إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر الإيرانية





مناطق القصف العراقي
مناطق احتلتها العراق
مناطق كانت مسرحاً للعمليات
الحدود العراقية ـ الإيرانية
عمليات ثامن الأئمة
عمليات تحرير خرمشهر
عمليات طريق القدس
عمليات فتح المبين




حرب عام 1967

المبحث الرابع

تطوير العمليات العسكرية الإيرانية

(تعقب العدو داخل أراضيه)

أولاً: عمليات كربلاء 5

أدى تنفيذ جيش حراس الثورة الإسلامية لعمليات "كربلاء 4" في منطقة جنوب مدينة "خرمشهر" إلى نفوذ المقاتلين خلال الموانع والاستحكامات التي كانت قد وضعتها القوات العراقية للدفاع المتقدم عن منطقة "شلمجة" مما جعل القيادة الإيرانية تطور عملياتها، وتفكر في الانتقال إلى المرحلة الرابعة من مراحل القتال مع القوات العراقية، والتي تستهدف تعقب قوات العدو داخل أراضيه حتى تحطم لديه الرغبة في مواصلة القتال والتماس الصلح بما يتناسب مع الشروط الإيرانية، كما استهدفت محاولة تحطيم آلة العدو القتالية ونظم مدفعيته البعيدة المدى وصواريخه لبث الاطمئنان لدى الجبهة الداخلية بتوقف قصف المدن وتوقف حرب ناقلات النفط.

وكانت عمليات "كربلاء 5" من أهم العمليات التي قامت بها القيادة الإيرانية في هذه المرحلة حيث يذكر "العميد حراس / مصطفى إيزدي" مساعد القائد العام لجيش الحراس لشؤون التخطيط والميزانية ووكيل القيادة العامة للقوات المسلحة أن رئيس الاتحاد السوفييتي قد قال لوزير خارجية إيران في لقائه معه بعد هذه العمليات: إن القوات البرية لجيش الحراس هي أقوى قوات برية في منطقة الشرق الأوسط.

وقد بدأت عمليات "كربلاء 5" في التاسع عشر من شهر دي 1365 هـ.ش. 19 يناير 1987م واتبعت أسلوب المباغتة واستهدفت منطقة "شلمجة" وشرق "البصرة"، وقد اشترك في هذه العمليات قوات من ثلاثة معسكرات هي "خاتم الأنبياء" و"حمزة" و"رمضان"، وكانت هذه العملية من العمليات التي استغرقت وقتاً طويلاً إزاء المقاومة التي لقيتها القوات الإيرانية، إلا أنها تمكنت من احتلال 150 كم مربعاً من الأراضي العراقية، وقد تمكنت القوات الإيرانية أيضاً من تثبيت أقدامها في كل من "بوبيان" و"شلمجة" و"كوت سواري" وقناة تربية الأسماك وعدداً من المناطق السكنية، كما أخذت 1650 أسيراً فضلاً عن مائة ألف قتيل وجريح وتدمير عدد كبير من مهمات العدو وأسلحته، والاستيلاء على عدد آخر.

ويؤكد العميد مصطفى ايزدي أن هذه العملية كانت من أصعب العمليات التي خاضها لوجود موانع وعوائق كثيرة منها الموانع الهندسية وحقول الألغام والأسلاك الشائكة المكهربة والقنوات العريضة والبحيرات.

