إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

المبحث السابع عشر

النتائج والدروس المستفادة

أولاً: النتائج

1. الخسائر البشرية

كانت خسائر الجانبين فادحة. وقد قدرت خسائر قوات الأمم المتحدة بـ 52 ألف رجل، أغلبهم من قوات كوريا الجنوبية، وخسائر القوات الشيوعية بـ 108 آلاف رجل.

وفي تقدير آخر، صادر من تقارير استخبارات الجيش الثامن الأمريكي، كانت الخسائر البشرية في العسكريين، (أُنظر جدول الخسائر البشرية في العسكريين)

2. الخسائر المادية

أ. بلغ إجمالي نفقات الحرب الكورية من الموارد المالية للولايات المتحدة الأمريكية 67 بليون دولار

ب. دمرت كل أنحاء الكوريتين الشمالية والجنوبية.

ج. دمرت في كوريا الجنوبية ممتلكات قيمتها بليون من الدولارات. (وقاست سيول، وحدها، خراباً هائلاً، يُعجز الوصف).

د. قتل مليون مدني في كوريا الجنوبية. وتشريد نحو أربعة ملايين كوري جنوبي.

هـ. لا توجد إحصاءات عن خسائر كوريا الشمالية من المدنيين، ولا من الممتلكات.

3. الفشل في إقرار السلام أو توحيد كوريا

لم يشعر كلا المعسكرين، عقب اتفاق الهدنة، بالابتهاج؛ فلم يكن هناك نصر ولا هزيمة واضحة، لأي من الجانبين. ولم يكد العالم يتنفس الصعداء، عقب انتهاء الصراع المسلح في كوريا، حتى فتحت جبهة جديدة في الحرب بين الغرب والشيوعيين، في الهند الصينية، بعد أربعة أشهر فقط من إيقاف إطلاق النار، في كوريا.

وفي 27 يوليه 1953، يوم توقيع الهدنة، أصدر حلفاء الأمم المتحدة الستة عشر، الذين اشتركوا في الحرب، بياناً مشتركاً، أذيع بعد أسبوعين، جاء فيه:

"إننا نؤكد، لصالح السلام العالمي، أنه، إذا تجدد الهجوم المسلح، إخلالاً بمبادئ الأمم المتحدة، فعلينا أن نتحد، ثانياً؛ لنقاوم في الحال. وستكون نتائج خرق الهدنة خطيرة جداً، لدرجة أنه يحتمل ألا يقتصر الرد، والعدوان، على داخل حدود كوريا وحدها".

وبعد ذلك بشهر واحد، أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً بقصر الاشتراك، في المؤتمر السياسي على الست عشرة دولة، وكوريا الجنوبية، طرف أول. والاتحاد السوفيتي، والصين الشيوعية وكوريا الشمالية طرف ثان، واستبعدت الدول المحايدة.

وفي يناير ـ فبراير 1954، أيد وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي، هذا القرار، في اجتماعهم في برلين. كما اتفقوا على أن حل المشكلة الكورية، وكذلك الحرب في الهند الصينية، سينظر في المؤتمر المقرر عقده، في جنيف، بسويسرا في 26 أبريل 1954. ولكن مؤتمر جنيف، الذي عقد بهدف رسم مخطط للسلام، لم يقرر شيئاً، بخصوص كوريا، كما توقع الرئيس سينجمان ري. كما أن الشيوعيين، تحت زعامة شو إن لاي، بالصين الشعبية، لم يقبلوا أي قرار يعطي الأمم المتحدة أي سلطة، في كوريا، أو إجراء أي انتخابات حرة؛ لتوحيد شبه الجزيرة المنكوب.

وقد أبلغ حلفاء الأمم المتحدة الستة عشر هذه الحقيقة للأمم المتحدة. وفي 11 ديسمبر 1954، أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قراراً بأن هدفها لا يزال الحصول، بالوسائل السلمية، على كوريا موحدة مستقلة ديموقراطية، في ظل حكومة نيابية، وإعادة السلام الداخلي الكامل والأمن في تلك البلاد". ومن ثم، كان المراقبون السياسيون، والنقاد، يقولون متسائلين:

"لم يكن ثمة أمل، ولم يوجد مؤتمر سياسي مطلقاً. وهناك شك في أن أي زعيم، من زعماء الست عشرة دولة، من حلفاء الأمم المتحدة، وكذلك الزعماء الشيوعيين، كان يتوقع، جدياً، أن المؤتمر سيعقد، أو أنه سيسفر عن أي نتيجة، إذا انعقد. كيف يمكن توحيد كوريا سلمياً؟ بالانتخابات مثلاً؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الانتخابات ستكون تحت إشراف الشيوعيين، وتكون النتيجة أن تصبح كوريا شيوعية ! وهو ما لا تقبله الأمم المتحدة. وإذا تولت الأمم المتحدة إجراء الانتخابات، فستكون النتيجة كوريا الديموقراطية ! وهو ما لا يقبله الشيوعيون، فماذا إذاً؟ لا شيء. وسيستمر المأزق الحربي، وتستمر كوريا مقسمة".

