إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الموسوعة المصغرة للحرب الكورية (25 يونيه 1950 ـ 27 يوليه 1953)





الدبابة المتوسطة ت 34
خط دفاع نهر كوم

مناطق التركيز لهجوم الربيع
مواقع الفرقة 38 مشاة
هجمات الفيلقين الثاني والخامس
هجمات الفرقة 12 الكورية
هجمات شمالية على تايجو
هجمات شمالية في الشرق
هجوم شمالي على ناكتونج
هجوم شمالي على تايجو
مطاردة القوات الكورية الشمالية
نطاق الفيلق العاشر
أعمال تعطيل الفوج 34
أعمال تعطيل الفرقة 21
معركة هوينج سون
معركة خزان شانج جين
معركة شونج شون 25-28 نوفمبر 1950
معركة شونج شون 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1950
معركة سويانج
الإبرار في إنشون
الهجوم على الفرقة 20
الهجوم على سكشون وسانشون
المرحلة الثالثة للهجوم الصيني
الالتحام عند أونسان
الانسحاب من خزان شوزين
الانسحاب لخط الفرقة الأولى
الاستيلاء على بيونج يانج
التمركز في هاجارو- ري
التدخل الصيني غرباً
التقدم إلى الممر الشرقي
الجبهة الأمريكية الكورية الجنوبية
الدفاع عن نهر كوم
الدفاع عن خط ونجو
الشماليون يعبرون نهر هان
انسحاب الجيش الثامن
العاصفة والمقدام الجبهة الشرقية
العاصفة والمقدام الجبهة الغربية
الفوج 31 شرق الخزان
الفرقة الثانية في كونو- ري
الفرقتان السابعة والثامنة مشاة
اجتياز الشماليون خط 38
تدمير رأس جسر للشماليين
تقدم الجيش الثامن
تقدم الفيلق العاشر
تقدم القوات الأمريكية والجنوبية
تقدم قوات الأمم المتحدة
جبهة شرق هواشون
دخول القوات الشمالية ناكتونج
جيب كومشون
خرق نطاق الحصار
خط إخلاء الفيلق العاشر
خط المعركة 10 يوليه
خط الاتصال 1 يوليه
خط الترسيم المقترح
خط الجبهة يتحرك للجنوب
خط الجيش الثامن 1952
خط دفاع يوسان الدائري
خطة الفيلق العاشر
رأس جسر شونجشون
سد هواشان
شيبيونج - ني
سقوط تايجون
سقوط سيول
كوريا
عملية الإلتفاف
عملية الخارق الجبهة الشرقية
عملية الخارق الجبهة الغربية
عملية الصاعقة
عملية الصاعقة فبراير 1951
عملية الشجاع
عملية القاتل
قوات واجب سميث
قوة واجب كين



حرب عام 1967

ثانياً: الدروس المستفادة

1. كان الدرس الأساسي الذي تعلمته الولايات المتحدة الأمريكية، وربما باقي الدول الغربية، هو ضرورة فك التداخل والتعارض بين المسؤوليات، السياسية والعسكرية. لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية، والدول المتحالفة معها، في الفصل التام بين المسؤوليات، ولم تتشكل قيادة قوات مشتركة ومسرح عمليات، مسؤولة عن التخطيط والتنفيذ والإدارة، إلا بعد ذلك في حرب تحرير الكويت. وفي معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1964، ظهر رأي عام قوي ينادي بإبعاد القادة العسكريين من التدخل في السلطات المدنية. وندد الكثيرون بالرأي القائل إن العسكريين في الحكومات الفردية وبعض البلاد الديمقراطية قد فازوا بالسلطة، وهم يديرون بلادهم بكفاءة، فما المانع من مباشرة القادة العسكريين للأمور السياسية المدنية. وكان رأي ثالث لقي قبولاً من قطاعات كثيرة وهو الرأي الذي يوجزه ماثيو ريدجواي بقوله: "إننا يجب أننا نصمم، بكل قوة، على أن تتولى السلطة المدنية تشكيل سياساتنا الخارجية في السلام والحرب، سواء بسواء. ولكن في الحقيقة، في ظل وجود ظروف ومتغيرات وأناس يحبون العدوان، ويريدون تدمير السلام العالمي، يجب أن يكون هناك نسيج دقيق، ومزج جيد بين الأهداف السياسية والعسكرية، وأن تعمل القيادات السياسية لصيقة بالسلطات العسكرية، في تحديد الأهداف الممكنة، ووضع وسائل تحقيقها.

