إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الخامس

معارك الأمريكيين وتدخل مشاة البحرية والفرقة الرابعة

أولاً: الفرار من كونج جو

كان قوام قوات الأمم المتحدة، يوم تولي الفريق والتون ووكر إمرتها، في 13 يوليه، 76 ألف رجل؛ منهم 58 ألفاً من كوريا الجنوبية، و18 ألفاً من الأمريكيين. وكانت هذه القوات عاجزة تماماً عن إيقاف تقدم القوت الكورية الشمالية نحو الجنوب؛ إذ افتقرت إلى المعدات، كالألغام المضادة للدبابات، وقذائف المدفعية الخارقة للدروع، والدبابات الثقيلة، ومدافع الميدان وأجهزة اللاسلكي. وعلاوة على ذلك، كانت قوات كوريا الجنوبية، تفتقد التموين والتعيينات الغذائية من الأرز والسمك. وكان هذا النقص، وخاصة فيما يتعلق بالألغام والقنابل المضادة للدبابات، يقلل من كفاءة الجيش الثامن ويفقده الكثير من قدرته على القتال. وكانت مهمة الفريق ووكر أن يوفر هذه الأسلحة المطلوبة إلى كوريا، وأن تصل إلى أيادي رجاله، سواء بالبحر أو بالجو رأساً من اليابان، أو جواً من الولايات المتحدة الأمريكية، بأسطول جوي قوامه 250 طائرة من الناقلات الأمريكية الضخمة، ذات الأربعة محركات.

أما بقية جوانب الموقف، في اليوم نفسه، فكانت كالتالي:

1. في أقصى الغرب، كانت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية، قد انتشرت، على هيئة مروحة، أسفل مدينة بيونج تايك؛ وتسعى إلى بلوغ الجناح الأيسر لمدينة بوزان، على الطريق السريع سيول ـ بوزان.

2. وإلى الشرق، كانت الفِرقتان الكوريتان الشماليتان، الثالثة والرابعة، تواصلان ضغطهما جنوباً، على طول طريق سيول؛ وتشقان طريقهما بين مواقع الفِرقة 24 الأمريكية.

3. وفي أقصى الشرق، كانت الفِرقة الثانية الكورية الشمالية، تتقدم إلى "شونج جو"، مواجهة فِرقتَين متهالكتَين، من قوات كوريا الجنوبية.

4. وفي منطقة الجبال الوسطى، كانت الفرقتان الأولى والثانية الكوريتان الشماليتان، تدفعان أمامهما فلول فِرقتَين جنوبيتَين.

5. وعلى الساحل الشرقي، كانت الفِرقة الخامسة الكورية الشمالية، تتحرك جنوباً، على الطريق الساحلي الضيق؛ ويواجهها الفوج السادس عشر، من قوات كوريا الجنوبية.

في سعت 0001 ، 13 يوليه، تسلم الفريق والتون ووكر، لدى وصوله إلى كوريا، قيادة جميع قوات الأمم المتحدة في كوريا رسمياً. وتحركت قيادة قوات كوريا الجنوبية، من تايجون إلى تايجو؛ لتكون قريبة من قيادة الجيش الثامن الأمريكي. وحدد الفريق ووكر تكتيكات التحرك الأساسية، ومسؤوليات الوحدات المختلفة: فكان على الجيش الثامن: تعطيل تقدم القوات الكورية الشمالية، وتأمين الخطوط الدفاعية المتغيرة، وتجميد الموقف العسكري الحالي، وإعداد خطط هجومية مستقبلية. كما أمر والتون ووكر بنشر الفرقة 24 الأمريكية، بطول الضفة الجنوبية من نهر كوم، في منطقة كونج جو تايجون، على يسار الجيش الثامن (غرباً)، وناط بها مهمة إيقاف تقدم القوات الكورية الشمالية، جنوب المنطقة المذكورة.

وإلى الشرق، في الممر الجبلي الأوسط، كان على وحدات من الفرقة 25 التمركز في مواقع على الطرق الرئسية؛ لسد طريق تقدم الكوريين الشماليين هناك، من جهة الجنوب، ومساعدة القوات الكورية الجنوبية. وكان على الفرقة 25 أن ترسل كتيبة واحدة مشاة منها؛ لتأمين ميناء بوهانج ـ دونج Phohang - dong، ومطار يونيل Yonil على الساحل الشرقي. وعهد والتون ووكر إلى الفوج السابع والعشرين المشاة، المعروف باسم صياد الذئاب "وولف هاوند Wolf Hound"، بقيادة المقدم جون ميخائيليس John H. Mchaelis (مايك Mike)، التمركز في "أندونج Andong"؛ خلف قوات كوريا الجنوبية. كما ناط باللواء "دين" تأمين بوهانج، على الساحل الشرقي؛ وكذلك مطار يونيل Yonil، الواقع أدنى منها جنوباً.

وكانت الفِرقة الخامسة الكورية الشمالية، لما تزل شمال مدينة سوهانج، عاجزة عن الاستيلاء عليها. ومع أن قوات كوريا الجنوبية، لم تستطع الثبات، على الطريق الساحلي الشرقي، إلا أن مدفعية الأسطول الأمريكي، أمطرت الكوريين الشماليين بنيرانها؛ كما سببت الأوحال، الناجمة عن الأمطار الموسمية، إغلاق الطرق. وتولت مجموعة المقاتلات 35، من مطار "يونيل"، قصف الفِرقة الخامسة الكورية الشمالية؛ فحالته حتى 13 يوليه، دون دخول "بيونج هاي ري"، على بعد 22 ميلاً، شمال يونج دوك، و50 ميلاً من بوهانج. وكان بديهياً أن تصبح يونج دوك معرضة للهجوم، ولو سقطت لترتب على ذلك أن تنكشف بعدها "بوهانج".

ومع ذلك، فإن الدفاعات الساحلية الشرقية، بدأت تتداعى. كما تحطمت قوات كوريا الجنوبية، في منطقة الجبال الوسطى. وأصبح الاستيلاء على بوزان، في الجنوب الغربي، وشيكاً.