كذلك، خرق شيوعيو كوريا الشمالية شروط الهدنة؛ فأعادوا بناء قواتهم، حتى أصبح لديهم، في كوريا، أسطول، وقوات جوية، وجيش يبلغ نحو مليون ونصف مليون رجل. وأما احتجاجات الأمم المتحدة، على هذا الخرق، فقد كان يرفضها، دائماً، الأعضاء البولنديون والتشيكيون، في لجنة المراقبة الدولية المحايدة، بعد أن أصبح عددهم 61 عضواً، من 7 فبراير 1955.

أما القوات الكورية الجنوبية، على بعد ميلين ونصف من المنطقة المنزوعة السلاح، فقد بلغت نصف مليون رجل، مدعومة بفرقتين من الجيش الأمريكي، وأصبحت أقوى تسليحاً، وخطها الدفاعي أقوى. أما القوات الأمريكية الجوية والبحرية، فقد تضاءلت، ثم اختفت.

وهكذا، فإن محاولة كوريا الشمالية، بتحريض من ستالين، لتوحيد كوريا، أحبطتها قوات الأمم المتحدة، وفي المقابل، فإن محاولة قوات الأمم المتحدة لتوحيد كوريا، بالقوة، أوقفها تدخل الصين الشعبية. ومحاولة الصين الشعبية أوقفتها قوات الأمم المتحدة.

4. تطور القوات الصينية، وتعميق العلاقات بينها وبين كوريا الشمالية

من النتائج أن جيش المتطوعين الصينيين لم يعد، كما كان، حشوداً مفككة من المشاة الفلاحين، بل أصبح قوة ضاربة، وجيشاً حديثاً. وقد ارتفعت قيمة الصين الشعبية في نظر العالم، بعد انتصارها في الحرب الكورية. ولم ينس الغربيون مشهد الجيوش الغربية ثقيلة التسليح والعتاد، وهي تفر لا تلوي على شيء أمام المارشال بنج تيه هواي وقواته. وأدى ذلك إلى ظهور جيل من العسكريين الغربيين يؤمن بأن الجنود الآسيويين يمكنهم منازلة الجنود الغربيين في ميدان المعركة، ويمكنهم أن يكونوا أنداداً أكفاء لهم.

وكانت الخسارة الأساسية، التي تعرضت لها بكين، هي منعها من ضم فورموزا (تايوان) إليها، حتى يومنا هذا.

ظلت الصين تفخر بأدائها في الحرب الكورية، وظلت تعرض في متحف بكين العسكري Peking Military Museum، غنائمها من المدافع البريطانية والأمريكية، والخوذات وبقايا الطائرات الأمريكية.

كذلك أصبحت كوريا الشمالية دولة مرتبطة بالصين الشيوعية، ومدللة لديها، ولم يعد ولاؤها للسوفيت، كما كان قبل الحرب. وقد ظهر هذا التحول في الأزمة الشديدة، التي هددت بقطع العلاقات، في المؤتمر السادس والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، في موسكو، في أكتوبر 1961.

وعندما ندد الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف بالحزب الشيوعي، في ألبانيا؛ لمعارضته سياسته الخاصة بالتعايش السلمي، المؤسسة على ضرورة هزيمة الغرب، اقتصادياً، قبل هزيمته عسكرياً، فإن ثلاثة من زعماء الشيوعية الموجودين رفضوا أن يؤيدوه، وهم كيم إيل سونج، رئيس كوريا الشمالية، وشو إن لاي من الصين الشيوعية، وهو شي منه من دولة فيتنام الشمالية.