ويتعلق بذلك تساؤل جدير بالإجابة، وهو: لماذا اجتازت الولايات المتحدة الأمريكية خط العرض 38؟ ولماذا تدخلت الصين الشعبية؟ أما جواب الشق الأول، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد نجاحها في تحقيق انتصار ساحق، في عملية إنشون، ظن قادتها العسكريون أنها قد حطمت جيش كوريا الشمالية، وأن الفرصة قد سنحت لحل المشكلة الكورية نهائياً، والفوز بسمعة دولية عظمى مؤداها أن حل المشاكل الكبرى، في العالم، بيد الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وشاركتها بريطانيا في ذلك؛ فقد صرح إرنست بيفن ERNEST BEVIN، وزير خارجية بريطانيا، في نيويورك، عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتياز خط العرض 38، قائلاً: "حان الوقت لإزالة الخط المصطنع بين الكوريتين، وتوحيدهما".

أما الشق الثاني، فلعل جوزيف ستالين قد اشتدت غيرته من تصاعد قوة ماو تسي تونج، في الصين، فعمد إلى محاولة توريط الصين في حرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليظل هو أكبر قوة في الشرق الأقصى. أو لعل ذلك توافق مع إحساس الصين الشعبية بضرورة التدخل لحماية مصالحها وأمنها وعلاقتها الوطيدة بكوريا الشمالية.

2. لا يوجد عداء دائم، ولا صداقة دائمة، وإنما توجد مصالح استراتيجية وغير استراتيجية، تتوافق أو تختلف. فبعد العداء الشديد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للصين، أخذت الولايات المتحدة تتقارب مع الاتحاد السوفيتي؛ بهدف حجب المساعدة السوفيتية عن الصين، وبالفعل، في يونيه 1959، نقض الرئيس السوفيتي، نيكيتا خروشوف Nikita Khrushchev، اتفاقيته مع الصين قبل عامين، في مساعدتها في تطوير القنبلة النووية. ثم تواصلت سياسة عزل الصين الشعبية، في عهد الرئيسين الأمريكيين، جون كيندي John F. Kennedy، وليندون جونسون Lyndon B. Jonson.

فجرت الصين قنبلتها الذرية، في 16 أكتوبر 1964، ثم طورت قنبلتها الهيدروجينية، في 17 يونيه 1967. وخطت الصين خطواتها؛ لتصبح قوة كبرى على المسرح الدولي، وأثبتت، بذلك، فشل السياسة الأمريكية الذريع، في محاولة عزلها. ومن ثم، بدأت السياسة الأمريكية، منذ ريتشارد نيكسون Richard Nixon، تخفف حدة عدائها للصين الشعبية، ثم تعتدل تدريجياً؛ فزار نيكسون وزوجته بكين، في فبراير 1972، في ظل ترحيب دولي وأمريكي. وبدأ التقارب الأمريكي الصيني؛ لينهي عداوة شديدة، بدأت مع الصراع المسلح، في كوريا.

3. خطأ الاعتماد على التفوق الجوي في حسم الصراع المسلح. أخطأ الأمريكيون حين ظنوا أن تفوقهم الجوي يمكن أن يحقق المعجزات، وينهي الحرب لصالحهم، عندما يقطع خط إمدادات القوات الشيوعية، وإسنادها اللوجيستي. ولقد أصبح مستقراً الآن أن القوة الجوية وحدها لا يمكنها حسم المعارك، حقيقة إن التفوق الجوي أنقذ قوات الأمم المتحدة من أن تحل بها الكارثة، والهزيمة الكاملة، ولكنه لا يمكن أن يحسم الموقف فالقوات الجوية لها قدراتها المحددة، التي قد يجهلها البعض. وليس أدل على ذلك مما حدث في الحرب العالمية الثانية، عندما استطاع الألمان تأمين 26 فرقة جنوب جبال الألب في إيطاليا، باستخدام بعض الممرات الجبلية القليلة، لتأمين إمداداتهم طوال عامين كاملين، بغض النظر عن التفوق الجوي الكبير لقوات التحالف. وقد أقر ماك آرثر نفسه بعجز القوات الجوية عن عزل ميدان القتال، بالقصف الجوي، وعن وقف تدفق الإمدادات والمؤن. وأما تدمير الطيران للسكك الحديدية والجسور، فسرعان ما كان يتم تلافيه، وإصلاح ما خرب، في غضون أيام قلائل.

