إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث السابع

الدعم السوفيتي والزحف الصيني

كان الشيوعيون في الصين، شمال نهر يالو، قد انتصروا في الحرب الأهلية الدموية ضد الجيش القومي، واسمه كومينتانج Kuomintang، بقيادة شانج كاي شيك Chiang Kai-Shek، وأسسوا جمهورية الصين الشعبية، وعاصمتها بكين Peking. وأعدت هذه الجمهورية الجديدة عدتها لغزو الجزيرة الصينية "تايوان Taiwan" (التي يطلق عليها الغربيون اسم فورموزا Formosa)، بعد أن لجأ إليها شانج كاي شيك، والأفراد الباقون من الكومينتانج. وقد آمن الصينيون الشيوعيون بأن ضم تايوان سيضمن توحيد الصين كلها تحت حكومة واحدة، تعمل على إعادة تقدم الصين في ظل الاتجاه الشيوعي. ولكنهم، في الوقت نفسه، لم يكونوا يرحبون بأي متاعب مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخلت عن شانج كاي شيك، عندما لاحت بوادر هزيمته في الحرب. وأعلن الرئيس الأمريكي هاري ترومان، في يناير 1950، رفضه الدفاع عنه في فورموزا. كما تكرر الرفض على لسان وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيسون، في خطابه الشهير أمام نادي الصحافة القومية National Press Club، في 12 يناير 1950.

في الوقت نفسه، شعر الزعيم الصيني ماو تسي تونج Mao Tsi Toung أنه مدين لكثير من شيوعيي كوريا الشمالية، الذين قاتلوا جنباً إلى جنب معه، في الحرب الأهلية. وبالفعل أمر بإعادة نحو 16 ألفاً من جنود كوريا الشمالية، من المسجلين في جيش تحرير جمهورية الصين الشعبية، إلى بلادهم. ثم في ربيع 1950، أعاد ماو 12 ألفاً من قدامى المحاربين من جيش تحرير جمهورية الصين الشعبية؛ ليشكلوا، بعد ذلك، فرقتين من فرق الجيش الشعبي في كوريا الشمالية.

أولاً: الدعم الشيوعي (السوفيتي ـ الصيني) لكوريا الشمالية

حتى أواسط أغسطس 1950، لم تكن هناك أي بادرة تشير إلى أن جمهورية الصين الشعبية تنوي التدخل في الحرب الكورية؛ فقد كانت مشغولة، إلى أقصى حد، في مشكلة تحرير فورموزا. وفي 11 أغسطس، جاءت بعثة ودية من العاصمة بكين، إلى بيونج يانج، عاصمة كوريا الشمالية. ثم في 13 أغسطس، وصل سفير الصين الشعبية، كذلك؛ لتقديم أوراق اعتماده هناك. وكانت كوريا الشمالية تأمل في مساعدات الصين لها، باعتبارها كيان شيوعي ضخم، يتفق في العقيدة معها، ومع السوفيت بالطبع. ولكن يبدو أن الصين كانت مشغولة فقط بموضوع وجود الأسطول السابع الأمريكي، في مضيق فورموزا، وهو ما تضمنته الرسالتان الوحيدتان، اللتان أرسلت بهما الصين إلى الأمم المتحدة، منذ 25 يونيه 1950.

وفي أثناء احتفال بيونج يانج بالذكرى الخامسة لقيام كوريا الشمالية، أشادت بالدعم الروسي، وعبرت عن الشكر والامتنان للمساعدات الروسية، في بيان رسمي يقول: "إن صداقتنا مع الشعب السوفيتي تعد إحدى ضماناتنا لتحقيق النصر في الحرب".

وكان جاكوب مالك، لدى عودته إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، في 4 أغسطس، ليتولى رئاسته الدورية، قد أعلن أن جميع الإجراءات والقرارات التي اتخذها المجلس، في الفترة بين يناير إلى يوليه 1950، غير قانونية؛ لأنها تمت بعضوية الصين الوطنية "فورموزا"، وهو أمر غير قانوني. وبدأ جاكوب مالك يناقش المسألة الكورية، في حضور مندوب الصين الوطنية "تسيانج Tsiang"، وأعلن إدانته "لكتلة الاستعمار وسياستها العدوانية في كوريا"، محاولاً كسب تأييد الهند، أو عزل الولايات المتحدة عن بعض حلفائها، في هيئة الأمم المتحدة، وأنهى جاكوب مالك حديثه، بالتقدم بمشروع قرار، من نقطتين رئيسيتين:

1. يجب أن تنسحب كل القوات الأجنبية من شبه الجزيرة الكورية؛ لإنهاء الحرب الأهلية الداخلية هناك.

2. ينبغي دعوة وفود من جمهورية الصين الشعبية، ومندوبين من الشعب الكوري إلى الأمم المتحدة؛ لإجراء مناقشات موسعة في شأن المسألة الكورية. على ألا يكون، من بين هؤلاء المندوبين، أحد من أفراد الحكومة المنافسة في كوريا الجنوبية، لا سيما سينجمان ري "قاطع الطريق"، على حد وصف جاكوب مالك.

وقد اعترض على هذا الاقتراح كل من السفير الأمريكي أوستن E. Austin ومندوب بريطانيا السير جلادوين جب Sir Gladwin Jeb. وبعد أسبوع من ذلك، دعا مندوب بريطانيا السير "جلادوين جب" الكوريين الشماليين "للعودة من حيث أتوا"، معلناً أن استقرار الأمور في كوريا يمكن أن يتحقق بالمفاوضات.

وقد عاد للحديث، عن هذه "الفكرة"، السير بنجال راو، المندوب الهندي بالمجلس، الذي اقترح تشكيل لجنة، من الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن؛ لدراسة المشكلة الكورية بعد أن ينسحب الكوريون الشماليون. وحتى ذلك الوقت. لم تبد أي إشارة أو كلمة من الصين الشعبية. وفي 17 أغسطس، أدلى السفير الأمريكي أوستن بالتصريح التالي، وكان يهدف من ورائه إلى سرعة إثارة بكين "لمعرفة نواياها":

"لقد أرسى مجلس الأمن والجمعية العامة أسس قاعدة ثابتة، من أجل أي عمل قد يتقرر مستقبلاً؛ لتحقيق الأهداف، التي من أجلها تقاتل الأمم المتحدة حالياً. ولقد وضع مجلس الأمن هدفاً مبدئياً له، هو إنهاء حالة التوتر التي نشأت، ويجب أن يظل هذا الهدف مطلباً محترماً، بطريقة لا تسمح بأي محاولة للغزو، وإن الأمم المتحدة تريد أن ترى شعب كوريا، وقد نال وحدته كاملة، وحريته السياسية. وهل يكون جزء من هذه الدولة هو الذي ينال هذه الحرية؟ لا أظن. إن الجمعية العامة مصممة على ضمان عدالة الانتخابات، التي سوف تعقد في كافة أرجاء شبه جزيرة كوريا.

