إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث العاشر

القوات المتصارعة وتأثير الشتاء القارص على القوات

أولاً: القوات الجوية

كان على اللواء ستريت ماير إنشاء قوة عمليات قادرة في كوريا، ووجد أن من الضروري استدعاء وحدات من مناطق بعيدة عن مسرح العمليات، وتأمين مواقع لبعض الوحدات داخل اليابان، لاستدعائها عند الحاجة. واستدعاء قوات إضافية ومعدات من الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد نشأ التغيير في المعدات من تحول وحدات القوات الجوية المقاتلة، في الشرق الأقصى، من استخدام طائرات نوع موستانج ف ـ 51 F-51 Mustang، إلى استخدام طائرات نوع شوتنج ستارز ف ـ 80 سي F-80 C shooting stars. وطائرات اعتراض نفاثة لا تصلح للطيران على ارتفاعات منخفضة؛ لدعم العمليات البرية.

كانت القوات الجوية الأمريكية تضم الطائرات ثوندرجت ف ـ 84 إي F- 84 E Thunderjet، وهي تصلح للعمليات البرية، ولكن استخدامها كان يتطلب مطارات أفضل من تلك الموجودة في اليابان وكوريا. كان البديل الفوري هو العودة إلى طائرات نوع ف ـ 51، ذات المدى الأطول، وقدرتها على تنفيذ المهام ذات المستوى المنخفض، والعمليات من مطارات صغيرة وغير مجهزة جيداً.

ولمواجهة جميع المتطلبات الجوية، أعاد ستريت ماير نصف أسرابه الـ F-80 C  لينضم إلى تشكيلات الـ F-51. وفي يوم 23 نوفمبر، ظلت الطائرات الـ F-80 C والـ F-51 هي المقاتلات الأساسية، أما قوات الشرق الأقصى الجوية فكانت مستمرة في عملية استقدام الطائرات الـ F-84 E، والـ F-86 A Sabres عالية الأداء، من الولايات المتحدة الأمريكية، كما اهتمت بتحسين المطارات في اليابان وكوريا.

تم إنشاء قيادتين تزويد بقوات الشرق الأقصى الجوية، هما: قيادة قاذفات، يقودها العميد إيميت أودونيل Emmett O'Donnell، تتولى عمليات الاعتراض والقصف الإستراتيجي. وقيادة طاقم الهجوم، يقودها العميد ويليام تونَّر William H. Tunner، تتولى نقل الجنود والإمدادات.

امتلكت قيادة القاذفات 95 طائرة B-29، وضمت: المجموعتين 19 و307، المتمركزين في قاعدة كادينا Kadena الجوية، في أوكيناوا. والمجموعة 98، وسرب الاستطلاع الإستراتيجي، في يوكوتا yokota، في اليابان. ضمت قيادة طاقم الهجوم أربع مجموعات، كلها في اليابان، مزودة بطائرات C-46، وC-47، و C-54 و C-119

كانت العمليات التكتيكية الجوية من اختصاص القوة الجوية الخامسة، بقيادة العميد إيرل بارتريدج Earle E. Partridge. وقد أقام مركز قيادته، في 23 نوفمبر، في سيول، ملاصقاً لمركز قيادة الجيش الثامن، فيما يشمل مركزاً للعمليات المشتركة، ومركزاً للسيطرة الجوية التكتيكية.

ضمت وحدات القوة الخامسة الجوية:

1. جناحين قاذفين خفيفين، في كل جناح ثلاثة أسراب B-26، متمركزة في اليابان.

2. خمسة أجنحة مقاتلة متمركزة في كوريا، تشمل ستة أسراب F-80 C، وثمانية أسراب F-51، وسرب مستقل F-51. وتقرر أن تتحرك الطائرات F-80 C من مطار كيمبو، غرب سيول، ومن مطار تايجو. بينما تطير الطائرات F- 51 من مطارات أخرى في أراضي كوريا الشمالية وتتمركز خمسة أسراب، ومعها السرب المستقل في مطارات بيونج يانج، وشرق بيونج يانج، خلف الجيش الثامن. وتتمركز ثلاثة أسراب في مطار يونبو Yonp'o، قرب هانج نام، خلف الفيلق العاشر.

ضمت وحدات القوة الجوية الخامسة سرباً آخر من طائرات F-82، المقاتلة تحت جميع الأحوال الجوية، تمركز في اليابان.

فيما يتعلق بمهام الاستطلاع، كان لدى الفريق بارتريدج سربا تصوير جوي (RF-80  و RB-26)، في مطار تايجو، وسرب مسح بصري (RF-51) في اليابان.

كذلك كان لديه سرب موسكويتو ت ـ 6 T-6 Mosquitoes، متمركز في مطار شرق بيونج يانج، مهمته تنظيم غارات الدعم والتعزيز.

شملت القوة الجوية الإضافية للأمم المتحدة الجناح الأول طائرات مشاة البحرية الأمريكية، ويضم:

1. أربعة أسراب F 4u Corsairs.

2. وسربين مقاتلات ليلية F-7F Tigercat، تمركزا في مطاري ونسان ويونبو، خلف الفيلق العاشر.

3. حاملة حراسة على الساحل الشرقي.

4. مجموعتي حاملات من الأسطول الأمريكي، تضم كل منهما خمسة أسراب، مزودة بطائرات بانثر نفاثة Pantherjets نوع F4U و F9F، وطائرات كاي رايدرز AD Skyraiders.

5. وحدات طائرات أسطول، اشتملت كذلك على الجناح الجوي السادس من الأسطول، مع ثلاثة أسراب أمريكية Neptunes و Mariners،

6. وسربين قوية جوية ملكية من ساندرلاند بإنجلترا، نفذت عمليات مراقبة وتفتيش فوق المياه اليابانية والكورية.

