إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الأول

دراسة جغرافية وخلفية تاريخية

أولاً: الدراسة الجغرافية

1. كوريا Korea شبه جزيرة، تمتد من أقصى شمال شرقي آسيا بطول ألف كيلومتر، من الشمال إلى الجنوب. وهي تتبوأ موقعاً، يعد نقطة التقاء أقوى ثلاث دول كبرى في قارة آسيا: اليابان، والصين، وروسيا. وحدودها الشمالية تتاخم الصين، عدا في جزء صغير منها، يتاخم الاتحاد السوفيتي، وخاصة في مصب نهر تومن Tumen (أُنظر خريطة كوريا). يحدها من الشرق بحر اليابان؛ ومن الغرب البحر الأصفر؛ ومن الشمال إقليم منشوريا Manchuria الصيني، ويفصلها عنه نهرا "يالو Yalu" و"تومن Tumen"، على مسافة 500 ميل؛ ومن الشمال الشرقي إقليم سيبيريا الروسي، بطول 11 ميلاً، وفي الجنوب، يفصلها عن اليابان مضيق كوريا، وعرضه 200 كم.

تبلغ المساحة الكلية لأراضي شبه الجزيرة الكورية 220766 كم2، وهي تقارب مساحة اليابان، أو الجزر البريطانية مجتمعة. ويبلغ أقل عرض لها 160 كم.

تقدَّر مساحتها الصالحة للزراعة، بنحو خُمس أراضيها. أما الباقي فأراضٍ جبلية، تشتد فيها الحرارة والبرودة، وتتوطن فيها الأمراض، كالملاريا وغيرها.

يتصف الساحل الكوري بكثرة التعاريج. ويكاد يصل طوله الإجمالي إلى 17269 كم. والساحل الشرقي، المطل على بحر اليابان، صخري وعر. أما الساحل الغربي، المطل على البحر الأصفر، فمنخفض، كما تقل تعاريجه؛ ويتميز بوجود مسطحات ذات سهول عريضة، ويصب فيه عدد كبير من الأنهار. ويتبع كوريا نحو ثلاثة آلاف جزيرة، منها مائتا جزيرة صالحة للسكنى.

تتميز الأراضي الكورية بمظاهر سطح متنوعة، على الرغم من أن نحو سبعين بالمائة من أراضيها، هي جبلية. تبلغ الجبال أقصى ارتفاعها في الشمال، حيث تصل إلى 8500 قدم؛ وهو ما يشكل سلسلة "تاي بايك Taebaek"، التي تنحدر نحو الساحل الشرقي. وتحوي الجبال أجرافاً صخرية شاهقة، وتتميز منحدراتها، في المنطقتَين، الجنوبية والغربية، بالحدة. وهي تكوّن العديد من السهول والجزر المليئة بالخلجان الصغيرة.

ويوجد في شبه الجزيرة الكورية، العديد من الجبال والأنهار، ذات المناظر الخلابة؛ ولذلك، يطلق عليها "الأرض المطرزة بالذهب". ويبلغ ارتفاع أعلى جبل في شبه جزيرة كوريا 2744 م، ويسمى جبل "بيكدوسان" ومعناه "الجبل دائم البياض"؛ وهو يقع على الحدود الشمالية، مواجهاً منشوريا.

وتضم كوريا العديد من الأنهار والجداول، التي تؤدي دوراً مهماً في تنمية الصناعات، وفي أساليب الحياة كذلك.

ينبع من جبل "بيكدوسان" نهرا "أمنوك Amnuk"، وطوله 791 كم؛ و"تومن"، وطوله 521 كم. وهما يجريان نحو الغرب والشرق، ليشكلا الحدود الشمالية. ويوجد في جنوبي كوريا نهر "نادونج جانج" Nadong Jang، البالغ طوله 525 كم؛ وكذلك نهر "هان جانج Han Jang"، البالغ طوله 514 كم. ويعد هذان النهران المصدر الرئيسي للمياه في كوريا. وينساب نهر "هان جانج" عبر "سيول Seoul"، عاصمة كوريا الجنوبية. وهو شريان الحياة الرئيسي للكثافة السكانية الكبيرة، في وسط كوريا، ولا سيما سكان سيول، الذين يزيد عددهم على عشرة ملايين نسمة.

يتركز معظم الأراضي الصالحة للزراعة في جنوبي كوريا وغربيها. ويتركز جميع الأودية الصغيرة بين الجبال. وقد استصلحت منحدرات الجبال كذلك، على هيئة مصاطب، يمكن حرثها وزراعتها. يتمثل الإنتاج الزراعي الرئيسي في الأرز، والشعير والحبوب، وفول الصويا. وينمو أغلب محصول الأرز في الجنوب، حيث يتوافر موسم دافئ طويل، يسمح بجني المحصول مرتين، في العام.

يشكل البحر الأصفر، الواقع بين كوريا، وجمهورية الصين الشعبية، مع المحيط الواقع في جنوب شبه الجزيرة، خليجاً، عزز صناعة صيد الأسماك، وأسهم في تنمية صناعة بناء السفن.

مناخ كوريا متنوع، وهو قاري، في جملته؛ على الرغم من أنها تطل على البحر، من ثلاث جهات. وصيفها حار، رطب، طويل، من يونيه إلى سبتمبر. وشتاؤها طويل، تجعله الرياح الباردة، التي تهب من وسط آسيا، جافاً. والربيع والخريف قصيران. وتراوح درجات الحرارة بين 15 درجة تحت الصفر، شتاءً، و7 إلى 34 صيفاً. وتكثر الأمطار في فصل الصيف.

تتركز أفضل الموانئ في السواحل، الجنوبية والغربية. وجميع الكوريين، في الشمال والجنوب، من أصل واحد. ويتكلمون لغة واحدة، هي أشبه في كتابتها، باللغة الصينية.

2. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في أغسطس 1945، قُسمت كوريا إلى قسمين، يفصل بينهما خط العرض 538 شمالاً. كان خط العرض 38 خطاً وهمياً، يمتد على الخرائط، عبر الجبال والأنهار والطرق والسكك الحديدية. ولم يكن ذا دلائل سياسية، ولا يمت إلى تاريخ كوريا بصلة. ولكنه كان يفصل بين شمالي كوريا، حيث تركزت القدرات الصناعية؛ وجنوبيها، حيث الأراضي الخصبة، والاقتصاد الزراعي. وفى عام 1948، أنشئت دولة في كل قسم:

أ. في الشمال: جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبيةDPRK  (كوريا الشمالية)، التي اتخذت النظام الشيوعي، وحظيت بدعم كل من الاتحاد السوفيتي (السابق) والصين الشعبية.

ب. وفي الجنوب: جمهورية كوريا  Korea (كوريا الجنوبية)، التي انتهجت النظام الرأسمالي، وحظيت بدعم المعسكر الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

في عام 1950، غداة نشوب الصراع المسلح، كان إجمالي عدد السكان 30 مليوناً، 21 مليوناً في كوريا الجنوبية، و9 ملايين في كوريا الشمالية؛ يعمل 70 بالمائة منهم في الزراعة. وطالما حمل الغربيين جهلهم بكوريا، تسميتها باسم "المملكة المغلقة Hermit Kingdom". وما لبث موقعها الإستراتيجي البارز، أن لفت أنظار كلٍّ من الصين واليابان وروسيا، التي راحت تتنازع فيها، كل يريد فرض سيطرته عليها.

ثانياً: الخلفية التاريخية

يرجع التاريخ الكوري إلى عام 2333 ق.م، حينما أسس الملك "تان جون"، أول مملكة في التاريخ الكوري، سُميت "تشوسين Chosen" أو "أرض الصباح الهادئ". وتبع ذلك تكوين مملكتَين أخريَين، في شبه الجزيرة الكورية.

اشتق اسم كوريا من اسم أسْرة كوريو، التي حكمت البلاد، إبّان القَرنين العاشر والرابع عشر. وقد ظلت كوريا، قروناً طويلة، ميداناً لمعارك عديدة، بين قوى متصارعة، وفيما يلي موجز من تاريخها:

في 108 ق. م: غزا الصينيون النصف الشمالي من كوريا.

في 313م: حرر الكوريون أراضيهم، من الاحتلال الصيني.

في 668م: نجحت أسرة "سيلا" Silla، بمساعدة الصين، في توحيد كوريا. وفي هذه الفترة، ظهر تأثير الثقافة الصينية الواضح، في العادات والتقاليد والفنون والآداب. وهو التأثير الذي استمر مئات السنين؛ على الرغم من تعدد الغزاة، وهجمات الشعوب المجاورة، والتدخلات الغربية.

في 668ـ935م: استمرت كوريا، مدة 367 عاماً، تحت حكم ملوك أسرة "سيلا". وفي خلال هذه المرحلة، سادت الديانة البوذية، والثقافة الصينية. وتعد هذه المرحلة من أزهى عصور تلك البلاد؛ على الرغم من غارات جيرانها المتقطعة.

في 935م: تنحى آخر ملوك أسْرة "سيلا". وتولى الحكم أحد القادة العسكريين. وأسس مملكة كوريو، التي استمرت تحكم البلاد 457 عاماً.

في 1231م: غزا المغول كوريا، أثناء حكم أسْرة "كوريو". واستمر الاحتلال المغولي 133 عاماً.

في 1364م: انتصر الجنرال "يي تايجو" Yi Taejo على المغول، وطردهم من أراضي كوريا.

في 1392ـ1910: تنحى آخر ملوك أسْرة "كوريو". وتولى الحكم الجنرال يي، الذي أسس أسْرة حاكمة، استمرت نحو 518 عاماً، ازدهرت فيها العلوم والثقافة الكورية.

وقد اعترفت أسْرة "مينج" الصينية، بحكم أسرة "يي". ومنذئذٍ، بدأت الحروف الهجائية، والكلمات الصينية، تُطبع في كوريا؛ قبل خمسين عاماً من اختراع "جوتنبرج" حروف الطباعة، في أوروبا.

وقد تعرضت سيادة أسْرة "مينج" على كوريا، في نهاية القرن السادس عشر، لهجومَين:

الأول: عام 1592، حينما غزا القائد الياباني، "هايد يوشي"، كوريا من، البحر. واستمر احتلالها سبع سنوات، كانت كلها صراعاً مستمراً، أدى، في النهاية، انسحاب القوات اليابانية، التي اندحرت، في البحر، أمام أسطول كوريا المدرع، الذي كان أول أسطول مدرع، عرف في التاريخ باسم "صدفة السلحفاة"؛ بسبب قوة دروعه، التي أثبتت كفاءتها، في مواجهة مجموعات القراصنة، التي دأبت في الهجوم على أراضي كوريا.

والثاني: في 1627: عندما غزت جيوش "مانشو" Manchu، الصينية أراضي كوريا، مع استمرار حكم ملوك أسرة "يي". ولم تنسحب أسرة مانشو إلاّ بعد أن اعترف الحاكم الكوري بالسيادة الصينية على كوريا. وظل الوضع هكذا، حتى ظهرت روسيا واليابان، كقوتَين كبريَين في القارة الآسيوية.

منذ عام 1853، كان شعب كوريا، يقاوم جميع المحاولات، التي بذلتها جماعات الفرنسيين والأمريكيين واليابانيين، للنزول إلى سواحل كوريا؛ بهدف حمل الكوريين على فتح موانئهم للتجارة العالمية. وفي عام 1860، وبعد غزو سيبيريا، عام 1851؛ ووصول المكتشفين الروس إلى مياه المحيط الهادي، عام 1644، تمكنت روسيا القيصيرية من التوغل صوب الجنوب، وأجبرت الصين على التخلي عن مناطق بحرية مهمة؛ ما أتاح لموسكو التوغل في الأراضي الجنوبية، والوصول إلى منشوريا وكوريا.

