إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث الرابع عشر

أزمة ماك آرثر وردود الأفعال

أولاً: أزمة ماك آرثر وإقالته

خلال شهري فبراير ومارس، كان ماك آرثر يحاول الحصول على موافقة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، على حرية العمل في كوريا. وفي 21 فبراير، طلب الإذن بالهجوم على ميناء "راسين"، على مسافة 35 ميلاً، من حدود سيبيريا. كان يستخدمه الصينيون مركزاً للإمداد. ولكن رئاسة الأركان رفضت؛ على أساس أن راسين شديدة القرب من الأراضي السوفيتية. ثم طلب ماك آرثر الإذن بضرب المصانع المقامة، على الحدود الصينية، عند يالو.

كان ماك آرثر دائم الشكوى من إعاقة هيئة الأركان لخططه، وكان أصدقاؤه، من المحافظين، في الكونجرس الأمريكي، ينتقدون سياسة الرئيس هاري ترومان في الحرب الكورية. وطلب السناتور جوزيف مارتن، زعيم الأقلية الجمهورية، في الكونجرس، فتح جبهة ثانية في آسيا، باستخدام جنود شانج كاي شيك، في فورموزا، ضد الصين الشعبية، وقال: "إن ماك آرثر على حق، في مطالبته بهذا الأمر. أما إذا كانت قواتنا في تركيا لا تعمل لإحراز النصر، فإن مجلسنا يجب أن يقدم إلى المحاكمة، بتهمة التسبب في قتل الآلاف من الشباب الأمريكيين".

وفي 7 مارس، عندما بدأ ريدجواي عملية "الخارق"، ألقى ماك آرثر بياناً، في مطار سوون، أمام الصحفيين، جاء فيه: "إن قوات الأمم المتحدة تحرز تقدماً مرضياً، وإن أفرع الأسلحة الثلاثة، الجيش والبحرية والطيران، تعمل معاً، في تنسيق رائع؛ لتحقيق الأهداف التكتيكية المرسومة، لمواجهة قوات غير عادية. إن استراتيجيتنا ترمي إلى مواصلة التقدم؛ حتى نفقد أعداءنا توازنهم، ويتركون زمام المبادأة. إن اختيارنا لمكان المعركة، قد أجبرهم على القتال، بعيداً عن قواعدهم، وأتاح لنا فرصة استخدام قواتنا الجوية والبحرية، على نطاق واسع، ضد دفاعاتهم. وبما أن خطوطنا، الممتدة إلى الشمال، تواصل تقدمها، فإن نشاط قواتنا الجوية، وستزداد معه العمليات البرية. إن الاستمرار، في الحد من حريتنا، في اتخاذ الإجراءات المضادة للحشود الهائلة، التي يواصل أعداؤنا القذف بها، إلى أرض المعركة، في كوريا، إضافة إلى عدم إمدادنا بقوات إضافية، سيؤدي إلى عدم وصول خطوطنا القتالية إلى نتيجة مقبولة مرضية.

إن ثمة أخباراً تفيد أن العدو يحاول الاستعداد، في الصين، لشن هجمات ضخمة، في الربيع. وهو، على الرغم من الضريبة الفادحة، التي أجبرناه على دفعها، من قواته العسكرية، منذ اشتراكه، في الحرب الكورية، يحشد الحشود لنا. وصحيح أن خسائره، التي كبدناه إياها، ستضعف سيطرته على الشعب الصيني، وستمنعه من خوض أي مغامرات عسكرية مستقبلية، في آسيا. إلاّ أنه يجب أن يكون مفهوماً، تماماً، لأعدائنا، أنه على الرغم من القيود والظروف المفروضة علينا، بعدم التوسع في الحرب، فإنهم لن يستطيعوا أن يفرضوا إرادتهم، في كوريا، بالقوة.

لقد فشلوا مرتين: مرة بجنود كوريا الشمالية، والثانية بجنود جيش الصين الشيوعية. ولقد كانوا هم المعتدين، في المرتين، وكانوا هم الفاشلين كذلك. وإن مواصلتهم العدوان، على الرغم من استنكار العالم كله، ليدل على عدم احترامهم للمواثيق الدولية، واستهانتهم الكاملة بالإنسانية.

لقد حان الوقت لوضع قرارات حاسمة، تكون أبعد مدى من المسؤوليات الملقاة على عاتقي، قائداً للقوات الأمم المتحدة. قرارات سياسية وعسكرية، تتصدى لهذا الغموض، الذي يحيط بالمشكلة، منذ دخول الصين الشيوعية الحرب، من دون سابق إنذار".

