إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث التاسع

المرحلة الأولى من الصراع المسلح مع الصين والمواجهة العنيفة

أولاً: المرحلة الأولى من الصراع المسلح مع الصين

ساد الفرح أفراد القوات الأمريكية، والقوات الكورية الجنوبية، بعد هذه الانتصارات، وتراجع قوات كوريا الشمالية، وتشدق رجال الفرقة الأولى فرسان أمريكية بأنهم سيقومون بعرض عسكري، في ميدان بلازا بطوكيو، في عيد الشكر في نوفمبر، وهم مرتدون أوشحتهم الصفراء الزاهية، وبدأت هذه الفرقة تعد بعض مهماتها؛ استعداداً للانسحاب المتوقع من كوريا. وأخذ كثيرون منهم يتحدثون عن مشترياتهم، في عيد الميلاد، من اليابان. إضافة إلى ذلك، كانت القيادة الجوية لقاذفات القنابل بالشرق الأقصى، تشكو من أنها "لم يعد أمامها أي أهداف". فقد حدث أن عاد طاقم من المجموعة 92 لقاذفات القنابل، من مهمة كان فيها، وأبلغ أنه لم يصادف هدفاً معادياً، سوى دراجة نارية واحدة، وأمطرها بالقنابل، فدمرها. ونتيجة لمثل هذه التقارير، خفض الفريق ستريت ماير" عدد الطلعات الجوية إلى 25، ثم إلى 15 طلعة، حتى يوم 27 أكتوبر، وهو الذي بدأت فيه إعادة المجوعات 22 و 92 إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أوقف العمليات الجوية بالنسبة لقيادة قاذفات القنابل. وبقيت ثلاثة جسور، بمثابة أهداف في أرض كوريا الشمالية، رؤى أنها قد تكون ذات فائدة لقوات الحلفاء، أكثر منها بالنسبة لقوات كورية الشمالية.

ولكن هذه الفرحة لم تتم؛ ففي يوم 25 أكتوبر، شنت الفرقة 124 من قوات الصين الشعبية هجومها على الكتيبة الثالثة من الفوج الثاني التابع للفرقة السادسة من قوات كوريا الجنوبية، على بعد ثمانية أميال غرب أونجونج Onjuong (أُنظر خريطة التدخل الصيني غرباً)، إلى مسافة 37 ميلاً شمال غرب هانج نام، فقتلت 350 من رجالها الـ 750، ولاذ الباقون بالفرار، عائدين إلى أونجونج. وأسرت عدداً كبيراً، من بينهم الضابط جلين جونز Glen C. Jones، المستشار الأمريكي لجماعة الـ KMAG.

أخذ الكوريون الجنوبيون 16 أسيراً، وعرفوا منهم أن الفرقة 124، ومعها الفرقتان 125 و126 من الجيش 42 الصيني عبرت نهر يالو خلال الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر، وتقدمت إلى الجنوب الشرقي؛ لحماية خزان شوزين. وقد جاء في تقرير استخبارات قيادة الشرق الأقصى، بعد ثلاثة أيام من معركة سادونج، ما يأتي: "من وجهة النظر التكتيكية، وبعد أن توزعت فرق الجيش الأمريكية المنتصرة، يبدو أن أنسب الأوقات، التي قد تلائم تدخلاً صينياً كهذا، قد فات من زمن طويل، ومن الصعب، أن نتصور أن مثل هذا التدخل، إذا فرض وكان مخططاً له، سوف يؤجل إلى وقت تكون فيه فلول القوات الكورية الشمالية قد تشتت، وأصابها الإجهاد والخوار، بعد أن تحطمت فرقها، وفقدت معظم قادتها. وتناثر جنودها، وانهارت معنوياتهم، يبحثون عن طعام وسط سلسلة الجبال العارية الجرداء، التي يلفحها برد الشتاء القاسي.

وفي سعت 330، 28 أكتوبر، هاجم الصينيون أونجونج، وراحوا يطاردون الكتائب الأخرى من الفوج الثاني من قوات كوريا الجنوبية، وهم يفرون فزعين لا يلوون على شيء. بعد أن سقط منهم 800 بين قتيل وأسير. بينما تعثرت كتيبة من الفرقة السادسة، عند أحد حواجز الطريق، التي أقامها الصينيون خلف الفوج السابع، على ضفاف نهر يالو. فأطبق عليها الصينيون، وأبادوها. ولم تبق، في تلك الليلة، سرية واحدة متماسكة من الفوج الثاني من الفرقة السادسة.

أمر الجنرال يو جاي هونج Yu Jae Hung، قائد الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية، كلا من الفوج 19، باستثناء كتيبة واحدة، والفوج 10 التابع للفرقة الثامنة، باستثناء الكتيبة الأولى، بالتحرك من هويشون غرباً؛ للتصدي للصينيين، واسترداد المركبات والمعدات وقطع المدفعية، التي سلبوها من الفوج الثاني. وفي يوم 29 أكتوبر، تعرض هذان الفوجان للمصير نفسه، الذي تعرض له الفوج الثاني من هزيمة قاسية، وفقدان مركباتهما، وبطاريات المدفعية الثلاث التي في حوزتهما؛ ومن ثم انسحب الفوج السابع، من ضفاف نهر يالو، لائذاً بالفرار إلى الجنوب. وشكلت حواجز الطريق، التي أقامها جيش كوريا الجنوبية، عوائق كبيرة أمامه.

حاول الطيران الأمريكي مساعدة قوات كوريا الجنوبية، وأمدها بالإسناد اللوجستي اللازم، والوقود والمؤن؛ لكي تصمد في مواقعها، ولكن دون جدوى؛ فقد انهارت تماماً، ولم ينج من أفرادها سوى 875 فرداً، من مجموع 3552 أفراد الفوج السابع، لاذوا بالفرار إلى كونري، فانضموا إلى الفرقة السادسة، ومن بينهم العقيد ليم بو تايك، قائد الفوج، واثنان من قادة الكتائب، بينما أُسر ضباط الأركان ومستشارو الـ KMAG.

في 31 أكتوبر، شددت القوات الصينية وطأتها على خط دفاع الفيلق الثاني، من قوات كوريا الجنوبية، شمال كونري وشرقها، واجتاحت الفوج 16 من الفرقة الثامنة الأمريكية، مع الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، وشتتت شمل كتيبة كاملة منها.