ثانياً: عمليات نصر

هي مجموعة عمليات على ثماني مراحل من "نصر واحد" إلى "نصر 8" وبدأت في الثاني والعشرين من شهر اسفند 1365 هـ.ش. 13 مارس 1987م وتزامنت مع ليلة الخامس عشر من شهر شعبان أي ذكرى مولد الإمام محمد المهدي المنتظر فاتخذت رمز "يا صاحب الزمان أدركني" شعاراً لها، وقد استهدفت هذه العمليات القضاء على مقاومة الجماعات السياسية العسكرية المعارضة للنظام من الأكراد ومجاهدي خلق المتمركزة في الشريط الغربي للحدود مع العراق ومرتفعات الغرب والشمال الغربي، وهكذا تبدو العلاقة واضحة بين اسم العمليات ورمزها وتوقيتها وهدفها، ورغم تغير الرمز من عملية إلى أخرى إلا أن الرموز جميعاً لم تخرج عن دائرة آباء الإمام المهدي، ونظراً لأن معظم هذه العمليات قد دارت في مناطق جبلية وعرة فقد استأثرت بها قوات جيش حراس الثورة('جريدة ` كيهان`، العدد الصادر في 22 اسفند 1365 إلى 22 فروردين 1366 هـ. ش.'). وكانت هذه العمليات آخر سلاسل العمليات العسكرية الناجحة التي قام بها جيش الحراس، ولئن كانت قد حققت الكثير من أهدافها إلا أنها لم تمنع ذلك التراجع والفشل والانكماش الذي تعرضت له القوات الإيرانية بعد ذلك. وكان القادة الإيرانيون يعتبرون نجاح عمليات "نصر 8" بداية للنصر النهائي على العراق، يقول آية الله إمامي كاشاني: "إن وضع الحرب خلال الشهور الأخيرة يوضح أن جمهورية إيران الإسلامية هي المنتصرة في هذه الحرب، إن الإسلام اليوم في خطر، وإن إضعاف العمل العسكري اليوم إضعاف للقرآن والإسلام والرسول الأكرم، وإن معارضة استمرار الحرب اليوم هو تقوية للأجهزة والمؤسسات الاستكبارية وتقوية للظلم". ويقول "سيد عل ي خامنه أي": حسب قول إمام الأمة فإنه يبغي أن نستمر في الحرب حتى سقوط صدام ويجب أن يعرف العالم أن هذا هو موقف جمهورية إيران الإسلامية، وليس هناك أي تردد فيه". ويقول آية الله جنتي: "يمكن تسمية هذا العام عام إعلان المواقف الواضحة والأصولية لإيران على العالم ويمكن اعتبار الفصل الجديد من مسيرة الانتصار العالمي للثورة الإسلامية فألاً حسناً". ويقول هاشمي رفسنجاني: "مع انتصارنا في عمليات "نصر 8" سوف تنضم قواتنا إلى المناضلين الأكراد". ويقول محسن رضائي قائد جيش حراس الثورة: "إن الهدف من عمليات "فتح ونصر وظفر" واشتراك معسكر "رمضان" مع جيش "بدر9" ومع القوات العراقية (المعارضة) المكافحة في عمليات جبهات الشمال الغربي والحدود الشمالية للبلاد هو إيجاد مجال لنظام عراقي جديد، إننا في الحقيقة نستطيع عن طريق تنظيم شعب العراق أن نوجد المجال اللازم لنظام العراق القادم، إن الأشخاص الذين يحاربون في القرى داخل العراق يستطيعون أن يقوموا بدور في مستقبل العراق، وإن التشكيل الذي يتم بالتنسيق مع القوى العراقية الإسلامية هو حجر الزاوية في بناء مستقبل العراق، ومن هنا فإن الهدف الأساسي والنهائي لنا هو تحرير شعب العراق وسقوط النظام الجائر في بغداد، وإن مع سكر "رمضان" في الحقيقة يتعهد بقسم كبير من شؤون الحرب وعليه مسؤولية الوصول لهذا الهدف".

هكذا أبانت القيادة السياسية والعسكرية بوضوح أهداف هذه المرحلة من التحرك العسكري الإيراني، وقد أكد الدكتور كمال خرازي مسؤول الإعلام العسكري رسمياً هذه الأهداف عندما صرح بقوله: "إن عملياتنا العسكرية تستهدف خلق المجال لانتقال القدرة إلى شعب العراق، ينبغي أن تكون الحرب في شكل عراقي ـ عراقي، وأن تقوم القوات العراقية المناضلة نفسها بقسم كبير من هذه العمليات". كما أكد سيد علي خامنه أي" رئيس الجمهورية على نفس المعنى بقوله: "إن لدينا اليوم تكتيكات وأساليب خاصة تجعلنا قادرين على كسر ظهر من يريدون إيجاد التوتر في المنطقة، وهذه ليست خدعة بل حقيقة مطروحة، إن القضية ليست قضية سلاح بل قضية تكتيكات وأساليب نملكها ولا يملكها غيرنا، إن كل سلاح له تكتيكه المناسب، وإن الإمكانات الجغرافية والإنسانية مع روح الإيمان والحب قد أعطتنا تكتيكات خاصة".ويقول محسن رفيق دوست وزير جيش الحراس: "إن حربنا أساساً حرب سياسية ونحن بصدد تحقيق منجزات مهمة في الحرب، إننا نريد أن نسقط نظاماً معتدياً، لذلك فإننا نبدأ هجومنا في وقت يضمن لنا تحقيق أهدافنا السياسية، وإن وقت وظروف ومكان الهجوم بالنسبة لنا متغير، لقد كانت جبهاتنا هذا العام أكثر فعالية من العام الماضي بشكل عام، وسوف يقرر شعبنا مصير الحرب في المستقبل القريب بتواجده الواسع في الجبهات".