أبرز مثال من الحرب الكورية على عدم قدرة السلاح الجوي حسم الموقف تماماً هو ما يلي: تمكن سرب طائرات، من نوع شوتنج ستار، من قصف تجّمع كوريا الشمالية، بدباباته وسياراته، شمال أحد الجسور المنسوفة، في بيونج تايك. وقيل إن هذه الضربة الجوية، تسببت بتدمير 38 دبابة، و7 عربات نصف جنزير، و117 سيارة، ومقتل مئات الجنود. وقد حققت هذه الضربة، وما ساندها من غارات جوية أمريكية أخرى، تركزت في شونوي، أعظم خسارة للقوات المدرعة في جيش كوريا الشمالية، في الحرب الكورية كلها.

مع ذلك، لم يستطع الفوج 21 الأمريكي الاحتفاظ بشونوي، أمام ضربات الكوريين الشماليين المستميتة، التي كانت تهدف إلى الوصول إلى شوشي وون. فبدأ هذا الفوج انسحابه، قبل منتصف ليلة 10 يوليه، واتخذ لنفسه مواقع جديدة، على بعد أميال قليلة، شمال شوشي وون.

4. ضرورة مراعاة ظروف البلاد التي يدور على أرضها الصراع المسلح. فقد أثبتت الحرب في كوريا مشكلة نشر جيش غربي، مزود بأحدث أسلحة العصر، في بلد محطم، ضد عدو متواضع التسليح. وهو الخطأ الذي لم يتجنبه الأمريكيون، بعد ذلك. وكان لا بد من استخدام مبدأ الحرب المحدودة؛ فدائماً يلقى مبدأ الحرب المحدودة قبولاً لدى المسؤولين عن السياسة الخارجية أكبر منه لدى المسؤولين العسكريين الميدانيين؛ نظراً لسهولة مسائل التمويل والتكاليف، والنقل.

5. ضرورة مراعاة أن يقع عبء تحمل تكاليف القتال على كافة طبقات المجتمع. فمن الدروس التي لم يتعلمها الأمريكيون ما أظهرته دراسات البنتاجون، أثناء الحرب الكورية، مثلما حدث كذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، أن الطبقات الأمريكية الفقيرة هي التي تحملت العبء الرئيسي في القتال، وشكلت صفوف المشاة. وسوف يتكرر هذا الخطأ، بعد ذلك، في حرب فيتنام.

وقد أتيحت الفرصة للشيوعيين في كوريا لتعلُّم الكثير عن حدود قدرة الغربيين على التحمل والصبر، وصعوبات الحفاظ على حماسة عامة إزاء هدف غير محدد جيداً في الدول الديمقراطية.

6. خطأ الإصرار على إحراز نصر كامل. فقد كان الخطأ الأساسي الذي نجح الأمريكيون في تحاشيه، هو الإصرار على إحراز "نصر كامل"، أو "استسلام أعدائهم من دون شروط"، قبل الدخول في مباحثات سلام. وبدلاً من ذلك، حافظوا على مبدأ "الحرب المحدودة"؛ إدراكاً منهم أن الحرب المفتوحة، تكلف أفدح الخسائر، وقد تسبب ضياع الحضارة، التي بنيت عبر آلاف السنين، دون أن يتحقق لجانب ما نصر حاسم تماماً، على الجانب الآخر.

7. كان الدرس الذي تعلمه العالم أن صراع الأيديولوجيات لا بد من التعامل معه بمنطق الحوار والتفاهم، ولا يقضي عليه إلاّ من خلال جهود سياسية واقتصادية وعسكرية، تتضافر فيها شعوب العالم جميعاً؛ لإرساء السلام والعدل.

8. لا بد من الاستعداد الكامل، والجاهزية؛ لمواجهة أي حدث طارئ، وإعداد الخطط اللازمة لذلك؛ حتى لا تكون القرارات المصيرية خاضعة لعنصر المفاجأة.

وقد كان هذا متوفراً، لدى صناع القرار الأمريكيين، في كل من الحرب العالمية الأولى في مواجهة أحداث الحرب الأهلية مع أسبانيا ومواجهة ألمانيا، والحرب العالمية الثانية، عندما وقع حادث بيرل هاربر.