أما على الجانب الجنوبي من شونجشون، فقد أجبرت القوات الصينية، في الأول من نوفمبر، الفرقة السابعة من قوات كوريا الجنوبية على ترك مواقعها، والتراجع إلى ضواحي ون ـ ني. وهكذا تداعى القطاع الأوسط كله، وأصبح الفيلق الأول الأمريكي، من الجيش الثامن، في الجناح الأيمن، مكشوفاً تماماً.

كذلك من 25 إلى 28 أكتوبر، زحفت القوات الصينية إلى أونزان، فاستولت عليها، بعد معارك طاحنة بالمدافع الآلية، والأسلحة الخفيفة، والمدافع الهاوزر عيار 155مم، هُزمت فيها قوات الفوج 15 مشاة من كوريا الشمالية. وفي 28 أكتوبر، أمر الفريق ووكر الفرقة الأولى فرسان أمريكية، بترك مواقعها في بيونج يانج، والإسراع شمالاً إلى أونزان، مخترقة صفوف الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية. وفي 29 أكتوبر، خاضت هذه الفرقة حرباً شرسة مع القوات الصينية، باستخدام الهاونات والأسلحة الأوتوماتيكية والخفيفة، تدعمها الطائرات، ولكنها لم تفلح في زحزحة الصينيين.

في صباح اليوم الأول من نوفمبر، حاولت وحدات من قوات كوريا الجنوبية، تدعمها عناصر من كل من الكتيبة السادسة دبابات أمريكية، والكتيبة 70 دبابات أمريكية، التصدي للصينيين، على طول الضفة الغربية لنهر سامتان Samt'an. ولكنها فقدت ثلاث دبابات، ولم تستطع التقدم أكثر من نصف ميل، إزاء نيران الهاونات الصينية عيار 120 مم، فانسحبت الدبابات نحو ميلين شرقاً. وأرسل قائد الكتيبة الثانية، من الفوج 15 من القوات الكورية الجنوبية، استغاثات إلى العقيد ريموند بالمر، قائد الفوج الثامن فرسان أمريكي، دون جدوى. فانسحبت القوات الكورية الجنوبية، وتراجعت الكتيبة الثالثة من الفوج الخامس فرسان أمريكي؛ لتتخذ مواقع دفاعية، على بعد ستة أميال، شمال شرق يونج بوون Yongbuon.

وفي أقصى اليسار، في المنطقة الساحلية، واجه الأستراليون، من قوة اللواء 27 الكومنولث البريطاني، مقاومة عنيفة من الكوريين الشماليين، لدى وصولهم إلى شونجو، في 30 أكتوبر، ولكنهم تمكنوا في النهاية من الاستيلاء على شونجو، بعد تدخل الطائرات الأمريكية، التي دمرت عشر دبابات ت ـ34، ومدفعين ذاتيي الحركة. وفي الليل، حل الفوج 21، من الفرقة 24 الأمريكية، محل القوة الأسترالية بقيادة أرجيل، ودارت معركة دبابات عنيفة، في ضوء القمر، انتهت بانسحاب الكوريين الشماليين، عند الفجر، تاركين خمسين قتيلاً، وخمس دبابات محطمة، ومدفعاً ذاتي الحركة، وسبعة مدافع مضادة للدبابات.

وصلت الكتيبة الأولى من الفوج 21 مشاة أمريكي، بقيادة المقدم تشارلز سميث Charles B. Smith، ظهر الأول من نوفمبر، إلى مشارف شونجو ـ دونج Chnggo- dong، وهناك اشتبكت مع قوة كورية شمالية، من 500 جندي، وسبع دبابات. وتراجع الكوريون الشماليون، بعد أن فقدوا نحو مائة بين قتيل وجريح، ودمروا دبابتين أمريكيتين. عندئذ تهيأ للهجوم الكتيبة الأولى من الفوج 21 أمريكي، التي اشتهرت باسم "قوة سميث الخاصة، ويقودها المقدم براد سميث، الذي قاد أول قوة برية أمريكية في معركة أوزان، قبل ذلك بأربعة أشهر. قاد سميث أعمق عملية اختراق في قطاع الجيش الثامن في كوريا، فقد تمكن، مع رجاله، بالدبابات من الوصول إلى شونجو دونج Chonggo- dong"، على مسافة 18 ميلاً جوياً، جنوب سنويجو ونهر يالو؛ فقد كان هذا هو الحد الأقصى المطلوب من الجيش الثامن أن يصل إليه. وهناك جاءتهم أوامر بالتوقف، والاستعداد للتصدي لهجوم مضاد شديد. فتحولوا إلى "شونج جو"، ثم من هناك تراجعوا إلى "شونج شون".

كان الفوج الخامس هو الوحدة الأولى في الفرقة 24، الذي عبر نهر شونجشون، وواصل طريقه، فعبر نهر تايريونج Taeryong، في 28 أكتوبر، ثم اتجه شمالاً إلى تايشون Taechon. وخاض، في 29 أكتوبر، معركة شرسة مع قوات كورية شمالية، دمر لها تسع دبابات، وأربع مدافع ذاتية الحركة، ودخل تايشون، بعد أن أسر 89 من الكوريين الشماليين؛ بينهم صينيان. ثم تحول الفوج إلى الشمال الغربي نحو كوسونج Kusong، فخاض معركة مع قوات كورية شمالية، تُقدر بستة آلاف، تدعمهم الدبابات، والمدافع ذاتية الحركة، والهاونات. وتمكن بمعونة الطائرات من دحرها، وقتل نحو 400 من رجالها، وتدمير مدفعين ذاتيي الحركة، وثمانية مدافع هاوزر عيار 76 مم، وثمانية هاونات، وستة مدافع مضادة للدبابات، وخمسة آلية. واستولى على كوسونج، في ظهر 31 أكتوبر. وفي الأول من نوفمبر، نجح في تأمين ملتقى الطرق السريعة، على بعد خمسة أميال شمال كوسونج. وهناك جاءته الأوامر بالتوقف، والثبات في موقعه. ثم صدرت له الأوامر، ومعه الفوج 21، بالانسحاب إلى شونجشون، في ليلة الثاني من نوفمبر. كما صدرت أوامر الفريق ووكر بتوقف الفرقة 24 في منطقة أونزان.

في أول نوفمبر، ظهرت، لأول مرة، المقاتلات الصينية النفاثة من نوع ميج ـ 15  Mig-15، في سماء كوريا الشمالية، وبدأت غاراتها، فأفزعت طياري الحلفاء، ولكنها لم تحقق نجاحاً يذكر، وكان تصويبها طائشاً، في أغلب الأحوال، ثم عادت إلى منشوريا.