"وإن الأمم المتحدة تواقة لأن ترى مظاهر التقارب، من دون أي صعوبات أو عراقيل، من أجل تحقيق كامل الحرية في الانتقال والسفر، في كافة ربوع كوريا. وإننا سوف ننتظر. وأثناء هذا الانتظار، ستزداد الأمم المتحدة قوة".

وقد قضى هذا التصريح على أي أمل في التفاهم بين الأطراف؛ فقد أثار عزم الأمريكيين على كسر حصار بوزان، ومطاردة جيش كوريا؛ للقضاء على مقاومته تماماً، ووأد أي أمل لديه في بذل أي محاولة للغزو.

ثانياً: استفزازات متبادلة

بدأ التحرك الصيني، عندما أرسل شو إين لاي Cho En-Lai، وزير خارجية الصين الشعبية، في 20 أغسطس، أول برقية، من حكومته، إلى الأمم المتحدة، جاء فيها: "إن كوريا جارة للصين، وإن الشعب الصيني لا بد أن يكون له رأيه، في أي حل يتعلق بالمسألة الكورية. وإننا نطلب أن تُمثل حكومة بكين في مجلس الأمن، عند أي مناقشة للمسألة الكورية مستقبلاً.

وفي 22 أغسطس، قال المندوب السوفيتي، جاكوب مالك، "إن أي استمرار في الحرب الكورية لن يؤدي إلاَّ إلى اتساع شقة النزاع، وإن التبعات الناجمة عنه، سوف تتحملها الولايات المتحدة الأمريكية، ووفدها في مجلس الأمن".

توالت بعد ذلك التصريحات الأمريكية، التي استفزت الصينيين،

ومنها: في 25 أغسطس، أعلن "تشارلز ماثيو Charles Matthews"، وزير البحرية الأمريكي، أن دخول الأمريكيين الحرب لفرض السلام أمر مشروع، "بل إننا قد نكون أول من يعتدي من أجل السلام".

وفي اليوم التالي 26 أغسطس، أذاع الفريق الأول ماك آرثر رسالة مطولة، أشار في بعض فقراتها إلى:

1. "سوء الفهم فيما يتعلق بعلاقتنا مع فورموزا، وأثرها على وجودنا، وإمكاناتنا الإستراتيجية، في الباسيفيك".

2. "وإن فورموزا تعد جزءاً أساسياً من سلسلة الجزر، التي تشكل خطاً دفاعياً لنا، ومنها يمكننا السيطرة الجوية على جميع الموانئ الآسيوية، من فالديفستك Valdivostok، إلى سنغافورة، والقضاء على أي تحركات معادية لنا في الباسيفيك".

3. و"في الوقت الحاضر، توجد لنا حشود في قواعد العمليات الجوية والبحرية، في فورموزا، تعد، في قدرتها، أكبر من أي حشود مماثلة على الأراضي الآسيوية، فيما بين البحر الأصفر ومضيق ملقا". ثم أضاف ماك آرثر قوله المستفز: "لا يحظى بالاحترام والتقدير، في الشرق، إلاَّ القوي المعتدي".

وفي أقل من أسبوع، أدلى اللواء أورفيل أندرسون، قائد الكلية الجوية، بالتصريح التالي: "إننا في حرب، وإذا وليتموني الأمر، فأنا قادر على تدمير أوكار روسيا الذرية الخمسة، في غضون أسبوع واحد".

وفي اليوم نفسه، أصدر الرئيس الأمريكي هاري ترومان، بياناً من ثماني نقاط، أوضح فيه تصميم الولايات المتحدة على العمل تحت راية الأمم المتحدة، وجاء فيه: "إننا لا نريد للحرب، في كوريا، أن يتسع مداها، وتصبح حرباً شاملة. إنها لن تتسع رحاها، إلاَّ إذا قذف الاستعمار الشيوعي المعتدي جيوشاً وحكومات أخرى؛ للاشتراك في القتال ضد قوات الأمم المتحدة. وإننا نأمل، بصفة خاصة، من شعب الصين ألا يُضلل، أو يُرغم على القتال، ضد قوات الأمم المتحدة، وضد الشعب الأمريكي، الذي كان دائماً، وما يزال، صديقاً له". وعلى الرغم من أن ترومان تنصل من القول إن أمريكا قد خططت شيئاً، بالنسبة لفورموزا، أو الشرق الأقصى بصفة عامة، إلاَّ أن صدى هذه الملاحظة قد بدا، بالنسبة لبكين، كأنه إنذار لكي تبقى بعيدة. وكذلك تحرك ترومان بسرعة ضد دعاة الحرب والمتحمسين لها، في جهازه الحكومي؛ فأرجأ تولي الجنرال أندرسون لقيادته، وأمر ماك آرثر بسحب بيانه، وأبرز أهمية استقالة وزير الدفاع لويس جونسون Louis A.   Johnson، ومغزاها؛ فقد كان كثيرون يعتقدون أنه يؤيد تصريح قائد البحرية (ماثيو) عن الاعتداء من أجل السلام، والذي كان أثره مستفزاً تماماً للصين.

وهكذا فإنه، في أواخر سبتمبر 1950، بعد عملية غزو "إنشون"، وبعد أن رفض مجلس الأمن مقترحات المندوب السوفيتي، جاكوب مالك، انتقل الصراع السياسي، من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة، وتقدم وزير الخارجية الروسي، أندريه فيشنيسكي، إليها بمقترحات مشابهة لما تقدم بها مالك من قبل. أما الصين، فقد بدأت حملة إعلامية حادة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مما نشرته الصحف الصينية: "إن هذا الكلب المجنون (الولايات المتحدة) قد استولى على فورموزا، ووضعها بين رجليه الخلفيتين، بينما بدأ ينهش بأنيابه، وبشراسة، شعب كوريا".

"وهو الآن قد مد إحدى قائمتيه الأماميتين؛ لينبش بها، جبهتنا الشمالية الشرقية. والعالم كله يخضع لتهديده. لكن هذا الكلب الاستعماري الأمريكي المجنون قد ترنح من الضرب، وكاد ينتهي، ولكن قبل أن ينتهي، سوف يظل يعض ويعوي ويصرخ".

