط الحدودي. وكان يعرف بأنه لا يمكنه مواجهة هذا الوضع وأن نتيجة ذلك ستؤول إلى إبادة وأسر الآلاف من قواته وتدمير معدات كثيرة منه والاستيلاء على كميات عظيمة منها. والعدو كان قد ذاق لدرجة كافية طعم الحصار وما يسمى بالتفاف القوات حول قواته وذلك خلال عمليات الفتح المبين، ولم يكن يرغب في المزيد من هذه النتائج والآثار المرة.

من جهة أخرى، كان العراق يتصور بأن فراره وتغاضيه عن المنطقة مرغماً كان سيمكنه من تحشيد كافة قواته وإمكانياته في محور البصرة ـ خرمشهر للحيلولة دون تحرير خرمشهر ودفع التهديد المحتمل عن البصرة، فالاحتفاظ بخرمشهر كان مكسباً للعراق وكان يتلاءم مع دعايات الامبريالية العالمية حيث كان يمكنه من تغطية آثار الهزائم التي منى بها حتى ذلك الوقت وكان يمكنه أن يحتفظ بورقة سياسية رابحة.

ففي الساعة الثالثة من فجر يوم (8/5/1982) شهدنا أسرع فرار للعراق من منطقة جفير وقيام قواتنا بتعقيبه وتطهير المنطقة من دنس قواته كما تمكنت قواتنا في الساعة العاشرة صباحاً من تطهير طريق أهواز ـ خرمشهر تطهيراً كاملاً إلى المناطق التي وقعت بأيدينا في المرحلة الأولى وقد اتصلت قواتنا الآتية من الشمال ومن الجنوب وهنا أصبح الارتباط التمويني لقواتنا يأتي من هذا الطريق المعبد. وبعد أن حلت المشاكل الناجمة عن بعد المسافة والعبور من الطرق الترابية الغربية، تحسن وضع النقل والتموين لقواتنا بصورة ملحوظة.

وبعد أن تحمل العدو عار الفرار، تمكن من إنقاذ قوات كبيرة له من الدمار. وقام بتحشيد قواته على محور شلمجة ـ خرمشهر والطريق المبلط الذي يربط بينهما، وبدأ هجمات مضادة عنيفة مع قصف مدفعي مستمر وغارات من قبل طائراته.

كان أحد تكتيكات العراق، النفوذ إلى صفوف قوات مشاتنا لتفريقها، وتدميرها وهي معزولة في مناطق صغيرة.

فالعراق بقدرة مناورات قواته المدرعة، كان يرى أن بإمكانه تفريق صفوف مشاتنا التي كانت مرغمة على التمسك بالأرض، وأنه بتحشيد كافة قواته في منطقة واحدة، يمكنه القضاء على قواتنا تدريجياً لأننا لم نكن قادرين على التحرك مثله. ولكن من الناحية العملية حالت مقاومة إخواننا دون تنفيذ خطط العدو، ولكنه تمكن من تأخير استمرار وإكمال العمليات لعدة أيام.

3. المرحلة الثالثة وهجومان غير ناجحين[2] 9 و10/5/1982

وفي هذه المرحلة، بدأت قواتنا في (21 نيسان و 10 مايس) المرحلة الثالثة من العمليات أي الحركة لتحرير خرمشهر. ولكن في محور شلمجة ـ خرمشهر كان التفوق للقوات العراقية. وبعد عشرة أيام من العمليات المستمرة، وتحمل الكثير من الهجمات المضادة والمقاومة أمام نيران قوات العدو البرية والجوية العنيفة، لم تكن قواتنا في وضع يمكنها المبادرة بفتح خر مشهر بكل قوة. وكان من الضروري أن يعاد تشكيل القوات وتجدد قواها. حيث أننا كنا بحاجة إلى الوقت للتعرف أكثر على أوضاع المنطقة ومعرفة استعدادات العدو عشرة أيام.

خلال هذه الفترة، بدأ العراق حرباً سياسية جديدة ضدنا، إذ تمكن العدو في إحدى هجماته المضادة من استعادة مخفر الشهابي من جديد. وحاول العراق بهذا الانتصار الصغير القيام بمناورات إعلامية كبيرة. وبإظهار هذه العمليات بصورة أكبر بكثير من الواقع وكان يهدف بالدرجة الأولى إلى أخذ امتياز من مجلس التعاون الخليجي، وكان هذا العمل يظهر حاجة العراق الماسة إلى دليل للقيام بمناورة إعلامية. أما مجلس التعاون الخليجي فإنه وبعد أربعة أيام من البحث خلف الأبواب المغلقة لم يتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن مساعدة صدام بسبب عدم نجاح صدام في إيجاد الأجواء الكاذبة، وتأجل البحث إلى اجتماع الرياض. وبعد عدة أيام استعادت قواتنا من جديد مخفر الشهابي وانقلبت دعايات صدام ضده.

4. استمرار المرحلة الثالثة (22/5/1982)

بدأت العمليات في الساعة التاسعة والنصف من 22/5/1982 لتحرير خرمشهر نهائياً. هذه المرة كانت العمليات مقرونة بالنجاح. ونجحت قواتنا في صباح اليوم الثاني في العبور من الجسر الجديد والوصول إلى ضفاف شط العرب. (أُنظر شكل عمليات تحرير خرمشهر)

كانت خطة العدو لرفع الحصار هي شن عمليات من غرب (شلمجة) وشرق (خرمشهر) وكان يمكن أن تؤدي في حالة نجاحها إلى تدمير قواتنا في منطقة (عرايض) هو (بل نو) وإقامة ارتباط بين القوات العراقية المحاصرة في خرمشهر وباقي القوات.