ومن ثم اتخذ الرؤساء ماكينلي Mckinley، وويلسون، وروزفلت، قرارات مصيرية. ولكن في يونيه 1950، غداة نشوب الصراع المسلح في كوريا، فوجأ صناع القرار الأمريكيون بانفجاره، من دون مقدمات في حسبانهم. ولذا لم تكن مواجهة الحدث على المستوى المطلوب، وحدث الخلل والاضطراب في أساليب المعالجة، ومن ثم جاءت النتائج في غير صالح الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي. ولم تقتصر المفاجأة على غزو كوريا الشمالية فحسب، بل امتدت واتسعت، بصورة هائلة، مع التدخل الصيني، الذي قلب الموازين، وجعل الولايات المتحدة الأمريكية تبدل جميع حساباتها.

9. ضرورة التعاون الوثيق مع الدول المتحالفة، وعدم فرض سيطرة إحداها، أو أقواها، على البقية. فقد كان من الأخطاء، التي وقعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، أنها انفردت بالسيطرة الكاملة على إدارة المعركة في كوريا، وتعاملت مع الدول المتحالفة معها على أنهم أتباع لا يحق لهم المشاركة في إدارة العمليات. وقد تسبب هذا في ضيق هذه الدول، وتبرمها بمسار العمليات، وسرعة تسرب اليأس إلى نفوسها. وفي مقابل ذلك، كان كثير من العسكريين والسياسيين الأمريكيين يعبرون عن غضبهم من مراوغات حلفائهم، الذين كانت مشاركتهم ضئيلة. وقد اعترف الدبلوماسي البريطاني روجر ماكينز Roger Makins بقوله: "لقد كان من ميراث الحرب العالمية الثانية أننا ظللنا دائماً نتوقع من الولايات المتحدة أن تتحمل وطأة العمل العسكري الغربي وتضحياته".

وقد تسببت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة على إدارة المعركة في النظر إلى علم الأمم المتحدة على أنه مجرد غطاء أجوف، وأن الأمم المتحدة لعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية. وقد عبر عن ذلك قائد المجموعة البريطانية "جوني Johnnie"، بقوله: "لقد شعرت أنني أشاهد عرضاً أمريكياً". وقد شعر ساسة بريطانيا بأنهم لا دور لهم في إدارة المعارك، لا سيما فيما يتعلق بإمكانية استخدام السلاح النووي. أما الدول الأخرى فقد اهتزت ثقتها، بعد ذلك، في علم الأمم المتحدة؛ بعد استخدامه، في الحرب الكورية، لتنفيذ معطيات السياسة الخارجية الأمريكية وحدها، بغض النظر عن عدالتها.

وقد انتقد أوليفر فرانكس Oliver Franks، السفير البريطاني الأسبق في واشنطن، الموقف الأمريكي من الأمم المتحدة، بقوله: "إن الإدارة الأمريكية انفردت بالتصرف في المسألة الكورية، وما كان علم الأمم المتحدة إلا واجهة لتبرير ما تريده الولايات المتحدة، وليس لرد عدوان شيوعي".

10. أهمية تأمين الإسناد اللوجستي.

فقد كان له الدور الأساسي في الحرب، وساعد على نجاح الأمريكيين وقوات الأمم المتحدة، في هذا الأمر، استمرار وصول القطار السريع، المعروف باسم "الكرة الحمراء Red Ball"، يومياً، إلى مطار بوزان، حاملاً الماء والطعام والإمدادات، من يوكوهاما، مروراً بمساسيبو، من 23 يوليه 1950، بطاقة 308 أطنان، زيدت إلى 946 طناً، من 25 أغسطس 1950.

كذلك نجحت القوات الأمريكية في تعديل ميزان القوى، عندما استولت على ميناء إنشون، في يوليه 1950؛ فقطعت خطوط الإمداد الرئيسية لقوات كوريا الشمالية.

11. إعداد القوة المناسبة لحجم القوة المعادية. فلا يعد جيش كبير لمواجهة قوة صغيرة، ولا العكس. قال ضابط متقاعد، شارك في الحربين الكورية والفيتنامية: "لقد ذهبنا إلى كوريا بجيش متواضع للغاية، وخرجنا منها بجيش ضخم جيد. ثم ذهبنا إلى فيتنام بجيش ضخم جيد، وخرجنا بجيش هش محطم".