ثانياً: عملية أونزان

عند الظهر، هاجم نسق ضخم من الصينيين، من فرسان يمتطون خيولاً مغولية، عناصر من الفرقة الأولى فرسان أمريكية، جنوب غرب أونزان. وكان الصينيون قد أشعلوا الحرائق في الغابات الموجودة على سفوح الهضاب الشمالية، في أواخر أكتوبر، ليتمكنوا من التحرك، تحت ستار الدخان، والوصول إلى مواقع تمكنهم من توجيه ضربات مفاجئة. وقد تمكن الطيران الأمريكي والمدفعية من تشتيت النسق الصيني، وقتل مائة حصان، وعدد غير معلوم من الرجال. وبعد العصر، زحفت أنساق صينية ضخمة شمال شرق أونزان، وجنوب غربها. وهاجمت الطائرات الأمريكية أحد هذه الأنساق، ومعه 21 مركبة محملة بالجنود، على بعد تسعة أميال شمال شرق أونزان. وصدرت الأوامر إلى الكتيبة 99 مدفعية ميدان بالتصدي للأنساق الصينية، ومساعدة الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية عند أونزان. كما صدرت الأوامر بتكوين قوة من قوات كوريا الجنوبية، الملحقة على الفيلق الأول الأمريكي، مهمتها الثبات عند كونري؛ لحماية الجناح الأيمن للفيلق الأول الأمريكي، وحماية الجسور على نهر شونجشون.

وفي عصر الأول من نوفمبر، تحركت فصيلة دورية قتال من الكتيبة الأولى، من الفوج الخامس فرسان، إلى الشمال من يونجسان ـ دونج Yongsan - Dong، فوجدت الطريق مغلقاً على بعد سبعة أميال، من موقع الكتيبة الثالثة من الفوج الثامن فرسان (أُنظر خريطة الإلتحام عند أونسان).

وعلى الفور دعم قائد هذه الكتيبة فصيلة دورية القتال، بالسريتين A و B، بكامل قوتيهما. وفي المساء، هاجم الصينيون السريتين، وأزاحوا السرية B من موقعها، بعد أن دمروا لها أربع هاونات عيار 81 مم، ومعدات أخرى. فانسحبت السرية A على الفور. وهكذا سد الصينيون الطريق الرئيسي جنوب أونزان. وفي مساء الثاني من نوفمبر، كان الصينيون يحاصرون الفوج الثامن فرسان أمريكي، من ثلاث جهات: الشمال والغرب والجنوب. أما في الشرق، فكان الفوج 15 من قوات كوريا الجنوبية، بعيداً عن قبضة الصينيين.

من مساء الأول من نوفمبر، شددت القوات الصينية وطأتها على الفوج 15 من جيش كوريا الجنوبية، شمال أوزان. ووسعت نطاق الهجوم، إلى مواقع الفوج الثامن فرسان أمريكي، عندما هاجمت جناحه الأيمن، الكتيبة الأولى، بمدافع الهاون والصواريخ كاتيوشا Katushka عيار 82 مم، روسية الصنع، من منصات متحركة فوق شاحنات، عبر نهر سامتان Samt'an، وأصابت عربة ذخيرة في مركز قيادة الكتيبة. وسارع قائد الكتيبة، الرائد جون ميلكين John Millikin، بالاتصال بالكتيبة الثانية؛ لتقديم العون، دون جدوى. وكانت الكتيبة الثانية قد فقدت كل اتصال بسراياها المختلفة، إلاّ سرية واحدة. واجتاح الصينيون جناحه الأيمن، وأخذ الجناح الأيسر يتراجع. على الرغم من عنف الهجوم الصيني على القوات الكورية الجنوبية، شرق نهر سامتان، إلاّ إنها استولت على مدفعين عديمي الارتداد عيار 57 مم، ومدفعين أوتوماتيكيين صينيين. ولكنها لم تستطع الصمود، فلاذ رجالها بالفرار، مخلفين عديداً من القتلى. وأمر الرائد ميلكين رجال كتيبته بالاتجاه جنوباً، عبر أونزان، ثم عبور نهر كوريونج Kuryong، في منطقة تمركز الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، إلى إبسوك Ipsok.

وقررت قيادة الكتيبة الثانية اللحاق بها. ولكن الصينيين واصلوا هجومهم غرباً، فاخترقوا جناحها الأيمن، وحاصروا جناحها الأيسر، مع استمرار اشتباكاتهم مع الكتيبة الأولى، وأرغموا جناحها الأيسر على التراجع مسافة طويلة، بينما اشتبك رجال الجناح الأيمن، مع الصينيين، في قتال متلاحم. وانتهى الموقف بهزيمة الكتيبتين هزيمة مروعة، وأخذ ميلكين يرسل الاستغاثات، باللاسلكي، إلى قائد الفوج، ويخبره أنه لم يعد لديه ذخيرة.

إزاء هذا الموقف، قرر ملبورن وقادة أركان الفيلق الأول الأمريكي، إصدار الأوامر للفرقة الأولى فرسان أمريكية بإيقاف أي تقدم، يزيد على أميال قليلة، من حدود كوريا الشمالية، كما صدرت أوامر مشابهة للفرقة 24 أمريكية، والفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، وأُمر الفوج الثامن فرسان بالاستعداد للانسحاب من أونزان ومعه الفوج 15 من قوات كوريا الجنوبية، إلى مواقع عند منطقة يونجسان ـ دونج ـ يونج بيون ـ أونهانج Jongsan- Dong- Jong Byon- Unhung. وكان قرار ملبورن حاسماً بضرورة أن يتحول الفيلق الأول الأمريكي، من وضع الهجوم، إلى وضع الدفاع، لأول مرة، منذ بداية العمليات، وأن يكون الانسحاب مسافة إثني عشر ميلاً جوياً.

كان طريق الانسحاب الوحيد الممكن يسير شرقاً من جنوب أونزان، عبر نهر كورونج، ثم عبر طريق الإمدادات للفرقة الأولى الكورية الجنوبية، إلى إبسوك ويونج بيون. وكان على الكتيبة الأولى أن تحاول الاحتفاظ بأونزان، حتى تتمكن الكتيبة الثانية من تمشيط الطريق جنوبها. ولكن الصينيين أسرعوا فاحتلوا أونزان. وعندما وصلت السريتان A و B من الكتيبة الأولى، عند الحافة الشمالية الشرقية منها، قصفهما الصينيون، وسقط عديد من القتلى، وتحول رجالهما إلى شرق أونزان. وفشلت محاولات الفصيلة الأولى من السرية B، التابعة للكتيبة 70 دبابات، في مقاومة قصف الصينيين، وأصاب الصينيون دبابتين، وقتلوا رجلين، وجرحوا خمسة، من أفرادهما.