"إن الولايات المتحدة ليست جنة سوى للأفاقين قطاع الطرق، والنصابين الغشاشين، والأوغاد المحتالين، والعملاء المستغلين الرأسماليين، والحشرات الفاشية، والمضاربين المقامرين، وتجار الفسق والدعارة، وكل حثالة البشرية. فهي مصدر كل الموبقات والجرائم: كالرجعية والتخلف المظلم والقسوة والخراب والانحطاط والفساد والفسوق وظلم الإنسان لأخيه واستغلاله واستنزافه.

"إنها أرض كل جريمة يمكن أن تنسب إلى الإنسان، فهي الجحيم المقيم، الذي يفوق، في قسوته ووحشيته، عشرة أمثال، أو مائة ألف مرة، ما يمكن أن يصفه أشد الكتاب حماسة ومبالغة. إنها تمثل ظاهرة إجرام تفوق الخيال. ولا يسع ذوي الضمائر الحية إلاَّ أن يعجبوا كيف يمكن للحضارة الإنسانية أن تفسد، وتصل إلى هذا المدى من الانحلال.

في 21 سبتمبر، وصل إلى الأمم المتحدة تقرير، من الفريق الأول ماك آرثر، اتهم فيه حكومة بكين بأنها: "قدمت مساعدات عسكرية مهمة، إن لم تكن مساعدات حاسمة فاعلة لكوريا الشمالية، وبأنها أرسلت بعض جنودها الكوريين إلى بيونج يانج قبل الحرب. وفي اليوم التالي، أجابت الصين الشعبية على ذلك ببيان، فيه:

"إن شعب الصين يحتقر مثل هذا الاتهام، ولا يخشى عواقبه، إضافة إلى ذلك، فإننا نؤكد بوضوح أننا سنقف دائماً إلى جوار شعب كوريا، كما وقف شعب كوريا إلى جوار شعب الصين، خلال السنوات العشر الماضية، وإننا نعارض بشدة، ونحتج على الأعمال العدوانية التي يمارسها الأمريكيون الاستعماريون المعتدون ضد كوريا، وضد وحدتها؛ بهدف توسيع شقة الحرب".

وفي اليوم نفسه، 22 سبتمبر، اتهمت بكين الطيران الأمريكي بأنه انتهك حدود منشوريا، ووصل إلى مدينة أندونج على نهر يالو. وفي يوم 23 سبتمبر، نشرت صحيفة الشعب اليومية، وهي الصحيفة الرسمية في الصين الشعبية، بياناً يؤكد على ضرورة مساندة شعب كوريا الشمالية، جاء فيه: "نحن أبناء شعب الصين نقف ضد الأمريكيين المستعمرين؛ لأنهم يعادوننا. ولقد أصبح الأمريكيون الإمبرياليون أعداء لحكومة الصين الشعبية؛ لأنهم يدعمون عصابة شانج كاي شيك، وقد أرسلوا أسطولاً ضخماً يمنعنا من تحرير فورموزا الصينية، ولأنهم يواصلون غاراتهم الجوية وإلقاء القنابل، ويهاجمون شعب الصين بنيران رشاشاتهم، ويرفضون قبول الصين الشعبية عضواً في الأمم المتحدة، ولأنهم يغررون بالدول التي تدور في فلكهم، ويبعثون الفاشية من جديد في اليابان، ويعيدون تسليحها لتستأنف عدوانها. وإننا نعلن مساعدتنا لأصدقائنا وجيراننا ضد هذا العدو. وإذا ظن الأمريكيون، دعاة الحرب، أن اتهاماتهم وتهديداتهم تخيف شعب الصين، فإنهم واهمون".

وفي اليوم التالي، أرسل "شو إن لاي" برقيته المثيرة إلى الأمم المتحدة، متهماً فيها الولايات المتحدة بمحاولة: "توسيع رحى الحرب العدوانية ضد كوريا؛ من أجل تبرير مباشرتها العدوان المسلح على فورموزا، ومن أجل مد عدوانها فيما بعد إلى الصين". واستطرد شو إن لاي: "إن لهيب الحرب، التي أشعلتها الولايات المتحدة في الشرق، يشتد أواره بقسوة وفظاعة. وإذا استمر مندوبو معظم الدول الممثلة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة متساهلين، إزاء احتيال الولايات المتحدة، مستمرين في تظاهرهم بالعمى والصمم، إزاء هذه الجرائم العدوانية، التي تمارسها الولايات المتحدة، فإنهم لن يستطيعوا الهروب، أو التنصل من مسؤولية إشعال الحرب في الشرق".

وفي الأول من أكتوبر 1950، أعلن شو إن لاي بيانه التالي: "إن شعب الصين لن يظل صامتاً، بأي حال من الأحوال، إزاء العدوان الأجنبي. ولن يقف مكتوف الأيدي، وهو يرى جيرانه يتعرضون لغزو وحشي من قوى الاستعمار".

ويبدو أن الصين لم تسارع بالتدخل العسكري؛ لأنه كان بينها شيء من التنسيق مع فيشينسكي، وزير الخارجية السوفيتي، وانحصر هدفها الأساسي في محاولة منع قوات الأمم المتحدة من اجتياز خط العرض 38.

ثالثاً: أوضاع قوات الأمم المتحدة وتداعي الأحداث

في 30 سبتمبر 1950، بعد أن خاض الجيش الثامن الأمريكي معارك طاحنة، وصلت خسائره في الأفراد إلى: 24172 مصاباً، توزيعهم كالتالي:

1. 5145 قتيلاً.

2. 16461 جريحاً (مات منهم 422 متأثراً بجراحه).

3. 402 أسيراً.

4. 2164 مفقوداً (كثيرون منهم ظهر أنه وقعوا في الأسر).

ولمعرفة حجم قوات الأمم المتحدة في كوريا في 30 سبتمبر (أُنظر جدول حجم قوات الأمم المتحدة في كوريا في 30 سبتمبر1950)

رابعاً: خطة مواصلة العمليات بعد الاستيلاء على سيول

قررت حكومة واشنطن ضرورة عبور الجيش الثامن خط العرض 38، والتوغل في كوريا الشمالية. ومن ثم أرسلت هيئة الأركان المشتركة، في 27 سبتمبر، توجيهاً عاماً إلى الفريق الأول ماك آرثر، تضمن ما يلي:

1. ضرورة تدمير القوات العسكرية الكورية الشمالية.