وحول القرار التالي للعدو، يمكن القول بأنه إذا نجحت محاولاته أو تمكن من القيام من جديد بهجمات مضادة، فإنه كان يسعى لرد قوتنا على أعقابها أو سحب قواته سالمة وكان الاحتمال الثاني أكثر قوة فالقوات المحاصرة لم تكن ذات معنويات جيدة، وكانت في أكثر الأحيان خائفة ومصابة بالذعر[3]. حتى أن بعض جنود العدو كانوا قد فقدوا معنوياتهم إلى حد أنهم جلسوا في بيوت خرمشهر وهم يذرفون الدموع. كان كابوس العقاب الذي ينتظرهم جزاء لما قاموا به هم ورفاقهم طوال عام ونصف من الجرائم والتخريب في خرمشهر، يتجسد أمام أعينهم. لقد أصدر العدو أمراً بانسحاب القوات التي كانت ترابط على مثلث (جادة ـ كارون) إلى خرمشهر، وأن تستعد للمشاركة في العمليات. وخلال انسحابه دمر العدو كميات كبيرة من عتاده ومن جملة ذلك دمر مستودعاً للواء 48 المشاة وهذا يظهر ضعف أمل العدو في المقاومة وضعفه عن الوقوف بوجه دخول قواتنا إلى خرمشهر.

اختلف العسكريون العراقيون المحاصرون فيما بينهم حول رأيين، ففريق منهم كان يعتقد بعدم جدوى المقاومة وكان يميل إلى تسليم نفسه لقوات الإسلام بينما الفريق الثاني الذي كان أكثر عمالة يبحث عن طريق للمقاومة، وكان العامل المؤثر في دعم وجهة النظر هذه، هو قائد القوات العراقية في خرمشهر (العقيد أحمد زيدان) آنذاك، إذ أنه كان يجري اتصالات مستمرة بواسطة لا سلكي بعيد المدى مع قائد الفرقة الحادية عشرة.

على كل حال واجه هجوم العدو من غرب (شلمجة) الفشل رغم إصرار القيادة العراقية عليه إصراراً كبيراً، وأجبر العدو على الفرار والانسحاب وقد مشى العقيد زيدان على ساحة ألغام وقتل فأصبحت المقاومة أكثر ضعفاً.

في يوم (24/5/1982) استطاع عدد من القوات العراقية الاستسلام، وفي بداية الأمر سلم عدد من الضباط والجنود العراقيون أنفسهم إلى قواتنا، بعد ذلك قامت أعداد أخرى بالاستسلام، حتى وصل الأمر إلى استسلام جماعات جماعات بل تعداه إلى الالاف، وأصبح طابور الذين سلموا أنفسهم إلى قواتنا أكثر طولاً (بلغ عدد الأسرى 12400 أسير) وهنا يجب الإشارة إلى دور الرسائل التي كانت تذاع عبر مكبرات الصوت والإذاعة، إذ كانت هذه الرسائل تعد المستسلمين بالرحمة والعفو بدلاً من إنزال العقوبة بالمغرر بهم، وكانت الرسائل هذه تدعو إلى الإخوة والتخلص من سيطرة الامبريالية.

ومثلما سقطت مدينة خرمشهر في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم 26/10/1980 بعد 34 يوماً من صمود ومقاومة أبناء شعبنا وقواتنا الإسلامية، عادت في الساعة الحادية عشرة من يوم 24/5/1982 إلى أحضان الوطن الإسلامي بعد عمليات استغرقت أقل من 48 ساعة (أي منذ تحرك قواتنا لمحاصرتها وتحقق الأمر الذي كان مستحيلاً[4].

5. الخسائر التي لحقت بوحدات العدو

أ. الفرق

(1) تدمير 80% من الفرقة المدرعة الثالثة

(2) تدمير 80% من الفرقة المشاة الحادية عشرة،  وكانت هاتان الفرقتان مرابطتان في محور خرمشهر

(3) تدمير 20% من الفرقة الخامسة الميكانيكية

(4) تدمير 40% من الفرقة المشاة السابعة

(5) تدمير 50% من الفرقة المدرعة التاسعة

(6) تدمير 50% من الفرقة المدرعة العاشرة

(7) تدمير 20% من الفرقة المدرعة الثانية عشرة

ب. الألوية المستقلة

(1) تدمير 40% من اللواء العاشر المدرع

(2) تحملت الألوية 31 و 32 و 33 قوات خاصة ضربات قاصمة

(3) أسرت ألوية حرس الحدود 9 و 10 و 20 بكاملها

(4) أسر اللواء 238 المشاة

(5) أسر اللواء 501 المشاة

(6) أسر اللواء 417 المشاة

(7) أسر اللواء 605 المشاة

(8) دمر 50% من الألوية 601، 602، 416، 419

(9) دمر 60% من اللواء 109 المشاة

ج. مجموع الأسرى

وصل مجموع الأسرى في عمليات بيت المقدس إلى 19000 أسير

د. القتلى والجرحى

قدر عدد القتلى والجرحى بـ 16000 أو 16500 شخص من أفراد العدو

خامساً: عمليات رمضان

وقد بدأت في الثامن والعشرين من شهر تير 1361هـ. ش (13/ 7/ 1982م) تحت رمز "حضرة إمام الزمان" وقد تزامنت هذه العمليات مع وقفة عرفات، واستهدفت استكمال استعادة المناطق الجنوبية ونجحت في استرداد محاور طريق خرمشهر ـ أهواز بطول ثمانين كم فضلاً عن استرداد مائتين وخمسين كم مربعاً من الأراضي الإيرانية وبعض الأراضي العراقية عند منطقة "دربند"، ورغم نجاح هذه العمليات إلا أنه يبدو أن الحظ قد لعب فيها دوراً كبيراً لصالح القوات الإيرانية، كما أنه يبدو من الصعب فهم العلاقة بين اسم العمليات ورمزها وتوقيتها والهدف منها، فضلاً عن أن المعلومات الواردة عنها في المصادر الإيرانية قليلة جداً ولا تسمح بدراستها دراسة وافية.

