إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الرابع

التدخل الأمريكي حتى سقوط مدينة شونان

أولاً: وضع الجيش الأمريكي

في مايو 1945، بلغ جيش الولايات المتحدة الأمريكية ذروته؛ إذ وصل عديده إلى 8 ملايين و290 ألف جندي. ثم تضاءل العدد، في غضون خمسة أعوام، إلى مليون و600 ألف جندي. في بداية الحرب الكورية كانت القوات الضاربة، في هذا الجيش، تتمثل في أربع عشرة فِرقة فقط؛ واحدة منها في أوروبا؛ وثلاث مقسمة إلى تسعة ألوية مستقلة. وفي كل فِرقة لواء مشاة، وكتيبتان أو ثلاث مدفعية.

وكانت أربع فِرق في اليابان، تحت قيادة الفريق الأول ماك آرثر، وهي: السابعة، والرابعة والعشرون، والخامسة والعشرون المشاة، والفِرقة الأولى الفرسان (المترجلة). وكلها غير كاملة العدد. وبلغت درجة استعدادها نسبة 70% من قوتها الأصلية في وقت الحرب؛ إذ كانت تراوح قوة كل منها بين 12 ألف رجل، و15 ألف رجل، وهو الحد الأقصى، الذي كانت عليه الفِرقة 25. وكانت كل الفِرق تعاني نقصاً في الأسلحة الحديثة، كالأسلحة من عيار 57 مم؛ والمدافع عديمة الارتداد، من عيار 75 مم؛ والهاونات من عيار 4.2 بوصات؛ وكذا قاذفات الصواريخ، من عيار 3.5 بوصات.

وكانت الدبابات من نوع م ـ 24 M-24، الخفيف؛ والتي لا يمكن مقارنتها بالدبابات الروسية المتوسطة، من نوع ت ـ 34. وكان مع تلك الفِرق 5200 جندي، من المدفعية المضادة للطائرات؛ و25 ألفاً، وحدات إضافية أخرى. وكانت هذه الفِرق، قد مكنت الفريق الأول ماك آرثر، من الاحتلال الكامل لليابان، وكان قوامها كلها 83 ألف رجل. إضافة إلى ذلك، كان هناك نحو 600 فرد مستعدين، في كلٍّ من الفوج الخامس في "هاواي"، والفوج التاسع والعشرين في جزر أوكيناوا.

وكانت قوة البحرية الأمريكية، في الشرق الأقصى، تمثل نحو خمس القوة الإجمالية للأمم المتحدة، وثلث القوات، التي تعمل في المحيط الهادي. وكانت قيادة الأدميرال "جوي"، في الشرق الأقصى، مكونة من: الطراد جونو Juno، والمدمرات: مانسفيلد Mansfield، ودي هافن De Haven، وكولّيت Collet، وسوينسون Swenson، وثلاث كاسحات ألغام، وخمس وحدات برمائية.

أما الأسطول السابع، المنوط به جعْل ماو تسي تونج، وشانج كاي شيك، بعيدَين عن المعركة، فكان مكوناً من: حاملة الطائرات "فاللي فورج Valley Forg"، والطراد روتشستر Rochester، وثماني مدمرات، وناقلة زيت للإمداد، وثلاث غواصات.

أما القوات الجوية، فقد ظلت أفضل تماسكاً؛ إذ لم تستجب القيادة للمطالبة بتقليص حجمها، مثلما حدث مع القوات البحرية والبرية. وفي نهاية مايو 1950، كانت القوات الجوية، في الشرق الأقصى، بقيادة اللواء جورج سترات ماير George E. Stratemeyer، مكونة من "1172 طائرة، من كل الأنواع؛ و33625 رجلاً".

وكانت قوة مشاة البحرية، قد تقلصت من المستوى، الذي بلغته أثناء الحرب، أي 485 ألفاً، إلى قوة صغيرة، تقل عن 75 ألف ضابط وجندي في الخدمة الفعلية. وبقيت في الخدمة فِرقتان من فِرقها الست، هما الأولى والثانية، وكانتا أقل عدداً وقوة من الفِرق البرمائية الكبيرة، التي تكونت أثناء الحرب. وخفضت، كذلك القوة الجوية، العاملة مع البحرية، والمكونة من جناحَين (الجناح ثلاثة أسراب). ولم يكن هناك مشاة من البحرية، لإرسالها إلى ماك آرثر، سوى أولئك العاملين على السفن الحربية. وكانت أقرب القوات، هي الفِرقة الأولى من مشاة البحرية، في كاليفورنيا California.

هكذا كانت القوة العسكرية الأمريكية، في صيف 1950. ولم يكن هناك أدنى شك لدى الجميع، بدءاً من الفريق الأول ماك آرثر، إلى أصغر شاب يبدأ حياته العسكرية في دولة محتلة (كاليابان) يقوم فيها بأعمال الحراسة، في أن هذه الأزمة لن تستمر.

ثانياً: تشكيل قوة واجب سميث

هكذا أُقحم الأمريكيون في خضم الصراع، وطلب ماك آرثر الإذن في استخدام القوات البرية، في شن هجوم مضاد مبكر، صدرت الأوامر، في 30 يونيه 1950، إلى اللواء "وليام دين William Dean"، قائد الفِرقة 24، المتمركزة في "كوركورا"، والمرابطة مباشرة أمام كوريا، عبر مضيق "تسوشيما"، بالتحرك، فوراً، إلى كوريا، ومحاولة تعطيل قوات كوريا الشمالية، ريثما يستعد باقي القوات الأمريكية لدخول المعركة. ومن أجل أداء هذه المهمة، استدعى اللواء "وليام دين" المقدم "تشارلز براد سميث Charles B. Smith"، قائد الكتيبة الأولى المشاة، من الفوج الحادي والعشرين الأمريكي، هاتفياً، بقوله: "لقد قُضي الأمر. استعد وتقدم إلى نقطة التجمع، بأسرع ما يمكن". فجمع تشارلز براد سميث نحو نصف رجاله، وانطلق إلى قاعدة أتازوكي الجوية، حيث التقى اللواء دين، الذي قال له: "عند وصولك إلى بوزان، توجه رأساً إلى تايجون؛ فإننا نريد إيقاف الكوريين الشماليين بعيداً ما أمكن عن بوزان، وعليك إغلاق الطريق الرئيسي للشمال بقدر إمكانك، واتصل باللواء "جون تشرش John H. Church". وإذا لم تعثر عليه، اذهب إلى تايجون وإلى ما وراءها إن استطعت. وإني آسف جداً إذ لا أستطيع أن أمدك بمعلومات أكثر من ذلك؛ فهذا كل ما عندي. فاذهب والله معك ورجالك. وأمنياتي بالتوفيق".