وفي سعت 130 ، الأول من نوفمبر، أخذت الكتيبتان تنسحبان عبر جنوب أونزان، والكتيبة الثالثة مدفعية من الشمال، وسرية القيادة وسرية صيانة البطاريات Service Battery، والسرية B بطاريات من الكتيبة 99 مدفعية ميدان، جهة الشرق. وتبعتها السرية  C بطاريات، في سعت 220، في مقدمة نسق من عشرين مركبة.

في ظهر الثاني من نوفمبر، وصل جميع رجال الكتيبة الأولى، إلى إبسوك، بعد أن فقدوا خمسة عشر ضابطاً، و250 جندياً، ونصف هاوناتهم وأسلحتهم الثقيلة، وتلاهم صفوف الفوج 15 من قوات كوريا الجنوبية. بينما وصل معظم وحدات الفرقة الأولى فرسان أمريكية إلى يونجسان ـ دونج.

فشلت الكتيبة الثانية في عبور الطريق جنوب أونزان، بعد أن سد الصينيون الطريق على السرية A بطاريات، التابعة للكتيبة 99 مدفعية ميدان، والفصيلة الثالثة من السرية B، من الكتيبة 70 دبابات. وسرعان ما ترك الرجال مركباتهم، ودباباتهم، بعد تدمير أغلبها، ووقع بعضهم في الأسر أو قتل، بينما سار الباقون عبر التلال، حتى انضموا إلى القوات الكورية الجنوبية في إبسوك. ثم لحقت بهم فلول الكتيبة الثانية مشاة. وفي إبسوك، أخذت الكتيبة التاسعة مدفعية ميدان تطلق مدافعها؛ ليهتدي بصوتها فلول الأمريكيين والكوريين الجنوبيين التائهين في التلال، ويتجهون صوبها. وبالفعل اتجهت الكتيبة الثالثة، من الفوج الثامن فرسان أمريكي، مع سرية من المشاة، صوب الصوت، عبر الطريق الجنوبي من أونزان، ولكنها تعرضت لنيران الرشاشات الخفيفة الصينية، وفقدت كثيراً من رجالها. كما فقدت السرية K، من الكتيبة الثالثة، قادتها وفصيلة كاملة في أحد كمائن الصينيين، إضافة إلى 170 جريحاً. وحلقت طائرة موسكيتو Mosquito، وقاذفة أخرى، فوق فلول الكتيبة الثالثة؛ لتأمين غطاء جوي لانسحابهم. ثم جاءت طائرة عمودية وأسقطت حقيبة بها حقن مورفين وأدوية أخرى. ثم جاءت عمودية أخرى؛ تحاول إخلاء الجرحى، ولكن الصينيين أمطروها بالنيران، فلاذت بالفرار.

في عصر الثاني من نوفمبر، تسلمت الكتيبة الثانية، من الفوج الخامس فرسان أمريكي، المواقع الدفاعية للكتيبة الأولى، بينما صدرت الأوامر للأخيرة بمهاجمة جناح القوات الصينية الأيسر، وأن يتصدى الفوج الخامس للهجوم على مقدمة القوات الصينية. وقد باءت هذه الهجمات بالفشل، على الرغم من دعم الطائرات لها. ومنيت كتيبتا الفوج الخامس فرسان بخسائر فادحة، وسقط منهما350 رجلاً بين قتيل وجريح. وصدرت الأوامر السريعة، من الفريق ملبورن قائد الفيلق، بضرورة انسحاب الفوج الخامس فرسان، وترك الكتيبة الثالثة من الفوج الثامن فرسان تلقى مصيرها المحتوم. وقد سقط منها عديد من الرجال، بين قتيل وجريح. وعند الليل، أسقطت طائرة أمريكية رسالة إلى رجال هذه الكتيبة بالانسحاب تحت جنح الظلام. ولكن الصينيين أمطروها بقذائف الهاون عيار 120 مم، ودمروا دبابة من دباباتها الثلاث، وفرت الأخريان تجاه الجنوب الغربي، ونفذ وقودهما وذخيرتهما، فتركهما طاقماهما، ولاذا بالفرار في وادي كوريونج. وتابع الصينيون هجومهم على رجال الكتيبة الثالثة، الذين ظلوا يقاومون طوال الليل، ونهار الثالث من نوفمبر، إلى أن دك الصينيون، بقذائف الهاون والقنابل اليدوية، موقعي مدافع الماكينة لدى الكتيبة الثالثة، وجرحوا نحو 60 رجلاً، وأسروا عدداً منهم، من بينهم قائد السرية الأولى، النقيب فيلمور ماكبي Filmore W. McAbee.

في الرابع من نوفمبر، لم يتبق من الكتيبة الثالثة سوى 200 رجل قادرين على القتال، بينما بلغ عدد الجرحى 250 فرداً. وامتلأ الميدان بجثث الأمريكيين والصينيين. وفر الـ 200 رجل إلى قرية مجاورة، في الجانب الشرقي، تاركين جرحاهم، ثم اتجهوا إلى الشمال الشرقي، ثم جنوباً، ثم إلى الجنوب الغربي، إلى واد قريب من يونج بيون. وهناك فوجئوا بقوات صينية تحاصرهم من كل مكان، وتحصدهم بنيرانها. هكذا في عصر السادس من نوفمبر، كانت الكتيبة الثالثة من الفوج الثامن فرسان أمريكي قد أبيدت تماماً، وسقط بعض أفرادها أسرى في أيدي الصينيين، من بينهم قائدها نفسه، العقيد روبرت أورموند Robert J. Ormond، الذي مات بعد ذلك متأثراً بجراحه.

هكذا كانت خسائر قوات الأمم المتحدة في عملية أونزان هائلة؛ فقد خسر الفوج 15 من قوات كوريا الجنوبية:

1. عدداً لا يحصى من رجاله

2. وجميع أسلحته ومعداته

3. وأربع طائرات لييهزن Liaison أمريكية من كل من الكتيبة التاسعة مدفعية ميدان أمريكية، والكتيبة السادسة، دبابات أمريكية.