سادساً: عمليات محرم

بدأت هذه العمليات في العاشر من شهر آبان 1361هـ. ش(1/ 11/ 1982م) تحت رمز "يا زينب سلام الله عليها"، وقد تزامنت هذه العمليات مع ذكرى نفي الخميني من إيران إلى العراق، واستهدفت استرداد المناطق الحدودية الوسطى عند "عين خوش" "وفكة" ومرتفعات الغرب عند "شرهاني" "وزبيدات"، وقد نجحت هذه العمليات في استرداد خمسمائة كم مربعاً من الأراضي الإيرانية، وتوغلت القوات الإيرانية في الأراضي العراقية وادعت أنها استولت منها على ثلاثمائة كم مربعاً منها خمسون كم مربعاً من المرتفعات القريبة من الحقول النفطية. وحتى لو صدق ذلك فمن الواضح أنها سرعان ما ارتدت خارجها، والعلاقة واضحة بين اسم العمليات ورمزها فشهر المحرم وقعت فيه مأساة كربلاء التي شهدتها السيدة زينب رضي الله عنها، ومن الواضح التأثير المذهبي على هذه العمليات مقترناً بالتأثير السياسي حيث بدأت العمليات في ذكرى نفي الخميني مما يكمل صورة المأساة وتأثيرها على القوات المقاتلة فضلاً عن أن الهدف في اتجاه كربلاء.

ومع ثبات أقدام القوات الإيرانية في الحرب تطورت العلاقة بين الرموز الدينية والمذهبية وبين العمليات الحربية حتى وقف إطلاق النار خاصة في أسلوب إدارة هذه العمليات، ويمكن أن نلمس آثار هذا التطوير في نوعية جديدة من العمليات التي بدأت خلال هذه المرحلة وامتدت إلى المرحلة التالية وأهمها:

سابعاً: مجموعة عمليات "والفجر"

هذه العمليات عبارة عن سلسلة عمليات متقطعة على عشرة مراحل تسمى كل مرحلة منها بنفس الاسم مع الرقم الترتيبي لوقوعها مثل "والفجر واحد" "والفجر2" "والفجر3" وهكذا حتى "والفجر10"، ويلاحظ الدارس أن هذه السلسلة من العمليات بدأت في فبراير سنة 1982م واستمرت حتى يوليو 1986م أي استمرت حوالي أربعة أعوام ونصف، واتخذت كل منها رمزاً خاصاً بها وتوقيتاً خاصاً، واستهدفت الهجوم على منطقة معينة، ويمكن ملاحظة العلاقة الواضحة بين مسمى هذه العمليات وأهدافها حيث أن اسم هذه العمليات يرتبط عند الإيرانيين بشيئين: الأول هو الأصل القرآني في آيات "سورة الفجر"  والفجر وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر، ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد . التي تشير إلى مصير الطواغيت في التاريخ، والشيء الثاني هو تمكن الثورة الإسلامية من القضاء على نظام الشاه، وبدء عهد جديد في إيران حيث سميت الأيام العشرة الأولى لعودة الخميني إلى إيران وتوليه القيادة "عشرة الفجر" (دهه فجر) تيمناً بسورة الفجر، فقد قسمت العمليات بحسب الليالي العشر إلى عشر عمليات، واستهدفت بدء عهد جديد من الانتصارات العسكرية على القوات العرا قية عن طريق تحطيم أكبر قدر ممكن من القوى العسكرية الضاربة للعراق وتحويل المعارك من الأراضي الإيرانية إلى الأراضي العراقية، فقد عمدت القوات الإيرانية في هذه السلسلة من العمليات إلى مهاجمة الأراضي العراقية على الجبهات الوسطى والجنوبية.

وقد تمكنت القوات الإيرانية من تحقيق إنجازات كبيرة خلال هذه السلسلة من العمليات، كان من أبرزها الاستيلاء على مرتفعات مهران الهامة استراتيجياً في عملية "والفجر 3" التي استهدفت في هجومها الجبهة الوسطى واشتركت فيها قوات من الجيش والحراس وقوات رمزية من الجندرمة، وقد انطلقت هذه القوات من قاعدتي "النجف الأشرف" و "حمزة سيد الشهداء".

أما الإنجاز الكبير الذي تحقق في هذه السلسلة من العمليات هو الاستيلاء على مدينة "الفاو" العراقية في عملية "والفجر8"، وقد رفعت هذه العملية الروح المعنوية للنظام الإيراني إلى درجة أن قادته لم يخفوا فرحتهم بهذا الإنجاز الكبير، فتحدثوا عنه بشكل مفصل سواء في البيانات العسكرية أو في خطب الجمعة أو في التصريحات والأحاديث الرسمية والشعبية، ومن أهم ما قيل حول هذه العملية ما ورد في خطبة الجمعة التي ألقاها "هاشمي رفسنجاني" في المسجد الجامع بطهران في الثاني من شهر إسفند 1364هـ. ش (20/ 2/ 1986م) حيث كشف بوضوح العلاقة بين الفكر العقائدي والتخطيط العسكري، حيث يقول: "إن الحرب على أعتاب مرحلة تقرير مصيرها ومصير قضايا المنطقة، وإن عمليات "والفجر 8" مقدمة طيبة لهذه المرحلة، فقد اعتمدت هذه العملية على دراسة للمسائل السياسية والعسكرية والاجتماعية في المنطقة لعدة شهور، وقد كان من منجزات هذه العملية تضليل عيون الجاسوسية في العالم باعتراف الأسرى العراقيين فلم تخدم المعلومات التي حصل عليها العراق من الأقمار الصناعية التجسسية الأمريكية وطائرات الأواكس السعودية القوات العراقية فضلاً عن جواسيسها من العملاء والجماعات المعارضة داخل إيران، لقد كانت هذه العمليات معقدة جداً لأنها برية بحرية، واعتمدت على ابتكارات القوات الشعبية، لقد عبرت القوات الإيرانية شط العرب (اروند رود) من نقطة عرضها ألف متر، ولم يكن النهر عادياً لأنه متصل بالبحر وبه مد وجزر طوال الأربع والعشرين ساعة، فضلاً عن وجود النخيل على شاطئيه، إضافة إلى السد الذي أقامته القوات العراقية، وكان بعد السد مساحة من صفوف النخيل ثم خنادق رماية كل خمسين متراً وأمامها أسلاك شائكة فضلاً عن أسياخ حديدية طولها متر ونصف في شكل مجموعات، كل مجموعة من ثمانية أسياخ مغروسة في الأرض ومكهربة في شكل حائط طوله متر ونصف، ثم سد ترابي، وبعده مراكز دفاع جوي مزودة برادار من طراز "رازيت" الفرنسي المتقدم، وقد اكتسحت القوات الإيرانية مسافة خمسة وعشرين كم في وقت قياسي، لقد اختارت القوات الإيرانية الوقت والظروف المناسبة لإشعار قوي الاستكبار بقدرة إيران، واختارت هذا المكان للرد على قضية شط العرب التي هي سبب بدء الحرب والخلاف الأساسي بين إيران والعراق، ونفس المكان هو مكان بدء الحرب ونقطة انتهائها، لذلك فالمكان رمز، ولعل من أهم منجزات هذه العمليات هو نجاح التنسيق الذي تم بين القوات المختلفة من حراس وتعبئة عامة وقوات برية، بكل إمكاناتها، وطيران ودفاع جوي وقوات بحرية والسلاح المروحي (الهيلكوبتر) فضلاً عن عملية الدعم من الخطوط الخلفية والأجهزة الطبية وأجهزة النقل والطرق والهندسة العسكرية وجهاد التعمير والفنيين وعلماء الدين وطلاب الحوزة العلمية الدينية".