في 1871: أحرق الكوريون السفينة التجارية الأمريكية، "جنرال شيرمان General Chairman"، في نهر "هان Han"، وذبحوا جميع بحارتها؛ ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إرسال سفن حربية، وبعض مشاة البحرية، إلى كوريا؛ لتأديبها. ونزلت القوات الأمريكية في ميناء "شيمولبو إنشون"، على الساحل الغربي، ثم بدأت بهدم كافة القلاع.

في 1876: انتبهت اليابان للأهمية القصوى لكوريا. ورأت فيها جزءاً مهماً من إمبراطورية يابانية مزمعة، قوية، غنية. وقد وافقت كوريا على إبرام معاهدة تجارة وصداقة، مع اليابان، كانت إيذاناً بتدخل الدول الأجنبية فيها؛ إذ حذت حذو اليابان، فطلبت عقد معاهدات مماثلة للمعاهدة الكورية ـ اليابانية. ولم تجدِ مقاومة الصين، في تثبيت سيادتها السابقة على كوريا، وإبعاد النفوذ الأجنبي عنها.

في 1882: أبرمت كوريا والولايات المتحدة الأمريكية، معاهدة سلام وصداقة، نصت على التبادل التجاري والملاحة بين البلدَين. وبمقتضى هذه المعاهدة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1888، إرسال معونتها العسكرية إلى كوريا؛ فوصلت بعثة من الخبراء العسكريين الأمريكيين، لتدريب الجيش الكوري. وعندئذٍ، سعى الرئيس الصيني البارز، لي هنج شانج li Hung - Chang، إلى الموازنة بين الأهداف السياسية اليابانية والمصالح التجارية الأمريكية؛ كما بذل قصارى جهده، بين عامي 1885 إلى 1894، لدعم مركز الصين في كوريا، ما أدى الاصطدام، بينه وبين اليابانيين.

في 1891: أبرمت الصين معاهدة "تيان تسي"، التي نصت على إقامة حكم ثنائي، بين الصين واليابان. وفي عام 1894، نشبت ثورة داخلية في كوريا، فأسرع اليابانيون والصينيون في إنزال جنودهما في شبه الجزيرة الكورية. ودارت المفاوضات بينهما، ولكنها فشلت في التوصل إلى حل؛ ما دفع اليابان إلى إعلان الحرب على الصين (عام 1894 ـ 1895).

في 1895: حققت اليابان نصراً عسكرياً على الصين، وقضت على نفوذها تماماً، في داخل كوريا؛ حيث انتعش النفوذ الياباني. واضطرت الصين، بعد هزيمتها، إلى إبرام معاهدة "سيمونسكي Simonski"، في أبريل 1895، اعترفت فيها باستقلال كوريا.

في 1895: شكلت روسيا وكلٍّ من فرنسا وألمانيا، ثالوثاً للتدخل، أرغم اليابان على إعادة شبه جزيرة "لياو تونج"، إلى الصين. وفي الوقت نفسه، كان اليابانيون قد اغتالوا ملكة كوريا، واعتقلوا الملك "يي تاي وانج"، وأرغموه على قبول مجلس وزراء كوري، موالٍ لليابان.

وفي فبراير 1896: تمكن ملك كوريا من الفرار، بعد أن قتل اليابانيون زوجته؛ لإعلانها رفض الاحتلال الياباني، ودعوتها إلى مقاومته. ولجأ إلى المفوضية الروسية، ومعه وزراؤه الموالون له. وبدأ يمارس سلطته في حكم كوريا، من هناك. وطرد مستشاريه اليابانيين، وأحل محلهم مستشارين من الروس. ومن ثم، سعى اليابانيون إلى الاتفاق مع الروس، دون جدوى.

في 1896: أبرمت روسيا والصين تحالفاً سرياً، مضاداً لليابان، يرمي إلى استرداد كوريا منها. وإعراباً عن حسن النيات، ودعم التعاون بينهما، منحت الصين روسيا امتياز إنشاء خط حديد سيبيريا المشهور، الممتد إلى فلاديفستك، عبر أراضي منشوريا؛ إضافة إلى إيجارها شبه جزيرة "ليوانونج"، مدة خمسة وعشرين عاماً.

كذلك وقعت الدولتان اتفاقاً، تعترفان فيه باستقلال كوريا، وتتعهدان بسحب قواتهما من أراضيها؛ وجددتا اتفاقهما، عام 1898، حين دخلت الولايات المتحدة الأمريكية ميدان الشرق الأقصى، بعد أن هزمت أسبانيا، واستولت على مستعمراتها في الفيليبين.

في 8 فبراير 1904: انقض سرب من القوات البحرية اليابانية، على السفن الروسية، في "بورت آرثرPort Arthur". كما نزلت قوة يابانية في "شيمولبو"، وتقدمت في اتجاه الحدود، واشتبكت مع القوات الروسية، عند نهر يالو، حيث أحرزت نصراً كبيراً، جعل الغرب كله ينظر بعين القلق إلى ظهور قوة اليابان وخطرها في المشرق؛ ويدرك، في الوقت نفسه، الأهمية الإستراتيجية لكوريا؛ إذ انطلقت منها قوات اليابان، عبر منشوريا، وحاصرت شبه جزيرة "ليوا نونج". بينما حاصرتها، بحراً، السفن الحربية اليابانية، التي انطلقت، من دون خوف من أي مقاومة، من ساحل كوريا الغربي. وهكذا، سقط ميناء "بورت آرثر" في أيدي القوات اليابانية، في 2 يناير 1905، بعد حصار استمر ستة أشهر.