5. تقدم صناعة الأسلحة، التي انتهت بصنع القنبلة النووية، فقد سعى الاتحاد السوفيتي إلى امتلاك السلاح النووي، وبالفعل، أجرى عدة تجارب قذائف نووية هائلة، في الجو، عام 1959. ونجحت الصين الشعبية، بعد ذلك، في حيازة بعض أسلحة نووية، وتلاها غيرها من الدول، خاصة الهند. وكان معنى امتلاك دول أخرى، سوى الولايات المتحدة الأمريكية، للسلاح النووي، هو استبعاد نشوب حرب عالمية ثالثة، والاكتفاء بالصراعات المحلية.

6. تسابق المعسكرين الغربي، والشرقي، في محاولة الحصول على ولاء الدول الصغيرة.

7. بقرار مجلس الأمن في 29 يونيه 1950 تشكيل قوات أمم متحدة وتعيين قائد أمريكي لها، فقد كانت هذه هي أول مرة تلجأ فيها الأمم المتحدة إلى استخدام قوة السلاح لصد عدوان على بلد ما، وحفظ السلام فيها.

8. اشتعال الحرب الاقتصادية بين المعسكرين.

9. إصابة الحلفاء الغربيين باليأس، وخيبة الأمل، من أن تحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها زعيمة العالم الرأسمالي، قد سبب لهم أي مكاسب، ويئسوا من تخليص أنفسهم من هذه الورطة التي كان لها تكلفتها الفادحة اقتصادياً وعسكرياً. وبينما أثبت الشيوعيون أن المبرر البسيط جداً، وهو الاستفزاز بالعدوان، يمكن أن يحرك الغرب في أي وقت.

10. إصابة المجتمع الأمريكي بالإحباط والخيبة، ونظرة أفراده إلى الجنود العائدين من كوريا في استهانة وعدم تقدير، ونظرته إلى هذه الحرب على أنها حرب خاسرة، مشينة. وعلى الرغم من أنها بدأت بهدف، يبدو نبيلاً، إلا أنها انتهت بين الأوحال والدماء والخذلان. رأت إحدى النساء ضابطاً من جيرانها، بعد أن عاد من كوريا، فقالت له: "أخيراً أُعتقت من القيود". وعاد كثير من الأسرى ليجدوا أن ذويهم قد أشاعوا أنهم فقدوا حياتهم في كوريا.

مع ذلك، اقتنع الآلاف من العسكريين الأمريكيين بمبررات الحرب في كوريا. وقال الرائد إد سيموندس ED SIMMONDS من فيلق مشاة البحرية الأمريكية: "لقد كانت الحرب الكورية أمراً في غاية الأهمية، إنها أعادت إحياء حلف الناتو، وسببت إسقاط تقليد تسريح الأفراد في نهاية الحروب. وأسرعت بتعميق الفصل بين الصين والسوفيت، وأنقذت فورموزا. وأسهمت جدياً في نمو اليابان؛ فقد خرجت غنية من كوريا، بل أكثر غنى من فيتنام. وحفظت الفيليبيين فترة من الزمن".

واعتقد كثير منهم، كذلك، أن هاري ترومان قد ارتكب خطأ فادحاً بعدم سماحه لماك آرثر بقصف جسور نهر يالو، أو قصف حشود الصينيين، في داخل الصين نفسها. وأن ذلك كان هو السبب في انتصار الصين وروسيا، بعد ذلك، في فيتنام. كذلك كان كثير من أفراد المجتمع الأمريكي لا يفهمون طبيعة هذه الحرب، ولا يجدون مبرراً للتورط فيها، باستثناء أن الشيوعيين يريدون الاستيلاء على كوريا الجنوبية. ورأوا أنه لا فرق بين الكوريين الشماليين والكوريين الجنوبيين. وأن الحرب إنما تمت لصالح الشركات الأمريكية العملاقة. بل كان كثير من الأفراد، أثناء القتال، لا يفهم الدوافع والمبررات. وقد نقل "فيليب دين" المراسل العسكري البريطاني، الذي وقع في الأسر، في طريقه إلى بوزان، عن أحد جنود المشاة الأمريكيين، من الفِرقة نفسها، قوله: "متى أعود مرة ثانية إلى ساسيبو، حيث أملك سيارة فورد رائعة، وفيللا يابانية صغيرة جميلة، تعيش معي فيها صديقتي اليابانية، الفاتنة".

كما نقل عن أحد أفراد هيئة القيادة قوله: "إنني لا أفهم هذا. لقد أخبرونا أنها مجرد عملة بوليسية بسيطة جداً، للقبض على بعض الرعاع واللصوص!، إنني لا أفهم ما هي الشيوعية، ولا أعرف لماذا نحن هنا".