وقد قارن "سيد علي خامنه اى" في إحدى خطبه بين عمليتي استعادة "خر مشهر" والاستيلاء على "الفاو" فقال: "إن القوات العراقية هربت من "خر مشهر" بينما استنفدت وسائل المقاومة والهجوم المضاد في "الفاو".

ويقول "خامنه اى" في خطبة أخرى: "لا شك أن عمليات "والفجر 8" قد استفادت من التجارب السابقة طوال ست سنوات مضت من الحرب في وضع خطة دقيقة واستخدام تكتيكات عسكرية جديدة، إن سلسلة عمليات "والفجر" تلخص سياسة تنشيط خطوط العمليات التي هي من النقاط البارزة في تكتيكات إيران العسكرية خلال السنة الأخيرة، حيث شاهدنا نماذج محددة واضحة من عمليات دوريات الاختراق والنفوذ منذ  شهر خرداد الماضي في جميع مناطق الاشتباك، وإن ترادف عمليات "والفجر 8" وتحرير الفاو مع عمليات "والفجر 9" عند محافظة السليمانية الكردية القريبة من بغداد وكركوك في مناطق جبلية يمثل هذا الاتجاه".

ويقول "محسن رفيق دوست" وزير جيش الحراس في ذلك الوقت: "قبل عمليات "والفجر 8" كانوا يقولون داخل إيران وخارجها إن الإيرانيين يتحركون في شكل موجات بشرية وليست لديهم مشروعات أو تخطيط أو ابتكارات، ولكن عبور شط العرب وفتح "الفاو" دل على أن لدينا تخطيطاً، وإن أحد برامج الحراس هو الاستفادة من هذه الأفكار الخلاقة فضلاً عن أننا استفدنا في هذه العمليات من أشياء مصنوعة محلياً، إننا بفتح "الفاو" قد أمسكنا صداماً من حلقه، وبهذا النصر سوف نأخذ روح "صدام".

ويقول حجة الإسلام "محمد كاظم محمدي أصفهاني" أحد علماء الدين البارزين وعضو مجلس الشورى الإسلامي "إن فتح "الفاو" بداية لانتهاء الحرب بفخر وكرامة".

ثامناً: مجموعة عمليات كربلاء

هي عبارة عن سلسلة عمليات متقطعة أيضاً في عشر حلقات أو عشر مراحل، كل مرحلة تسمى بنفس الاسم مع رقم ترتيبي لها مثل "كربلاء واحد" و "كربلاء 2" وهكذا حتى "كربلاء 10"، وقد بدأت هذه العمليات في الثالث عشر من شهر تير 1365هـ. ش (4/ 7/ 1986م) واستهدفت الاستيلاء على المرتفعات الإستراتيجية الهامة في شمال غرب إيران، وكذلك الجزر الإستراتيجية في شط العرب، ونشر القوات جنوب وشرق البصرة، وهذا معناه أن هذه العمليات تسعى لفتح عدة جبهات للعدو في وقت واحد وتحطيم الآلة العسكرية للقوات العراقية.

ومن أهم منجزات هذه العمليات استكمال الاستيلاء على مرتفعات "مهران" "وحاج عمران" "وقصر شيرين" ومحاصرة منطقة "خور عبدالله" والاستيلاء على رصيف "الأمية" وتدمير رصيف "البكر" والاستيلاء على جزر "أم الرصاص" و "أم الباني" و "قطعة" و "سهيل" و "بوارين" و "فياض" و "أم الطويل" و "الدعيجي" في شط العرب، ومحاصرة "بحيرة الأسماك" ;، كما استولت على مرتفعات شمال محور "سربل ذهاب ـ قصر شيرين" ومضيق "بابا هادي" ومنطقة "بيشكاه" وسيطرت على الطرق الرئيسية في هذه المناطق.

وتبدو العلاقة واضحة هنا بين الفكر المذهبي وهذه العمليات العسكرية فقد سميت باسم واقعة كربلاء التي دارت بين "الإمام الحسين بن علي" وجيش "يزيد بن معاوية الأموي" والتي انتهت باستشهاد الحسين في صحراء كربلاء، كما كان رمز هذه العمليات هو "يا أبا عبدالله الحسين" وإن كانت بعض هذه العمليات قد تغيرت رموزها إلى "يا فاطمة الزهراء" أو إلى "يا مهدي أدركني" أو إلى "يا صاحب الزمان أدركني" فإن كل هذه الرموز تلتقي عند الرمز الأول، حيث اكتسبت هذه العمليات نوعية المواجهة على غرار معركة كربلاء الأصلية، والأماكن المقدسة عند الشيعة التي تقع داخل الأراضي العراقية، أما عن التوقيت فقد كان بدء هذه العمليات في 13 تير 1365هـ. ش وكان يوافق التاسع من محرم أي الاحتفالات بذكرى كربلاء.