في منطقة إيتازوك Itazuke تشكلت قوة واجب سميث من وحدات وأسلحة من الكتيبة الأولى، من الفوج 21 مشاة، كالتالي:

1. السريتان B  وC  حملة بنادق "رماة"، شملت ستة أطقم بازوكا عيار 2.36 بوصة، وأربعة أطقم هاون عيار 60مم.

2. نصف سرية قيادة

3. نصف فصيلة اتصالات

4. فصيلة مدافع عديمة الارتداد، معها أربعة مدافع عيار 75 ملم، وأربعة هاونات عيار 4.2 بوصة.

5. 440 فرداً، منهم 406 أنيط بهم أن يكونوا ضمن مجموعة تحملها الطائرات إلى كوريا، في ذلك اليوم. كان عديد من الضباط، من هؤلاء الأفراد، من المحاربين القدامى، من الحرب العالمية الثانية، في أوروبا والمحيط الهادي. وعديد آخر من الشباب الذين هم في العشرين من أعمارهم، أو دونها. وتم تكليف ست طائرات C-54 لنقلهم.

وفي سعت 0845، الأول من يوليه، أقلعت الطائرة الأولى من الطائرات الناقلة للجنود، من قاعدة أتازوكي الجوية، متجهة إلى بوزان، في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة كوريا.

كان بوزان أحسن موانئ كوريا الجنوبية؛ فهو مجهز بالأرصفة والمخازن، وكافة المعدات اللازمة للتحميل والتفريغ والنقل، تصل طاقته إلى 45 ألف طن. كما كان عماله وافدين، ومدربين تدريباً حديثاً. ويمكنه استقبال السفن، التي يصل غاطسها إلى 24 قدماً، على أرصفته الأربعة. وهو يبعد 110 أميال فقط عن ميناء "نيوكيوكا New Kiwka" الياباني. كما كانت بوزان نهاية خط السكة الحديدية، من جهة الجنوب؛ وهو الخط الذي كان اليابانيون، قد أنشأوه، ليقطع شبه الجزيرة الكورية، من الشمال إلى الجنوب. وثمة، خطوط فرعية من بوزان، تمتد غرباً إلى مازان Masan وشينجو Chinju، وشمالاً إلى بوهانج الواقعة على الساحل الشرقي. وكانت هذه الشبكة، هي التي قررت الأمم المتحدة استخدامها في نقل القوات إلى كوريا. إضافة إلى ذلك، أعد سلاح المهندسين الأمريكي، طريقاً متميزاً، يمر ببوزان، عرضه 22 قدماً، يتسع لمرور قافلتَين في وقت واحد؛ بينما كانت طرق كوريا، لا يتجاوز عرض أحدها 18 قدماً، ولم تكن كاملة التمهيد، ولا مغطاة بالأسفلت؛ لأنها أنشئت لمرور العربات، التي تجرها الثيران.

وكان معظم هذه الطرق، يتفرع من بوزان. ومن ثم، أصبح ميناؤها مهيأً لتنفيذ الخدمة اللازمة للنقل؛ وباتت المدينة مركزاً لقيادة قوات الأمم المتحدة. وزاد من أهميتها وجود مطار في ضواحيها، اعتمدت عليه طائرات النقل الأمريكية، في نقل القوات البرية، التي عُرفت باسم "قوة واجب سميث".

ثالثاً: تطور المعارك والقضاء على القوة البحرية لكوريا الشمالية

بعد ظهر الأول من يوليه، وصلت آخر الطائرات الأمريكية، حاملة القوات البرية، إلى مطار بوزان، بين تهليل المئات من أهالي كوريا الجنوبية، وترحيبهم، وتجمعهم حولها. ثم انتقلت القوات، بالسيارات، مسافة ستة عشر ميلاً إلى محطة سكة حديد بوزان، بين صفوف الأهالي يلوحون بالأعلام، ويهتفون تحية للجنود. وفي محطة بوزان، عزفت الموسيقى تحية للجنود الأمريكيين، وهم يركبون القطار في طريقهم إلى تايجون، وفي أذهانهم أنها مهمة بسيطة، وأنهم سوف يعودون قريباً إلى مراكزهم في اليابان، حسبما أكد لهم ضباطهم. وهذا ما أكده اللواء "تشيرش" في تايجو، في صباح اليوم الثاني من يوليه، وأشار إلى الخريطة، قائلاً: "إن مهمتنا هنا محدودة وبسيطة، وكل ما نطلبه هو بعض الرجال للتحرك إلى المواجهة، والثبات لدى رؤية دبابات الكوريين الشماليين، وعدم الفرار. ومهمتكم هي مساعدة قوات كوريا الجنوبية، ورفع معنويات أفرادها". وبدأ سميث جولة استطلاعية للمنطقة بنفسه، في اتجاه مدينة "أوزان Osan" على مسافة 90 ميلاً شمالاً.

في 2 يوليه، حدثت مواجهة بحرية، بين قوات كوريا الشمالية والقوات الأمريكية ـ البريطانية. فقد كانت روسيا قد أعدت أربعة زوارق طوربيد ـ ألومنيوم، مدهونة باللون الأزرق، في "وونسان Wonsan"، لدعم قوات كوريا الشمالية، وذلك بمرافقة قافلة من عشر سفن، تحمل الإمدادات، من الطعام والذخيرة، متجهة إلى ميناء "تشومونجيم"، على الساحل الشرقي، عند خط العرض 38 مباشرة. وعلى مشارف "تشومونجيم"، اكتشفتها سفن الحلفاء، البريطانية والأمريكية (الطرادان جونو Juno وجامايكا Jamaica، والفِرقاطة البريطانية "البجعة الزرقاء Blue Swan"). وعلى الفور، اتجهت الزوارق الروسية، بجرأة فائقة، إلى سفن الحلفاء؛ ولكن، لم تكن رشاشاتها الثقيلة الأربعة، كافية للصمود أمام المدافع الخمسين لسفن الحلفاء، من عيارَي 4 و 8 بوصات. ومن ثم، تمكنت سفن الحلفاء من نسف أحد هذه الزوارق، وإسكات مدفعية الزورق الثاني ثم إحراقه، فهوى غارقاً في الماء. وتراجع الزورقان الآخران مسرعين، فجنح أحدهما فدمرته مدافع الحلفاء، بينما سار الأخير في خط متعرج؛ ليتفادى قذائف الفِرقاطة البريطانية، وولي هارباً، واختفى عن الأنظار. وعندئذٍ، أقلع الطراد "جونو" متجهاً إلى ميناء "تشومونجيم"؛ ليلاحق قافلة السفن العشر، التي أسرعت ملتمسة النجاة، فأطلق عليها نيران مدفعيته الثقيلة، فأغرق سبعاً منها. بينما اختفت السفن الثلاث الأخرى خلف حاجز الأمواج، ولم تستطع الوصول إلى الميناء.