وكان الطريق الرئيسي من سيول، تتمركز فيه الفِرقة 24، بقيادة اللواء "دين". فأصدر الفريق "ووكر" أوامره إليها بضرورة الاحتفاظ بمواقعها على خط نهر كوم؛ لأنه إذا قُدر للفِرقتين الثالثة والرابعة، من قوات كوريا الشمالية، أن تعبرا نهر كوم، ومعهما الدبابات، لأمكنهما اختراق تايجون Taejon بسرعة. (أُنظر خريطة الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية).

وفي الوقت نفسه، شنت الفِرقتان الكوريتان الشماليتان، الثالثة والرابعة، هجومهما على المواقع الأمريكية، في خط كونج جو ـ تايبي يونج ـ ني Kongju- Taep'yong-ne" جنوب نهر كوم. ولكن الطيران الأمريكي، دَمّر كثيراً من مدرعاتهما العادية؛ بل حرم عليهما التحرك، في النهار. وكان القتال الطويل، جنوب "يونج دونجبو" قد خفف كثيراً من كثافة هذه القوات؛ بسبب إطالة خطوط تموينهم، ما فاقم أمامهم مشكلة وصول إمداداتهم ومؤونتهم إلى منطقة نهر كوم. والأسوأ من ذلك، أن الطيران الأمريكي جعل التحركات النهارية لهم مستحيلة. وكانت خطة التموين، من خارج مناطق القرى والمزارع، قد قُلبت رأساً على عقب؛ عندما بدأ المزارعون من أهالي كوريا الجنوبية في إخفاء ما لديهم من طعام. واجهت الفِرقة الرابعة الكورية الشمالية، عند "كونج جو" هجوم الفوج الرابع والثلاثين الأمريكي المشاة، وقد حمل العبء الأكبر من القتال، منذ عبور نهر هان عند يونج دونج بو، وقد هبطت قوته العددية إلى خمسة آلاف، أو ستة آلاف فرد، أي تقريباً ما يعادل نصف قوته الأصلية، كما فقد كثيراً من قواته المدرعة.

وتولت الفِرقة الثالثة الكورية الشمالية الهجوم على الفوج التاسع عشر الأمريكي المشاة، في مواقعه عند "تايبيونج ـ ني Taep'yong -ni"، إلى اليمين. وكان أفراد هذه الفِرقة قد أصابهم الإجهاد الشديد من المعارك، ولكن ضباط التوجيه المعنوي بالفِرقة، أخبروهم أنهم سوف ينالون قسطاً وفيراً من الراحة الطويلة، بعد التمكن من الاستيلاء على "تايجون"، وأكدوا لهم أن الأمريكيين سوف يبادرون إلى الاستسلام، إذا سقطت المدينة. ومن ثم تمكن الكوريون الشماليون، على الرغم من انخفاض عديدهم، وافتقارهم إلى التموين، بسبب حصار القوات الأمريكية، وأجبروها على الفرار من "كونج جو". وعمد الفوج 34 الأمريكي إلى نسف جميع الجسور على نهر كوم؛ لكي يتمكن الفوج السادس عشر مشاة، من الفِرقة الرابعة من قوات الأمم المتحدة، من البقاء عند الخليج على الضفة الشمالية.

ثانياً: العبور الشمالي

مع إشراقة شمس 14 يوليه، بدأت مدفعية قوات كوريا الشمالية، تقصف القوات الأمريكية، في كونج جو، على الضفة الجنوبية من نهر كوم. وفي ظل القصف، عبرت النهر قوة شمالية كبيرة ،إلى يسار الفوج 34 الأمريكي. (أُنظر خريطة الدفاع عن نهر كوم). وبدأت تهاجم مواقع الكتيبة الميدانية 36 المدفعية. فاكتسحتها، واستولت على عشرة مدافع هاوتزر، من عيار 105 مم، مع ذخيرتها، ونحو 60 إلى 80 سيارة شاحنة، علاوة على أسر 86 جندياً أمريكياً. وعجزت كتيبة المدفعية الأمريكية عن المقاومة تماماً. وأخذ أفرادها يولون الأدبار التماساً للنجاة، كل اثنين أو ثلاثة معاً. وصدرت الأوامر للكتيبة الأولى والفوج 34 بشن هجوم مضاد؛ لإعادة الاستيلاء على هذه المعدات والأسلحة لاسترجاع "كونج جو". وتحركت القوة للأمام، ولكنها عاودت الانسحاب مرة أخرى عند النفق، بعد أن تعرضت للنيران. وانهارت كذلك الكتيبة الثالثة، على يمين "كونج جو"، والتي سقطت في أيدي القوات الشمالية. وتلاشى أمل اللواء دين في تحقيق أي نوع من التعطيل لتقدم القوات المهاجمة. وأسوأ من ذلك، فقد استطاعت قوات كوريا الشمالية إقامة رأس جسر، على الضفة الجنوبية من نهر كوم، ومن ثم أحاطت بالجناح الأيسر للفوج الأمريكي 19 مشاة، المتمركز في منطقة "تايبي يونج ـ ني".

ثالثاً: الانسحاب من تايجون

طوال يوم 15 يوليه، جرت عدة محاولات أخرى لعبور قوات صغيرة من جيش كوريا الشمالية للنهر، تغطيها نيران مدافع الدبابات، التي اتخذت مواقع مستترة، على الضفة الشمالية من النهر. ولكن أمكن للقوات الأمريكية إفشال هذه المحاولات. وظل الفوج 19 في "تايبي يونج ني" طوال اليوم، بينما لم يستطع الفوج 15 الصمود.