في الأول من أبريل 1905: تمكنت اليابان من هزيمة جيش روسي، قوامه 350 ألف رجل، سقط منهم 150 ألفاً بين قتيل وجريح، أثناء معركة "مودكين" في منشوريا، التي استمرت أربعة أسابيع.

في 27 مايو 1905: دارت معركة "تسوشيما" الدامية الكبرى، التي أباد فيها الأدميرال الياباني، "توجو"، أسطول البلطيق الروسي المتداعي، الذي كان القيصر الروسي، قد عهد إليه إنقاذ "بورت آرثر". وبعد ذلك، استسلم الجيش الروسي، وانتهت الحرب الروسية ـ اليابانية.

في سبتمبر 1905: ظفرت اليابان، بموجب معاهدة "بورتسموث Port Smooth"، التي أعدها الرئيس الأمريكي، تيودور روزفلت Theodor Roosevelt، بالجزء الجنوبي من "سخالين"، الذي اقتطعته من روسيا؛ وكذلك شبه جزيرة "لياو تونج" الكورية؛ فضلاً عن احتفاظها بامتيازاتها. وهكذا، أحكمت اليابان قبضتها على كوريا، وفرضت عليها الحماية، مدة خمس سنوات. وقررت أن يكون الملك الكوري في مرتبة "الأمير الإمبراطوري الياباني".

في نوفمبر 1905: أجبرت اليابان ملك كوريا على التخلي عن عرشه. واضطر إلى الخضوع؛ بعد أن فشل في استدعاء الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل.

في 1910: أعلنت اليابان ضم كوريا إليها. وأرغمت آخر ملوكها، "يي هينج"، على التخلي عن عرشه؛ فأصبحت كوريا مستعمرة يابانية خالصة.

على الرغم من بذل اليابان جهداً كبيراً في إصلاح الأراضي، التي أسمتها، من جديد، "شوزين"؛ وتحديثها الصناعات ونُظُم الاتصالات؛ ما جعل من كوريا معسكراً يابانياً، مزوداً بشتى أنواع الأسلحة، قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية؛ فقد كثرت الحركات الكورية، الثائرة على الحكم الياباني؛ ولكنها قُمعت. لقد استمر الاحتلال الياباني نحو أربعين عاماً. دفعت اليابان فيها بالإداريين والموظفين وقوات الشرطة، في أنحاء شبه جزيرة كوريا؛ وأحكمت السيطرة على جميع المظاهر المهمة للنشاط الكوري. وأصبحت اللغة اليابانية، هي اللغة الرسمية للحكومة، وأروقة المحاكم. وأمست "الشنتو Shinto"، هي الديانة الأولى في البلاد.

سيطر الحكام اليابانيين سيطرة حازمة، على المسرح السياسي. وقضوا على أيٍّ من مظاهر الانتماء الكوري. واستأثر اليابانيون، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، بالمناصب البارزة، السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ ولم يُسمح بتبوؤ أي منصب بارز، في الحكومة أو الصناعة أو الجيش، إلاَّ لأفراد قلائل من الكوريين، كان الشعب الكوري، يعدهم عملاء لليابان.

اتسمت السياسة اليابانية في كوريا، بالصلف والغلظة وإذلال الكوريين؛ ما أثار كراهيتهم لليابانيين، وحفزهم إلى تكوين عصابات غير منظمة، تغير عليهم؛ فكان أبرزها تلك التي قادها "كيم إيل سونج Kim Il Sung"، الذي حشد أهل قريته، في حرب عنيفة أقضت مضاجع اليابانيين.

وامتازت قوات "كيم" بالسرعة والمباغتة وكثافة الغارات اليومية من قواعدها، في جبال منشوريا، على عدو، يفوقها عدداً وعتاداً وتدريباً. وفي هذه المدرسة، تدرب وتخرج قادة كوريا الشمالية، ولا سيما الملازم "كيم سانج تشو"، ذلك القصير، الذي أصبح من أمهر قادة حرب العصابات. وبعد موت "كيم إيل سونج"، استطاع اليابانيون طرد قوات العصابات، من منشوريا إلى سيبيريا السوفيتية. وأصبح "كيم سانج تشو" ضابطاً في قوات الجيش الأحمر الروسي، ورقي إلى رتبة "نقيب"، في معركة ستالينجراد.

في 1910: نفي أحد قادة كوريا البارزين، وهو "لي سانج مان"؛ وكان أكبر سناً من "كيم سانج تشو". واستمر اليابانيون في تدعيم سلطتهم، وتقوية قبضتهم على كوريا؛ بينما طالبوا بمزيد من التوسع على حساب أراضي عدوهم القديم، روسيا. وحانت الفرصة، في الحرب العالمية الأولى، فانضمت اليابان إلى الحلفاء، في مواجهة كتلة أوروبا الوسطى، التي تزعمتها ألمانيا. وكانت روسيا كذلك، إحدى دول الحلفاء؛ ولكنها كانت تترنح تحت وطأة الثورة الشيوعية. وأسرعت اليابان في عبور الحدود، واتخذت لنفسها مركزاً في سيبيريا. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية، تدخلت بالوسائل الدبلوماسية، لإقناعها بإخلاء ميناء فلاديفستك، بعد الهدنة بثلاث سنوات.

وكان الكوريون، في أثناء الحرب العالمية الأولى، دائمي الثورة، والتظاهر، مطالبين بالاستقلال. ولكن اليابانيين تمكنوا دائماً من القضاء على هذه التظاهرات.

وفي عام 1931: عادت اليابان لغزو أراضي منشوريا، واقتطعت ولاية "مانشوكيو"، تحت سمع العالم الغربي وبصره، وهو الذي كان غارقاً في أزمة اقتصادية حادة؛ بينما كانت روسيا والصين، لا حول لهما ولا قوة؛ لكثرة مشاكلهما الداخلية. وفي عام 1937، شنت اليابان هجومها على أراضي الصين. وبعدها بعامين، نشبت الحرب العالمية الثانية.

