إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

سابعاً: كمين هادونج Hadong

صدرت الأوامر بتحرك الفوج 29 الأمريكي إلى شينجو، في 25 يوليه؛ ليدعم الفوج 19هناك. وكان مفروضاً أن يقضي الفوج 29 ستة أسابيع في التدريب، قبل دخوله المعركة؛ إذ إن كثيراً من رجاله لم يسبق لهم التدريب على استخدام المدافع، حتى إن مدافع الهاون لم يكن قد تم اختبارها وضبطها، فاندفعت كتيبته الثالثة إليها، مزودة بأوامر بضرب العدو في هادونج، على مسافة 35 ميلاً جهة الجنوب الغربي؛ وهناك سقطت في مكمن.

كانت هذه الكتيبة بقيادة المقدم "هارولد موت Harold Mott"، وكان دليلها في تحركها الجنرال شاي بيونج داك، وشهرته "الولد السمين" الذي كان رئيساً لهيئة الأركان جيش كوريا الجنوبية في معركة سيور المريرة. وكان "شاي" قد أوضح مدى أهمية هادونج، وتولى مهمة إرشاد الأمريكيين إلى هناك والعمل معهم كمترجم لهم، ولكنه أصيب في رأسه من أولى الطلقات التي أطلقها أفراد قوات كوريا الشمالية في الكمين في هادونج. وسقط "شاي" قتيلاً في 27 يوليه. تمكن الكوريون الشماليون بعد ذلك من التنكيل بالأمريكيين؛ فقتلوا منهم 317 أمريكياً، وجرح 52 آخرين، وأُسر نحو 40. وشاعت الفوضى في صفوف الكتيبة الثالثة من الفوج 29، ولكن الكوريين الشماليين لم يصلوا إلى شينجو، حتى يوم 31 يوليه.

وفي ذلك الوقت، كاد اليأس يتسرب إلى نفوس القادة الأمريكيين، وظهر أنهم بدأوا يخسرون السباق إلى بوزان. إلاَّ أن كثيراً من الإمدادات وصلت إلى الفريق ووكر، من الفوج التاسع المشاة من الفِرقة الثانية. وكان لواء من مشاة البحرية قد أبحر منذ يومين من بوزان. وكان ووكر قد تلقى مساعدات أخرى قبل اتجاه الكوريين الشماليين للاستيلاء على كل الموانئ في الجنوب الشرقي، وقبل إرسالهم الفِرقة السادسة من قواتهم شرقاً إلى بوزان. وكان الغرض من ذلك هو الحصول على القواعد البحرية من أجل تأمين وصول الإمدادات، ولكنها في الحقيقة أعطت ووكر مهلة؛ لكي يحاول إدراك ما يمكن، وخاصة بعد عودة ظهور الفِرقة الرابعة من قوات كوريا الشمالية، ما جعل جناحه الأيسر معرضاً لهجمات فِرقتين مدربتين ماهرتين.

وعلى الرغم من تعزيز الأمريكيين لقواتهم، فقد طوقت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية، الجناح الأيسر للجيش الثامن الأمريكي؛ إذ التفت جنوباً، من جهة الطريق الساحلي الغربي، على شونجو، واحتلتها في 31 يوليه. وفي الوقت نفسه، شقت الفِرقة الرابعة الكورية الشمالية طريقها، بين خطوط الفِرقة السادسة، جنوباً، من تايجون إلى كوم زان؛ لتتجه، مرة ثانية، شرقاً، فتستولي على "كوشانج ـ أنوي Koch'ang- Anui"، على مسافة 35 ميلاً جوياً، فوق شمال شونجو. ولكن في 31 يوليه كانت الفِرقة الرابعة في موقف يسمح لها بشن الهجوم في جنوب تايجو، وتسد كل الطرق الخارجية منها، بينما عبرت نهر "ناكتونج Naktong"، قبل أن يتاح الوقت للفريق ووكر للتراجع؛ للاحتماء وراء هذا المانع الطبيعي، بينما استعدت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية، للزحف إلى "مازان"، المقدمة الحصينة لبوزان. فسارع الأمريكيون إلى دفع فِرقتهم الخامسة والعشرين، إلى الجنوب الغربي؛ لسد الطريق إلى مازان. وبعد ذلك أرسل الفريق ووكر بقية الفِرقة 25 إلى الجبهة الجنوبية الغربية، مغامراً بذلك بأن عرض قطاعه الأوسط للخطر، أمام أي ضغط، أو هجوم للقوات الكورية الشمالية؛ في سبيل تقوية جناحه الأيسر لمواجهة أي هجوم من جانب أعدائه، الذين كان يتوقع أن يقوموا بأخطر عملية مناورة هناك.

بقيت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية خارج بوزان، والرابعة وراء "ناكتونج"؛ وبذلك تحقق إنقاذ بوزان، وموقع قوات الأمم المتحدة. وفترت حدة حركة الالتفاف، التي قام بها جيش كوريا الشمالية، من جهة الغرب، وكانت هي أبرز حركة نفذها في مناورته، التي باءت بالفشل. في 2 أغسطس، بدأت وحدات الجيش الثامن تنسحب، انسحاباً منظماً، إلى ما وراء "ناكتونج"؛ استعداداً لمرحلة انسحاب أخرى تالية.