تعد هذه المعركة أكبر عملية اشتباك بحري، حدثت في الصراع المسلح الكوري كله. وأسفرت عن القضاء على القوة البحرية، التي كانت في حوزة كوريا الشمالية؛ وأصبح بحر اليابان شرقاً، والبحر الأصفر غرباً، تحت سيطرة كاملة من قوات الحلفاء؛ وخاصة بعد تأكد عدم وجود غواصات لدى كوريا الشمالية. وكان على الأسطول الأمريكي، يعاونه أسطول الحلفاء، ضرورة خوض معارك حرب الألغام البحرية؛ والمساعدة على عمليات الاقتحام البرمائية؛ وإنزال الجنود لمباشرة العمليات البرية؛ وتنفيذ الحصار البحري؛ وتسهيل انطلاق الطائرات، من فوق أسطح الحاملات، بعد تأكد افتقار كوريا الشمالية إلى بطاريات مدافع ساحلية مؤثرة.

كانت أول عملية، شاركت فيها الطائرات المحمولة على السفن، في الحرب الكورية، في اليوم الثالث من يوليه، عقب الانتصار في ميناء تشومنجيم. فقد انطلقت الطائرات المقاتلة، وقاذفات القنابل الغاطسة، من حاملة الطائرات البريطانية، "تريومف Triumph"، وحاملة الطائرات الأمريكية، "فاللي فورج"، في البحر الأصفر، على مسافة 135 ميلاً، جنوب غربي عاصمة كوريا الشمالية، بيونج يانج. وأخذت هذه الطائرات تغير على الأهداف العسكرية، حول العاصمة.

في اليوم نفسه، انطلقت الطائرات، تقصف تجمعات القوات الكورية الشمالية، جنوب خط العرض 38. وواجهت الطائرات الشمالية، من طراز ياك، وأسقطت ستاً منها. ولم تكن تلك هي المرة الأولى، التي تشترك فيها الطائرات الأمريكية في المعارك؛ إذ بدأت طائرات موستانج Mustang، وشوتنج ستارز Shooting Stars "النجم الثاقب"، منذ 27 يونيه، في الانطلاق من قواعدها، في اليابان.

ولكن الطيارين الأمريكيين لم يستطيعوا تمييز الأهداف المعادية من غيرها، خاصة بعد وصول الحلفاء بسرعة. وحدث أن سرباً من الطائرات الأسترالية موستانج أطلقت نيرانها على مدينة بيونج تايك، أثناء تحرك القوات البرية، بقيادة سميث، إلى مشارفها الشمالية، ونسفت قطار ذخيرة ولكن ذلك أدى إلى نسف محطة السكة الحديد كذلك. ولقي كثيرون من سكان المدينة حتفهم، بسبب هذا الخطأ، ما ضاعف ارتباك قوات سميث ودهشتها.

وفي اليوم عينه، وصل الفوج الرابع والثلاثون، التابع للفِرقة الرابعة الأمريكية، بحراً، إلى بوزان. وكذلك تمكن اللواء "دين" من الوصول بقواته إلى تايجون، بعد معركة عنيفة، هرب منها عبر الجبال، تحت ستر الظلام. وكان اللواء "دين" قد أدرك أهمية بيونج تايك، وكانت بمثابة عنق الزجاجة، التي أرغمت الكوريين الشماليين على الاستمرار في طريقهم الشمالي "سيول ـ تايجو ـ بوزان"، دون أن يتمكنوا من أن يحيدوا عنه.

أما في جنوب بيونج تايك، فقد كان الصراع على أشده على مسافة 45 ميلاً إلى الغرب. وتمكنت قوات كوريا الشمالية من التحرك والمناورة ضد قوات الحلفاء، وتطويق جناحها الأيسر. وكانت بيونج تايك المدججة، والمنيعة بجناحها الأيسر، الواقع على خور جانبَي البحر الأصفر؛ وجناحها الأيمن، الواقع على مسافة بضعة أميال شرقاً، إلى مدنية "أترونج Atrong"، تحصنه سلسلة من الجبال. وأصر على التوقف عند "بيونج ياك ـ أترونج"، وأصدر أوامره إلى قواته، التي وصلت حديثاً، "الكتيبتين: الأولى والثالثة، من الفوج الرابع والثلاثين"، بالتحرك شمالاً، حيث ستتخذ مواقعها هناك.

استقرت الكتيبة الأولى على الشاطئ الجنوبي لنهر هان، وجهزت مواقعها الدفاعية، المطلة على بيونج تايك. بينما اتجهت الكتيبة الثالثة شرقاً، لدعم دفاعات أترونج. وصدرت الأوامر إلى سميث، قائد "قوة الواجب" التي ازداد عددها من 406 رجال إلى 540 رجلاً، بعد أن انضم إليها 134 رجلاً من المدفعية، معهم مدفع هاوتزر واحد، من عيار 105 مم، وأربعة مدافع عادية أخرى، بالتحرك شمالاً إلى ما وراء أوزان، مع ضرورة اعتراض القوات الكورية الشمالية.

عمد سميث ورجاله، بعد وصولهم إلى أوزان، تحت الأمطار الغزيرة، إلى تقوية الدفاعات، شمالي أوزان، على الهضبتَين، الواقعتَين على جانبَي الطريق القادم من "سوـ سوون". (أُنظر خريطة قوات واجب سميث). أمر سميث بنصب المدفع الهاوتزر في مكان مناسب، خلف التل مباشرة، إلى اليسار من غرب الطريق. وكان على هذا المدفع أن يُستخدم كسلاح مضاد للدبابات (ت ـ 34)، التي تحاول شق طريقها عبر التلال. على أن تطلق المدافع الأربعة الباقية قذائفها شديدة الانفجار من مواقعها بعيداً إلى الوراء، خلف موقع المدفع الهاوتزر، لتغطي كلها تحركات قوات سميث في احتلال موقعها على التلال، على يمين الطريق، بينما تتولى فصيلة واحدة احتلال الهضبة الغربية على يسار الطريق.