ثانياً: القوات البحرية

شملت الأسطول السابع الأمريكي وثلاث قوات واجب مستقلة، هي القوة 90 والقوة 95، وقوة الواجب 96 وهي قوة هجوم صغيرة تتيح لقائدها الأدميرال جوي فتح الثغرات. وشملت الجناح الجوي السادس من الأسطول

1. مجموعة حاملة حراسة

2. مجموعة غواصات

3. مجموعة خدمة، متمركزة في اليابان؛ للتعامل مع القوات البحرية وتقديم الخدمات اللوجستية.

ضمت قوة الواجب 96 عدداً من اليابانيين والشاحنات وسفن الإنزال التابعة لإدارة تنظيم الشحن البحري Shipping Control Administration، في اليابان، لنقل الجنود والإمدادات.

أما قوة الواجب 90، بقيادة الأدميرال جيمس دويل، فقد أصبحت قوة برمائية مكتملة التجهيز، وأما قوة الواجب 95، بقيادة الأدميرال آلين سميث، فكانت هي قوة الحصار والحراسة. واندمج فيها جميع سفن الدول الأخرى المشاركة في التحالف وكوريا الجنوبية. وتكفلت قوة الواجب هذه بعملية حصار السواحل الكورية، وعمليات قصف القوات المعادية، وكسح الألغام. ومن ثم انتشرت من البحر الأصفر غرباً إلى بحر اليابان شرقاً.

قبل بدء العمليات، تمركز الأسطول السابع الأمريكي، بقيادة الأدميرال آرثر سترابل، في بحر الفيلبين. في يوم 23 نوفمبر، تمركز الجناح الأول الجوي للأسطول في أوكيناوا، وتولت سفن قوة الواجب 72 مهمة مراقبة سواحل فورموزا، بينما انتشرت قوة الواجب 77، وهي قوة حاملة سريعة، يقودها الأدميرال إدوارد إوين Edward C. Ewen، على الساحل الشرقي لكوريا في بحر اليابان. وأقلت كلٌ من حاملتيها ليتي Leyte و بحر اليابان Philippine Sea، مجموعة جوية من خمسة أسراب، تتعامل مع نحو خمسين طائرة. وتخصصت قوة الواجب 79 في توفير الإسناد اللوجستي لسفن الأدميرال إدوارد إوين.

ثالثاً: القوات الصينية والكورية الشمالية

1. القوات الصينية

أ. القوات البحرية: كان أسطول الصين صغيراً متواضعاً، عمره عام ونصف العام فقط، يتكون من: طرادة خفيفة، وعشرين فرقاطة ومدمرة، وبضعة سفن إنزال، وبضع مئات من قوارب المدفعية والقوارب السريعة.

ب. القوات الجوية: بلغ عدد الطائرات الصينية نحو مائة، ولكن الصين كانت قد أبرمت صفقات مع الاتحاد السوفيتي، وحصلت بموجبها على 550 طائرة، في ديسمبر 1950. ومن إجمالي هذه الطائرات كانت 250 قاذفة ومقاتلات نفاثة، و175 طائرات هجوم أرضي، و150 قاذفة ذات محرك مزدوج، و75 طائرة نقل.

وقد دخلت هذه القوات الجوية الحرب ضد القوات الجوية الهائلة للأمم المتحدة، على طول نهر يالو. ولتقليل مخاطر خسائر طائراتهم، قصر الصينيون عملياتهم الجوية في شمال وغرب كوريا، دون أي محاولة للتفوق الجوي. ولقد تمكنت طائراتهم الميج ـ 15 Mig-15 من مناورة الطائرات الأمريكية شوتنج ستارز F-80، والبانثرز F9F، وأدى ذلك إلى لجوء قوات الشرق الأقصى الجوية إلى استقدام طائرات، أعلى أداء وكفاءة، من نوع F-89 E Thunderjets، و F-86 A Sabres من الولايات المتحدة الأمريكية.

ج. القوات البرية: كانت القوات الصينية، التي دخلت كوريا، جزءاً من جيش التحرير الشعبي للصين Chinese People's Liberation Army، وكان على شكل جيوش ميدانية. وكانت صفوة القوة الهجومية الصينية، التي يبلغ عديدها مليونين أو ثلاثة. إضافة إلى جيوش حاميات محلية، تمثل الصف الثاني من القوات، يبلغ عديدها مليوناً أو مليونين؛ علاوة على ميليشيا، كان جيش التحرير الشعبي للصين قد أخذ منها متطوعين، تبلغ قوتها خمسة ملايين. ومن ثم لم يكن الجزء، الذي دخل إلى كوريا، يبلغ عديده سبعين ألفاً، كما قدرت استخبارات الأمم المتحدة، بقيادة اللواء تشارلز ديللوبي، بل كان هناك أربعة أضعاف هذا العدد محتشدة في الجبال، في مواجهة الجيش الثامن والفيلق العاشر الأمريكيين.  

كان عديد مجموعة الجيش 13، من الجيش الميداني الرابع، 200 ألفاً، يواجهون الجيش الثامن الأمريكي في شمال غرب كوريا. وفي أواسط أكتوبر، دخلت مجموعة الجيش 13، بستة جيوش، كل منها فيه: ثلاث فرق مشاة، مجموعها 30 ألف جندي، ونحو ثلاث فرق مدفعية، وفوج فرسان، وفوجا مركبات.

ودخلت مجموعة الجيش التاسع، وهي جزء من الجيش الثالث الميداني الصيني، كوريا، وفيها ثلاثة جيوش، في أواسط نوفمبر.