وقال مصدر إعلامي مسؤول، في المراحل الأولى من القتال، وهو العقيد روي إيلمان: "لقد ضحى أفراد كثيرون من الفِرقة الرابعة والعشرين بأرواحهم، ولكن لا بد من إدراك حقيقة واضحة؛ هي أن هذه الفِرقة لم تكن مدربة، ولا مستعدة للقتال؛ فإن أغلب المجندين فيها من الشباب غير الجاد، غير الراغب في الجندية، ولا يدري شيئاً عن الواجبات القتالية، وليس لديه أي آداب في التحدث إلى قادته ومرؤوسيه، يناديهم بأسمائهم الأولى، من دون أدنى احترام لأقدميتهم".

وهذا الرأي هو ما صرح به العقيد ريتشارد ستيفنز، قائد الفِرقة الرابعة والعشرين نفسه، بقوله: "لم يكن لدى الضباط، ولا الجنود، أي رغبة أو ميل في قتال، خاصة إذا كان بهذا العنف؛ فقد كان القتال مريراً ضاعت فيه أرواح كثيرة، ولم نستطع أن نلمس فيه فائدة تذكر.

خلاصة الأمر، أن كثيراً من الأمريكيين تخيلوا أنها مجرد نزهة، وليست حرباً. ولم يقبل أحد من كتابهم ومحلليهم، بل ورجل الشارع منهم، أن يسميها حرباً، بل إن كثيرين منهم أطلقوا عليها اسم "حماقة ترومان". ولعل أبرزهم كان السيناتور تافت، أقوى أعضاء الكونجرس الأمريكي، الذي أصر على استخدام عبارات "العمليات البوليسية" أو "النزاع"، و"إننا لسنا في حرب". كذلك وصفها المؤرخون العسكريون بأنها، "النزاع في كوريا".

لقد كانت الأيام الأولى من الحرب بالنسبة لأفراد الفِرقة 24 دامية ومهينة، عندما حاولوا التقهقر على الطريق؛ إذ تعرضوا لوابل كثيف من النيران، من كل جوانب الهضاب المحيطة بهم، فانسحبوا مرهقين، وقد امتقع لونهم وتهلهلت ثيابهم، في الأوحال، التي أعاقت تحرك العربات التي قلت سرعتها أو توقفت تماماً في بعض الأحيان. وكان كلما تعرض هؤلاء الجنود للنيران، وهم بلا حراك، وسط حقول الأرز، أو غارقين في الأوحال، لم يكن أمامهم سوى انتزاع أقدامهم من أحذيتهم؛ ليزحفوا أملاً في سرعة الفرار، على الأقل هرباً من شدة الأمطار التي كانت تتساقط بغزارة، وتستمر ثلاثة أو أربعة أيام من دون توقف. ولم ينج فرد واحد من البلل، كما أصاب الصدأ والعطب كل المركبات والمعدات، حتى التي كانت مغطاة منها.

كذلك كانت الحرارة الشديدة، في جو كوريا، مع كثرة الذباب والقمل والبراغيث قد أرهقت الأمريكيين، علاوة على الروائح الكريهة، التي فاحت من الأرض، والتي جعلت استنشاق الهواء أمراً ثقيلاً. وزاد الطين بلة وجود أفواج الضالين والمشردين، وشغلهم للطرق خلف مؤخرة القوات، حفاة جرحى تنزف دماؤهم، ويفتك الجوع بأمعائهم.

وقد كرر الأمريكيون خطأهم هذا في فيتنام، بعد ذلك. يقول العقيد آل بوسر Al Bowser، من مشاة البحرية الأمريكية: "لقد كررنا جميع أخطائنا في كوريا، مرة أخرى في فيتنام. ولا أدري لماذا؟. لطالما كنت أسأل زميلي، ونحن في فيتنام: "ماذا تفعل؟ بحق الله، بكل هذه الدبابات في حقول الأرز؟ ولم أتلق جواباً معقولاً". ويقول العقيد جون ميخائيليس، من الفوج 27 مشاة أمريكية، إن الجيش الأمريكي فشل في تعلم الدروس من كوريا؛ لأن قادته تعمدوا محاولة نسيان ما حدث لهم. ومن ثم فإننا لم نتعلم من أخطائنا. من التاريخ، ولا من الحرب الأهلية، ولا من الحرب العالمية الأولى. إن الجيش الأمريكي ما يزال مصراً على عدم قبول بديهية بسيطة، هي أن أداءه في كوريا كان سيئاً".

