إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الثاني عشر

استئناف العمليات العسكرية والتداعيات السياسية

أولاً: قائد جديد للقوات الأمريكية

في 12 ديسمبر، استعدت القوات الصينية المنتصرة لبدء هجوم آخر، في شكل عمليات زحف، سميت "هانج نام"، رافعة الشعار الذي أعلنه ماوتسي تونج: "ينسحب العدو ونحن نطارده"، ومعتمدة على إستراتيجية إجبار قوات الحلفاء على الانسحاب إلى مسافات بعيدة.

وفي خلال الأسبوعين، كان الجيش الثامن الأمريكي، والقوات الملحقة به، قد أصبح خارج كوريا الشمالية. وكان الفريق ووكر، الذي ضم تحت قيادته الفيلق العاشر، إضافة إلى قواته الأساسية، التي كانت ما تزال على متن السفن في المؤخرة في بوزان، قد بدأ في إقامة خط دفاعه، جنوب خط عرض 38، على جبهة عرضها 135 ميلاً بين شاطئ البحر الأصفر، وبحر اليابان.

في 23 ديسمبر 1950، فقد الجيش الثامن الأمريكي قائده، الفريق والتون ووكر، في حادث سيارة، عندما كان يقودها على طريق ثلجي ضيق، في اتجاه رئاسة اللواء 27 البريطاني، في شمال سيول، واندفعت إحدى سيارات النقل الضخمة في طريق العربة الجيب، فصدمته، فمات على الفور. ولحق برئيسه الفريق جورج باتون، الذي مات في حادث مماثل في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وبعد ساعات قليلة من إعلان وفاة الفريق ووكر، رشح مجلس رؤساء الأركان الفريق ماثيو ريدجواي Matthew B. Ridgway ليحل محله.

تحرك الفريق ريدجواي، في خلال فترة قصيرة، فوصل إلى طوكيو في 26 ديسمبر. وفي تكتيك بارع، راح يؤكد للفريق ماك آرثر أنه فخور بأن يخدم تحت قيادة واحد من أبرع القادة العسكريين في التاريخ. وفي تكتيك بارع كذلك، طلب السماح له بإجراء عمليات هجومية، إذا دعت الحالة لذلك، منتزعاً تأكيدات ماك آرثر بأن له الحرية الكاملة، في ميدان القتال، في كوريا، دون شروط.

لم يتقيد ريدجواي بالتعليمات، التي كان تقيد ووكر. وأجرى تغييرات في القيادة الكورية فور وصوله، وذلك بسبب طائرات سابر ف ـ 86 النفاثة، F-86 A Sabre، التي قضت على السيطرة الجوية، التي كانت طائرات ميج 15 قد أحرزتها لفترة ما. وفي 17 ديسمبر، شنت طائرات السابر غارة جوية، من مطار كيمبو إلى منطقة يالو، تحت قيادة العقيد بروس هنتين، وقد هاجمتها أربع طائرات صينية، من نوع ميج 15، كانت تعتقد أنها تشتبك مع الطائرات القديمة، فاقتربت من دورية هنتين، في بطء، عند ارتفاعها، وعند ذلك اندفعت طائرات السابر، ودارت حول الطائرات الصينية؛ فأمطرتها بنيران مدافعها الرشاشة من نوع كاليبر 50. وأسقط هنتن إحدى الطائرات الصينية، الأمر الذي جعل منه أول أمريكي يسقط طائرة ميج 15، في معركة جوية، وبعد ذلك، تفوقت طائرات السابر على طائرات الميج، واستعادت السيطرة الجوية للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، كان الجيش الثامن قد اتخذ الصفة الدولية؛ فقد شاركت 15 دولة بقواتها في هذا الجيش، هي الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والهند، وجنوب أفريقيا، وفرنسا، واليونان، وهولندا، والفيليبين، وتايلاند، وتركيا، وبلجيكا، والسويد. وقد اتبع ريدجواي الخطة نفسها، التي سار عليها سلفه الفريق ووكر، من تدريبهم على النظم الأمريكية في معسكرات للاستقبال، قبل إلحاقهم ككتائب بالفرق الأمريكية السبع، التي اشتركت في كوريا، باستثناء الألوية البريطانية، التي كانت داخلة ضمن تشكيل الكمنولث، وقامت بعمليات منفصلة. وكانت عملية تأمين الإمدادات، لهذا الخليط من القوات الدولية، تمثل مشكلة لم تحل حتى توقيع الهدنة. فالتعيينات الأمريكية كانت مقبولة لدى الجميع، عدا القوات الشرقية. فالمسلمون من تركيا لا يأكلون لحم الخنزير، واليونانيون لا يحبون البطاطس الحلوة ولا البسلة ولا الذرة. وطُلبت كميات إضافية من الخبز للجنود الأوروبيين، كما طُلبت أيضاً تعيينات من الزيوت، أو الزيوت النباتية، لقوات دول البحر الأبيض المتوسط، بينما كانت القوات الشرقية تطلب الأرز فقط. كان ضباط هيئة الإمداد والتموين يعتقدون أنهم، بإمدادهم القوات الشرقية بشرائح اللحم البقري، إنما يقدمون لهم شيئاً ثميناً؛ بينما كان الشرقيون، في بساطة، يقطعونها ويسلقونها، مع الأرز. وبينما كانت القوات الأمريكية تطالب بالمشروبات الكحولية، التي اعتادوا شربها في وطنهم، كانت القوات البريطانية والفرنسية تطالب بالنبيذ والروم. وكانت الملابس الأمريكية في الحجم المناسب عادة، إلاَّ أنه كانت تُطلب مقاسات كبيرة من الأحذية لليونانيين والأتراك، بينما كانت تُطلب مقاسات صغيرة لأبناء تايلاند والفيليبين.