وللتعرف على وحدات مجموعتي جيش الصين، الموجودة في كوريا في 23 نوفمبر، (أُنظر جدول مجموعتي جيش الصين، الموجودة في كوريا في 23 نوفمبر 1950)

وعلى الرغم من أن الجيش الصيني كان يضم ثلاث فرق، في مجموعة الجيش التاسع، إلاّ أنه تم تدعيمه بفرقة رابعة، ما جعل عدده يصل إلى نحو 40 ألفاً. وهكذا ارتفع إجمالي عدد القوات الصينية في كوريا، في 23 نوفمبر، إلى أكثر من 300 ألفاً من رجال الفرق ومجموعات الجيوش النظامية، التابعة لكل من الجيش الرابع الميداني، بقيادة الجنرال لين بياو، والجيش الثالث الميداني بقيادة الجنرال شين ويي.

2. القوات الكورية الشمالية

كانت الوحدة الكبرى الباقية من قوات كوريا الشمالية، في 23 نوفمبر، هي الفيلق الرابع، وكانت منشغلة على الجبهة، في مواجهة الفيلق الأول من قوات كوريا الجنوبية في شمال شرق كوريا.

أما الفيلق الثاني فكان قوة عصابات، تعمل من مركز قيادة خفي، في الجبال الوسطى، قرب خط العرض 38، بقيادة الجنرال كيم شايك. وقد أصبح هذا الفيلق يضم أربع فرق صغيرة، تشن حرب العصابات.

أما باقي فلول جيش كوريا الشمالية، فكان في وسط كوريا الشمالية ومنشوريا. ودخلت مراكز قيادتها منشوريا بالفعل؛ لإدارة عمليات إعادة تنظيم ثلاثة فيالق، وتسع فرق عبرت الحدود، أثناء تقدم قوات الأمم المتحدة. تحت إشراف المارشال شوي يونج جون، وزير الدفاع الوطني الجنرال لي سانج شو Lee Sang Cho، رئيس أركان جيش كوريا الشمالية، كان يتم إعادة تشكيل ثلاثة فيالق، وست عشرة فرقة، في منطقة متاخمة لكانجي Kanggye. وهكذا كان تشكيل القوات الكورية الشمالية (أُنظر جدول تشكيل القوات الكورية الشمالية)

تأسست القيادة المشتركة الصينية والكورية الشمالية برئاسة الرئيس كيم إيل سونج. واتخذت هذه القيادة مقراً لها في كانجي، وإن كان مصدر الأوامر الحقيقي هو الجنرال الصيني بنج تيه هواي، الذي نقل مقر قيادته إلى موكدن.

ومنذ تلك اللحظة تدفق الصينيون، وأسلحتهم، وأصبح زمام المبادرة في أيديهم؛ مع بقاء الكوريين الشماليين في مركز الشريك الصغير، بينما تولت روسيا إرسال الإمدادات والمؤن. وأصبح موقفها مشابهاً تقريباً لموقف الولايات المتحدة الأمريكية في كوريا. إلاَّ أن الولايات المتحدة الأمريكية تولت الإمداد بالقوات، بنسبة تقدر بعشرة أمثال ما قدمته كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مجتمعة، بخلاف ما قدمته الولايات المتحدة كذلك، لقوات كوريا الجنوبية، من الرجال وعناصر القيادة والمؤن المختلفة.

رابعاً: خدع التحركات الصينية

تساءل كثير من الضباط الأمريكيين، بما فيهم اللواء دويل هيكي Doyle O. Hickey رئيس أركان حرب قيادة الفريق ماك آرثر، ورئيس أركان حرب الفيلق العاشر، واللواء كلارك رافنر، مستفسرين اللواء ديللوبي عن العدد، الذي حدده لقوات الشيوعيين بأنه 100 ألفاً، قائلين إن هذا الرقم أقل كثيراً مما كانوا يتصورونه. ولكن ديللوبي أعاد تأكيد ظنه أن الموجودين من الصينيين الشيوعيين، إنما هم من المتطوعين! وبمعدل كتيبة من المتطوعين لكل فرقة. ويبدو أن ديللوبي قد خُدع بحيلة الصينيين في اللعب باستخدام بعض الكلمات، مثل "وحدة" و"كتيبة"؛ من أجل إخفاء حقيقة مدلول هذه المسميات، التي كانت عبارة عن "فرق" و"جيوش". فمثلاً كانت "الوحدة رقم 55" هي في الحقيقة عبارة عن الجيش 39. وكانت "الكتيبة الأولى من الوحدة 55" هي، في الحقيقة كذلك، عبارة عن الفرقة 115 من الجيش 39. واستمر ديللوبي في حساب ووصف الفرق على أنها كتائب، في كل تقاريره، التي رفعها إلى الأمم المتحدة عن هذه الوحدات، وقد اعترف كثير من الأسرى الصينيين، صراحة، بأسماء وأرقام وحداتهم، عند استجوابهم الذي كشف كل هذه الحقائق.