في سعت 300، قبل فجر يوم 16 يوليه، حلقت إحدى طائرات كوريا الشمالية، من نوع ياك، فوق نهر كوم، وألقت طلقة مضيئة، وكان ذلك إشارة البدء بهجوم عنيف، تحت ستار نيران المدفعية. شرع الكوريون الشماليون من الفرقة الثالثة، يعبرون النهر، مستخدمين الزوارق، والقوارب المطاطية، بل عبر أفراد كثيرون منهم سباحة. حاول الأمريكيون الثبات. وفشل أحد المدافع الهاوزر الأمريكية، عيار 155 ملم، في إطلاق طلقات مضيئة، ومن ثم لم يستطع رجال الفوج 19 الأمريكي تحديد مواقع الكوريين الشماليين بدقة. ومع ذلك، حاولت الفصائل الأمريكية الاحتفاظ بالخطوط الأمامية، ولكنهم بدأوا يتعرضون لضغط الهجوم العنيف من الكوريين الشماليين، الذي بدأ بإطلاق نيران المدافع الرشاشة، وسقط الملازم توماس ماهو Thomas Maho، من السرية الثالثة من الفوج 19، إذ اخترقت رأسه دفعة طلقات، بينما كان يتحدث في اللاسلكي مع قائد السرية، هنري ماك جيل Henry T. McGill، قائلاً له: "إننا نؤدي عملنا على ما يرام"!

ضغط الكوريون الشماليون على ميمنة الفوج 19، ثم على مسيرته، ثم التفوا حوله، وأحاطوا بمؤخرته. وعبرت قوات أخرى منهم النهر، من الجنوب الغربي، ما أجبر الفوج على الانسحاب. إلى "تايجون"، في الجنوب الشرقي. (أُنظر شكل خط دفاع  نهر كوم) وطارت أنباء أحداث نهر كوم، وهزيمة القوات الأمريكية إلى مقر قيادة الجيش الثامن في "تايجو".

تسببت هزيمة القوات الأمريكية، عند نهر كوم، في إرغام الفريق والتون ووكر على إعادة النظر في الوضع العام، وتوصل إلى نتيجة، مؤداها أن الجيش الثامن لا يستطيع شيئاً، سوى الاحتفاظ بخطوطه على نهر "ناكتونج"، من جهة مصبه غرب "بوزان"، ثم الانتشار شمالاً إلى نقطة غرب أندونج، وسوف يصبح هذا الخط معروفاً بـ "محور بوزان". وكان على ووكر، لكي يحتفظ بهذا الخط أن يطلب قدوم الفِرقة الأولى فرسان أمريكية بالقطار غرباً؛ لإنقاذ "نايجون" قبل وصول الفِرقتين، الثالثة والرابعة، من قوات كوريا الشمالية إليها.

في ذلك اليوم، كانت سفن الأسطول الأمريكي تضرب بعنف الفِرقة الخامسة من جيش كوريا الشمالية، على الطريق الساحلي الشرقي . وضاعف من قوة هذا الضرب، اشتراك الطراد البريطاني بلفاست Belfast. وكان ووكر قد أرسل، بالفعل؛ قوة للاحتفاظ بالميناء (بوهانج)، وكذا مطار يونيل. وإن كان همه الأكبر هو الحفاظ على تايجون، التي كان عليها أن تصمد في المقاومة، إلى أن تصل الفِرقة الأولى فرسان أمريكية غرباً؛ لإمداد الفِرقة 24 المنهارة.

رابعاً: السيطرة على يونج دونج

في 15 يوليه، تمكن الأدميرال جيمس دوللي James H. Doyle قائد قوة الواجب 90، التي ضمت وحدات، من الأفواج الثامن والسابع والخامس فرسان، والكتيبة 82 مدفعية ميدان، من الدخول بسفنه، وعليها وحدات الفوج الثامن فرسان في سعت 0610 ، 18 يوليه، ولحقت بها وحدات الفوج الخامس، بعد عشرين دقيقة، إلى ميناء بوهانج، ولم تتمكن باقي الوحدات من الدخول؛ بسبب هبوب الإعصار المدمر، المعروف باسم "إعصار هيلين Helene"، واستمراره حتى يوم 22 يوليه.

كان اللواء دين يرى عدم جدوى الدفاع عن "تايجون"؛ لأن الكوريين يستطيعون، عندئذ، الوصول بمدرعاتهم إلى نهر كوم، والاستيلاء على المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 130 ألفاً. اقتصر طموح الأمريكيين على مناورة الكوريين الشماليين، في تايجون، ريثما يكتمل الاستعداد لجولة أخرى عند "يونج دونج"، على مسافة 28 ميلاً شرقاً، ولذا بادر اللواء دين قبل ذلك، في يوم 15 يوليه، إلى إرسال الفوج 21 من قواته إلى مسافة ثمانية أميال شرقاً، إلى أوكشون Okch'on، وزوده بتعليمات بضرورة نسف خط السكة الحديد والأنفاق، التي يمر بها هذا الخط، خارج مدينة تايجو. ووضع دين خطته ليستفيد من الفوج الرابع والثلاثين (وكان وقتئذ بقيادة العقيد تشارلز بو شامب Charles E. Beauchamp، وكان معاراً من الفِرقة السابعة من اليابان) لتنفيذ عمليات التعطيل. وكان الفوج التاسع عشر، كما ظن اللواء دين، قد تحمل صدمة كبرى من القتال عند نهر كوم، فأرسله شرقاً إلى بونج دونج؛ بقصد الراحة واستكمال المعدات والأسلحة.

ولكن كان الفريق ووكر قد طار، وقتئذ، إلى تايجون في 18 يوليه، ليطلب من اللواء دين الاحتفاظ بالمدينة، والدفاع عنها يوماً إضافياً، ريثما تصل الفِرقة الأولى أمريكية فرسان. وفي الجانب الشرقي، أي الجناح الأيمن، كان الطريق يحتله، بالفعل، الفوج 21، عند أوكشون. وفي الشمال، كان هناك خط حديدي، وطريق صغير، عمل الأمريكيون على سدهما. وفي الشمال الغربي، كان هناك الطريق السريع الرئيسي، الموصل إلى بوزان؛ وقد دافعت عنه الكتيبة الأولى من الفوج 34. وفي الغرب مباشرة، أي في الجناح الأيسر، كان هناك طريق رئيسي، يصل إلى المدينة من "نونسان Nonsan"، كان يفترض أن تتمركز فيه، بصفة مؤقتة، فصيلة من الفوج الرابع والثلاثين، حتى تصل الكتيبة الثانية، والفوج التاسع عشر. بينما في الجنوب، وعلى طول امتداد الطريق، كانت توجد سرية استطلاع، نقلت إلى تايجون؛ ما يعني حرمان المدينة أي رقابة خلفية، وكشف مؤخرتها تماماً.