في ذلك الوقت، بدأت الإمدادات والتموينات تتدفق بانتظام إلى قطاع "بوزان"، منذ أن أرسل الفريق ووكر وحداته وطلائعه إلى الغرب. وكان أكثر من خمسة آلاف جندي، من اليابان؛ وكتيبة دبابات من مخلفات الحرب العالمية الثانية، من بعض جزر المحيط الهادي؛ وأكثر من 80 دبابة "بيرشنج م26 Pershing M26" قد أبحرت على متن السفن الحربية، في 26 يوليه، من سان فرانسسكو؛ وكانت القوات الجوية الخامسة، قد تدعمت قوتها، في قاعدة تايجو، بطائرات من طراز موستانج وشوتنج ستارز؛ فأصبحت قادرة على القيام بالدوريات، على طول الجبهة، وإلى مسافات أطول مما كانت تستطيعه، وقت أن كانت تعمل من قواعدها في اليابان. إذ لم يكن بوسعها البقاء في الجو، فوق ميدان العمليات أكثر من ثلث ساعة فقط (بسبب الخوف من نفاد الوقود ولكي تستطيع العودة إلى اليابان).

وفي 2 أغسطس، وصل لواء مشاة البحرية إلى بوزان. كان عديده 4725 فرداً‍، وكان أغلبهم من المتميزين المدربين على القتال، وكان معهم عدد قليل من دبابات بيرشنج، وكثير من الطائرات المعاونة، وكانوا يعدون ـ بمقياس القوة، وقتئذ، ما يساوي أو يعادل فِرقة كاملة. وكان على الجيش الثامن أن يستخدم مشاة البحرية؛ فقد أصدر الفريق ووكر تعليماته إلى العميد إدوارد كريج Edward A. Craig، قائد لواء مشاة البحرية، الذي كان قد طار إلى كوريا، قبل وصول قواته إليها، بأن مهمته تنحصر في إدراك أن محور بوزان يشبه خندقاً أو خطاً ضعيفاً، وأننا لا بد أن نسد الثغرات، التي قد تفتحها قوات كوريا الشمالية، وأن ذلك قد يتطلب قتالاً عنيفاً باهظ التكاليف، ضد قوات تتفوق عددياً. وقال ووكر "إن مشاة البحرية لم يخسروا أي معركة أبداً. ولن يكون هذا اللواء أقل مما سبق".

ثامناً: خلافات حادة حول السياسة الأمريكية في الشرق الأقصى

تمخضت السياسة الأمريكية في الشرق الأقصى، بخلاف سياسي حاد، في الأمم المتحدة. فقد تخلت روسيا عن مقاطعتها لمجلس الأمن، في أغسطس، وهو الشهر، الذي تولى رئاسة المجلس فيه المندوب السوفيتي، جاكوب مالك Jacob Malik، الذي ندد بوجود الأسطول الأمريكي السابع في المياه، الواقعة بين فورموزا والصين الشعبية. ووزع الروس منشورات، تطالب بانسحابه، ورأوا أنه اعتداء أمريكي على الصين الشعبية. وكان رد الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، أن أرسل السفير أوستين، لدحض هذا الاتهام، وتوضيح أن مهمة الأسطول، هي منع وقوع هجوم من أي من الجانبَين؛ وبذلك يحول دون اتساع رقعة الحرب في المنطقة.

وقد دارت مناقشة حامية، بين كلٍّ من الرئيس ترومان، والفريق ماك آرثر، في شأن توجيه السياسة في فورموزا. خاصة، بعد أن عرض الجنرال شانج كاي شيك، في 29 يوليه، تقديم 33 ألف جندي، من قوة الصين الوطنية، للخدمة في كوريا؛ بيد أن ترومان رفض هذا العرض. وربما كان سبب ذلك هو أن قوات شانج كاي شيك كانت ستحتاج إلى تسليح وتجهيز بالمعدات، شأنها شأن جنود كوريا الجنوبية. ومن جهة أخرى، فإن استخدامهم في كوريا سيضعف من قوة فورموزا، كذلك سيفتح المجال لدخول قوات الصين الشيوعية في الصراع المسلح في كوريا. وكان الفريق الأول ماك آرثر، قد وافق، بالفعل، على هذا العرض؛ ولكنه اقترح أن يزور شانج كاي شيك، ليشرح له الموقف. وفي 31 يوليه، طار القائد الأمريكي إلى فورموزا.

وقد فُسرت أسباب هذه الرحلة، بين الحلفاء، في أروقة الأمم المتحدة، بل وفي الكونجرس الأمريكي نفسه، بأنها تعد تحولاً في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير وضع فورموزا، وجعلها رأس حربة تهدد الصين الشعبية، ومن ثم، سيتطلب هذا زيادة المساعدات، وخاصة العسكرية. وكان هذا التفسير مؤيداً للاتهامات السوفيتية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد للعدوان على الصين الشعبية. فسارع الرئيس الأمريكي إلى إرسال مبعوثه، أفريل هاريمان، إلى طوكيو، لاستفسار ماك آرثر عن سياسته في الشرق الأقصى.

وقد تضمن تقرير هاريمان ما يلي: "في أول حديث مع ماك آرثر، أوضحت له، أن الرئيس قد طلب مني إخباره بعدم السماح لشانج كاي شيك، بأن يكون سبباً لاشتعال حرب مع الصين، بما قد يجر إلى حرب عالمية. وقد أجاب آرثر، بأنه سيطيع، بصفته رجلاً عسكرياً، أي أوامر، يصدرها الرئيس".