ويبدو أن ديللوبي قد اعتمد على تقارير خاطئة عن أعداد الصينيين، وكذلك عن تحركاتهم، التي أمعنوا في إخفائها، والكمون نهاراً، والاعتماد على التحرك النشط ليلاً. وبرع الصينيون في اتخاذ الكهوف في جوانب الجبال وسفوحها، والأنفاق العديدة، التي كانت معدة للخطوط الحديدية في كوريا الشمالية، أماكن للاختفاء عند صفاء الجو؛ لتضليل عمليات الاستطلاع الجوي. كما استخدموا الأكواخ في القرى، وحفروا الحفر لإخفاء قواتهم نهاراً، مع مواصلة التقدم ليلاً، سيراً على الأقدام، في معظم الأوقات. فقد ورد تقرير إلى القيادة الأمريكية أن ثلاث فرق صينية كاملة قد تحرك أفرادها، سيراً على الأقدام، من أنتونج، في منشوريا على الضفة الشمالية لنهر يالو، على مسافة 286 ميلاً، إلى منطقة تجمعها في كوريا الشمالية في ميدان القتال، في مدة راوحت من 16 إلى 19 يوماً. وقد سارت إحدى فرق هذا الجيش ليلاً في طرق جبلية وعرة، بمعدل 18 ميلاً في اليوم الواحد، وكان السير يبدأ عادة في الظلام، حوالي الساعة السابعة مساءً، ويستمر حتى الثالثة، من صباح اليوم التالي (8 ساعات).

وكانت ترتيبات الوقاية والدفاع، ضد الطائرات، تتم عادة قبل بزوغ الفجر، حوالي سعت 530. فكان يتحتم إخفاء كل رجل، وكل دابة، وكذلك كل قطعة من الأسلحة والمعدات، ولا يُسمح بالتحرك، أثناء النهار، إلاَّ لبعض جماعات الاستطلاع، التي كانت تتحرك؛ من أجل استكشاف المعسكرات التي ستقف فيها القوات في اليوم التالي، وهكذا. وفي الحالات، التي كان يضطر فيها الصينيون للتحرك نهاراً لأي سبب، كانت الأوامر، التي صدرت لهم في هذا الشأن، تقضي بأن يقف كل جندي حيث يكون، من دون أي حراك، إذا ما ظهرت أي طائرة في الجو فوقه، وقد خُوّل الضباط حق إطلاق النار، فوراً، على كل رجل يخالف هذا الأمر".

وتحت هذا الإجراء من الضبط والربط، نجح الصينيون في تجميع 30 فرقة في الميدان، منها 18 فرقة، قوتها 180 ألف رجل من مجموعة الجيش الثالث عشر، في الغرب والوسط، في مواجهة الجيش الثامن وقوات كوريا الجنوبية، واثنتي عشرة فرقة أخرى قوتها 120 ألف رجل من مجموعة الجيش التاسع، في مواجهة الفيلق الأمريكي العاشر في الشرق.

خامساً: تطور الموقف

أصبح التفاؤل ظاهرة جديدة سادت جو قيادات الحلفاء، حتى إن ماك آرثر نفسه أخبر الجنود الأمريكيين أن بعضهم سيكون في أرض الوطن في عيد الميلاد. وربما أراد فقط أن يوحي إلى الصينيين أن الولايات المتحدة عزمت على سحب قواتها من كوريا. وكان هذا التصريح بلا شك سبباً في ازدياد التفاؤل مرة أخرى. كما أضفى التقدم السريع، الذي حققه الفيلق العاشر في الشرق، آمالاً كبيرة أيضاً. إذ إن الفيلق العاشر، عقب دخوله وونسان، في 26 أكتوبر، مهد الطريق، أمام فرقة القيادة الكورية الجنوبية، لمواصلة هجومها، جهة الشمال، بثلاث مجموعات قتال مفوجة (أُنظر خريطة تقدم الفيلق العاشر)، تمكنت من القضاء على المقاومة الكورية الشمالية في سونجين، على بعد 105 ميلاً شمال شرق هونج نام. ووصل الفوج الأول من فرقة القيادة إلى بونجسان، في منتصف طريق إيون ـ سينشانج ـ ني ـ هيسانجين Iwon- Sinch'ang-ni-Hyesanjen. ووصل الفوج الثالث، وهو الفوج 18 من فرقة القيادة، إلى الطرف الجنوبي من خزان ومستودعات بوجون Pujon. وفي 4 و5 نوفمبر، تمكن الفوجان الأول والثاني من الاستيلاء على مدينة كيلشو Kilchu، بعد حصارها. بينما تمكنت طائرات من الجناح الأول الجوي لمشاة البحرية من تدمير دبابتين، وأربع قطع مدفعية، وقتل 350 رجلاً.

واستولت على 9 مدافع مضادة للدبابات عيار 45 ملم، وست هاونات عيار 82 ملم، و10 مدافع آلية ثقيلة. وفي أواسط نوفمبر، خاضت فرقة "الكابيتول" من قوات كوريا الجنوبية معركة قاسية في "شونجين" مدينة صناعة الحديد والصلب، على بعد ستين ميلاً فقط من حدود سيبيريا. أما في الغرب، فتقدمت بعض وحدات من الفرقة السابعة المشاة الأمريكية، التي كان يقودها اللواء ديفيد بار David G. Barr، إلى مدينة هايسانجين الواقعة على نهر يالو. وأرسل ماك آرثر رسالة إلى قائد الفيلق العاشر، اللواء ألموند، قال فيها: "تهانينا القلبية يا نيد (اسم النداء الشخصي للواء ألموند). أرجو أن تخبر بار أن على الفرقة السابعة أن تصيب الأبريق أي (تحقق هدفها)".

وأرسل اللواء ألموند رسالته إلى ديفيد بار: "إن كون هذه الفرقة نزلت في البر منذ عشرين يوماً فقط في أوون، وتقدمت مائتي ميل فوق أرض وعرة جبلية، وحاربت بنجاح ضد عدو عنيد في جو قاس تحت الصفر، أمر سيسجله لها التاريخ، كعمل عسكري ممتاز".