وكانت مهمتهم إيقاف تقدم القوات الشمالية وتعطيلها؛ لتتاح الفرصة لتقوية دفاعات يونج تايك ـ أترونج، ودعمها بمزيد من القوات الإضافية والأسلحة. وفي ذلك الوقت، كان اللواء دين في تايجون، على مسافة نحو 60 ميلاً إلى الجنوب، في رئاسة قوات كوريا الجنوبية؛ من أجل طلب إخلاء الطرق جنوبي بيونج تايك، التي كانت لا تزال تعج بأمواج اللاجئين والجنود المفقودين المتدفقين صوب الجنوب. ولكن قادة جيش كوريا الجنوبية كانوا في شغل عنه بخصوماتهم الداخلية ومناقشاتهم، يتصايحون متهمين بعضهم بعضاً "بالشيوعية". وقد قدموا للواء دين أعذاراً كثيرة، عن أسباب فشلهم وهزيمتهم، منذ بدء الانسحاب ـ بعد سقوط "سو ـ وون"، وأخبروه أن الجنرال "شاي"، قد انتحر مطلقاً الرصاص على نفسه، منذ بضعة أيام.

تولى اللواء "لي بوم سوك" منصب رئيس هيئة أركان حرب قوات كوريا الجنوبية، خلفاً للجنرال المنتحر "شاي". وفي اجتماعه مع اللواء "دين"، اقترح وضع خطة استدراج، تسمح لدبابات كوريا الشمالية بتجاوز الخط الدفاعي، ثم تحفر الحفر خلفها؛ لمنع وصول الوقود إليها. وقد تحمس اللواء "دين" لهذه الخطة، وهم بتنفيذها. ولكن لسوء حظه، في 3 يوليه، بدأت الدبابات، من طراز ت ـ 34 تعبر نهر هان، فوق أحد جسور السكة الحديد، التي أعيد إصلاحها. وبذلك دخلت الفِرقتان، الثالثة والرابعة، مدينة "يونجدونجبو"، في الليل. وبدأتا، في 4 يوليه، زحفهما السريع، قرب الساحل الغربي لشبه الجزيرة. واحتلتا مطار "سوون Suwon". وواصلتا التقدم جنوباً. يتبعها أفراد من جنود الفِرقة الرابعة مشاة، فاشتبكوا مع أفراد جيش كوريا الجنوبية والحلفاء، الذين بدأوا إعداد الحفر، وأجبروهم على الفرار.

هكذا تقدمت قوات كوريا الشمالية، وأخذت قوة واجب سميث تتراجع على طول الطريق إلى "بيونج تايك ـ أترونج". وقد أصاب رجالها نكال شديد، بسبب الأمطار الغزيرة المتواصلة، وكادت علب الطعام والتعيينات المحفوظة التي معهم تفسد، وعندما كانوا يقبعون في الحفر، كانت المياه تتسرب إليهم، وزاد من سوء حالهم، رؤيتهم لأفراد من اللاجئين الذين فروا من "سو ـ وون".

رابعاً: معركة بوزان، وهزيمة الأمريكيين

في سعت 0800، 5 يوليه، حدث الاشتباك بين القوات الكورية الشمالية، والقوات البرية الأمريكية، في قوة سميث؛ فقد ظهرت ثماني دبابات ت ـ 34، لطليعة تتقدم بقية للقوات الكورية الشمالية الرئيسية بدباباتها الثلاث والثلاثين. وواصلت القوات الشمالية تقدمها، على الرغم من مقاومة الكوريين الجنوبيين، الذين لم يستطيعوا الصمود أمام القذائف المتواصلة، بينما كان المراقب الأمامي يوجه التعليمات، باللاسلكي "اضرب مباشرة وبتركيز". ومع ذلك ظلت الدبابات تتقدم وسط النيران، متجاهلة ما يسقط حولها من قذائف، لا تأثير لها، بسبب متانة دروع هذه الدبابات. ولم تجد المدافع الهاوتزر الأمريكية نفعاً في إيقاف الدبابات. وعندئذ أصدر سميث تعليماته، إلى أطقم المدافع عديمة الارتداد من عيار 75 ملليمتراً، ألا يطلقوا أي طلقة حتى تصبح هذه الدبابات على مرمى 700 ياردة (وهو المرمى المؤثر الذي يمكن معه لقذائف هذه المدافع أن تخترق دروع تلك الدبابات).

ولما وصلت الدبابات إلى المرمى المطلوب، انطلقت قذائف المدافع، فأصابت أهدافها إصابات مباشرة، ومع ذلك ظلت الدبابات تواصل تقدمها، متجهة إلى الممر. وعندئذ، أطلق الملازم "أوللي كونور Ollie Conor" الأمريكي من حفرته، على الجانب الأيمن الشرقي من الطريق، قذائف مدفعه البازوكا (من عيار 2.36 بوصة) على الدبابات المتقدمة على مرمى 15 ياردة فقط، وأطلق رجاله على المؤخرات الضعيفة في الدروع اثنين وعشرين قذيفة. وعلى الرغم من ذلك استمر تقدم الدبابات، وتمكنت اثنتان منها من التسلل، خلال الممر الكائن بين الهضبتين. إلاَّ أن نيران المدافع الهاوتزر، من عيار 105 ملليمتر، استطاعت أن توقفها بقذائفها المضادة للدبابات، فخرجتا عن الطريق واحترقت إحداهما، وبرز من داخل برجها جنديان، في فزع، رافعين أيديهما للاستسلام، وتبعتهما دبابة ثالثة، وجهت نيرانها على وكر من أوكار مدافع الماكينة الأوتوماتيكية (الرشاشة)؛ وقتل أول فرد أمريكي في الحرب الكورية. كان هو قائد هذا المدفع، وعندئذ تقدمت الدبابات بأقصى سرعة، وقد أغلقت فتحات الرؤية، وأخذت تطلق قذائفها بصورة عشوائية على مواقع المدافع عيار 85 ملليمتراً، على الجانب الشرقي من الطريق، التي كانت تصيبها بنيرانها المباشرة؛ فقد كانت هذه المدافع توجه قذائفها من مواقع قريبة على مسافات تراوح من 150 إلى 300 ياردة، غربي الطريق، وكل مدفع يرشق فريسته بنحو أربع إلى ست قذائف.