2. توحيد أراضي كوريا كلها، تحت زعامة سينجمان ري، إن أمكن.

3. اعتبار هذا الأمر قابلاً لأي تعديلات لاحقة.

4. بذل كافة الجهود لتحديد ظهور أي بوادر تدخل سوفيتي أو صيني، والتصدي لها على الفور.

5. تحت أي ظروف، يحظر التعرض بتاتاً، من جانب قوات الأمم المتحدة: لحدود منشوريا، أو للولايات الشمالية الشرقية المطلة على الاتحاد السوفيتي.

6. عرض الخطط، التي يجهزها ماك آرثر، لعبور خط 38 على هيئة الأركان المشتركة لإقرارها.

رد ماك آرثر برسالة يطلب السماح له، بعد تجاوز الخط 38، بتدمير قوات كوريا الشمالية، في حالة عدم استسلامها طبقاً لنداء يذيعه عليهم. وبعد يومين جاءته رسالة شخصية من وزير الدفاع الأمريكي الجديد، جورج مارشال George C. Marshall، مؤداها أن لماك آرثر الحرية الكاملة في اتخاذ التدابير التكتيكية والإستراتيجية التي يراها، فيما يتعلق باجتياز الخط 38. وقد وافق الرئيس هاري ترومان على هذه الرسالة.

وفي اتصال مع وزير الدفاع الأمريكي، في 30 سبتمبر، قال ماك آرثر: "إنني، إلى أن يحدث الاستسلام، سأعتبر جميع أراضي كوريا مفتوحة أمام عملياتنا العسكرية". وفي أول أكتوبر، أرسل الفريق ماك آرثر إنذاراً، إلى قوات كوريا الشمالية، بضرورة "الاستسلام فوراً من دون أي شروط، وإلا فستحيق بكم الهزيمة الشاملة، ولا مناص من التدمير التام لقواتكم المسلحة، والقبض على المجرمين، الذين أشعلوا فتيلها".

في منتصف ليلة الثاني من أكتوبر، استدعى شو إن لاي السفير الهندي في بكين، "بانيكار"؛ للاجتماع به، وأخبره أن قوات الولايات المتحدة غزت أراضي كوريا الشمالية، وأن الصين سوف تدخل الحرب". وقد نقلت هذه الأنباء فوراً إلى الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، الذي كتب، بعد ذلك، يقول: "إن ثمة تقارير مشابهة كانت قد وصلته من موسكو وستوكهولم ونيودلهي. وعلى كل حال، فإن المشكلة، التي ظهر أن لها علاقة وثيقة بتلك التقارير، هي أن المستر بانيكار كان قد أدى، في الماضي، دوراً معقولاً مع الصينيين الشيوعيين، وأن تقريره الأخير لا بد أن تكون له أهمية خاصة، باعتباره مراقباً منصفاً، لا ينحاز لأيٍ من الطرفين. وكان واضحاً أن رسالة شو إن لاي مجرد محاولة سخيفة لتهديد الأمم المتحدة بالتدخل في كوريا. وكانت لدينا شواهد عديدة تؤكد احتمالات تدخل الصين في كوريا. ومن ثم، فقد بادرت، في 9 أكتوبر، بإرسال الرسالة التالية إلى الفريق الأول ماك آرثر: "على ضوء احتمال تدخل قوات الصين الشيوعية في كوريا، فإنني أرسل لك الإيضاح التالي؛ للاسترشاد به: "إلحاقاً لأوامرنا الصادرة في 25 سبتمبر: عليك أن تستمر في عملك، في حالة اشتراك قوات من الصين الشيوعية، من دون أي سابق إنذار، وأن تعمل، وفقاً لتقديرك وحكمك، بكل القوات التي تحت قيادتك الآن والتي تكفل لك فرصة ملائمة للنجاح. وعلى أي حال، فعليك أن تحصل على تصديق الكونجرس في واشنطن، قبل اتخاذ أي عملية حربية، ضد أي أهداف تقع في أراضي الصين الشيوعية".

في الثاني من أكتوبر، قدم فيشنسكي، وزير خارجية الاتحاد السوفيتي، مقترحات من سبع نقاط، إلى لجنة الأمن السياسية بالجمعية العامة، هي:

1. يوقف المتحاربون الأعمال العدوانية (وكانت الأمم المتحدة قد صوتت على ذلك، في 25 يونيه، ولكن كوريا الشمالية رفضته).

2. تنسحب قوات الأمم المتحدة؛ لكي تسمح لشعب كوريا أن يمارس حقه في السيادة لتسوية مشاكله الداخلية في حرية. (وقد صوتت الأمم المتحدة ضد عودة الوضع القديم لكوريا، على أن تنسحب القوات، قبل تشكيل حكومة موحدة).

3. تُجرى الانتخابات في كوريا كلها؛ من أجل إقامة حكومة مستقلة موحدة.

4. تنتخب كل من الجمعية العامة في كوريا الشمالية، والجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية، لجنة من مندوبي كل منهما؛ لتنظيم وإدارة انتخابات حرة. (وإن كان هذا يضع شعب كوريا الشمالية، تسعة ملايين، على مستوى المساواة مع شعب كوريا الجنوبية، الذي يزيد على 21 مليون نسمة).

5. تمثل كل من الصين الشيوعية وروسيا، كأعضاء في لجنة الأمم المتحدة، في لجنة مراقبة الانتخابات. (وكانت روسيا قد رفضت المشاركة في أي لجنة سابقة، شكلتها الأمم المتحدة في كوريا. وبدا أن ثمن اشتراكها في هذه اللجنة هو الحصول على الاعتراف بالصين الشيوعية).

6. تمنح دولة كوريا الموحدة المستقلة مساعدات اقتصادية، من الأمم المتحدة.

7. بعد أن تقوم حكومة كوريا الموحدة، ينظر مجلس الأمن موضوع قبولها عضواً في هيئة الأمم المتحدة.

وقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها معظم دول الأمم المتحدة، مقترحات فيشنسكي، باستثناء النقطتين الأخيرتين. وأيدتها الصين الشعبية تأييداً تاماً، أما الهند، فقد أيد مندوبها، السير بنجال راو، مقترحات فيشنسكي، بقوله: "إننا لا نستطيع التفكير في أن تضعف، أو تضيع، الثقة في الأمم المتحدة، حتى إذا كنا نتظاهر بالموافقة على وحدة كوريا، من طريق استخدام القوة، مرة أخرى، ضد كوريا الشمالية. ولا نريد التصدي العسكري لمحاولة كوريا الشمالية توحيد الدولة بالقوة، ضد كوريا الجنوبية، فتكون النتيجة هي مضاعفة العناد، من جانب كوريا الشمالية، وبالتالي يزداد التوتر في ذاك الجزء من العالم".