أما العسكريون، لا سيما جيل ضباط مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسهم ماك آرثر، أنه كان لا بد من هزيمة الصينيين، ولو باستخدام القنبلة النووية؛ فالولايات المتحدة زعيمة المعسكر الرأسمالي، وأقوى قوة في الأرض، ولا بد أن تنتصر بأي ثمن، مهما كان.

11. إذا كانت دول الأمم المتحدة قد فشلت في مهمة توحيد كوريا، فإنه تولد اقتناع لديهم أن تجربة التورط في كوريا ينبغي ألا تتكرر مرة أخرى. بل ينبغي أن تمنح الأمم المتحدة تفويض دولي لتنفيذ المهام السياسية وحفظ السلام حول العالم. ولم يعد مقبولاً مرة ثانية أن يمنح مثل هذا التفويض لتدخل عسكري لموجهة أهداف أيديولوجية أو سياسية.

وإذا كانت الدول الغربية الرأسمالية المتحالفة مع الولايات المتحدة في الحرب الكورية، قد أصابها اليأس وخيبة الأمل في مزايا النظام الذي تورطوا في الدفاع عنه، قد واصلت عملياتها، وحماية قواتها، لاسيما لواء الكومنولث؛ فما كان ذلك إلا لأن انسحابها كان سيسبب خسائر فادحة، ويقضي على صلابة تحالفها ضد الشيوعية. وقد تسبب ذلك، بالفعل، في ركود اقتصادي شديد في بريطانيا، في مقابل ازدهار في أمريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى ذلك إلى دخول بريطانيا في أزمة تمويل خانقة. ومن ثم، بمجرد انتهاء الحرب الكورية، لم تظهر أيٌ من الدول، التي شاركت الولايات المتحدة الأمريكية، أي حماسة للمشاركة في أعمال عسكرية ضد الشيوعية. وبعد نحو عقد من الحرب الكورية، عندما طلب الرئيس الأمريكي، لندون جونسون، من رئيس وزراء بريطانيا، هارولد ويسلون Harold Wilson، المشاركة الرمزية في فيتنام، فإنه لم يتلق أي رد. وقد اضطرت الولايات المتحدة إلى اللجوء إلى حلفائها في الباسيفيك وآسيا لدعمها عسكرياً. ولعل تحالف الدول الغربية مع الولايات المتحدة الأمريكية كان سببه رد الجميل للولايات المتحدة لدورها العسكري البارز في الحرب العالمية الثانية، ومساعداتها الاقتصادية فيما بعدها، والخوف من القوة المتنامية السوفيتية وتهديدها.

أما الأمم المتحدة، فقد اتسع حجمها بعد الحرب الكورية، وأخذت دول العالم تنضم إليها. وكثير من أعضائها الجدد كانوا يشكون في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، ولا يؤيدونها.

12. استفاد الصينيون من الدروس العسكرية التي تلقنوها في كوريا، أكثر مما استفاد منها دول الأمم المتحدة. لقد ثبت أن اقتناع ماو تسي تونج أن أي صراع يمكن إدارته اعتماداً على معطيات ومبادئ حرب العصابات، كان خطأ محضاً. لقد أثبتت تكتيكات حرب العصابات كفاءتها البالغة في أول حملة شتاء عام 1950، حيث حققت عنصري المفاجأة والسرعة، وأنزلت خسائر فادحة في قوات الأمم المتحدة، وأذهلت ماك آرثر.

لكن، إزاء عنف الهجوم الجوي الأمريكي، وارتفاع حجم الخسائر في الأفراد والمعدات، لجأ ماو تسي تونج إلى تكتيك الدفع بالموجات البشرية، واستمر هذا التكتيك إلى نهاية العمليات، مع الاستعداد لتقبل ارتفاع حجم الخسائر في الأفراد. وقد أثبت الصينيون مهارة ملحوظة وكفاءة عالية في التعامل مع الحرب الموضعية Positional War، على الرغم من مواردهم المحدودة.

ولما رأى القادة الصينيون أن فلسفة الهجوم بالحشود الضخمة تكلف خسائر فادحة، بذل بنج تي هواي جهده، ونجح في إقناع رفاقه في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بضرورة تطوير نظم الاتصالات في جيوشهم، وضرورة اعتماد نظام التجنيد الإجباري، من واقع السجلات، وتكوين فيلق يقوده ضباط، لديهم خبرة سياسية فائقة، ومدربين جيداً، ومختارين بعناية فائقة؛ للحفاظ على مستقبل القوات المسلحة.