وقد فسر المحللون بيان ماك آرثر، بأنه حملة للضغط على القيادة الأمريكية السياسية؛ لإطلاق يده في كوريا. وأنه يقصد أن الوضع الحالي يعني أن الأمريكيين، يضحون بأرواحهم، في سبيل شيء آخر، غير إحراز النصر في كوريا. وكان هذا ما دعا الفريق ريدجواي إلى عقد مؤتمر صحفي، بعد خمسة أيام، قال فيه: "إننا لم نأت إلى هنا؛ لنهزم الصين، وإنما حضرنا لنوقف المد الشيوعي. ولقد أوضحنا، لرجالنا، أنه إذا فشلت الصين، في إلقائنا في البحر، فإن ذلك يعد هزيمة لها. وإذا فشلت، في طردنا من كوريا، فإنها تكون قد فشلت فشلاً ذريعاً. ومن ثم فإن هذه الحرب إيجابية، من البداية إلى النهاية، والاحتمالات فيها إيجابية كذلك".

وقد قوبل تصريح ريدجواي، بتقبله للوضع القائم، أساساً للنجاح، في الحرب المحدودة الحالية، باستحسان شديد، في الأمم المتحدة؛ إذ أخذت الولايات المتحدة تتصل بحلفائها، لطلب المساعدة في إقرار السلام في كوريا. وتعد مشروعاً، ينص أحد بنوده على أن الحل السريع، للمشكلة الكورية، يخفف حدة التوتر العالمية، في منطقة الشرق الأقصى، إلى حد كبير، ويفتح الباب لحل المشاكل الأخرى، في هذه المنطقة، من طريق الإجراءات، المنصوص عليها، في ميثاق الأمم المتحدة".

في 20 مارس، جدد ماك آرثر طلبه للرئيس ترومان، بعدم وضع أي قيود على قيادته. ثم أصدر ماك آرثر، في 24 مارس، تصريحاً جاء فيه: "إن عملياتنا ستستمر، حسب الخطة والتوقيتات المقررة، وقد تمكنا، حتى الآن، من تطهير كوريا الجنوبية، من القوات العسكرية الشيوعية. وأصبح واضحاً أن الخسائر الضخمة، التي أنزلتها قواتنا الجوية والبحرية بخطوط إمداد العدو، قد تركت قواته الأمامية، في جبهة القتال، في حالة عجز عن مواصلة عملياتها. ومع هذا، فإن الصين الشيوعية لديها إمكانات عسكرية هائلة، وإن كانت تنقصها القدرة الصناعية، المطلوبة لإمدادها بمتطلباتها من المواد اللازمة للحرب الحديثة. وهي قد فشلت في السيطرة على كوريا، بحد السلاح. ومن ثم يتعين النظر الآن، إلى القضية الكورية، بعين المصلحة البحتة، من دون مراعاة لأي أمور أخرى، غير مباشرة، مثل: وضع فرموزا، أو دخول الصين الشيوعية الأمم المتحدة. وفي حدود صلاحياتي، قائداً عسكرياً، فإنني على استعداد تام، في أي وقت، للاجتماع بالقائد العام لقوات الأعداء؛ بهدف بذل أقصى الجهود، للوصول إلى وضع عسكري، يمكن، من خلاله، تحقيق الأهداف السياسية للأمم المتحدة، في كوريا، دون إراقة دماء".

وكان لهذا التصريح تأثير حاد عميق، في واشنطن، وفي عواصم الحلفاء. وشعرت الحكومة الأمريكية أن تصريح ماك آرثر، كما وصفه سفير النرويج، في واشنطن، هو أسلوب لسد كل الطرق السلمية، أمام الصين الشعبية، وفرض الخيار العسكري عليها. ومن ثم، في 29 مارس، أعلن راديو بيونج يانج أن هذا التصريح يعد إهانة للشعب الصيني، وليس إلاّ طلباً للقوات الصينية والكورية الشمالية، بأن تستسلم لقوات الأمم المتحدة المزعومة. كما يعد تهديداً بأن القوات المعتدية ستواصل تقدمها، داخل أراضي الصين نفسها".

وغضب الرئيس ترومان من ماك آرثر، وصرح، لهيئة الأركان المشتركة، بأنه لا يستطيع تحمله، أكثر من ذلك. وطلب منها إرسال الرسالة التالية: "من هيئة الأركان المشتركة إلى الفريق الأول دوجلاس ماك آرثر، لقد أمر رئيس الجمهورية بأن نلفت نظركم إلى أوامره، الصادرة بتاريخ 20 مارس 1951. ومن ثم، فإن أي تصريحات أخرى تدلون بها، يجب أن تكون متناسقة، مع أوامرنا، الصادرة في 6 ديسمبر. كما أمر الرئيس أنه، في حالة طلب القادة العسكريين للقوات الشيوعية، في الميدان عقد هدنة، فإنه يجب عليكم أن ترفعوا هذا الأمر، على الفور، إلى رئاسة الأركان المشتركة، وأن تنتظروا تعليماتها".