وتواصل تبادل النيران بين الفريقين، وتمكنت الدبابات من اجتياز الممر دون أن يلحقها ضرر يذكر، واستطاعت إحدى هذه الدبابات اصطياد طاقمين من مدافع البازوكا بقيادة العقيد "ميلر بيري Miller Perry" و"الرقيب" إدوين إيفرسول Edwin Eversole، وكانا في حقول الأرز الغارقة بالماء، بين مواقع المدفعية الهاوتزر والطريق. واشتعلت النيران في مدفع البازوكا، الذي كان مع الرقيب إيفرسول، إلاَّ أن قذيفة منه مرت فوق الدبابة، التي أصابته، والتي كانت تتحرك في ذلك الوقت في اتجاهه كأنها "بارجة كبيرة". وألقى إيفرسول بنفسه في مصرف مجاور؛ بمجرد أن لمح بريق مدفع الدبابة (بمجرد انطلاق القذيفة منه) وسقط بجواره أحد أعمدة التليفون، ولم يحدث أي ضرر. وعندئذ أصابت قذيفة أحد المدافع الهاوتزر 105 مم، أسفل الدبابة المهاجمة فتوقفت، وكان إيفرسول مازال راقداً هناك، بينما استمرت باقي الدبابات المهاجمة تزأر وهي متقدمة على الطريق. واصطحب العقيد بيري أحد المترجمين، فأصدر أوامره إلى المدفعية 105 مم  باستئناف الضرب عليها، فقفز منها رجلان، قتلتهما نيران المدفعية فوراً.

وعندئذ، وصلت الموجة الثانية من الدبابات، فلاذ الكثير من رجال مدفعية العقيد بيري بالفرار، ما اضطر الضباط، وضباط الصف، إلى مباشرة تعمير واستخدام المدافع بأنفسهم. وتدريجاً، استطاع بيري استعادة السيطرة على الموقف، وسرعان ما عادت المدافع الهاوتزر إلى ضرب هذه الموجة الثانية من الدبابات، من نوع (ت ـ 34) بنيرانها، فأصيبت إحداها في أسفلها، وتوقفت، بينما أصيب بعض الدبابات الأخرى ببعض الأضرار المتفاوتة، وقتل كثير من جنود كوريا الشمالية، الذين كانوا على ظهر هذه الدبابات، بينما قفز الباقون إلى الحفر، وأمكن إخراجهم منها، فيما بعد.

ولكن قوة واجب سميث لم تستطع منع القوات الكورية الشمالية المدرعة من التحرك جنوباً، في اتجاه "أوزان"؛ إذ واصلت 26 دبابة، من مجموع 33، تقدمها، صالحة للقتال، بينما أصيبت ثلاثة أخرى إصابات طفيفة. وبدأت، نحو سعت 1000، تدخل "أوزاما"، دون أي مقاومة. واستفادت من ذلك بأن قطعت خط الرجعة على مؤخرة قوة واجب سميث، التي كانت، في هذا الوقت، تواجه هجوماً شرساً من دبابات كورية شمالية أخرى، يدعمها فوجان من المشاة. وفي خلال ساعة، تمكنت هذه الدبابات من اجتياز الممر، تتقدمها ثلاث دبابات، تتبعها السيارات المحملة بالجنود، وخلفها قوات المشاة، التي انتشرت إلى مسافة عدة أميال.

انتظر سميث ساعة، إلى أن أصبحت طليعة القوة المعادية المتقدمة على مسافة ألف ياردة، وأصدر أوامره بإطلاق نيران جميع أسلحته من مدافع الهاون، والمدافع الرشاشة من عيار نصف بوصة، فاشتعلت إحدى عربات الكوريين الشماليين، وعندئذ استدارت الدبابات الثلاث من النسق، واقتربت إلى مسافة حوالي 300 ياردة، من مواقع الجنود الأمريكيين، واتخذت لنفسها موقعاً على حافة الهضبة، وأخذت تطلق نيران مدافعها. وبدأ جنود كوريا الشمالية ينتشرون على جانبي الطريق، ووراءهم، على مسافة بعيدة من مرمى نيران الأسلحة الأمريكية، عربات أخرى محملة بالجنود، تجمعت على جانبي الطريق، تنتظر الفرصة لكي تتقدم، بينما المدفعية الأمريكية تواصل إطلاق نيرانها.

وكان أول اقتحام، قامت به مشاة قوات كوريا الشمالية، ضد مجموعة قوة سميث، من مواقعها على هضبة امتدت، كالإصبع، داخل الموقع الدفاعي الرئيسي على يمين الطريق، عندما خرج نسقان من كلا الجانبين؛ في محاولة لتطويق مواقع القوة الأمريكية. بيد أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام نيران قوة سميث، من الأسلحة الصغيرة والمدفعية والهاونات، ما دفع الكوريين الشماليين إلى القيام بحركة التفاف واسعة؛ لتفادي النيران من جهة اليمين، أي من الشرق؛ في محاولة الوصول إلى خلف مواقع قوة سميث. فاحتلوا هضبة، في جهة الغرب، تشرف على مواقع الأمريكيين، وبدأوا يطلقون نيران رشاشاتهم.

وفي سعت 1100، كانت قوة واجب سميث، قد منيت بالهزيمة الساحقة؛ أمام خصم يفوقها عدداً، تمكن من أن يحيط بها من جانبيها، ووضع عند مؤخرته نسقاً مدرعاً؛ فضلاً عن أنه فقد كل أمل في أي مساعدة تأتيه من القوات الجوية الأمريكية؛ بسبب عدم ملاءمة الظروف الجوية لذلك، كما أنه فقد الاتصال بأي جهة. ومن ثم في سعت 1350، أصدر سميث أوامره بالانسحاب، بطريقة الوثبات، إلى الخلف، وهي طريقة تسمى قفزة الضفدعة، بأن تنسحب القوة الأمامية للخلف تحت ستار نيران القوة التي تليها في الخلف، ثم تبدأ القوات الخلفية بدورها في الانسحاب، تحت ستار نيران القوة، التي استقرت خلفها، وهكذا تتكرر الطريقة، حتى ينسحب كل الرجال في أمان من التلال المشرفة على الطريق في شمال أوزان. ولكن لم يتم تنفيذ أي تحرك، إذ استطاعت المدافع الكورية الشمالية أن تتصيدهم، وكبدتهم خسائر فادحة أرغمتهم على الانسحاب والهروب، من دون أي نظام، وقد تخلوا عن رشاشاتهم ومدافعهم الهاون والمدافع عديمة الارتداد. بينما ألقى بعضهم بنادقهم والتمسوا النجاة، وألقى آخرون خوذاتهم، وتركوا وراءهم قتلاهم، وحوالي 25 إلى 30 جريحاً، ظلوا عاجزين من دون حركة، وبقي معهم رقيب متطوع من الخدمات الطبية؛ ليرعاهم.

