إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الحادي عشر

الموقف السياسي وانسحاب قوات الأمم المتحدة

أولاً: الموقف على الصعيد السياسي

هكذا في 28 فبراير تحولت نشوة النصر، لدى قوات الحلفاء، في إنشون إلى مرارة اليأس في شونج شون؛ إذ غير الفريق الأول ماك آرثر خططه، من طابعها الهجومي إلى الطابع الدفاعي، وأرسل بلاغاً خاصاً إلى هيئة الأمم المتحدة، جاء فيه: "نشطت الأعمال المضادة، من جانب العدو؛ لإيقاف عمليات اقتحامنا، خلال الأيام الأربعة الماضية، التي كشفت عن اشتراك عناصر ضخمة، من القوات المسلحة الصينية، على مستوى الفرق والفيالق والجيوش، والتي بلغت قوتها أكثر من 200 ألف مقاتل، شنت هجماتها ضد قوات الأمم المتحدة في كوريا. ومعنى ذلك أننا نواجه حالياً حرباً جديدة".

كما اتصل ماك آرثر بواشنطن؛ لكي يبلغها. "أن قيادته فعلت كل ما تستطيع، من الناحية الإنسانية، بقدر ما سمحت به إمكانياتها، غير أنها تواجه، الآن، ظروفاً خارجة عن سيطرتها وقدرتها"، وطلب أن تعيد حكومة ترومان النظر في مسألة استقدام قوات، من شيانج كاي شيك، وهو العرض الذي سبق أن تقدم به منذ خمسة أشهر مضت. وكان تبادل هذه الرسائل يعد، من ناحية، تبريراً للفشل، ومن ناحية أخرى، سبباً لتبرير المطالب الجديدة لماك آرثر، منحه حق ضرب منشوريا. وإن كان ذلك كله قد أزال الشكوك في أن قوات الأمم المتحدة قد منيت بهزيمة مؤلمة، ما دفع ترومان إلى طلب الدعوة لاجتماع خاص لمجلس الأمن.

وكان الفريق عمر برادلي، ورؤساء أركان الحرب، في اجتماع دام طول اليوم، قبل أن يُدرس الموقف، وقد شعروا بأن الموقف، وإن كان حرجاً وخطراً، إلاَّ أنهم يمكنهم التعامل معه؛ لأنه لم يصل إلى حد الكارثة، كما أرادت الصحافة أن تصوره. وأوضح الفريق برادلي، مدى الخطر الذي يمكن أن ينجم، إذا صمم الشيوعيون على استخدام قواتهم الجوية. وقال برادلي: "كنا نعلم أن العدو يملك، على الأقل 300 قاذفة قنابل رابضة في الميدان، قريباً من منشوريا، وأن بوسع هذه القاذفات أن تسبب لنا ضرراً بالغاً، سواء بالهجمات على المطارات، أو بالغارات المفاجئة على الطائرات الرابضة، في مطارات كوريا. على الرغم من هذه الحقائق، فإن هيئة الأركان المشتركة لا تعتقد أن الفريق ماك آرثر يجب أن تُخول له الصلاحية لضرب المطارات في منشوريا".

ثم تكلم وزير الدفاع عن الاعتبارات الدبلوماسية المتعلقة بالموقف، وأوضح أنه يرى، من الضروري، للولايات المتحدة الأمريكية، أن تستمر، في تعاونها، مع هيئة الأمم المتحدة، في حل المسألة الكورية، حتى ولو أدى المضي مع الأمم المتحدة إلى بعض المتاعب والصعاب. وقال إنه يشعر أن من الضروري الاحتفاظ بالإجماع في الوصول إلى قرار، في الأمم المتحدة. وشدد على نقطة معينة، أن قيادات الأسلحة الثلاث، قد اتفقت على حقيقة مهمة جداً، وهي: "أن لا نورط أنفسنا، سواء كنا وحدنا، أو مع الأمم المتحدة، في حرب شاملة مع الصين".

وقال برادلي إن ذلك يعبر عن رأي هيئة أركان الحرب المشتركة كذلك، "فإذا سمحنا لأنفسنا بأن نتورط في حرب شاملة مع الصين، فسوف يكون مستحيلاً أن نستمر في بناء قواتنا في أوروبا". أضاف وزير الدفاع فرانك بيس: "إنه لمن المهم أن يدرك كل فرد، في الغرفة، أننا لا نملك إلاَّ الفرقة 82 المحمولة جواً، على مستوى الاستعداد في أرض الوطن، وأن وحدات الحرس الوطني، التي استدعيت للخدمة، لن تكون جاهزة للقتال قبل منتصف شهر مارس.

وقال دين أتشيسون وزير الخارجية: "إننا يجب أن نضع، في اعتبارنا، أن الاتحاد السوفيتي كان، دائماً، وراء جميع تحركات الصين وكوريا الشمالية، وعلينا أن نفكر في كل ما حدث في كوريا، كما يجب علينا ألا نهمل أو نتجاهل أننا نواجه الاتحاد السوفيتي، في كل أنحاء العالم. بالطبع إذا جاهرنا باتهام الاتحاد السوفيتي بالعدوان، فإن ذلك سوف يؤدي إلى القضاء نهائياً على الأمم المتحدة، أما إذا أشرنا من بعيد إلى الاتحاد السوفيتي، فإن ذلك لن يحقق أي فائدة؛ لأننا لن نستطيع عمل أي شيء إزاء ذلك. أما إذا وجهنا الاتهام، ولم نفعل شيئاً إزاءه، أدى ذلك إلى إضعاف مركزنا الدولي، في حين إذا اتخذنا أي إجراء ضد الكرملين، وجدنا أنفسنا من دون حلفاء.

