إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث السادس

تحوّل ميزان القوى

كان قدر قوات كوريا الشمالية الشعبية، بإمرة الجنرال كيم شايك، المكونة من ثلاث عشرة فِرقة مشاة، وفِرقة مدرعة، ولواءَين مدرعَين؛ والمقدر عديدها بنحو 98 ألف رجل، تدعمهم 50 دبابة ت ـ 34. ـ أن تواجه مِثلَيها من قوات الأمم المتحدة، بقيادة الفريق والتون ووكر، الذي حُشد له 180 ألفاً؛ منهم 91 ألفاً من قوات كوريا الجنوبية، والباقون من الأمريكيين، إضافة إلى اللواء 27 المشاة البريطاني، بقيادة العميد بازيل كود Basil A. Coad، والبالغ عديده 1500 جندي، وصلوا مؤخراً من القوات البريطانية. وكانت هذه هي أول قوة أجنبية، من غير الأمريكيين، تصل إلى ميدان كوريا. وبذلك شملت القوات البرية للأمم المتحدة، خمس فِرق من قوات كوريا الجنوبية، وأربع فِرق من الجيش الأمريكي، ولواء بريطانياً، وآخر من مشاة البحرية الأمريكية. زد على ذلك 34 ألف رجل، يعملون في القيادة الجوية للشرق الأقصى؛ بمن فيهم 330 من أستراليا؛ علاوة على 36 ألفاً من البحرية الأمريكية في الشرق الأقصى، التي نمت قوتها من 14 سفينة إلى نحو150 قطعة؛ بينها حاملات طائرات وبوارج ثقيلة. أما الدبابات، فقد بلغ عددها خمسة أمثال دبابات كوريا الشمالية. ناهيك من التفوق في قوة المدفعية ومعدات النقل، والتفوق المطلق في القوات الجوية.

وبرزت، عندئذ، فكرة إعادة بناء قوات الأمم المتحدة وتنظيمها من جديد، في الوقت الذي تمكنت فيه بوزان من صد العدو. وساعد على ذلك، استمرار وصول القطار السريع، المعروف باسم "الكرة الحمراء" يومياً، ليحمل إلى بوزان الماء والغذاء والإمدادات من يوكوهاما، مروراً بمساسيبو، بدءاً من 23 يوليه، بطاقة 308 طن، ارتفعت إلى 946 طناً من 25 أغسطس.

كان من أهم الأسلحة، التي وصلت إلى قوات الأمم المتحدة في كوريا، الدبابات المتوسطة من نوعي شيرمان، وبيرشينج، بلغت جملتها 500 دبابة في الأسبوع الثالث من أغسطس، ومعها 30 دبابة خفيفة لعمليات الاستطلاع والرصد، وكتيبة دبابات ثقيلة، من نوع باتون Batton، تفوق الدبابات الروسية ت ـ 34.

وأمكن، تقريباً، كذلك حل مشكلة دفع المدنيين من أهالي كوريا، أمام قوات كوريا الشمالية، وذلك بنقل المهاجرين واللاجئين من منطقة القتال جنوباً إلى نحو 60 معسكراً، أقامتها حكومة كوريا الجنوبية في منطقة "تايجو ـ بوزان". وقد أُرسل أولئك اللاجئون إلى تلك المعسكرات، سواءً كان بينهم جنود من كوريا الشمالية مرتدين ملابس مدنية أم لا . تولت الفِرقة 25 المشاة الأمريكية وحدها إجلاء نحو 120 ألفاً من المدنيين، من قطاعها الذي كانت تشغله هذه الفِرقة، في منتصف شهر أغسطس. بينما نهضت الفِرقة 24 بإجلاء مائة ألف.

وفي الوقت نفسه، جُند نحو 40 ألفاً من شباب كوريا الجنوبية، في صفوف الوحدات الأمريكية؛ في ما عُرف بطريقة "التفريخ"، التي اعتمدت، في 15 أغسطس، على أثر أمر الفريق ماك آرثر بملء الأماكن، التي شغرت من جراء المعارك السابقة، في صفوف الفِرق الأمريكية الأربع، في كوريا. أشرف على تجنيدهم جيش كوريا الجنوبية. وكانوا يتبعون هذا الجيش، من الناحية الرسمية، ويتقاضون مرتباتهم من الحكومة الكورية؛ وتولت الولايات المتحدة الأمريكية إمدادهم بالأسلحة والمعدات. وكان الهدف هو تدريبهم، بإشراكهم في المعركة، أي على الطبيعة، بأن يخالطوا الأمريكيين، الذين كان عليهم أن يعلموهم حيل الحرب وخدعها. ومع أن طريقة تجنيدهم كانت تختلف عن الطريقة التي كانت تعتمد عليها كوريا الشمالية، فقد كان معظم المجندين يُلتقطون من شوارع بوزان وتايجو، وكان منهم تلاميذ صغار حضروا إلى المعسكرات، وكتبهم في أيديهم. وكان أحد هؤلاء المجندين قد غادر منزله ليحضر دواءً لزوجته، فجيئ به إلى المعسكر، في اليابان، والدواء في يده. وكان مظهرهم، في القوات الأمريكية، يختلف بين الفقر والاعتدال والمظهر الطيب. وفيما يلي تقرير كتبه أحد ضباط الفِرقة 25:

"عندما وصلت مجموعة جديدة، من هؤلاء، تلقفهم ضابط صف، بدرجة رقيب، إلى درس تعليمي في أساليب القتال الهجومي، وأبدوا استعداداً لذلك. وبدأت فصيلة، من سرية استطلاع من جيش كوريا الجنوبية، تأكل معنا من الطعام نفسه. إضافة إلى كميات ضخمة من الأرز، ولكن مع ذلك لم تزل هناك فوارق بعيدة، وقد تعين حوالي 60 رجلاً، من جيش كوريا الجنوبية؛ للانضمام إلى كل فصيلة من سرية استطلاع، بقيادة ملازم أمريكي لمساعدة قائد الفصيلة. بمعنى آخر، كان لكل فصيلة ضابطان أمريكيان، أحدهما للجنود الأمريكيين، والثاني للجنود الكوريين الجنوبيين. وكنت أنا أحد المسؤولين عن الجنود الكوريين الجنوبيين، لأسابيع قليلة. وفي بعض المناسبات، كنت أقود قوة، من مائة فرد منهم، إضافة إلى 10 أو 12 من الجنود الأمريكيين، موزعين بينهم؛ للمساعدة على السيطرة عليهم، وفي بعض الأحيان، كنت أقود قوة مختلطة بنسبة 50% من كلا النوعين. وفي بعض الأحيان، كانت نسبة الأمريكيين تزيد عن الكوريين.

لقد كان هؤلاء الجنود مستجدين بمعنى الكلمة؛ فلم يكن لديهم وقت؛ ليستوعبوا الإعداد الجيد. ومن ثم استخدمتهم في نقل الذخيرة والتعيينات. أما في المناسبات، التي اضطررت فيها لاستخدامهم في القتال، فكنت أوزع جنودي الأمريكيين، وكنت أبتهل وأدعو ألاً يحدث ما لا تحمد عقباه؛ فقد كان جنودي من الكوريين الجنوبيين جائعين دائماً، وليس بمقدورهم أن يفهموا أن صندوق التعيينات، الذي يوزع عليهم، إنما يحتوي تعيينات يوم كامل. فغالباً ما كان يحدث أن أعلم من المترجم، بعد توزيع علب التعيينات بساعة، أنهم يطلبون المزيد. لقد كانوا يستهلكون تعيينات اليوم بأكمله مرة واحدة، وكانوا ينامون في نوبات الحراسة، الأمر الذي كان يتطلب مراقبتهم والتفتيش عليهم من جانب الأمريكيين. وما زاد الطين بلة أن معظم الكوريين، الذين رأيتهم، كانوا يحبون تحية شمس الصباح بنشيد أو أغنية. وبالطبع لم تكن هذه العادة ملائمة لمبدأ السرية والمفاجأة (في الميدان).