وعلى الرغم من ذلك، ففي 26 أغسطس، تحدى الفريق آرثر، علانية، السياسة الأمريكية في فورموزا، قائلاً: "ليس هناك أكثر تضليلاً من ذلك القول، الذي يردده أولئك الذين يدافعون عن هدوء الأوضاع والاستكانة، في المحيط الهادي؛ قائلين إن دفاعنا عن فورموزا، سيجعلنا نخسر قارة آسيا. إن الذين يقولون ذلك، لا يفهمون الشرق، ولا يدركون أن طبيعة الفلسفة الشرقية، هي احترام المعتدي، والخضوع له".

وقد نشر هذا التصريح في الجرائد، في 26 أغسطس؛ ما أزعج العالم، وحمل الرئيس هاري ترومان على القول: "فكرت في إعفاء الفريق الأول ماك آرثر من منصبه، قائداً عاماً لقواتنا في الشرق الأقصى. وكان في وسعي أن أحتفظ به في قيادة قوات الاحتلال، في اليابان، وأنزع منه قيادة القوات في كوريا وفورموزا. ولكن بعد أن بحثت الموضوع ملياً، وجدت أنه لا مانع من إبقاء الوضع كما هو عليه؛ فقد كان ما يهمني، هو أن يفهم العالم أن تصريحه، لم تكن له صفة سياسية رسمية". واكتفى الرئيس بأن طلب من ماك آرثر، سحب تصريحه هذا، ففعل.

تاسعاً: معركة نوتش

في مساء 31 تحرك الفوج 27 مشاة أمريكي جنوباً، بينما التمس الفوج 19 مشاة أمريكي موقعاً دفاعياً حصيناً، بين شينجو Chinju ومازان Masan؛ ليجمع قواته فيه ويسد الطريق أمام تقدم القوات الكورية الشمالية، من سينجو شرقاً. وتمركز العقيد روبرت رهيا Robert L. Rhea، قائد الكتيبة الأولى، من الفوج 19 مشاة، ومعه الدعم المدفعي، في موقع حصين، في ممر شينجو، بالقرب من قرية موشون Much'on (أُنظر خريطة خط دفاع يوسان الدائري).

أما الفوج 27 مشاة أمريكي، فقد انطلق إلى منطقة نوتش Notch، وهي موقع حصين، بين معابر موتشون ـ ني Much'on-ni. ولم تستطع الكتيبة الأولى، من الفوج 19 مشاة، الصمود أمام هجمات القوات الكورية الشمالية، فاضطرت إلى الانسحاب إلى نوتش، في الأول من أغسطس، بينما تحرك الفوج 27 إلى شيندونج ـ ني؛ لسد الطريق الجنوبي، أمام القوات الكورية الشمالية، إلى مازان. وصلت إلى نوتش، كذلك، قوات كورية جنوبية، بقيادة العقيد مين Min، والكتيبة الثانية من الفوج 19 مشاة أمريكي، بقيادة المقدم توماس ماك جريل Thomas M. Mc Grill، بعد انسحابها من شينجو.

في سعت 0530 ، الثاني من أغسطس، تحركت هذه القوات، تتقدمها سرية من خمس متوسطة م4 M4، وأربع عربات مدرعة م8 M8، وسرية مهندسين، والكتيبة الأولى، من الفوج 29، بقيادة المقدم ويسلي ويلسون Wesley C. Wilson، ثم الفوج 19 مشاة، وعديده 2335، ثم القوات الكورية الجنوبية. وواجهتها الفرقة السادسة الكورية الشمالية بقصف مدفعي مركز، فشتت شملها، وهاجمها جنود كوريين شماليين، من خنادق على جانبي الطريق. وأصيبت الدبابة الأولى، وقتل طاقمها، ثم دمرت عربة مدرعة، اشتعلت فيها النيران. وشُلت حركة السرية الأولى، وقفز رجالها من مدرعاتهم، وولوا الأدبار، ليسقطوا في أيدي رجال الكمائن الكوريين الشماليين، فأخذوهم أسرى، وساقوهم أمامهم مقيدي الأيدي. واحتدمت المعركة على جانبي نوتش، بين تبادل القصف بالهاونات، وووقع الاضطراب الشديد في صفوف الأمريكيين، وسادهم الذعر، خاصة عندما أخطأت ثلاث طائرات أمريكية، فقصفت السرية B، من الفوج 19 مشاة أمريكي. وكذلك عندما أصيب كثير من رجال السرية C بقذائف مدافع إخوانهم، من المواقع المجاورة. وعزلت القوات الكورية الجنوبية، بقيادة مين، والتي كان ينتظر منها دعم الفوج 19، وتعرضت لنيران أمريكية، وبلغ عدد القتلى الأمريكيين تسعين رجلاً، وتحققت الهزيمة عند نوتش، وأصبح الطريق إلى مازان مفتوحاً أمام الفرقة السادسة الكورية الشمالية.

عاشراً: استئناف القتال

في الخامس من أغسطس، كان مجموع قوات الحلفاء 141 ألفاً؛ من بينها 45 ألفاً، من جنود كوريا الجنوبية. وأكثرها من الأمريكيين، الذين ساءهم مناخ المنطقة وطبيعتها؛ مثل: ارتفاع الحرارة؛ إذ كانت ترتفع إلى 110 فهرنهيت، بعد انتهاء هطل الأمطار؛ ووعورة الجبال وشدة انحدارها؛ وتفشي الأمراض، وعلى الأخص الملاريا وأمراض الكبد. التي أدت إلى إضعاف القوة العددية للوحدات ونقصها، وكذلك الذحار (الدزنتاريا)، التي كانت أقصى جزاء يتعرض له الأمريكي الذي كان يهمل في أكله للخضروات المحلية. وكان جنود كوريا الجنوبية، بالطبع، في حصانة ضد معظم هذه الأمراض؛ إذ كان بوسعهم أن يعيشوا على الأرز الملفوف في أوراق الكرنب، بارداً كان أو ساخناً، نظيفاً كان أو مخلوطاً بالذباب. ومن المعلوم أنه كان جنود كوريا الشمالية يمتازون كذلك بهذه الحصانة.