"أما بالنسبة للنزاع في كوريا فلا بد، كما قلت من قبل، من أن نجد مخرجاً لإنهائه، ولو تمادينا بالدخول في منشوريا، وضرب المطارات الصالحة هناك، فإن روسيا سوف تبتهج لمثل هذا التصرف، ولهذا فإننا نكون قد ربطنا سياستنا الخارجية بفكرة إبقاء روسيا بعيداً. ولقد نجحنا فعلاً في إحباط محاولاتها في التدخل، ولو سمحنا للروس، الآن، باستدراجنا إلى مثل هذا الفخ، في دائرة نفوذهم، فإننا سوف نسقط في هاوية سحيقة. ولن تكون هناك طريقة لإنهاء هذه المجازفة، وذلك سيستنزف دماءنا ويقضي علينا. ولقد حاول الروس إغراءنا، أكثر من مرة، للوقوع في هذه الأفخاخ، ولكن هذه المحاولة، في هذه المرة، أكبر كثيراً مما سبقها".

وكان من نتائج هذا الاجتماع الطارئ، يوم 28 نوفمبر، أن وضحت النتائج الختامية، التي حددت شكل أو طبيعة الطريقة، التي تعاملت بها السياسة الأمريكية مع الأمم المتحدة، بالنسبة لكوريا. فقد اعترفت حكومة ترومان بأنه لم يعد ممكناً، بعد ذلك، أن تتوحد كوريا بالقوة، وأنه لا بد من الوصول إلى سبل أخرى لإنهاء الحرب. ولا يجب، بأي حال من الأحوال، ضرب منشوريا بأي سبيل، حتى لا تتاح، للرئيس جوزيف ستالين، أي فرصة لكي يورط أمريكا. كما أشار إلى ذلك اللواء برادلي بقوله: "حتى لا نتورط في حرب خاسرة، في مكان غير ملائم، وفي وقت غير ملائم، ومع عدو ماكر". لقد ظل الدفاع عن أوروبا، والتصدي للاتحاد السوفيتي، هما الهدفين الواضحين للسياسة الخارجية الأمريكية.

ثانياً: الرئيس الأمريكي يهدد استخدام القنبلة الذرية

حدث خلال اليومين التاليين، أثناء مؤتمر صحفي للرئيس الأمريكي، أن أعلن أنه يضع، في اعتباره، استخدام القنبلة الذرية في كوريا. وقد تعجل، في إظهار ذلك، بقوله: "إن اعتبارات استخدام أي سلاح أمر مفهوم ضمنياً، باعتبارات امتلاك هذا السلاح". ومن المعلوم أن الولايات المتحدة كانت هي الدولة الوحيدة التي تملك السلاح الذري آنذاك. وقد كان رد الفعل في محيط حلفاء الأمم المتحدة، هو الاحتجاج الشديد، وعلى الأخص في بريطانيا. إذ وقَّع حوالي مائة عضو برلماني، من حزب العمال، خطاباً وجهوه إلى رئيس الوزراء كليمنت آتلي، يحتجون فيه على احتمال استخدام الأسلحة النووية في كوريا.

وسط الانتقادات العلنية لفشل ماك آرثر، في كسب الحرب، بدأت مناقشات طويلة في البرلمان البريطاني. فقد ثار قلق المحافظين، أمثال ونستون تشرشل، وأنتوني إيدن، وبتلر؛ لاحتمال تورطهم في حرب عالمية ثالثة؛ نتيجة للاندفاع الأمريكي؛ فقال بتلر: "إن الشعب البريطاني جميعه، كان يرغب في أن يطمئن، قبل أن يواجه قدره ومصيره، بأن يكون له يد في تخطيط مصيره". وامتدت المناقشة حول فشل ماك آرثر، واندفاع هاري ترومان، وعدم تبصره بعواقب الأمور، وانتهت هذه المناقشة بالهتاف، عندما أعلن الرئيس كليمنت آتلي أنه سيطير إلى واشنطن؛ للتشاور مع ترومان. وفي أثناء المشاورات، هُدّأت مخاوف آتلي بالنسبة لاستخدام القنبلة الذرية. ولو أنه لم يكن بوسعه إقناع ترومان بأن الصين الشعبية ليست تابعة، تدور في فلك روسيا، ولكنها قوة شيوعية، لها اعتبارها، ولها وجهة نظرها الخاصة بها. وأنه من الممكن أن تنفصل، في سياستها، عن الكرملين. وكان ذلك هو أبرز خلاف، بين الحلفاء، في الأمم المتحدة حول الحرب.

وبدأت بعد ذلك المفاوضات؛ من أجل وقف إطلاق النار. وكانت الصين الشيوعية لا تود، بطبيعة الحال، وقف إطلاق النيران؛ إذ كانت هذه هي فرصة بكين؛ لمحاولة توحيد كوريا بالقوة. وكما أظهرت حوادث ديسمبر 1950، كان ماوتسي تونج ورجاله يشعرون بأنهم يتصدون لعدوان استعماري، وأنهم قد ربحوا الموقف في شونج شون، وبدا أنهم أعدوا كارثة لقوات الأمم المتحدة في شوزين، وأنهم الآن يهدفون للقضاء عليها نهائياً. فقد شددوا ضغطهم في المطاردة للجنوب بسرعة فائقة. ومعلوم أن الجندي الصيني غير مثقل بالمتاع أو العتاد، فهو بما يحمله على ظهره يمكنه التحرك، بقدرة فائقة، وفي مدى أسبوع منذ أن شن الصينيون هجومهم، أرغموا الجيش الثامن على التراجع أمامهم، لمسافة خمسين ميلاً، في قطاعه الأوسط، وإن كان التراجع، على كلا الجانبين أبطأ؛ بسبب استخدام الفريق ووكر لقواته الاحتياطية؛ لتخفيف حدة مطاردة قواته. وكان الموقف، في الجناح الأيمن، أكثر حرجاً ودقة؛ حيث كانت الفرقة الأولى فرسان أمريكية، والفرقة 24 تقاتلان بيأس وعناد، تعاونهما بعض فلول الفيلق الثاني، من قوات كوريا الجنوبية.