ولكن ماو تسي تونج وحده ظل غير مقتنع بهذا، ودخل في جدال عنيف مع بنج ـ تي هواي، في شأن أهمية وجود ضباط سياسيين، شكلوا في المراحل الأولى من الحرب الكورية عشرة بالمائة من قيادة كل تشكيل، نزولاً إلى مستوى الوحدة. وكان رأي ماو أن تطوير تسليح جيش التحرير الشعبي PLA الصيني، وتنظيمه مثل أي جيش آخر، سيستلزم بالضرورة الاعتماد على أسلحة ومعدات سوفيتية، إلى حد لا يمكن تحمله أو الرضا به.

13. كذلك خرج الجنود الصينيون من تجربتهم في كوريا، وقد استوعبوا درساً أساسياً حيوياً، فيما يتعلق بالصراعات الآسيوية في المستقبل، وهو أنهم يجب ألا يواجهوا قط جيشاً غربياً ثم يتعاملوا معه بأسلوبه هو. بل عليهم السعي إلى القتال، عندما تصل موارده الغربية وتكنولوجيته إلى أدنى حد لها. وأن بإمكانهم استغلال أكبر نقطة ضعف في الغرب، وهي: الرأي العام الحر، في ظل الديمقراطية، الذي لا يواصل تأييده ودعمه لرجال دولته، ما لم يجد مبررات واضحة، ونتائج إيجابية ملموسة، وفي وقت قصير، ولا يصبر على استمرار أي عمليات عسكرية، زمناً طويلاً، بأي حال من الأحوال. ولذا كان المواطن الغربي بعامة، والأمريكي بخاصة، يتململ ضجراً من إطالة أمد هذه الحرب.

وقد استوعب الشيوعيون ذلك المعنى جيداً، وحرصوا على ألا يعطوا الغرب أي فرصة، بعد ذلك، لإيجاد مبرر مقنع أمام الرأي العام لديه، كما حرصوا على إطالة زمن أي عمليات مواجهة، إدراكاً منهم أن الوقت كلما طال، فلن يكون أبداً في صالح الغرب.

ولقد استفاد السوفيت من الأحداث، وعندما تملكوا السلاح النووي، أصبح دخول المعسكر الغربي في حرب معهم، مخاطرة رهيبة تنذر بخسائر لا تحتمل وقد فرض الشيوعيون أسلوبهم في الحرب، بعد ذلك، في فيتنام، وجعلوا الولايات المتحدة في غاية الحذر والتردد في نشر قواتها، في الهند الصينية، ما جعل البعض يصف ذلك بأنها دخلت الحرب "وإحدى يديها مقيدة، والأخرى خلف ظهرها".

14. كشفت الحرب الكورية فقدان الثقة بين أكبر قوتين شيوعيتين؛ فقد حرص السوفيت على إمداد الكوريين الشماليين والصينيين بالمؤن والعتاد، والطيارين. ولكن إذا لم يتدخل الصينيون في شتاء 1950، فقد كان من المشكوك فيه أن يتدخل السوفيت، حتى لو أقام الأمريكيون معسكراتهم على نهر يالو.

لقد تخوف السوفيت من التهديد الأمريكي باستخدام السلاح النووي، ولم يريدوا مواجهة الأمريكيين على الحدود. وبدأ حماسهم يخبو وإمداداتهم لماو تسي يونج تتناقص إلى درجة كبيرة، حتى خريف 1951، عندما بدأت إمداداتهم العسكرية تتزايد بدرجة ضخمة، ولكن مع مطالبة الصين بدفع ثمنها فوراً. ظل الشك، وعدم الثقة، يسود في علاقة الدولتين، من ذلك الوقت فصاعدا.

15. قبل غزو كوريا الشمالية، وعلى الرغم من تمركز قوات أمريكية في كوريا الجنوبية، إلا أن الأمريكيين تعاملوا مع الكوريين الجنوبيين بكل عجرفة وتسلط، مثلما فعلوا بعد ذلك مع الفيتناميين. ولم تحظ كوريا بأي اهتمام من الأمريكيين إلا حين وقع الغزو. ومن ثم ظلت كوريا الجنوبية ضعيفة، ولا خبرة لها بالقتال. وبالفعل، خرج معظم الكوريون الجنوبيون من الحرب وهم يشعرون بالإهانة، ويتنفسون الصعداء لنجاتهم. فلو تخلت عنهم قوات الأمم المتحدة قبل محادثات الهدنة، وتركت نظام سينجمان ري على ما هو عليه، لسقطت بلادهم وتهاوت، سواء لقيت كوريا الشمالية دعماً عسكرياً من الصين، أو لم تلق، مثلها في ذلك مثل فيتنام فيما بعد.