أما فيما يتعلق بـ هايسانجين، فقد نزلت الفرقة السابعة إلى شاطئها في أيوون، ولم تواجه أي مقاومة، ثم أخذت تتقدم بعرباتها إلى هايسانجين، ولم تعترضها سوى دفاعات بسيطة من المدينة، وكانت الخسائر بسبب البرد أشد من الخسائر في القتال.

في تلك الأثناء، كان اللواء أوليفر سميث، قائد الفرقة الأولى من مشاة البحرية، يخوض معركة شرسة مع الفرقة 124 من القوات الصينية. وفي الثاني من نوفمبر، التحم الفوج السابع من مشاة البحرية الأمريكية مع القوات الصينية عند سادونج، على امتداد الطريق المؤدي إلى خزان شوزين، وقد اجتاحت مشاة البحرية الأمريكية القوات الصينية، ودفعتها أمامها، وواصلت تقدمها إلى سهل كوتو ـ ري المرتفع، على مسافة 50 ميلاً شمال غرب هانج نام. وقد ذكر الأسرى الصينيون، الذين وقعوا في أيدي مشاة البحرية، أن قوات صينية كبيرة انتشرت في مراكز حول خزان شوزين. وفي 15 نوفمبر كتب اللواء سميث قائد مشاة البحرية في واشنطن ما يلي:

"حتى الآن لم يتعرض طريق إمدادنا الرئيسي شمالاً من هامبونج للخطر، ولكن يبدو أن هذا الموقف لن يستمر. إذ لا بد أن أحداً، من كبار المسؤولين، سوف يعيد النظر في تحديد هدفنا. وغايتي هي أن أستمر في تقدمي إلى الحدود. إن الجيش الثامن يتمركز على بعد 80 ميلاً للغرب، ولن يقوم بالهجوم حتى يوم 20 من الشهر الحالي. وقد بدا واضحاً، بجلاء تام، أننا لن نستمر في تقدمنا دون أن نضع الجيش الثامن في اعتبارنا وتقديرنا.

وإذا تعذر على الجيش الثامن أن يتقدم، فسوف يكون التساؤل عندئذ هو ماذا سنفعله بعد ذلك. وإني أعتقد أن استمرار الحملة في الشتاء، في جبال كوريا الشمالية الوعرة، هو عمل شاق قاسي يتحمله الفرد الأمريكي وحده، سواء الجندي في الجيش، أو في مشاة البحرية. وإني أشك في إمكانية تموين القوات، في تلك المنطقة، خلال الشتاء، أو حتى في إمكانية إخلاء المرضى أو الجرحى".

وختم سميث رسالته بإبداء قلقه من وجود "ثغرة واسعة مفتوحة على جناحه الأيسر"، كما أبدى قلقه الشديد من توزيع فرقة المشاة البحرية، على امتداد الطريق الوحيد، الذي يخترق سلسلة الجبال لمسافة 120 ميلاً جوياً، ممتداً من هادونج إلى الحدود".

ولقد قرر ماك آرثر أن يشن هجومه في 24 نوفمبر، بالفيلق العاشر، صوب الشمال الغربي إلى "مانبوجين ـ كانجي ـ هويشون"، بدلاً من التقدم، طوال الوقت، إلى الحدود. فكان على الفرقة الأولى من مشاة البحرية أن تتحرك إلى خزان شوزين لاتخاذ مواقع استعداداً للهجوم. ولم يكن سميث راضياً عن هذا، فاتصل باللواء ألموند؛ ليسأله عما إذا كان يسمح له أن ينقل قواته معه، وعما إذا كان ممكناً أن يقيم أو ينشئ مطاراً في منتصف الطريق المؤدي إلى شوزين. وافق ألموند على المطلب وتعهد به، ولكنه لم ير مبرراً للمطلب الثاني. وفي النهاية وافق على السماح للواء سميث بأن ينشئ ممراً أرضياً بوسائله الخاصة.

وفي 16 نوفمبر، تقدم كل من اللواء سميث ومعه اللواء فيلد هاريس Field Harris، قائد الجناح الجوي البحري الأول، إلى هاجرو ـ ري، إلى مسافة اثنى عشر ميلاً جنوباً من خزان شوزين، من أجل البحث عن مناطق تصلح مطارات. ووجدا حقل فول متجمد. وفي 19 نوفمبر بُدئ في إعداده ليكون مهبطاً للطائرات. وفي الوقت نفسه، أمر اللواء سميث قائدي الفوجين السابع والخامس بالتقدم إلى نقطة بدء الهجوم، بمنطقة خزان شوزين، مع إعداد أسلحتهم ووحداتهم على طريق هانجنام ـ هامبورج ـ شوزين.

وهكذا ظلت الثغرة الفاصلة بين الجيش الثامن في الجنوب الغربي، والفيلق العاشر في الشمال الشرقي، مفتوحة، وكانت وعورة الأرض سبباً مباشراً في ذلك.

سادساً: الخطة الصينية والعمليات القتالية

كانت الخطة الصينية تهدف إلى شن هجومين، من جانبي سلسلة الجبال؛ بهدف تطويق الجانب الأيمن للجيش الثامن، والجانب الأيسر للفيلق العاشر، ويواصل قائدا الهجومين ضغطهما في اتجاه الساحل، في الوقت الذي تشق فرق صينية أخرى طريقها إلى الجنوب، لكي تتصل بأفراد جيش كوريا الشمالية، الذين شكلوا عصابات تشن غاراتها على قوات الحلفاء. ثم تتقدم الفرق الصينية؛ لتتجاوز وحدات كوريا الشمالية، وتصبح في مؤخرة وحدات الحلفاء، وبذلك تطوقها تماماً وتقضي عليها.