ثالثاً: انسحاب قوات الأمم المتحدة إلى خط 38

استمرت قوات الصين الشيوعية في اندفاعها للجنوب، متحفزة لتوجيه الضربة القاضية، لدرجة أن أفرادها تخلوا عن أصول الضبط والربط، أثناء سيرهم؛ إذ تحركت جموع الكتائب، على طول امتداد الطرق، في وضح النهار، كما تحركت أنساق المركبات ليلاً، وهي تضيء مصابيحها، وكان ذلك سبباً في أن يلحق بها التفوق الجوي الأمريكي كثيراً من الخسائر. فقد قدر اللواء ستريت ماير أن رجال قواته الجوية قد قتلوا أو جرحوا حوالي 23 ألف رجل من الصينيين، خلال الأسبوعين الأولين من شهر ديسمبر، ولم تكن هذه الخسائر ذات بال بالنسبة للقيادة العليا الشيوعية. وكان استعدادها لقبول مثل هذه التضحيات، نابع من أنهم كانوا يتطلعون إلى تحرير بيونج يانج، عاصمة الرئيس كيم إيل سانج.

وكان الفريق ووكر يأمل أن يتوقف عند بيونج يانج، على خط يمتد على الطريق الواصل من بيونج يانج إلى وونزان على الساحل الشرقي، ولكن هجوم الصينيين تركز في سونج شون، الواقعة بين المدينتين، وقطعوا الطريق عندها. وبذلك كان على الجيش الثامن أن ينسحب، بعيداً إلى الجنوب، إلى خط، يقرب من منطقة خط العرض 38. وحتى الانسحاب على طول الطريق إلى بوزان، بدأ عندئذ أمراً يصعب احتماله.

وفي 4 ديسمبر، عاد الفريق الأول ماك آرثر إلى الحديث عن إمكانيات استخدام القوات الجوية، دون التقيد بالقيود السابقة، التي أفاد منها الصينيون، فقد أرسل رسالته إلى واشنطن، متضمنة العبارات الآتية: "لقد بدا واضحاً أنه إن لم تتوفر الإمدادات البرية بقوات ضخمة، فسوف تضطر هذه القيادة إما للاستمرار في عمليات الانسحاب المتعاقبة، وما يترتب على ذلك من إضعاف مستمر، في قدرتها على المقاومة بعد كل تحرك للخلف، أو ستضطر القيادة للاحتماء برؤوس جسور، وسوف يؤدي ذلك إلى إطالة خطوط ومراكز المقاومة. إن هذه القيادة المتواضعة، تحت هذه الظروف الحالية، تواجه الشعب الصيني، في حرب غير معلنة رسمياً. وإن لم تُتخذ بعض الإجراءات العاجلة الإيجابية، فسوف يضيع الأمل في النجاح، وستتفتت قوانا، وينتهي مصيرها إلى الدمار المحتوم. ومع أن القيادة ـ حتى هذه اللحظة ـ قد أظهرت قوتها المعنوية، وأثبتت كفايتها؛ إلاَّ أن القتال، الذي استمر خمسة أشهر، قد سبب إرهاقاً نفسياً بالغاً، وقد أصبحت كفاية قوات كوريا الجنوبية حالياً، غير ذات أهمية، وإن كان يمكن الإفادة منها في الأعمال البوليسية والحراسة. أما بالنسبة لباقي العناصر المقاتلة من الشعوب الأخرى، التي تقاتل معنا، فإنها غير ذات فائدة كبيرة؛ لكونها عناصر أصغر نسبياً من أن تثبت وجودها وأثرها.

إن كل فرقة معي، من قوات الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء الفرقة الأولى من مشاة البحرية، لا تتجاوز قوتها نحو خمسة آلاف فرد، وهي لم تبلغ في أي وقت قوتها العددية الكاملة، في حين أن القوات الصينية مازالت نشطة وغير مرهقة، وهي كاملة التنظيم، وعلى مستوى ممتاز من التدريب والتسليح. وهي بذلك في قمة كفايتها للعمليات. ومن ثم فإن التقدير العام للموقف هنا يجب أن يعاد النظر فيه، على أساس حرب جديدة، ضد قوة جديدة، لها التفوق العسكري، وتحت ظروف جديدة.

"إن الرأي الإستراتيجي المناسب للعمليات ضد جيش كوريا الشمالية، والذي أثبت نجاحه، لم يعد ممكناً استمرار الأخذ به ضد هذه القوة الجديدة (الصين). ويستدعي ذلك اتخاذ قرارات سياسية، وتخطيطات إستراتيجية كافية لمواجهة الحقائق القائمة. وهكذا يبدو الاعتبار الزمني له أهميته، وإن كل ساعة تمر، إنما تزيد في قوة العدو، وتضعف فيها قوتنا".