وأسرع سميث نفسه جهة الغرب باحثاً عن المدفعية، وصادفه طاقم من حملة الأسلاك، يحاولون مد الأسلاك إلى مواقعه. وبذلك استطاع الاستدلال على مواقع المدفعية. وما أدهشه أنه وجد رجال المدفعية ما زالوا في مواقعهم، لم يمسسهم سوء، سوى أن العقيد بيري قد جرح ومعه رجل آخر. لم يكن هناك شيء يمكن عمله سوى توجيههم لكي ينضموا إلى الفِرقة المنسحبة. وكذلك تم إخلاء مواقع المدفعية الهاوتزر، بأن تُركت المدافع بعد أن تم نزع الترابيس منها، وكذلك أدوات التفتيش (الناشنكاه). وقد حُملت هذه الأدوات في عربات، ومعها سميث وبيري، في اتجاه أوزان، على أمل العثور على طريق، في الجناح الشرقي، يؤدي أترونج في الطرف الجنوبي من المدينة؛ إذ افترضا أن مدرعات العدو استطاعت التوغل جنوباً في اتجاه بيونج تايك، وقد أخطأ سميث تمييز ثلاث دبابات كورية شمالية. وأسرع النسق الصغير إلى الشمال، حيث وجد طريقاً قذراً متجهاً إلى الشرق، وانضم إلى قوة سميث جماعات صغيرة مبعثرة من الجنود الضالين والهائمين، بين الهضاب وحقول الأرز، عراة الرأس وبعضهم حافي القدمين، يحملون أحذيتهم على أكتافهم، أو حول أعناقهم. وقليل منهم كانوا من دون معاطفهم. وأسرع نحو مائة رجل منهم للركوب في العربات، وتحرك هذا النسق طوال الليل لكي يصل إلى أترونج، واستمر في تقدمه جنوباً إلى شونان Ch'onan. وخلفه، أسرع الضالون من الجنود الأمريكيين الذين ظلوا يفدون، طوال اليومين التاليين، واستمروا في التدفق إلى المدن الجنوبية، حتى مدينة تايجون، بينما انحدر بعضهم غرباً إلى البحر الأصفر، ومنهم من ركب إحدى السفن الشراعية إلى بوزان، بينما اتجه آخرون شرقاً، سيراً على الأقدام، إلى بحر اليابان.

كانت نتيجة هذه المواجهة الأولى، بين القوات الأمريكية والقوات الكورية الشمالية، هزيمة الأمريكيين، وسقوط نحو 150 رجلاً منهم، بين قتيل وجريح ومفقود، وخسائر فادحة في الأسلحة وكانت أفدح الخسائر في السرية B. بينما فقدت كوريا الشمالية أربع دبابات، ونفراً قليلاً من الأسرى. كما تسببت هذه المعركة بهبوط حاد في الروح المعنوية لدى الأمريكيين، وارتفاع عظيم في معنويات الكوريين الشماليين.

وفي صباح اليوم التالي، السادس من يوليه، بدأ انسحاب الأمريكيين من خط بيونج تايك ـ أوزان؛ إذ انسحبت الكتيبة الثالثة، من الفوج الرابع والثلاثين المشاة، من مواقعها عند "أترونج"، على الجناح الأيمن، وتحركت جنوباً صوب شونان. وعلى الجناح الأيسر، انسحبت أيضاً الكتيبة الأولى المشاة، من الفوج نفسه،من موقعها عند النهر شمالي بيونج تايك، بعد أن اشتبكت فترة قصيرة مع الدبابات والمشاة من قوات كوريا الشمالية، ما جعل من المشاة الأمريكيين يحجمون عن إطلاق النيران على عدوهم. (أًُنظر خريطة أعمال تعطيل الفوج 34). وإن كانت الهاونات الأمريكية عيار 4.2 بوصة قد بدأت تطلق نيرانها بصورة فاعلة؛ إذ أصابت إحدى السيارات. إلاَّ أن هذا الضرب انتهى عقب إصابة فرد المراقبة، الذي كان يوجه نيران الهاون، دون أن يحل مكانه غيره.

أدى إلى تفاقم الوضع السيء بالنسبة إلى الأمريكيين، سوء طرق المواصلات الداخلية، وطول المسافات بين مراكز القيادة والمواقع، بدرجة زادت عن مدى أجهزة اللاسلكي، واستمرار نزوح الكوريين الجنوبيين إلى الجنوب، ما أدى إلى قطع الاتصالات التليفونية والأسلاك في كثير من النقاط. واستمر الانسحاب من خط بيونج تايك ـ أترونج"، جهة الجنوب، مسافة 15 ميلاً. وقد بلغ حنق اللواء دين، وحزنه من هذا الوضع، درجة جعلته يقول: "لقد علمت في سعت 1600، 6 يوليه، الأنباء المفزعة، فأسرعت في سيارة جيب إلى شونان. وبمجرد وصولي كان الفوج بأكمله قد انسحب إلى جنوب شونان. فيئست من محاولة بث الشجاعة في نفوسهم، أو إمكان عودتهم مرة أخرى، فلم أملك إلاَّ أن أقول: حسناً، ابقوا هنا إلى حين صدور تعليمات أخرى".

خامساً: سقوط مدينة شونان

في اليوم التالي، 7 يوليه، أُعفى اللواء دين، قائد الفوج الرابع والثلاثين، من منصبه، وتسلم القيادة العقيد روبرت مارتن Robert Martin. ولكنه سقط قتيلاً في اليوم التالي، الثامن من يوليه، وهو يطلق النيران من مدفعه البازوكا عيار 2.6 بوصه، عندما سقطت قذيفة مدفع دبابة عيار 85 ملليمتراً، فشطرته نصفين. وسقطت مدينة شونان في أيدي قوات كوريا الشمالية.

وهكذا لقيت الفِرقة 24 ثلاث هزائم شديدة. وأصبح أمام القوات الكورية الشمالية، في شونان، فرصة اختيار طريق الهجوم، الذي كان يتفرع إلى فرعين جنوبي المدينة. الأول شرقاً إلى "شوشي وون Choch'iwon"، والثاني جنوباً إلى "كونج جو". فوضع اللواء دين، بعد أن عاد إلى تولي مهام منصبه، الفوج الرابع والثلاثين على الطريق إلى كونج جو Kongju، وأرسل الفوج الحادي والعشرين الذي وصل حديثاً من اليابان، والذي ضم ما تبقى من فلول قوة سميث، ومعها الكتيبة الأولى مشاة ـ بقيادة العقيد ريتشارد ستيفنز Richard Stephens، إلى طريق "شوشي وون"؛ لتقديم المساعدة إلى الفوج الرابع والثلاثين، وتعطيل القوات الكورية الشمالية.