وتقدم مندوب الولايات المتحدة الأمريكية، تؤيده إنجلترا وفرنسا، بالمقترحات التالية:

1. ضرورة اتخاذ جميع الخطوات المناسبة لدعم الاستقرار في كافة أنحاء كوريا.

2. الإشراف الكامل للأمم المتحدة على جميع إجراءات الانتخابات في كوريا، بهدف إقامة حكومة مستقلة ديمقراطية موحدة.

3. إن جميع أجزاء كوريا، وشعبها في الشمال والجنوب، مدعوون للعمل والتعاون، مع عناصر الأمم المتحدة ومندوبيها، من أجل إعادة السلام، والمحافظة على إجراء الانتخابات، وإقامة الحكومة الموحدة.

4. إن قوات الأمم المتحدة لن تبقى في أي جزء من كوريا، إلا بقدر ما تحتمه الضرورة؛ من أجل تحقيق الأهداف المشار إليها.

5. تتخذ كل الإجراءات الضرورية؛ من أجل إعادة بناء اقتصاد كوريا.

6. تشكل، من أجل ذلك، لجنة مكونة من استراليا وشيلي وهولندا وباكستان والفليبين وتركيا ومن دول أخرى؛ من أجل تحقيق الأهداف المشار إليها.

اقترح مندوب الهند عرض مقترحات وزير الخارجية السوفيتي، مع المقترحات الأمريكية، جنباً إلى جنب، على لجنة خاصة؛ لتتولى التنسيق بينها. وطلب التصويت على ذلك، فجاءت النتيجة اعتراض 32، وموافقة 24، وامتناع ثلاث دول عن التصويت. ثم تم التصويت على المقترحات السوفيتية وحدها، فرفضها 46 عضواً، ووافق عليها خمسة، وامتنع 48 عن التصويت.

وفي 4 أكتوبر، عرضت المقترحات الأمريكية، فحصلت على تأييد 47 دولة، ومعارضة خمسة، وامتناع سبعة عن التصويت.

هكذا فشلت المناورات السياسية السوفيتية في إيقاف قوات الأمم المتحدة، عن اجتياز خط العرض 38. وعلى الرغم من أن الإجراءات الشكلية لصدور قرار الأمم المتحدة استغرقت ثلاثة أيام فقط، إلاَّ أن جنود كوريا الجنوبية لم يصبروا، بل واصلوا زحفهم إلى الشمال، في القطاعين الأوسط والشرقي، وتواصلت حماسة سينجمان ري، وهو يستحث قواته، ويعلن ضرورة توحيد كوريا إلى الأبد. وأذاع سينجمان ري البيان التالي: "أين هو خط العرض 38؟ إنه لم يعد له وجود، إنني سوف أواصل التقدم إلى يالو، ولن تستطيع قوات الأمم المتحدة أن توقفني".

في يوم 9 أكتوبر، نشرت صحيفة الشعب الصينية اليومية"، في صفحتها الأولى، مقالها الرئيسي، لفتت فيه الأنظار إلى "التحذير الذي أعلنه شو إين لاي، في 30 سبتمبر، وقال فيه: "طالما إن الموقف يخص كوريا بصفتها جارة للصين، فإن شعب الصين قد حدد موقفه علانية وبوضوح". وفي اليوم التالي، صدر بيان وزارة الخارجية (الصينية) بأن الهجمة الأمريكية، في غزوها كوريا، تمثل تهديداً خطيراً لأمن الصين وسلامتها، منذ البداية".

خامساً: الزحف الصيني

على أي حال، فشلت تحذيرات شو إين لاي في إيقاف قوات الحفاء من عبور خط العرض 38. وبدأت طلائع القوات الصينية، في نحو 320 ألف رجل، تحركاتها متجهة إلى نهر يالو، في الوقت الذي كانت تتراجع فيه قوات كوريا الشمالية، بسرعة، أمام زحف قوات كوريا الجنوبية في الشرق، وأمام تقدم الجيش الثامن الأمريكي في الغرب.

كانت طلائع الجنود الصينيين من أفراد مدربين، لهم تقاليدهم وماضيهم في التدريبات والمشروعات العسكرية. كانت نواة هذه القوة من جيش التحرير الصيني، أو جيش الصين الشيوعية، كما أسمتها تقارير استخبارات قيادة الأمم المتحدة، من اثنى عشر رجلاً اشتركوا، مع شباب من أتباع شانج كاي شيك عام 1927، وما لبثوا أن اكتسبوا ملايين الصينيين إلى عقيدتهم الشيوعية.

وبدأت هذه القيادة الشيوعية برامج التعليم والتدريب، مع التخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية؛ للسيطرة على الحكم في الصين، وكانوا جميعاً متقاربين في أعمارهم. وكان "شو ـ تيه Chu Teh" أكبرهم سناً، ولد عام 1886، بينما ولد أصغرهم، "لين بياو Lin Piao" عام 1908. وراوحت تواريخ مولد الباقين بين عامي 1892 و1900. ودرس تسعة منهم، في شبابهم، اللغة والتعليم العسكري، بينما تلقى سبعة منهم تعلميهم في فرنسا وألمانيا، وتم استبعادهم بسبب نشاطهم المناوئ للنظام.

والتقوا جميعاً في دراستهم بعد ذلك، في موسكو، ما عدا ماو تسي تونج، وكاو كانج، وهولا ونج، وتلقى الأخيران تدريبهما العسكري بين قطاع الطرق. وكانوا جميعاً، إلا اثنين من الإثنى عشر، من المحترفين، الذين شاركوا فيما سُمِّي بالزحف الطويل المشهور، من ولاية كيانج سي في جنوب الصين، إلى ولاية "شين سي" في شمالها. وكان شوتيه قائداً تكتيكياً لهذا الزحف، بينما كان ماو تسي تونج المستشار السياسي لهم. وكان شو إن لاي من أفضل من قدمته مدارس الغرب، وكلية "وامبوا" العسكرية، وهي الكلية الحربية في الصين، وكان هو نائب "شوتيه"، وكان "بنج تيه هواي Peng Teh-Huai" نائب قائد عام القوات الصينية، عام 1950، تحت قيادة شو. وكان مسؤولاً عن قيادة الفيلق الثالث، الذي كان بمثابة قوات المقدمة للقوات الصينية. وأما "لبو شاو شي"، الذي كان قد تعاون مع ماو تسي تونج منذ عام 1921؛ فقد كان المستشار السياسي للقائد بنج.