ولكن كان على اللواء دين أن يخطط للاستماتة في القتال عند تايجون، لإطالة فترة التعطيل 24 ساعة كاملة؛ ليتيح الفرصة لوصول الفِرقة الأولى فرسان، القادمة من يونج دونج، ثم يتراجع مرة أخرى بقواته إلى الخلف. وكان اللواء دين واثقاً من قدرته على الصمود، وإيقاف تقدم الكوريين الشماليين، من دون تكبد خسائر كبيرة، حتى وصول قوات جديدة من قاذفات الصواريخ 3.5 بوصة.

وكان هذا هو السلاح الذي ألح في طلبه اللواء دين، في 3 يوليه. وكان إنتاج ذخيرته بدأ يظهر قبل الحرب الكورية بخمسة عشر يوماً. ولم يبدأ نقل الإمدادات من قاذفات الصواريخ 3.5 بوصة والقنابل، ومعها جماعات من المدربين الأخصائيين، من كاليفورنيا إلى كوريا، إلاَّ في 8 يوليه ووصلت إلى تايجون، في 12 يوليه. وفي اليوم نفسه، كان رجال اللواء دين يتعلمون كيفية إطلاق الصواريخ عيار 2.3 بوصة، والصواريخ من وزن 8.5 رطل. وكان دين يأمل في إيقاف الدبابات (ت ـ34) بمدافعه البازوكا، وأن يشجع رجاله، بالبقاء معهم بنفسه في تايجون. وقد أوضح، بعد ذلك، أموراً وأسباباً أخرى عن بقائه ووجوده أمام رئاسته، على مسافة 28 ميلاً، بقوله:

"إن أهم هذه الأسباب هو حالة المواصلات الداخلية، التي أضاعت مني موقعاً مهماً في بيونج تايك. وكان الشعور بأن وجودي، في المقدمة، يمكنني من أن أؤدي واجبي بطريقة أفضل؛ إذ كان تدبير القرارات، واتخاذها ساعة بساعة، في حينه، أمراً ضرورياً. وكانت هيئة أركان حربي قادرة على إدارة العمليات، من مركز الرئاسة في يونج دونج، تحت إشراف العميد بيرسون مينوهير Pearson Menoher. وبصراحة، كان أسهل أن أتلقى رسالة، قادمة من المؤخرة، بالمقارنة بالرسائل من المواقع الأخرى. أما القوات الكورية الشمالية، فقد تمكنت، في 17 يوليه، من الاستيلاء على مدينة "يونج دونج"، وحاول الكوريون الجنوبيون، في 18 منه، استعادتها. ولكن الكوريين الشماليين، أعادوا السيطرة عليها، قبيل فجر 19 يوليه.

خامساً: سقوط تايجون

أطبقت الفرقتان الثالثة والرابعة الكوريتان الشماليتان على "تايجون"، في 19 يوليه، من محورين أولهما، على طول الطريق الغربي، القادم من نونسان، تولاه الفوجان 16 و18. وثانيهما من الشمال الغربي. وقد تمكنت القوات الكورية الشمالية، فيه، من اكتساح السرية الأمريكية، التي كان بوشامب قد وضعها غرب نهر "كاب ـ شون Kap - ch'on"، وكان قد خصص أحد مدافعها الثقيلة لتطلق ستاراً كثيفاً من النيران، أمام خطوط الفوج الرابع والثلاثين. ولكن القوات الكورية لم تستخدم مدرعاتها؛ خوفاً من قصف الطيران الأمريكي، وأوقفت تحركاتها على الطريق، إلى الليل. وعندئذ ظن بوشامب أن بإمكانه الاحتفاظ بالطريق، يوماً آخر.

ولكن حدث، أثناء الليل، أن حرك الكوريون الشماليون دباباتهم شمالاً. وفي سعت 0300 ، 20 يوليه، وجهوا ضربتهم بقوة، بالمشاة والمدرعات؛ وهبطوا جنوباً، على جانبي الطريق السريع الرئيسي. وسرعان ما طوقوا الجناح الأيمن؛ ففرت الكتيبة الأولى، والفوج الرابع والثلاثون، الأمريكيان. وفي الغرب، كانت الكتيبة الثانية، والفوج التاسع عشر، الأمريكيان، قد تراجعا إلى الخلف كذلك.

وبدأ الفزع والفوضى يسودان وحدات الفِرقة الرابعة والعشرين التي تشتت. ونظراً لسوء حالة المواصلات الداخلية فقد تُركت هذه الوحدات، من دون قيادات. وعندئذ، في صباح اليوم التالي، استأنفت الدبابات الكورية الشمالية ت ـ 34 تقدمها صوب تايجون، على الطريق الرئيسي السريع. بيد أنهم بدأوا يظهرون من جهة الغرب، ومن الجنوب، من ثغرة خلت من قوات الأمم المتحدة في الجنوب. وكان على الأجناب كثير من هذه الدبابات، فيها جنود المشاة، من حملة الرشاشات، الذين قفزوا إلى الأرض ليختبئوا بين المباني المهدمة المهجورة، وبدأوا في إطلاق نيرانهم على فلول الأمريكيين المتقهقرين، وعلى اللاجئين المدنيين. وقد تسلل مئات من الكوريين الشماليين، في ملابسهم المدنية، إلى المدينة، وشاركوا جنودهم في إطلاق النيران، واقتناص الجنود الأمريكيين.

انتشرت سحب الدخان في الشوارع، وتصاعدت ألسنة النيران من المباني المحترقة في كل مكان. ومع ذلك، فقد حاولت مدافع البازوكا الأمريكية، عيار 3.5 بوصة، التصدي للدبابات الكورية الشمالية؛ واندفع اللواء "دين"، ومعه طاقم أفراد البازوكا؛ في محاولة منه لرفع الروح المعنوية بين رجاله، يتصدى للدبابات. ولكنه لم ينجح إلاَّ في اصطياد دبابة واحدة فقط.