أما قوات كوريا الشمالية، فلم يزد عددها على 90 ألفاً؛ يعانون متاعب تموينية، نجمت عن طول خطوط مواصلتهم، وتعرّضها ليل نهار، للهجمات الجوية، من طائرات "القوة الجوية الخامسة" وطائرات البحرية. وهو ما لم تعانه قوات الأمم المتحدة، إذ كانت خطوط مواصلاتها قصيرة؛ فقد كانت بوزان على مسافة 63 ميلاً من بوهانج، في الشمال الشرقي؛ و55 ميلاً من تايجو، في الشمال الغربي؛ و29 ميلاً من مازان، في الغرب. وهي تتلقى الإمدادات، من القوات والتموينات الأمريكية، من دون أدنى خطر.

في يوم 6 أغسطس، بدأ جيش كوريا الشمالية هجوماً جديداً؛ وتصدت له قوات الحلفاء، تساندها السفن والطائرات؛ واستمر نحو أسبوع كامل، أُطلق عليه اسم "أسبوع القتال من أجل الجسور"؛ لأن قوات الحلفاء، ركزَّت في مناطق الجسور، بهدف عرقلة تحركات الكوريين الشماليين. فكانت قاذفات القنابل الثقيلة، من نوع ب ـ 26، تكثف غاراتها عليهم، ليلاً؛ وطائرات ب ـ 29، نهاراً؛ ما أجبرهم على استخدام الدواب، بل المدنيين من الكوريين الجنوبيين، في نقل حوائجهم. واستخدموا كذلك عربات الكارو التي تجرها الثيران أو الخيول. وعلى الرغم من ذلك، بدأت التعيينات وكميات الغذاء تتناقص، وأخذ جنود كوريا الشمالية يعانون؛ وحاولوا نقل الأرز من المضارب الشمالية، ولكن حال بينهم طول خطوط المواصلات، وعنف الغارات الجوية على قوافلهم.

ولئن عانى الكوريون الشماليون نقصاً في تمويناتهم، فإن روحهم المعنوية، كانت مرتفعة، تذكيها خطب رئيسهم، كيم إيل سونج. الذي كان يفاخر بأن جيوشه سوف تكتسح الأمريكيين، وقوات كوريا الجنوبية، وتقذفهم إلى البحر. وأعلن قائده المارشال شويونج جن Marshal Choe Yong Gun، في بيونج يانج، الاستعداد للتضحية بألوف من الرجال. وبالفعل، كانت قواتهم تشن هجماتها في ثلاث، أو أربع موجات. وكانت الموجة الأولى مكونة من الجنود المستجدين، ومن الجنود غير المدربين، من شباب كوريا الشمالية، الذين كانوا يوضعون في صدارة الصفوف الأمامية. وكان الهدف من تعدد موجات الهجوم، هو إرهاق القوات المدافعة (من الأمم المتحدة وكوريا الجنوبية) بإظهار ضخامة القوات المهاجمة عددياً، حتى ولو صُدت وأوقف تقدمها ـ وكثيراً ما كان يحدث ذلك ـ إلاَّ إنه كانت تتقدم، بعدهم، الموجة الثانية والثالثة، وكان قوامها من الجنود الأفضل تدريباً؛ فيجددون الهجوم. كان الكوريون الشماليون يقدرون أن تعدد موجات الهجوم سوف يستنزف ذخائر المدافعين، ويتيح الفرصة الملائمة لقذف الموجة الرابعة، من خيرة الرجال المدربين. وغالباً ما كان يحدث بالفعل. وكانت نتائج ذلك أن تضطر قوات الأمم المتحدة إلى الانسحاب.

كما اعتمدوا مبدأ "هجوم اللاجئين"، القائم على تترسهم بالمدنيين، بسوقهم، قسراً، إلى المواقع الأمامية لقوات الأمم المتحدة. ويتبعهم عن كثب قوات كوريا الشمالية، متسترين بهذه الجموع البشرية من المدنيين. (وهو ما يُسمى: الدّروع البشرية).

بهذه الأساليب، استأنف جيش كوريا الشمالية هجماته، في شهر أغسطس، موجهاً ضرباته في الشرق، والشمال الغربي، وفي الغرب، والجنوب الغربي، رامياً إلى فتح ثغرة، تتيح له الوصول إلى تايجو وبوزان. وقد واجه الأمريكيون الرغبة الشمالية، بتشكيل قوة واجب Task Froce، مهمتها تدارك أي نجاح شمالي، وخاصة في الجناح الأيسر. وعرفت هذه القوة باسم اللواء الذي شكلها، وهو اللواء "وليام كين William B. Kwan"، قائد الفِرقة 25 مشاة أمريكية. وقررت قيادة الجيش الثامن الأمريكي نشر توجيه عملياتي بأن على قوة الواجب، "قوة كين"، أن تبدأ شن هجومها في سعت 0630 ، السابع من يوليه.

تكونت قوة الواجب من عشرين ألف رجل:

1. الفِرقة 25 المشاة، باستثناء الفوج 27 المشاة، والكتيبة 8 مدفعية ميدان، اللذين كانا في احتياطي الجيش الثامن. وكانت الفِرقة 25، في هذا الوقت، تضم ثلاث كتائب، في كلِّ فوج من أفواجها.