وكان هؤلاء الرجال، ومعهم ثلاثة آخرون، هم الاثنى عشر الشيوعيين، الذين حاربوا شانج كاي شيك، في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين. وفي أول العقد الثالث منه، وقد بلغت هذه الحرب ذروتها في أكتوبر 1934. وعندئذ هُزم الشيوعيون في جنوب الصين، عند نانشانج، وبعدها في سواتو وكانتون، ولم يكن أمامهم أي حل آخر، سوى الانسحاب من كيانجسي، إلى ملجأ لهم في الخلف، عند يينان، في ولاية "شين سي" الشمالية، وأن يستمروا في القتال هناك، جنباً إلى جنب، مع قوات كوا كانج. وفي الوقت نفسه، بقي شين بي في "كيانجسي"؛ لمناوشة قوات شانج كاي شيك، وإرهاقه بحرب العصابات. وفي ليلة 16 أكتوبر من عام 1934، بدأ الزحف الكبير (شانج شينج).

وكان هذا الجيش يراوح، في عدده، بين 90 ألفاً و100 ألف، خرجوا يشقون طريقهم صوب "يينان"، في ولاية "شينسي"، على مسافة ستة آلاف ميل. ومعهم المؤن، على عربات اليد أو الدواب أو حتى على ظهور الحمالين المدنيين من الرجال والنساء، الذين بلغ عددهم نحو 50 ألفاً. وكان المسير شاقاً، وكان من يحاول الهروب، تدركه قوات المؤخرة، وتعيده ثانياً. فإن رفض، قُتل على الفور، أما من سقط من الإعياء، فكانوا يتركونه، أو يقتلونه. وسار بعضهم حفاة الأقدام، بينما انتعل آخرون صنادل من قش الأرز، وكان عليهم أن يعبروا 24 نهراً، و18 سلسلة من الجبال الوعرة. وخاضوا معارك شرسة، أثناء الطريق، وكان الخطر من الوقوع في كمائن القوات الوطنية ماثلاً دائماً. وقد مر أولئك المقاتلون المحنكون، في الزحف الطويل، خلال اثنتي عشرة مقاطعة، واحتلوا 62 مدينة، وخاضوا 25 معركة كبرى، وساروا 235 يوماً و18 ليلة خلال عام العبور، الذي قضوه في مسيرهم، بمعدل 24 ميلاً في اليوم الواحد.

وقد تم اختبار وصقل كل الرجال، الذين قادوا الصين الشيوعية، عام 1950 (عدا اثنين منهم)، في تلك البوتقة من الخبرة القديمة، وكان هؤلاء الرجال، هم الذين أعادوا تنظيم الجيوش الصينية الحمراء، وبدأوا يعملون من قاعدتهم المؤمَّنة في يينان. ولمدة ستة عشر عاماً، لم يعرف جيش التحرير الشعبي شيئاً سوى الحرب، فحاربوا الوطنيين، ثم حاربوا اليابانيين الذين غزوا الصين، وعندئذ تحالفوا مؤقتاً مع الوطنيين ضد هذا العدو المشترك. ولأول مرة تلقوا أسلحة حديثة، معظمها من الولايات المتحدة الأمريكية، من طريق رشوة قواد الجيش الوطني، الذين باعوا لهم الأسلحة الأمريكية. إضافة إلى ذلك، وقع في أيديهم كثير من الأسلحة، بعد هزيمة اليابان، وعادوا من جديد لمحاربة شانج كاي شيك، واستولوا على مخازن جديدة للأسلحة، أثناء ضرباتهم النهائية إلى الوطنيين، التي أدت إلى طردهم من أرض الصين، عام 1949.

وإبان هذا الصراع، كان هناك الرجال الذين دبروا للتدخل في كوريا، أو لقيادة قواتها، عندما أصبح ماو تسي تونج، العقل العسكري والسياسي، رئيساً لوزارة الصين الشيوعية، وأصبح شو إن لاي، ذو الثقافة الغربية الشيوعية، وزيراً لخارجيته. وأما شوتيه، الذي كان القائد المخطط للزحف الطويل، فقد أصبح القائد العام لقوات الصين الشيوعية المسلحة، كما أصبح بينج نائباً له. وأصبح شين لي قائداً للجيش الثالث الميداني، الذي كان لا يزال متجمعاً شمال نهر يالو. وكان "لين بياو" قائداً للجيش الرابع الميداني، الذي كان عليه أن يكون أول من يجتاز حدود كوريا.

ووجد هؤلاء الرجال أن الأفراد الذين يجندونهم، أغلبهم من الفلاحين، الذين اعتادوا القتال، مقابل دراهم معدودة وحفنة من الأرز، فكان الجندي بذلك مثاراً للاحتقار والهوان، يقاتل يوماً في جانب ما، وينتقل في اليوم التالي إلى الجانب المضاد. وكل همه أن يبقى حياً؛ ليخطف لنفسه كل ما يستطيع، من أجل تأمين مستقبله. وحاول شوتيه وباقي القواد تغيير هذا المسلك، منذ اللحظة التي بدأت فيها إعادة تنظيم القوات الشيوعية في بينان.

عُين مراقبون سياسيون لكل الوحدات، وكان جميع الأفراد يلقنون العقائد الماركسية، أربع ساعات يومياً. وكانت القوات الوطنية التي تستسلم، أو التي هربت من مواقعها، تمر بمرحلة دقيقة من الاختيار والاختبار، قبل انضمامها إلى جيش التحرير الشعبي. وتم تطعيم الوحدات بأفراد يتجسسون؛ لتقديم تقارير سرية عن الذين ينتقدون، في صراحة، النظريات والآراء المناهضة للماركسية؛ بغية التخلص منهم.