مع حلول الليل، كان الكوريون الشماليون يحيطون بالمدينة من كل جانب. وسقط معظمها في أيديهم، وأخذوا يضعون الحواجز على الطرق بين المدينة وبين أوكشون؛ فقطعوا بذلك الطريق الرئيسي جهة الشرق. وعلى طول هذا الطريق الترابي، ولمسافة ميل، تناثرت العربات المحترقة، وحولها الجرحى والقتلى من أفراد الفوج 34. وكان على الأمريكيين، الذين اختاروا البقاء بالمدينة، إما انتظار الموت أو الاستسلام في تلك المدينة، التي أزيلت منها لافتات الترحيب "بقدوم قوات الأمم المتحدة". وكان اللواء دين نفسه قد أعد نفسه للاقتحام؛ لشق طريق العودة إلى مقر قيادته في يونج دونج. وجاء في تقريره، الذي بعث به، أثناء انسحابه، ما يلي:

"نظمنا ما تبقى من مركبات القيادات المختلفة في هيئة نسق، وبدأنا التحرك شرقاً على الطريق نفسه، الذي سار فيه هذا النسق، وكان به الدبابات. وبمجرد أن انسحبنا من المدينة، أسرعنا للحاق بمؤخرة النسق، ولكنه وقع في كمين، واحترقت بعض السيارات اللوري، بينما دُمر بعضها على الطريق الجانبي الضيق، حيث كانت المباني تحترق على جانبيه، وحيث كثرت حواجز الطرق. وكان جنودنا المشاة، على جانب واحد من الطريق، مشتبكين في قتال مع وحدات العدو، التي كانت قد اتخذت، لنفسها، مواقع على الجانب الآخر. ومضينا في التحرك، محتمين بالعربات المعطلة، تحت وابل مستمر من النيران كالجحيم، على الرغم من سرعتنا في التحرك.

وقد اعترضتنا حواجز طريق أخرى، وأنا في سيارتي الجيب، ومعي الملازم آرثر كلارك Arthur Clarke، وأخبرني أننا أخطأنا الطريق، عندما تركنا انحناء كان لا بد أن نمر فيه. وكانت نيران الرشاشات لا تزال تغمر المنطقة، وتصلي المباني بوابلها على كلا الجانبين، وكان الالتفاف أمراً عسيراً تماماً. ونظرت في الخريطة، وقررت أن نستمر في تحركنا، قدماً إلى الجنوب والشرق، على طريق آخر؛ ربما يمكننا من السير بسرعة أكثر من الطريق الرئيسي، الذي تعطلت عليه كثير من العربات. وكنت قد ابتعدت عن مقر قيادتي مدة طويلة، وكان عليَّ أن أعود إليها بسرعة. وعليه فقد اتخذنا طريقنا في اتجاه "كومسان Kumsan" جنوباً، بينما استمر القناصة، من جنود العدو، يطلقون نيرانهم علينا من كلا جانبي الطريق. وأمكننا بصعوبة النجاة بأنفسنا".

سادساً: معنى الهزيمة وسقوط تايجون بالنسبة للأمريكيين

كان ذلك خاتمة عذاب شديد، تعرضت له الفِرقة 24 الأمريكية، طوال خمسة عشر يوماً، منذ أن بدأت بتحرك قوة واجب سميث إلى الشمال؛ بهدف اعتراض تقدم العدو إلى "أوزان". ومن ثم أعيد تنظيم الفِرقة 24 المهلهلة، طوال اليومين التاليين، في يونج دونج. ثم صدرت إليها الأوامر بتسليم مواقعها في يونج دونج، إلى الفِرقة الأولى فرسان أمريكية، والتحول إلى الاحتياطي، لتتاح لها فرصة الراحة، والتقاط الأنفاس. وقد تعرضت هذه الفِرقة لانتقاد حاد من جانب كثير من الصحف الأمريكية، التي وصفت هزائمها المتلاحقة، أثناء انسحابها إلى تايجون، بأنها دليل واضح على خنوع الشباب الأمريكيين، ورخاوتهم، في حروبهم في كوريا. فقد انسحبوا في كثير من الأحيان، من دون نظام، تاركين مدافعهم وعرباتهم، كما ألقوا أسلحتهم وخوذاتهم. وتركوا جرحاهم، وأظهروا استعدادهم الكامل للاستسلام.

وكان عزاؤها أن كلاً من الرئيس الأمريكي هاري ترومان، والفريق الأول ماك آرثر، قد وصفا موقفها بأنه بلاء حسن، اتسم بالمهارة والشجاعة، يمثل فصلاً مجيداً في تاريخ الجيش الأمريكي! أما اللواء دين، فقد وصف سقوط تايجون بقوله:

كان سقوط تايجون أمراً محتوماً؛ فقد كان الجنود المتعبون الهائمون في المدينة، هم أنفسهم الجنود الذين كانوا، منذ أقل من شهر واحد، ينعمون بالراحة والهدوء في معسكراتهم في اليابان، مع صديقاتهم اليابانيات، بين زجاجات البيرة، والخدم يلمعون أحذيتهم".

وقد نقل "فيليب دين" المراسل العسكري البريطاني، الذي وقع في الأسر، في طريقه إلى بوزان، عن أحد جنود المشاة الأمريكيين، من الفِرقة نفسها، قوله: "متى أعود مرة ثانية إلى ساسيبو، حيث أملك سيارة فورد رائعة، وفيللا يابانية صغيرة جميلة، تعيش معي فيها صديقتي اليابانية، الفاتنة".

كما نقل عن أحد أفراد هيئة القيادة قوله: "إنني لا أفهم هذا. لقد أخبرونا أنها مجرد عملة بوليسية بسيطة جداً، للقبض على بعض الرعاع واللصوص!، إنني لا أفهم ما هي الشيوعية، ولا أعرف لماذا نحن هنا".

وقال مصدر إعلامي مسؤول، في المراحل الأولى من القتال، وهو العقيد روي إيلمان: "لقد ضحى أفراد كثيرون من الفِرقة الرابعة والعشرين بأرواحهم، ولكن لا بد من إدراك حقيقة واضحة؛ هي أن هذه الفِرقة لم تكن مدربة، ولا مستعدة للقتال؛ فإن أغلب المجندين فيها من الشباب غير الجاد، غير الراغب في الجندية، ولا يدري شيئاً عن الواجبات القتالية، وليس لديه أي آداب في التحدث إلى قادته ومرؤوسيه، يناديهم بأسمائهم الأولى، من دون أدنى احترام لأقدميتهم".