وبوجه عام، عندما تولى الفريق ريدجواي القيادة في كوريا، كانت قواته تقدر بحوالي 365 ألف رجل، تحتل خطاً يبدأ من سهول دلتا نهر هان، جنوب خط العرض 38، ويمتد في اتجاه الشمال الشرقي، بحذاء نهر إنجن، قبل أن ينحني شرقاً، خلال سلسلة الجبال حتى بحر اليابان. وكان الفيلق الأول من القوات الأمريكية، تحت قيادة اللواء فرانك ملبورن Frank W. Milborn، يحتل موقعاً في شمال غرب هذا الخط، بينما كان الفيلق الأمريكي التاسع، تحت قيادة اللواء جون كلتر John B. Coulter، في المنتصف، ويرتكز، بجناحه الأيمن، على سلسلة الجبال، التي تحتلها الفيالق الكورية الجنوبية، الأول والثاني والثالث والعاشر، التي قامت بإنزال أفرادها ومعداتها في بوهانج وبوزان، وبدأت في إعادة تنظيم نفسها في بوزان. وفي مواجهة هذه القوات، كانت هناك القوات الصينية، التي تُقدر بحوالي 485 ألف مقاتل، وكان تشكيلها للمعركة على الوجه الآتي:

1. 21 فرقة من قوات الجيش الرابع، تحت قيادة الجنرال لين بياو

2. 12 فرقة من قوات جيش كوريا الشمالية، بقيادة الرئيس كيم إيل سونج

وكان بعض هذه القوات قد أعيد تنظيمه وتسليحه، وفقاً للنظام الشيوعي، بمركز التدريب في منشوريا. وكان يتولى القيادة الجنرال ليم الذي ركز قواته الرئيسية شمال سيول؛ آملاً القضاء على قوات الأمم المتحدة، والاندفاع إلى بوزان. وكان من المتوقع أن يشن هجوماً ثالثاً في الأيام الأخيرة من السنة الموشكة على الانتهاء، أو في الأيام الأولى من السنة الجديدة.

كانت مسؤولية ريدجواي ضخمة وخطيرة، وكان يرتدي دائماً ملابس جنود المظلات، التي تزينها قنابلها اليدوية، وهو الرداء الذي عرف به طوال توليه قيادة قوات الأمم المتحدة. وبدأ عمله في الطيران فوق أرض المعركة؛ ليستكشفها وليحدد، على خريطته، الخطوط التي يمكن للجيش الثامن أن يحتلها، ويباشر منها عملياته. وعند وصوله إلى القيادة الأمامية للجيش الثامن في سيول، عبر عن غضبه واستيائه، عندما لم يجد غير عدد قليل من الضباط، بينما كان الباقون في تايجو على مسيرة 200 ميل من الجبهة. وعند مقابلته للرئيس سينجمان ري، عبر له عن سعادته بالوصول إلى كوريا، وأنه قد وصل ليبقى. وقد أمضى ريدجواي الأيام الثلاثة التالية في زيارات للجبهة؛ بقصد تشجيع جنوده، ورفع روحهم المعنوية. قال في مذكراته:

"ركبت إحدى عربات الجيب المكشوفة، ولم أكن أسمح لأي عربة مغطاة بالتحرك في خطوط القتال، فإن الركوب في إحدى العربات المقفلة في ميدان المعركة يغلق على الشخص رحابة التفكير، ويعطيه الإحساس بالدفء والأمان ويكون تفكيره كالنعامة، التي تخفي رأسها في الرمال. كذلك كنت أؤمن بتلك الفكرة القديمة، بأن وجود القائد بين جنوده يرفع من روحهم المعنوية؛ فإن مشاركته لهم في الأجواء المختلفة، التي يعيشون فيها، وتحت الظروف نفسها، يشحذ من عزيمتهم في القتال".

وفي خلال هذه الأيام الثلاثة، كان قائد الجيش الثامن الجديد بين قواته في كل مكان، مشجعاً هؤلاء، الذين أبدوا قلقهم خوفاً من الاستمرار في القتال، لائماً هؤلاء الذين أبدوا اتجاهاً للانسحاب، مطمئناً هؤلاء الذين يشكون من النقص في المعدات، آمراً قادة الفرق أن يكونوا دائماً في مقدمة قواتهم المقاتلة، وآمراً قادة الوحدات أن يبقوا مع وحداتهم المشتبكة مع العدو. ولم يتبع ريدجواي سياسة التحذير فحسب، ولكنه طلب إلى سينجمان ري إمداده بـ 30 ألف عامل كوري. وبدأ في إنشاء خط دفاعي من حيث توقع هجوم القوات الصينية. وفي الوقت نفسه، في 30 ديسمبر، حذر الفريق الأول ماك آرثر قادة الأسلحة من أن الشيوعيين الصينيين يستطيعون، إذا أرادوا، أن يطردوا قوات الأمم المتحدة خارج كوريا، وقد جاء هذا التحذير في الوقت الذي بدأت فيه حركة تهدئة الصين الشيوعية، بأي وسيلة. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، بتصميمها على التصدي للصين، أصدرت تعليماتها إلى ماك آرثر بالدفاع عن مواقعه، ومحاولة إلحاق أكبر خسائر ممكنة بالعدو، خلال انسحابه، إذا ما اضطرته الظروف إلى الانسحاب إلى رأس الجسر، عند بوزان. بدأ العمال الكوريون في بناء الاستحكامات شمال سيول، وحول سون؛ ليجهزوا الخط الدفاعي الجديد، الذي يمكن الصمود فيه، إذا ما اضطر الجيش الثامن إلى الانسحاب مرة أخرى.

بدأ هجوم القوات الصينية في ليلة رأس السنة. وطوال الليل كانت مدفعيتها وهاوناتها تقذف خط الأمم المتحدة بقنابلها . ومع بشائر فجر أول يوم في العام الجديد 1951، كانت طلائع الجيوش الصينية السبعة تتقدم، بينما كان فيلقان من قوات كوريا الشمالية يتجهان شمالاً إلى سيول، وإلى مركز المواصلات في ونجو، على بعد 50 ميلاً إلى الجنوب الشرقي. ومرة ثانية كان على الفيلقين الأمريكيين الأول والتاسع، أن يتلقيا حدة الموجة الأولى لهذين الهجومين. كان الهجوم شاملاً عنيفاً، ولذا فإن الفرقة الأمريكية 24، واللواء التركي في أقصى الغرب، وفرقة الدفاع عن العاصمة الكورية في أقصى الشرق، حاولوا الهروب من قسوة الهجوم. وعلى الرغم من سقوط آلاف من الصينيين في التصادم الأول، ولكن تقدم كثيرون منهم، وهم يصيحون صيحتهم التقليدية: "اقتلوا الأمريكيين"، في خلال زحفهم فوق التلال الثلجية. وفي منتصف النهار، كانوا قد اخترقوا بعمق خطوط الأمم المتحدة، واجتاحوا الفرقتين الأولى والسابعة من قوات كوريا الجنوبية. (أُنظر خريطة المرحلة الثالثة للهجوم الصيني)، ولقد وصف الفريق ريدجواي ما حدث بقوله:

