إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث السادس عشر

مفاوضات الهدنة وانتهاء القتال

في 26 مايو 1951، أعلن وزير خارجية كندا، لستر بيرسون Lwster B. Pearson، في خطاب له في برنامج إعلامي إذاعي، نظمته الأمم المتحدة، بعنوان "ثمن السلام The Price Of Peace"، أن هدف الأمم المتحدة المحدد، في كوريا، "ليس القضاء على الأعداء، من الصينيين والكوريين الشماليين، وإنما، فقط، ردع العدوان على كوريا الجنوبية". وأيده تريجفي لي Trygve Lie، الأمين العام للأمم المتحدة، في حديث، أدلى به في أوتاوا، في الأول من يونيه، جاء فيه:

"لقد حان الوقت للتحدث عن السلام، ويجب تنفيذ قرارات مجلس الأمن في شأن حل المسألة الكورية، وإيقاف إطلاق النار، في جميع المواقع، حول خط العرض؛ ليعقب ذلك عودة السلام والأمن، بالوسائل السلمية". ثم أهاب بقادة الاتحاد السوفيتي، بقوله: "قولوا الكلمة الوحيدة، التي ينتظرها العالم أجمع".

وفي 22 يونيه 1951، استحثت وزارة الخارجية الأمريكية، عبر راديو صوت أميركا، جاكوب مالك، المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة، على الاستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة. وفي اليوم التالي، تحدث جاكوب مالك، عبر برنامج "ثمن السلام"، في إذاعة الأمم المتحدة، مهاجماً الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الأطلسي، على مدى 15 دقيقة، ثم اختتم حديثه، بقوله: إن الشعب السوفيتي يؤمن بأن أكثر المشاكل حدة، وهي مشكلة الصراع المسلح في كوريا، يمكن حلها. وإن ذلك يستدعي موافقة الأطراف على الدخول في مباحثات مشتركة؛ لإقرار السلام في كوريا. والخطوة الأولى، اللازمة لذلك، هي إيقاف إطلاق النار، وبدء هدنة، تنتهي بانسحاب القوات المتصارعة، من خط العرض 38".

وقد رفض جاكوب مالك تقديم إيضاحات أكثر، في هذا الشأن، وادعى المرض، حين طلب نصر الله انتظام، رئيس الوفد الإيراني في الأمم المتحدة، لقاءه في هذا الشأن.

في 24 يونيه، نشرت الجريدتان الرسميتان في موسكو برافدا Pravda وازفسيتا Izvestia، نص حديث جاكوب مالك كاملاً، مع تأييد علني له. وفي بكين، نشرت الصحيفة الرسمية اليومية جين مين جه باو Jen Min Jih Pao "الشعب اليومية"، اقتراح جاكوب مالك، وأن الرئيس الأمريكي قد طلب إلى السفير الأمريكي، في موسكو، آلان كيرك Alan G. Kirk، الاتصال بالسوفيت؛ للحصول على معلومات إضافية. وفي 26 يونيه أعلنت إذاعة الصين ترحيبها ببدء المفاوضات، ولكن بشروط، تشمل انسحاب جميع قوات الأمم المتحدة، من كوريا، وعودة فورموزا إلى الصين الشعبية، والحصول على مقعد في الأمم المتحدة.

وفي 27 يونيه، أكد أندريه جروميكو Andrei A. Gromyko، وزير الخارجية السوفيتي، لآلان كيرك، أن الحكومة السوفيتية تقترح مفاوضات هدنة، تتناول الجانب العسكري البحت، من دون التعرض لأمور سياسية أو حدودية، بمعنى قصر البحث في وقف إطلاق النار، بما قد يؤدي، بعد ذلك، إلى خطوات سياسية أخرى. أما إذاعة بيونج يانج فقد غيرت من لهجتها؛ فبدلاً من التهديد بإلقاء قوات الأمم المتحدة في البحر، أخذت تهدد برد الأعداء إلى خط العرض 38.

في 29 يونيه 1951، أرسل مجلس الأمن القومي الأمريكي، إلى الفريق الأول ماثيو ريدجواي، الرسالة التالية: "لقد أمر رئيس الجمهورية أنه، في الساعة الثامنة، يوم السبت 30 يونيه، بتوقيت طوكيو، يتعين عليكم إذاعة الرسالة التالية، في عناوين واضحة، إلى قائد القوات الشيوعية، في كوريا، والتصريح بها للصحف، في الوقت نفسه:

"كقائد لقوات الأمم المتحدة، صدرت لي تعليمات بأن أبلغكم الآتي: "لقد أخطرت بأنكم ربما ترغبون في مقابلة؛ لمناقشة هدنة تؤدي إلى إيقاف كافة العمليات العسكرية، في كوريا، مع ضمانات كافية لتنفيذ هذه الهدنة. وحتى يصل الرد، عن رغبتكم في هذا الاجتماع، فإني سأعد مندوبي الذي سيقابل مندوبكم، وأقترح أن يتم هذا الاجتماع، فوق ظهر سفينة المستشفى الدانمركية (جوت لانديا)، في ميناء ونسان".

وقد أذاع ماثيو ريدجواي الرسالة. وفي الليلة التالية وصل رد من الرئيس الكوري الشمالي كيم إيل سونج والجنرال بيبنج ـ ني ـ هواي، بموافقتهما على الاجتماع، ولكنهما رفضا مكانه، وبدلاً من سطح (جوت لانديا)، اقترحا مدينة كايسونج، التي تقع على بعد ميل أسفل خط العرض، وتبعد عشرة أميال شمال غرب الجناح الغربي للأمم المتحدة في ونسان. وقد أرسل ماثيو ريدجواي بعض الدوريات إلى كايسونج، وطالب بأن تكون كايسونج مدينة محايدة ـ وبدأت المحادثات (أُنظر خريطة خط الاتصال 1 يوليه).