وهكذا تمثل الفكر المذهبي بوضوح في هذه العمليات التي اعتبرها النظام الإيراني كبيرة وهامة، حيث صرح محسن رضائي القائد العام لجيش حراس الثورة قبل بدء هذه العمليات بحوالي شهر بقوله: "لقد قررت القيادة العامة لكل القوى تنفيذ خطط كبيرة هذا العام استمراراً للعمليات المخطط لها بحيث نجعل هذا العام عام الحسم". ثم يقول في شرح هذه الخطط: "لقد أنشأنا معسكر "خاتم الأنبياء" كمعسكر مشترك على مستوى الجيوش بين الجيش النظامي وجيش الحراس، وهذا لم يسبق له مثيل في تاريخ الحرب، ونحن نتوسع في هذا المشروع، وإن أحد برامجنا الجديدة أن تقوم القوى الداخلية في العراق التي سوف تحدد أهدافاً في أوقات خاصة وأماكن معينة بسلسلة عمليات منظمة وسلسلة عمليات حيوية غير نظامية من خلال الخطة الجديدة حتى نقدم حرباً كاملة ضد النظام العراقي".

ويقول "هاشمي رفسنجاني" عن الإعداد لعمليات كربلاء: "بعد عمليات "والفجر 8" اتخذت الحرب شكلاً آخر، لقد دخلنا مرحلة جديدة من المعارك وينبغي أن نضع تحت تصرف القادة في الحرب قوات كافية، وقد أرسلنا القوات الأساسية إلى الميدان، ولدينا قوات الصف الثاني والصف الثالث لم نرسلها للميدان بعد، ولكن علينا أن نجهز قوات أخرى، وقد شكلنا قيادة دعم مستمر طول الوقت في معسكر "خاتم الأنبياء" لاستمرار العمل".

وقد صرح رفسنجاني بعد نجاح عمليات "كربلاء" بقوله: "لقد تحسنت ظروفنا من النواحي النفسية والمادية للشعب مع الانتصارات التي تحققت خلال الأشهر الخمسة الماضية في عمليات "والفجر 8" و "كربلاء واحد" وتحرير "الفاو" و "مهران"، وهي تنطلق إلى أوجها، وإن واجبكم أيها القادة العسكريون أن لا تضيعوا الفرصة وأن تتعقبوا العدو حسب أوامر القرآن وتمهدوا السبيل لتنفيذ أوامر الإمام (الخميني) الأخيرة".

وقد دفعه النجاح الذي حققته عمليات كربلاء إلى أن يقول: "سوف يكون النصف الثاني من هذا العام مصيرياً في تاريخ الإسلام والمنطقة والعالم أجمع".

وعن تبرير توغل القوات الإيرانية في الأراضي العراقية يقول رفسنجاني: "إذا كنا ندعي بأننا ينبغي أن ندافع عن أنفسنا داخل أراضي العراق فإنه يجوز لنا ذلك لأنه مبدأ أو أساس سليم ومقبول لنا، لأن العراق هو الذي بدأ الحرب وينبغي أن يعاقب، وهذه المسألة مبدأ مقبول في العلاقات الدولية وقد طبق تماماً في الحرب العالمية".

ويقول رفسنجاني عن رغبة النظام الإيراني في استمرار هذه النوعية من العمليات: "لقد استجدت ظروف جديدة تماماً مع بدء حركة جديدة في الجبهات، وهذه الحركة تصدر عن أمر للقيادة العامة لكل القوى خلال مقابلة مع قادة الوحدات منذ فترة، وهو المحافظة على استمرار العمليات وعدم السماح للعدو بتجديد قواته، وقد وضعت خطة على أساس هذا الأمر القيادي، وبدأت منذ أمس حركة عملية في الجبهات وسوف تقوم هذه الحركة على أسلوب يضمن تفكك قدرة العدو على نحو ما قبل أن تبدأ العمليات المصيرية لقوات الإسلام في الجبهات، وسوف نعد المجال للنجاح الكامل في ظروف مناسبة لهجومنا المصيري".

وقد عبر "سيد علي خامنه اى" عن فرحته بنجاح مزج الفكر العقائدي بالفكر العسكري في العمليات الحربية عندما أصدر أمره بتشكيل لجنة لكتابة تجارب الحرب، وقال: "إن تدوين تجاربنا في الحرب التحميلية أمر ضروري ليومنا وغدنا".

ويمكن ملاحظة أنه إذا كانت مجموعات العمليات التي ابتكرتها القيادة الإيرانية في شكل سلسلة تحت مسمى واحد بهدف تحطيم القوة العسكرية للعراق وعدم توقف الحركة على طول الجبهات التي بلغت أكثر من ألف ومائتي كم لم تكن متصلة الحلقات دائماً، وإنما كانت تنقطع أحياناً لأسباب فنية وتكتيكية أو لنقص في المعدات اللازمة أو لضعف القدرة القتالية لدى جنود التعبئة العامة[5] مثلما حدث في سلسلة عمليات "والفجر" حيث توقفت تماماً بعد عملية "والفجر 6" حوالي ثلاث سنوات، كذلك توقفت عمليات "كربلاء" بعد عملية "كربلاء 3" لمدة خمسة أشهر، وكان القادة الإيرانيون يعوضون هذا التوقف عن طريق القيام بعمليات مفردة محدودة تستهدف أحياناً ضرب التجمعات العسكرية والسياسية للجماعات المعارضة للنظام الحاكم في إقليم كردستان أو على الحدود العراقية أو الحدود التركية، ومن أهم العمليات التي قامت بها القوات الإيرانية خلال توقف سلسلة عمليات "والفجر" هي عمليات "خيبر" "وميمك" "وبدر" وقصف المدن العراقية، وقصف ناقلات النفط، وتوقيف السفن التجارية في الخليج وتفتيشها.