"وفي الفجر، توجهت إلى الجبهة، بإحدى سيارات الجيش، في اتجاه قطاع القوات الكورية، وهو المكان الذي حدث فيه أعمق اختراق، والذي يقع على بضعة أميال إلى الشمال من سيول. شاهدت القوات وهي تلوذ بالفرار، ولم يسبق لي أن مررت بمثل هذه التجربة من قبل؛ وإنني لأدعو الله ألا أشاهد مثلها مرة أخرى. كانوا يندفعون على الطريق، في عربات لا تكاد تجد متسعاً لقدم. وكانت العربات تجر خلفها المدفعية الثقيلة، ومدافع الماكينة وكل ما أمكن التخفف منه. وعدد قليل فقط من الرجال كانوا يحتفظون ببنادقهم. وكانت تسيطر على الجميع فكرة واحدة، هي الهرب إلى أبعد مدى، من هذه الجحافل المخيفة التي كانت تتعقبهم. قفزت من عربتي، ووقفت في منتصف الطريق، وأخذت ألوِّح لهم ليقفوا، ولكني كنت كمن يحاول أن يوقف فيضان النهر. وكان الحل الوحيد هو أن نتركهم ينسحبون، وأن نقيم هناك، بعيداً، بعض حواجز الطرق؛ لنجبرهم على الوقوف، حيث يمكن أن تُعد لهم معسكرات لاستقبالهم، وإنعاشهم، وإعادة تنظيمهم، ثم إعادتهم مرة أخرى إلى ساحة القتال".

سافر سينجمان ري إلى الشمال ليخطب في مواطنيه؛ ليحثهم على مواصلة القتال، بينما جمع الفريق ريدجواي قوات فيالقه، المتبقية في القطاع الأوسط، وقام ببعض عمليات عسكرية بقصد عرقلة هجوم الصينيين؛ حتى يتم سحب قواته من سيول. ولم يكن هناك أي حل آخر. فقد دفع الصينيون بمعظم قواتهم في هذا الهجوم. وكان الثبات واستمرار القتال معناه تدمير قوات الحلفاء تماماً؛ لأن قوات الأمم المتحدة كانت ترتكز بمؤخرتها على نهر هان، ولم يكن هناك طريق للانسحاب، عبر نهر هان، غير اثنين من الجسور العائمة، حمولة 500 طن. وكان من الأوفق سرعة الانسحاب إلى الخطوط الدفاعية، التي كان يجري إعدادها في الجنوب، بدلاً من تحويل سيول إلى مجزرة. كما أن الانسحاب سيجعل الصينيين غير قادرين على إطالة خطوط مواصلاتهم. لقد أظهر شهر نوفمبر أن الإمداد السريع للقوات الصينية المتقدمة غير متيسر، وعلى ذلك فقد اضطرت مقدمات القوات المتقدمة إلى التوقف لانتظار الإمدادات. وأمر الفريق ريدجواي قوات الجيش الثامن بوقف اشتباكها مع الصينيين. تم ذلك بسرعة ودقة، كما صرح بذلك أحد ضباط أركان حرب الجيش الثامن قائلاً: "ينبغي أن نجيد ذلك الانسحاب وإيقاف القتال، فإن لدينا الكثير من الخبرة، بعد أن تعودنا الانسحاب."!

وفي يوم 3 يناير، بدأت القوات الصينية في اجتياز نهر هان المتجمد، في هجوم من شعبتين، إلى الغرب، وإلى الشرق من سيول، متقدمين في سرعة، وبدأ إخلاء العاصمة. وغادر الرئيس سينجمان ري وحكومته العاصمة، بعد تدمير نصف مليون جالون من الوقود، و23 ألف جالون من النابالم، كانت مخزونة في مطار كيمبو، واشتعلت فيها النيران. وتم كذلك إحراق كل المعسكرات وحظائر الطائرات، وتدمير كافة المعدات التي كانت موجودة بالمطار. وانتقلت القوة الجوية الخامسة إلى قاعدة جديدة في تايجو، تبعد عن جبهة القتال. كما انسحبت معظم طائراتها المقاتلة إلى اليابان. كان هذا أحد مظاهر الانسحاب، وسادت بعده حالة من البؤس والشقاء بين أهالي المدينة، ولقد وصفها الفريق ريدجواي:

"على جانبي أي جسر من جسور نهر هان، كانت تجرى فصول إحدى المآسي المعدودة، في تاريخ البشرية، فوسط الرياح الباردة التي بلغت درجة الصفر، وأخذت تلطم الوجوه، كأنها صفعات قوية، كان هناك المئات والآلاف من الكوريين يهرولون فزعين، ويتعثرون ويقعون في فرارهم على الجليد، النساء يحملن أطفالهن، والرجال يحملون آباءهم وأمهاتهم العاجزين، على ظهورهم، والبعض الآخر كان ينحني تحت ثقل متاعه. كل هؤلاء كانوا يندفعون من الضفة الشمالية للنهر، خلال الثلوج، يحاولون الوصول إلى الشاطئ الجنوبي، بعضهم كان يدفع أمامه عربات اليد، وقد امتلأت بالبضائع والأطفال الصغار، بينما كان البعض الآخر يدفع أمامه ماشيته. والكل يتلمس طريق النجاة، وبين الحين والآخر، كان يسقط البعض، ولكن ذلك لم يمنع ذلك الطوفان البشري من مواصلة السير. وفي هذه اللحظات الرهيبة، لم يكن أحد يحاول أن يساعد الآخر، لم يكن هناك بكاء ولا دموع، ولم يكن يُسمع إلاَّ صوت أقدامهم، وهي تصفع الجليد وصوت أنفاسهم اللاهثة. كانوا يتحركون في صمت رهيب. وبعد ليل طويل، وقفت أشاهد ذلك الطوفان اللانهائي. وفوق الجسور كان هناك تيار متدفق من العربات والدبابات والرجال".