ومن حسن حظهم أن الدول الغربية، بين 1950 ـ 1953 كانت في ذروة حماستها لشن هجمات عبر البحار، لمقاومة الشيوعية، وكان لديها احتياطي كاف لتأجيج هذه الحماسة. وقد بذلت كوريا الجنوبية جهوداً هائلة، في العقد التالي للحرب، فحققت نهضة صناعية مدهشة. وأصبحت من أكبر القوى الاقتصادية الصناعية في أوروبا. ولكنها ظلت دائماً عرضة لتهديد كوريا الشمالية.

16. تسبب فشل الولايات المتحدة الأمريكية، في كسب الحرب الكورية، في إزعاج كبار القادة الأمريكيين بشدة (لا سيما ترومان وأتشيسون ومارشال وماك آرثر، وريد جواي، وبرادلي)، ما جعلهم يبذلون قصارى جهدهم، في العقدين التاليين، للثأر من الصين الشعبية، التي حرمتهم النصر. وتسببت في خسارة حرب كلفت الأمم المتحدة خسائر فادحة، على مدى ثلاث سنوات، فقد خسرت بريطانيا وحدها ثلاثة أضعاف ما خسرته، بعد ذلك، في حرب فوكلاند. ومن ثم، ركزت الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً من اهتمامها وقوتها ضد بلد، لم تكن تمثل لها خطراً فعلياً، وكانت أهدافها، في الشرق الأقصى، تماثل أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السلام، والتجارة، وإبعاد نفوذ الاتحاد السوفيتي. وحاول القادة الأمريكيون أن يصوروا، للشعب الأمريكي، أنهم نجحوا في إيقاف المد الشيوعي. ولكنهم، في قرارة أنفسهم، كانوا يشعرون بالمرارة الشديدة، وبالغيظ؛ لأن عامين مضيا، دون أن يحققوا شيئاً، بعد تضحيات وخسائر فادحة. لقد كان نجاح الصينيين في القضاء على قوة واجب سميث، وعملية بوزان، وعملية انشون، والأحداث المتعاقبة في الحرب، ومن بينها نجاحهم في صد اللواء 27 البريطاني، وإنزال هزيمة مرة به في إيمجين، في إبريل 1951، أحداثاً لها دلالتها المرة القاسية. ولأن الصينيين، بأسلحة متواضعة للغاية، ونظام هش جداً من الإسناد اللوجستي، قد صدوا الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى قوة، على وجه الأرض، مزودة بأحدث التكنولوجيا، والأسلحة المتطورة. ولقد عبر عمر برادلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، عن ذلك بقوله: إن الصراع مع الصين كان "الحرب الخاطئة ضد عدو خطأ"؛ لأن العدو الأساسي هو الاتحاد السوفيتي، وليس الصين. لقد اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية تناصب الصين الشعبية العداء السافر، على أصعدة مختلفة، ومن ذلك:

أ. فرض قرارات تحظر التجارة مع الصين الشعبية، في محاولة لحصارها اقتصادياً، بهدف إعاقة مسيرة التنمية الصناعية الحديثة، فيها. وهي قرارات أشد، بكثير، مما فرض تجاه الاتحاد السوفيتي. وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على دول كثيرة لتتبنى قرارات حظر مشابهة، ونجحت بالفعل، زمناً. ولما خففت هذه الدول من إجراءاتها، ضد الصين، في الستينيات، واصلت الولايات المتحدة فرضها، نحو عقدين من الزمان.

ب. صدور قرار مجلس الأمن القومي، في 5 نوفمبر 1953، بعد أقل من أربعة أشهر، من انهاء الحرب الكورية، يتبنى السياسة الأمريكية الرسمية لتدمير النظام الشيوعي الصيني. وهو ما لم يفعله إزاء الاتحاد السوفيتي قط. ولإسباغ المشروعية على هذا القرار، كان على الولايات المتحدة أن تظهر الصين الشعبية، في صورة المعتدي، دائماً. وأن عدوانها تمثل في:

(1) التدخل في كوريا

(2) عزم بكين على ضم تايوان

(3) دعم الصين للثورة الفيتنامية، التي بدأت في 1946، ضد الفرنسيين.