وفي إحدى العمليات، وزعت رجالي من الكوريين الجنوبيين على موقع نصف دائري، بينما وضعت رجالي الأمريكيين هنا وهناك على الخط لضمان مراقبة الموقف. وذات صباح، أطلق أحد القناصة نيرانه علينا، وسرعان ما دب الرعب في رجالي من الكوريين الجنوبيين، وبطريقة هستيرية، استلقوا على وجوههم على الأرض، وصوبوا أسلحتهم إلى العدو وبدأوا يطلقون نيرانهم، بجنون وغباء، مسرفين في استهلاك الذخائر، حتى استهلكوا كل ما كان معهم. وكان هناك حل واحد لإنقاذ الموقف؛ إذ ذهب الجنود الأمريكيون، وأنا معهم، نتنقل من جندي كوري إلى آخر، نبصرهم بما يجب أن يكونوا عليه ليستطيعوا أن يروا ما أمامهم، ونجحنا بذلك في تهدئتهم. وعندما تعرضنا لموقف مشابه في اليوم نفسه، تصرف هؤلاء الجنود الكوريون بالطريقة المطلوبة.

ولقد تقرر، قرب نهاية العام، التخلي عن هذا الأسلوب في تجنيدهم نهائياً. وعمل من تبقى منهم مع الوحدات الأمريكية في حفر الخنادق والاستحكامات، أو نقل الأسلحة الثقيلة والمؤن والإمدادات، وإن كان بعضهم قد استخدم في أعمال الكشف والاستطلاع. وكانوا في الأيام الأولى من شهر سبتمبر يقاتلون في الخطوط؛ لإيقاف الزحف الكبير الذي كان أوشك على النجاح، عندما تراجع مواطنوهم من الفيلق الأول، في قوات كوريا الجنوبية، للخلف في اتجاه تايجو.

أولاً: استئناف المعارك

بعد إخفاق الكوريين الشماليين، في الهجوم الأول على ناكتونج ظن الكوريون الجنوبيون أنهم سيضطرون إلى اتخاذ السياسة الدفاعية. وأن الحرب ستنتهي في عيد الشكر (في نوفمبر) حتى إن حكومة كوريا الجنوبية قدمت طلباً إلى الفريق ماك آرثر، بضرورة إجلاء العدو من النصف الجنوبي لشبه الجزيرة، في الوقت الملائم، قبل جمع محصول الأرز. ولكن الفِرقة 12 من قوات كوريا الشمالية بدأت بتوجيه ضربة قوية في الساعات الأولى من صباح 27 أغسطس، واكتسحت أمامها الفوج 17 الكوري الجنوبي، وإرغام الفيلق الأول على الانسحاب اثنَى عشر ميلاً؛ فازداد التهديد بقطع الطريق، بين تايجو وبوهانج.

واضطر الفريق ووكر إلى تشكيل قوة واجب أمريكية خاصة، وضعها مع الفيلق الأول المتصدع، من قوات كوريا الجنوبية، تحت قيادة اللواء جون كاولتر John B. Coulter، الذي أصدر أوامره، على الفور، إلى الفيلق الأول بشن هجوم مضاد. ولكن اعترض كبار رجاله قائلين "إن هناك قوات كبيرة معادية، وإن هناك خسائر ضخمة، وإن القوات مجهدة متعبة".

وفي 31 أغسطس، استأنفت الفرقة 12 الكورية الشمالية الهجوم، ولكن الفريق ووكر أمر الفوج 27 بالتحرك إلى الجنوب الغربي. وهناك حول مازان، دفع جيش كوريا الشمالية بالفِرقة 25 إلى الخلف مسافة 30 ميلاً من بوزان. حيث تصدت لها، في معركة شرسة، الفِرقة 24 المشاة الأمريكية، يعاونها الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية، ويساندهما مدفعية الأسطول والطائرات، التي كانت تنطلق من حاملات الطائرات. (أُنظر خريطة هجمات شمالية في الشرق) و (خريطة هجوم شمالي على ناكتونج) و (خريطة دخول القوات الشمالية ناكتونج)

أما من ناحية الغرب، فقد تمكنت أربع فِرق كورية شمالية، يبلغ عديدها 30 ألف رجل، بعد عبورها نهر ناكتونج، من السيطرة الكاملة على اثنتي عشرة نقطة، اتخذتها رؤوس جسور، على الضفة الشرقية من النهر. ثم توغلت مسافات بعيدة في نطاق الدفاعات، الذي أقامته الفِرقة الثانية المشاة الأمريكية. واستطاعت شطر القوات الأمريكية المدافعة شطَرين. وظلت تواصل زحفها إلى ما وراء الهضبة المجهولة، مسافة 13 ميلاً؛ فأصبحت تشكل خطراً على كلٍّ من تايجو، ومحطة السكة الحديد عند ميريانج. وعندئذٍ، اضطر الفريق ووكر إلى استدعاء لواء مشاة البحرية. (أُنظر خريطة هجوم شمالي على تايجو)

شن لواء مشاة البحرية هجوماً مضاداً عنيفاً أجبر قوات كوريا الشمالية على التراجع، وخسارة الأرض التي اكتسبتها. لكن تايجو كان يهددها الخطر من الشمال، من الممرات الجبلية التي سلكتها قوات كوريا الشمالية من قبل في أواسط أغسطس، وكذلك من قطاع نهر ناكتونج الذي يهدد الجنوب الغربي من المدينة. (أنظر خريطة الهجوم على الفرقة 20).

فأما من الشمال، فإن القوات الكورية الشمالية، بعد أن تمكنت من الزحف، مسافة سبعة أميال من تايجو، توقفت تماماً؛ بسبب العناء الشديد والخسائر، التي تكبدتها، إزاء مقاومة الفِرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، والفِرقة الأولى الفرسان الأمريكية. وأمَّا من الجنوب الغربي فقد توقف زحف قوات كوريا الشمالية كذلك عندما تصدى لها اللواء 27 البريطاني. وهكذا أثبت الفريق ووكر مهارته في دفع قواته الاحتياطية، في النقط التي يستشعر فيها ضعف القوات الكورية الشمالية، أو تراخيها. وهكذا بدأت قوات الأمم المتحدة تثبت تفوقها في كل مكان: في الجو، وفي نيران المدفعية، وبصفة خاصة في الشرق، حيث تيسر تقديم معونة فاعلة، من مدفعية الأسطول، التي ترتب عليها الإفادة الكاملة من قوة المدرعات التي أمكن إحضارها إلى الخطوط الدفاعية الداخلية، وأمكنها إيقاف الهجمات الكورية الشمالية، التي كانت تعد، من وجهة النظر التكتيكية، عبارة عن حشود بشرية. إضافة إلى هذه الميزات لصالح قوات الأمم المتحدة، بدأت الروح المعنوية ترتفع عند قوات الفريق ووكر الأمريكية، إضافة إلى قراره الحاسم بنقل قواته في نطاق منطقته الدفاعية.