ولكن هذه الرسالة وصلت، بعد أن كان ماك آرثر قد كتب، في اليوم نفسه، إلى السناتور، جوزيف مارتن، رداً على خطابه، في 12 فبراير، مهاجماً إياه، ومصرحاً بأن "وجهة نظري وطلباتي، مع تقديراتي للموقف، الذي خلقه تدخل الصين الشيوعية، في الحرب، قد أرسلتها إلى واشنطن، بكافة دقائقها وتفصيلاتها. ووجهة النظر هذه مفهومة ومعروفة؛ لأنها تنبع من المبدأ، الذي ينادي بمقابلة القوة بالقوة، وهو أمر لم نفشل فيه، في الماضي قط. وإننا هنا نحارب معركة أوروبا بالسلاح، بينما يواصل الدبلوماسيون الحرب بالكلام. إننا إذا فقدنا المعركة هنا، أمام الشيوعيين، في آسيا، فإن أوروبا ستسقط حتماً. أما إذا كسبناها، فسنوفر الحرب على أوروبا، ونوفر لها الحرية".

وهكذا كان ماك آرثر قد تجاوز حدوده السياسية، ونشر السياسيون خطابه هذا. ورأى ترومان أن ماك آرثر لا يعلن معارضته لسياسة الحكومة فحسب، بل يتعداها بصورة علنية، وبما لا يتفق مع ما ينبغي أن يكون عليه، من طاعة وتعاون، مع قيادته العليا.

واجتمع ترومان، في صباح الجمعة 6 أبريل 1951، مع كل من دين أتشيسون، وزير الخارجية، وجورج مارشال، وزير الدفاع، وعمر برادلي القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية، وأفريل هاريمان Averell Harriman، مساعده الخاص. وطلب إليهم تحديد ما ينبغي عمله، بالنسبة إلى ماك آرثر. ورأى أفريل هاريمان أن ماك آرثر كان ينبغي أن يعفى من منصبه، من سنتين، عندما أصر على رأيه مخالفاً الحكومة، ورفض الحضور من اليابان، للتشاور في خططه، التي كانت تتعارض، تماماً، مع السياسة الاقتصادية العامة. ووافق عمر برادلي على مبدأ عزل ماك آرثر، بعد بحث الأمر، مع هيئة الأركان المشتركة. ووافقه، في ذلك، دين أتشيسون.

ثم اجتمعوا، في اليوم التالي، وقرر جورج مارشال تأييده لهاريمان، من أن ماك كان ينبغي أن يعزل، من سنتين. ثم، في يوم الإثنين 9 أبريل 1951، قرر برادلي، أنه، بعد اجتماعه مع أعضاء رئاسة الأركان المشتركة، كان قرارهم بالإجماع هو وجوب عزل ماك آرثر.

عقد الرئيس ترومان مؤتمراً صحفياً، في 10 أبريل، وأدلى ببيان، جاء فيه: "لقد قررت، مع بالغ الأسف، أن الفريق الأول ماك آرثر لم يعد قادراً على أن يبدي تعاطفه مع سياسة الحكومة الأمريكية، وسياسة الأمم المتحدة، فيما يتعلق بواجباته الرسمية، ونظراً للمسؤوليات الجسيمة، التي تلقيها الحكومة الأمريكية، على عاتقي، إضافة إلى المسؤولية، التي كلفتني بها الأمم المتحدة، فقد قررت إجراء تغيير في قيادة الشرق الأقصى، وذلك بعزل الفريق الأول ماك آرثر، وتعيين الفريق الأول ماثيو ريدجواي، خلفاً له.

إن الطاعة الكاملة، في الأمور المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، تعد أمراً حيوياً، في نظامنا الديموقراطي الحر. ومن الثابت أن القادة العسكريين يجب أن تحكمهم، دائماً، السياسة والتوجيهات الدستورية والقانونية، بخاصة في أوقات الأزمات. وإن الفريق الأول ماك آرثر له مكانة في التاريخ، واحداً من أعظم القادة. والأمة مدينة له بالامتنان والعرفان؛ لخدماته الجليلة، التي قدمها لبلاده، في جميع المناصب، التي تولاها. ولذا، أكرر أسفي؛ إذ اضطرتني الظروف لإجراء هذا التغيير".

وأرسل الرئيس ترومان، إلى ماك آرثر، الأمر التالي: "إنني أشعر بأسف عميق؛ إذ أصبح من واجبي، كرئيس للجمهورية، وقائد أعلى للقوات المسلحة الأمريكية، أن أعين مكانك شخصاً آخر، قائداً أعلى لقوات الأمم المتحدة، وقائداً عاماً لمنطقة الشرق الأقصى، وقائداً عاماً للجيش الأمريكي، في الشرق الأقصى. وينبغي عليك أن تنقل كافة الصلاحيات، والسلطات المخولة لك، إلى الفريق الأول ماثيو ريدجواي. ولك الحق في السفر إلى أي مكان تشاء".