وهذا معناه أن الولايات المتحدة حاولت أن تتجنب خطأ وقعت فيه في الحرب الكورية، وهو دخول الحرب بجيش بسيط، فأبدلته بجيش ضخم معد جيداً في الحرب الفيتنامية. وهكذا اقتنع الأمريكيون، من خلال تجربتهم في كوريا، أنهم إذا نشروا قوتهم النيرانية، ومعداتهم المتفوقة، بصورة جيدة يمكن دائماً أن يلحقوا الهزيمة بجيش آسيوي، فقير المعدات.

12. ضرورة الاهتمام الدائم بتطوير القوة العسكرية وتحسين أدائها بصورة مستمرة تعلم الأمريكيون من الحرب الكورية أنهم أخطأوا حين أهملوا الاهتمام بقواتهم العسكرية، في الفترة بين 1945 و 1950، وتسبب ذلك في تردي مستوى الأفراد والتدريب والقيادة والإمداد، ما مكن الصينيين من إنزال كارثة ضخمة بالقوات الأمريكية، في معارك الشتاء. ويحسب لريدجواي أنه تعلم الدرس جيداً، وبذل جهده لتلافي أوجه النقص كلها، وتحويل الجيش الثامن الأمريكي، من جيش مهزوم ضعيف إلى جيش قوي تمكن من صد الصينيين، وإلحاق سلسلة من الهزائم والخسائر بهم.

13. إمكان إنقاذ بلاد كثيرة من الوقوع في براثن الشيوعية، من خلال دعم قوي عسكرياً واقتصادياً. وتعلم الساسة الأمريكيون أن بإمكانهم التعامل حتى مع نظام فاسد، مثل نظام سينجمان ري، الذي لم يكن جيشه قادراً قط على الدفاع عن نفسه، في ميدان المعركة، وبإمكانهم من خلال دعم عسكري واقتصادي كاف، الحفاظ على نظام معاد للشيوعية، من الوقوع في براثنها.

14. لا بد من تغطية نقاط الضعف في أفرع الأسلحة المختلفة؛ إذ لا يمكن تعويض نقطة ضعف في فرع ما بتقوية فرع آخر. أقر الأمريكيون أن نقاط الضعف في قواتهم، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، تكمن في سلاح المشاة، وفي قيادة الوحدات الصغيرة، وتكتيكاتها، والطيران المدني ونظام المعركة. ومع ذلك أصر كبار القادة العسكريين على أن المميزات العسكرية الأخرى، في الجيش الأمريكي، المتركزة على تكريس الخبرات الضخمة العلمية والتقنية، يمكن أن تعوض نقاط الضعف. وكان هذا خطأ فادحاً، فقد أعاقت الجبال التحركات على جوانبها، وكانت طبيعة الأرض الضيقة، في شبه الجزيرة، عائقاً أمام دعم القوات الضخمة.

15. ضرورة التقدير الجيد لدوافع الخصوم إلى الدخول في حرب مهما كانت النتائج. فلم يقدِّر الأمريكيون الدوافع التي توجب على الصينيين التدخل في هذه الحرب، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهتها بكين، عن قرب نفاد صبرها، وأظهرت اضطرارها إلى الدفاع عن مصالحها الأساسية، وعبور نهر يالو، فيما يشبه ما فعله الرئيس جون كيندي عندما هدد بالحرب المباشرة ضد السوفيت، إذا أقاموا قاعدة صواريخ في كوبا. ولقد أخطأ كثير من الأمريكيين، في عام 1950 وما بعده، حين رأوا أن نظام ماو تسي تونج هو نظام شرير عدواني، يجب التخلص منه بكل الوسائل، بما فيها السلاح النووي. وقد رجع معظم حلفاء الولايات المتحدة عن هذا الاعتقاد، وخاصة بريطانيا، التي سارعت بتحسين علاقاتها بالصين، واعترفت بها. لقد كان من غير المعقول أن تظل الصين ساكنة، في الوقت الذي تنشر فيه الولايات المتحدة قواتها بطول نهر يالو.