ولو بدل قادة كوريا الشمالية أساليبهم وتكتيكاتهم، لتغيرت النتائج؛ فقد أخطأوا في يوليه بمغالاتهم في تقدير مدى التدخل الأمريكي، وفشلوا في تقدير حقيقة قوة قوات كوريا الجنوبية، وضاعت منهم فرصة الاندفاع السريع القوي مباشرة من أجل الاستيلاء على بوزان. كما أخطأوا مرة أخرى في أغسطس وسبتمبر بعدم تجميعهم قواتهم؛ إذ جاءت هجماتهم المتقطعة المجزأة المحدودة في صالح القوات المدافعة التي أدركتها الإمدادات. فلو كان الكوريون الشماليون ركزوا هجومهم على نقطة ما؛ من أجل فتح الثغرة المطلوبة، فربما استطاعوا إرغام الفريق ووكر على التخلي عن خط ناكتونج، والانسحاب إلى منطقة خلفية أضيق نطاقاً، بل وربما كان ذلك قد أدى إلى إخلائها.

ولا شك أن تفوق الطيران الأمريكي قد حال دون تجمع الكوريين الشماليين، واضطرهم إلى توزيع خطوطهم، ما صعَّب توصيل المؤن والمعدات. ومهما كان السبب، فقد تشتتوا ووزعوا أنفسهم في شريط رقيق حول نطاق بوزان، وظلوا هناك في هياج وجنون، دون جدوى، يحاولون الاستيلاء على مدخل مدينة تايجو، بينما سُدت الطرق من خلفهم إلى سيول. وكان ذلك من الضربات الإستراتيجية المضادة التي وجهت لهم من الخلف. وصلت قوات أخرى لتنضم إلى قوات الأمم المتحدة، وهي: فِرقة من كل من كولومبيا، وأستراليا، وبلجيكا واليونان والهند، وكندا وأثيوبيا وفرنسا، وهولندا، والسويد، وتركيا، وجنوب أفريقيا.

ثانياً: معركة إنشون Inch'on

في أوائل سبتمبر، كانت خطة ماك آرثر الأساسية هي توجيه ضربة مفاجئة شديدة، ضد خطوط تموين قوات كوريا الشمالية، وقد رأى ماك آرثر، في أوائل يوليه، أن بوسعه أن يلحق بقوات كوريا الشمالية ضربة شديدة، سواء من الناحية النفسية أو من الناحية المادية، وذلك بإنزال قوات في إنشون، التي تعد الميناء للعاصمة سيول، تبعد عنها 18 ميلاً على مصب نهر يوم ها Yom-ha، وأنها أقرب منطقة إبرار مناسبة لتلك المدينة، وأنها مركز الاتصالات الأساسية هناك. وأن أي إنزال للقوات في المؤخرة سيرغم الكوريين الشماليين، بالطبع، على القتال في جبهتين في وقت واحد. وكان اختيار إحدى الجبهتين لتكون في إنشون؛ أنها الميناء الثاني لكوريا، ولأن موقعها يعد مدخلاً لسيول المدينة التي كانت في الماضي عاصمة الدولة، وبها أفضل المطارات في كيمبو القريبة منها، فضلاً عن وقوعها على جانبي طرق تموين جيش كوريا الشمالية الممتد من الشمال إلى الجنوب. وكانت هذه الميزة الأخيرة هي السبب المباشر لاختيارها مكاناً لإنزال القوات فيها. وقد قال ماك آرثر في هذا الصدد:

"لقد أثبت تاريخ الحروب أن تسع حالات من عشرة تم، فيها، تدمير الجيش؛ بسب قطع خطوط تموينه، فإن كل ما كان يطلقه الجيش الأحمر من الذخائر، وكذلك أي إمدادات، إنما كانت تأتيه من طريق سيول".

وخطط ماك آرثر لإنزال الفِرقة الأولى، من مشاة البحرية، وقوامها 26 ألف رجل، في إنشون لتستولي على سيول؛ وتكليف الفِرقة السابعة المشاة بالالتفاف، إلى الجنوب، لاحتلال موقع، يعترض خطوط تموينهم. وقد عرفت هذه القوات البرية باسم "الفيلق الأمريكي العاشر X Crops". وعرفت الحملة كلها باسم "قوة الواجب المشتركة السابعة JTF7". وكان قائدها هو قائد الأسطول السابع الأمريكي الأدميرال آرثر ستروبل Arthur D. Struble. وهكذا طلب الفريق الأول ماك آرثر، في 10 يوليه، من هيئة أركان حربه المشتركة، أن تعفي الفِرقة الأولى من مشاة البحرية من الاشتراك في أي عمليات، وان تضعها تحت طلبه، لتنفيذ هذه العملية، بصورة خاصة. ولكن الفريق الأول عمر برادلي Omar N. Bradly، رئيس هيئة أركان القوات الأمريكية المشتركة، الذي كان معروفاً عنه شدة معارضته لفكرة الحرب البرمائية بصفة عامة، كان ضد فكرة استخدام مشاة البحرية بصفة خاصة. وفي عام 1949، أخبر الكونجرس بشكوكه في احتمال الحاجة إلى القيام بعملية برمائية كبيرة بعد ذلك، وأوضح أن مثل هذه العمليات، لو كانت مجدية، لكان الواجب أن تنفذ في الماضي، بواسطة الجيش، وليس بمشاة البحرية.

ولكن ماك آرثر عاود إلحاحه، وأرسل إلى هيئة الأركان المشتركة: "إنني ألح بشدة أن يعاد النظر في حاجتي إلى فِرقة من مشاة البحرية. إن وجودها له أهمية كبرى في توجيه الضربة الحاسمة. وإن لم يتيسر ذلك، فسوف نحتاج إلى وقت أطول، باهظ التكاليف، سواء في المجهود، أو في الدماء التي ستسفك، أو في المال الذي سينفق. ولا بد من أن تكون فِرقة مشاة البحرية عندي قبل 10 سبتمبر. ولعلي لا أكرر ما ذكرته عن أهمية السرعة الكاملة لإجابة طلبي".

استجابت هيئة الأركان المشتركة، وفي 19 يوليه، صدر بتصديق خاص من الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، قرار استدعاء احتياطي مشاة البحرية؛ فقد أكد الفريق كليفتون كيتس، قائد فيلق مشاة البحرية أن من المستحيل تجهيز الفِرقة الأولى من مشاة البحرية، بكامل قوتها، من دون استدعاء الاحتياطي. ومن ثم، في 20 يوليه، استدعى نحو خمسة آلاف فرد في معسكر بندلتون، ثم في الرابع من أغسطس، صدرت أوامر أخرى باستدعاء 29 ألف فرد آخرين. كذلك حُوِّل بعض مشاة البحرية، من الفِرقة الثانية على الساحل الشرقي، إلى الفِرقة الأولى إلى الساحل الغربي، بينما استدعي الأفراد من كل السفارات الأمريكية، ومن القواعد البحرية، في كافة أنحاء العالم، ومن مياه البحر الأبيض المتوسط، حيث كانت توجد كتيبة من الفوج السادس من مشاة البحرية، لتحل محل الكتيبتين الثالثة والسابعة من مشاة البحرية. وقد أرسلت هاتان الكتيبتان إلى بحر اليابان، حيث حدد مكان اللقاء مع الوحدة الأم (الفِرقة الأولى من مشاة البحرية). وفي 15 سبتمبر ـ وهو تاريخ تنفيذ عملية إنشون ـ أرسلت الفِرقة الأولى من مشاة البحرية (والتي كانت تبلغ قوتها 7789 رجل منذ 30 يونيه) إلى أرض المعركة، كجيش صغير، مكونة في ذلك الوقت من 26 ألف رجل، مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات. وكانت النتيجة، كما جاء في تقرير قائد مشاة البحرية الفريق الأول ليمويل شبرد Lemuel C. Shepherd: "توسع وزيادة وخفة حركة، لم يسبق لها مثيل، في التاريخ الحربي لأمريكا".