وفي الشمال، كان الصينيون قد بدأوا في دخول مدينة سيول، وكان على الفرقة 25 الأمريكية واللواء 29 البريطاني مهمة تعطيل تقدم الصينيين؛ ريثما يتم انسحاب باقي الجيش الثامن إلى الضفة الجنوبية لنهر هان. ولقد قال العميد توماس برودي Thomas Brodie، قائد اللواء البريطاني، لرجاله: "إذا التقيتم العدو فإن واجبكم أن تقاتلوه بكل ما يمكن أن يصل إلى أيديكم. لا تتركوا مواقعكم إلاَّ بأوامر مني".

أخذت الطائرات والمدفعية تمطر جيش الصينيين، بوابل من قنابلها، عندما كان يحاول الضغط على الجيش الثامن؛ ليلقي به في نهر هان. وفشلت محاولته. كما سقطت أيضاً مواقع القوات الكورية في اليمين والوسط، وبذلك انتقلت قوات الأمم المتحدة كلها إلى مراكز جديدة، تبدأ من بيونج تاك غرباً، وتمتد في اتجاه الشمال الشرقي إلى وينجو، في الوسط، ومنها شرقاً إلى سام هوك، على الشاطئ الشرقي. كما اتخذت مراكز متوسطة في سون؛ لتغطية سحب كميات ضخمة من العتاد. أما سيول نفسها، فقد اشتعلت النيران في كل أرجائها، وفي المباني التي نجت من التدمير، وغادرها الفريق ريدجواي، تاركاً تحياته للجنرال لين باو، إذ بينما كان ريدجواي يحمل أمتعته، عثر على سروال بيجامة مثقوبة من الخلف بثقب كبير، فعلقه فوق حائط المكتب وفوقه قطعة من الورق، كتب عليها بحروف كبيرة الرسالة التالية: "إلى قائد قوات الصين الشيوعية، مع تحيات قائد الجيش الثامن".

أُخلي ميناء إنشون، وتم إجلاء من كان فيها، على ظهور السفن الحربية الأمريكية والهولندية والكندية والأسترالية. وكانت تغطي هذه العملية حاملات الطائرات الأمريكية، وقد دُمر كل شيء في الميناء عن آخره ـ أحواض السفن والمنشئات.. إلخ. وتصاعد الغبار منها. بينما كانت تبدو طلائع القوات الصينية عند الشاطئ، وأخذت تواصل عمليات المطاردة إلى جنوب نهر هان. وتدريجاً، وفي نظام تام، تم انسحاب وحدات الجيش الثامن من سيول، بعد أن تم إنقاذ الإمدادات وسحبها وتدمير المطار. كما أُخليت مدينة أوزان، وتم احتلال المراكز الجديدة في بيونج تاك. (أُنظر خريطة الانسحاب لخط الفرقة الأولى). وبعد ذلك بدأت تخف حدة الهجوم الصيني، في اتجاه الغرب.

وعندما فشلت القوات الصينية الشيوعية، وحلفاؤها من كوريا الشمالية، في إيقاع الفيلقين الأمريكيين الأول والتاسع في مصيدتهم، ركزوا ضرباتهم على الوسط والشرق، في مواجهة الفرقة الثانية الأمريكية والقوات الكورية الجنوبية. كما ساعد على نجاح هذا الهجوم، العمليات التي قام بها الفيلق الثاني لقوات كوريا الشمالية، ضد مؤخرة قوات الأمم المتحدة، إذا إن هذه القوات الكورية كانت قد تسللت، خلال شهر ديسمبر، إلى سلسلة الجبال الشرقية، وكان هدف ذلك الهجوم هو "وينجو"، القاعدة الجديدة لخط الدفاع الجديد لريدجواي. وهنا قامت قوات الفرقة الثانية، تعاونها الكتائب الفرنسية والهولندية، بعمليات مقاومة، كبدت فيها الكوريين الشماليين خسائر فادحة، معوضة بذلك شيئاً مما عانته في الانسحاب، الذي تم في شهر ديسمبر عند نهر شنج شن. لقد أجبرهم جنود الفرقة الثانية على التوقف، وعلى القتال في عواصف ثلجية رهيبة، بلغت درجة حرارتها 20 تحت الصفر.

وفي يوم 10 يناير، وعلى أثر انهيار قوات كوريا الجنوبية، التي كانت تحمي الجناح الأيمن للفرقة الثانية، تم إخلاء وينجو، واندفع الصينيون إلى المدينة، التي أصبحت هدفاً لقاذفات القنابل الأمريكية الثقيلة والخفيفة على السواء. وفي يوم 10 يناير كذلك، أمر الفريق ريدجواي الفرقة الأولى، من مشاة الأسطول، بالتقدم إلى الجبهة لسد الثغرة، التي حدثت نتيجة انهيار الجناح الأيمن للفرقة الثانية، ومواجهة آلاف من جنود الصين، الذين اندفعوا من هذه الثغرة، إلى مؤخرة الفيلق الثالث من قوات كوريا الجنوبية.

وفي منتصف الشهر، كان السكون يخيم على جبهة الأمم المتحدة كلها. ففي الغرب، لم تكن هناك أي تحركات. وفي الشرق والوسط كانت تطغى روح الخوف والرهبة، بعد أن خفت حدة الهجوم الصيني. ولم تحقق أهداف المرحلة الثالثة، التي كان الغرض منها القضاء نهائياً على قوات الأمم المتحدة. كما أن الجنرال لين بياو خفَّف كثيراً من حدة لسانه، وظهرت المرارة في أحاديثه، عندما صرح بقوله: "لقد فشلت الحكومة المركزية الصينية في إمدادي بالطائرات والدبابات، كما وعدت". ولكن لا الفريق ريدجواي، ولا أحد من هيئة أركان حربه كان يعلم بذلك، وكذلك الحال بالنسبة لجنوده. ولم يكن ذلك النصر المعنوي المحدود، الذي أحرزته الفرقة الثانية في وينجو، كافياً لأن يرفع من الروح المعنوية لأولئك، الذين كانوا يعانون من مرارة الانسحاب للمرة الثانية. ولعل أبلغ تشبيه للمعارك، التي كانت تدور في كوريا، هو ما وصفها به أحد جنود المشاة الأمريكيين، الذين عاصروها منذ بدايتها، بقوله: "إنها الحرب التي لا يمكن أن نكسبها، ولا يمكن أن نخسرها، ولا يمكن أن نتركها".