في الثامن من يوليه وضع العقيد ستيفنز الكتيبة الثالثة، بقيادة المقدم كارل جينسين Carl C. Jensen، في موقع، بطول الطريق السريع، على بعد ستة أميال، شمال شوشي وون. وعلى بعد ميل آخر، وضع السريتين A  و D من الكتيبة الأولى، في موقع متقدم، على مرتفع شرق مدينة شونوي Chonui، التي تبعد نحو اثني عشر ميلاً جنوب شونان. (أًُنظر خريطة أعمال تعطيل الفرقة 21) وأذاع اللواء دين أمراً عملياتياً باللاسلكي أن على الفرقة 24 أن تنسحب إلى موقع قوي، على الضفة الجنوبية لنهر كوم، على بعد عشرة أميال، جنوب شوشي وون، وتتمركز هناك، وتبذل أقصى طاقتها لتعطيل تقدم القوات الكورية الشمالية. واختتم الأمر بقوله: "احتفظوا بالخطوط على نهر كوم، مهما كان الثمن". بينما كان على الفوج 34 مشاة أن يعطل تقدم القوات الكورية الشمالية، على طول طريق كونج جو إلى النهر. وكان على الفوج 21 مشاة التمركز عند شوشي وون، مستعيناً بدعم مباشر من بطارية 155 ملم، من المدافع الهاوزر من الكتيبة 11 مدفعية ميدان، وبدعم من السرية A، التابعة للكتيبة 78 دبابات ثقيلة (نوع م 24 M-24). وكان على الكتيبة الثالثة مهندسين هجومية تجهيز حواجز الطرق، شمال كونج جو، على طول طريق الانسحاب للفرقة 34 مشاة، والاستعداد لتدمير جميع الجسور على نهر كوم.

أرسل اللواء دين طلباً عاجلاً، إلى الفريق ماك آرثر، بسرعة إرسال قذائف للمدفعية المضادة للدبابات، ومدافع باوزكا من عيار 3.5 بوصة، بالطائرات من الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أرسل ماك آرثر هذا الطلب إلى هيئة الأركان المشتركة في واشنطن، "البنتاجون"، وأرفق معه خطاباً، يقول فيه: "إنني على اقتناع تام بأننا كنا نجهل تماماً إمكانات جيش كوريا الشمالية، وطبيعة جنوده، ومستوى تدريبهم، ونوعية المعدات التي معهم. وأن التقدير الذي وضع كان أقل من الواقع بكثير".

في يوم 9 يوليه: أدرك ماك آرثر أن الموقف بالغ السوء، وأن ليس أمامه إلاَّ استخدام قاذفات القنابل ب ـ 29، وأرسل إلى واشنطن تقريراً، أصابها بالإزعاج، قال فيه: "إن الموقف في كوريا حرج للغاية، وإن العدو يملك أحدث المعدات في قواته المدرعة، ومعدات الخدمات العامة. وهذا وفقاً لما أفادته تقارير المراقبين الفنيين. وإنها لا تقل بأي حال عما شوهد في أي وقت، خلال الحرب الأخيرة، وإن مستوى كفاءة مشاة العدو مرتفع للغاية. وقد أكدت هذه الظاهرة مدى التعاون المشترك بين القيادة الروسية والتوجيه الفني من جانب الصين الشيوعية، تحت راية كوريا الشمالية. وإني ألح بشدة في أنه، إضافة إلى هذه القوات، التي طلبت فعلاً، من الضروري إرسال جيش مكون من أربع فِرق، على الأقل، ومعها كل الوحدات والعناصر الإدارية اللازمة لخدمتها، إلى هذه المنطقة، من دون أي تأخير، وبكل وسائل المواصلات المتيسرة؛ إذ إن الموقف بدأ يتطور بدرجة خطيرة".

وكان ماك آرثر قد سبق أن طلب إرسال قوة مشاة الأسطول، واستجابت رئاسة الأركان المشتركة؛ فأبحر اللواء الأول إلى كوريا. وكان متوقعاً أن تكون هذه القوة بمثابة رأس الحربة، أو طليعة لهجوم مضاد تقوم به فِرقتان. أما الآن، فقد أصبح المطلوب هو جيش كامل العدد والعتاد، به أربع فِرق كاملة على الأقل.

أصدر البنتاجون أوامره بسرعة تحرك الفِرقة الثانية مشاة إلى كوريا، ومعها الإمدادات الكافية من القنابل والمدرعات، التي طلبها اللواء "دين". وفي الوقت نفسه، قرر ماك آرثر استخدام جيشه الثامن، بقيادة الفريق والتون ووكر Walton H. Walker؛ لإنقاذ بوزان.

سادساً: تدخل الطائرات الأمريكية، واحتدام الصراع

بادرت الطائرات الأمريكية، من نوعَي F -51 موستانج، و F -80 شوتنج ستار النفاثة، إلى الإغارة على القوات الكورية الشمالية، بالصواريخ ونيران الرشاشات، من ارتفاعات منخفضة. ولكن بمجرد اختفاء الطائرات، عاود الكوريون الشماليون هجومهم، وتمكنوا من اختراق الخطوط الدفاعية الأمريكية. ولكن الفوج الأمريكي 21 شن هجوماً مضاداً عنيفاً، واستعاد الأرض المفقودة، وقد عُثر على ستة جنود أمريكيين، مشدودة أيديهم وراء ظهورهم، وقد اخترق الرصاص رؤوسهم.

في اليوم نفسه، دخلت الدبابات الأمريكية الخفيفة المعركة في "شونوي"، ولم تكن مكافئة للدبابات الروسية ت ـ 34. وفي الوقت نفسه، تمكن سرب طائرات، من نوع شوتنج ستار، من قصف تجّمع كوريا الشمالية، بدباباته وسياراته، شمال أحد الجسور المنسوفة، في بيونج تايك. وقيل إن هذه الضربة الجوية، تسببت بتدمير 38 دبابة، و7 عربات نصف جنزير، و117 سيارة، ومقتل مئات الجنود. وقد حققت هذه الضربة، وما ساندها من غارات جوية أمريكية أخرى، تركزت في شونوي، أعظم خسارة للقوات المدرعة في جيش كوريا الشمالية، في الحرب الكورية كلها.