واستعد البنتاجون الأمريكي لهذه العملية استعداداً لا مثيل له، وأرسل قائد الاتصالات "مونرو كيللي" إلى الأدميرال "جيمس دويل" قائد الأسطول، وهو القائد المفترض لعملية إنشون، والذي سبق أن اعترض هو ورجاله، من كبار ضباط الأسطول ومشاة البحرية، على هذا النوع الصعب من العمليات الحربية، قائلاً له: "أعد قائمة بالمشكلات التي قد تعرقل تنفيذ العمليات البرمائية، وسوف تأتيك كل التفصيلات الخاصة بعملية إنشون. وإن لفيفاً منا، نحن المخططين، شعر أنه إذا نجحت عملية إنشون، فسوف نعيد إعداد التدريبات الخاصة بهذه العمليات".

وكان من أهم هذه المشكلات، شدة المد والجزر، الذي يبلغ معدل ارتفاعه نحو 29 قدماً، وإن بلغت في بعض الأحيان 36 قدماً. وهي من أعتى موجات المد في العالم، من حيث شدتها وارتفاعها، وسرعتها. وكان من الممكن لأي زورق أن يجنح ويغوص في الطين بسرعة، في غضون عشر دقائق.

وكانت طبيعة الطين مشكلة بذاتها؛ فقد كانت مجموعة الجزر المتعددة، الموجودة بالميناء، سبباً في تجميع موجات المد وارتفاعها وتشكيلها جسوراً من الطين، امتدت من الشاطئ مسافة 600 ياردة. وكان لا بد من إزالتها، لتتمكن السفن الأمريكية من الاقتراب من الشاطئ وإنزال القوات، ولا بد أن يحدث هذا، عندما يكون ارتفاع المد 29 قدماً على الأقل. وهذا لا يكون إلاَّ في يومين أو ثلاثة من كل شهر نهاراً؛ اعتماداً على القمر، فكان على الفريق الأول ماك آرثر أن يختار يوم 15 سبتمبر، أو 11 أكتوبر، أو 3 نوفمبر؛ ليكون يوم بدء العملية. فاختار يوم 15 سبتمبر.

ولكن الأدميرال آرثر ستروبل قال: "إن إنشون تتميز بوجود موانع طبيعية أخرى، ولا شك أننا تنقصنا المعلومات عن المناطق التي تحتاج إلى تطهير بالكراكات، سواء من حيث موقعها، أو عددها، أو طبيعتها. وثمة صعوبة أخرى، وهي الإمكانات المحدودة المتوفرة بالميناء، حتى بعد الاستيلاء عليه؛ إذ إن مساحة الأرصفة صغيرة؛ لأن الميناء ليس بالضخامة التي تؤهله ليكون قاعدة حربية حقيقية، نعتمد عليها في تموين وإعاشة جيش كبير. إذ إن النقط الصالحة لإبرار القوات إلى البر محدودة، وتنتشر على لسان يبلغ طوله أربعة أميال، يوجد به أكثر المخازن والأرصفة والحوائط البحرية. ولهذا علينا أن نخطط من أجل تحسين الإمكانات الموجودة فعلاً؛ لعدم تعطيل عمليات تفريغ السفن، وأن يتم ذلك بمعدل زمني معقول".

وأضاف أحد الضباط قائلاً: "وهناك مشكلة كبيرة أخرى، وهي أن مجال العمل محدود في الممر المائي للسفن، التي يجب أن توجد فيه من أجل التموين، وإنزال القوات بإطلاق مدافعها لتغطية هذه العملية، إذ إنه سيتحتم على هذه السفن أن تبقى في هذا المضيق؛ لكي تتفادى الجنوح في الطين، وعدم التعرض لتيار سريع، تبلغ سرعته حوالي 35 عقدة، وبذلك عليها أن تلقي مراسيها هناك؛ لكي تستطيع الاحتفاظ بمراكزها. سيكون ذلك بمثابة تجميد لهذه السفن، كأنها تعمل في شارع مغلق، فلا يكون هناك مجال يتسع لدورانها أو لتحركها للقيام بأي مناورة. إننا نشعر، بالتأكيد، أن الشيوعيين كانوا حريصين، وأن سفننا سوف تبقى بعيدة في هذا الممر راكدة كالبط.

كان على اللواء أوليفر سميث Oliver P. Smith، قائد الفِرقة الأولى من مشاة البحرية، أن ينزل بقواته على الشاطئ في قلب المدينة. فيما بعد سعت 1730. ولما كان غروب الشمس في يوم 15 سبتمبر، سعت 0436، فإن معنى ذلك أن ليس أمامه سوى ساعة واحدة، أو أكثر قليلاً؛ ليتم عملية الإبرار، ثم خوض القتال داخل مدينة ضيقة الشوارع، مزدحمة السكان (250 ألف نسمة)، وفي حدود منطقة الميناء، حيث المخازن والورش ومرافق الميناء. إضافة إلى هذه الصعوبات، كانت هناك مشكلة أخرى تتعلق بترك السفن؛ لتجنح في خضم كتل الطين، فإن مشاة البحرية كانوا بحاجة إلى إمدادات ومؤن تقدر بثلاثة آلاف طن. وكان تفريغ هذه الكميات، وسط موجات المد السريعة العالية، أمراً عسيراً؛ إذ كان لا بد أن تبقى سفن الإنزال غاطسة في الطين، وهذا معناه أن تكون هدفاً ثابتاً لقوات كوريا الشمالية.

أما أخطر عقبة أمام قوات الحلفاء، فكانت تتمثل في وجود جزيرة مرتفعة، تعرف باسم "رأس القمر" أو "وولمي ـ دو Wolme-do"، ترتفع من سطح البحر 351 قدماً، في مدخل مدينة إنشون، ويصلها بالمدينة جسر بارز ضيق. وهذه الجزيرة تتحكم في كل خطوط الاقتراب من الميناء الداخلي. وقد نصبت قوات كوريا الشمالية مدافعها على هذه الجزيرة، وأصبح بإمكانها إصابة قوات مشاة البحرية الأمريكية، إذا حاولت اقتحام أسوار المدينة، من الشمال أو الجنوب.

ومعنى ذلك، أنه كان يتعين على القوات الأمريكية الاستيلاء على جزيرة "وولمي ـ دو" أولاً، وأن يسبق ذلك استمرار قصفها بالقنابل من مدفعية الأسطول ومن الجو. وكان ذلك، بالطبع، سيقضي على عنصر المفاجأة التي حرصت عليها خطة ماك آرثر.

ومن الغريب أن خطة غزو إنشون ـ وقد وضعت في اليابان ـ قد تسربت أخبارها، مراراً، إلى قيادة قوات كوريا الشمالية، ولكنها لم تصدق. وقد حدث، قبل بدء العملية بأسبوع، أن قُبض على زعيم شبكة تجسس ياباني، يعمل لصالح كوريا الشمالية، يدعى "يوسي ماتسوا يوامورا"، وحوكم بناء على الاتهامات، التي وجهت إليه، من قيادة الجيش الأمريكي؛ لاحتفاظه بخطط سرية للغاية لعملية الغزو، وجدت في حوزته. إضافة إلى ذلك، لم يحتفظ المسؤولون الرسميون من كوريا الجنوبية بطابع السرية؛ فقد صرح سينجمان ري بقوله "أصبحنا على وشك الاستعداد للتحرك والذهاب". وكذلك سُئل الفريق ووكر متى ستبدأ قوات الأمم المتحدة عمليات الهجوم، فأجاب: "في وقت قريب جداً". وإن كانت هناك بعض التعليمات السرية ظلت خفية بإزالة اسم "إنشون" من جميع الخطط. ولم يكن هناك شك في أن قوات كوريا الشمالية قد تأكدت من ذلك، من أخبار الحشود الأمريكية البحرية في اليابان، التي تنذر بتوجيه ضربة برمائية أمريكية. ولذا قرر الفريق الأول ماك آرثر ضرورة إبقاء قوات كوريا الشمالية حائرة، لا تعرف مكان الضربة الرئيسية، وذلك بشن هجومين جويين لتحويل الانتباه عن المكان الحقيقي، ويكون أحد هذين الهجومين جنوباً على كونزان kunsan، بينما يوجه الهجوم الثاني شمالاً على شسين نامبو، بينما تتولى البارجة ميسوري Missouri قصف "سام شوك"، بمدافعها، في مواجهة إنشون مباشرة، على الساحل الشرقي.