ثانياً: ردود الأفعال

تسبب قرار عزل ماك آرثر في عاصفة نقد شديدة، لسياسة الرئيس الأمريكي. فقد طالب بعض الجمهوريين بعزل وزير الخارجية، وطالب البعض الآخر بضرورة استجواب الرئيس الأمريكي. وأصبحت الصورة العامة، لدى معظم الناس، في المجتمع الأمريكي، أن ماك آرثر شهيد وضحية للحقد السياسي.

وأمعن بعض أعضاء الكونجرس، في انتقاداتهم؛ فقال السناتور مكارثي: "إن ترومان قليل الشأن مخمور، طرد ماك آرثر، ولعله طرده مجاملة لبريطانيا". وانهالت برقيات الاحتجاج، على البيت الأبيض، وسببت قلقاً هائلاً لهاري ترومان، وأشار عليه وزير الخارجية، بضرورة إذاعة بيان؛ يدافع فيه عن نفسه، في معركة البقاء في الرئاسة، فأذاع بياناً، جاء فيه:

"إن ما نفعله، في كوريا، هو ببساطة شديدة، حرب محدودة، نحاول بها أن نتجنب نشوب حرب عالمية ثالثة. وإننا لا نريد أن تتسع رقعة الصراع المسلح، في كوريا. وأحسن الطرق لذلك أن نوضح أننا، ومعنا دول العالم الحر، سنقاوم العدوان. وقد تتساءلون: لماذا لا نقدم على الخطوات التالية؛ لمعاقبة المعتدين؟ لماذا لا نقذف منشوريا، والصين نفسها، بالقنابل؟ لماذا لا نساعد قوات الصين الوطنية على غزو أراضي الصين؟ إننا، عندما نفعل هذا، نكون قد أقدمنا على مغامرة كبيرة، لإشعال حرب عالمية. فإذا حدث هذا، فإننا نكون قد ارتكبنا ما نحاول أن نمنعه، ونكون قد دخلنا في معركة هائلة، في آسيا. ومن ثم، فسيكون واجبنا غاية في الصعوبة، في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يناسب الكرملين، أكثر مما يناسب قواتنا العسكرية، التي سيلقى بها في حرب شاملة، ضد الصين الحمراء. إن هناك كثيراً من الشواهد التي أوضحت عدم موافقة الفريق الأول ماك آرثر، على هذه السياسة. ولقد وجدت أن من الضروري عزله؛ حتى لا يكون هناك أدنى شك، أو ريبة، في الغرض من سياستنا. لقد كان، من دواعي الأسف الشديد، أنني وجدت نفسي مضطراً لهذا. فإن الفريق الأول ماك آرثر يعد واحداً من أعظم القادة العسكريين. إننا على استعداد، في أي وقت، للدخول في مباحثات؛ من أجل المحافظة على السلام في المنطقة، ولكننا لن نقبل أي تهدئة للموقف. إننا راغبون فقط في السلام".

ثم، بعد أيام، أدلى الرئيس الأمريكي ببيان للصحفيين، وأوضح فيه أسباب غضبه على ماك آرثر، وغضب رئاسة الأركان كذلك. وتحدث عن رسالته، إلى ماك آرثر، التي طلب فيها رأيه بخصوص تسليح قوات كوريا الجنوبية، مع رد ماك آرثر عليها، الذي قال فيه إنه يفضل تسليح قوات البوليس القومي الياباني. وكذلك المذكرة المقدمة إلى ماك آرثر، عن الإعلان الجمهوري، بخصوص السياسة في كوريا، وتعليق ماك آرثر، الذي جعل من الإعلان مجرد هراء. وكذلك الرسالة، التي أرسلت إلى ماك آرثر، تطالبه بضرورة احترام أوامر الحكومة، وأخيراً الخطاب، الذي أرسله ماك آرثر إلى السيناتور مارتن. كان الرئيس ترومان يدير معركته؛ لكسب الرأي العام، إلى جانبه. ويبدو أنه لم ينجح؛ إذ كانت عودة ماك آرثر، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد غيبة 14 عاماً، أشبه باستقبالات مواكب النصر التاريخية، في المدن الأمريكية، خاصة هونولولو، وسان فرانسيسكو، ونيويورك، وواشنطون، كان يستقبل استقبال الفاتحين. وكانت تحركاته، وكلماته تذاع، على الشعب، بالراديو والتليفزيون. وبالنسبة لما اتهمه به الديموقراطيون، من التدخل في السياسة، أجاب: "إن السياسة، التي أعرفها، تتلخص في جملة بسيطة، كلكم تعرفونها: "حفظ الله أمريكا". وفي 19 أبريل، حضر جلسة للكونجرس، أدلى فيها ببيان، حاول فيه الدفاع عن تصرفاته؛ بكل ما أمكنه من التأثير وحسن المجادلة، وفي جزء منها، قال:

"إنني أقف، في هذا المكان، ويملؤني شعور عميق، بالتواضع والفخر، التواضع إزاء هؤلاء الأمريكيين العظماء، الذين صنعوا تاريخنا، والذين وقفوا، من قبلي، في هذا المكان. والفخر؛ لأن هذا الموقف الدستوري يمثل حرية الإنسان، في أجلى صورة عرفها. هنا تتركز أماني البشرية وآمالها.