تاسعاً: عمليات خيبر

بدأت هذه العمليات في العشرين من شهر بهمن 1362هـ. ش (9/ 2/ 1984م) وقد تزامنت هذه العمليات مع ذكرى ميلاد الإمام علي بن أبي طالب في الثالث عشر من شهر رجب، واتخذت لها رمزاً هو: "يا علي بن أبي طالب"، واستهدفت الاستيلاء على جزر "مجنون" الإستراتيجية في شط العرب، والعلاقة في هذه العملية واضحة بين اسمها ورمزها وتوقيت بدئها، فالإيرانيون يعتبرون الإمام علي بن أبي طالب هو فاتح خيبر وإزاء جهوده في هذه الغزوة فقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار"، كما أن اسم هذه العمليات يدل على طبيعتها، فإذا كانت قد استهدفت احتلال جزر مجنون العراقية الإستراتيجية والنفطية، كرد على حصار العراق لجزيرة "خارك" (خرج) الإيرانية النفطية فإنه يمكن ملاحظة أن الإيرانيين قد دفعوا بحشود كبيرة إلى هذه الجزر عبر الجبهة الجنوبية لإيران مستخدمين الزوارق الصغيرة تحت مظلة وابل كثيف من نيران مدفعية الميدان على طول خطوط جبهة المواجهة مع العراق، وتمكنوا بمساعدة الطائرات العمودية المزودة بالمدافع المتوسطة من السيطرة على أجزاء منها على محورين: المحور الغربي والمحور الجنوبي، ولم تمض خمسة أيام حتى استولوا على هذه الجزر، ولكن الوضع لم يستقر لهم على هذه الجزر لمدة بلغت شهرين.

وقد حاول رفسنجاني تبرير هذا الموقف بنقص الإمدادات والسلاح أولاً، ولاعتبار هذه العمليات مقدمة لعمليات أخرى تحت اسم الفتح المبين ثانياً، وأكد أن القوات الإيرانية سوف تتبع تكتيكاً خاصاً يضمن لها إحكام قبضتها على الجزر[6].

وترجع أهمية هذه الجزر الإستراتيجية بالنسبة للنظام الإيراني إلى أنها قريبة من ناحية الجنوب من خطوط مواصلات العراقيين حتى تكاد تكون متصلة بالعراق من هذه الناحية، لذلك فهي تجعل الإيرانيين من ناحية الاتصالات والتليفونات والبث التليفزيوني في قلب العراق، كما أن مساحة الجزيرة حوالي مائة وخمسين كيلو متراً وتحيطها المياه من الشرق والغرب والشمال مما يسمح ببناء مواقع دفاعية وهجومية للاحتفاظ بها فضلاً عن أن جنوب الجزيرة ضيق لا يسمح للقوات العراقية بالانتشار.

ويبدو أن احتلال جزر مجنون الذي كان لحراس الثورة الإسلامية الفضل الأكبر فيه قد شجع محسن رضائي القائد العام لجيش الحراس أن يطالب بتطوير هذا الجيش على غرار الجيوش النظامية بإنشاء قوات جوية وقوات بحرية تابعة له فضلاً عن القوات البرية، وإمداده بالأسلحة والمعدات اللازمة، وقد وافق الخميني على هذا الطلب وأصدر أمره إلى قادة الجيش بأسلحته المختلفة بالتعاون مع رضائي الذي كلف رسمياً بإتمام هذا الأمر.

وقد أدى هذا القرار إلى حدوث نوع من الاحتجاج والتذمر بين قادة الجيش النظامي كاد أن يؤدي إلى هزة في الجهاز القيادي العسكري والمدني، وقد اضطر رئيس الجمهورية إلى إرضاء القادة العسكريين فطلب من الخميني ترقيتهم إلى رتب أعلى، حيث حصل العميد قاسم على ظهير نزاد ممثل الخميني في المجلس الأعلى للدفاع عن الجيش النظامي على رتبة لواء، كما حصل العقيد علي صياد شيرازي الممثل الثاني للخميني عن الجيش النظامي في المجلس الأعلى للدفاع على رتبة عميد، وقد حصل العقيد إسماعيل سهرابي رئيس القيادة المشتركة للجيش النظامي على رتبة عميد، والعقيد محمد حسين جلالي وزير الدفاع على رتبة عميد، والعقيد حسني سعدي قائد القوات البرية بالجيش النظامي على رتبة عميد، والعقيد منصور مستاري قائد القوات الجوية بالجيش النظامي على رتبة عميد، والربان أول ملك زادكان قائد القوات البحرية بالجيش النظامي على رتبة أمير البحر (عميد بحري)، والعقيد محمد سليمي وزير الدفاع السابق على رتبة عميد، والعقيد معين بور قائد القوات الجوية الأسبق على رتبة عميد، والعقيد حسين بابائي مساعد قائد القوات الجوية لشؤون العمليات على رتبة عميد، وقد ذيل الخميني موافقته على هذه الترقيات بقوله: آمل أن تحقق الأهداف العليا للإسلام بوحدة الكلمة بين جميع القوات المقاتلة.