في 13 نوفمبر، احتفلت القوات الأمريكية بعيد الشكر، وقُدم للجنود عشاء خاص، جعل بعضهم يقول مازحاً: "يبدو أن هذه عملية تسمين لنا، لنقدَّم للذبح غداً على أيدي الصينيين".

في 14 نوفمبر، تقدمت قوات الفريق ووكر، بثلاث فيالق في المواجهة، على امتداد جبهة، عرضها خمسون ميلاً شمالاً من شونج شون. وكان توزيع القوات من اليسار إلى اليمين: الفيلقان الأمريكيان الأول والتاسع، والفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية. وكانت الفرق المشتركة بهذه التشكيلات هي الفرقتين 24 الأمريكية، والفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، والفرقتين الأمريكيتين 25، والثانية، ثم الفرقتين السابعة والثامنة من قوات كوريا الجنوبية. وكان في الاحتياط الفرقة الأولى الأمريكية الفرسان، والفرقة السادسة من قوات كوريا الجنوبية، واللواءان البريطانيان 27 و29، واللواء التركي. ولم تكن الوحدات التابعة للدول الأخرى من الأمم المتحدة، التي وصلت مؤخراً، قد اتخذت مواقعها بعد في تشكيلات الميدان.

وقد بدأت الهجوم بتمهيد كثيف من قذائف المدفعية، وبدأ التقدم في العاشرة من صباح يوم الجمعة. وكانت درجة الحرارة تحت الصفر، واكتست الطرق بالجليد، الذي غطى كذلك قمم التلول الجرداء، بينما هبت رياح باردة قاسية من الشمال. وحقق المهاجمون نصراً سريعاً؛ إذ كانوا متأثرين بالثقة التي تضمنها بلاغ ماك آرثر، الذي تُلي عليهم، قبل بدء الهجوم، وجاء فيه:

"إن الضغط الكبير، الذي مارسته قوات الأمم المتحدة في كوريا الشمالية، ضد الجيوش الحمراء التي تعمل هناك، قد وصل إلى غايته الحاسمة، وإن الوحدات والعناصر المعزولة بين فكي الكماشة وقواتنا الجوية، من جميع أنواعها، استمرت، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، في شن هجومها، ضاربة في ذلك أروع الأمثلة في التنسيق والتعاون والكفاية، فحققت، بنجاح كامل، قطع خطوط تموين العدو من الشمال، ما ترتب عليه نقص إمدادات العدو بشكل ملحوظ. وهناك، في الجانب الشرقي من الكماشة، وصلت قواتنا، بمساعدة طيبة من القوات البحرية، إلى مراكز التطويق لقوات العدو؛ فشطرت بذلك خطوط تقدمه الشمالية. وفي هذا الصباح، تحركت القوات العاملة في الجانب الغربي للكماشة، وشنت هجوماً شاملاً؛ في محاولة لها لإتمام ضغطها على العدو، وللإطباق عليه. وإذا نجحت هذه العمليات، فسوف تنتهي الحرب، ويعود السلام وتعود الوحدة إلى كوريا، مما سيعيننا على سحب قوات الأمم المتحدة المسلحة، والسماح لشعب كوريا بممارسة سيادته، وتمتعه بحقه في المساواة الدولية، وهذه هي غايتنا من الحرب".

وعند هبوط الليل، كانت سرعة تقدم الجيش الثامن تقدر بحوالي عشرة أميال في أقصى الغرب، عندما كانت الفرقة 24 الأمريكية، في القطاع الأوسط من جهة اليمين، قد بلغت كوجانج ـ دونج، إلى مسافة عشرة أميال تقريباً من نقطة بدء تحركها عند كونو ـ ري. وهناك في أقصى اليمين، لم يتحقق أي مظهر للنجاح؛ فقد كان الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية قد سبق إلى التحرك، عبر المنطقة الجبلية الوعرة التي تخترق وسط كوريا، وحيث صادفته مواقع دفاعية قوية، ما خفف كثيراً من سرعة تقدمه، منذ أن ترك نقطة انطلاقه في توكشون.

ولم يكن فشل قوات كوريا الجنوبية أمراً مقبولاً لدى اللواء لورانس كايزر، قائد الفرقة الثانية، إذ كانت توكشون على مسافة 15 ميلاً في الجنوب الشرقي، أي على اليمين من قواته في جوجانج ـ دونج. وعلاوة على ذلك، فقد سمع كايزر، من المراقبين الجنوبيين، أن العدو قد حول اتجاه قواته، لترابط بين "هويشون ـ توكشون". وعندئذ أقسم كايزر: "بأنهم سيوجهون ضربتهم هناك، وسيكون ذلك هو موضع تركيز جهدهم على جناحنا، وضد الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية". وكان تقدير كايزر صحيحاً.

وقبل فجر اليوم التالي، السبت 25 نوفمبر، شن الصينيون عدة هجمات مضادة. وفي الطرف الغربي، حيث تمركزت مقدمة الجيش الثامن، استطاعوا أن يدفعوا أمامهم الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، التي تراجعت للخلف مسافة ميلين، أمام ضغط قوات اللواء بايك. ثم واصل الصينيون توجيه ضرباتهم على طول الخط، عدا قطاع الفرقة 24 الأمريكية في الغرب. ولعل تفسير ذلك أنهم أرادوا التركيز على الكوريين الجنوبيين، كما كان مقترحاً وقتئذ. وعلى أي حال، سواء بمحض الصدفة، أو وفقاً للتخطيط، فإن الفرقة الصينية الشيوعية لم تجد أمامها الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية الذي سبق لها ضربه قبل ذلك بشهر.