2. مجموعة القتال الخامسة، تشكيل فوج 5th Regimental Combat Team.

3. اللواء الأول المؤقت، مشاة البحرية 1st Prauisional Marine Brigade.

4. كتيبتا دبابات متوسطة:

أ. الكتيبة 89 (M4 A3).

ب. الكتيبة الأولى، مشاة البحرية، مسلحة بدبابات برشانج م 46 M26 Pershings . (أُنظر خريطة قوة واجب كين).

دفع اللواء كين رجاله إلى الجنوب الغربي من مازان؛ للهجوم على الفِرقة السادسة الشمالية، التي أعيد تنظيمها، وبدأت تزحف إلى الغرب؛ للهجوم على مازان. وبدأ الهجوم المضاد في 7 أغسطس. فسارعت قوات كوريا الشمالية، إلى مدفعيتها، التي كان يسدد رمايتها بعض الجنود الشماليين، ممن استطاعوا التسرب، بصفتهم مدنيين، في الصفوف الأمريكية. وفاجأت قوة من رجال العصابات مؤخرة الأمريكيين، وقضت على الفلول المنسحبة، من وحدات الفوج 24 الاحتياطي. وكان الجنود ومشاة البحرية قد ذبلت حيويتهم بسبب الحر الشديد. وحدث في بداية المعركة أن تراجعت إحدى وحدات مجموعة القتال الخامسة (من قوة كين) منسحبة، إلاّ أن مشاة البحرية تمكنوا من صد الفِرقة السادسة الكورية الشمالية. وسيطر الفوج الخامس، من لواء مشاة البحرية، في 9 أغسطس على الطريق الممتد من شين دونج ني إلى شينجو؛ بل تقدم مسافة 26 ميلاً، مستفيداً من قوة النيران المعاونة، التي كانت تطلقها الطائرات المقاتلة، التابعة لمشاة البحرية. وكانت قوة هذه النيران التدميرية هائلة من القنابل (زنة 500 رطل)، علاوة على مدافع الدبابات ـ وصواريخ النابالم (الحارقة)، والصواريخ والعبوات الكاملة من الرشاشات الآلية، من عيار 50 ملليمتراً. إذ شن أفراد مشاة البحرية غاراتهم، كما جاء في وصفها في يوميات الحرب لحاملة الطائرات الأمريكية "بادوينج ستريت Badoeng Strait"، التي ذكرت أن هذه الغارات تسببت في تدمير 75 بالمائة من مواقع الفرقة السادسة الكورية الشمالية. ومن ثم، أصبح مشاة البحرية قادرين على الصمود، واستمرار التقدم إلى كوسونج Kosong.

في 11 أغسطس، استعدت الكتيبة الثالثة، من الفوج الخامس مشاة البحرية، للهجوم على هذه المدينة. وبعد قصفها بالمدفعية من الكتيبة الأولى، من الفوج الحادي عشر من مشاة البحرية، تدعمها أربع طائرات مقاتلة، وتركز القصف على مركبات الفوج 83 التابع للفرقة 105 مدرعة الكورية الشمالية، فأجبرها على التراجع إلى ساشون Sach'on وشينجو، والسير في نسق طويل يضم مائتي مدرعة، وشاحنة، وسيارة جيب، ودراجة بخارية، وكلها محملة بالجنود والذخيرة والمؤن.

شنت المقاتلات غارة مفاجئة على ارتفاع منخفض، واكتسحت بنيران مدافعها وصواريخها ذلك النسق، في محاولة لإيقاف تقدمه. وقد ترتب على هذه الغارة اصطدام العربات ببعضها البعض، أو اضطرار بعضها إلى السقوط في الحفر، بينما أسرع جنود كوريا الشمالية يلتمسون الفرار. وقد توقفت العربات الجيب، الروسية الصنع، وكذلك الدراجات البخارية؛ بسب ما أصابها من الصواريخ والمدافع الرشاشة، من عيار 20 ملليمتراً. وقد ردت قوات كوريا الشمالية بنيران المدفعية المضادة للطائرات واستطاعت إسقاط طائرتين مقاتلتين، وسقط مع إحداهما الملازم دويل كول في خليج قريب، وأمكن إنقاذه بواسطة طائرة مروحية، كانت تقل العميد كريج. بينما سقط النقيب فيفيان موسى في أحد حقول الأرز، حيث لقي مصرعه. وقد جاءت أربع طائرات مقاتلة أخرى؛ لتحل محل الطائرات السابقة، وتستأنف دورها في تدمير نسق عربات جيش كوريا الجنوبية.

وبهذه المساعدة الجوية، التي قدمتها طائرات البحرية، حقق الفريق ووكر أول انتصار له. ولكن في 13 أغسطس تحركت قوة واجب كين للخلف إلى اتجاه الشرق؛ فقد قرر الفريق ووكر أن الفِرقة السادسة الكورية الشمالية قد أُرهقت إرهاقاً كافياً، ولم تعد قادرة على تهديد جناحه الأيسر، على الأقل، في ذلك الوقت. ولذلك تحول هدفه إلى مكان آخر، إلى الثغرات التي كانت قد تفتحت، وظهرت في الخط الدفاعي المحيط بمدينة بوزان. والأخرى التي ظهرت بوضوح أكثر حول بوهانج.