وهذا الرأي هو ما صرح به العقيد ريتشارد ستيفنز، قائد الفِرقة الرابعة والعشرين نفسه، بقوله: "لم يكن لدى الضباط، ولا الجنود، أي رغبة أو ميل في قتال، خاصة إذا كان بهذا العنف؛ فقد كان القتال مريراً ضاعت فيه أرواح كثيرة، ولم نستطع أن نلمس فيه فائدة تذكر.

خلاصة الأمر، أن كثيراً من الأمريكيين تخيلوا أنها مجرد نزهة، وليست حرباً. ولم يقبل أحد من كتابهم ومحلليهم، بل ورجل الشارع منهم، أن يسميها حرباً، بل إن كثيرين منهم أطلقوا عليها اسم "حماقة ترومان". ولعل أبرزهم كان السيناتور تافت، أقوى أعضاء الكونجرس الأمريكي، الذي أصر على استخدام عبارات "العمليات البوليسية" أو "النزاع"، و"إننا لسنا في حرب". كذلك وصفها المؤرخون العسكريون بأنها، "النزاع في كوريا".

لقد كانت الأيام الأولى من الحرب بالنسبة لأفراد الفِرقة 24 دامية ومهينة، عندما حاولوا التقهقر على الطريق؛ إذ تعرضوا لوابل كثيف من النيران، من كل جوانب الهضاب المحيطة بهم، فانسحبوا مرهقين، وقد امتقع لونهم وتهلهلت ثيابهم، في الأوحال، التي أعاقت تحرك العربات التي قلت سرعتها أو توقفت تماماً في بعض الأحيان. وكان كلما تعرض هؤلاء الجنود للنيران، وهم بلا حراك، وسط حقول الأرز، أو غارقين في الأوحال، لم يكن أمامهم سوى انتزاع أقدامهم من أحذيتهم؛ ليزحفوا أملاً في سرعة الفرار، على الأقل هرباً من شدة الأمطار التي كانت تتساقط بغزارة، وتستمر ثلاثة أو أربعة أيام من دون توقف. ولم ينج فرد واحد من البلل، كما أصاب الصدأ والعطب كل المركبات والمعدات، حتى التي كانت مغطاة منها.

كذلك كانت الحرارة الشديدة، في جو كوريا، مع كثرة الذباب والقمل والبراغيث قد أرهقت الأمريكيين، علاوة على الروائح الكريهة، التي فاحت من الأرض، والتي جعلت استنشاق الهواء أمراً ثقيلاً. وزاد الطين بلة وجود أفواج الضالين والمشردين، وشغلهم للطرق خلف مؤخرة القوات، حفاة جرحى تنزف دماؤهم، ويفتك الجوع بأمعائهم. ومعهم حشود النساء المشردات الكوريات في ملابسهن الفضفاضة، ومعهن أطفالهن عراة، والجميع يفرون، لا يلوون على شيء، إلى الجنوب، وقد سدوا الطرق الرئيسية. وقد انتهز عملاء الكوريين الشماليين الفرصة؛ فاندسوا بملابسهم المدنية بينهم، انتظاراً لانتهاز الفرصة لإثارة الفزع والفوضى، ومحاولة إغلاق الجسور، وإلقاء القنابل اليدوية على حشود الأفراد الأمريكيين المنسحبين. ولكن الأمريكيين، على أية حال، تمكنوا بمساعدة القوات الجوية الأمريكية، من تدمير عدد لا بأس به من الدبابات والمدافع الكورية الشمالية.

بلغ إجمالي خسائر الفِرقة 24 مشاة نحو 30 بالمائة من الأفراد (ثلاثة آلاف من 12 ألفاً). إضافة إلى 2400 مفقود أثناء العمليات، من بينهم اللواء دين نفسه، الذي وقع في أسر القوات الكورية الشمالية؛ ففي الليلة التي غادر فيها تايجون، سقط على أحد المنحدرات، وهو يحاول البحث عن ماء لرجاله الجرحى، فأصيب، فلما أفاق، وجد نفسه مصاباً بجرح بالغ في رأسه، وكسر في كتفه، وظل هائماً في الجبال ستة وثلاثين يوماً، حتى وقع أخيراً في يد اثنين من الكوريين الجنوبيين، من عملاء كوريا الشمالية، اقتاداه إلى أحد معسكرات الكوريين الشماليين، وهو ينزف. وظل أسيراً طول مدة الحرب، إلى أن أطلق سراحه في الخامس من سبتمبر 1953. وقد استقبلته الولايات المتحدة الأمريكية، وكرمته باعتباره بطلاً قومياً، ومنحته ميدالية الشرف.

مثّل سقوط تايجون نهاية المرحلة الأولى، من الصراع المسلح في كوريا، بهزيمة قوات الأمم المتحدة، هزيمة قاسية، أمام قوات كوريا الشمالية. وأرسل الفريق ماك آرثر في 20 يوليه 1950 تقريراً إلى الرئيس هاري ترومان، أرسل الرئيس منه جانباً إلى الكونجرس (في يوم 19 يوليه بتوقيت واشنطن)، وذكر فيه أن الكوريين الشماليين اعتمدوا على عامل السرعة، وحققوا فرصتهم العظيمة في اكتساح قوات كوريا الجنوبية، بمجرد أن أقاموا لأنفسهم رأس جسر عند خط نهر هان، مع تفوقهم العددي والعتادي. وأرفق الرئيس طلباً بإنهاء القيود التي حددت حجم القوات الأمريكية المسلحة، مع طلب التشريع بتحديد أولوية المواد الضرورية للمجهود الحربي، ونظام الحصول عليها، كما طالب باعتماد إضافي قدره عشرة بلايين دولار، للدفاع قائلاً: إن ذلك يتطلب فرض ضرائب وقيود إضافية على المستهلك. "وعلى الرغم من فداحة خسائرنا، إلاَّ أنها تعد خفيفة نسبياً؛ لأن من المنتظر أن تزداد قواتنا، بينما تتناقص قوات العدو باستمرار، إضافة إلى التهديدات المستمرة، من جانبنا، على خطوط تمويناتهم".