وقد بينت الصين أنها ليست معادية، بحال، للولايات المتحدة الأمريكية؛ فتدخلها في كوريا كان دفاعياً بحتاً للمحافظة على الدرع التاريخية التي تحمي قلب أرض الصين، حول بكين. أما عزمها على ضم تايوان، فهي مسألة داخلية، ولا ريب أن تايوان جزء من الصين، أقر بذلك شانج كاي شيك نفسه. أما دعم الثورة الفيتنامية، فكان دفاعاً وتصدياً للتهديد الأمريكي بالتدخل في فيتنام؛ لتدمير الشيوعيين، وإنشاء دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، على حدود الصين الجنوبية. فضلاً عن أن هذا الدعم الصيني، إذا قورن بالدعم الأمريكي للمتمردين في الهند الصينية، فإنه يعد متواضعاً، وداخلاً في إطار الدفاع عن النفس. ودأب القادة الأمريكيون، دائماً، على افتراض سوء النية، في كل تصرف، تأتي به الصين، في جنوب شرق آسيا. وكان مبدأ أيزنهاور، ووزير خارجيته فوستر دلاس، أن الشيوعيين، إذا ما حصلوا على أي جزء من الهند الصينية، فسوف يواصلون عدوانهم، ضد بقية شعوب المنطقة، ومن ثم، لم تعتمد الولايات المتحدة سوى الحل العسكري للأزمة في هذه المنطقة.

وقد تجلى الموقف العدائي السافر، من الولايات المتحدة الأمريكية، إزاء الصين، في مسألة تايوان. فقبل انتهاء الحرب الكورية، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة استشارية عسكرية، إلى تايوان؛ للمساعدة في إعادة بناء القوات الصينية الوطنية. ثم واصلت الولايات المتحدة، عقب الحرب، دوريات أسطولها السابع، في تايوان؛ بهدف منع أي محاولة، من جانب الصين الشعبية، لاستعادة الجزيرة. وقد قررت الولايات المتحدة حماية شانج كاي شيك ورجاله فأعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي، في نوفمبر 1953، أن تايوان ضرورية لحماية الوضع الدفاعي للولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأقصى، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحمي هذه الجزيرة، وتحافظ على استقلالها بعيداً عن الشيوعية". وأعطت الولايات المتحدة، لنفسها، حق مواصلة حصار الصين الشعبية، وحرمانها من عضوية مجلس الأمن، وقصرتها على تايوان، وأنكرت الاعتراف الدبلوماسي بالصين الشعبية.

وقد تمادت الولايات المتحدة، في هذا الاتجاه، وظنت أن بإمكانها مساعدة شانج كاي شيك، لحرب الصين الشعبية والاستيلاء عليها، وأصبح هذا مبدأ، واتجاهاً، نتج عنه قرار الرئيس أيزنهاور، في 1953، عشية انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بالدعم الكامل المفتوح لشانج كاي شيك ورجاله، في مهاجمة أهداف حيوية داخل أراضي الصين الشعبية. ولكن سرعان ما تلاشى هذا المبدأ؛ لأن قوات شانج كاي شيك كانت أضعف من أن تقوم بهذا. بل وتلاشى هذا الاتجاه كله، عندما تحركت قوات صينية شعبية، في مايو 1954، واحتلت عدة جزر صغيرة، كانت خاضعة لتايوان، وأهمها جزيرة جينمين Jinmen (الشهيرة بـ كويموي Quemoy) عند ميناء شيامين Xiamen، وجزيرة ماتسو Matsu، على بعد عشرين ميلاً منها، قبالة ميناء فوزهو Fuzhou.

ولم تنجح الحاميات، التي رصدها شانج كاي شيك، في صد القوات الصينية، فلاذت بالفرار. ولولا أن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت قطعاً من الأسطول السابع إلى المنطقة، لأكملت الصين الشعبية احتلالها باقي الجزر. وأعلن أيزنهاور أنه لا مصلحة في نشوب حرب، في المنطقة المذكورة، قد تسبب مواجهة نووية مع الاتحاد السوفيتي.

في يناير 1955، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حمايتها لتايوان، وفوَّض الكونجرس الأمريكي الرئيس أيزينهاور في استخدام القوات العسكرية للدفاع عنها. ثم عقدت معاهدة دفاع مشترك مع تايوان. وقد أحجمت الصين الشعبية عن محاولات ضم تايوان، بالفعل، لكنها كانت، بين الحين والآخر، تقصف الجزر التابعة لها. بغرض إثبات عدم خوفها من تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية. وتسبب ذلك في توتر شديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ولكن الصين لم تحاول غزو تايوان نفسها.