ثانياً: التداعيات السياسية

في أواخر ديسمبر 1950، أرسلت هيئة الأركان الأمريكية الرسالة التالية، إلى الفريق الأول ماك آرثر: "لقد ظهر، من الأحداث الأخيرة، أن الصين الشيوعية تستطيع، بقواتها، هزيمة قوات الأمم المتحدة. ولا يمكن منع ذلك إلاّ بأن نكبدها خسائر فادحة، تجبرها على التراجع. ومن ثم، إذا دفعنا بمزيد من القوات الأمريكية، إلى مسرح المعركة، فسوف نحقق أهدافاً مطلوبة، أهمها تأمين اليابان. إننا نعتقد أن كوريا ليست مكاناً مناسباً لنشوب حرب عالمية أخرى، ونحن لا نريدها كذلك. إن الموقف الحالي يحتاج إلى تقدير جديد، أكثر وضوحاً، على ضوء التطورات الأخيرة. ينبغي عليك أن تحسن اختيار مواقع دفاعية حصينة لقواتك، وأن تعد نفسك لما يمكن أن يحدث، مستقبلاً، من ترتيبات انسحاب جديد، إلى مواقع جديدة. ومن ثم يستحسن أن تحتل قواتك خط من نهر كوم تجاه الشرق. وإذا دفع الصينيون، بعد ذلك، بحشود كبيرة إلى مواقعك الجديدة؛ قاصدين إجلاء قواتك عن كوريا، فإنه يلزمك، عندئذ، أن تواصل الانسحاب إلى اليابان".

جن جنون ماك آرثر، لدى قراءته هذه الرسالة، وأرسل رداً مطولاً، في اليوم التالي، جاء فيه: "من المعلوم أن المصدر الأساسي للسلاح، لدولة الصين الشعبية، هو المساعدات الروسية، التي تهدف إلى إحراج قوات الأمم المتحدة، وإلحاق الهزيمة بها. ولتحقيق هذا الهدف؛ سيركزون أكبر حشود ممكنة، من جيوش الصين الشيوعية، في كوريا ومنشوريا. ومعنى هذا أنهم سيتركون أجزاء كبيرة، من أراضي الصين مكشوفة. وبالنسبة لنا، فلم نشارك في المعارك إلاّ بجزء يسير، من قواتنا الجوية والبحرية. كما أننا لم نسمح لقوات الصين الوطنية، في فورموزا، بأن تشن حرب عصابات داخل الصين، ضد عدوها الأصلي. ولذا، على حكومتنا، أو على الأمم المتحدة، أن تناقش أربعة إجراءات أساسية، هي:

1. حصار سواحل الصين

2. شن الغارات الجوية والبحرية لتدمير مراكز الإنتاج، داخل الصين؛ لشل قدرتها على مواصلة الحرب.

3. تأمين تدفق الإمدادات، من الصين الوطنية، في فرموزا؛ لدعم مواقعنا في كوريا.

4. السماح لقوات الصين الوطنية بمباشرة حرب العصابات، في الأماكن المكشوفة من الصين.

وإنني أعتقد، باستخدام الإجراءات المذكورة، يمكن شل قدرة الصين الشيوعية، وحماية آسيا من أي عدوان. إضافة إلى ذلك، يمكننا تنفيذ هذه الإجراءات بجزء صغير من قواتنا، الجاهزة لهذا الغرض، وهو ما سوف يخفف الضغط على قواتنا، في كوريا، ويمكننا من مواصلة العمليات في كوريا، وتحسين مواقع قواتنا، ويضمن دعم الخطوط الدفاعية عن كوريا.

وإذا كنتم قد رفضتم مثل هذه الخطة، من قبل، بحجة عدم ضرورة استثارة الصين، ودفعها إلى حرب شاملة، والآن، وبعد أن تدخلت القوات الصينية، بصورة سافرة، لم يعد أمامكم خيار آخر. وأما تخوفكم من أن يؤدي دفاعنا عن أنفسنا إلى تدخل عسكري سوفيتي، فهو محض رجم بالغيب. وإنني أشعر أن قرار الاتحاد السوفيتي، الدخول في حرب شاملة، سيتوقف على تقديره الدقيق للقوى المتصارعة، والاحتمالات الأخرى الكثيرة.

أما انسحابنا من كوريا، من دون اتخاذ إجراءات عسكرية، ضد الصين الشيوعية، كما تقترحون، فسوف يكون رد فعله السلبي كبيراً على شعوب آسيا كلها، بما فيها شعب اليابان نفسه. كما سوف يؤدي هذا الانسحاب، كذلك، إلى إغراء الحشود الصينية الهائلة بالقيام بأعمال عسكرية، في أماكن أخرى، قد تكون أكثر أهمية من كوريا نفسها. وإنني أتفهم، تماماً، ضرورة التأييد الأوروبي، والتعاون الكامل، مع أوروبا، في اتخاذ أي إجراءات، في هذه المنطقة. ولكن لا ينبغي أن يصل هذا إلى حد قبول الهزيمة. فإن قبول الهزيمة سيقود إلى الفشل في كل مكان، بل وفي أوروبا نفسها، فيما بعد. ولعل ثباتنا الآن، وضرورة التصدي للعدوان الصيني الشيوعي، ودحره، يؤكد ضرورة إعداد قوات طوارئ مؤقتة، تكون جاهزة لاتخاذ إجراءات في أوروبا، فيما بعد. على أن يتوافق هذا مع تطوير القوى والمصادر العسكرية في أوروبا".