استمرت إذاعة كوريا الشمالية في السخرية من الأمريكيين، ومن ماك آرثر، وأخذوا يكررون وعودهم باكتساح الأمريكيين المعتدين، وقوات سينجمان ري الهزيلة، وطردها كلها من كوريا، قبل منتصف أغسطس.

وقد استعدت قوات كوريا الشمالية باثنتَي عشرة فِرقة، انتشرت منها ثماني فِرق في خطوط القتال؛ وشقت الفِرق الأربع الباقية طريقها، جنوب خط العرض 38، بهدف الاستيلاء الكامل على بوزان. شن الكوريون الشماليون هجوماً رباعي المحاور، إضافة إلى النقطة التي وصلوا إليها جنوب بوزان. وبدأوا بالتحرك شرقاً، استعداداً لهجوم خاطف على المدينة. وكان الفريق ووكر يرى خطورة الموقف، من أنه على الرغم من

1. تدخل الطيران الأمريكي، وإسهامه في عرقلة تقدم الكوريين الشماليين، بين الجبال الوسطى.

2. ودور الأسطول الأمريكي في قصف الطريق الساحلي الشرقي بالقنابل.

3. واستمرار تدفق الإمدادات الأمريكية، بصفة منتظمة.

إلاَّ أن زمام المبادأة لا يزال في أيدي القوات الكورية الشمالية، ولا تزال قوات الحلفاء تفتقر إلى المدفعية الكافية والدبابات؛ من أجل التصدي للقوات المدرعة الشمالية. ولا تزال القوات الكورية الجنوبية تقاتل بأسلحتها الصغيرة، تنقصها الأسلحة المتطورة.

وكان الموقف في جبهة بوزان دقيقاً؛ بسبب كثرة عدد الجسور المنسوفة والطرق المسدودة، التي كساها الطين أو ازدحمت بكتل المشردين واللاجئين، ما ترتب عليه تعطيل تقدم قوات الحلفاء، التي لم تزد سرعة تحركها عن خمسة أميال في الساعة.

وحققوا تقدماً، على طول الشمال الغربي من تايجو، البالغ 25 ميلاً، خلال أربعة أيام؛ حينما تحركت الفِرقة الثالثة من قواتهم، من تايجون، وبدأ تراجع القوات الأمريكية شرقاً، إلى هوانجان. بينما كانت الفِرقة الثانية الشمالية تشن هجومها على طريق بول ـ هوانجان، في الشمال، حيث واجهت أعنف مقاومة من جانب الأمريكيين، طول الحرب. ونجح الفوج 27، من الفِرقة 25 الأمريكية، والمعروف باسم "صائد الذئاب"، بقيادة العقيد ميخائيليس في صد القوات الكورية الشمالية، لمدة خمسة أيام. وأخيراً، اضطر رجال فوج (صائد الذئاب) إلى التراجع، من خلال مواقع الفِرقة الأولى الفرسان في هوانجان، لكي ينضموا إلى الاحتياطي حول مدينة تايجو.

في الوقت نفسه، خاض جيش كوريا الجنوبية، في الممر الأوسط، قتالاً عنيفاً. ونجح في تخفيف سرعة تقدم القوات الكورية الشمالية جنوباً نحو 30 ميلاً شمالي تايجو.

وكانت قوات كوريا الجنوبية، تريد أن تثبت للأمريكيين أن لها دوراً بارزاً في المقاومة، وخاصة أنها نجحت، في يوم 21 يوليه، في استرداد مدينة "يونج دوك"، المدينة المهمة، حيث يلتقي طريق جبلي أساسي الطريق الساحلي (أُنظر خريطة خط الجبهة يتحرك للجنوب)، من أيدي قوات كوريا الشمالية، بعد أن عاونها الطراد البريطاني "بلفاست Belfast"، ومعه المدمرات الأمريكية هيج بي Higbee ومانسفيلد Mansfield، ودي هافن DeHaven، وسوين سون Swenson. ولكن قوات كوريا الجنوبية اضطرت إلى الانسحاب من المدينة، مرة أخرى، في أثناء الليل، بسبب استمرار ضغط القوات الكورية الشمالية، وتوقف مدافع الأسطول الأمريكي عن توجيه نيرانها إلى المدينة؛ نظراً إلى صعوبة رؤية الأهداف، وتمييزها، وقد تكبدت القوات الكورية الجنوبية خسائر فادحة.

في صباح 24 يوليه، استأنف الأسطول الأمريكي قصف المدينة، وأخذت الطائرات توجه ضرباتها الجوية، كما أخذت مدافع قوات الحلفاء تقذف نيرانها، بشكل متواصل. وذكرت المصادر الأمريكية، أن قوات الأمم المتحدة، تمكنت من إبادة كتيبة كاملة من قوات كوريا الشمالية. وبعد ذلك بثلاثة أيام، في 27 يوليه، تمكنت الفِرقة الثالثة من قوات كوريا الجنوبية، من شن هجوم مضاد، وخاضت غمار اشتباكات متواصلة، إلى أن تمكنت، في اليوم الثاني من أغسطس، من استعادة مدينة يونج دوك تماماً، وكان ذلك يمثل عيداً لقوات كوريا الجنوبية وإنجازاً رائعاً.