وقد أعد المجلس الأعلى لدعم الحرب برنامجاً من عشر نقاط تحت شعار قول الإمام علي بن أبي طالب الله الله في الجهاد بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم"، وعرض هذا البرنامج على الخميني للحصول على موافقته بتنفيذها، وهذه النقاط هي:

1. كل قادر على القتال يقدم نفسه للأجهزة المسؤولة حتى يتم تصنيفه وتوجيهه وتحديد دوره في الذهاب للجبهة.

2. على من لا يستطيع حمل السلاح من النساء والمرضى وأصحاب الأعذار أن يجاهدوا بأموالهم عن طريق تجهيز مقاتل على الأقل لمن يقدر.

3. الجهاد باللسان والفكر ونشر الثقافة جهاد في سبيل الله، والجميع مكلفون به على أية حال خاصة الفنانون والخطباء الذي عليهم نشر رسالة الثورة والشعب.

4. المتخصصون والعلماء مكلفون بتوظيف ما لديهم من علم حسب احتياجات الحرب.

5. على القادة العسكريين في الجيش والحراس وضع خطط للعمليات من أجل إنزال ضربات متوالية على العدو في انتظار أوامر المسؤولين.

6. على أجهزة الدولة إعطاء الأولوية في الإمكانات الموجودة للجبهات وأن لا يتوقفوا عن دعم الاحتياجات الحربية.

7. على علماء الدين وطلاب العلوم الدينية التواجد بالجبهات إلى جانب الناس وفي جميع الساحات وتشجيع المجاهدين وبث الأمل في نفوسهم.

8. على جيش حراس الثورة الإسلامية تجهيز مراكز لتسجيل أسماء ودور وزمان التواجد الجماهيري في الجبهات والإعلام عنه.

9. على جيش الحراس تقديم التدريب والتنظيم للمتطوعين والعناية بهم.

10على الأجهزة القضائية حل مشاكل المقاتلين بشكل جدي ومنع التعدي على حقوقهم.

وقد قال الخميني في رسالته إلى المجلس الأعلى لدعم الحرب التي يوافق فيها على نقاطه العشر: "لقد قلت مراراً إن هذه الحرب التحميلية تقع على رأس الأمور، ومن اللازم أن يتم النصر بهمة جميع طوائف الشعب بأسرع ما يمكن بعناية الحق تعالى، وبناء على هذا فإن المجلس الأعلى لدعم الحرب والمتخصصين في الشؤون العسكرية ينبغي عليهم أن يحددوا الضرورات ويعملوا لها وألا يقصروا".

وقد صرح سيد علي خامنه أي على إثر ذلك بقوله: "إن حل جميع مشكلات السنوات التسع مرتبط بالانتصار القادم لشعب إيران، وينبغي أن تقمع حتى آخر لحظة محاولات العدو التي اشتدت عن ذي قبل، فإذا ما صمدت هذه المقاومة فإن العلم الإسلامي سيظل يخفق إلى الأبد، وإن خوف أمريكا والاستكبار العالمي يكمن في هذا الأمر، لابد من ضربة أخرى ننزلها على العدو في ميدان القتال، ونحن نريد أن نضرب هذه الضربة اليوم".

وقد عاد خامنه أي وصرح مرة أخرى بقوله: "لقد آن الأوان أن نغير شكل الحرب، إننا الآن في مرحلة ينبغي أن ننفذ فيها قرار الشعب الإيراني بإنهاء قضية الحرب نهاية عادلة، وينبغي أن يعرف العالم اليوم هذا الموقف الحاسم ويتيقن أن شعب إيران يسعى بحسم لإنهاء هذه الحرب بشكل عادل".

والواقع أنه لم يكد يمضي أكثر من ستة أشهر على قرار المجلس الأعلى لدعم الحرب حتى أدرك الخميني إزاء الفشل المتلاحق على جبهات القتال والعجز عن تنفيذ أهداف المرحلة الرابعة من القتال أن هذا المجلس لم يعد فعالاً في تحقيق الهدف المنشود، مما جعله يختار أقرب علماء الدين إليه وهو هاشمي رفسنجاني ويعهد إليه بكل مسؤوليات الحرب ويمنحه كافة الصلاحيات التي تمكنه من القيام بهذه المسؤوليات فعينه نائباً للقائد العام لكل القوى، وقد جاء في قرار التعيين تكليفه بالمهمة التالية:

1. إنشاء قيادة عامة لكل القوات لتحقيق الوحدة الشاملة بينها.