وبين 11 و20 أغسطس، أحاطت قوة من جيش كوريا الشمالية، مكونة من فِرقتَين وفوج، بكل المناطق الحيوية، الواقعة شرق الممر المؤدي إلى تايجو؛ أرغمت الجنوبيين على الانسحاب من يونج دوك، وعزلت فِرقتهم الثالثة، بحواجز الطرق، التي أقامتها في جنوبي يونج دوك، وشمالي بوهانج. ووجهت قوات شمالية أخرى ضربتها، من جهة الغرب، عبر طريق كينجي (أُنظر خريطة التقدم إلى الممر الشرقي). وشنت هجوماً تتقدمه الدبابات، في 11 أغسطس، على بوهانج. واشتد القتال، واضطر الفريق ووكر أخيراً إلى تكرار تشكيل قوات خاصة، واحدة وراء الأخرى، من أجل إزالة حواجز الطرق من المناطق الحيوية على الطريق المؤدي تايجو من بوهانج، ومن أجل حماية مطار يونيل. إلاَّ أن الطائرات عادت لتقديم مساعدتها للأمريكيين ولقوات كوريا الجنوبية. واستطاعت بذلك إرغام الكوريين الشماليين على التراجع.

وقد أمكن إنقاذ الفِرقة الثالثة من قوات كوريا الجنوبية من الوقوع في أيدي الكوريين الشماليين. واستطاعت السفن الأمريكية الناقلة للجنود الاقتراب من ساحل بوهانج، تحت ستار من نيران مدفعية الطرادة الحربية الأمريكية "هيلينا"؛ لتنقذ قوات كوريا الجنوبية وتنقلها إلى ما وراء الخطوط الدفاعية، في أمان، إلى كوربونج بوري.

وبعد مرور ثلاثة أيام، وبعد سقوط بوهانج، استطاع الفريق ووكر السيطرة على الموقف في الجبهة الشرقية، وكانت حدة الهجوم قد هدأت. وكانت أحرج اللحظات، التي مرت به في تلك الفترة، تشبه ما حدث له منذ أسبوع، عندما وجهت الفِرقة الرابعة من قوات كوريا الشمالية هجومها على النتوء البارز في الخط الدفاعي عند نهر ناكتونج، والذي كان إذا قدر له التوفيق سيؤدي عزل تايجو. وكان سيترتب على ذلك تقلص الخط الدفاعي عن بوزان إلى درجة بالغة الخطر.

حادي عشر: الفِرقة الرابعة من قوات كوريا الشمالية تهاجم بروز ناكتونج

كانت كل من الفِرقة الرابعة، والفِرقة الثالثة أفضل القوات في جيش كوريا الشمالية الشعبية؛ إذ استطاعتا احتلال "سيول". وحملت الفِرقة الرابعة اللقب الفخري "فِرقة سيول"؛ لأنها تحملت عبء القتال، الذي دار جنوباً من رأس الجسر على نهر هان، حتى يونج دونج. وكانت قد أعدت نفسها للزحف إلى تايجون. وكان قائد هذه الفِرقة الجنرال "لي كوون مو Lee Kwon Mu" صديقاً للرئيس "كيم إيل سونج". وتم إمدادها بسبعة آلاف جندي؛ بقصد أن يكون الهجوم من جهة الغرب، جنوباً من تايجو، ثم يتحول الهجوم الرئيسي إلى جهتي الشمال والشمال الغربي.

وكانت نقطة الهجوم المحددة هي النتوء البارز من انحناء النهر عند ناكتونج، حيث ينحني النهر انحناءة واسعة، مسافة نحو سبعة أميال من الشمال للجنوب، باتساع نحو أربعة أميال من الغرب للشرق. وفي إطار هذا التجويف، كان يمتد الطريق المؤدي يونج زان Yong San، ومن خلفه كان يوجد مركز لقاء الخطوط الحديدية في ميريانج Meriang، إلى مسافة 20 ميلاً جوياً، جنوبي شرق تايجو. وكان طريق يونج زان ـ ميريانج ذا أهمية بالغة. وفي 4 أغسطس كان الجنرال لي قد أعد فِرقته الرابعة للهجوم على هذا الطريق، من جهة الضفة الغربية لنهر نا كتونج. وكان خصمه اللواء تشيرش قد اتخذ حذره؛ بما قدره لأهمية هذا القطاع، ولتوقعه الهجوم المنتظر من جانب الكوريين الشماليين؛ فقد أصدر أوامره، في 4 أغسطس، لرجال الفِرقة 24، الذين كانوا يحتلون هذه الجهة على ضفة النهر، بعدم الانسحاب تحت أي ظرف من الظروف. وأمر كل جندي بالمحافظة على سلاحه وذخيرته وأدوات حفر الخنادق، على وجه الخصوص، معللاً بأن معظم الخسائر السابقة كانت بسبب الفشل في حفر الخنادق.

وفي منتصف ليلة 5 أغسطس، عبر نهر "ناكتونج" 800 جندي من الكتيبة الثالثة، من الفوج 16 من كوريا الشمالية، وكان معظمهم عارياً، وقد لف ملابسه على رأسه، وسبح معظمهم، بينما انتقل آخرون على طوافات (عوامات)، ووصلوا إلى الضفة الأخرى، بالقرب من قمة النتوء، ووجهوا ضربتهم من الجنوب الشرقي، في اتجاه طريق يونج زان. وكانت هناك محاولة أخرى لعبور النهر، ولكنها تعرضت لنيران الفوج 34 الأمريكي، فتكبدوا، من جراء ذلك، خسائر فادحة. ولكنهم استطاعوا اكتساح موقع هاون أمريكي، وأرغموا أفراده على الانسحاب، وأقاموا لأنفسهم رأس جسر هناك.