في يوم 29 يوليه، قرر الفريق ووكر أنه لا ينبغي انسحاب قوات الحلفاء أمام قوات كوريا الشمالية، لأي سبب من الأسباب، وأصدر تعليماته بذلك إلى جميع قادته، وأوضح لهم أن على كل وحدة، أن تشن الهجوم المضاد، لترغم العدو على عدم التقدم. وكان هذا هو النداء المشهور "الثبات أو الموت Stand or Die". وقد انتقد كثير من ساسة الولايات المتحدة هذا النداء. وكذلك انتقده عدد من قادة الفريق ووكر. وصرح بعضهم بأن الثبات أو الموت شيء مستحيل في مواجهة عدو يعتمد على تكتيكات الالتفاف والتطويق، التي يمكن له بها قطع خطوط الانسحاب للخلف. وأن كثيراً من الأفراد قد سقطوا قتلى عندما حاولوا التصدي. ولذا كانت رقعة الأرض التي تحتفظ بها قوات كوريا الجنوبية، وقوات الحلفاء، تتناقص يوماً بعد يوم، ولم يتبق منها، في نهاية يوليه، سوى مساحة 80 ميلاً طولاً، و50 ميلاً عرضاً. واشتدت وطأة زحف قوات كوريا الشمالية، في الجبهة الشمالية الغربية، إلى مدينة "تايجو". وبدا هذا الزحف شيئاً، لا يمكن إيقافه. واستعدت حكومة كوريا الجنوبية، بالفعل، للهروب إلى بوزان؛ ولكن في جنوب تايجو، كانت هناك ثغرة شاغرة، امتدادها نحو خمسين ميلاً، كان من الممكن أن تسرع منها قوات كوريا الشمالية؛ لتقطع الطريق إلى بوزان.

في يوم 29 يوليه، وجه وليام لاورنس، مراسل النيويورك تايمز، سؤالاً إلى الفريق والتون ووكر عما إذا كان يعتقد أن المعركة قد وصلت إلى نقطة حرجة. فأجاب ووكر: "قطعاً وبالتأكيد". وفي اليوم التالي، صدرت النيويورك التايمز يتصدرها العنوان التالي: "الأزمة في كوريا Crisis in Korea"، وقالت: "لقد بلغت الأمور ذروتها الحرجة في الدفاع عن كوريا، أو أنها ستبلغها في وقت لاحق جداً. لقد كنا، على مدى خمسة أسابيع، نحاول كسب مساحات من الأرض، ولقد خسرنا الأراضي، وجرى الزمن لصالح أعدائنا".

وفي اليوم التالي صرح والتون ووكر أن القوات الأمريكية سوف تثبت وتقاوم، إلى أن تصلها الإمدادات. ولسوف يكون النصر لنا في النهاية، وإن كانت الحرب قد وصلت إلى نقطة حرجة". في ذلك الوقت أدرك رجل الشارع الأمريكي أن الولايات المتحدة تخوض حرباً حقيقية، وأن نتائجها قد تكون وخيمة.

عقب الاستيلاء على بيونج تايك مباشرة، تحركت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية، إلى الجنوب الغربي من شبه جزيرة كوريا. لقد كانت مهمتها محددة، عقب سقوط سيول، وهي أن تتبع الفِرقتَين، الثالثة والرابعة عبر نهار هان، إلى أن تصل إلى تشونان Ch'onan. ثم تتمركز هناك إلى 11 يوليه، حينما صدرت إليها الأوامر بالتحول إلى الطريق السريع، قاصدة الساحل الغربي. وقد تمكنت، على مدى الأسبوعَين التاليَين، من خداع استخبارات الجيش الثامن الأمريكي؛ فلم ينتبه لها مطلقاً. ولقد تمكنت، بفضل مهارة تكتيكاتها، وسرعة تحركاتها، من إرغامه على التشتت، وأجبرت كلاً من طوكيو وواشنطن، على تغيير خططهما، فيما يتعلق بمسار العمليات القتالية. لقد انطلقت، ولم يصمد أمامها بقايا أفراد الفِرقة السابعة من قوات كورية الجنوبية، وبعض أفراد الشرطة. وهكذا، تمكنت قوات كوريا الشمالية من إكمال الاستيلاء على تايجون، في 20 يوليه. ثم واصلت سيرها فوصلت كوانجو Kwangju، في 23 يوليه. وهناك نشرت أفواجها الثلاثة

1. تحرك الفوج 13 إلى الجنوب الغربي إلى موكبو Mokp'o على الساحل

2. تحرك الفوج 14 جنوباً إلى بوسونج Poson

3. تحرك الفوج 15 إلى الجنوب الشرقي عبر سونشون Sunch'on، إلى يوسو Yosu على الساحل الجنوبي.

ولم تلق هذه الفِرقة، طوال أسبوع بعد ذلك، مقاومة تذكر، وهي تواصل تحركاتها. في 25 يوليه، تجمعت الأفواج الثلاثة للفرقة السادسة الشمالية، في سونشون، على بعد تسعين ميلاً جوياً، غرب بوزان. واستعدت لتحركها الحاسم إلى الشرق، نحو ميناء بوزان؛ على الرغم من افتقادها إلى الإمدادات. وسرعان ما استولت على شونجو Chonju، إلى مسافة 30 ميلاً إلى الجنوب الشرقي. وأسرعت جنوباً؛ لتتخذ مواقعها استعداداً للزحف إلى بوزان. وهنالك خطب الجنرال "بانج هوسان Pang Ho San"، قائد الفِرقة السادسة لكوريا الشمالية، في رجاله قائلاً:

"أيها الرفاق، لقد تصدعت معنويات العدو. وإن الواجب الذي ألقي على عاتقنا هو تحرير مازان وشينجو، والقضاء على فلول العدو. وإن تحرير شينجو ومازان معناه إنهاء المعركة والقضاء على العدو نهائياً".

وكان الجنرال بانج يقصد أن مازان وشينجو هما المدخل الرئيسي الحيوي لبوزان. وكان هذا صحيحاً تماماً، ويدركه جيداً الفريق ووكر. لذا سارع باستدعاء الفِرقة الرابعة من الاحتياطي مرة أخرى. واستدعى اللواء جون تشيرش John Churchـ الذي تولى قيادة الفوج 24، خلفاً للواء دين  إلى تايجو، في 24 يوليه.

وقال له "يؤسفني جداً أن أستدعيك، ولكن الجناح الأيسر كله معرض ومهدد، وقد أفادت التقارير بتحرك الكوريين الشماليين". وأمره أن يحتفظ بمنطقة، تتاخم شينجو، على بعد حوالي خمسين ميلاً جوياً، غرب بوزان، و65 ميلاً جوياً، من شمال شرق كومشون. وكان ذلك بعد أربعة أيام من الخروج من تايجون. وبذلك عاد الفوج 24 إلى الجبهة، مرة أخرى.