2. التنسيق الكامل بين الجيش والحراس والتعبئة وقوات الأمن في كافة مجالات الدفاع عن الإسلام المقدس، وأن على كافة الإدارات والمؤسسات والأجهزة التابعة لها أن تنتظم وتبدي قبولها ودعمها للتنسيق الكامل مع القوات المسلحة.

3. مركزة الصناعات العسكرية في قاعدة إسلامية مقدسة تتبع لها كل الكادرات الفنية والصناعية العسكرية والهندسية وكافة الإمكانات تحقيقاً لأهداف القيادة العامة.

4. العمل على تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الإمكانات المادية والمعنوية والموارد العامة للمعسكرات في إعداد وتنظيم المؤسسات الضرورية.

5. مركزة الشؤون المعنوية والثقافية والدعوة للقوات المسلحة في جميع المجالات.

6. التنفيذ الحاسم والصحيح لقرارات المحاكم العسكرية والأمنية وتعقب المخالفين في كل شأن.

7. الاستفادة الصحيحة من المساعدات الشعبية في كافة المجالات.

وأن على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وضع كافة إمكاناتها في سد احتياجات الحرب، وأن على شعب إيران والقوات المسلحة والنظامية والأمنية التحلي بالصبر الثوري والثبات والاستقامة في مواجهة مؤامرات الاستكبار العالمي، وليكونوا على يقين من أن النصر من نصيب الصابرين.

وقد جاء في تعليق للإذاعة الإيرانية "طهران بالفارسية" على هذا القرار أن هاشمي رفسنجاني قد أصبح بذلك مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الحرب، عملياتها ونتائجها وله السلطة الكاملة في قرارها وتوجيهها، والاستفادة من كافة الإمكانات الرسمية والشعبية لخدمة هذا المجال.

والواقع أن هذا القرار كشف عن الخلل الموجود في القيادة العسكرية كما دل على وجود صراع بين القادة والمسؤولين الإيرانيين خاصة فيما يتعلق بمحاولة إلقاء تبعة تردي القوات المسلحة وهزائمها الأخيرة وطردها من شرق البصرة والفاو وجزر مجنون وشملجة، ويتضح هذا من الكلمة التي ألقاها آية الله حسين علي منتظري في أسر الشهداء بمناسبة ذكرى الخامس عشر من خرداد حيث قال: "إنني أريد من السيد/ هاشمي رفسنجاني أن يأخذ أمر الإمام الخميني بجدية كاملة، والابتعاد عن الشكليات والشعارات، والقيام بتخطيط صحيح، والاستفادة من الأفراد الأكفاء أصحاب الخبرة، وإدماج الأجهزة المتشابهة، وإنشاء قيادة حاسمة بجدية كاملة، وأن يعطي السيد / هاشمي لنفسه وقتاً كافياً لتنفيذ أوامر الإمام، وحشد كافة القوات العسكرية والإمكانيات الشعبية لتحقيقه".

وقد أعلن رفسنجاني في خطبة الجمعة التالية للقرار تعيينه نفسه حاكماً عسكرياً في البلاد، فكان موقفه أشبه بانقلاب سلمي على الحكومة، حيث يقول في هذه الخطبة: "نظراً لاشتداد الحرب واشتراك الاستكبار العالمي والقوى الرجعية فيها لنصرة صدام حسين فقد عهد إليّ الإمام بأن أكون نائبه كقائد عام لكل القوى فأعمل على تنظيم الشؤون الإدارية والعمليات، وأحقق التنسيق اللازم بين كل القوات من الجيش والحراس والتعبئة وكذلك القوات غير النظامية وقوات الأمن والجندرمة، وأن أعمل على تمركز الأمور في القوات المسلحة وعدم ضياع الإمكانيات هباء، وحسب قرار الإمام فإنه سيتم الاستفادة أيضاً من الإمكانات غير العسكرية لخدمة القطاعات العسكرية، وأن على القوات المسلحة العمل على تحقيق هذه المركزية سريعاً وعدم التخلف عن تنفيذ أمر الإمام".