وتاهت كوريا في غمرة النسيان. ولم تظهر على المسرح الدولي، ثانية، حتى تصادمت كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، في مصالحهما المتعارضة، التي برزت على أثر الفراغ الكبير، الناجم عن انهيار الإمبراطورية اليابانية.

في أثناء الحرب العالمية الثانية، ازدادت حركة المقاومة الكورية؛ وتشكلت عدة لجان شعبية لقيادتها. ولم يكن في مقدور اليابان التصدي، بقوة، لتظاهرات الكوريين؛ لانشغالها بالحرب، التي انتهت إلى هزيمتها الساحقة. وطردتها القوات الأمريكية من الجزر، جزيرة بعد أخرى؛ بل ضربتها بقنبلتَين ذريتَين، ما أدى تدمير مدينتي هيروشيما Hiroshima وناجازاكي Nagasaki، واستسلام القوات اليابانية، من دون شروط، في سبتمبر 1945.

في 14 أغسطس 1941: على أثر اجتماع الأطلسي، بين الرئيس الأمريكي، فرانكلين روزفلت Frankiln D. Roosevelt، ورئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل winston S. Churchill، أذيع التصريح الرسمي، المعروف بـ "عهد الأطلسي"، والذي جاء، في نقطته الثامنة: "إن الحكومتين، الأمريكية والإنجليزية، تحترمان حق جميع الشعوب في اختيار نظام الحكم، الذي يطيب لها أن تعيش في ظله. كما أنهما ترغبان في أن تسترد كل دولة سيادتها واستقلالها".

في الأول من ديسمبر 1943: اجتمع الرئيس الأمريكي، تيودور روزفلت؛ ورئيس وزراء إنجلترا، ونستون تشرشل، والجنرال "شانج كاي شك Chiang Kai- Shek"، زعيم الصين الوطنية "فوروزا"، في العاصمة المصرية، حيث أذاعوا "تصريح القاهرة". وكان يتضمن فقرة، تخص كوريا، مجملها: "تحّس الدول الكبرى الثلاث (أمريكا وإنجلترا والصين) نير العبودية، الذي يرزح تحته الشعب الكوري؛ لذلك، فهي مصممة على إرجاع الاستقلال والحرية إلى كوريا، في الوقت الملائم".

ولكن تيودور روزفلت، أخبر جوزيف ستالين Joseph V. Stalin، الزعيم السوفيتي، أن كوريا، لن تكون مستعدة للاستقلال، قبل مرور عشرين أو ثلاثين عاماً، على الأقل، من بعد استسلام اليابان. وكان ستالين قد أنجز تدريب أفراد القيادة الشيوعية، في كوريا، ليتولوا حكم هذه الدولة، التي كان يفاوض في استقلالها. وكان أبرز هؤلاء الأفراد ستة وثلاثون رجلاً، على رأسهم "كيم سونج شوKim Sung Chu"، قائد حرب العصابات على اليابانيين، تحت اسم "كيم إيل سونجKim Il Sung".

وبعد استسلام اليابان، في 2 ديسمبر 1945، في يالتا Yalta، اتفق الاتحاد السوفيتي (السابق)، بقيادة جوزيف ستالين، مع الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة هاري ترومان  Harry S. Truman، على تأكيد ما سبق إقراراه في مؤتمر القاهرة، فيما يتعلق باستقلال كوريا. وأكد الرئيس الأمريكي ضرورة ألا تبقى أي قوات أجنبية، في المناطق، التي ستحرر في كوريا.

كانت المشكلة الوحيدة، التي ظهرت، حينئذٍ، هي تحديد الخط، الذي ستسلم القوات اليابانية عنده نفسها، لروسيا شمالاً، وللولايات المتحدة الأمريكيةجنوباً. وأمكن تذليل تلك المشكلة، حينما اقترح الأدميرال ماتياس جاردنر Mathias Gardner، خط العرض 38، الذي يخترق وسط كوريا، قائلاً: "لماذا لا يكون هذا، هو الخط المطلوب؟".

وفي 21 أغسطس 1945: قبل يومَين من انهيار اليابان، عبرت قوات روسية، قوامها مائة ألف جندي، يقودهم الجنرال إيفان كيستاكوف، حدود سيبيريا، متدفقة إلى داخل كوريا الشمالية. وكان من ورائهم قوة سوفيتية أخرى، اجتاحت إقليم منشوريا؛ ففتحت بذلك الطريق إلى امتلاك المصانع والمعامل، التي كانت مجمعة في شماليه. حدث ذلك كله في الوقت، الذي كانت فيه أقرب القوات الأمريكية على مسافة 600 ميل، من جزر أوكيناوا Okinawa. ولم يكن قد تم التصديق بعد من الرئيس ترومان، على إقرار خط العرض 38، خطاً مؤقتاً فاصلاً بين منطقتَي تسليم اليابانيين، في كوريا، لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وأحاط الروس، في كل من منشوريا، وكوريا الشمالية، بنحو ستمائة ألف من القوات اليابانية، من أجل ترحيلهم؛ بحراً، إلى سيبيريا، حيث سيسخَّرون.