وفي الليل وتحت ضوء القمر الساطع، ووسط هدير الأبواق وجلجلة الصفارات وطنين الصنج الموسيقية، زحف الصينيون على تلال توكشون يتسللون، ويقيمون سدادات الطرق في الخلف، كعادتهم، بينما زحفت حشود أخرى في الشمال متجهة للجنوب أسفل الطريق الجديد من هويشون. وتجاوزوا، أثناء زحفهم، بعض فصائل من جيش كوريا الشمالية النظامي، واستمروا في تقدمهم، وسط الثغرة التي كانت تفصل بين قيادة قوات الأمم المتحدة والفيلق الثاني، من قوات كوريا الجنوبية. واندفعت هذه الجموع داخل الجناح المكشوف في الجانب الأيمن، من جهة مؤخرة الفيلق الكوري الجنوبي، وبعدها وجهوا ضربتهم المضادة بعنف إلى كل من الفرقتين السابعة والثامنة من الفيلق الثاني، فشتتوا شمل أفرادهما، وتحولتا إلى وحدات هائمة، من دون قيادات، تولي الأدبار إلى الجنوب.

بينما شن نسق من القوات الصينية هجوماً جنوبي أونزان، ضد الفرقة 25 الأمريكية، والفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، وأجبرهما على التقهقر للخلف، وهدد بعزل الفرقة 24 الأمريكية من جهة جانبها الغربي البعيد الممتد إلى شونج جو. وصدرت الأوامر للفرقة 24 الأمريكية بالانسحاب للمرة الثالثة، منذ دخولها حرب كوريا، فتراجعت من شونج جو إلى الضفة الغربية لنهر شونج شون Ch'ongch'on، حول مطار سينان ـ جو، إلى مسافة 30 ميلاً، وكان ذلك بمثابة الحد الجديد للجناح الأيسر للفريق ووكر.

أما في اليمين إلى مسافة أربعين ميلاً شرقي توكشون Tokch'on، فقد كان هناك فراغ واسع نجم عن تحطيم الفيلق الثاني من قوات كوريا الجنوبية، وقد تدفق فيه الصينيون بأعداد ضخمة، وبدا هدفهم واضحاً، وهو الالتفاف لليمين أو الغرب؛ لضرب الجيش الثامن وقذفه في البحر الأصفر. (أُنظر خريطة معركة شونج شون)

وبدأ الصينيون يحكمون إغلاق "المصيدة" في صباح 26 نوفمبر؛ بأن دفعوا قواتهم للجنوب الغربي من توكشون، وبذلك هددوا بقطع الفرقة الثانية وعزلها من جهة الشمال الغربي للمدينة. ولو قدر لهذا أن يتم، لأمكن للصينيين الوصول بسرعة إلى غرب البحر الأصفر، من دون أي مقاومة أو توقف، ولاستطاعوا سد منافذ الهروب جنوبي مطار سينان ـ جو.

بدأ الفريق ووكر استخدام قواته الاحتياطية، وكانت أول قوة استدعاها هي اللواء التركي، وكان قوامه خمسة آلاف رجل. وقد تلقى الأتراك أوامر دخول المعركة فعلاً من اللواء جون كولنز قائد الفيلق التاسع الذي كانوا ملحقين به، وكان عليهم التحرك شمالاً من كونو ـ ري إلى توكشون، وهي مسافة تبلغ عشرين ميلاً؛ لإيقاف تدفق جموع الصينيين؛ لإنقاذ الجناح الأيمن للفرقة الثانية. وكانت هذه المناورة ـ كما شبهها مارشال الذي شاهدها ـ كأنها غطاء فلين لأنبوبة أسبرين صغيرة، وضع لسد فتحة كبيرة في برميل من الجعة (وكان يقصد من ذلك أن عملية تحرك الأتراك كانت عديمة الجدوى). إذ تحرك الأتراك، وبعد أن وصلوا قرية "واوون" على بعد سبعة أميال شرقاً، دخلوا المعركة التي تاق المراسلون الأمريكيون إلى التحدث عن تحقق الانتصار فيها. ولكن ما حدث بالفعل كان شيئاً لا قيمة له، وصفه أحد المراسلين بقوله: "لم تحظ معركة صغيرة بمثل هذه العناوين البارزة، في جميع أنحاء العالم. وانتشرت الأنباء أن الأتراك استطاعوا، في أول لقاء لهم مع الصينيين، صد هجماتهم. وكان ذلك هو أول ما ترامى من أنباء معركة نوفمبر. ولكن ما حدث في الساعات الأولى في واوون لم يزل مثار سؤال صريح. فقد تباهى الأتراك بما وقع في أيديهم من بعض مئات من الأسرى الصينيين، من بين الموجات الأولى من القوات الصينية. وكان هذا محض ادعاء؛ لأن الملازم سوكيو أوجي، وكان يعمل مترجماً، أرسلته الفرقة الثانية من أجل استجواب الأسرى. وبدلاً من أن يجد أمامه أسرى صينيين، وجد أمامه مائتين من الجنود الكوريين الجنوبيين المخذولين، الذين ضلوا طريقهم إلى صفوف الأتراك، بينما كانوا يشقون طريقهم، في تراجعهم بعد القتال، في توكشون".

وكانت الحقيقة أن الأتراك قاتلوا ببسالة، عندما تصدت لهم مقدمة القوات الصينية، على جانبي الطريق عند واوون، ولكنهم خُذلوا أمام تفوق الصينيين. وعندئذ، انحرفت فلول اللواء التركي جهة الشمال لكي تتصل بالفرقة الثانية، وفي ذلك الوقت خلال يوم 27 نوفمبر، أفشل الصينيون وحلفاؤهم الكوريون الشماليون الهجوم الذي أمر به ماك آرثر لكسب الحرب. وأسوأ من ذلك، واجه الجيش الثامن الكارثة بعد أن ترنح أمام الصينيين.