وكانت هناك عقبتان أخيرتان تعترضان الهجوم على إنشون، من الناحية التكتيكية، هما احتمال وجود ألغام لقوات كوريا الشمالية في الميناء، واحتمال جهل القوات المهاجمة بالمواقع الفعلية لقوات كوريا الشمالية على الشواطئ. وقد أفادت تقارير استخبارات مشاة البحرية، "أنه للأسف ما زالت المعلومات عن المنطقة قاصرة قليلة، وكذلك بالنسبة لقوات العدو الموجودة في المنطقة". وقد سبق أن أفادت التقارير السابقة، بهذا الخصوص، أن هناك قوة من جنود كوريا الشمالية، تقدر بنحو 1500 إلى 2000 جندي موجودين، حول إنشون. وللتأكد من ذلك، أرسلت قيادة الأسطول الملازم "يوجين كلارك Eugenne F. Clarke" في مهمة استكشافية خطيرة داخل الجزر بالميناء. ووصل كلارك إلى الشاطئ في ليلة أول سبتمبر في جزيرة يونج هونج دو Yonghung - do، التي تبعد عشرة أميال من إنشون. وظل هناك أسبوعين ومعه قوة خاصة من بعض المدنيين الكوريين. وراح يجمع معلومات من أهل الجزيرة، وأرسل بعض رجالة لقياس عمق المياه في إنشون، واختبار مستويات الطين، واستطلاع اخبار تحصينات الكوريين الشماليين وتجهيزاتهم. وعلى الرغم من محاولاته، فلم يستطع كلارك أن يقدم أرقاماً دقيقة أو صحيحة عن قوة الكوريين الشماليين، بيد أنه نجح فعلاً في قياس الحائط البحري، الذي يحيط بإنشون. وكذلك في تحديد مواقع العشرين مدفعاً السّاحلية، التي كانت موجودة في جزيرة وولمي ـ دو. وكانت أهم معاونة أداها كلارك، هي أنه أضاء الفنار في ولمي ـ دو، في ليلة 14 سبتمبر، وبذلك استطاع أن يرشد البوارج الأمريكية، الموجودة في الممر المائي، المعروف باسم "ممر الأسماك الطائرة"، المؤدي إلى مدخل الميناء.

ومن الناحية الإستراتيجية، كان أكبر مانع أمام الأمريكيين في الطريق إلى إنشون، هو كيف سيكون تصرف الصين الشيوعية. إذ إنه في النصف الأخير من شهر أغسطس، كان معروفاً بالفعل أن الصينيين الشيوعيين نقلوا الجيشين 66 و26، من شنغهاي إلى موقع يمكنهم منه مساعدة جيشين آخرين، حول تسينج تاو Tsing Tau في الجزء الشرقي من إنشون، عبر البحر الأصفر، بينما انضم الجيشان 50 و20 إلى الجيش الرابع الميداني، الذي كان يتألف من جيوش ثلاثة: 42 و40 و38 في منشوريا في منطقة شمالي نهر يالو. لقد كان الصينيون الشيوعيون يدركون، تماماً، أن نجاح إنزال قوات في منطقة إنشون ـ سيول، ربما يعني القضاء التام على قوات كوريا الشمالية الموجودة في نطاق بوزان. فهل يسكت الصينيون ليسمحوا بمثل هذا، لا بد أنهم سوف يضربون أسطول الغزو الأمريكي، عندما يكون في موقف يتعرض فيه لهذه الضربة، وشل حركته داخل الميناء الضيقة.

كانت هذه هي أهم العقبات البارزة، التي ظهرت في المناقشات العديدة، التي أثيرت ضد عملية إنشون، ولم يجهل ماك آرثر كل هذه الاعتبارات؛ فقد درسها وقدرها بالمقارنة بين مزايا وعيوب عملية "إنشون"، وقرر أن هذا الميناء الصعب هو المكان الوحيد، الذي يمكنه أن يحقق فيه هدفه، في تدمير قوات كوريا الشمالية. وظل واضعاً أمام عينيه هذا الهدف بشيء من الثقة الغامضة، حتى أنه عندما ذهب رؤساء الأركان حرب المشتركة إليه في طوكيو، من أجل إقناعه بالعدول عن خطته، بقي صامداً لا يتراجع عن رأيه.

تم هذا الاجتماع في سعت 1730 ، 23 أغسطس، عندما اجتمع كل من الفريق الأول لوتون كولينز Lawton J. Collins، رئيس هيئة أركان حرب الجيش، والأدميرال فورست شيرمان Forrest P. Sherman، رئيس هيئة أركان حرب العمليات البحرية، في المؤتمر، الذي عقد للمناقشة الأخيرة لعملية إنشون، في قصر داي إيشي Dai Ichi. وقد اشترك في حضور هذا المؤتمر الفريق ماك آرثر، واللواء ألموند رئيس هيئة أركان حربه، الذي كان عليه أن يقود الفيلق الأمريكي العاشر. وكذلك اللواء ستريت ماير قائد القوات الجوية لماك آرثر، والفريق شبرد، قائد مشاة البحرية في المحيط الهادي، وكل من الأدميرالات جوي Joy، ودويل، وسترابل، وإدوين رايت Edwin K. Wright. وبدأ المؤتمر بالموضوعات العسكرية الروتينية، واستمرت هيئة أركان حرب الأدميرال دويل في تقديم بيانات مفصلة عن الموضوع، استغرقت ثمانين دقيقة.

ثم قال دويلز: "سيدي الفريق: إنني لم أُسأل في شأن إنزال القوات. ولو سئلت، لكان جوابي أن عملية إنشون ليست مستحيلة، ولكني لا أنصح بها".

وأظهر الفريق كولينز اعتراضه، بقوله: إن إنشون بعيدة جداً عن مؤخرة القوات، فلن يكون لها أثرها الفاعل، الذي يتصوره الفريق الأول ماك آرثر. وإن عملية إنزال الجنود سوف تتطلب إرجاع لواء مشاة البحرية إلى الفِرقة الأولى من المشاة البحرية، ما سيؤثر كثيراً في إضعاف قوات الفريق ووكر، التي تتعرض لضغط شديد في نطاق بوزان. ولعل الأسلم أن يكون الإنزال عند كونزان، على مسافة مائة ميل جوي، جنوب إنشون، حيث تكاد تنعدم الموانع الطبيعية.

وأيد الأدميرال شيرمان وجهة نظر زميله هذا. وأصر الفريق ماك آرثر على خطته، وأخذ يشرح، بإسهاب، كيف أن قوات كوريا الشمالية لن تتوقع هذه العملية، ما سيؤكد عنصر المفاجأة، وسيكون لنجاحها تأثير هائل في الشرق، ودعاية قوية لقوات الحلفاء. وأن القوات التي ستنزل في إنشون ستصبح بمثابة السندان، الذي يمكن لقوات ووكر أن تطرق عليه قوات الكوريين الشماليين، وترغمها على التقهقر والانسحاب، ما سيرهق خطوط إمدادتها.