تلقى الفريق جون هودج Lt. Gen. John R. Hodge، قائد الفيلق الأمريكي 24 المكون من الفِرق: السادسة، والسابعة، والأربعين المشاة، والذي عُيَّن قائداً عاماً للقوات الأمريكية في كوريا ـ رسالة لاسلكية، من الفريق يوشيو كوزوكي Yoshio Kozuki، قائد الجيش الميداني السابع عشر، في كوريا، أن القوات الروسية، قد تقدمت جنوب خط العرض 38، إلى منطقة كايسونج kaesong. وقد أخلوا المدينة، في 8 سبتمبر قبل دخول أي من القوات الأمريكية. وحينما وصلت الفِرقة السابعة المشاة، من القوات الأمريكية، في 8 سبتمبر 1945، إلى ميناء إنشون Inchon، في كوريا الجنوبية، وجدت القوات الروسية، قد سبقتها، قبل أربعة أسابيع. وقطعت القوات الروسية الكهرباء عن خطوط السكك الحديدية. وبدأت دورياتها المسلحة، تراقب خط الحدود الوهمي 38. وأدى ذلك انكماش عمليات التبادل التجاري في كوريا؛ وأخذ الركود يسود شيئاً فشيئاً؛ ما دفع الفريق جون هودج، القائد العسكري في كوريا الجنوبية، إلى الاحتجاج لدى الجنرال كيستاكوف الروسي، دون جدوى. وتواصل ارتفاع الأسعار، ولا سيما بعد أن حُرمت كوريا الجنوبية الوقود (الفحم والمواد الكيماوية).    

ثالثاً: تقسيم كوريا

لاح تقسيم كوريا، قبل الاتفاق السياسي عليه. وأذكاه التنافس الأمريكي ـ السوفيتي، في ترسيخ النفوذ في المنطقة. في 23 سبتمبر 1945، بعد أسبوعَين من استسلام اليابانيين، عمت مظاهر الابتهاج في سيول. ولكن الكوريين، لم يرحبوا قط بفكرة التقسيم. وأرسل الفريق جون هودج، إلى الفريق الأول، دوجلاس ماك آرثر Douglas Mac Arthur، القائد الأعلى لقوات الشرق الأقصى والقائد العام لقوات الجيش الأمريكي، في طوكيو، يقول له: "لقد ازداد الشعور بعدم الرضا بتقسيم البلاد". وقرر هودج الاحتفاظ بعدد كبير من الموظفين اليابانيين، مؤقتاً، لدعم النظام، واستقرار الأحوال، في تلك الفترة الانتقالية.

وكان ازدياد هذا الشعور واضحاً، في الشطر الجنوبي؛ لأن الفيلق الرابع والعشرين من القوات الأمريكية، كانت أشبه بقوات احتلال أجنبية. على العكس من ظاهر وضع القوات الروسية، في الشمال، التي جعلت أتباعها، الشيوعيين الكوريين، يبدأون بإعداد جهاز إداري، يتولى حكومة مدنية؛ فضلاً عن الإيحاء بأن تقسيم كوريا، هو رغبة أمريكية.

تولى قيادة كوريا الشمالية ستة والثلاثون كورياً، الذين كانوا قد تدربوا في روسيا، واعتنقوا الفكر الماركسي، والمعتقدات الشيوعية؛ وكان على رأسهم كيم سونج شو، وصديقه تام إيل Tam Il. ووصلوا جميعاً إلى بيونج يانج Pyongyang، يحملون الأعلام الشيوعية، وصور جوزيف ستالين. وتمكنوا، بسرعة، من السيطرة على البلاد، بفضل المساعدات الروسية المكثفة؛ وقضوا على كلِّ معارضة. وعندئذٍ، اتخذ "كيم سونج شو" اسمه، الذي عرف به، في حرب العصابات: "كيم إيل سونج". وأعلن للناس برنامج الإصلاح الزراعي، الذي تضمن مصادرة إقطاعيات ضخمة، وتوزيعها على الفلاحين؛ ما أدى اكتساب الإدارة الشيوعية شعبية جارفة، بين الفلاحين. كما أبدى التجار سعادتهم البالغة بشركات المساهمة الكبرى، التي أقامها الروس؛ ولكنهم أصيبوا بخيبة الأمل، بعد ذلك، حين وجدوا أن مشاركة الروس، تعني استئثار هؤلاء بنصيب الأسد من الأرباح.

في الوقت نفسه، روَّج الروس دعايات ضخمة للشيوعية، في كوريا الجنوبية، التي لم تكن قد عرفت شيئاً عن برامج الإصلاح الزراعي، ولم توعد بأي إصلاح منتظر. إضافة إلى ذلك، كان الفريق هودج، ورجاله، يحكمون البلاد بصورة عسكرية خشنة. على الرغم من استجابتهم مطالب السياسيين المثقفين، في كوريا الجنوبية، بضرورة الإسراع في التخلص من بقايا الوجود الياباني، والموظفين اليابانيين؛ وإحلال موظفين كوريين مدربين مكانهم.

كانت أولى الخطوات، التي اتخذها الأمريكيون، للتخلص من النفوذ الياباني، هي إحكام السيطرة على هيئة الشرطة، التي كان الأهالي، يمقتون أفرادها اليابانيين. وتولى هذه المهمة العميد لورانس شيك Lowrence E. Schick، قائد الفيلق 24 الأمريكي، فبدأ بإلغاء القطاعات، التي لا علاقة لها بعمل الشرطة، مثل مراقبة الاقتصاد والأنشطة الفكرية. ثم أعاد افتتاح أكاديمية الشرطة اليابانية، في سيول، في 15 أكتوبر، ليتيح فرصة تدريب الكوادر الكورية الجديدة تدريباً مكثفاً، في دورة، مدتها شهر واحد. وهكذا، في نوفمبر، كانت مؤسسة شرطة وطنية لكوريا الجنوبية، قد ظهرت إلى الوجود. وغادرها أغلب اليابانيين. ومع ذلك، ظلت البلاد في حالة قلق واضطراب شديدين. وأعرب المثقفون الكوريون عن استيائهم وعدم تفاؤلهم بمؤسسة الشرطة الوطنية الكورية؛ لأنها تعتمد، أساساً، على الدعم الأمريكي المتواصل.