وخسر الفوج الثامن فرسان أمريكي أكثر من ألف رجل، بين قتيل وجريح ومفقود. منهم قائد كتيبة، ومعظم أركانه، وخمسة قادة سرايا، وضابطان طبيبان، وقس. وخسر المشاة، من الفوج الثامن نفسه، ربع رجال السرية B، من الكتيبة 70 دبابات. بينما كانت خسائر سرية الهاونات الثقيلة فادحة. أما خسائر الفوج نفسه من الأسلحة والمعدات فكانت:

1. 12 هاوزراً عيار 105 مم.

2. 210 دبابات

شكل الفيلق الأول الأمريكي قوة خاصة ، عرفت باسم قوة واجب إلين Task Force Allen؛ قوامها الكتيبتان الثانية والثالثة من الفوج السابع فرسان أمريكي، والمجموعة 19 مهندسين، مهمتها تغطية انسحاب الفرقة الأولى فرسان أمريكية، والفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، إلى جنوب شونجشون. وتولى قيادتها العميد فرانك آلين Frank A. Allen، مساعد قائد الفرقة الأولى فرسان، ثم أضيف إلى مهمتها حماية الجناح الشرقي للفيلق الأول، في منطقة كونري.

كانت القوة الصينية التي أحدثت كل الخسائر السابقة هي الفرقة 116 من الجيش 39. وعاونها عناصر من الفوج 347، في إغلاق الطرق، جنوب أونزان. بينما تولت القتال داخل أونزان الفرقة 115.

وفي 5 نوفمبر أرسل الفريق الأول ماك آرثر تقريراً خاصاً إلى الأمم المتحدة أوضح فيه تفاصيل اشتراك الصين الشيوعية في الحرب، بما في ذلك اشتراك المقاتلات النفاثة من نوع (ميج 15)، وبما في ذلك وسائل الدفاع الجوي المضاد للطائرات، على الضفة الآمنة لنهر يالو، وكذلك بالنسبة لظهور القوات الصينية في الميدان، والتي وصفتهم بكين "بالمتطوعين"، وفي اليوم التالي أصدر الفريق ماك آرثر البلاغ الرسمي التالي: "لقد انتهت الحرب في كوريا، بصورة عملية، بالقضاء على عناصر العدو شمالي بيونج يانج، وبالاستيلاء على منطقة الساحل الشرقي، ما ترتب عليه زيادة عدد الأسرى الذي وقعوا في أيدينا، بما يزيد على 135 ألفاً. وإذا أضيف إلى ذلك عدد المفقودين، وهم نحو 200 ألفاً، وصل عدد خسائر العدو إلى 350 ألفاً، وهي إجمالي كل قوات كوريا الشمالية المسلحة. وبذلك يكون قد تم القضاء نهائياً على جيوش كوريا الشمالية". وأمام هذا الانتصار لقوات الأمم المتحدة، وجه الشيوعيون الصينيون هجوماً من أعنف ما يمكن مخالفين بذلك كل القوانين الدولية، وذلك بتحريك قواتهم دون أي إنذار أو إعلان للحرب، عبر نهر يالو، إلى كوريا الشمالية. وحشدوا قواتهم، وعمدوا إلى إمداد فرقهم بالإمدادات الكافية من خلفهم، وراء حدود منشوريا المتاخمة. وبذلك تمكنوا من إعداد كمين، عن طريق الخداع؛ من أجل القضاء على قوات الأمم المتحدة، التي أخذت على عاتقها إعادة النظام وإقامة حكومة مدنية في منطقة حدود كوريا الشمالية. "وقد أمكن تفادي هذا الخطر، بأقل خسائر ممكنة، من خلال التحركات والعمليات، التي تمت بمنتهى الدقة في توقيتها، وإدارتها من قائد قوات الأمم المتحدة المسؤول عن هذا القطاع، والذي استطاع، بفطنته وحذقه، تغيير اتجاه تحريك قواته؛ من أجل تحقيق وجود وحدة تكتيكية أكبر، أملتها ضرورة الموقف الجديد، ومنع أي احتمال لوقوع نكسة عسكرية كبرى.

والموقف الراهن، الآن، كالآتي: بينما تحطمت قوات كوريا الشمالية، التي كنا مشتبكين معها، أو على الأقل، أصبحت غير قادرة على القيام بأي عمليات عسكرية، إلاَّ أن قوات جديدة صينية أصبحت تواجهنا الآن، معتمدة على قوات ضخمة احتياطية، ومعها كميات هائلة من المؤن والإمدادات، ولكنها لم تزل بعيدة عن متناول أيدينا، من وجهة نظر العمليات العسكرية. وسواء تحركت هذه القوات الاحتياطية للأمام أو بقيت، فإن هذه الظاهرة أصبحت لها دلالتها الدولية الخطيرة.

وفي اليوم التالي، أصدرت حكومة الرئيس كيم إيل سونج بلاغاً رسمياً، اعترفت فيه بمشاركة "الوحدات التي تكونت من المتطوعين من شعب الصين"، في الهجوم المضاد ضد قوات الأمم المتحدة. وبعد ذلك بأربعة أيام، أعلنت بكين، في هدوء، ما يأتي: "إن هذه المبادرة المنطقية لمساعدة كوريا، ومقاومة العدوان الأمريكي ليست سابقة في تاريخ العالم، ولا يمكن لأي أحد أن يعترض عليها. وكما هو معلوم، فقد حدث، في القرن الثامن عشر، أن وقف شعب فرنسا المتقدم المتمدين، بقيادة لافييت، إلى جانب الشعب الأمريكي، في حربه التي خاضها من أجل الاستقلال، بمثل هذه الصورة من التطوع. وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية، قدمت الشعوب الديموقراطية، من جميع الدول، المساعدات إلى الشعب الأسباني، بمثل هذه الأعمال القائمة على التطوع ضد الجنرال فرانكو. ومنذ أن قام شعب الصين بهذا الإجراء المنطقي العادل، الذي لا عيب فيه، فإن حكومة الصين الشعبية ترى أنه ليس هناك ثمة ما يدعو لمنع رحيل المتطوعين إلى كوريا".