ويرجع الفضل في تطوير جيش حراس الثورة الإسلامية إلى هاشمي رفسنجاني لأنه هو الذي حث محسن رضائي على المطالبة بتطويره كما أقنع الخميني بالموافقة على هذا الطلب لإحداث نوع من المنافسة في الحرب بين الجيشين، ويمكن أن ندرك ذلك من الكلمة التي ألقاها رفسنجاني في قادة الحراس عندما اجتمع بهم قبل فترة وجيزة من طلب التطوير، حيث قال: "إن جيش حراس الثورة الإسلامية الذي تشكل من أكثر الأشخاص تجربة ونضجاً عليه مسؤولية المحافظة على منجزات الثورة ودستورها وأن يملأ مكانه بين جماهير الشعب، لقد قال الإمام (الخميني) ـ وحقاً ما يقول ـ إنه لو لم يوجد حراس الثورة الإسلامية ما قامت الدولة، وإن هذه الكلمات بحق بعيدة عن المبالغة، وإننا نرى بصورة عملية أن فدائي الحراس رغم استطاعتهم الاشتغال بأعمال أخرى تجعلهم يعيشون في مستوى أعلى من الناحية المادية إلا أنهم جاءوا إلى جيش الحراس وإلى الجبهات بحب لا رياء فيه، لذلك كان دور الحراس مؤثراً في إحباط كل مؤامرات القوى الاستكبارية ضد الثورة، وكذلك أعمال التخريب والتضليل، وفي العمل على انتصار إيران على جبهات القتال مع العدو، بل إنهم يشكلون العامل الأساسي في هذه الإنجازات، كما قام جيش الحراس أيضاً بدور مؤثر في رفع الروح المعنوية للمجتمع الإيراني، كما كان الدور الفني للحراس أهم من الدور العسكري، فقد أوجد الحراس جهازاً إعلامياً غطى احتياجاتنا في الوقت الذي لم يكن لدينا فيه جهاز إعلامي يغطي البلاد، كما كان للحراس خارج البلاد دور كبير في تصدير الثورة الإسلامية، وكان نموذجاً طيباً لهذه الثورة فصارت موضع اهتمام العالم، وأثبت جيش الحراس للعالم أنه جهاز يعتمد عليه".

لم يتوقف تطوير جيش الحراس عند توسعته عددياً وتنظيمه من خلال الأسلحة الثلاثة البرية والبحرية والجوية، ولا لإلحاق جيوش التعبئة العامة الشعبية به وتوليه شؤونها وإنما تجلى هذا الاهتمام أيضاً في تزويده بالأسلحة المتطورة مثل صواريخ "سيلك وارم" أرض ـ سطح الصينية مما زاد من فعاليته بإنشاء وحدات الصواريخ، كذلك في إسناد صناعة الأسلحة إليه، حيث أقام مجمعاً للصناعات الحربية تحت شعار الاكتفاء الذاتي، يقول محسن رفيق دوست وزير الحراس: "إن هدفنا هو الاكتفاء الذاتي الكامل في مجال الدفاع وقد أعطيت الأولوية لكثير من المعدات، وقد انتهينا من مرحلة الدراسة ودخلنا مرحلة الإنتاج، وهناك نسبة مئوية عالية من مستلزمات الجبهة تصنع محلياً، وإن أكثر المعدات البحرية التي استخدمت في مناورة "الاستشهاد" هي من صناعات الاكتفاء الذاتي لجيش الحراس، وهي تجهيزات متقدمة، وإن الغواصة التي ظهرت في المناورة نموذج صغير من ابتكاراتنا، وسوف نرى في المستقبل القريب نماذج أكبر، وإن هذه الحركة سوف تستمر مستفيدة من كافة إمكانات البلاد حتى تحقق الاكتفاء الذاتي لكافة الاحتياجات، لقد قررنا إنتاج جميع المهمات والتجهيزات العسكرية داخل البلاد، وقد وفرنا القوى البشرية المتخصصة الكافية وسوف نزيد من حجمها في جميع الصناعات يوماً بعد يوم، لقد جربنا نموذجاً لأول طائرة محلية منذ يومين وسوف نبدأ إنتاجها قريباً، كذلك قطعنا شوطاً في إنتاج التجهيزات البحرية وصناعة الصواريخ وننتج الآن عدة أنواع منها وسوف نرسلها إلى جبهات القتال قريباً، وسوف نفتتح خلال بضعة أيام مصنع إنتاج الصاروخ "107 مم ميني كاتيوشا" وسيدخل مرحلة الإنتاج خلال بضعة أشهر".

عاشراً: عمليات فتح المبين (أُنظر شكل عمليات فتح المبين)

عندما تحقق للقيادة الإيرانية احتلال جزر مجنون النفطية الإستراتيجية رأت أن الظروف قد أصبحت مهيأة للقيام بعملية كبيرة تستهدف الاستيلاء على البصرة وجنوب العراق لكي ينهي بها الحرب، ويكون مستعداً لفرض شروطه من أجل وقف الحرب فبدأ سلسلة عمليات تحت اسم "الفتح المبين"، يقول حجة الإسلام أحمد مسجد جامعي: "لقد تمت عمليات الفتح المبين في ظروف كان هاشمي رفسنجاني يشعر فيها أن العدو يريد أن يفرض علينا حالة من اللا سلم واللا حرب وحسب قوله: هي من أكثر الحالات شؤماً في علاقات الدول والمناطق، حالة تستفيد منها القوى لبسط للنفوذ وبيع الأسلحة وإيجاد التفرقة وزرع الخوف وإعاقة البرامج الاقتصادية والتنمية، فإذا أدركت أمريكا أن إيران سوف تنتصر في هذه الحرب فستقول لنفسها أن هذه الحرب ليست في صالحنا".

لقد أطلق الإيرانيون على هذه العمليات اسم "الفتح المبين" وكان رمزها هو "يا صاحب الزمان" وبدأوها في الثاني والعشرين من شهر اسفند 1362هـ.ش (13 مارس 1984م) وتزامنت بدايتها مع ذكرى ميلاد الإمام محمد المهدي المنتظر في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان، وهكذا تبدو العلاقة واضحة بين الفكر العقائدي الشيعي والفكر العسكري فاسم العمليات مقترن بأمنية الشيعة في عودة المهدي المنظر وتحقيق الفتح المبين ورمزها يوضح الدعوة لتحقيق هذه الأمنية فضلاً عن أن دعاء ليلة النصف من شعبان الذي يردده الشيعة سوف يصاحب بدء العمليات، إضافة إلى أن هذه العمليات استهدفت عملاً كبيراً وهو الاستيلاء على مدينة البصرة أهم المدن العراقية في الحرب، ورغم إدراك القيادة الإيرانية بأن العراق توقع هذا الهجوم واستعد له إلا أنها استمرت في هذه العملية تحت تأثير الفكر المذهبي، يقول رفسنجاني: "كان العدو يعرف نقطة هجومنا لذلك دفع في الليلة السابقة على العمليات في إحدى نقاط هذه الجبة 170 دبابة إضافية لكي يبادر هو بالهجوم". ويبرر رفسنجاني استمرار إيران في تنفيذ العملية رغم ذلك بقوله: "كان أمامنا عدة خيارات لإنهاء الحرب فإما صلح لا نحصل فيه على حقوقنا وكان هذا سيئاً جداً لأنه يهدد كرامة الثورة فضلاً عن ظروف المنطقة (تحركات إسرائيل في لبنان وتقاعس الرجعية العربية) فأردنا أن ننهي الحرب بالطريقة التي نرى أنها تحقق مصلحة البلاد، وكانت أول خطوة في هذا السبيل أن نبعد المناطق الحساسة عن متناول "صدام" حيث أن ميناء خرمشهر ومصفاة عبدان يصعب الاستفادة منهما أو تعميرهما، كذلك كانت المرتفعات الغربية في يد العدو وبذلك يتحكم في عدة مدن في بلادنا، وكان وقف الحرب في هذه الحالة يعني أن تبقى بلادنا خربة مدة طويلة، ومن هنا كان لابد أن نقوم بعمليات "الفتح المبين" و"بيت المقدس".