مع ذلك، لم يستطع الفوج 21 الأمريكي الاحتفاظ بشونوي، أمام ضربات الكوريين الشماليين المستميتة، التي كانت تهدف إلى الوصول إلى شوشي وون. فبدأ هذا الفوج انسحابه، قبل منتصف ليلة 10 يوليه، واتخذ لنفسه مواقع جديدة، على بعد أميال قليلة، شمال شوشي وون. وقد أصدر اللواء دين أوامره إلى العقيد ستيفنز "احتفظوا بمواقعكم الجديدة، وقاتلوا للنهاية وأشعلوها معركة كالجحيم. وإني أنتظر منكم أن تحتفظوا بهذه المواقع طول يوم غد". وهكذا حققت الفرقتان الثالثة والرابعة، الكوريتان الشماليتان، نجاحاً كبيراً، في الأيام الأربعة الأولى من الغزو، في طريقها إلى سيول. ولكنهما تكبدتا نحو 1500 رجل، وكانت خسارة الفرقة الرا بعة وحدها أكثر فداحة، فهي التي التحمت، في قتال عنيف، مع الفرقة السابعة الكورية الجنوبية، عند أويجونجبو، فتكبدت 1112 رجلاً (219 قتيلاً، و761 جريحاً، و132 مفقوداً).

تابعت القوات الكورية الشمالية تقدمها، شمال بوزان، متجهة إلى الجنوب. أما على الجبهة الغربية، جنوب طريق "سيول تايجو ـ بوزان"، فقد كانت قوات كوريا الجنوبية تدافع في يأس، تدعمها مدافع الأسطول الأمريكي. بينما شنت القوات، الكورية الجنوبية والأمريكية، غارات على شونج جو.

في يوم 10 يوليه ألقى رئيس كوريا الشمالية، خطاباً في حفل تكريم لأفراد جيشه، هنأهم فيه على أدائهم الرائع، وخص بالتهنئة رجال الفِرقتين الثالثة والرابعة، الذين سقطت سيول في أيديهم، وأصدره أمره بأن يطلق عليهم اسم "فِرقة سيول Seoul Division"، كما أصدر أمره برفع اللواء 105 المدرع إلى مستوى الفِرقة، وأن يحصل على لقب التكريم نفسه "فِرقة سيول".

وقد أبلى الفوج 21 الأمريكي بلاء حسناً في قتاله، ولكنه مع ذلك لم يستطع الاحتفاظ بمواقعه بل إنه في يوم 12 يوليه أرسل قائد الفوج، العقيد سيتفنز، رسالة إلى اللواء دين، قائلاً: "لقد أحيط بي من كل جانب؛ فقد انسحبت الكتيبة الأولى من يساري، وتفاقم الوضع، وازداد سوءاً، إلى اليمين، ولم أعد أستطيع اتخاذ موقع متوسط، أتمكن به من مباشرة مهمة تعطيل القوات الكورية الشمالية. وقد أسقط في يدي، ولم يعد أمامي سوى الانسحاب إلى خط نهر كوم Kum. وقد أصدرت التعليمات بالانسحاب بالفعل".

سابعاً: نتائج معركة شوشي وون

بانسحاب الفوج 21 الأمريكي، إلى خط نهر كوم، وبسقوط "شوشي وون"، تحقق انتصار الفِرقتَين، الثالثة والرابعة، من قوات كوريا الشمالية، في اندفاعهما نحو الجنوب. وكانت "شوشي وون" بعيدة عن أوزان، وبيونج تايك، وشونان، التي كانت مراكز حيوية على الطريق، الذي طوته القوات الكورية الشمالية، في أربعة أيام، على طول عشرين ميلاً. أمَّا "شوشي وون"، فقد كانت تبعد مسافة عشرين ميلاً، واستغرقت المعركة فيها ثلاثة أيام كاملة. وتكبدت قوات كوريا الشمالية فيها خسائر كبرى في الدبابات؛ بسبب ضغط الهجمات الجوية الأمريكية وعنفها. كما هيأت هذه المعركة فسحة من الوقت، للواء دين، لكي يجهز الفوج الثالث الأخير، من قوته، وهو الفوج 19؛ بهدف تقوية الخط الدفاعي عند نهر كوم، الذي ما برح يعد الخط الحيوي للدفاع عن تايجون. وقد احتل الفوج التاسع عشر موقعه عند "تايبي يونج ني Taep'yong-ni"، إلى يمين الفِرقة الرابعة والعشرين، بينما ظل الفوج الرابع والثلاثون عند "كونج جو"، على مسافة نحو 15 ميلاً جنوب شرق "تايبي يونج ني". ومع أن تايجون كانت مدينة صغيرة، إلاَّ أنها كانت ذات أهمية جغرافية خاصة؛ لتوسط مركزها بالنسبة إلى المواصلات، وتعد التالية لتايجو وبوزان.

ومن الناحية الإستراتيجية، فإن الهزيمة في شوشي وون، كانت آثارها بعيدة المدى؛ إذ دفعت الفريق ماك آرثر إلى أن يرسل الفوج 29، من أوكيناوا إلى كوريا؛ علاوة على ما أصدره من التعليمات إلى القوة الجوية الأمريكية في الشرق الأقصى، باستخدام القاذفات الأمريكية (ب ـ 26 و ب ـ 29)، في مواجهة التهديد المنتظر من جانب كوريا الشمالية، أسفل منطقة الجبال الوسطى.

بدأت طلائع الفِرقة 25 الأمريكية تصل إلى كوريا؛ بهدف دعم القطاع الأوسط. واحتفظ الفريق ماك أرثر بالفِرقة الأولى الأمريكية الفرسان؛ بهدف أن يشن بها هجومه المضاد المبكر. وعزم على أن يرسلها إلى ميناء "بوهانج"، على مسافة نحو 60 ميلاً تقريباً، شمال شرق "بوزان". وتولى الأسطول الأمريكي، معاونة قوات كوريا الجنوبية، بقذائفه المكثفة.

وفي اليوم نفسه، 12 يوليه، أصدر الفريق ماك آرثر قراراً، يقضي بإسناد مسؤولية قيادة العمليات كلها، في كوريا، إلى قائد الجيش الثامن الأمريكي، الفريق والتون ووكر؛ وإنْ لم يُصدَّق على ذلك إلاَّ في 17 يوليه. عندما أرسل الفريق ماك آرثر رسالة إلى "سينجمان ري" بهذا الشأن، فأبدى موافقته الشفوية، وعندئذ رفع الفريق والتون ووكر علم الأمم المتحدة، على مقر قيادته، لأول مرة.