وقد سارع الرئيس ترومان، في 4 ديسمبر، إلى التصديق على جواب هيئة الأركان المشتركة على ماك آرثر، والذي تضمن: "إننا نعد الاحتفاظ بقواتك أهم اعتبار يعنينا الآن، وإننا نوافق على تعزيز القوات في رؤوس الجسور".

وعندئذ أمر ترومان، على ضوء ما لمسه من دقة الموقف، الفريق لوتون كولينز J. Lawton Collins، رئيس هيئة أركان حرب الجيش، بالطيران إلى طوكيو، للتباحث مع ماك آرثر. وفي اليوم التالي، بدأ انسحاب الجيش الثامن من بيونج يانج.

وأصدر الفريق ووكر أوامره بالانسحاب، مع ضرورة تدمير وإحراق كل ما على الأرض، واستمرت جماعات النسف والتدمير في القيام بهذه المهمة، أربعة أيام، في إعداد خطة نسف الجسور والخطوط الحديدية، ومحطات توليد القوة، ومنشئات المطار والورش والمخازن، وكل ما قد يكون ذا فائدة للصينيين. ومن المعلوم أنه كان قد سبق تدمير أغلب هذه المرافق على أيدي الكوريين الشماليين، أثناء انسحابهم، وإن كان الأمريكيون قد أعادوا إصلاحها بعد احتلالهم المدينة. وقد ضاعت ملايين الدولارات؛ بسبب دمار المؤن والمعدات التي راحت طعاماً للنيران. وارتفعت سحب كثيفة من الدخان الأحمر فوق المدينة، بينما استمر قتال الفرقة 25 الأمريكية، ومجموعات اللواءات البريطانية على نهر تايدونج لجهة الشمال، ومعهم رجال الفرقة الأولى من قوات كوريا الجنوبية، الذين قاموا بأعمال التغطية والتعطيل. وكانت وحدة من الدبابات البريطانية هي آخر من انسحب، ثم أعقبها المهندسون الأمريكيون، الذين تولوا أعمال نسف الجسور، ثم أعقب ذلك انسحاب قوات الأمم المتحدة إلى خط العرض 38.

وقد صحب هذه القوات، في انسحابها، جموع كثيرة من المدنيين، من أهل كوريا الشمالية، يقدر عددهم بين مليون ومليوني نسمة. وقد ازدحمت بهم قاطرات السكك الحديدية، وحمل بعضهم أمتعتهم على عربات الكارو التي تجرها الثيران، وتركوا وراءهم قراهم للشيوعيين الزاحفين، وأمكن إخلاء بعضهم بواسطة سفن الأمم المتحدة التي كانت لا تزال على استعداد للعمل، في معاونة الجيش الثامن في القيام بعملية انسحابه.

وفي 3 ديسمبر، بدأ أسطول الولايات المتحدة إجلاء رجال الأمم المتحدة، ومعهم مهماتهم، من وونزان على الساحل الشرقي. وهنا كذلك كان المدنيون جد حريصين على الهروب، قبل وصول الشيوعيين. وجاء في تقرير النقيب ألبرت جاريل قائد الفرقة 11 للنقليات: "لقد بدأنا تحميل المدنيين الكوريين على السفينة "لين فيكتوري"، في سعت 500، 7 ديسمبر، بعد أن أعددنا كثيراً من التجهيزات، بالتعاون مع قوات الشرطة المحلية؛ لاختيار المدنيين الذين سنحملهم معنا، مع استبعاد من كان يصفهم الكوريون الشماليون بأنهم أعداء. وكنا نتوقع أن نأخذ ألف مدني، ولكن سرعان ما تضاعف هذا الرقم كثيراً. وقد سبب هذا التزايد ألماً عصبياً كبيراً، إذ لو رفضنا توفير الإيواء لأولئك اللاجئين، لترتب على ذلك تعرضهم للضرب، من جهتين، بعد أن نترك المكان. ولذلك، أصدرت أوامري بالاستمرار في تحميلهم، إلى أقصى طاقة ممكنة، وما أن انتصف الليل، حتى أمكن تحميل 7009 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وتركنا أكثر من هذا العدد. وقدرت أن سكان وونزان 75 ألف نسمة، علاوة على عدد مماثل من المدن المحيطة المجاورة، كانوا جميعاً يطلبون الخروج في يأس واضح. وتسلق نحو 20 ألف شخص الأسلاك الشائكة؛ انتظاراً للخروج".

وكان الانسحاب من وونزان يماثل الانسحاب من شين نامبو (ميناء بيونج يانج)، وإن كانت المخاطرة أشد حدة، إذ كان هناك نحو 8700 شخص، من بينهم مدنيون وجنود جرحى، محملون على معدات النقل في بيونج يانج. ولكنهم غير قادرين على الحركة؛ بسبب كثرة الألغام المبثوثة عند مصب نهر تايدونج، الذي كان عليهم أن يبحروا منه؛ من أجل الخروج إلى البحر الأصفر. استطاعت مدمرة أمريكية، وأخريان أستراليتان، وثلاث مدمرات كندية، من قوة الأسطول الغربي، الذي كان تحت قيادة الأدميرال أندروز، شق طريقها، في ليلة 5 ديسمبر، مستترة بظلام الليل، وبالعاصفة الثلجية التي هبت وقتئذ، وأمطرت هذه القوات مدينة بيونج يانج بالقنابل، واستطاعت نقل العربات، بما عليها، في أمان. وتمت عمليات الإخلاء، كذلك، في ميناء إنشون، وفي أيوون. وكانت أكبر عملية انسحاب هي التي قادها الفيلق العاشر في هانج نام؛ إذ بدأت عملية هانج نام يوم 11 ديسمبر، وهو اليوم الذي أعقب يوم إفلات الفرقة الأولى من مشاة البحرية من الكمين، الذي كان قد أعده لها الجنرال سانج شين لان، عند خزان شوزين.