في 26 ديسمبر 1945، اجتمع، في موسكو Moscow، وزراء خارجية كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية، جيمس بيرنيس James F. Byrnes؛ وبريطانيا ونستون تشرشل، والاتحاد السوفيتي، فايشسلاف مولوتوف Vyacheslav M. molotov. وتمخض الاجتماع بـ"اتفاقية موسكو"، التي نصت على نقاط مهمة، أبرزها ما يلي:

1. إنشاء حكومة ديموقراطية، في كوريا كلها.

2. إنشاء "لجنة مشتركة أمريكية ـ سوفيتية"، للمساعدة على تكوين الحكومة الكورية المؤقتة. وتشرف هذه اللجنة على كوريا، مدة خمس سنوات، وتمنح بعدها استقلالها.

3. تقديم الاقتراحات، التي تبديها هذه اللجنة، بعد استشارة الحكومة الكورية المؤقتة، إلى حكومات الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، والصين وإنجلترا، على أن تحتفظ هذه الحكومات لنفسها بالوصاية، لمدة عشرين سنة، على "دولة كورية موحدة".

4. إيقاف التسابق بين القيادتَين العسكريتَين، السوفيتية والأمريكية، في كوريا.

وقد أدت هذه الاتفاقية نشوب التظاهرات في كوريا، تعبيراً عن السخط على مبدأ الوصاية. ولوحظ أنها خلت من الجماعات الشيوعية، التي تلقت توجيهات من موسكو بالاحتفاظ بالهدوء.

اقترح الأعضاء الروس في اللجنة، ضرورة استشارة الجماعات الكورية السياسية، التي لم تشارك في تظاهرات الاعتراض على مقررات مؤتمر موسكو؛ ومعنى ذلك ضرورة التباحث مع الجماعات الشيوعية فقط. ورفض الأعضاء الأمريكيون هذا الاقتراح. وبذلك تحطمت جميع محاولات اللجنة المشتركة في سبيل التمهيد لاستقلال كوريا. ومع ذلك، ظلت اللجنة تجتمع، خلال عامَي 1946 و1947، من دون نتائج تذكر.

في تلك الأثناء، بدأت الجماعات الكورية، الموالية لروسيا، بزعامة "كيم إيل سونج"، بناء القوة العسكرية، في كوريا الشمالية. واتخذت من "بيونج يانج" مقراً لرئاسة هذه القوات. وسحبت روسيا، في أواسط عام 1946، جميع قواتها من كوريا، باستثناء عشرة آلاف منهم. وأخذ الكوريون، الذين سبق لهم القتال إلى جانب الروس، أو شيوعيي الصين، يتدفقون، عبر نهر "يالو"، إلى كوريا الشمالية، حيث بدأ يتشكل ما يشبه الدولة المستقلة، والتابعة، في الوقت نفسه، لروسيا.

في ربيع 1947: حاول وزير الخارجية الأمريكي، جورج مارشال George C. Marshall، التفاهم مع الروس. ونجح في إحياء عمل اللجنة المشتركة، في مايو 1947. ولكن هذه الجهود تحطمت، وحيل بين اجتماعات اللجنة، بسبب تمرد الجماعات السياسية، الرافضة لمبدأ الوصاية.

أخذ التقسيم يتعمق بين شطري كوريا، مع جهود الفريق هودج في التفاوض مع القادة الروس، من دون جدوى. ولقد ذكر الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، أن "كوريا أصبحت ميداناً للصراع العقائدي، يعتمد عليها نجاحنا في آسيا". ولما لم تصل اللجنة المشتركة إلى نتيجة مرضية، قررت الولايات المتحدة الأمريكية، في 17 سبتمبر 1947، تقديم موضوع استقلال كوريا إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وشرعت تزيد من قواتها في كوريا الجنوبية؛ بهدف إقامة قوة دفاعية، تكون نواة لجيش وطني.

وفي 14 نوفمبر 1947: قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الموافقة على اقتراح أمريكي، يقضي بما يلي:

1. إجراء انتخابات عامة في الإقليم الكوري كله أجمع، قبل 31 مارس 1948.

2. تكليف لجنة، مكونة من تسعة أعضاء، من هيئة الأمم المتحدة، بالإشراف على هيئة الانتخابات. ومساعدة النواب الكوريين، بعد ذلك، على وضع الدستور، وتكوين الحكومة المرجوة.

في خريف 1947: أعلنت هيئة الأركان الأمريكية، بمصادقة الرئيس الأمريكي، أن كوريا، لا تمثل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ نظراً إلى حاجتها إلى قواتها في مناطق أخرى.

في أثناء عمل لجنة الأمم المتحدة، واستطلاعات الرأي في كوريا الجنوبية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة قوة الشرطة العسكرية هناك؛ استعداداً للانسحاب النهائي للقوات الأمريكية. وأرادت القيادة الأمريكية بناء جيش كوريا الجنوبية. فاقترح الفريق هودج تأسيسه من ست فِرق كورية، إضافة إلى مراكز قيادة رئيسية، وقوات خدمة، يمكن دعمها وتدريبها، من جانب أفراد أمريكيين، خلال عام. ولكن الفريق الأول، ماك آرثر رأى، تأجيل هذا الأمر، إلى أن تتضح الرؤية، من خلال ما تصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة، من قرارات. وخص قوة الشرطة هناك بطلبات محددة. وأقرت هيئة الأركان المشتركة، في واشنطن، زيادة عديدها إلى خمسين ألفاً، وتزويدها بالأسلحة، الخفيفة والثقيلة؛ ودعمها بضباط أمريكيين وخبراء للتدريب.

واستكملت عمليات لجنة الأمم المتحدة استطلاع الرأي في كوريا، في فبراير 1948. وأوصت بإجراء انتخابات عامة، في أكبر جزء ممكن منها، في مايو المقبل. ووافقت الجمعية العامة على توصيات اللجنة. وأخذ الفريق هودج يجهز الترتيبات اللازمة، لإجراء الانتخابات في موعدها.