"إنني أتوجه إليكم بالحديث، دون حقد، ولا تملأ نفسي المرارة، ولكنني أهدف، في آخر أيام حياتي، إلى غرض واحد، هو أن أخدم بلادي.

"إن الأمور متشابكة، لدرجة أنه، إذا نظرنا إلى مشكلة أحد القطاعات، وتناسينا الآخر، يمكن أن نجلب كارثة للجميع. وإذا كنا ننظر إلى آسيا، على أنها الطريق إلى أوروبا، فإن أوروبا، في الحقيقة، يمكن النظر إليها، على أنها الطريق إلى آسيا، كذلك. إن التأثير الكبير لأي منهما يشد الأخرى، إن هناك من يرون أن قواتنا غير كافية لحماية الجبهتين؛ لأننا لا نستطيع أن نوزع جهودنا. ولا يمكنني أن أجد قولاً آخر، يمكن أن يعبر عن الهزيمة، أكثر من قولهم هذا.

"إن أي اختراق، لسلسلة الجزر الدفاعية الأمريكية، في غرب الباسفيك، سيؤدي إلى أن نعرض، للهجوم، أي قطاع أساسي آخر، وهذا هو التقدير العسكري للموقف، والذي لا أعتقد، أن أي قائد عسكري آخر، يمكن أن يخالفه. ولهذا السبب، فقد طالبت، في الماضي، كضرورة حربية، بأن فورموزا يجب ألا تقع في أيدي الشيوعيين، مهما كانت الظروف.

وعلى الرغم من أنني لم أُستشر في قرار رئيس الجمهورية، بخصوص التدخل العسكري؛ لمساعدة جمهورية كوريا الجنوبية، إلاّ أن هذا القرار، من الناحية العسكرية البحتة، قرار حكيم. إننا إذا طردنا الغزاة، وحطمنا قواتهم، فإن نصرنا يكون كاملاً، وتكون أهدافنا وشيكة التحقيق. ولكن عندما تدخلت الصين الحمراء، في الحرب، بقوات برية هائلة، خلق ذلك موقفاً جديداً، وحرباً جديدة، موقفاً لم يكن في الحسبان، عندما تدخلت قواتنا، ضد غزو كوريا الشمالية، إن هذا الموقف الجديد كان يستدعي قرارات جديدة، من الناحية الدبلوماسية، تسمح بالتسوية الإستراتيجية العسكرية الفعلية. كانت الضرورات العسكرية، للدخول في حرب، تتطلب:

1. إحكام الحصار الاقتصادي ضد الصين.

2. فرض حصار بحري حول شواطئ الصين.

3. رفع الحظر عن القوات الجوية، في العمل ضد منشوريا، وشواطئ الصين؛ لحرمان العدو من الحماية المكفولة له، شمال نهر يالو.

4. رفع القيود المفروضة، على قوات الصين الوطنية، ومساعدتها على القيام بعمليات، في أراضي الصين نفسها.

إن اعتقادي، من الوجهة العسكرية، هو أن الاعتبارات السابقة قد درست، بعناية، من جانب القادة العسكريين المعنيين بالحملة الكورية، بما في ذلك، رؤساء هيئة أركان الحرب. لقد قيل إنني شره للحرب والدماء، وهذا أمر بعيد عن الحقيقة. ولكن إذا فرض علينا القتال، فليس هناك مفر من استخدام كل الوسائل الممكنة؛ للوصول بها إلى نهاية سريعة. إن الهدف الأساسي، للحرب، هو النصر، لا تلك التصريحات المطولة الجوفاء. ولا جدال في أنه ليس هناك في الحرب بديل للنصر.