ولكن هذا الرد لم يحدث تأثيره في هيئة الأركان المشتركة؛ فقد ردت عليه برسالة أخرى، في 9 يناير، جاء فيها: "أما حصار سواحل الصين، فهذا أمر يجب أن يتأخر، حتى يتبين موقفنا، في كوريا، سواء ببقاء قواتنا في مواقعها، أو بانسحابها منها. وعلى أي حال، فإن هذا الحصار سوف يستلزم التفاوض مع البريطانيين، فيما يتعلق بالمصالح التجارية بين بريطانيا والصين، من طريق هونج كونج.

أما شن هجمات جوية وبحرية على مواقع مختلفة، في الصين الشيوعية، فهذا أمر لا نسمح به إلاّ إذا هاجمت قوات الصين الشيوعية قوات الولايات المتحدة الأمريكية، خارج كوريا.

أما الاستعانة بمساعدات من قوات الصين الوطنية، في فورموزا، فهو أمر غير وارد؛ لعدم احتمال وجود تأثير فاعل لها، في الحرب الكورية. ولعلها يمكن الاستفادة منها، في مكان آخر.

ومن ثم، نرى أنك مضطر للدفاع في سلسلة مواقع متتابعة، وإحداث أقصى خسائر ممكنة، في القوات المعادية، في كوريا. وهو الأمر الذي يجب أن تضعه في الاعتبار الأول؛ بهدف حماية قواتنا، وتحقيق هدفنا الأساسي لحماية اليابان. وعليك أن تدرس الأمر بدقة، وإن تبين لك أن الانسحاب إجراء لازم؛ لتجنب الخسائر الفادحة في الرجال والعتاد. فلتبادر بالانسحاب من كوريا إلى اليابان".

وكان الرأي العام، في الولايات المتحدة، يرى ضرورة التخلي عن هذه الحرب العقيمة، خاصة بعد فقدان الثقة في قدرة القوات الأمريكية على مواصلة القتال، في كوريا. وقد نادى عضو الكونجرس الأمريكي، تافت، في 5 يناير 1951، علناً، بوجوب الانسحاب من كوريا، والعودة إلى المبدأ المعروف أن تحارب الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام حلفائها من الدول التابعة، على أن تمدهم الولايات المتحدة الأمريكية بالمعونات الجوية والبحرية فقط. ويبدو أن هيئة الأركان المشتركة اقتنعت بهذا الرأي، وأرسلت إلى ماك آرثر تستفسر منه عما إذا كان يعتقد أن إعادة تسليح 200 ألف إلى 300 ألف رجل، من رجال كوريا الجنوبية، أمر ممكن، وله جدواه.

ورد ماك آرثر بأنه يفضل أن ترسل هذه الأسلحة إلى قوات الشرطة الوطنية، في اليابان. ثم أرسل يطلب موقفاً واضحاً، من رئاسة الأركان المشتركة، جاء فيه: "من المؤكد أن قيادتي، بتشكيلها الحالي، ليست من القوة؛ بحيث تتخذ لنفسها مواقع جديدة في كوريا، وفي الوقت نفسه، تتولى الدفاع عن اليابان، ضد أي هجوم خارجي. ولا شك أن قواتنا الحالية، في كوريا، يمكنها الصمود، فترة مؤقتة. ولا يمكن أن يتم ذلك دون حدوث خسائر، شديدة أو غير شديدة؛ فقد أصابها إرهاق شديد؛ بسبب الحرب الطويلة الصعبة المتواصلة.

والموضوع الآن يتركز في اتجاه محدد: هل تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من كوريا، أم لا؟ وهو سؤال، تعد الإجابة عليه في غاية الأهمية، على المستويين الوطني والدولي. ولا يصح أن تعلق الإجابة عليه بتحركات العدو، حسبما تذكر رسالتكم الأخيرة. وإنني أركز استفساراتي في الآتي:

"هل الهدف الحالي، للسياسة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية، هو الإبقاء على الموقف العسكري في كوريا، كما هو، بصفة مستمرة أم إلى وقت محدد؟ أم أن الهدف هو تقليل الخسائر إلى أقل حد ممكن، بإتمام الانسحاب، في أسرع وقت ممكن؟

واجتمع مجلس الأمن القومي الأمريكي؛ لمناقشة رسالة ماك آرثر هذه، في 13 يناير 1951، وتم الاتفاق على أن يكتب الرئيس هاري ترومان رسالة شخصية مطولة، إلى ماك آرثر، كالتالي:

"نريد منك أن تعلم أن الموقف في كوريا يلقى أقصى اهتمام منا هنا، وأننا نبذل أقصى الجهود للوصول إلى قرار مناسب، له أثره في مستقبل أمريكا، وحياة الشعوب الحرة في العالم. ومن ثم، فإنني، في هذه الرسالة، سأطرح لك ما يدور في أذهاننا، فيما يتعلق بالعوامل السياسية:

1. إن المقاومة الناجحة، في كوريا، سوف تحقق الأهداف المهمة التالية:

أ. إثبات للعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، ترفضان أي اعتداء. ولا بد من تحديد هدف تتوحد حوله جهود العالم الحر؛ لمواجهة التهديد العالمي، الذي يمليه الاتحاد السوفيتي الآن.

ب. التقليل من هيبة الصين الشيوعية، سياسياً وعسكرياً، وهي تمثل تهديداً حالياً، وحصر التيار الشيوعي داخل الصين نفسها.

ج. كسب الوقت؛ بهدف تقديم المعونات المباشرة لتنظيم المقاومة ضد الشيوعية، في آسيا، وفي داخل الصين، وخارجها.

د. الوفاء بوعدنا لشعب كوريا الجنوبية؛ والإثبات، للعالم كله، أن صداقة الولايات المتحدة الأمريكية لها قيمتها العظمى، وجدواها الأكيدة، في وقت الشدة.

هـ. الوفاء بضماناتنا والتزاماتنا، تجاه اليابان وشعوب آسيا.

و. أن نثبت لبلاد كثيرة، في الشرق الأوسط، وآسيا، وأوروبا، أن الشيوعية لا تنفعهم، وعليهم التخلص من التبعية لها.

ز. بث الشجاعة في نفوس الشعوب، التي قد تضطر للحرب، عند تعرضها لهجوم مفاجئ، من الاتحاد السوفيتي، أو الصين الشيوعية.