وقد ألقى رفسنجاني اللوم على الجيش في هزائم الفاو وشلمجة وحلبجة ثم قام بعزل رئيس القيادة المشتركة للجيش وتعيين العميد علي شهبازي خلفاً له. كذلك أشار سيد علي خامنه أي في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الجامع بطهران بعد صدور قرار الخميني بثلاثة أسابيع إلى فشل الجهاز العسكري في المحافظة على الانتصارات، وقال: "إن انسحاب قواتنا من الفاو وشلامجة ليس مسألة صدفة، ولكنه نتيجة محاولات ومؤامرات السنتين الأخيرتين من جانب الاستكبار العالمي، ولكنني أعلن بشكل حاسم أنه حتى لو أعطيت عدة أضعاف هذه المساعدات لنظام صدام فإن هذا النظام لن يستطيع أن يقاوم قواتنا، لقد أمضينا أربع مراحل من الحرب ونحن الآن في المرحلة الخامسة، وهي مرحلة توجيه ضربة إلى النظام الصهيوني العراقي والقوى الاستكبارية الحامية لهذا النظام… إن ما ترونه في الجبهة الآن، أي انسحاب قواتنا من الفاو وشلامجة وجزر مجنون ليس مسألة صدفة، إنني لا أدعي أننا لم نضيع شيئاً، أو أنه ليست مسألة صدفة، إنني لا أدعي أننا لم نضيع شيئاً، أو أنه ليست لدينا نقاط ضعف، ولكن هذا الضعف ليس نتيجة تقصير وإنما أدت إليه مجموعة من المشاكل والمفاسد التي ينبغي القضاء عليها".

وهكذا انتهت المرحلة الرابعة من مراحل القتال، ولم تكن المرحلة الخامسة التي أشار إليها خامنه أي في خطبته سوى محاولة لرفع الروح المعنوية لأن الأمور كانت قد خرجت من يديه ولم تعد له صلة بالجيوش أو العمليات العسكرية بعد أن أصبحت في يد رفسنجاني الذي لم يشر إلى استمرار القتال من قريب أو بعيد، بل إنه أخذ يدرس الأوضاع ولم يكد مضي أكثر من شهر ونصف على توليه الأمور حتى أخذ يمهد لقبول إيران قرار مجلس الأمن.

ثالثاً: تقييم حراس الثورة لهذه المرحلة من الحرب

عندما شن العراق هجومه على إيران كانت ميادين القتال الجبلية في كردستان المدرسة الوحيدة التي تعلم فيها حراس الثورة الإسلامية ثم أكملوا تعليمهم العسكري في سهول خوزستان أمام القوات العراقية، حيث لم تسنح الفرصة قبل ذلك لهم بخوض حرب حقيقية منظمة، ولم يكونوا قد استكملوا تنظيماتهم العسكرية بعد لانشغالهم بمقاومة أعداء الثورة في الداخل.

يقول أحد قادة حرس الثورة الإسلامية

"لقد استوعبنا في سهول خوزستان معنى الحرب التقليدية وتمكنا من الوقوف بوجه القوات العراقية، ومع هذا فلم تكن لدينا مدرسة خاصة بنا ولم نكن قد سمعنا من قبل دوي المدافع ولم يكن لدينا قائد ينظم العمليات الحربية، كما لم نكن قادرين على تأمين الإمدادات وإسناد جبهات قتال واسعة كهذه، ويمكن القول بأننا لم نكن نملك أي استعداد للدخول في حرب تقليدية، وعندما فرضت علينا الحرب تمكنا من اجتياز مراحلها المختلفة وذلك بعد تحمل ضغوط وصعوبات كثيرة.

من جهة أخرى فقد كان وضع قوات (تعبئة المستضعفين) غامضاً وبالرغم من أن الحرس قد شكل بنفسه طلائع التعبئة فقد استمر، رغم ذلك، الحديث حول ضرورة أو عدم ضرورة إلحاق هذه القوات بالحرس. وكانت تجري وفي مختلف أنحاء البلاد أعمال التدريب لقوات التعبئة ومن قبل جهات عديدة، حيث إن قوات كثيرة كان بإمكانها الانضمام لتعبئة المستضعفين ولكن تدريبها على الأسلحة لم يكن يتجاوز بنادق (أم ـ 1) ورشاشات (ج ـ 3) ولم يكن هناك تنظيم أو مؤسسة منظمة بالشكل اللازم لها. وقد جرى وبعد مساع كثيرة من قبل الحرس وبمساعدة أفراد من السائرين على نهج الإمام الخميني إلحاق قوات التعبئة بحرس الثورة الإسلامية بحيث تعمل على نسقه وتدرب تحت إشرافه".