16. ضرورة توقع حدوث التطور والتحسن في قوة الخصم، ودرجة أدائها. وإعداد العدة لذلك. وأخطأ الصينيون، بدورهم، في تقديرهم الاستراتيجي لحجم قوة الجيوش الغربية. فإنهم عندما حققوا انتصاراتهم الأولية، ظن ماو تسي تونج وقادته أن مستوى أدائهم سيظل على هذا النحو، وسيظل الجيش الأمريكي بهذا الضعف، الذي كان عليه في نوفمبر وديسمبر 1950. ما جعل الصينيون يطورون هدفهم الأساسي المحدود، وهو إزاحة الأمريكيين بعيداً عن نهر يالو، إلى محاولة التمادي أكثر من ذلك، إلى سحق القوات الأمريكية وتحقيق نصر تاريخي مذهل.

ومن ثم تمادوا في تقدمهم، وطالت خطوطهم، فأُنهكت وسائل إسنادهم وإمداداتهم وأفرادهم. ثم قابلوا القوات الغربية بعد أن استعادت كامل قوتها، بعد أن أعاد الفريق الأول ريد جواي جمعها وحشدها وتنظيمها. فبدأ حجم خسائرهم يزداد زيادة كبيرة، وتضاعفت عزلتهم السياسية والاقتصادية، واعتمادهم المطلق على الاتحاد السوفيتي.

17. ضرورة تبني سياسة خارجية قوية، متناسقة تماماً مع القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية. تعلم الأمريكيون أن إصرارهم على قيادة المعسكر الغربي، وهو ما أسموه بالعالم الحر، يتطلب إعادة النظر في سياستهم الخارجية، وضرورة أن تكون لهم سياسة خارجية قوية. وأهم من ذلك، أن من الحماقة محاولة تنفيذ هذه السياسة بالقوة العسكرية وحدها. بل لا بد أن تتضافر القوة العسكرية مع الاقتصاد القوي، وغيره من العوامل؛ لفرض هذه السياسة. ولذا يقول الفريق الأول ماثيو ريدجواي: "لقد أعادت تجربتنا في كوريا تلقيننا هذا الدرس، بعد أن تلقيناه أولاً أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم تلقيناه، مرة أخرى، في الحرب العالمية الثانية. ولكننا، ظننا أننا أصبحنا في أمان تام، وصنعنا من خيالاتنا خطوط "ماجينو" أنفسنا، تمثلناها في الأمم المتحدة، وقوتنا الرهيبة المتمثلة في انفرادنا بتملك القنبلة النووية.

ومن ثم انحصرت اهتماماتنا في جمع الأموال، ومباريات الكرة بأنواعها، وأحدث موديلات السيارات، والمنازل الحديثة، ووسائل الراحة والرفاهية الحديثة، وأفضل السبل لقضاء العطلات، واقتناء آلاف الكماليات البسيطة، التي عشنا، سنين طوالاً، مستغنين عنها.

وهكذا فإن مئات الآلاف من الضباط، وضباط الصف، والجنود المحترفين المتمرسين، وهم العمود الفقري لقواتنا العسكرية، خلعوا ملابسهم العسكرية، وهم سعداء، مقتنعون أنهم قد أدوا واجبهم كاملاً تجاه وطنهم، دون النظر إلى المستقبل، وأنهم قد يعودوا للخدمة مرة ثانية، على وجه السرعة، براً وبحراً وجواً.

في الحقيقة، لم يكن أحد منا يتخيل أن القوات الأمريكية قد تخوض حرباً طويلة الأمد، في أراض بعيدة. وإنما كان الظن دائماً أننا لن نخوض سوى حرب محدودة، قصيرة الأمد".

18. ضرورة التقييم الدقيق الصحيح لتقارير الاستخبارات، وتوقع الأحداث المستقبلية. أدرك القادة الأمريكيون أنهم فشلوا في تقييم تقارير الاستخبارات، ومن ثم فشلوا في استقراء أحداث المستقبل. ولذا كانت أحداث كوريا مفاجأة للإدارة الأمريكية أربكت حساباتها. يقول ريد جواي: "لم يحدث من قبل أن واجه البيت الأبيض مسألة تتعلق بالحرب والسلام، بمثل هذه المباغتة والمفاجأة، التي تضمنت احتمالاً كبيراً، لا محدوداً، لوقوع كارثة.

الصين في شأن الهدوء الحالي، كلها خاطئة إلاَّ القول بأن الهدوء الحالي، الذي امتد إلى ثلاثة أسابيع (من 7 إلى 26 نوفمبر 1950)، هو مجرد فترة توقف، تجهز فيها الصين قوات وإمدادات أكثر؛ لتدفع بها إلى خطوط الهجوم.