ومن الغريب بعد ذلك، أن قوات الصين الشعبية اكتفت بما فعلته، ثم انسحبت. ولثلاثة أسابيع، من 7 إلى 26 نوفمبر، لم يقع أي حادث يذكر في كوريا الشمالية، ونشطت دوريات قوات الأمم المتحدة، تبحث عن الأفراد الصينيين، وقلما وجدت لهم أثراً. وبدت الأرض مغطاة ببواكير جليد الشتاء مفزعة مخيفة، وقد فصلت بين الجانبين المتصارعين. وأنهى الصينيون الشيوعيون "أول مرحلة للهجوم"، محققين مفاجأة مذهلة لقوات الأمم المتحدة.

كانت مجموعة الجيش الثالث عشر، التي يتكون منها الجيش الرابع الميداني الصيني، بقيادة "لين"، أول من عبر نهر يالو، من أنتونج في منشوريا إلى سنويجو، ومن شيان إلى ما نبوجين. وكانت هذه القوات تتكون من المتطوعين، وبدأت ضرباتها التي أرغمت الجيش الثامن الأمريكي، والفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية، على التراجع إلى رأس الجسر، عند شانجشون. ولم يُعرف لماذا لم تواصل هذه القوات تقدمها، بعد ذلك. ولو أن هناك عدة تفسيرات سياسية وعسكرية، حاولت أن تفسر ذلك الهدوء، الذي خيم على المنطقة، بعد تلك العملية، في يومي 6 و7 نوفمبر، والذي استمر حتى بدء الهجوم الخاطف الكبير، في 20 نوفمبر.

فمن الناحية العسكرية، قد يكون سبب ذلك هو أن فرق الجنرال لين، قد أُنهكت. إذ إن الجندي الصيني لم يكن يحمل معه من التعيينات سوى ما يكفيه، خمسة أيام، من الغذاء أو الذخائر. فإذا ما نفد التعيين، كان على الفرق الصينية أن تتوقف؛ انتظاراً لإعادة إمدادها بالوسائل البدائية، التي اعتمدت عليها القوات الشيوعية في نقل المؤن، سواء على ظهور الرجال أو النساء أو بعض الدواب التي كانت الإبل من بينها. وبينما توقفت هذه الفرق، كانت هناك فرق جديدة تأخذ طريقها إلى المواقع.

وثمة تفسير آخر فسر هذا السكون، على أساس ما كتبه ماو تسي تونج، باعتباره دستوراً تكتيكياً مكوناً من ست عشرة كلمة، كتبه في الماضي، عند بدء حرب العصابات، ضد قوات شانج كاي شيك. وكانت هذه الكلمات هي:

1. إذا تقدم العدو انسحبنا.

2. وإذا استقر في خنادقه أزعجناه.

3. وإذا تعب العدو هاجمناه.

4. وإذا تراجع العدو طاردناه.

وقد أوضح ماوتسي تونج، في كتابه، الذي كتبه عن "الحرب الطويلة الأمد"، أثناء الغزو الياباني لكوريا، عام 1938، أسباب عدم تدخل الصينيين، مباشرة، في كوريا، بقوله: "إننا دائماً نحرص على تنفيذ سياسة إغراء العدو؛ لكي يتورط في التوغل بعمق؛ لأن ذلك هو أنسب سياسة عسكرية، يتبعها جيش ضعيف، في دفاعاته الإستراتيجية، ضد عدو قوي". ولذا، فإن السكون، الذي خيم على كوريا، كان تراجعاً منظماً؛ لإغراء ماك آرثر لتقديم كل ما عنده. فقد كانت خطوط إمداداته الطويلة قد امتدت إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه. وإضافة إلى ذلك، فإنه، في خلال الأسابيع الثلاثة التي مرت، حل الشتاء في كوريا الشمالية، وكما قال الفريق سميث قائد مشاة البحرية: "حتى جنكيز خان لم يكن ليحاول الهجوم على كوريا، في الشتاء".

وكان التفسير العسكري الثالث، لهذا السكون، هو أن الصينيين، بعد أن أرغموا قوات الأمم المتحدة على التراجع، عمدوا إلى استغلال فترة الهدوء؛ لنقل كل ما يمكنهم نقله، من القوات والإمدادات، إلى كوريا. إذ أرسلوا مجموعة من الجيش التاسع، بقيادة الجنرال سانج شين لان، التابع للجيش الثالث الميداني، الذي كان يقوده شين يي، إلى مواقعها، في مواجهة الفيلق العاشر الأمريكي، في شمال شرقي كوريا. وإضافة إلى ذلك، فقد أرسل لين بياو جيشين إضافيين؛ لينضما إلى مجموعة الجيش الثالث عشر، في شمال شرقي كوريا، ما أثار دهشة الفريق الأول ماك آرثر؛ إذ كانت كل الجسور، على نهر يالو، في منطقة "أنتونج ـ سنويجو"، مزدحمة بسبب التحركات الليلية، التي نفذتها القوات الصينية.

وفي يوم 6 نوفمبر، عندما أصدر الفريق الأول ماك آرثر بلاغه الرسمي، محاولاً أن يعطي أكبر قدر من التفسير والإيضاح، لكل ما أصدره من تعليمات، فأمر اللواء ستريت ماير أن يرسل تسعين قاذفة قنابل، من نوع القلاع الطائرة (ب ـ 29)؛ لضرب الجسور على نهر يالو، في صباح اليوم التالي. وبدأ ماك آرثر يدرس الرسالة التي تسلمها، في 29 سبتمبر، من وزير الدفاع جورج مارشال، وجاء فيها أن عليه ألا يتقيد بأي متاعب، أو قلق، من النواحي التكتيكية، أو الإستراتيجية، في مطاردته للعدو. (بمعنى أن يستغل القوات الجوية، التي تحت قيادته، كيفما شاء، وعلى أوسع مدى ممكن). ولذلك فقد رفع قائد قوات الأمم المتحدة الحظر، الذي كان يقضي بعدم استخدام غير الكوريين على طول الحدود، فكان ذلك بمثابة الرد على الانتقادات المتتابعة، من رئاسة الأركان المشتركة، بخصوص التحرك الذي حدث، ولذلك فقد اتخذ ماك آرثر قراره الخطير بالضرب داخل حدود منشوريا.