اجتمعت لجنة الأمم المتحدة المذكورة، في مدينة سيول، في 12 يناير 1948، غير أن سلطات كوريا الشمالية، رفضت، بدعم من روسيا، السماح لرجال هذه اللجنة بدخول أراضيها، لتنفيذ مهمتهم.

في فبراير 1948: أشعل الحزب الشيوعي الكوري تظاهرات واضطرابات واسعة النطاق، في مدينة "سيول". كما أعلنت الإذاعة الكورية، في المنطقة السوفيتية، في 16 فبراير 1948، قيام جمهورية ديموقراطية شعبية كورية، دستورها مقتبس من الدستور السوفيتي.

في 10 مايو 1948: أجريت الانتخابات العامة، طبقاً لقرار الأمم المتحدة؛ واقتصرت على كوريا الجنوبية. وأسفرت عن انتصار الحزب اليميني المتطرف، برئاسة سينجمان ري Syngman Rhee، بنسبة 92 بالمائة من أصوات المسجلين، ممن لهم حق التصويت. وكانت الأحزاب المعتدلة، وبعض الأحزاب اليمينية، قد قاطعت الانتخابات؛ كما قاطعتها الأحزاب اليسارية. وبذلك ولدت جمهورية كوريا، التي عرفت باسم كوريا الجنوبية. واتخذت مدينة "سيول Seoul" [1] عاصمة لها. وأعلن السوفيت معارضتهم لإجراء الانتخابات، في كوريا الشمالية، وعدم السماح لمراقبي الأمم المتحدة بالدخول إليها. واقترحوا، بدلاً من ذلك، أن ينسحب جميع القوى الأجنبية من كوريا، في أوائل عام 1948.

في 17 يوليه 1948: أصدرت الجمعية التشريعية، في كوريا الجنوبية، أول دستور لها، طبقاً للنظام الجمهوري، الرئاسي، في سيول. ونُصَّب سينجمان ري رئيساً للجمهورية، في 15 أغسطس 1948.

أما في الشمال، فقد أعلن الشيوعيون، في 9 سبتمبر 1948، قيام "جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية". ووضعوا لها دستوراً مماثلاً لدستور بلغاريا، بعد إجراء انتخابات، تحت إشراف روسي. وصُدِّق على الدستور، ونُصِّب "كيم إيل سونج" رئيساً للجمهورية. وأعلنت روسيا، على الفور، في 12 أكتوبر 1948، اعترافها بحكومة كوريا الشمالية، حكومة شرعية لكوريا جميعها.

في 11 ديسمبر 1948: أعلنت هيئة الأمم المتحدة اعترافها بحكومة كوريا الجنوبية، حكومة شرعية لكوريا جميعها، متجاهلة حكومة كوريا الشمالية تماماً!

في ديسمبر 1948: بدأ الروس بالانسحاب من كوريا الشمالية، تاركين وراءهم جيشها الشعبي، على درجة عالية من التدريب والكفاءة، تفوق ما كان عليه حال قوات سينجمان ري، في كوريا الجنوبية. فقد بلغ عدد أفراد جيش كوريا الشمالية 135 ألفاً، مع أوائل يونيه 1950، مزودين بالأسلحة الثقيلة والمعدات وخطط عسكرية، وكميات ضخمة من الذخائر.

في أول يناير 1949: اعترفت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة كوريا الجنوبية، إلاّ أنها أبقت فيها من القوات الأمريكية، ما يزيد على 50 ألفاً. ولم تبدأ انسحابها، إلاَّ في يونيه 1949؛ ما هيأ المناخ لدعاية روسية مكثفة، بأن الولايات المتحدة، لم تقدم إلى سينجمان ري شيئاً سوى قوات احتلال عسكرية؛ بينما انسحب الروس، محققين لكوريا الشمالية استقلالها.

هكذا أصبح هناك حكومتان كوريتان، كلُّ منهما تدعي أحقيتها في السيطرة على جميع أراضي البلاد: حكومة كيم إيل سونج، في الشمال، وتساندها دول المعسكر الشرقي، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي والصين؛ وحكومة سينجمان ري، في الجنوب، وتدعمها الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وأصبحت كوريا حلبة صراع، بين المعسكرين، الغربي والشرقي.

في فبراير 1949: طلب الرئيس الأمريكي، هاري ترومان Harry Truman، من الكونجرس الأمريكي، الموافقة على اعتماد 150 مليوناً من الدولارات، بصفة مساعدات لكوريا الجنوبية، لعام 1949. وقد تباطأ الكونجرس في اتخاذ القرار، مدة أربعة أشهر، ثم صدرت الموافقة. ثم طلب الرئيس الأمريكي مبلغ ستين مليوناً من الدولارات، معونة لكوريا الجنوبية، لعام 1950. ولم يوافق الكونجرس، في أول الأمر؛ ثم عاد ووافق على تقديم معونة مشتركة إلى كلٍّ من الصين الوطنية "فورموزا"، وكوريا الجنوبية.

في 23 مارس 1949: وافق الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، على انسحاب القوات الأمريكية من كوريا، أي الفوج المكون من الفِرقة السابعة المشاة.

وفي 29 يونيه 1949: انسحبت قوات الولايات المتحدة الأمريكية من كوريا الجنوبية؛ بعد أن حرصت على إنشاء جيشها تحت إشراف بعثة عسكرية استشارية أمريكية، قوامها 500 ضابط، برئاسة العميد وليام روبرتز William Roberts؛ ودعمه بأعداد هائلة من الطائرات المقاتلة، والدبابات والمدافع، وكميات ضخمة من الذخائر.

 



[1] كلمة "سيول" في اللغة الكورية تعني العاصمة.