لقد سألني جنودي: لماذا نترك، للعدو، فرص الاستفادة من بعض المزايا، في الميدان؟ فلم أستطع الإجابة". ثم اختتم ماك آرثر خطابه بجملة، ظل الرأي العام الأمريكي يرددها طويلاً؛ إذ قال: "إنني أنهي خدمتي العسكرية بعد 52 عاماً. فعندما التحقت بالجيش، قبل بداية هذا القرن، كان ذلك تحقيقاً للأماني الحلوة، التي راودت صباي. ولقد تغير العالم كثيراً، منذ أن أقسمت يمين الولاء، في أكاديمية ويست بيونت، وتبخرت الأماني والأحلام، منذ هذا التاريخ. ولكنني مازلت أذكر إحدى الأهازيج، التي كانت تتردد، في أحد المعسكرات، في تلك الأيام. كانت تحكي دائماً أن الجنود القدامى لا يموتون، ولكنهم يذبلون مع الزمن. ومثل الجندي العجوز، فإنني أنهي خدمتي العسكرية، لأذبل، مع الزمن، محارباً قديماً، حاول جهده أن يؤدي واجبه، بقدر ما ألهمه الله من نور ينير له الطريق إلى هذا الواجب. وداعاً".

وقد أثار خطاب الوداع هذا عاصفة من الغضب، خلال شهري مايو ويونيو، واحتدمت المعركة الكبرى بين ترومان وماك آرثر، كما سميت في هذا الوقت؛ ففي تلك الآونة، حدث انقسام هائل، في الشعب الأمريكي، وكان كل من الطرفين يهاجم الآخر، بقسوة وبمرارة، سواء في الكتابات، أو الخطب المتبادلة بينهما، بشكل لم يعرف من قبل.

وعلى الرغم من أن الميدان الرئيسي والرسمي للمعركة الكلامية، كان في غرفة الاستماعات باللجنة البرلمانية للشؤون العسكرية، والعلاقات الخارجية، التي استمعت إلى أكثر من مليون كلمة. فقد انتشر الخلاف، في أنحاء البلاد، كما يحدث، دائماً، في مثل هذه الحالات. إن كثيراً من المعلقين، هم الذين أثاروا هذا الخلافات. والواقع أن جزءاً كبيراً، من الشعب الأمريكي، كان يعتقد أن سبب الخلاف يدول حول حق الرئيس ترومان، في عزل الفريق الأول ماك آرثر.

ومما زاد في حيرة الجماهير أن الخلاف قد كشف لهم عن دقائق الإستراتيجية الأمريكية، في الحرب الباردة، ضد الاتحاد السوفيتي، والدول التابعة له. ونتيجة للاجتماعات المشتركة للجنتي الكونجرس، والتي دعي إلى حضورها كل النواب، كان من المستحيل منع الصحافة من نشر الأقوال، التي كانت ستشطب من المحاضر لأغراض الأمن. وفي وسط هذا الجو، دافع ماك آرثر عن الأعمال التي أدت إلى عزله، فقال: "إن سياسة الحكومة في كوريا، وقصور تلك السياسة، كان سيؤدي إلى مجزرة مروعة بشكل لم يسبق له مثيل، في التاريخ البشري".

وقد أجابت الحكومة بقولها إنه في خلال الحرب العالمية، التي ربما كان سيتسبب ماك آرثر في إشعالها، فإن قنبلة ذرية واحدة تلقى، على إحدى المدن الأمريكية، سوف تؤدي إلى إحداث خسائر، أكبر من الـ 60 ألفاً، الذين فقدتهم أمريكا، في حرب كوريا.

وبعد ذلك، شن ماك آرثر، يؤيده بعض أعضاء البرلمان، هجوماً على مبدأ الحرب المحدودة، وقد بدأ حملته، بقوله: "إنني ضد الحرب، مائة في المائة. إنني أؤمن بأن الحرب عملية انتحار مشتركة. ولكن إذا فرض علينا الاختيار، في الحرب، يكون إما أن نواصلها حتى النصر، أو التسليم للعدو وفق شروطه، أو ما يعد، في نظري، أسوأ من الاثنين، وهو أن نواصل القتال، في حرب لا نهائية، وبأهداف غير محدودة، لا تؤدي إلى النصر أو الهزيمة. وقال إن الحرب المحدودة قد أوجدت نوعاً جديداً، في العمليات العسكرية، هو مبدأ التهدئة ـ المبدأ الذي يقول إنه، لا يرد القوة إلاّ القوة".

وأضاف: "إنني أقرر، من دون تردد، أنه عندما يلتحم الرجال في المعركة، يجب ألا يكون هناك أي تدخل سياسي، يمكن أن يمنع رجالك من الاستفادة من الفرص المتاحة لهم؛ لزيادة مكاسبهم، ولتقليل خسائرهم".

وقد وافق ماك آرثر كثير من كبار الضباط، مثل الأدميرال شيرمان، أحد أعضاء البحرية، في هيئة الأركان المشتركة، والفريق الأول رود ماير، رئيس عمليات الجيش، اللذين عبرا عن نفورهما من الحرب المحدودة. ومن بين الذين أيدوا ماك آرثر أيضاً، الفريق الأول كارل سباتز، القائد السابق للقوات الجوية، واللواء أودونيل، القائد السابق لقاذفات القنابل، في منطقة الشرق الأدنى، واللواء كلير شنولت، الذي كان رئيساً لهيئة أركان حرب الجنرال شانج كاي شيك، لعدة سنوات.