وهكذا وجد الفريق ووكر نفسه يقاتل من أجل إنقاذ جيشه؛ فقد تراجعت فرقه، على طول نهر شونج شون، وبذل محاولات مستميتة؛ من أجل سد الثغرة في اليمين، مستخدماً الفرقة الأولى الفرسان ومجموعات اللواءات البريطانية، ولكن هذه المحاولات كلها باءت بالفشل، فقد كان الصينيون متفوقين جداً في عددهم، وكانوا قد توغلوا عميقاً في اختراقهم. ودارت معارك عنيفة في كل مكان، وامتلأت الطرق في الجنوب بالعربات، وازدحم المرور فيها، واكتظت بالجنود من كل لون وجنس، وبالمدنيين الهاربين وبالدبابات، وبذلك وجدت المدفعية الصينية أهدافاً سهلة متنوعة، أكثر مما كان متوقعاً.

وأصبح مستحيلاً الاحتفاظ بالمواقع عند نهر شونج شون، سواء شمالاً أو جنوباً منه، وبدأ الفريق ووكر في التقهقر بما بقي معه من قوات الحلفاء في كوريا. وقد ستر عمليات الانسحاب بواسطة الفرقة الثانية، التي كانت تقاتل في أقصى الشمال؛ من أجل تعطيل تقدم الصينيين لإفساح المجال لانسحاب القوات في الجنوب إلى شونج شون. وتم هذا العمل بنجاح؛ بسبب التفوق الساحق في القوات الجوية والبحرية، وخاصة القوة الجوية، في تلك القطاعات التي لم تكن تصل إليها قذائف مدفعية الأسطول.

ولكن كانت هناك مفاجأة هائلة في انتظار الفرقة الثانية. ففي أول ديسمبر بعد أن نجحت في إيقاف تقدم الصينيين، واستمر الانسحاب جنوبي كوجانج ـ دونج، بعد أن تم عبور نهر شونج شو إلى الضفة الجنوبية، واستعادة المواقع الأصلية التي سبق أن بدأ منها التحرك. انطلق سبعة آلاف جندي من الفرقة الثانية، بالسيارات مسرعين، جنوباً إلى سونشون، وعندئذ وقعوا في كمين محكم، نصبه لهم الصينيون، الذين وضعوا حواجز، بامتداد خمسة أميال على الطريق من كونو ـ ري إلى سونشون، ونصبوا مدافعهم على المناطق المرتفعة في كلا الجانبين. وكان بعض هذه المدافع على بعد مائة ياردة فقط من الطريق. وتركوا في نهاية الطريق ممراً ضيقاً، طوله ربع ميل، بين جانبين مرتفعين من صخور متهالكة. وهكذا أمكن للصينيين اصطياد الفرقة الثانية، ونكلوا بها نكالاً وصفه أحد الضباط الناجين بأنه: "نكال لم تتعرض لمثله أبداً أي فرقة من قوات الأمم المتحدة من قبل ولا من بعد".

ترك الفريق ووكر مركز قيادته في الأرض العراء، وأسرع بسيارته الجيب مضاعفاً سرعتها، واجتاز قواته دون أن يتوقف، ووصل إلى نهاية الطريق، بعد نحو ساعتين، وقد شاهد بعينيه هلاك قواته، والحفر وقد امتلأت بالجثث، والأشلاء المتناثرة على الطريق. بينما اندفع من نجا من الموت مذهولاً، زائغ البصر والفؤاد، لا يلوي على شيء. واستمر الصينيون، من وراء الصخور يطلقون نيرانهم بشدة كالمطر الكثيف. أما اللواء كايزر، قائد الفرقة الثانية، فقد سار بين جنوده، وهو يرى القتلى يتساقطون، والناجين وقد أصابهم الذهول، وأخذ يسأل بعضهم، محاولاً أن يعيد إليهم رشدهم، قائلاً: "من هو قائدكم؟ من أنتم؟ هل يستطيع أحدكم أن يفعل شيئاً؟ ولا يتلقى جواباً، لا من الأمريكيين أو الكوريين الجنوبيين، أو الأتراك، الذين لم يكونوا يفهمون شيئاً من كلماته.

حاول الطيران الأمريكي إنقاذ أفراد الفرقة الثانية؛ فأخذ يصب قذائفه على الصخور حول الممر، وقذائف النابالم الحارقة على الطريق نفسه، واشتعل كثير من العربات الصينية والأمريكية، وتطايرت مشابك القذائف، من عيار 50 ملليمتراً في الفضاء، في كل اتجاه.

لم تظهر أي صورة واحدة من صور المقاومة، إلاَّ ما فعله رقيب واحد أخذ مدفعاً هاوناً من عيار 81 ملليمتراً، من سيارة بيك آب، حمولة ثلاثة أرباع الطن، ووضعه في منتصف الطريق، وبدأ يطلق نيرانه، بيد واحدة، على أحد مواقع الصينيين، في المخرج الجنوبي للممر.

كانت نتيجة هذه المعركة سقوط ثلاثة آلاف من أفراد الفرقة الثانية، البالغ عددهم سبعة آلاف، وكانت خسائر العربات جسيمة جداً، ولولا التدخل الجوي الأمريكي، وإسراع نسق بريطاني كان مرابطاً في بطن الممر، لقُضي على الفرقة الثانية تماماً. ولذا اتجهت فلولها جنوباً؛ لتعيد تنظيم نفسها خلف أحد المواقع، التي أقيمت عند سانشون لاعتراض تقدم الصينيين، وكانت تحتله الفرقة الأولى فرسان.