ورغم اشتراك قوات من الجيش والحراس والتعبئة العامة بأعداد كثيفة وأسلحة كافية إلا أن عمليات الفتح المبين قد فشلت، مما جعل القيادة الإيرانية تغطي هذا الفشل بإضافة هذه العمليات إلى عمليات "بيت المقدس" مؤكدة نجاحها في تحقيق بعض الأهداف مثل إبادة ست فيالق عراقية وأخذ ثلاثين ألف أسير عراقي.

حادي عشر: عمليات عاشوراء

لا شك أن العودة إلى اسم عاشوراء المرادف لكربلاء يؤكد فشل عمليات الفتح المبين من ناحية المغزى التاريخي لكلتا العمليتين، وعمليات عاشوراء عبارة عن سلسلة عمليات متقطعة تحمل نفس الاسم مع الرقم الترتيبي، وقد تمت على أربعة مراحل من "عاشوراء واحد" إلى "عاشوراء 4) ولم تكتمل حتى "عاشوراء 10" كما كان متوقعاً من أسمها، وقد بدأت عملية "عاشوراء واحد" في الخامس والعشرين من شهر يور 1364هـ.ش / 16 سبتمبر 1985م برمز "الإمام الحسين بن علي" واستهدفت الاستيلاء على المرتفعات الحساسة في غرب إيران عند منطقة "ميمك"، ويتضح فيها الفكر العقائدي الشيعي سواء في اسمها أو رمزها أو توقيتها حيث يتزامن مع ذكرى ميلاد الرسول عليه السلام عند الشيعة وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو نفسه تاريخ ميلاد الإمام جعفر الصادق، وتذكر المصادر الإيرانية أن هذه العملية قد نجحت في تحقيق أهدافها ومهدت لعمليات "عاشوراء 2" و"عاشوراء 3"، وعاشوراء 4" في محاور "جنكوله" و"مهران" و"فكه" وغرب بحيرة "أم النعاج" الإستراتيجية.



[1] لقد نفذت عمليات متزامنة مع المرحلة الثانية في منطقة فكة للسيطرة على مرتفع 182 والحصول على موقع دفاعي مناسب، ومن أجل تدمير قوة العدو والحيلولة دون فك الحصار عنها وكذلك لكسر الطوق عن قسم مهم من قواتنا المرابطة في تلك المنطقة. وانتهت هذه العمليات بنجاح كامل، وقد دمر للعدو في هذه العمليات كتيبة مدرعة وتم الاستيلاء على دبابات وعربات ناقلة للجنود تشكل كتيبة واحدة بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي أنزلت بالعدو، وأسر 809 من أفراده، وبعد الحصول على مواقع دفاعية مناسبة، كلفت مجموعة من قواتنا بهذه المنطقة وتم إرسال القسم الأعظم منها إلى منطقة عمليات بيت المقدس.

[2] إن ما نعنيه من كلمة غير ناجح هو أننا لم نتمكن من الاستمرار في التحرك حتى الوصول إلى الهدف النهائي ولكن في هاتين المرحلتين تمكنا من إلحاق خسائر بالعدو ومن ضمنها أسر ضابط صف و 15 جندي عراقي.

[3] فألقى في قلوب الذين كفروا الرعب) كان كافة الإخوة يعتقدون وفق الدروس التي تلقوها من الإمام ( الخميني ) بأن الرعب الذي قذفه الله في قلوب هذه القوات قد سلب منها كل إمكانية للعمل. وقد أيد الإمام هذا الموضوع في حديثه وأكد عليه.

[4] كانت زيارة المراسلين الغربيين قبل يوم أو يومين من بدء قواتنا الإسلامية بالهجوم النهائي في هذا (الإطار، حيث أن النظام العراقي أرسلهم إلى الجبهات ليريهم قوته وسيطرته على مدينة خرمشهر،وبقوله إن مدينة المحمرة) لا تزال تحت سيطرته، وبدأت دعايات وكالات الأنباء الغربية تتحدث عن معنويات و... القوات العراقية. فإذاعة بي بي سي لكي تظهران دعاياتها ودعايات الإذاعات المماثلة لها لم تكن مغرضة بل إنها كانت محايدة، وتقوم بالتعويض عن هذه الفضيحة أوردت حديثاً في 26/5/1982 جاء فيه: "لم يمر أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام على زيارة المراسلين الغربيين للقوات العراقية في خرمشهر وتحدثهم عن المعنويات العالية لهذه القوات، حتى أخرجت المدينة بكاملها فجأة من أيدي العراقيين".

[5] اعترف رفسنجاني بقصور أدى إلى وقف العمليات مؤقتاً حتى فتح منافذ جديدة للتسليح وذلك في حديث لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، أذاعته إذاعة طهران في 4/ 3/ 1984م.

[6] خطبة الجمعة بمسجد طهران الجامع إذاعتها إذاعة طهران بالفارسية بتاريخ 9/3/1984م.