اختار ريدجواي الأدميرال ترنر جوي C. Turner Joy، قائد القوات البحرية في الشرق الأقصى، رئيساً لوفد التفاوض العسكري لقيادة الأمم المتحدة. وقد أعلن، منذ بدء التفاوض، أن قواته البحرية، ومعها القوات الأخرى، ستظل تواصل عملياتها وقصفها لسواحل كوريا الشمالية، إلى أن يتم إبرام الاتفاق على وقف إطلاق النار. وبالفعل، استمر القصف من البحر، واستمر معه القصف من الجو، في عملية، سميت الخانقة Operation Strangle، وهي عبارة عن غارات مركزة على الطرق الكبرى، في قوس يمتد درجة عرض واحدة، عبر شبه الجزيرة، فوق خط القتال وفي 13 يوليه، أصدر ريدجواي أوامره إلى الفريق أوتو ويلاند Otto P. Weyland، القائد الجديد لقوات الشرق الأقصى الجوية، باستخدام كل قدراته في إنزال الخسائر بالقوات الصينية والكورية الشمالية، كوسيلة ضغط أثناء المفاوضات. وقد أمر أوتو ويلاند القوة الجوية الخامسة بتصعيد غارات الطائرات المقاتلة، والقاذفات الخفيفة، على جنود الصينيين والكوريين الشماليين، وإمداداتهم، ومركباتهم، ومراكز دفاعهم. وتجاوز ذلك، في غضون أسبوع، إلى قصف بيونج يانج، قصفاً مركزاً؛ لتدمير الاحتياطات من الجنود والإمدادات والمعدات. وفي 10 يوليه 1951، سمحت رئاسة الأركان الأمريكية المشتركة لقوات الجيش الثامن الأمريكي، بالتقدم، براً، إلى خط بيونج يانج ـ وونسان (أُنظر خريطة خط المعركة 10 يوليه). واستعد كل من ريدجواي، وجيمس فان فليت، للتقدم أكثر، في الأول من سبتمبر، إذا لم يتم إحراز تقدم، في مفاوضات الهدنة.

أولاً: وفدا المباحثات

بدأت المحادثات، في 10 يوليه 1951، وكان تشكيل الوفدين كالتالي:

1. وفد الأمم المتحدة

أ. الأدميرال تيرنر جوي (رئيساً للوفد)

ب. اللواء لورانس كريجي Laurence Craigie، نائب قائد القوات الجوية في الشرق الأقصى، عضواً

ج. اللواء هنري هودس Henry Hodes، نائب رئيس أركان الجيش الثامن، عضواً

د. الأدميرال أرلي بيرك Arleigh Burke، قائد سلاح الفرسان الأمريكي، عضواً

هـ. اللواء هويتي بيك Whitey Paik، مندوباً عن كوريا الجنوبية، عضواً

و. ومعهم العقيدان كينيوا، وريموند موراي.

2. الوفد الصيني الكوري الشمالي

أ. الجنرال نام إيل Nam Il، رئيس أركان جيش كوريا الشمالية، رئيساً للوفد، (نائباً عن الرئيس كيم إيل سونج)

ب. اللواء شايج بيونج سان Chiang Piong San من جيش كوريا الشمالية عضواً

ج. اللواء لي سانج ـ شو Lee Sang -cho، من جيش كوريا الشمالية، عضواً

د. اللواء هسييه فانج Hi - Sie Fang من جيش الصين الشعبية عضواً

هـ. اللواء تانج هوا Tang Hwa من جيش الصين الشعبية عضواً

و. الجنرال هسس ييه Hsis Yie متحدثاً رسمياً باسم الوفد وممثلاً للجنرال بنج تيه هواي

ز. ومعهم بعض ضباط أركان حرب، هم: العقيد شانج شان سان. والمقدم لي سويونج من كوريا الشمالية. والعقيد تساي شين وين من الصين.

كان اللقاء يسوده الشك والريبة، والاستفزاز من الطرفين، وتم في أحد محلات الشاي الكبيرة. وبدأ بقول الأدميرال جوي: "إن نجاح المفاوضات، أو فشلها، اليوم، يتوقف على حسن نية المفاوضين الحاضرين". وعقب الجنرال تانج هوا، بقوله: "إن شعوب العالم، كلها، تكره الحرب، وترغب، في السلام، بصدق". ثم دار الكلام بعد ذلك، بطريقة سادها الشتائم وتوجيه الإهانات.

تركزت مقترحات الشيوعيين في أربع نقاط، هي:

1. اعتبار خط العرض 38 فاصلاً عسكرياً، بين الجانبين، وتحديد منطقة منزوعة السلاح.

2. سحب جميع القوات المسلحة التابعة لدول أجنبية، من كوريا.

3. وقف عدوان القوات المسلحة، في كوريا، بشروط تضمن عدم استئنافه.

4. الاتفاق على منطقة منزوعة السلاح، عبر كوريا.

ثانياً: توقف المباحثات، وتجدد الاشتباكات

وقد تعثرت المباحثات كثيراً، في اليومين الأولين، كما فشلت الجلسات الأربع التالية، والجلسات الست الإضافية، التي عقدها وكلاء الوفدين. وفي 19 أغسطس، زعم ضباط الاتصال الشيوعيون الصينيون، أن إحدى دوريات الأمن التابعة لهم، في كايسونج، قد وقعت في كمين، أعدته قوات الأمم المتحدة، وقتلت قائد الدورية.

وفي 22 أغسطس، اتهموا الأمم المتحدة بأنها قصفت كايسونج بالقنابل، وطلب شانج بيونج سان، من العقيد كيني، الاعتراف الفوري بإدانة قوات الأمم المتحدة، فلما رفض، وقال إنه لا يوجد دليل على ذلك، أعلن شانج إيقاف مؤتمر الهدنة إلى أجل غير مسمى.