وأكد ذلك ورود تقديرات من الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية ـ تخالف تقديراتها السابقة ـ تفيد بأن الصينيين سوف يضاعفون التزامهم في كوريا، وأنهم أعدوا قوات كافية لإرغام قوات الأمم المتحدة على الانسحاب. وكان ما فعلته الصين هو خدعة حربية وقع الأمريكيون في شراكها. وقد وجه السناتور سولتنسول سؤالاً إلى وزير الخارجية أتشسيون، أثناء الاجتماع الشهير لهيئة الأركان المشتركة، قائلاً:

إنهم قد خدعونا في الحقيقة، أليس كذلك؟

فأجابه أتشسيون: "نعم يا سيدي".

كانت دائماً تقع حروب خارجية، نتيجة سلسلة طويلة من الأحداث، شكلت رأياً عاماً قوياً صلباً ساند الإدارة الأمريكية وكفل لها حشد دعم وتأييد عام، ومن ذلك الأحداث التي أدت إلى حربنا مع أسبانيا، طوال ثلاث سنوات، ثم خوضنا الحرب الأولى ضد ألمانيا، ثم الخيانة التي تعرضنا لها في بيرل هاربر PEARL HARBOR، ما أسرع بنا كالصاروخ إلى دخول الحرب العالمية الثانية. وهي الأحداث التي اضطرت الرؤساء، ماكينلي، وويلسون، ورزوفلت إلى اتخاذ قرارات مصيرية.

أما في 1950، فقد فوجئنا بالأحداث في كوريا، دون مقدمات. لقد كانت المفاجأة أشبه بحادث بيرل هاربر. لم يكن أمامنا أي خيار، وكان لا بد للرئيس ترومان من مواجهة التحدي وخوض القتال. لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية لتسمح بسقوط كوريا الجنوبية في براثن الشيوعية المسلحة. لقد كانت الشيوعية المسلحة هي التحدي المباشر لمصالحنا وأمننا. ورأينا أننا إذا لم نقبل التحدي، ونواجهه، فسيؤدي حتماً وتدريجاً، إلى حرب عالمية ثالثة.

خفيت تحركات جيش كوريا الشمالية، بين 15 و24 يونيه، شمال خط العرض 38، على كوريا الجنوبية، والأمريكيين، والعالم الغربي؛ ففوجئوا، صباح 25 يونيه 1950، بقصف مدفعية قوات كوريا الشمالية. على الرغم من أن تقريراً أرسلته الاستخبارات الأمريكية، قبل الغزو بستة أيام، أفاد بوجود "تحركات لحشود كثيفة شمال خط العرض 38، صاحبها إخلاء جميع المناطق السكنية، إلى عمق كيلومترين، وإيقاف عمليات نقل البضائع وخدماتها، من وونسان WONSAN إلى شورون CH'ORWON، وقصرها على نقل الإمدادات العسكرية. وصاحبها كذلك نقل كميات ضخمة من الذخائر والمعدات إلى مناطق الحدود". ولكن يبدو أن هذا التقرير لم يقرأه أحد من كبار القادة وصناع القرار، لا في قيادة قوات الشرق الأقصى، ولا في واشنطن.

ومن ذلك أنه: عقب الاستيلاء على بيونج تايك مباشرة، تحركت الفِرقة السادسة الكورية الشمالية، إلى الجنوب الغربي من شبه جزيرة كوريا. لقد كانت مهمتها محددة، عقب سقوط سيول، وهي أن تتبع الفِرقتَين، الثالثة والرابعة عبر نهار هان، إلى أن تصل إلى تشونان Ch'onan. ثم تتمركز هناك إلى 11 يوليه، حينما صدرت إليها الأوامر بالتحول إلى الطريق السريع، قاصدة الساحل الغربي. وقد تمكنت، على مدى الأسبوعَين التاليَين، من خداع استخبارات الجيش الثامن الأمريكي؛ فلم ينتبه لها مطلقاً. ولقد تمكنت، بفضل مهارة تكتيكاتها، وسرعة تحركاتها، من إرغامه على التشتت، وأجبرت كلاً من طوكيو وواشنطن، على تغيير خططهما، فيما يتعلق بمسار العمليات القتالية. لقد انطلقت، ولم يصمد أمامها بقايا أفراد الفِرقة السابعة من قوات كورية الجنوبية، وبعض أفراد الشرطة. وهكذا، تمكنت قوات كوريا الشمالية من إكمال الاستيلاء على تايجون، في 20 يوليه. ثم واصلت سيرها فوصلت كوانجو Kwangju، في 23 يوليه. وهناك نشرت أفواجها الثلاثة 13 و 14 و 15.