وقد حاول بعض المحللين الإيرانيين تقسيم مراحل تطور العمليات العسكرية إلى أربعة مراحل، هي: مرحلة وقف زحف العدو، مرحلة الاستنزاف والعمليات المحدودة، مرحلة عمليات الهجوم الواسع، مرحلة عمليات المطاردة، إلا أن مصادر حراس الثورة ذكرت أن العمليات بدأت بمناوشات فدائية، ثم عمليات تقليدية، ثم عمليات غير تقليدية محدودة، ثم عمليات موسعة غير تقليدية، ثم مطاردة.

رابعاً: العمليات التقليدية

لقد قمنا بصورة عامة بثلاث هجمات موسعة على الطريقة التقليدية وكانت جميعها غير موفقة.

1. العمليات التقليدية في محور دزفول

وقد جرت هذه العمليات بتاريخ 15/10/1981 في محور دزفول (جسر نادري) وقد اشتركت فيها قوات من الجيش حيث تم فيها تدمير عدد من دباباتنا وسقط عدد من الشهداء والجرحى ولم تسفر هذه العمليات عن أي انتصار وكانت الوحدات المشاركة فيها على الأغلب مدرعة. ولم يكف الفشل في مثل هذا النوع من العمليات المسؤولين آنذاك لكي يقتنعوا بأن اتباع هذه الطريقة والمشابهة للهجوم العراقي لا يمكنها من إجبار المعتدي على التراجع.

2.العمليات التقليدية في (حويزة)

إلى جانب عدم توفر القدرة للإعداد لحرب مصيرية وبالرغم من تمكن الإيرانيين من إيقاف القوات العراقية فقد كان العراق يقصف المدن بشدة لإضعاف المعنويات وألقى في 28/12/1980 أكثر من 95 قذيفة مدفع على الأحياء السكنية المزدحمة في أهواز مثل منطقة تقاطع طريق نادري ـ سوق الخضار وأسفر ذلك عن مقتل أكثر من 100 مواطن في هذا اليوم.

وتقرر عند ذلك تنفيذ عمليات في 15/1/1981 والتي كان لقوات الجيش المدرعة الدور الأساسي فيها مع اشتراك 400 من الحرس وبصورة جانبية فيها. وكان الهجوم في بدايته ناجحاً حيث جرى فيه تدمير جانب مهم من قوات وتجهيزات العدو. كان منها تدمير 50 دبابة وثلاثة مدافع وتكبيده 500 قتيل وأسر 800 عسكري عراقي فيها مع الاستيلاء على كثير من أسلحته كغنائم من منطقة العمليات هذه وتراجعه إلى الخلف. ومع هذا كانت قدرات العراق جيدة في حرب المدرعات والتنظيم وتنظيم القيادة وتقديم الدعم والإسناد لقواته بمختلف الأنواع لذلك تمكن وبسرعة من إعادة ترتيب قواته لقيام بهجوم مضاد قوي وإجبار الإيرانيين على التراجع والاستيلاء من جديد على الأراضي التي حررت كما تمكن في المنطقة من توجيه ضربة قوية للمدرعات بالإضافة إلى استعادته للأسلحة والعتاد الذي كان قد تركها في تراجعه الأول والتي لم تنقل إلى خلف خطوط القتال أو تدمر.

3. العمليات التقليدية (نصر) على طريق ماهشهر ـ ابادان

وقد اشتركت في هذه العمليات التقليدية قوات الجيش بنسبة 70 % وقوات حرس الثورة الإسلامية بنسبة 30 % وجرت بتاريخ 10/1/1981. تمكن جيش العراق خلالها، والذي كان قد فقد في هذه العمليات 9 دبابات وعدداً من العجلات، تمكن من تدمير أكثر من ذلك العدد من الدبابات أو الاستيلاء عليها مع وقوع عدد من القتلى والجرحى والأسرى الإيرانيين وكانت هذه العمليات آخر عملية تقليدية فاشلة.

ولم يكن لحرس الثورة الإسلامية دور فعال في المعارك التقليدية هذه بالإضافة إلى أنه لم يكن موافقاً عليها. ورغم ذلك فإنه كان يؤدي الدور الذي يوكل إليه بصورة مؤثرة ومثال ذلك عمليات (هويزة) التي شارك فيها بصورة جانبية وفي نفس الوقت أسفرت عن مقتل عدد من أحسن كوادره الذين يعدون من الكوادر الممتازة للثورة الإسلامية.