في أغسطس 1951، كان جيمس فان فليت يتولى قيادة 586 ألف جندي، موزعين بين الجيش الثامن 229 ألفاً، والكوريين الجنوبيين 357 ألفاً. ثم وصل إليه اللواء 25 من كندا، وكتيبة من كولومبيا. أما قوات بنج تيه ـ هواي فكانت تضم ستين فرقة. وفي ليلة 28 أغسطس، شنت الفرقة الخامسة الكورية الجنوبية هجوماً على منطقة، غرب بنش بول Punch Bowl، فردتها القوات الصينية، وأخذت تطاردها، إلى خط العرض 38.

وفي 31 أغسطس، بدأت الفرقة الأولى، من مشاة البحرية الأمريكية، مهاجمة بنش بول، وتقدمت الفرقة الثانية، من مشاة البحرية الأمريكية، في 2 سبتمبر، غرباً نحو تلال بلودي Bloody، وهارت بريك Heart breake، ودار قتال عنيف، ضد القوات الصينية، وتمكنت القوات الأمريكية من مطاردتها.

في أول سبتمبر 1951، عبرت تسعون طائرة ميج، نهر يالو، في تشكيلات متنوعة؛ لمهاجمة طائرات الولايات المتحدة النفاثة. ولكن الطائرات الأمريكية ردتها على أعقابها، وأسقطت بعضها.

وفي 19 سبتمبر، تحرك خط جيمس فان فليت إلى شمال بنش باول، واستقر هناك، متجاوزاً خط العرض 38 بكثير، بعد قتال عنيف، تدخلت فيه الطائرات العمودية، لنقل الكتائب الأمريكية إلى مواقع القتال. وفي الوقت نفسه، تقدمت الفرقة الأولى الكورية الجنوبية؛ نحو عشرة أميال، إلى كايسونج. وفي الغرب والوسط، شقت خمس فرق (الكومنولث البريطانية، الأولى، والأولى الكورية الجنوبية، والأولى فرسان أمريكية، والثالثة والخامسة والعشرون مشاة أمريكية) طريقها، إلى الشمال، في جبهة، طولها أربعين ميلاً، من كايسونج إلى شوون، عند منتصف الطريق إلى المثلث الحديدي. وهكذا، كونت خطاً جديداً، تجاوز خط كانساس. وكان هدف جيمس فان فليت هو طرد الصينيين والكوريين الشماليين، من منطقة سد هواشون، مصدر الماء والكهرباء.

إزاء هذه التطورات، أعلن الصينيون والكوريون الشماليون رغبتهم في استئناف المفاوضات. فأذاع ريدجواي إعلاناً لهم: "أقترح أن يجتمع ضباط الاتصال، من جانبينا، عند جسر بانمو نجوم Panmun jom؛ لبحث اختيار مكان جديد، غير كايسونج".

في 8 أكتوبر، اجتمع ضباط اتصال الجانبين، في بانمونجوم، وهي قرية صغيرة مهجورة، في الطريق بين مونسان وكايسونج.

استئناف المباحثات

استؤنفت المباحثات الرسمية، مرة أخرى، بين أعضاء الوفدين، في 17 أكتوبر. ودارت مناقشات بين اللواء هنري هودز، والجنرال لي سانج شو، طوال أسبوعين كاملين، في شأن تحديد خط الحدود. وفي 31 أكتوبر، اقترح الوفد الشيوعي أن يكون خط الاتصال الحالي هو خط الحدود الدائم. وكان هذا يعني تنازلاً منهم عن بضعة أميال، وكان هدفهم الحقيقي هو وقف إطلاق النار فعلاً؛ بهدف تخفيف الضغط الهجومي عليهم. وحدثت خلافات طويلة حول التحديدات الدقيقة، لجميع نقاط خط الحدود المقترح. وفي نهاية الأمر، في 27 نوفمبر 1951، تم الاتفاق على تحديد خط، تسري عليه الهدنة، بين الجانبين، مدة ثلاثين يوماً. وتم التنفيذ، وساد الهدوء جبهة القتال (أُنظر خريطة خط الترسيم المقترح).

ثالثاً: حركات التمويه والخداع من جانب الشيوعيين

خلال محادثات الخمسة الأشهر الماضية، كانت قوات الأمم المتحدة قد فقدت60 ألفاً، بين قتيل وجريح، منهم 22 ألف أمريكي. ولذا كان أغلب السياسيين الأمريكيين يرون أن الحرب قد طالت، من دون معنى، ولذا أُلزم وفد التفاوض بقبول خط ترسيم الحدود، الذي قرره وفد الشيوعيين. الذين انتهزوا فترة الهدنة هذه لإعادة بناء قواتهم المفككة، وتحصين دفاعاتهم، في سرعة ونشاط عاليين، وفي خطة مدروسة مستمرة، جعلت خط الصينيين الدفاعي، في ربيع 1953، من أقوى الخطوط الحصينة في العالم. وقد تميز هذا الخط بأنفاق، حفروها في سفوح التلال، يخرج جنودهم، من جانبها الآخر، في مواجهة الأمريكيين، مباشرة. ثم توسيع هذه الأنفاق، في شكل أقراص عسل النحل، المليئة بالأروقة ونقاط المدافع. وكانت هذه الأنفاق كبيرة إلى درجة تتسع لفيالق، بأكملها، وفي الوقت نفسه، كانت آمنة من الهجمات الجوية؛ إذ تعلوها التلال وقد انتهز الصينيون فترة الهدنة المؤقتة، والمباحثات التي تلتها، في إعداد عديد من الكتائب المزودة بالأسلحة الجديدة. وقد اكتشف جيمس فان فليت، في تلك الفترة، أنه يواجه عدواً، قوامه جيش مكون من 85 ألف مقاتل، معهم أسلحتهم، وتصلهم الإمدادات المتنوعة، لا سيما المدافع الروسية المتطورة، من طريق البحر.