أما جبهة الدفاع عن الحكومة فكانت تتكون من الوزير مارشال، والفريق الأول عمر برادلي، رئيس هيئة الأركان، والجنرال هوايت فاندنبرج رئيس أركان القوات الجوية، وقال الفريق الأول مارشال: "لم يكن هناك أي حل سريع وحاسم، في رأيي، لهذا النزاع الدائر، الذي كان سيؤدي إلى حرب عالمية. إن ثمن مثل هذه المعركة، سيفوق كل تصور. ولذلك فإن سياستنا هي أن نحصر العدوان الشيوعي، بصوره المختلفة، وفي المناطق المختلفة، من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب عالمية، إذا كان ذلك ممكناً. إن هذه السياسة قد تبدو باهظة التكاليف، إذا التزمنا بها، لعدد من السنين. ولكن هذه التكاليف لا يمكن أن تقارن بما يمكن أن يحدث، إذا ما دخلنا، فيما يمكن أن نسميه الحرب الذرية".

كما قدمت تفسيرات، أكثر إيضاحاً، لسياسة ضبط النفس من الفريق الأول برادلي، في خطابه، لرئاسة الأركان المشتركة، في عبارته المشهورة، "الحرب الخطأ"، فقد قال: "من وجهة النظر العالمية، فإن واجبنا العسكري أن نحمي السياسة، التي تقضي بحرمان الشيوعيين من الحصول على القوة البشرية، والموارد والمواد الأولية، والإمكانيات الصناعية، اللازمة لرفاهية العالم، إذا ما تمكنت روسيا السوفيتية، في يوم ما، من السيطرة على آسيا وأوروبا. إذ، بذلك، تكون سياسة التوسع السوفيتي قد امتلكت القاعدة الواسعة، التي تمكنها من بناء القوة العسكرية، التي تمكنها من حكم العالم. يجب النظر إلى كوريا بنظرة فاحصة، إنها حرب ليست إلاّ اشتباكاً واحداً، ومرحلة واحدة. وطالما استطعنا أن نحفظ القتال في حدوده الحالية، فإننا نكون قد حافظنا، على الأقل، على القوات المعهود إلينا قيادتها.

"إن الإستراتيجية البديلة، وهي التي تؤدي إلى توسيع الحرب في كوريا، هي مهاجمة الصين الحمراء، وهي ستسر الكرملين، أكثر من أي عمل آخر نفعله. إن ذلك سيستدعي، بالضرورة أن نقذف بقوات جديدة في المعركة ـ وخاصة قواتنا الجوية وقواتنا البحرية ـ بينما يظل الاتحاد السوفيتي محتفظاً، بكل قواه، غير مرغم على الاشتراك، في المعركة، ولو برجل واحد. إن الصين الحمراء ليست هي الدولة القوية، التي تسعى إلى السيطرة على العالم. وبكل صدق، فإنه من وجهة نظر هيئة الأركان المشتركة، فإن مثل هذه السياسة الإستراتيجية ستؤدي إلى الدخول في المعركة الخطأ، ضد العدو الخطأ، في المكان الخطأ والزمان الخطأ".

ولعل أكثر المناقشات العملية التي ثارت بين بعض الأعضاء الجمهوريين حول توسيع رقعة الحرب، بل ربما كان ذلك أكثر المناقشات المدعمة بالأدلة، كان رأي الفريق الأول فاندنبرج، الذي قرر فيه أن الولايات المتحدة لم تكن لديها القدرة على ذلك، قال: "إن القوات الجوية واستخدامها الإستراتيجي يجب أن يصلا إلى المراكز الصناعية للعدو؛ حتى يكون استخدامها مؤثراً. إن مصدر الإمداد المادي للصين الشيوعية، ولكوريا الجنوبية، هو روسيا. وعلى ذلك فقد كان يمكننا أن ندمر كل منشوريا، والمدن الرئيسية في الصين، إذا ما استخدمنا كل القوى الجوية الأمريكية، ومع ذلك فإن قيامنا بهذا العمل لن يخلو من الخسائر. أما إذا استخدمنا قوة أقل من القوة الكلية للقوات الجوية الأمريكية، فإنه من المحتمل، من وجهة نظري، ألا يكون ذلك كافياً، وحتى إذا استخدمناه، وأمكننا الوصول إلى بعض التدمير، فإن ذلك لن يكون نهائياً، وسيترك أثره على قواتنا الجوية. فإذا بدأنا، بما يقرب من 40 مجموعة، فإن ذلك سيجعلنا غير قادرين في المستقبل، إذا ما طلب إلينا القيام بأي عمليات، بالقوى الكاملة للقوات الجوية الأمريكية في أي مكان آخر. كما أن دفاعات الولايات المتحدة ستبقى عارية، لعدة أعوام قادمة.