وأكد الفريق الأول ماك آرثر، أن عملية الإنزال في ميناء كونزان لن تحقق كل هذا، وإن كانت كونزان أكثر أمناً، ولكنها ليست بعيدة للخلف، بعداً كافياً، إلى ما وراء العدو، والنزول فيها سيدفع العدو إلى التراجع للخلف لبضعة أميال فقط، ولن تؤدي إلى قطع خطوط تموينه. ثم قال: "إن العملية البرمائية هي أقوى أداة في أيدينا. ومن أجل تنفيذها بكفاءة يجب علينا أن نضرب بشدة وبعمق، في قلب أرض العدو. ولن تفشل عملية إنشون، بل سوف تؤدي إلى إنقاذ مائة ألف نفس". وعاد ماك آرثر إلى الحديث، مذكراً المجتمعين بالعمليات، التي نجحوا فيها في إبرار قوات من البحر، مع الأسطول خلال الحرب العالمية الثانية. وقال: "إن الأسطول لم يخذلني في الماضي، وإنني أؤكد أنه لن يخذلني هذه المرة كذلك. وإني أعلم أن عملية إنشون مجازفة، وأن نسبة أمل النجاح فيها ضعيفة للغاية، ولكني أقرها، وأنا كفيل بالقيام بها. سوف ننزل في إنشون، وسوف أسحقهم".

وترك الأدميرال شيرمان وحده غرفة المؤتمر، غير مقتنع بما سمعه. وفي اليوم التالي قضى ساعة ونصفاً مع ماك آرثر، وخرج من هذه المقابلة مقتنعاً، وقال: "أود أن أكسب ثقة هذا الرجل". أما الفريق الأول كولينز، فقد بدا مصراً على تحفظاته على هذه العملية. ثم سأل الفريق رايت، إذا كان لدى قيادة الشرق الأقصى خطط ثابتة لعملية إبرار في كونزان، يمكن استخدامها خطة بديلة، في حالة فشل عملية إنشون، أو التراجع عن تنفيذها. فأكد له رايت أن هناك خططاً مؤكدة، بل إن هناك خطة إنزال صورية في كونزان. وكان من بين الاقتراحات البديلة لعملية إنشون، إضافة إلى خطة كونزان، التي كان الأسطول متحمساً لها، خطة أخرى للإبرار في منطقة بوسونج ميون Posung - Myon، على بعد ثلاثين ميلاً جنوب إنشون، في مواجهة أوزان. وعاد شيرمان ومعه كولينز إلى واشنطون.

وفي يوم 29 أغسطس، تلقى ماك آرثر البرقية التالية، من هيئة أركان الحرب المشتركة: "لقد وافقنا، بعد استعراض الأنباء والمعلومات، التي عاد بها الفريق كولينز والأدميرال شيرمان على إعداد وتنفيذ عملية التحرك الخلفية، بنقل القوات برمائياً على الساحل الغربي لكوريا، عند إنشون".

وبقي ثمة تخوف أخير؛ إذ إنه في أوائل سبتمبر، عندما تبحر الفِرقة السابعة المشاة، ومعها الفِرقة الأولى من مشاة البحرية، فقد يشن الكوريون الشماليون هجوماً كبيراً في جبهة ناكتونج، وسيؤدي ذلك قذف قوات الحلفاء في البحر. وسألت هيئة الأركان المشتركة الفريق الأول ماك آرثر عن تقديره للموقف، فأكد لها أنه لا يوجد أدنى احتمال لضياع رأس الجسر عند بوزان. وانتهى الأمر بالموافقة التامة.

ثالثاً: تنفيذ عملية الإبرار البحري في إنشون

حدد قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأقصى NAVFE، واجبات القوات البحرية استعداداً لعملية إنشون، كالتالي:

1. الحفاظ على استمرار الحصار البحري للساحل الغربي لكوريا، جنوب خط العرض 35َ 39ْ شمالاً.

2. تنفيذ ما يتطلبه الموقف من عمليات سابقة على يوم بدء الهجوم Pre - D- day.

3. في يوم بدء الهجوم، مع الهجوم البرمائي، احتلال رأس ساحل في منطقة إنشون.

4. نقل، وإنزال، ودعم القوات في إنشون.

5. تقديم التغطية والدعم، إذا طُلب منها ذلك.

وتم تشكيل قوة الواجب المشتركة السابعة JTF7 لإنجاز هذه الأهداف، مع الأدميرال ستروبل، قائد الأسطول السابع، بصفته قائداً لها.

في يوم 25 أغسطس، غادر الأدميرال ستروبل سفينة القيادة روشستر USS Rochester في ساسيبو Sasebo، وذهب بالطائرة إلى طوكيو؛ للإشراف على التخطيط النهائي.

في 3 سبتمبر، نشر الأدميرال ستروبل الخطة العملياتية 50 ـ 9 Operational Plan 9-50 لقوة الواجب المشتركة السابقة JTF7، وهي: أن تتولى سفينة بحرية Marine Aircraft من سفينتي الحراسة Escort carriers، وسفينة بحرية من الحاملة الأمركية بوكسر Boxer، وسفينة بريطانية من الحاملة البريطانية الخفيفة، تقديم أكبر دعم ممكن في منطقة الإبرار، وعليها أن تتلقى أوامرها من سفينة قيادة القوة البرمائية ماكينلي (AGC) Mt. McKinley ، على بعد 30 ميلاً من موقع الإنزال.

ولتنفيذ مهامها المتعددة، نظمت الـ JTF7 وحداتها التابعة، حسب المهام، كالتالي:

1. قوة الواجب 90 (TF90) قوة هجوم، بقيادة الأدميرال جيمس دويل James H. Doyle، من البحرية الأمريكية.

2. قوة الواجب 92 (TF92) الفيلق العاشر X، بقيادة اللواء إدوارد ألموند، الولايات المتحدة الأمريكية.

3. قوة الواجب 99 (TF99) قوة حراسة واستطلاع، بقيادة الأدميرال هندرسون G. R. Henderson، من البحرية الأمريكية.

4. قوة الواجب 91 (TF91) قوة حصار وتغطية، بقيادة الأدميرال أندروز W. G. Andrews من البحرية الـ R.

5. قوة الواجب 77 (TF77) قوة حاملة سريعة، بقيادة الأدميرال إوين E. L. Ewen، من البحرية الأمريكية.

6. قوة الواجب 79 (TF79) قوة إسناد لوجستي، بقيادة النقيب أوستن B. L. Austin، من البحرية الأمريكية.

7. قوة الواجب 70.1 (TF70.1) مجموعة سفينة قيادة بقيادة النقيب ووديارد E. L. Woodyard، من البحرية الأمريكية.

كان مركز قيادة الأدميرال ستروبل على السفينة روشستر. يليه مركز نائبه الأدميرال دويل Doyle  على السفينة Mt. McKinley، وتم تخصيص 230 سفينة للعملية. ولم يُسمح لسفن السطح Surface Vessels من الـ JTF7، المشاركة داخل 12 ميلاً من الأراضي السوفيتية أو الصينية، كما لم يُسمح للطائرات بالمشاركة، داخل 20 ميلاً من الأراضي المذكورة.

مهدت الطائرات الأمريكية، منذ 4 سبتمبر، لمعركة إنشون، بهجمات عنيفة متواصلة على مدينة كونزان، التي نزلت بها، في 12 سبتمبر، قوات كبيرة من جيش كوريا الجنوبية، تدعمها الطائرات الأمريكية بالقصف الجوي. وفي الشمال، هاجمت قوة بريطانية خاصة شين نام بو، وقصفتها بالمدفعية. وعلى الساحل الشرقي، أبحرت قوة أمريكية كبيرة، من بحر اليابان، ومعها البارجة ميسوري؛ لضرب سام شوك، المزمع تنفيذه في 14 سبتمبر. وركزت الطائرات قصفها في إنشون، بمعدل 65 غارة، يومياً.