في ذلك الوقت، ظهر فشل عملية "الخانق"، التي كانت قوة الأمم المتحدة تنفذها، ضد الصينيين والكوريين؛ فقد ثبت أن قيادة الجيش الرابع الصيني، بقيادة الجنرال تاو شو، استمرت في تموين القوات في خط النار، متحدياً التفوق الجوي، والقصف البحري. وقد أفادت تقارير الاستخبارات أن الشيوعيين كانوا يعتمدون، غالباً على النقل باستخدام السكك الحديدية، بينما كانت طائرات الأمم المتحدة مشغولة بقصف الطريق الرئيسية. وكان لدى كوريا الشمالية سكك حديدية، تستخدم الفحم، قادرة على حمل العتاد الثقيل، أكثر من الشاحنات، التي اعتمدت على الجازولين، المستورد من الصين، أو روسيا.

وكانت، في كوريا الشمالية، كميات هائلة من الفحم. فبدأت غارات قوات الأمم المتحدة تتركز على السكك الحديدية، واثقة أنها ستجبر القوات الصينية على الانسحاب، إلى قرب قواعدهم، في منشوريا. ولكن ثبت أن ذلك لم يكن ذا فائدة تذكر، وفشلت عملية "الخانق"، واستمر تدفق القوات والإمدادات. وقد حرصت إدارة الطرق الحربية الرئيسية، في كوريا الشمالية، على المحافظة على شبكة الطرق، وتطهير ممراتها باستمرار. وكانت هذه الإدارة تضم 20 ألف جندي، بين 12 فوجاً، في كل فوج ثلاث كتائب. كل كتيبة لها قسم خاص، على طول الطرق، في نقاط، تبعد كل واحدة ميلين، عن الأخرى؛ وفي بعض الأحيان، كان بعض العمال المحليين يحالون إلى الخدمة العسكرية. وكان الرجال جاهزين دائماً بالمعاول، والفؤوس، وأكياس الرمل وغيرها، يسارعون إلى إعادة ملء الحفر، أو تطهير الطريق، في ساعات قليلة. أما السكك الحديدية، فقد خصصت لها هيئة من ثلاثة ألوية، كل لواء به تسعة آلاف رجل، وينقسم إلى جماعات ترميم، بكل جماعة 300 رجل، مزودين بالمعدات اللازمة، وخيول وعربات؛ لجر القضبان الحديدية والأخشاب، ومعهم معدات لحام، ورافعات، وأجهزة مساحة، ومواد بناء، في مغارات وأنفاق، يسارعون بها إلى إصلاح أي عطب، أو تخريب، خاصة عند رؤوس الجسور، وملتقى القضبان الحديدية، التي كانت هدفاً دائماً لغارات قوات الأمم المتحدة.

ومما ساعد الشيوعيين، كثيراً، الأنهار الضحلة في كوريا؛ فعندما كانت الجسور، المقامة على هذه النهيرات، تضرب بالقنابل، كانت تهمل جانباً، ويقام مكانها جسور مؤقتة. أما في الجهات التي يكون النهر فيها عميقاً، أو لم تكن طبيعة الأرض تسمح بإنشاء جسور مؤقتة، فإن الشيوعيين كانوا يبنون ممرات جانبية للتغلب على التدمير، الذي حصل.

كما أنهم اعتادوا استعمال القطارات، على فترات متقطعة، فقد كانت القطارات تسير، ليلاً، إلى جهة الجنوب، حتى تصل إلى جسر دمرته القنابل، أو إلى نفق مسدود أو إلى قضيب مقطوع ثم يتم إنزال حمولة القطار، ووضعها في سيارات النقل، أو تحمل، باليد، إلى قطار آخر واقف في نهاية الطريق المقطوع، ثم يسير هذا القطار الجديد إلى الجنوب، كذلك، حتى يصل إلى مكان آخر مدمر. وهناك يصير نقل حمولته إلى قطار آخر. وكانت القطارات تختبئ، نهاراً، في الأنفاق، ثم تستأنف سيرها، في الظلام، بسرعة بطيئة قد تصل إلى اثني عشر ميلاً في الليلة.

أما سيارات النقل، فلم تترك مكشوفة، أبداً، بل كانت تغطى، في الشتاء، بخيش أبيض، وفي الصيف، بالقش وأوراق الأشجار. وكانت تخبأ، على قدر الإمكان، في الغابات أو المغارات أو تحت الجسور. وكثير من الطرق الرئيسية كانت بها بضعة سواتر، يمكن سحب سيارة النقل وراءها، وقت الهجوم المفاجئ. كما أن مئات الأنفاق في سكك حديد كوريا الشمالية كانت تتسع لثمانية آلاف عربة سكة حديد، بل كان بها أمكنة فسيحة، لكل قاطرة، أو سيارة، في كوريا، بأكملها.

ومن فنون التمويه والخداع، أنهم كانوا، كثيراً، ما يعمدون إلى ترك القطارات المدمرة وسيارات النقل معرضة للأنظار، بعد طلائها بطلاء لامع لإغراء العدو على الهجوم، كما أن سائقي عربات النقل كانوا يحملون في أيديهم خرقاً مبللة بالنفط، ليشعلوها وقت الهجوم، فيعمد العدو إلى التدمير. أما سيارات النقل فقد كانت تخبأ، في المباني المدمرة، أو ينزع غطاؤها وإطاراتها؛ للإيهام بأنها معطلة، إلى وقت حلول الليل. وبعد ذلك يصلحونها ويجعلونها صالحة للخدمة. وكانوا يتركونها بجانب الكنائس، والمدارس، والمستشفيات، وجميع الأماكن، التي لا يمكن لرجال طيران الأمم المتحدة أن يضربوها بالقنابل. كما كانت السيارات ترفع أعلام الأمم المتحدة، أو علامات الصليب الأحمر على أسطحها. وكانت الشاحنات تسير في أنساق، كل نسق به عشرون سيارة، مع وجود حراس، على طول الطريق، في نقاط تبعد كل عن الأخرى ميلاً واحداً. وصدرت إليهم الأوامر بإطلاق النار، على الفور، عند اقتراب إحدى طائرات الأمم المتحدة. أما أثناء الليل، فكانت تضاء الأنوار، على قمم الجبال.