"إن القوة الجوية للولايات المتحدة، في الحقيقة تعد صغيرة بالنسبة لمسؤوليتها الدولية. ومن وجهة نظري، فإن القوات الجوية الأمريكية، هي القوة الوحيدة التي جعلت ميزان القوة، يميل في صالح الولايات المتحدة. إنه هو الشيء الوحيد، الذي جعل روسيا السوفيتية لا تدخل الحرب، حتى هذا التاريخ، وبينما يمكننا، الآن، أن ندمر الإمكانيات الصناعية لروسيا، كما يمكننا، من وجهة نظري، أن ندمر الأراضي المنشورية، وكذلك المدن الصينية الرئيسية، لا يمكننا أن نقوم بالأمرين معاً. وللمرة الثانية، أقول إن قواتنا الجوية ليست كافية".

وإضافة إلى الأثر الهادئ، الذي أحدثته هذه البراهين، فقد أعلن أن الولايات المتحدة تقدم مساعدات عسكرية ضخمة، إلى شانج كاي شيك، كما توفد بعثات عسكرية إلى فورموزا. وصرح مارشال بأنه لن يسمح بأن تسقط فورموزا في أيدي الشيوعيين. وبذلك هدأت مجموعة الأمريكيين، الذين كانوا ينادون بشعار "آسيا أولاً". وظل موضوع شانج كاي شيك وفورموزا خارج المناقشة، كما أن أي تلميحات، بخصوص إمكان التخلي عن فورموزا، قد انتهت بوجه عام، بقدر ما كان الجنرال ماك آرثر محبوباً، وبقدر ما كان الناس يستشهدون بقوله: "لا يوجد بديل للنصر"، فلم يكن هناك أبداً في تلك الأيام ما يشير إلى أن أعداداً هائلة، من الأمريكيين، تقف على استعداد؛ للتطوع للخدمة العسكرية، أو ليدفعوا ضرائب أكثر، أو ليرسلوا أولادهم؛ ليقاتلوا أكثر وأكثر في المعارك، التي كان يدافع عنها ماك آرثر. وبالتدريج تحول الرأي العام إلى جانب سياسة الحكومة الأمريكية.

انتهى الجدل الكبير بانتصار سياسة الحكومة الأمريكية، في حصر الحرب، من خلال تحقيق الأمن الجماعي، وبدخول ماك آرثر مجال الحياة الخاصة؛ ليحقق طموحاته السياسية، التي كانت مبنية على مساعدته دوايت أيزنهاور، في اجتماع الحزب الجمهوري في سنة 1952. وانتهت، أيضاً، بتلك المرارة التي كان يستشعرها الشعب الأمريكي من "حرب ترومان". والحقيقة أنها كانت حرباً سيئة جداً، فقد قيل عنها الكثير خلال الجدل الكبير. قال عنها ماك آرثر، إنها حرب "الأكرديون"، التي يتحرك فيها الحظ، إلى أعلى، أو إلى أسفل، كلما زادت أو قلت نسبة الخسائر. إنه ليس تراباً هذا الذي نريقه في كوريا، ولكنها دماء أمريكية. بينما نادى النائب وليم نولند بإحلال قوات شرقية محل القوات الغربية. وطالب النائب هاري كين بسحب كل القوات الأمريكية من كوريا، إذا لم يوقف بعض حلفاء أمريكا في منطقة الأطلسي، وخاصة بريطانيا، تجارتها مع الصين الشيوعية. بينما أعلنت الأقلية الجمهورية رأيها، بقولها:

"إننا نؤمن بأن سياسة تحقيق النصر يجب أن تعلن على الشعب الأمريكي حتى نحافظ على الوحدة وعلى الثقة، إنه لكثير أن نتوقع أن شعبنا سيوافق على الحرب المحدودة". وقد استهوت الملاحظات القوميين وجماعات الانعزاليين، الذين أثارتهم الخسائر الضخمة، التي منيت بها أمريكا، في الرجال والمال في كوريا. أما أن بعض حلفاء أمريكا كانوا ما زالوا يواصلون تجارتهم، مع الصين، فلم يكن ذلك يساعدهم بل زاد من سخطهم، وزادت من كراهية الشعب للحكومة؛ لعجزها عن وقف هذه التجارة. كل هذه العوامل كانت من الأسباب التي زادت رغبة الرئيس ترومان في الحصول على وقف إطلاق النار في كوريا. وكان ذلك، كما سيأتي، سبباً في العجلة في الموافقة على طلب الصين الشعبية، الدخول في مباحثات للهدنة، بمجرد أن هزم الجيش الثامن قواتها، في كوريا وطردها إلى ما وراء خط العرض 38.