وقد بدا، في الأيام الأولى من شهر ديسمبر، أن الورطة التي وقعت فيها مشاة البحرية، لا خلاص لهم منها؛ إذ تمكن الصينيون من تطويقهم من الغرب، لعمق امتد إلى 35 ميلاً، واستطاعوا بذلك تفتيت قوة مشاة البحرية، عندما استولوا على الطريق، الذي يربط بين المراكز الأربعة المهمة الممتدة من يودام ـ ني عند الخزان جنوباً، إلى هاجارو ـ ري، إلى كوتو ـ ري، إلى شين هانج ـ ني. وعندما حل ليل أول ديسمبر، كان الجانب الأيمن كذلك قد تم تطويقه، مع تدمير قوة الفرقة السابعة، التي كانت ترابط شرقي الخزان.

وكانت هذه الوحدة مؤلفة من الفوجين 31 و32 المشاة، ويقودها العقيد ألان ماكلين Allan D. Maclean. إلاَّ أن العقيد ماكلين جاء اسمه ضمن قائمة المفقودين، أثناء العمليات الأولى التي قادها الصينيون، وتولى بعده المقدم دون فيث Don C. Faith، قائد الكتيبة الأولى من الفوج 32، وقد عرفت هذه القوة بعد ذلك باسم "قوة واجب فيث". وفي أول ديسمبر، قرر فيث محاولة شق طريقه، بالقوة، جنوباً إلى مقر رئاسة اللواء أوليفر سميث، في هاجارو، على بعد 12 ميلاً إلى الجنوب الغربي. وبعد أن دمر فيث مدافعه الهاوتزر، وكل مهماته، عدا ما كان في حاجة إليه، وحمل مئات الجرحى على السيارات. وأعانته على ستر تحركه قوة الطيران التابعة للأسطول، بدأ تحركه. ومع أنه تعرض للهجوم على طول الطريق، إلاَّ أنه أشرف على الوصول إلى هاجارو، عند حلول الليل على مسافة 4.5 ميل شمال هاجارو، ولكنه قُتل، وتشتتت قواته بعد ذلك، وتشرد الرجال، بين التلال، وعبر الخزان النهري المتجمد؛ وهم يريدون الانضمام إلى مشاة البحرية. (أُنظر خريطة التمركز في هاجارو-ري) وقد تمكن 670 منهم من بلوغ هدفهم، وتعرضت قافلة السيارات المحملة بالجرحى منهم للهجوم من جانب الصينيين، وقُتل كثير من أولئك الجرحى، وإن أمكن إنقاذ 350 منهم على أيدي مشاة البحرية عند هاجارو. وهكذا بضياع قوة فيث، وبتعرض جناحي مشاة البحرية للهجوم العنيف، وإغلاق الطريق الوحيد للانسحاب، أصبح بمقدور الجنرال سانج بدء عملية القضاء النهائي على المواقع الأربعة، التي كانت ترابط فيها مشاة البحرية، وأن يأخذها لقمة سائغة.

وكان رد فعل اللواء أوليفر سميث هو العمل المضاد لتكتيكات الجنرال سانج، بأن تحاول مشاة البحرية الاحتفاظ بمواقعها، وإعادة تجميع قواتها، بأن تنسحب حامية "يودام ـ ني " جنوباً ؛ لتنضم إلى حامية هاجارو، وأن تقاتل هاتان القوتان؛ لشق طريقهما جنوباً إلى كوتو ـ ري، ثم تتحرك القوات الثلاث جنوباً إلى شين هانج ني، وعليها كلها الاحتفاظ بمستوى عال من الضبط والربط، وأن تعتمد على القوة الجوية، في التموين، وفي تقديم الدعم النيراني لها. كما اعتمدت هذه الخطة على مدى ثبات حاميات المدن، وعلى قدرة مركز رئاسة سميث في هاجارو، وعلى المطار الحيوي الذي كان صالحاً للعمل، حتى أول ديسمبر، والذي تعرض بعد ذلك لهجوم عنيف.

وكانت محاولة قائد مشاة البحرية لإنقاذها هي سبب هزيمته، فقد غادرت قوة مكونة من ألف رجل، و150 عربة، و30 دبابة، بقيادة المقدم دوجلاس درزديل من قوة مشاة البحرية الملكية البريطانية، منطقة كوتوـ ري إلى هاجارو في 29 نوفمبر. غير أنها وقعت في كمين اعترضها، في منتصف الطريق، بعد مسيرة 11 ميلاً. وبسرعة نجح الصينيون في تمزيق هذه القوة وقتل وجرح وأسر 650 رجلاً، وتدمير نصف عرباتها. وبصعوبة استطاع 300 رجل، ومعهم 12 دبابة، القتال لشق طريقهم إلى هاجارو، فاستطاعوا بذلك إنقاذ حامية المدينة في الليلة التالية، على الرغم مما تعرضوا له من هجوم الصينيين العنيف.