أما خداعهم، في السكك الحديدية، فكان يشمل عدة حيل، مثل وضع القاطرة في منتصف القطار، بدلاً من أمامه، أو في مؤخرته. وإخفاء فرامل القضبان؛ بإلقاء الأنقاض على طول القضبان. أما القاطرات والسيارات فلم تكن تترك من دون غطاء، مطلقاً، مثل الشاحنات تماماً. أما فيما يختص بالعتاد المخزون فقد كان من دأبهم توزيعه على نطاق واسع، في حين أن جميع مناطق المخازن، كانت مزودة بمعدات الدفاع، بمدافع يسيرها الرادار آلياً.

وفي كوريا الشمالية، كانوا يستعملون الكمين على نطاق واسع، وكم لاقى كثير من مرشدي الأمم المتحدة حتفهم، عندما كانوا يُخدعون بمناظر دمي، تشبه رجال الطيران تتدلى من طائرات المظلات، ومعلقة فوق الأشجار. وكم كانوا يصنعون دمي للقطارات والدبابات من القش وورق الكرتون. كما كانوا يمدون أسلاكاً من الصلب، فوق الوديان الضيقة التي كان على طائرات الأمم المتحدة أن تطير فوقها.

ومن دهاء الشيوعيين، أنهم كانوا يجعلون الجسور وخطوط السكة الحديدية الصالحة للاستعمال، ليلاً، تبدو كأنها مهشمة في النهار. فقبيل الفجر، كانوا يرفعون قطعة حديد من جسر سليم، ويضعونها في نفق قريب، ثم تعاد هذه القطعة إلى مكانها ليلاً، أو تلقى قطعة من الجسر فوق مجرى النهر، ثم بطريقة ما، وعند الغروب، تنتشل هذه القطعة. وأحياناً كانت تترك أكوام من مواد البناء ظاهرة، بجوار جسر مدمر؛ ليبعثوا على الظن أن هناك إصلاحات جارية. وكذلك كانوا يعمدون إلى خلع أجزاء من قضبان السكك الحديدية، ويخفونها في أنفاق قريبة. وهكذا نجحوا في إفشال عمليات طيران الأمم المتحدة، مع خسائر بشرية كبيرة من جانبهم، لم يكونوا يلقون إليها بالاً.

رابعاً: تجدد المباحثات

تركزت المباحثات، أثناء الهدنة، في بانمونجوم، في بحث إجراء ترتيبات تحقيق وقف إطلاق النار، بما في ذلك تأليف لجنة لمراقبة تنفيذه، وتحديد سلطاتها وواجباتها. وسميت اللجنة المحايدة للمراقبة، على أن تتكون من ستة أعضاء، من دول محايدة، يختار كل طرف ثلاثة منهم. اقترح الأدميرال تيرنر جوي السويد والنرويج وسويسرا، بينما اقترح الجنرال إيل نام بولندا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي! فصرخ جوي معترضاً؛ باعتبار أن الاتحاد السوفيتي غير محايد. وأصر الوفد الشيوعي على اشتراك الاتحاد السوفيتي. ولم تحل المشكلة، إلاّ بعد أن عرض وفد الأمم المتحدة إسقاط النرويج، مقابل إسقاط الاتحاد السوفيتي، والاكتفاء بأربعة أعضاء فقط.

احتدمت المناقشات، كذلك، في شأن حاجة كل طرف إلى إحلال كتائب ومهمات جديدة، أثناء الهدنة. فاقترح وفد الأمم المتحدة، أن يغير كل طرف 35 ألف رجل شهرياً، ورد الشيوعيون بأنه يكفي خمسة آلاف. ثم اقترح وفد الأمم المتحدة، أن يسمح لكل طرف بعشرة موانئ، يتم فيها إحلال الجنود، رجلاً مقابل رجل، وكذلك الكتائب والمعدات، على أن تتولى لجنة مراقبة محايدة تفتيش الموانئ؛ للتأكد من التزام الطرفين، ورد الشيوعيون بأن ميناء واحداً يكفي. وطالت المساومات، وتهددت بالتوقف التام، عندما رفض الشيوعيون منع بناء مطارات جديدة أثناء الهدنة، وعدوا ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية. ثم وقع الخلاف الشديد في شأن تبادل الأسرى؛ فقد رفض وفد الأمم المتحدة مبدأ إجبار الأسرى على العودة إلى أوطانهم، ضد رغبتهم، ورأى أن الأسير له حرية العودة، أو عدمها.

في 17 فبراير 1952، وافق الوفد الشيوعي على إدخال اتفاقية في ميثاق الهدنة المؤقت، تحت اسم "البند الرابع"، نصت على ما يلي: "من أجل ضمان الحل السلمي لمشكلة كوريا، يوصي القواد العسكريون حكومات البلاد المعنية، من الطرفين، بأنه، بعد توقيع اتفاقية الهدنة بثلاثة شهور، وصيرورتها نافذة المفعول، يعقد مؤتمر سياسي، على مستوى عال، من كلا الطرفين، مكون من مندوبين معينين؛ لحل مسائل سحب جميع القوات الأجنبية من كوريا، وحل جميع المشاكل الكورية إلى آخره، عن طريق المفاوضات".