بينما تدفقت قوات أخرى إضافية لتعزيز الهجوم، في حين انشغل المهندسون الشماليون ببناء جسور غاطسة، على النهر، من أكياس الرمل والصخور والكتل، وبنيت جميعها على عمق قدم واحد من مياهه العكرة؛ كي لا تُكتشف من الجو. وفي 11 أغسطس، أمكن عبور العربات والهاونات الثقيلة، واثنتَي عشرة قطعة من المدفعية، التي تصدت للهجوم القوي المضاد، الذي شنه الفوجان 9 و19، من مشاة البحرية الأمريكية، في مكان يعرف باسم "أوبونج ـ ني Obong - ni". (أُنظر خريطة تدمير رأس جسر للشماليين).

عند غروب شمس يوم 10 أغسطس، وصلت مجموعات من الفوج 766 المستقل الكوري الشمالي، ونصبت كمائن على الطريق، غرب بوهانج ـ دونج Po'hang-dong، التابع للفرقة الخامسة. وفي عصر 11 أغسطس، أمر الفريق ووكر سرية دبابات، من الفوج التاسع مشاة، بالتحرك إلى مطار يونيل، وأن يلحق بها هناك الفوج 17 الكوري الجنوبي، من قوة واجب بوهانج، المتمركز في أنجانج ـ ني، وساعدته مقاتلات أربع أمريكية، من نوع ف ـ 51 F-51، في قصف كمائن الكوريين الشماليين، وإطلاق طلقات مضيئة مكنت الدبابات الأمريكية من قتل نحو سبعين كورياً شمالياً.

وصلت سرية الدبابات، في سعت 2030 ، 11 أغسطس، إلى مطار يونيل، في الوقت الذي بدأت فيه قوة واجب بوهانج تشن هجومها، شمال أنجانج ـ ني، منذ الساعات الأولى، من صباح 11 أغسطس (أُنظر خريطة تقدم القوات الأمريكية والجنوبية).

وفي اليوم التالي، اضطلعت وحدات من الفوجَين 23 و27 المشاة، بتطهير بعض المواقع، التي كان يحتلها الكوريون الشماليون في الجنوب الشرقي من يونج زان. غير أن ذلك لم يحل دون تسرب هؤلاء، وانتشارهم في منطقة أوبونج ـ ني؛ ما حمل الأمريكيين، في 15 أغسطس، على دفع اللواء الأول من مشاة البحرية إلى منطقة بالقرب من ميرانج؛ وتكليف مشاة البحرية بالتقدم شمالاً؛ للحفاظ على الخط الحيوي "يونج زان ـ ميريانج".

وقد تسبب دفع لواء مشاة البحرية في رفع الروح المعنوية كثيراً؛ إذ جاء في التقرير اليومي الذي أرسله أحد المراقبين العسكريين، إلى رؤسائه في طوكيو، في يوم 16 أغسطس:

"إن الموقف دقيق وقد تضيع ميريانج. فقد قذف العدو بقوة تقدر بفِرقة فوق نهر نا كتونج. وقد تندفع قوات أكثر من ذلك إلى عبور النهر، هذه الليلة. ولو ضاعت ميريانج، فسوف تصبح تايجو مكشوفة. ويصعب حمايتها، وسوف نجد أنفسنا مضطرين إلى الانسحاب من كوريا. ولكننا نشعر بالشجاعة؛ لأن تحريك لواء مشاة البحرية إلى منطقة نهر نا كتونج سيتم غداً، وستواجه هذه القوات عدواً متفوقاً، ولا يوجد عندي شك في ذلك، ولكني أشعر أنهم سوف يستطيعون إيقاف العدو".

في صباح 17 أغسطس، شن لواء مشاة البحرية هجومه على الكوريين الشماليين، عند "أوبونج ـ ني"؛ وهي المنطقة، التي أطلق عليها اسم "الهضبة المجهولة". وكرره عند الظهر. ولكنهم تمكنوا من رد الهجوم، في المرتَين.

في اليوم التالي، استأنف مشاة البحرية هجومهم. وتمكنت المدافع الرشاشة الشمالية من صدهم. فطلبوا مساعدة جوية فألقت طائرة مقاتلة، يقودها النقيب جون كيلي John T. Kelly، قنبلة زنة 500 رطل، مكنتهم من اكتساح المواقع الشمالية، واحتلال الهضبة المجهولة، ومطاردة الشماليين غرباً، بعد تكبيدهم نحو أربعة آلاف رجل.

شجع الأمريكيين انتصارهم هذا، على مواصلة التصدي للقوات الكورية الشمالية، في الشمال الغربي، وفي الشمال من تايجو، حيث كانت قوات ووكر تدافع عن خط آخر وراء المنطقة الشرقية لنهر ناكتونج، التي ينحني عندها مسافة خمسين ميلاً تقريباً شمالاً، من "توكسون ـ دونج Tukson - dong"، ماراً بمدينة وايجوان Waegwan إلى "ناكتونج ـ ني". حيث ينحني إلى جهة الشرق، مسافة ثلاثين ميلاً.