كما تعرضت جزيرة وولمي ـ دو للقصف المتواصل، بهدف تحييد بطارياتها. وكانت الطائرات المقاتلة "كورسيرز Corsairs"، التي تعمل مع البحرية، قد ألقت، منذ 10 سبتمبر، آلاف الأطنان من القنابل، وقذائف النابالم الحارقة على قلعة الجزيرة، فاحترق معظم مبانيها.

كان كثير من كبار ضباط كوريا الشمالية لا يزالون يستبعدون فكرة امتداد الغزو إلى إنشون، وبدت لهم فكرة غير معقولة. ولكن في صباح 13 سبتمبر، لم يعد هناك أدنى شك في أن إنشون ستكون هي هدف الهجوم، إذ في ذلك اليوم أمكن للقوات الأمريكية التقاط رسالة شيوعية، مرسلة إلى بيونج يانج، وأمكن فك رموزها، وجاء فيها: "تقترب عشر سفن معادية من إنشون، وتقوم طائرات كثيرة بضرب جزيرة وولمي ـ دو، وتدل الدلائل على أن العدو سوف يقوم بعملية إنزال. ولقد وجهت كل القوات التي تعمل تحت قيادتي لتكون مستعدة للمعركة، وسوف تحتل كل الوحدات الأماكن والمواقع، التي حددت لها، حتى نستطيع أن نقذف قوات العدو، عند محاولتها تنفيذ عمليات النزول، إلى البر".

وقد وقع هذه الرسالة "القائد العام". ولم يمكن اكتشاف من هو، ولا من أين جاءت وماهية قيادته. ومع ذلك كان التقرير الذي تضمنته الرسالة دقيقاً. فقد كان هناك، بالفعل، عشر سفن تقترب من إنشون في ذلك الصباح، وهي السفن المعدة للقيام بضرب النيران المساعدة "لقوة الواجب المشتركة السابعة". كما كان هناك كذلك الطرادان الأمريكيان "توليدو" و "روشستر"، والطرادان البريطانيان "كينيا وجاميكا"، والمدمرات الأمريكية "جورك Gurke، وهندرسون Henderson، وكوليت Collet، وسوينسون Swenson، ودي هافن De Haben، ومانسفيلد Mansfield" التي كانت كلها تحت قيادة الأديمرال جون هيجنز John, M. Higgins، الذي وضع خطة جريئة للقضاء على مقاومة "وولمي ـ دو"؛ فلم يكتف بأن تصل المدمرات إلى الممر المائي المؤدي إلى مدخل الميناء، بل أمر الطرادات أن تقدم نيراناً معاونة لتغطية وصول هذه المدمرات ورسوها. واختار مواقع الرسو إلى مسافة من سبعة إلى عشرة أميال، جنوب غرب وولمي ـ دو؛ إذ لم يكن مضيق "الأسماك الطائرة" ملائماً لرسو مثل هذه السفن الكبيرة، إذ لو قدر لإحداها الغرق، فإنه سيستحيل بذلك على قوة الواجب المشتركة السابعة الوصول إلى داخل ميناء إنشون، كما قرر هيجنز أن يرسل مدمراته إلى الميناء، عندما ينحسر المد؛ من أجل تحديد مواقع حقول الألغام، ومن أجل السماح باستخدام مدفعية هذه السفن، بأقل زوايا انخفاض ممكنة.

في يوم 12 سبتمبر، بدت مقدمة هبوب إعصار كبير، وكان المخططون في مقر رئاسة الفريق الأول ماك آرثر، في الشرق الأقصى، يتابعون، لمدة ثلاثة أيام، حساب سرعة الرياح، التي كانت سرعتها 125 ميلاً في الساعة، والتي كانت تعرف باسم "إعصار كيزيا". ولكن حدث في 13 سبتمبر أن انحرف الإعصار فجأة شمالاً من الشاطئ الشرقي لليابان، فأزال الصعوبة التي كانت متوقعة، والتي كانت ستعرقل عملية الغزو.

ومع ذلك فقد كان بحر اليابان هائجاً مضطرباً تعصف فيه الريح. وحوالي منتصف ليلة 12 سبتمبر، أقلع الفريق الأول ماك آرثر على ظهر بارجة القيادة مونت ماكينلي Mt. McKinley سراً، واندفع من ساسيبو متجهاً إلى إنشون. وتعرضت سفن قوة الواجب المشتركة السابعة لقصف الريح العاتية، والأمواج العالية طول الليل واليوم الثاني، أثناء تحركها خلال مضيق كوريا، وهي تجتاح رجال مشاة البحرية، التي كان عليها اقتحام جزيرة وولمي ـ دو.

كان هؤلاء الرجال من الكتيبة الثالثة والفوج الخامس من مشاة البحرية، بقيادة العقيد روبرت تابليت Robert D. Taplett، قد صفوا أسلحتهم على سطح سفينة الإنزال فورت ماريون، وعلى المدمرات الناقلة لهم: باس ودياشينكو، ودانتاك. وأبحروا من بوزان في 12 سبتمبر، في حراسة السفن الحربية البريطانية والنيوزلندية. وكانوا على مسافة معقولة أمام قوة الواجب المشتركة السابعة.

كان على هذه الوحدات مهمة اكتساح أسوار الميناء في إنشون، عندما يلوح فجر 14 سبتمبر هادئاً واضحاً. في سعت 0050، وصلت الكتيبة الثالثة والفوج الخامس من مشاة البحرية، والسفن الناقلة إلى ميناء إنشون. وبعد ساعتين، توغلت السفن إلى داخل الميناء، تابعة نسق السفن الأخرى، في مقدمته المدمرة مانسفيلد، وقد اكتشفت صفاً من الألغام في المياه الطينية الضحلة. (أُنظر خريطة الإبرار في إنشون)

وأطلقت المدمرة جورك قذيفة من عيار 40 ملليمتراً على أحد الألغام، فانفجر في الهواء، وسط دوامة من الدخان والماء، بينما استطاعت المدمرة هندرسون تفجير ثلاثة ألغام، قبل أن تعبر مياه المد وتغطي باقي الألغام. وأبحرت القافلة إلى الشمال، تحرسها بعض السفن الشراعية، ووصلت في هدوء إلى وولمي ـ دو، في سعت 1250 ، وألقت مراسيها وأدارت مدافعها على الجانبين لتجربتها، بينما تجمع الكوريون المدنيون، في ملابسهم البيضاء، على شواطئ الميناء والجزر، لمراقبة المعركة.