وفي 23 فبراير 1952، وافق الوفد الشيوعي، على السماح لكل طرف بتغيير 35 ألف رجل، شهرياً. وفي 25 مارس، وافق الوفد الشيوعي على أحقية كل طرف في استخدام خمسة موانئ، على الأقل. ورفض تماماً بند الامتناع عن بناء مطارات جديدة، أثناء الهدنة. وجاءت التعليمات إلى الأدميرال جوي بالرضوخ لمطلب الوفد الشيوعي. كان السبب في ذلك أن الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، كان متلهفاً إلى الكسب السياسي، بأي ثمن؛ بسبب انتخابات الرئاسة، وكان حزبه الديمقراطي يتوق إلى التخلص من المشكلة الكورية (حدث في أبريل 1952، أن أعلن عمال الحديد والصلب إضراباً شاملاً، هدد بتوقف إنتاج الصلب في الولايات المتحدة. فاستولى الرئيس هاري ترومان على مصانع الحديد والصلب؛ بهدف استمرار المصانع، في انتاجها، لحين حل المشكلة بين العمال وإدارات المصانع وأذاع بياناً رسمياً: "إذا توقف إنتاج الصلب، فسنضطر إلى إيقاف إنتاج القنابل، التي ترسلها إلى كوريا وهذا سيكون، من جانبي، خيانة للقسم، الذي أقسمته، بتأدية كل ما هو مطلوب لإمداد رجالنا بالسلاح والذخيرة؛ للحفاظ على حياتهم".

ولكن الشعب، بجميع طوائفه تقريباً، رفضوا اعتبار مشكلة كوريا أمراً حيوياً. وقررت المحكمة العليا أن الرئيس ليس له أي حق في الاستيلاء على مصانع الصلب، وهاجمته الصحافة بعنف، ورفض الكونجرس منح ترومان الصلاحية لذلك. وهكذا أعيدت المصانع إلى أصحابها، واستمر الإضراب الشامل 53 يوماً).

ومن ثم، عندما أبرمت الهدنة، أسرع الشيوعيون يبنون عشرين مطاراً جديداً، مزودة بطائرات نفاثة، جاءت سراً إلى كوريا الشمالية. في أبريل عاد الفريق الأول دوايت أيزنهاور Dwight D. Eisenhower، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليخوض حملة انتخابات الرئاسة، ممثلاً للحزب الجمهوري، ضد هاري ترومان. وحل محله، قائداً أعلى لقوات حلف الأطلسي، الفريق الأول ماثيو ريدجواي. وقت تعيين الفريق الأول مارك كلارك Mark W. Clark، قائداً عاماً لقوات الأمم المتحدة. وجاء إلى طوكيو، في 6 مايو 1952، ليتسلم مهامه رسمياً، من ريدجواي، في 12 مايو.

خامساً: محادثات تبادل الأسرى

كانت محادثات تبادل الأسرى قد بدأت، رسمياً، في 11 ديسمبر 1951، وكانت خسائر قوات الأمم المتحدة، في ذلك الوقت، قد بلغت 305 آلاف، بين قتيل وجريح ومفقود وأسير (منهم 192 ألف كوري جنوبي، و104 ألف أمريكي، وتسعة آلاف، من جنسيات أخرى).

واحتدم الخلاف، بين الطرفين، في مسألة إجبار الأسير على العودة إلى بلاده. وكان 60 ألفاً من 132 ألفاً، من أسرى كوريا الشمالية والصين، قد رفضوا العودة إلى أوطانهم. ومن ثم، توقفت المباحثات، ثم استؤنفت في فبراير 1952، بعد أن كانت قوات الأمم المتحدة قد تكبدت خسائر إضافية، بلغت 140 ألفاً (منهم ألف أمريكي، ضمنهم تسعة آلاف قتيل).

ورفع رجال الأمم المتحدة مبدأ "لا إعادة إلى الوطن بالقوة"، وصرح الرئيس الأمريكي هاري ترومان بقوله: "لن نشتري الهدنة بترك آخرين عرضة للذبح". وكان قد ثبت أن 50 ألفاً، من المفقودين، من رجال كوريا الجنوبية، قد أجبرتهم القوات الشمالية على الانضمام إلى جيش كوريا الشمالية. ورفض الوفد الشيوعي المبدأ المذكور، وأصر على ضرورة إجبار الأسرى على العودة إلى أوطانهم الأصلية، ودلل على ذلك بأن معاهدة جنيف نصت على ذلك، في البند 118، الذي ينص على: "يطلق أسرى الحرب، ويعودون إلى أوطانهم، فوراً، بعد توقف العمليات الحربية".

ثم في 17 فبراير 1952، وافق الوفد الشيوعي على إصدار البيان التالي: "إننا نرحب، من قلوبنا، بعودة رجالنا المأسورين، إلى أحضان وطنهم الأصلي. وقد ضمنا، باتفاقية مع الطرف الآخر، أن جميع الأسرى، من طرفنا، بعد إعادتهم لوطنهم، سيلتحقون بعائلاتهم، لمشاركتهم في التعمير السلمي، ويعيشون عيشة هادئة".