وفي الوقت نفسه، صمدت باقي الحاميات، وخاصة سرية مشاة البحرية، التي كانت تحتل مرتفع "فوكس هيل Fox Hill"، وهو المرتفع الذي يشرف على ممر توك تونج، واستطاعت حامية يودام ني الانسحاب عن طريقه. ولقد جاهدت الحامية، محاولة الاحتفاظ بمواقعها، إلى أن تمكنت إحدى الكتائب من التحرك ليلاً، عبر الأرض الوعرة من يودام ـ ني، من أجل تمكينها من الانسحاب، في حلكة الظلام، فوق أرض وعرة مكسوة بالجليد، في درجة حرارة 24 تحت الصفر. والرجال في غاية الإعياء؛ بسبب اشتباكهم في القتال خمسة أيام مستمرة. ولكن أمكن تأمين مرتفع فوكس هيل، وسيطر الفوجان الخامس والسابع على ممر تلك تونج، من يودام ني إلى هاجارو ـ ري. ثم ما لبث أن أصبح السير، بعد ذلك، عبارة عن الاستيلاء على المرتفعات، التي كان الصينيون قد حصنوها على جانبي الطريق.

وفي الصباح الباكر من يوم 2 ديسمبر، كانت كتائب البنادق تنسحب، وهي تقاتل في كل مكان، في الأمام، وفي الخلف، وعلى الأجناب. وتسلق مشاة البحرية التلال المرتفعة، وأخذوا يقاتلون على القمم، وفي الحفر وفي المنخفضات وبين الثلوج. ولم يكن الأفراد يقاتلون إلاَّ لشيء واحد هو النجاة، وإخلاء الجرحى. كان الزحف بطيئاً تجاه الجنوب. وهم يقفزون بين الحفر والجليد، ولا يريدون أن يتركوا أحداً، بل حتى جثث القتلى حملوها على مواسير المدافع، أو على الزحافات. ولم يصلوا إلى يودام ـ ني، إلاَّ في صباح 4 ديسمبر، بعد أن فقدوا 1500 فرد، راح ثلثهم ضحية البرد والجليد.

عندما بلغت اللواء سميث أنباء انسحاب الفرقة الأولى من مشاة البحرية، لأول مرة في تاريخهم، شعر بالألم الشديد، وهو يعد العدة لنقل خسائره من الأفراد بالطائرات. وصرخ في وجوه المراسلين: "أيها السادة إننا لا ننسحب، كلا بل نحن نحوِّل الهجوم إلى اتجاه آخر. الانسحاب أمر مستحيل، ثم كيف نلجأ إلى الانسحاب، وأعداؤنا يحيطون بنا من كل مكان، ويقطعون علينا كل الطرق".

في 6 ديسمبر، تحركت قوة سميث، المكونة من نحو عشرة آلاف فرد، ومعهم ألف سيارة، نحو الجنوب. وعمدت إلى إزالة حاجزين ضخمين اعترضا الطريق جنوباً، من مدينة كوتو ـ ري، ضمن حواجز، عبارة عن بوابات مياه، عند جسر تم نسفه، على مسافة 3.5 ميل جنوب كوتو ـ ري. وكان هذا الجسر مقاماً فوق أربع أنابيب ضخمة من الصلب، تمتد خارج نفق، على يسار الطريق إلى الجنوب. وكانت هذه الأنابيب تحمل الماء، من خزان شوزين، إلى محطة توليد القوى في الوادي الموجود جنوباً، وكان يمكن لرجال المشاة عبور الجبال، إلى يسار، أو إلى شرق هذا الجسر، في حين لا يمكن للعربات أن تجتازها. وكان على يمين الجسر هوة سحيقة. ولذلك فإن نسف بوابات الماء لهذا الجسر يجعل منها مانعاً فعالاً؛ لسد الطريق أمام نسق مشاة البحرية المتحرك للجنوب، بينما بوسع مدافع الصينيين الموجودة على التل الكبير تدمير النسق، إذا استدار ليدخل ممر فانشيلين. وكانت خطة سميث أن يطلب من القيادة الجوية للشرق الأقصى، أن تتولى الطائرات إسقاط كمرات جسور جديدة، تكفي لإقامة جسرين، فإذا دمر الصينيون بعضها، أمكن استخدام الأخرى في إقامة جسر إلى كوتو ـ ري، ثم يأمر الكتيبة الأولى، من الفرقة الأولى من مشاة البحرية، في شين هانج ـ ني، بالتقدم شمالاً للاستيلاء على التل. (أُنظر خريطة الانسحاب من خزان شوزين) و (خريطة انسحاب الجيش الثامن)

كذلك أمرت قيادة ماك آرثر، في طوكيو، العميد ميد، القائد المساعد للفرقة الثالثة مشاة، بتشكيل قوة خاصة للتحرك شمالاً إلى شين هانج؛ لتخفيف الضغط عن كتيبة مشاة البحرية. وكانت هذه الوحدة تعرف باسم (قوة الكلب الخاصة)، وقد شكلت في 6 ديسمبر، وهو اليوم الذي شنت فيه القوة الأساسية للواء سميث هجومها جنوباً في اتجاه كوتو ـ ري، ومعها العقيد هومر ليتنزنبرج، قائداً للفوج السابع في المقدمة كرأس حربة للقوة كلها. بينما كان الفوج الخامس، بقيادة المقدم موراي، يتولى تغطية تحرك القوة الرئيسية. قائلاً لقواته: "إننا نأخذ قتلانا وجرحانا ومهماتنا، عندما نتحرك وسنخرج من هنا".