ح. توضيح مدى الحاجة الماسة إلى سرعة بناء وسائل الدفاع المختلفة عن العالم الغربي.

ط. مساعدة الأمم المتحدة، في أول محاولة كبرى لها؛ لإنشاء عالم حر، له أهميته للأمن القومي للولايات المتحدة، وحماية مصالحها.

ي. تنبيه الشعوب، التي تعيش وراء الستار الحديدي الشيوعي، إلى أن قادتهم يميلون إلى العدوان والهجوم، وأن العالم الحر لن يقف ساكناً إزاءها.

2. يجب أن تتجه سياستنا، في هذا الوقت، إلى تجميع الغالبية العظمى من دول الأمم المتحدة، إلى جانبنا. فهي القوة الحليفة، التي نعتمد عليها، إذا تحرك الاتحاد السوفيتي ضدنا.

3. نحن على يقين من أن استمرار المقاومة قد لا يكون ممكناً، عسكرياً، بالقوات المحدودة الموجودة الآن، في مواجهة الجحافل الصينية، إضافة إلى ضرورة الجاهزية للدفاع عن اليابان. وعلى أسوأ الأحوال، إذا ما اضطررنا إلى الانسحاب، فمن الأهمية بمكان أن يظهر للعالم، أن ذلك الانسحاب قد فرضته علينا الضرورات العسكرية، وأننا لن نقبل نتائجه السياسية والعسكرية دائماً.

4. للتوصل إلى قرار نهائي، في شأن كوريا، فإننا سنظل في حاجتنا إلى التوسع الكبير، في قواتنا العسكرية، لمواجهة التهديد الأساسي، من الاتحاد السوفيتي.

5. ما يشجعنا، الآن، هو أن العالم الحر قد أصبح على بينة من الأخطار، التي تهددنا. وقد أظهر معظم أعضاء الأمم المتحدة رغبتهم في التأكد، تماماً، من استنفاذ جميع السبل الممكنة؛ للتوصل إلى حل سلمي.

6. إن الشعب الأمريكي كله يشعر بالامتنان لقيادتكم العظيمة، في الحرب الصعبة، في كوريا، والدور العظيم، الذي تؤديه قواتكم، تحت أقسى الظروف.

توقيع هاري ترومان.

في اليوم نفسه، 13 يناير، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على خطة جديدة للسلام، تضمنت التسليم التام للصين الشعبية، فيما يتعلق بفورموزا، وفيما يتعلق بقبولها عضواً بالأمم المتحدة، بشرط موافقة بكين على حل يرضي الأطراف، في المسألة الكورية. وصدرت الموافقة بغالبية 50 صوتاً، ضد سبعة. وتمت صياغة القرار كالتالي:

1. وقف القتال، فوراً، في كوريا. وعدم اتخاذ فترة الهدنة فرصة لإعادة الاستعداد العسكري.

2. اتخاذ قرارات، خلال فترة الهدنة، تعمل على إيجاد حل دائم للموقف.

3. انسحاب جميع القوات الأجنبية، (أي غير الكورية)، على مراحل.

4. تتولى الأمم المتحدة إدارة كوريا كلها، خلال فترة الهدنة.

5. إنشاء وكالة خاصة، تابعة للأمم المتحدة، تضم الاتحاد السوفييتي، والصين الشعبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا؛ لوضع حل شامل لجميع مشكلات الشرق الأقصى، مثل مستقبل فورموزا، وعضوية الصين في الأمم المتحدة.

وقد صوت مندوب الولايات المتحدة الأمريكية، وارن أوستن، بالموافقة على القرار. وتسبب ذلك في عاصفة نقد حادة، داخل المجتمع الأمريكي، خاصة في الصحافة، ونادى أعضاء كثيرون، جمهوريون وديموقراطيون، في مجلس الشيوخ، بإقالة وزير الخارجية، دين أتشيسون. ووصف السناتور تافت النقطة الخامسة، من القرار، بأنها استسلام كامل مهين. وقاومت حكومة الرئيس هاري ترومان هذه العاصفة، ورفض الرئيس إعفاء دين أتشيسون من منصبه.

أما الصين الشعبية، فقد أجاب شو إن لاي، في 17 يناير 1951، على قرار الجمعية العامة، باقتراح آخر، وصفه دين أتشيسون بأنه رفض كامل لشروط الأمم المتحدة؛ إذ طالب بعقد مؤتمر، من سبع دول، هي الاتحاد السوفيتي والهند ومصر وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين؛ لبحث المسألة الكورية، وغيرها من مشكلات الشرق الأقصى، دون وقف القتال. وأن يعقد المؤتمر في الصين، بشرط أن يكون بعد قبول الصين الشعبية عضواً في الأمم المتحدة.

ومن ثم، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تبذل قصارى جهدها؛ لاستصدار قرار من الأمم المتحدة، باعتبار الصين الشعبية دولة معتدية، في كوريا. وأعلن دين أتشيسون: "إن العالم كله يجب أن يوقن تماماً أن الصين الشعبية ليس لديها أي نية لوقف تحديها المهين للأمم المتحدة".

في الوقت نفسه، كانت بريطانيا، والكتلة العربية الآسيوية، بقيادة الهند ومصر، لا تزال متعلقة بأمل أن تغير الصين الشعبية من شروطها.

أما الصين، فقد وافقت، بعد ذلك، على قبول وقف إطلاق النار، كخطوة أولى، في جدول أعمال المؤتمر الخاص بمشكلات الشرق الأقصى، ولكنها أصرت على قبول عضويتها في الأمم المتحدة، قبل حضور المؤتمر.

وتبدل موقف الولايات المتحدة الأمريكية، واستبعدت، تماماً، مبدأ الانسحاب من كوريا، وأعلن الفريق الأول ماك آرثر، في 20 يناير 1951، "أن أحداً لن يستطيع أن يدفع بنا إلى البحر". وجاء الفريق كولنز إلى كوريا، وأعلن للصحفيين: "من الآن، سوف نبقى هنا، وسوف نقاتل".