ووصلت نسخة، من هذه الأوامر، إلى مقر هيئة الأركان المشتركة في واشنطون، وامتد أثر رد الفعل على طول الطريق إلى ولاية ميسوري، حيث كان الرئيس هاري ترومان قد ذهب إلى مدينة إندبنداس؛ للإدلاء بصوته في انتخابات نوفمبر. وقد تذكر ترومان وعده بوجوب مشاورته لبريطانيا، قبل اتخاذ أي إجراء ضد منشوريا. فأصدر أوامره، إلى ماك آرثر، بتأجيل الغارات الجوية من قاذفات القنابل، كما طلب منه إرسال الإيضاحات التي تفسر الأسباب التي أدت إلى التفكير في هذه الخطوات الخطيرة. فأرسل قائد قوات الأمم المتحدة الجواب التالي، إلى هيئة الأركان المشتركة:

"بدأت تتدفق جموع ضخمة من الرجال والعتاد، عبر الجسور، إلى نهر يالو، قادمة من منشوريا، وهذه الحركة لا تعرض الموقف للخطر فحسب، بل تهدد بالقضاء نهائياً على القوات التي تحت إمرتي. والتحرك عبر النهر، يمكن أن يتم تحت ستر الظلام، فالمسافة بين النهر وخطوطنا قصيرة جداً، بحيث يمكن للقوات أن تنتشر أمام قواتنا، دون أن تتعرض لتدخل قواتنا الجوية. والحل الوحيد لإيقاف هذه الإمدادات المعادية، هو تدمير تلك الجسور. وكذلك بالنسبة إلى كل المنشآت في شمال المنطقة، والتي يعتمد عليها العدو في تقدمه، بأن نوجه إليها أقصى ما نستطيع من القصف الجوي؛ بغية تدميرها، وإن أي ساعة تمر، سوف ندفع ثمنها غالياً من الدم الأمريكي، ومن دماء باقي رجال الأمم المتحدة. ويجب ضرب أهم نقطة للعبور، عند سنويجو، في خلال الساعات القليلة القادمة. وقد بدأ الأفراد، الذين سيقومون بهذه المهمة فعلاً في اتخاذ مراكزهم. وعلى أسوأ الفروض، يمكنني تأجيل هذه الضربة، إلى أن تأتيني أوامر صريحة منكم. أما ما أصدرت من أوامر، فهو يدخل أصلاً في صميم قواعد الحرب وأصولها، وكذلك يأتي ضمن التوجيهات، التي تلقيتها من الأمم المتحدة. ولن يترتب على ذلك أي إجراء، حتى ولو كان طفيفاً، من إجراءات الأعمال الحربية ضد الأراضي الصينية، خارجة عن القانون الدولي. وإن القيود التي تفرضونها الآن علينا، لها تأثير بالغ السوء، مادياً ونفسياً. وإني أؤكد أن الحالة تحتم وجوب عرضها على الرئيس شخصياً، إذ إني أعتقد أن تعليماتكم ستؤدي إلى كارثة مروعة، ولا أستطيع تحمل مسؤوليتها، دون أن يدرك الرئيس شخصياً حقيقة هذا الموقف. ونظراً لأهمية الموقف، فإني أطلب سرعة إعادة النظر في قراركم، وسأنتظر، في طاعة كاملة بالطبع، لأوامركم".

وكان طلب ماك آرثر، الذي أدهش هيئة أركان الحرب المشتركة، قد قلب الصورة التي حملت معاني التفاؤل، في الرسالة التي كان قد أرسلها في 3 نوفمبر. وقد حصل على الإذن بضرب جسور نهر يالو بالقنابل، ولكن من جهة الجانب الكوري فقط، على ألا تُمس الخزانات، أو محطات القوى المقامة على النهر.

وقد عد ماك آرثر هذا قيداً شديداً على حركته، ووافقه في ذلك اللواء ستريت ماير، بعد دراسته لهذا الأمر، بأن "ذلك غير ممكن، ويجب أن تعلم واشنطن أن ذلك شيء يستحيل تنفيذه". وقرر ماير أن الصينيين قد استفادوا من هذه القيود؛ فأقاموا دفاعاتهم المضادة للطائرات، على افتراض أن حدودهم لن تنتهك بحال، وأن قاذفات القنابل الأمريكية، في هجومها على جسور نهر يالو، سوف تتخذ ممرات جوية خاصة، عرفها الصينيون جيداً، وأعدوا حسابهم لها، ومن ذلك، أن الغارات الجوية الأمريكية لا بد أن تُشن من ارتفاع 18 ألف قدم، مع حساب سرعة الرياح التي كانت تزيد على 120 عقدة في الساعة. وهذا يعني استحالة ضمان دقة إصابة الأهداف. إضافة إلى ذلك فإن القاذفات الأمريكية (ب ـ 29) ستتعرض لهجمات المقاتلات الصينية، التي ستنطلق من قاعدتها في أنتونج، على ارتفاع 30 ألف قدم من الضفة الأخرى من النهر؛ لتتبع تكتيك "القط والفأر"، فتشن غارتها على الأهداف الأمريكية عبر الحدود، وتصلي الأمريكيين لهيباً من رشاشاتها، وتعود لتعبر الحدود مرة ثانية. وكانت تفيد من ميزة وجودها في ذلك "الملجأ" القريب، الذي كانت تستأنف منه طلعاتها؛ لتعيد الكرة مرة أخرى. وبسبب هذه التكتيكات طلب ماك آرثر حق القيام بالمطاردة "الحامية"، والسماح للمقاتلات الأمريكية التي تتعرض للهجوم من مقاتلات العدو، أن تطاردها وتتبعها، ولو لدقيقتين، أو لثلاث دقائق، شمالاً إلى ما وراء الحدود. ولكن هذا أيضاً قوبل بالرفض من جانب الرئيس ترومان، بعد مشاوراته مع حلفائه في الأمم المتحدة، وبسبب تصميمه على حصر الحرب في أضيق الحدود؛ من أجل إفساح مجال الأمل في شأن تفسير ظاهرة السكون الذي ساد أرض المعركة، لا سيما التفسير القائل إن التدخل الصيني كان مقصوداً أن يكون تدخلاً محدوداً.