وبمجرد أن بدأ رجال موراي الانسحاب من تلال هاجارو، استطاعت آخر عربات النقل الأمريكية إنقاذ آخر جماعة من الـ 4312 جندي أمريكي، كان مقدراً لها أن تقع في الكمين. وعندئذ بدأ خبراء النسف عملهم. فأحالوا المدينة الصغيرة التعسة إلى أنقاض، وتصاعدت أعمدة الدخان الأسود إلى عنان السماء. بذلك سترت الانسحاب، ونسفت آخر جسر خارج المدينة. وبعد ذلك، زحف ألوف من الكوريين الشماليين، الذين خرجوا من الكهوف والأكواخ، وراء مشاة البحرية المنسحبة إلى الجنوب.

وفي سعت 2200 ، 7 ديسمبر، قاتل النسق الخارج من هاجارو، وشق طريقه إلى كوتوري. وعندئذ بلغ عدد الرجال، تحت قيادة سميث 134 ألفاً، منهم نحو 12 ألفاً، أو أقل قليلاً من رجال مشاة البحرية، ونحو 2300 جنود أمريكيين (800 ممن نجوا، من قوة فيث، و1500 من المهندسين والمدفعية من الفيلق العاشر، الذي كان يرابط في كوتوري، و150 جندياً بريطانياً، من قوة مشاة البحرية الملكية، و40 من جنود كوريا الجنوبية). وقرر سميث أن يأخذهم، في اليوم التالي. وأمر المقدم دونالد شماك في شين هانج ني، بأن يحرك كتيبته، شمالاً؛ للاستيلاء على التل الكبير.

وتحركت كتيبة شماك، في سعت 0300 ، 8 ديسمبر، وسط زئير العواصف، وتساقط الثلوج بشدة؛ إذ بلغت كثافتها نصف قدم، وظلت درجة الحرارة 14 تحت الصفر، وانعدمت الرؤية تماماً، عندما بدأ تحرك مشاة الأسطول الأمريكي لقطع الأربعة أميال الباقية، وتحرك نسق واحد على الطريق، بينما شق نسق آخر طريقه عبر التلال بهدف مفاجأة الصينيين. ولم تمض إلاَّ ساعات قليلة، حتى تمكنت القوة التي كانت على التلال من الصعود، من ارتفاع 1200 قدم، إلى ارتفاع 3500 قدم. وتسلق الرجال الصخور، وقد شكلوا من أنفسهم سلسلة، تشد بعضهم البعض، إلى أن وصلوا جميعاً إلى القمة. وكانت الأرض التي ساروا عليها ضيقة شديدة الوعورة، يكسوها الجليد. وطالما انزلقت أقدام رجال، وسقط بعضهم، يتدحرجون على الجبال، إلى سفوحها السفلى؛ ليلقوا حتفهم. بينما اندفع النسق الذي سار على الطريق، واجتاز سلسلة من الموانع والعوائق، التي اعترضت طريقه. وفي سعت 1000، أمكن الاقتراب إلى مسافة مائتي ياردة من مواقع الصينيين. وبدأ النسق الأول هجومه، فهزم الصينيين هناك، واستعد لعمليات اليوم التالي؛ من أجل الاستيلاء على قمة التل الكبير.

وبدا أن مشاة الحرية قد تعثروا في ذلك الوقت، جنوبي كوتوري. وكانت قواتهم حوالي 14 ألف رجل، و1400 سيارة؛ إذ قاتل الصينيون باستماتة، من أجل منع سقوط التل الكبير، فصبوا نيرانهم من كل المرتفعات التي كانوا يحتلونها، ما دفع العقيد هومر ليتزنبرج، قائد الفوج السابع، إلى إصدار أوامره لكل وحداته المشاة، وحملة البنادق، بالصمود وبذل الجهد لطردهم. وعندما أبلغ أحد قادة الكتائب، أنه لا يوجد هناك أي تقدم، صرخ ليتزنبرج: "استخدموا السرية الاحتياطية". وكان الجواب الذي تلقاه: "كل السرايا الثلاث مشتبكة في الأمام. خمسون رجلاً من جورج، وخمسون آخرون من هاو، وثلاثون من أيتم، وهذا كل ما عندنا". ومعنى ذلك أن 130 رجلاً فقط بقوا، من أصل القوة التي كان يبلغ عددها ألف من حملة البنادق. وفي الوقت نفسه فقدت إحدى السيارتين الكبيرتين، التي كانت معدة لنقل الجسر، عندما توقف بها سائقها في الماء، وعندما سحبتها السيارة الأخرى، كانت غير صالحة للعمل بسبب ما أصابها الجليد من تلف. ولم يتيسر إقامة الجسر في ذلك اليوم، وأرجئ لليوم التالي بسبب صعوبة المرور، من كثافة السيارات التي ملأت الطريق.

وفي 9 ديسمبر اكتسحت كتيبة شماك التل الكبير، وقتلت المدافعين عنه جميعاً. وبدأت السيارة الباقية تفرغ حمولتها من الكمرات الحديد "2500 رطل"، في مكان فوق الثغرة. وإن كان بعض هذه الكمرات قد تلف؛ بسبب طريقة إسقاطه، وهناك ظهر صواب طلب اللواء سميث كمرات تكفي لإقامة جسرين، وبذلك أمكن تدبير ما يكفي لبناء جسر من الكمرات السليمة.