وكلما توطدت أقدام الشيوعية المنتصرة في الصين، زاد عدد فرق التدريب العسكري، التي التحق بها الشباب من الرجال والنساء، من سن 17 إلى 23 سنة، من معتنقي الفكر الشيوعي الخالص. وكانوا ممن يتمتعون بصحة جيدة، وعلى مستوى من التعليم حاصلين على شهادة دراسية. وكانوا ينتظمون في دورات دراسية، تراوح فتراتها من ثمانية أشهر إلى سنتين، يرقون بعدها ضباطاً، بدرجة ملازم ثان، بالقوات الصينية الشيوعية. وما أن حل خريف 1950، حتى كانت آثار هذا البرنامج على وشك أن تؤتي ثمارها بدرجة كبيرة. ولم تزل مع ذلك قوات الصين الشيوعية تعتمد على الفلاحين، وعلى الكثرة العددية في المقام الأول.

كان بوسع أولئك الرجال السير والقتال، من دون حاجة إلى تعيينات أو مؤن كثيرة؛ فقد كان كل منهم يحمل معه مؤونة، ثلاثة إلى خمسة أيام، في كيس من القماش، يحتوي على أرز أحضره معه من الصين، أو بعض الذرة العويجة الكورية، ومعها بعض الحمص أو البسلة المجففة المطحونة. وكان كل جندي يصنع وجبته من هذه التعيينات، كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وكان البعض الآخر يخلطها بالماء، ويأكلها باردة.

وفي الشتاء كان الجندي الصيني الشيوعي يرتدي بذلة ثقيلة كاكية اللون من القطن، فوق ملابسه الصيفية. وكان لون هذه الملابس الشتوية أبيض من الداخل، وكانت تقلب، عند ارتدائها، في القتال بالمناطق الجليدية. ولم يكن لدى الجندي الصيني خوذة صلب، ولكن كان يغطي رأسه بقبعة من القطن السميك، لها حافتان طويلتان لتغطية الأذنين. وكان حذاؤه إما من المطاط، أو الخيش المبطن بطبقات من القطن، وإن كان بعض الذين اجتازوا نهر يالو، قد حصلوا على أحذية مبطنة بالفراء.

وكانت القوات الصينية الشيوعية ذات خبرة كبيرة في القتال الليلي، وخاصة في أعمال الدوريات. وكانت أخطر عملياتهم التكتيكية، مماثلة لتلك التي نفذها الكوريون الشماليون، إن لم يكن في الحقيقة أن الكوريين الشماليين هم الذين نقلوا هذه التكتيكات من الصينيين، أثناء اشتراكهم في القتال إلى جانب جيش المتطوعين مع الصينيين. وكانت هذه التكتيكات تعرف باسم هاتشيس شيكي Hachis Shiki، وهي عبارة عن تشكيل يشبه الكماشة، فهو على هيئة رقم 7، مع مراعاة أن تكون فتحة هذا التشكيل في اتجاه العدو. وعندما تدخل قوات العدو هذه الفتحة، يطبق عليها الجانبان، بينما تتحرك قوة أخرى، من القلب، لتعترض تعزيزات العدو.

وكان الجندي الصيني يفضل أن يقترب من عدوه زاحفاً، مستتراً بالظلام، ثم يلقي عليه القنابل اليدوية، ويقتحم، إذا وصلته الإشارة إما من النفير أو من الصفارة، أو بأي وسيلة أخرى. وكان قوادهم يتفوقون، بنسبة 3 إلى 1، في القدرة على الهجوم، ولكنهم لم يستخدموا فكرة الهجوم "بالكتل البشرية"، الحاشدة. وقد ذكر أحد الكتاب الأمريكيين، أن واحداً من رجال مشاة البحرية، سأل زميلاً له: "هيه، أيها الرقيب، كم قبيلة توجد في فصيلة من الجيش الصيني؟!". ولم يكن صوت (النفير) يزعج أحداً من الصينيين، عندما يسمع صوته، كما هو الحال مع غيره؛ إذ كانت نفخات النفير عبارة عن إشارات معينة، بمثابة وسيلة متعارف عليها؛ لضمان السيطرة على الأفراد في الظلام. وقد سبب ذلك بعض الفزع لقوات الأمم المتحدة، في بادئ الأمر، إلاَّ أن ذلك أصبح، فيما بعد، ذا فائدة كبيرة، بعد ما أمكن فك رموز هذه الإشارات الصوتية.

وكانت الفرقة من قوات الصين الشيوعية تتكون من عشرة آلاف مقاتل. والجيش يتألف من ثلاثة فرق، علاوة على قوات المعاونة، ما يجعل قوة الجيش تقدر بحوالي 40 ألف رجل، وبذلك يساوي قوة جيش في القوات الأمريكية. وكانت مجموعة الجيوش تتكون من خمسة أو ستة جيوش، اثنان منها جيشا ميدان، كما كان الحال بالنسبة للجيش الرابع الميداني، الذي كان يقوده الجنرال لين. ويتألف من قوة يراوح عددها من 300 ألف إلى 600 ألفاً.

لقد بدأت القوات الصينية تحركاتها، وفقاً لما حملته أنباء استخبارات ماك آرثر، وإن كانت هذه التحركات لم تكن معلومة لمركز قيادته في طوكيو. وكان تهديد قوات شو إين لاي وتحركاتها في الميدان، بمثابة انفجار قنبلة أصابت مركز قيادة الجيش الثامن. وقد وصف ذلك العميد مارشال رئيس شعبة العمليات بالجيش الثامن، بقوله: "لقد ملك الفزع والرعب مركز القيادة. ومع أن هذا التهديد لم يحسب حسابه في الولايات المتحدة، إلاَّ أن الفريق والتون ووكر، وهيئة أركان حربه، أعطوا اهتماماً بالغاً للتحذيرات، التي نقلها السفير الهندي في بكين، بأن الصين الشيوعية تستعد للدخول في الحرب. وأيضاً أذاع الجيش الثامن، في أول أكتوبر، على قواته ووحداته، كل المعلومات عن توزيع قوات الصين الشيوعية في الميدان على جبهة يالو، وكانت هذه البيانات ـ كما أثبتت الحوادث فيما بعد ـ في منتهى الدقة. وكان الأمر من الحرج بحيث أن الاستخبارات ناقضت نفسها بسرعة. فبمجرد أن ذكر رسمياً في التقارير: "أن قوات الصين الشيوعية قد دخلت، ساد الذعر حليفتنا كوريا الجنوبية، كأنها قد أصابها الشلل. فقد كان الأثر المعنوي على العملاء في الميدان عميقاً قوياً، وفقدوا نهائياً حماستهم ورغبتهم للعمل". وإذا كانت التقارير الدورية اتخذت طابعاً يتسم بالتشاؤم؛ فقد أبلغ الخبراء الأمريكيون، الذين كانوا يعملون بالفرق الكورية الجنوبية، أن القوات قد أصبحت في حالة شديدة التوتر، وفي حالة معنوية تزداد سوءاً. وقد استحث وزير الدفاع شين سونج مو ضرورة إيقاف تقدم (الصينيين)، تجاه نهر يالو. وبدأت تقارير الاستخبارات تأخذ طابعاً أكثر تحفظاً لاعتبارات نفسية وعقلية.