أرسل ووكر، على طول هذه الجبهة، كلاً من الفِرقة الأولى فرسان أمريكية، والفوج 27 المشاة، والفِرقتَين، الأولى والسادسة، من قوات كوريا الجنوبية. وواجه الشماليون هذه القوات بفرقهم: الأولى والثانية والعاشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة، تدعمها دبابات من اللواء 105 المدرع؛ وكان على هذه القوات أن تنفذ الهجوم الرئيسي على تايجو، (أُنظر خريطة هجمات شمالية على تايجو) تعاونها الفِرقة الرابعة، التي كان عليها أن تقذف بقوة منها؛ لسد الطريق خلف قوات كوريا الجنوبية؛ لمنعها من الانسحاب من العاصمة الجديدة. وكانت أهميتها تبدو واضحة من واقع المذكرات التي كتبها أحد العقداء من جيش كوريا الشمالية في 3 أغسطس، ووجدت معه بعد مصرعه، وجاء فيها:

"لقد أصدر "كيم إيل سونج" أمره، وأوضح أن الحرب سوف تنتهي في 15 أغسطس، بمناسبة العيد الخامس لتحرير كوريا (من اليابانيين)، وأن النصر يلوح قريباً نراه بأعيننا. وجاء في تلك الأوامر الموجهة للجنود الشبان: "انتم محظوظون؛ لأنكم استطعتم الاشتراك في المعركة من أجل تحقيق انتصارنا ومطلوب منكم التضحية أيها الجنود المقاتلون، أيها الشباب، إن الاستيلاء على تايجو سيتم، بمجرد عبور نهر ناكتونج، ونحن نضحي بأرواحنا وأنفسنا، بغض النظر عن الصعاب والتضحيات التي تنتظرنا، والتي علينا أن نتحلمها، وأن نكرس لها كل جهودنا؛ من أجل إتمام عبور نهر ناكتونج. أيها الشباب دعونا نحفظ أمجادنا وكبرياءنا، بإتمام القضاء على العدو".

كانت أكبر عملية عبور لنهر ناكتونج قد تمت في ليلة الخامس من أغسطس، في الوقت الذي تقدمت فيه الفِرقة الرابعة جنوباً، وأجبرت قوات كوريا الجنوبية على التراجع، إلى الوراء، مسافة 25 ميلاً تقريباً، في اتجاه تايجو(أُنظر خريطة سقوط تايجون).

وبذلك تعرضت العاصمة المؤقتة لنيران المدفعية؛ فأخليت من سكانها المدنيين، الذين ارتفع عددهم من 300 ألف نسمة إلى 800 ألف، بسبب الهجرة واللاجئين من الشمال. ولجأت الحكومة الكورية الجنوبية نفسها إلى بوزان. وكانت تعد آخر معقل يمكن الوقوف عنده في شبه الجزيرة كلها، وربما لأن نحو 600 ألف من اللاجئين تدفقوا، فيما بعد، جنوباً، إلى ما وراء ذلك، فأغلقوا كل الطرق، وضاعفوا بذلك الصعوبات أمام الجيش الثامن، عندما قاتل من أجل الاحتفاظ بالمدينة، بما فيها المطار ذو الأهمية الخاصة، وحيث كانت تلتقي فيها طرق المواصلات المهمة.

واستعد الفوج 27، "صائد الذئاب"، للتحرك شمالاً، لحماية طريق "سانج جو ـ تايجو"، الذي تكررت عليه هجمات الكوريين الشماليين الليلية، والذي تعرض لتدمير شديد، بسبب قصفه بمدافع 85 مللميتراً، من الدبابات ت ـ 34، التي واصلت إطلاق قذائفها الخارقة للدروع على مواقع الأمريكيين.

وفي غرب تايجو، بالقرب من وانج وان، خاضت الفِرقة الأولى الفرسان (أمريكية) قتالاً عنيفاً، من أجل صد محاولات عبور الفِرقة الثالثة الكورية الشمالية. التي تمكنت من عبور النهر، على الرغم من دقة قذائف المدفعية الامريكية، تحت أضواء الطلقات المضيئة.

وعقب العبور، حلقت الطائرات الأمريكية وأمطرت الكوريين الشماليين، في نهار اليوم التالي، بالقذائف، وطلقات الرشاشات، كما ركزت القصف على الدبابات ت ـ 34. كما ألقت مائة من الطائرات نوع ب ـ 29 نحو 850 طناً من القنابل على منطقة مستطيلة طولها سبعة أميال، وعرضها ثلاثة أميال، غرب النهر فوق مدينة وايج وان. ومع ذلك استمر تدفق قوات كوريا الشمالية، وهي تقذف أمامها موجات بشرية من اللاجئين؛ لتمويه تحركاتها إلى ما وراء قوات الأمم المتحدة؛ بهدف سد الطريق عليها.

وسرعان ما اشتد القتال في الطريق إلى تايجو، واستمر حتى 24 أغسطس. ومارس الكوريون الشماليون أشد أساليب النكال، بمن وقع في أيديهم من الأسرى الأمريكيين، ومن ذلك ما عثر عليه رجال الفوج الخامس فرسان، عند استعادتهم للتل 303 حول "وايج وان"، في 17 أغسطس، عندما وجدوا أفراد الفوج 26 الأمريكي، وقد مزقتهم قذائف الطلقات الخارقة، وتكوم بعضهم إلى جوار بعض، وقد قيدت أيديهم بالحبال والأسلاك من خلاف. ومن ثم، أذاع الفريق الأول ماك آرثر تهديداً، في 20 أغسطس، للرئيس كيم إيل سونج، قال فيه: "سوف أقبض عليك وعلى قادتك، وأسوقكم مجرمي حرب؛ لتحاكموا طبقاً لقوانين الحرب وأعرافها". وأمر الطائرات أن تسقط منشورات تتضمن هذه التهديد، في الوقت الذي كانت معركة ناكتونج على أشدها. وفي 24 أغسطس شن الكوريون الشماليون هجوماً واسع النطاق. ولكنهم توقفوا إلى مسافة 13 ميلاً، شمال المدينة.