عثر النسق المؤلف من مشاة البحرية، الذي تقدم عبر الهضاب والمرتفعات، على كثير من الجنود الصينيين متجمدين من شدة البرد في الحفر، التي كانوا يحتلونها. وفي مساء ذلك اليوم، كان الجسر قد تم تركيبه في مكانه، وبدأ النسق يجتازه في طريقه إلى كوتوري. وبدأ عبور المعدات الثقيلة، كالجرارات، والزحافات، وكسارات الجليد، والأوناش، وأخيراً الهراسات الضخمة، من النوع الذي يستطيع حفر ثماني ياردات مكعبة من الأرض، في الجرفة الواحد. ولكن ترتب على ذلك أن تصدعت العارضات الخشبية الوسطى التي تحمل الجسر؛ بسبب هذه الأحمال الثقيلة، وبذلك توقفت الهراسات بين الكمرات. إلاَّ أن سائقاً ماهراً استطاع أن يخرجها، وأزيلت الوسادات الخشبية والقضبان الحديدية، التي تلفت، وتقدم العمل في الجسر بسرعة، مرة ثانية، في القسم الباقي منه بعرض (136 بوصة)، فكان ذلك كافياً لمرور الدبابات على الكمرات، بينما مرت السيارات، في المسافة بين هذه الكمرات (بعرض 45 بوصة)، فوق الحافة الداخلية للعارضات. وكان الموقف دقيقاً؛ إذ كان أقصى عرض للجسر مسافة 140 بوصة. ومعنى ذلك أنه لم يبق للدبابات؛ لسلامة مرورها، سوى مسافة بوصتين على كلا الجانبين، بينما لم يكن للسيارات سوى نصف بوصة بين الأطراف الداخلية للعارضات المتوسطة. وكانت شدة الظلام سبباً في أن استعان رجال مشاة الحرية بالبطاريات، وبدأ النسق عبور الجسر. أما أسفل منهم، فكان التل الكبير قد سقط في يد مشاة البحرية، وأمكن نسف الموانع والعوائق، التي اعترضت الطريق الواصل بين "شين هانج ني ـ كوتوري". واستغرقت عملية العبور طول الليل.

في يوم 10 ديسمبر، وصلوا إلى الطريق المؤدي إلى شين هانج ني، عبر ممر فانشيلين، وهبطوا من الأرض المرتفعة إلى الوديان. واستمر تدفق النسق الطويل من الجنود ومعهم سياراتهم، إلى مسافة 11 ميلاً. ومعهم كثير من اللاجئين، كما كان معهم بعض قطعان الماشية. وقد أحضروا معهم جرحاهم، وقتلاهم، والأسرى الذين وقعوا في أيديهم. وكان القتال لا يزال مستمراً وراءهم في جنوب كوتوري. وكان ممكناً أن يخسروا بعض الدبابات، وسط هذا الارتباك الشديد، إلاَّ أنهم عادوا ومعهم كل سياراتهم ومدافعهم تقريباً، وإن حدثت بعض مناوشات متفرقة متباعدة على الأجناب، حتى إنه حدثت معركة جنوب شين هانج ني، إلاَّ أن معظمهم نجا منها. ولكن كان ينتظرهم الطريق الصعب في نزولهم من مرتفعات كوريا الشمالية.

وهكذا اجتازت الفرقة الأولى من مشاة البحرية، بما معها من الجنود الملحقين بها، الكمين الذي كان قد أعده لها الجنرال سانج، بعد أن خسرت حوالي 7500 رجل. نصف هذا العدد بسبب البرد القارس، بينما أعلنوا أنهم أوقعوا خسائر بلغت 37500 فرد، بمعاونة الطيران. واستطاعوا إيقاف وتحطيم مجموعة الجيش التاسع الصيني، التي بلغت قوتها حوالي 120 ألف رجل. وفقد الجنرال سانج فعالية سبع فرق من مجموعة قواته، الأمر الذي سماه الفريق الأول مارشال، أعظم انسحاب، تم مصحوباً بالقتال، في العصور الحديثة، والذي أنقذ الفيلق العاشر الأمريكي.

اجمالي الخسائر في الأرواح، في الفيلق العاشر الأمريكي، من 27 نوفمبر إلى 10 ديسمبر 1950 (أُنظر جدول الخسائر في الأرواح، في الفيلق العاشر الأمريكي، من 27 نوفمبر إلى 10 ديسمبر 1950)، واستطاع أسطول الأدميرال دويل إتمام عملية الإخلاء، باستخدام الـ 193 سفينة التي كانت معه، والتي حملت الرجال بأسلحتهم. كانت الفرقة الثالثة قد اتخذت لنفسها خنادق دفاعية في النطاق الخارجي؛ لتغطي عملية الإخلاء، وصمدت لمحاولات الهجوم الليلي، التي استمرت حتى يوم 15 ديسمبر، وهو اليوم الذي أعقب تحميل الفرقة الأولى، من مشاة البحرية، على متن السفن. وقد تم إخلاء كل القوات الأمريكية، وقوات كوريا الجنوبية، التي كانت تعمل في كوريا الشمالية، عندما بدأ الهجوم المضاد الذي شنه الصينيون. فقد تم إخلاؤهم، إما من الموانئ الصغيرة، أو عادوا، في أمان، إلى هانج نام، في انتظار الانسحاب. (أُنظر خريطة خط إخلاء الفيلق العاشر) وتم ذلك في حماية طائرات الأسطول، التي كانت تعمل من حاملات الطائرات السبعة. كما أسهمت مدفعية 13 سفينة حربية في حماية هذه القوات. وكانت البارجتان ميسوري وروتشستر ضمن هذه السفن. وأمكن قياس مدى دقة ضرب المدفعية، من واقع دفتر الأحوال، بالطرادة روتشستر، وجاء فيه:


 



[1] كانت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تعقد في تلك البلدة من سنة 1945 إلى سنة 1951 حينما نقلت إلى مقرها في نيويورك.