سادساً: معسكرات الأسرى

كان الأسرى، جميعهم، قد وضعوا في معسكرات، في جزيرة كوجي ـ دو Koje- do، المقر الرئيسي لمعسكرات الأسرى التابعة للأمم المتحدة. وكانت القوات الشيوعية تصل إليهم، في سهولة. فقد كانت كوجي ـ دو عبارة عن جزيرة، على هيئة صليب، في الطرف الجنوبي من كوريا، على بعد نحو 20 ميلاً، من جنوب غرب بوزان، ولا يزيد طولها عن عشرين ميلاً، وعرضها نحو 12 ميلاً. وهي عبارة عن خليط من التلال الصخرية القاحلة، ولا تصلح إلاّ لمراكز صيد الأسماك، كما يستخدمها الكوريون فعلاً. وفي أوائل الحرب الكورية أصبحت الجزيرة مركزاً لاستقبال ما يقرب من مليون لاجئ، طردهم الغزو الكوري الشمالي إلى بوزان، ثم قررت قيادة الأمم المتحدة، في عام 1951، أن تستعمل كوجي ـ دو سجناً، لآلاف الجنود الذين أسروا في إنشون ـ بوزان. وسجنوا أخيراً، في عدة معسكرات صغيرة في جميع أرجاء كوريا الجنوبية. وفي منتصف عام 1951، عقب القتال في ربيع تلك السنة، كان في كوجي ـ دو 150 ألف رجل، منهم 130 ألف كوري و20 ألف صيني.

كانت كوجي ـ دو تبعد عن كوريا الرئيسية مسافة خمسة أميال فقط، ويشغلها بوغازاً مليئ بقوارب الصيد، ما مكن عملاء الشيوعيين من مراقبة الجزيرة، والاتصال بها. وكانت الأمم المتحدة قد أقامت بها معسكرات ضخمة، تتسع لنحو ستة آلاف أسير، يحرس كل معسكر 25 حارساً فقط. كما أن الأمم المتحدة حظرت استخدام القوة، ضد الأسرى. ومن ثم، لم يكن فيها تفتيش، أو تأكد من وجود الأسرى بتمامهم. وكان الحراس يخشون من الأسرى، ومن المترددين على الجزيرة، ما سهل فرار البعض، أو وصول الشيوعيين إليهم، وتهديدهم. وقد أجرت الأمم المتحدة فرزاً، بين الأسرى، واتضح لها أن نحو 75 ألفاً، من مجموع 132 ألف أسير، قد اختاروا العودة إلى أوطانهم.

وقد شكك الوفد الشيوعي في عملية الفرز هذه، وعرض تيرنر جوي اختيار هيئة محايدة، مثل الصليب الأحمر الدولي. ورفض الوفد الشيوعي ذلك. وأعد إيل نام خطة لاختطاف القائد الأمريكي لمعسكرات الأسرى في كوجي ـ دو.

جدير الذكر أن الشيوعيين، داخل معسكرات الأسرى، نجحوا في تحويلها إلى ثكنات عسكرية مسلحة تحت إشراف العقيد لي، رئيس أركان الفرقة 13 الكورية الشمالية السابق؛ فعندما كلفته قوات الأمم المتحدة بالإشراف على زملائه الأسرى، وتشغيلهم في بناء المعسكرات لهم، عمد إلى خلط الأرز بالأسمنت. فمجرد انكماش حبات الأرز المبتلة المنتفخة يصبح الأسمنت كثير المسام، سهل التفتت؛ تمهيداً لسهولة تحطيم تلك المستعمرات، فيما بعد. ثم، بعد انتهاء العمل، أخفيت المطارق والكماشات والمقصات المعدنية، داخل المعسكرات، وقطعت الأسلاك الشائكة، من حول السور. وحول رجال العقيد لي هذه الأشياء إلى ترسانة من الأسلحة البدائية، وصنعت منها السكاكين الحادة، والسيوف، والفؤوس، والحراب. كما صُنع من شرائط الأسلاك الشائكة مناجل، بعد تركيب أيدي لها، وصُنع من المسامير الصلب، في نعال الأحذية، رؤوساً للحراب. وصنعوا البارود الأسود، من رماد الخشب المحروق، وكانوا يكبسونه، في أواني الطعام؛ لتصبح قنابل يدوية، وكانوا يصبون الجازولين في زجاجات، فتصبح قنابل مولوتوف. وفي الوقت نفسه، كانوا يشقون ممرات سرية، بين الأسلاك الشائكة، أو يحفرون أنفاقاً؛ لوصل المعسكرات ببعضها. ومن داخل المعسكر 6، المركز الرئيسي للضباط الأسرى، بدأ العقيد لي يرتب للاتصال بالجنرال إيل نام، في كوريا الشمالية.

كان نام يأمر بعض رجاله بالاستسلام لقوات الحلفاء؛ لكي يصلوا إلى معسكرات الأسرى في كوجي ـ دو، وينقلوا تعليماته، ويشرفوا على تدريب بقية الأسرى، ورفع معنوياتهم، وإخبارهم أن جيش كوريا الشمالية أصبح مجهزاً، بمعدات حديثة، من الصين والاتحاد السوفيتي. وأن عليهم أن يثبتوا، وينفذوا التعليمات، وسوف يعاملون، معاملة الأبطال، عند انتهاء مدة الأسر. كما صدرت التعليمات، إلى العملاء، بتدوين أسماء الجنود الذين استسلموا بمحض اختيارهم، أو فروا من الجيش، أو تعاونوا مع قوات الأمم المتحدة، ما شكل إرهاباً شديداً لكل من حاول أن يعلن عدم رغبته في العودة إلى بلاده.

أقام العقيد لي هيئة اتصالات، في المستشفى الميداني 64، داخل معسكرات الأسرى، وكان رجال المراسلات يدعون المرض؛ ليدخلوا المستشفى، ويوزعوا التقارير، من عنبر إلى عنبر، شفاهة، أو كتابة. ومن ثم، تنتقل هذه التعليمات والتقارير إلى بقية المعسكرات. وكان أفراد، من الأسرى، ممن يعملون خارج المعسكرات، يحملون التقارير، ويضعونها في أماكن معينة؛ ليأخذها عملاء من القرية، والصيادين، فتنتقل إلى الجنرال نام. أما تعليمات الجنرال نام. فكانت تُرسل، بالاسلكي ، إلى أفراد مدربين مزودين بأجهزة استقبال خفيفة، فيحولونها إلى مذكرات مكتوبة، تسلم إلى العملاء، ومنهم إلى الأسرى.