ولم تلق هذه الفِرقة، طوال أسبوع بعد ذلك، مقاومة تذكر، وهي تواصل تحركاتها.

19. ضرورة أن تكون الأهداف محكومة دائماً بالقدرات. وأن ينضبط السعي بتحقيق نصر محدد الأبعاد من البداية. فقد كان هدف قوات الأمم المتحدة، من البداية، هو رد عدوان كوريا الشمالية، وطرد قواتها من كوريا الجنوبية. ولكن نجاح الأمريكيين في معركة انشون أغراهم بتغيير مسارهم والاندفاع شمالاً، إلى عبور خط العرض 38؛ في محاولة لضم كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، وهو الحلم الذي طالما حلم به سينجمان ري، والجائزة التي كان يطمح إليها ماك آرثر. ولكن التدخل الصيني قلب الموازين، وأجبر الأمريكيين على تغيير خططهم، والاكتفاء بمحاولة الحفاظ على استقلال كوريا الجنوبية، وإبعاد خطر الشيوعية عنها.

20. تعد حرب العصابات من الحروب التي ينبغي للجيوش النظامية أن تتجنبها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. ومن ثم حرص القادة العسكريون الأمريكيون، في صيف 1951، على عدم الاندفاع وراء الآراء التي قالت أنه لا بد من حصار الساحل الصيني، وقصف قواعد منشوريا، بل وإلحاق الهزيمة بالصينيين ولو باستخدام القنبلة الذرية. وكان الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع وهيئة الأركان المشتركة على مستوى المسؤولية والوعي، حين أيقنوا أن نصراً سريعاً محتملاً لن يكون آمناً من أن تصحبه خسائر كبيرة، على المدى البعيد، وستظل الولايات المتحدة الأمريكية تواجه حرب عصابات لا نهاية لها، في ظل العجز الظاهر لقوات كوريا الجنوبية عن حماية المنطقة، من دون مساعدة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

21. الابتعاد تماماً عن محاولة بناء التكتيك الاستراتيجي على استقراء نيات العدو، مع الخطأ في التقدير الصحيح لقدراته الحقيقية. لقد قلل ماك آرثر ومعاونوه من جدية التهديد الصيني بالتدخل في كوريا، حتى عندما تأكدوا أن الصين الشعبية قادرة، بالفعل، على تنفيذ تهديدها. وأصروا على بناء تحركاتهم على نظرية أنه لا يوجد قائد عاقل يقذف بقواته وحشوده جنوب نهر يالو، لتتعرض لأتون الهجوم الجوي والبحري الهائل من جانب القوات الأمريكية وحليفاتها.

22. لا يكون للاتفاقات مع القوى الشيوعية أي قيمة، ما لم تشملها مواثيق مشددة، واستعداد كامل للتحرك العسكري والانتقام عندما يحدث أي إخلال بالاتفاقات.

23. لا يمكن حسم المشاكل الدولية، والصراعات الأيديولوجية، بالحلول العسكرية وحدها. وإنما يجب أن يكون العمل العسكري وسيلة، ضمن منظومة وسائل وأساليب سياسية واقتصادية لمواجهة هذه المشاكل. وفيما يتعلق بالصدام الغربي مع الشيوعية، لا بد أن يدرك الغرب أن العالم لن يكون مستقراً متوازناً، إذا كان أقل من ثلث سكانه يعيش في أعلى درجات الرخاء والرفاهية، بينما يعيش الثلثان الآخران في ظل الفقر والضنك. يقول ريدجواي: "يجب مواجهة الشيوعية بحسابات دقيقة تسعى إلى الحفاظ على كرامة الإنسان وحريته الشخصية، من خلال جهود مشتركة سياسية واقتصادية وعسكرية. وأن نحدد ذلك بوضوح كاف، حتى لا تصبح نداءاتنا مجرد صيحات حرب، نخفي وراءها أهدافاً مادية أنانية.