وفي 21 يناير، أصدر الفريق ريدجواي منشوراً، جاء فيه: "لقد أصبحت الأمور واضحة تماماً، وأصبح الهدف ليس قاصراً على تحرير حلفائنا، في كوريا الجنوبية. بل إظهار قوة المدنية الغربية، وتحديها للشيوعية، وانتصارها عليها، وانتصار الإيمان بالله، وبحقوق الإنسان، على القتلة الملاحدة. إن القتال، الآن، هو من أجل حريتنا، وحياتنا دولة مستقلة ذات شرف وكبرياء. إن التضحيات، التي قدمناها، والتي سوف نقدمها، في المستقبل، ليست من أجل غيرنا من البشر، بل هي للدفاع المباشر عن أنفسنا. إن الموقف، الآن، هو:

أيهما سيبقى، الشيوعية أم الحرية الفردية؟

تحقيق الأمن، أم شيوع البؤس واليأس.

لم يحدث، في تاريخ أي قوة عسكرية، أن واجهت تحدياً، كالذي نواجهه اليوم. ولم تسنح لها فرصة، كالتي سنحت لنا، اليوم؛ لنظهر، نحن وشعوبنا، في أحسن ما يكون، ونؤدي واجب الشرف للخدمة العسكرية، ولهؤلاء الذين أتوا بنا إلى هنا".

وفي 25 يناير 1951، كانت جيوش الأمم المتحدة، بقيادة الفريق ريدجواي، قد استعدت لشن هجوم مضاد شامل. وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها باعتبار الصين الشعبية بلداً معتدياً على كوريا.

ثالثاً: اعادة استئناف العمليات العسكرية

من أجل تعزيز سلسلة الدفاعات، عبر الجبال، شرق ونجو، أعاد ريدجواي، في 5 يناير 1951، رسم الخط D في قطاعي الفيلقين الأول والثالث الكوريين الجنوبيين؛ إذ أعاد الخط الأصلي الممتد إلى الشمال الغربي، من ونجو إلى ونبو ـ ري، على الساحل، مع إضافة جديدة تصل، غالباً، إلى مدينة سامشوك الساحلية، ما أبعد موقع الساحل الشرقي، نحو أربعين ميلاً: وتوقع ريدجواي، من ذلك، أن يتاح الوقت والمسافة، للفيلقين الكوريين، لتهيئة مواقعهما الدفاعية، خلف صفوف كل من العصابات والقوات النظامية الكورية الشمالية، التي نجح فيلقاها الثاني والخامس في شن هجمات متتالية، في الفترة بين 7 و22 يناير 1951، وأغلقا عدة طرق وممرات مهمة. (أُنظر خريطة هجمات الفيلقين الثاني والخامس).

في 15 يناير 1951، أرسل الفريق ريدجواي الكتيبة 27 وولف هاوند فرسان، التابعة للفيلق الأول الأمريكي، بقيادة العقيد ميخائيليس، شمالاً في اتجاه أوزان، وزودها ببعض المدفعية والمهندسين؛ بهدف استكشاف المنطقة. وقد جالت هذه الكتيبة، على طول نهر تشينوي Chinwi، على بعد ثمانية أميال، من بيونج تايك، وخمسة أميال جنوب أوزان. وقد أجرت تفتيشاً موسعاً، جنوب وشرق الطريق الأول، وشمال شينوي، في بقعة طولها ثلاثة أميال من أوزان. ولكنها لم تجد إلاّ مناطق مهجورة، وبعض المدنيين يتحركون، خلال الحقول المتجمدة، وأعمدة من الدخان تتصاعد من بعض الأكواخ. وتبادلت إطلاق النيران مع بعض جنود صينيين، قابلتهم أسفل أوزان. وفي اليوم التالي، واصلت الكتيبة تفتيشها، حتى وصلت إلى الحد الجنوبي لمدينة سوون. وعادت لتقدم تقريرها إلى الفريق ريدجواي، بعدم وجود قوات صينية، في الطريق بين سوون وأوزان، وحول الطريقين 13، و17 في كيونجان ـ ني Kyongan-ni، على بعد ستة عشر ميلاً، من سوون، ما يدل على أن القوات الصينية قد انسحبت، من هذه المنطقة.

قرر الفريق ريدجواي أن منطقة سوون ـ أوزان تعد هدفاً جيداً، لتوجيه ضربة مناسبة. فأصدر أوامره إلى الفيلق الأول، باستخدام جميع أسلحته ومشاته، مع توفير مساعدة جوية لها. وفي الوقت نفسه، بدأت قيادة الجيش الثامن الأمريكي في وضع خطط عمليات الهجوم المضاد. ولأجل رفع الروح المعنوية بين الرجال، أصدر الفريق ريدجواي منشوراً، جاء فيه:

"لقد أصبحت الأمور واضحة جلية، الآن، ولم تعد قاصرة على تحرير حلفائنا، في كوريا الجنوبية. بل إن الموضوع الحقيقي هو هل ستنتصر المدنية الغربية، التي ازدهرت في بلادنا الحبيبة، على الشيوعية، أم لا؟ هل سنعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها، أم سنتقاعس ونتراجع، ونتردى في وهدة الإلحاد والشيوعية. إننا نحارب، ليس من أجل حرية حلفائنا، هنا في كوريا، وإنما من أجل حريتنا، ووجودنا".

وقبل الهجوم، أراد الفريق ريدجواي أن يتحقق، من أن الانسحاب الصيني، من المنطقة، ليس مصيدة لقواته، فقام بجولة استطلاع، في 24 يناير، في طائرة تدريب صغيرة ذات مقعدين، يقودها اللواء إيرل بارتريدج Earle E. Partridge، قائد القوة الجوية الخامسة الأمريكية، لمدة ساعتين كاملتين، دارت فوق الهضاب والوديان والقرى الصغيرة المسكونة، والأراضي التي يكسوها الجليد، في أرض المعركة، فلم ير أي علامة للحياة، أو حركة في الطرق. ورأى، عند قرية صغيرة آثار خطتها عربات تحمل قوات، من مخارج القرية، إلى داخل غابات الصنوبر، أعلى التلال. واتضح له أن القوات الصينية كانت تبيت في هذه القرية، في ليالي الشتاء القارسة، ثم تتحرك، مع طلوع الشمس، لتختفي داخل الغابات، التي تعلو منطقة يانج جي ـ ري Jangji-ri.