وفي ديسمبر 1951، كانت درجة التنظيم قد بلغت شأناً كبيراً، إذ عثرت استخبارات الأمم المتحدة على وثيقة، تخص الحزب الشيوعي، داخل كوريا الجنوبية، جاء فيها: "بناء على مصادر وثيقة، فقد تم تنظيم، من 30 ألفاً إلى 60 ألفاً، من جنود كوريا الشمالية، في معسكرات الأسرى، تنظيماً جيداً".

وتضمنت الوثيقة بياناً، من العقيد لي، من جوجي ـ دو، جاء فيه: "نحن، أعضاء الحزب الشيوعي، قد ولدنا من جديد. ومستعدون للتضحية بأرواحنا؛ حتى تنال جمهورية كوريا الشمالية النصر النهائي. ومع احتمالات فشل المفاوضات الجارية، حالياً، فإننا في انتظار أوامر الرئيس كيم إيل سونج، للقيام بالثورة، ومهاجمة القوات الأمريكية والكورية الجنوبية، في كوجي ـ دو، ثم نتحرك للحاق بالعصابات الشيوعية، في جبال شيرو Chi-ro".

وقد ازدادت سلطة العقيد لي، داخل معسكرات الأسرى، وبدأ يمارس حكماً طاغياً؛ فشكل المحاكم السرية. وكان من تثبت إدانته، يُقبض عليه، ويمثل أمام المحكمة، ويداه مربوطتان خلف ظهره، ويضرب بالسياط، ويُتلى عليه قرار الاتهام. ثم يصدر الحكم الفوري، بالإعدام، ويُنفذ، في الحال، بينما يرفع بقية الأسرى أصواتهم، بالأناشيد الشيوعية، لتطغى على صرخات الضحايا. ومن ذلك رجم ثلاثة أسرى، بالحجارة، حتى الموت، في ديسمبر 1951، في معسكر 66، وإعدام آخر في معسكر 85، اتهم بالتآمر لتسلم الحكم في المعسكر. وفي إحدى المرات، عند تغيير نوبة الحراسة، في معسكر 87، تجمع عدد كبير، من الأسرى، وجروا أحدهم، علناً، وهو يرتعد ويصرخ، وهم يصيحون: "انظروا أيها الأمريكيون، واحترسوا، هذا هو ما نفعله بالخونة". ثم قطعوا لسانه، وأخذوا يركلونه إلى أن مات.

وازدادت سلطة العقيد لي، في أوائل 1952، فراح يدرب رجاله، علناً، في داخل معسكره، ورفع العلم الأحمر، فوق مبنى المعسكر. في يناير 1952، جاء العميد باك سانج هيون، رئيس اللجنة السياسية، في كوريا الشمالية، وأحد الضباط الـ 36، الذين أرسلهم ستالين، إلى بيونج يانج؛ لتأسيس دولة كوريا الشمالية. جاء متنكراً، في زي جندي مراسلة، ملتح، وبعد أن سُلم إلى المعسكر 76، أزال لحيته وكشف عن شخصيته، وتسلم القيادة من العقيد لي، وأصبح المعسكر 76 هو مركز القيادة الشيوعية، وتم تقسيمه إلى أربعة:

1. قسم للسياسة وشؤون الأمن، أعضاؤه من جميع المعسكرات، في كوجي ـ دو، ومهمتهم البحث عن الجواسيس والعملاء.

2. قسم الاتصالات الخارجية، أعضاؤه من ذوي الخبرة في حروب العصابات، في الصين وكوريا. ومهمتهم، عندما يحين الوقت المناسب، القيام بثورة، ومساعدة الوحدات الأساسية المقاتلة، للخروج من المعسكر، واحتلال مراكز الحراسة، في هجوم مفاجئ. ثم إطلاق إشارات نارية، من التلال، ومهاجمة مخازن السلاح والذخيرة، التابعة لقوات الأمم المتحدة، والاستيلاء على ما يمكن منها، ثم إحراقها. وبعد الخروج من المعسكر، ينشؤون قاعدة للحزب، ويحرقون مقر قيادة المعسكر، ومخازن النفط والطعام، ومناطق التموين الأخرى، ثم يدمرون طرق النقل، ثم يدخلون إلى كوريا الشمالية، قبل الفجر.

3. قسم الحرس، ومهمته منع هروب الأسرى، من غير الشيوعيين.

4. الدعاية والإثارة، ومهمته إثارة الشغب، والأعمال التي تخدم الجنرال نام إيل، في مباحثاته، في بانمونجوم.

في 18 فبراير 1952، حاولت كتيبة، من الفوج 27 "وولف هاوند"، أن تستولى على المعسكر 62، بعد ورود أخبار تفيد وجود تمرد فيه. ولدى دخولها المعسكر، تجمع الأسرى الشيوعيون وهاجموا أفراده، بالحراب، والسكاكين، والمناجل، والقنابل اليدوية. وأطلق أفراد الكتيبة النار. وأسفر الحادث عن قتيل أمريكي، و29 جريحاً، و75 قتيلاً و139 جريحاً من الأسرى. واستغل الجنرال نام، هذا الحادث، في حملة دعاية شديدة ضد قوات الأمم المتحدة واتهامها بالوحشية والإرهاب، وأنها السبب في رفض كثير من الأسرى، العودة إلى أوطانهم الأصلية. وقال: "ها قد ظهرت أساليبكم الإجرامية، وأنكم زيفتم رغبات أسرانا، وإن آلافاً، منهم، يفضلون الموت على الرضوخ لكم. ولكي تخفوا هذه الحقائق، اخترعتم أسطورة أن أسرانا لا يرغبون في العودة، إلى وطنهم".