وكان مفروضاً أن يبدأ قصف المدفعية في سعت 1300. ولكن قبل حلول هذا الموعد بخمس دقائق، صمم الملازم هوايت، على السفينة دي هافن، على البدء بالهجوم؛ فبمجرد أن وصلت سفينته إلى مدخل الممر المائي، رأى هوايت الجنود الكوريين الشماليين يسرعون إلى حفرة أحد المدافع، وكان قد رأى الموقع، في جهاز التنشين، فأطلق قذيفة الافتتاح قبل سعت 1250، من مدفع السفينة دي هافن، من عيار 5 بوصات، فانطلق منها دخان ولهيب برتقالي اللون، وتم تدمير بطارية المدفعية في وولمي ـ دو، وبذلك بدأت المعركة، واستمرت لمدة ساعة، أطلقت فيها المدمرات الأمريكية نيرانها الكثيفة على المناطق المحددة لها. وبقيت مدافع الكوريين الشماليين صامتة لمدة عشر دقائق، ثم عاودت الضرب، فأصابت السفينة كوليت، أولاً، بخمس قذائف، فأصابتها بخسائر فادحة، ما اضطرها لرفع مراسيها والابتعاد، ثم أصيبت السفينة جورك بعد ذلك، ثم سوينسون، وقتل فيها الملازم الشاب "دافيد سوينسون David H. Swenson". وفي كل مرة، كان يفتح فيها أحد مدافع وولمي ـ دو نيرانه، كان ذلك إيذاناً بإسكاته وتدميره، بالمدفعية من عيار 8 بوصات، من الطرادين توليدو وروشستر، أو من المدفعية من عيار 6 بوصات، من الطرادين كينيا وجامايكا، التي اشتركت كلها في الضرب بمدافعها. وبعد ذلك احتجبت وولمي بين الدخان والتراب، ما ساعد السفن الأمريكية، على رفع مراسيها والإقلاع جنوباً، في سعت 1347، بعد أن أسكتت معظم مدفعية الكوريين الشماليين. ومنيت قوات الأمم المتحدة بإصابة ثلاث سفن، وقتل رجل واحد، وجرح ثمانية.

وعادت في اليوم الثاني مجموعة المدفعية، التي كانت مع الأدميرال هيجنز، وضربت جزيرة وولمي ـ دو خمس وسبعين دقيقة متواصلة، دون أن تتعرض إلى أي مقاومة من الكوريين الشماليين. وبعد أن رحلت السفن، كانت وولمي ـ دو، تحيطها لفائف الدخان وألسنة النيران، ومع ذلك استأنفت الطائرات الأمريكية التابعة لقوة الواجب 77 ضربها. بدأت السفن قصفها الثاني، في سعت 1116، فضربت أهدافاً في وولمي ـ دو، وفي إنشون كذلك. وانتظرت المدمرات نحو ساعة، ثم تحركت إلى مواقعها خارج وولمي ـ دو. توقفت السفن عن القصف، في الوقت الذي واصلت فيه الطائرات الضرب. وبعد ذلك، عادت المدمرات للقصف في سعت 1255، فأطلقت، خلال ساعة و 15 دقيقة، 1732 قذيفة عيار 5 بوصة على وولمي ـ دو وإنشون. وعندما حل المساء، كانت وولمي ـ دو قد انتهت، وأقبلت "الأرمادا" الأمريكية تزحف عبر "مضيق الأسماك الطائرة".

وفي 0540، 15 سبتمبر، استأنفت السفن المخصصة للضرب بمدافعها إطلاق نيرانها، وعادت وولمي ـ دو، مرة أخرى، فريسة للنيران من السفن المطلقة للصواريخ (Rocket Ships LSMR's)، التي اقتربت من الشاطئ، قبيل إشراق الصباح ـ وأطلقت 6400 صاروخ على الجزيرة. وبعد ذلك انطلقت الطائرات كورسيرز من حاملات الطائرات، فاكتسحت الشواطئ بنيران مدافعها. وبدأت أول موجة من جنود مشاة البحرية في النزول إلى الزوارق، في سعت 0627، وسارت الزوارق مستترة بالسفن الحربية الكبيرة، وانتشرت في تشكيل الاقتحام مسرعة، في اتجاه وولمي ـ دو، واندفع مشاة البحرية إلى وولمي ـ دو، بينما ولى الكوريون المدنيون، بملابسهم البيضاء، الأدبار هاربين، من إنشون، لائذين بالأكواخ الطينية، يتلمسون فيها النجاة من احتمال احتراق الميناء، ولكي يحاولوا التصدي لمشاة البحرية، أثناء نزولهم إلى الشاطئ.

في سعت 0631، أي بعد دقيقة واحدة، من الوقت المحدد في الخطة، عندما بدأ إبرار الفوج الأول من الجنود من الزوارق إلى الشاطئ الشمالي لجزيرة وولمي ـ دو. وبدأت السقالات توضع؛ تمهيداً لإبرار أول مجموعة من قوات المقدم تالبيت، من مشاة البحرية مسرعين، إلى داخل الميناء وسط سحب الدخان، دون أن يجدوا مقاومة تذكر من المدافعين عن وولمي ـ دو، وهم 500 جندي أصابهم الذهول والهلع، من قذائف مدفعية الأسطول الكثيفة.

وبعد مضي أربع دقائق هبطت الموجة الثانية من مشاة البحرية، الذين يسميهم الكوريون ذوي "السيقان الصفراء"؛ لأنهم كانوا يرتدون أحذية صفراء طويلة. وبعد مضي عشر دقائق أخرى، وصلت السفن الناقلة للجنود، تحمل تسع دبابات برشنج م26 Pershing M26، جهزت ثلاث منها بقاذفات اللهب، بينما جهزت ثلاث أخرى بمعدات لتعبيد الطرق (بلدوزرات)، بينما كانت الثلاث دبابات الباقية من النوع المتوسط العادي. وعندما رشقت واحدة منها مدخل أحد الكهوف بقذيفة، هرع نحو ثلاثين جندياً من كوريا الشمالية إلى الخارج، رافعين أيديهم مستسلمين.

وكانت المقاومة بسيطة عموماً. وكانت أكبر مفاجأة لمشاة البحرية، عندما أرسل ستة رجال من الكوريين الشماليين أحدهم عارياً نحو الأمريكيين، صارخاً أنه قائد هؤلاء الجنود، الذين أرغموه على خلع ملابسه تماماً، والاستسلام. ومع ذلك فقد قاتل بعض الكوريين الشماليين، صامدين في مواقعهم حتى قتلوا، بينما قفز بعضهم إلى الماء، محاولين السباحة إلى إنشون.

بعد 45 دقيقة من نزول مشاة البحرية، رفع العلم الأمريكي فوق أعلى تل في جزيرة وولمي ـ دو، وأعلن العقيد تالبيت إلى الأسطول: "لقد تمت السيطرة على وولمي ـ دو. لقد نجحت القوات الأمريكية، ونجح ماك آرثر في مغامرته هذه، بخسائر قليلة؛ إذ قُتل 20 فرداً مقابل 120 من الكوريين الشماليين، وأسر 180، بينما هرب عدد غير معلوم إلى إنشون، ليلاً، مستخدمين الجسر الضيق، الذي يربطها بالجزيرة.

ملأ الزهو قلب ماك آرثر وهو يرى العلم الأمريكي يرتفع فوق الجزيرة، ومن سطح السفينة "مونت ماكينللي"، أرسل رسالة إلى الأدميرال سترابل، قال فيها: "لم يسبق أن حقق الأسطول، ولا مشاة البحرية، مثل هذا الإنجاز المشرف في هذا الصباح".

في صباح يوم 16 سبتمبر كذلك، غادرت 8 طائرات كورسيرز صقلية في سعت 0548، وسرعان ما شاهدت ست دبابات كورية شمالية ت ـ 34، تسير على طريق سيول السريع، على بعد ثلاثة أميال شرق إنشون. فأرسلت رسالة إلى القيادة، وجاء الرد بضرورة ضرب هذه الدبابات، على الفور. ألقت الطائرات الثمان قذائف النابالم، والقذائف زنة 500 رطل؛ فدمرت ثلاث دبابات، وشتتت أفراد المشاة المصاحبين لها. وقد رد الكوريون الشماليون الضرب، فأصابوا إحدى الطائرات، فهوت محترقة، وقُتل طيارها النقيب وليام سيمبسون William F. Simpson. أقلعت ثماني طائرات كورسيرز، وواصلت هجومها على الدبابات، فدمرتها كلها.