أما في مقر الفريق الأول ماك آرثر، فقد كان الاعتقاد السائد أن القوات الصينية لن تدخل الحرب. ومن ثم كانت المفاجأة، وكان الاجتماع، الذي دعا إليه الرئيس هاري ترومان، وطلب فيه من ماك آرثر تقديم أدق المعلومات وأسرعها، ورأيه الشخصي في الأوضاع الحالية في كوريا. كما طلب منه أن ينظر إلى الأمور، "في إطار الوضع العام الدولي، حسب الصورة العالمية التي نراها في واشنطن". لقد كانت انتخابات الكونجرس على الأبواب، في نوفمبر القادم، وكان هاري ترومان يهدف إلى تحقيق الكسب السياسي، من خلال تفاهمه وتنسيقه مع ماك آرثر، ولذا طلب إليه أن يختار مكان اللقاء، إما في هونولولو، وعلى مسافة متساوية من كل من طوكيو وواشنطن، أو في جزيرة ويك، على مسافة 8 ساعات طيران فقط من طوكيو، و30 ساعة من واشنطن. فاختار ماك آرثر جزيرة ويك مقراً للاجتماع. فطار إليه ترومان؛ ليلتقيه في 15 أكتوبر، وأظهر له آيات الود والتلطف، وأهداه وسام صليب الخدمة المتميزة، ووعده بترقية مساعده اللواء كورتني هويتني Courtney Whitney" إلى رتبة الفريق.

وفي ويك، قال ماك آرثر للرئيس ترومان: "إنني أعتقد أن المقاومة في كوريا سوف تنتهي، قبل عيد الشكر في نوفمبر؛ وإن أملي أن أستطيع سحب الجيش الثامن إلى اليابان، قبل عيد الميلاد. وبسؤال آرثر عن احتمال تدخل الصينيين في المعركة، أجاب إجابته المشهورة: "إنه احتمال ضعيف جداً وإنهم إذا تدخلوا، في الشهرين الأول والثاني، فسوف يكون ردنا حاسماً، فلم نعد نخاف من تدخلهم، ولن نقف مكتوفي الأيدي، وإن للصينيين 300 ألف في منشوريا، وإن من بين هؤلاء ما لا يقل عن 100 ألف أو 125 ألفاً موزعين على جبهة نهر يالو، وإنهم لا يملكون أية قوة جوية. ونحن الآن نملك قواعد لقواتنا الجوية في كوريا. ولو حاول الصينيون التقدم جنوبي بيونج يانج، فسوف تكون في انتظارهم أفظع مذبحة".

في اليوم التالي، 16 أكتوبر، بدأت الطلائع الأولى من القوات الصينية، قوامها 180 ألف جندي، بقيادة الجنرال لين بياو Lin Piao، عبور نهر يالو في كوريا الشمالية. وأيقن ماك آرثر أن أمله، في قيادة القوات الأمريكية في العودة إلى وطنه، قبل عيد الميلاد، قد تبدد تماماً.

لا شك أن الجيوش الصينية، التي جاءت إلى كوريا، كانت في حاجة إلى مساعدات روسية، على الأخص في الأسلحة الثقيلة والطيران. ولكن العلاقات بين الصين (ماو تسي تونج)، وروسيا (ستالين)، كانت فاترة.

ولكن كانت هناك أسباب خاصة بالصين، وبدا أن أهمها هو الخوف من تعرضها للعدوان، وشكها فيما هل ستتوقف قوات الأمم المتحدة عند نهر يالو، أم سيستمر زحفها إلى أبعد من ذلك، أخذاً بما صرح به ماك آرثر وشانج كاي شيك. ولعل ذلك هو سبب ما أخبر به شو إن لاي السفير الهندي بانيكار بأن شعبه (الصين) لن يتدخل، إذا اجتاز الكوريون الجنوبيون، وحدهم، خط العرض 38. وأكثر من ذلك، إن أي نصر كبير، تحرزه الولايات المتحدة الأمريكية في كوريا، سوف تكون له آثار معنوية بعيدة الأثر في الشرق الأقصى. فاليابان التي كانت تستعد، بسهولة، لتوقيع معاهدة صلح، مع الولايات المتحدة، سوف تجثو بعد ذلك راكعة وراء "العم سام"، وربما يتبع اليابان بعد ذلك كل المستعمرات السابقة، التي كانت خاضعة للغرب في جنوب شرق آسيا، والتي برزت كدول مستقلة. ولكن الصين الشيوعية لم تكن تخشى الأسلحة النووية الأمريكية، أو على الأقل، لم تتصرف كما كان يجب أن يحدث، فقد سبق أن أشار ماو تسي تونج، عام 1946، إلى ذلك "بأن القنبلة الذرية ما هي إلاَّ ورقة لعب، أراد بها الرجعيون في أمريكا تخويف الشعوب". أما بانيكار فقد قال له اللواء "نيه جانج شين"، الذي كان يعمل رئيساً لهيئة أركان حرب جيش التحرير الشعبي: "إننا نعلم أنه واجب علينا، بأي ثمن، إيقاف العدوان الأمريكي، فإن بوسع الأمريكيين أن يضربونا بالقنابل، وهم قادرون على تحطيم صناعاتنا، ولكنهم لن يهزمونا على الأرض (في الميدان). وأنهم ربما يلقون علينا القنابل الذرية، وربما يقتلون مليوناً من الشعب، ولكن ماذا بعد ذلك؟". واستطرد نيه يقول: "ومع ذلك كله، فإن الصين تعيش على مزارعها وحقولها. وماذا تستطيع أن تفعله القنبلة الذرية هناك؟". وبالطبع كان نيه يقصد موضوع الحرب على الأرض الصينية. ولكن سواء كانت كلماته قد قيلت عن يقين صادق، أو للمناورة، فإنها كانت تعبر عن موقف، أو رأي القيادة الصينية، في ذلك الوقت؛ كان الرجل الصيني لا يخشى الهجوم الأمريكي على أرضه، مهما كلفه من ثمن. وكان الاعتماد الأساسي، في الصمود، على القوة العددية الحاشدة للصمود، أمام التفوق النيراني للحلفاء.