وقد روجت الصين، لذلك، بدعاية عن انسحاب "المتطوعين الشعبيين"؛ من أجل إعداد نطاق محدد لحماية منشوريا وبعض النقاط المهمة على نهر يالو، مع العمل على تأمين قاعدة إقليمية تكون ملجأ تذهب إليه حكومة الرئيس كيم إيل سونج، وقد أقرت هذا التفسير كل من الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية، والحليفتان بريطانيا وفرنسا. وقد ظنت كثير من القيادات الدولية، كما ظن بعض مستشاري الرئيس ترومان، أن الصين لن تستأنف هجومها، إذا بقيت قوات الأمم المتحدة في مكانها، أو إذا انسحبت بعيداً إلى الجنوب. ولكن لم تصدر الصين الشعبية أي بلاغ رسمي عن أهدافها في كوريا. وكل حديث تناول المناطق العازلة، أو المتطوعين، إنما صدر من مصادر دعاية غير معلومة، دون أن ينسب ذلك إلى أي مسؤول محدد. وحتى الظن المتعلق بالمناطق العازلة، وجد له من يدافع عنه من المسؤولين ذوي النفوذ. فقد كتب هاري ترومان في ذلك: "لقد أوضح وزير الخارجية أتشيسون أنه يشعر أن الروس مهتمون بشدة بفكرة الدفاع عن كوريا، وأنه اقترح لذلك أن تقام منطقة عازلة في شمال شرق كوريا، تحت إشراف لجنة من هيئة الأمم المتحدة بقوات مراقبة، ودون قوات مسلحة من الأمم المتحدة. وقال أتشيسون إن الصينيين يهدفون لتحقيق غرضين، أولهما إبقاؤنا متورطين في هذه العملية، بينما الهدف الآخر، والأقل أهمية، هو موضوع الحدود ومراكز القوى. وقد ظن أننا سنثير، بصفة خاصة، قضية إمكان إقامة منطقة منزوعة السلاح، تمتد عشرين ميلاً: عشرة أميال من كل من جانبي نهر يالو. وذهب في حديثه إلى أن أي قلق أو مشكلة، بالنسبة لمثل هذا الاقتراح، سيواجهه الشيوعيون بإصرارهم على ضرورة إجلاء كل القوات الأجنبية عن كوريا، وبذلك تخلص كوريا للشيوعيين".

هكذا كانت حيرة وتخبط الحكومة الأمريكية. وفي يوم 9 نوفمبر، وافق مجلس الأمن على ألا يجري أي تغيير في توجيهات الفريق الأول ماك آرثر، عدا موضوع الحظر بالنسبة لضرب منشوريا، فتعطى له الحرية للعمل والتصرف، كيفما يتراءى له. وبمعنى آخر، ظلت مشكلة كوريا معلقة، لا تُحسم إلاَّ بقوة السلاح. ومع ذلك أكد ترومان للصين بتصريحه العلني: "أتحدث باسم الولايات المتحدة وشعبها، وإني أؤكد أن ما نقوم به، من مساعدات أو أعمال، إنما هو في حدود نطاق سياسة الأمم المتحدة في كوريا، وأننا لم نحمل في أي وقت أي نية لمعاداة الصين". كما أكدت الحكومة البريطانية لبكين أنه ليست هناك نية لغزو أراضي الصين. ولكن ما لبثت الأمم المتحدة أن علمت أن الصين الشعبية لم تكن على استعداد، بأي حال، للمفاوضة في شأن موضوع المنطقة العازلة. وفي 8 نوفمبر، قرر مجلس الأمن دعوة بكين للحضور لمناقشة التقرير الخاص الذي سبق أن أرسله ماك آرثر في 5 نوفمبر، بيد أن شو إن لاي رفض هذه الدعوة بحدة، بعد ذلك بثلاثة أيام. وبدأت، فور ذلك، أجهزة الدعاية في بكين تواصل نشاطها بالسخرية من الأمم المتحدة؛ فقد صدر في عدد يوم 18 نوفمبر، من مجلة "الثقافة العالمية" الصينية، ما يأتي:

"إن الاستعماريين الأمريكيين يهددون بأنه إذا لم توقف الصين مساعدتها لكوريا، فلن تكون أمريكا وحدها عدواً للصين، بل ستكون الأمم المتحدة هي العدو. وإن شعب الصين لا يخشى هذا التهديد. وإذا كانت الولايات المتحدة تستخدم الأمم المتحدة أداة لها في العدوان، بحيث لم تبق الأمم المتحدة أداة لشعوب العالم من أجل السلام. بل إنها قد فقدت مصداقيتها، إذا أصبحت أداة للعدوان في أيدي الاستعماريين الأمريكيين، ومن يدور في فلكهم. والأمم المتحدة لا تعني شيئاً أكثر من اسمها، إن لم يكن لحكومة الصين الشعبية نصيب المشاركة فيها".

وقد أكدت هذه اللهجة، للدبلوماسيين في الأمم المتحدة، أن الصين الشيوعية عازمة، عزماً أكيداً، على مساعدة القوات الشيوعية في الهند الصينية، وأنها كذلك قد غزت في أكتوبر أراضي التبت العريقة، وأنها بذلك هاجمت الحكومة الهندية التي كانت صديقة وعوناً لها. وقد ظهر أيضاً دليل آخر، في الشهر نفسه، كشف عن نظرة الصين الشيوعية تجاه الأمم المتحدة، وذلك عندما حضر الجنرال "ووهيو ـ شوإن" إلى ليك سكسيس (حيث كان مقر الأمم المتحدة)، بعد أن قبلت حكومته مؤخراً دعوة الأمم المتحدة، يوم 29 سبتمبر، لمناقشة مشكلة فورموزا، ولكنه رفض الكلام في موضوع فورموزا، وركز فقط على القضية الكورية، مهاجماً موقف الأمم المتحدة، ومدافعاً عن حق "المتطوعين الشعبيين الصينيين في الدفاع عن كوريا الشمالية". وهكذا ظهر أن تفسيرات موقف الصين في شأن الهدوء الحالي، كلها خاطئة إلاَّ القول بأن الهدوء الحالي، الذي امتد إلى ثلاثة أسابيع (من 7 إلى 26 نوفمبر 1950)، هو مجرد فترة توقف، تجهز فيها الصين قوات وإمدادات أكثر؛ لتدفع بها إلى خطوط الهجوم.

وأكد ذلك ورود تقديرات من الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية ـ تخالف تقديراتها السابقة ـ تفيد بأن الصينيين سوف يضاعفون التزامهم في كوريا، وأنهم أعدوا قوات كافية لإرغام قوات الأمم المتحدة على الانسحاب. وكان ما فعلته الصين هو خدعة حربية وقع الأمريكيون في شراكها. وقد وجه السناتور سولتنسول سؤالاً إلى وزير الخارجية أتشسيون، أثناء الاجتماع الشهير لهيئة الأركان المشتركة، قائلاً:

إنهم قد خدعونا في الحقيقة، أليس كذلك؟

فأجابه أتشسيون: "نعم يا سيدي".